تستدعي إمكان الاطّلاع على الغيب بإحدى الطرق المألوفة ، والرسالة سفارة للمرسَل ( بالفتح ) من جانب المرسِل ( بالكسر ) لتنفيذ ما تحمله منه في الخارج ، أو ابلاغه إلى المرسل إليهم. وإن شئت قلت : النبوة تحمّل الاَنباء والاَخبار عن اللّه ، والرسالة تحمّل التبشير والاِنذار والتبليغ من جانب أي شخص كان سواء أكان هو اللّه أم غيره. (1) وتصديق ذلك يتوقف على إمعان النظر فيما نقلناه عن الاَعلام في تفسير مادتي النبوة والرسالة اللتين اشتق منهما لفظا النبي والرسول. توضيح ذلك : أنّ النبي باعتبار اشتقاقه من النبأ بمعنى الخبر (2) كما عليه جمهور اللغويين عبارة عمّن قام به المبدأ وهو « النبأ » فلا مناص في حالة إطلاق النبي على شخص ، عن اتصافه بمبدئه وقيامه به بنحو من أنحاء القيام فهو ـ بما أنّه واجد لهذا المبدأ أي الاطلاع على النبأ أو الاَنباء عنه ـ نبي. ففي أي مورد أُطلقت كلمة النبي في كلامه سبحانه أو جاءت في السنّة واللغة فلا يراد منها إلاّ من خصص بهذه المكانة ، أي مكانة تحمل النبأ وشرف الاتصال باللّه والعلم بما عنده والاِيحاء إليه بإحدى الطرق المذكورة في القرآن الكريم ، أعني : سورة الشورى الآية 51. ولاَجل ذلك نراه سبحانه يقرن لفظ الوحي بلفظ النبيين ويقول : ( إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوحَيْنا إِلى إِبْراهيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاََسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ). (3) 1 ـ مثل قوله : ( فلمّا جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك ) ( يوسف : 50 ). 2 ـ نعم لا كل خبر أو كل نبأ ، بل النبأ من اللّه ولو كان في اللغة موضوعاً للمعنى المطلق ، لكن المصطلح استقر على استعماله في النبأ من اللّه. 3 ـ النساء : 163.
(372)
وأمّا قوله سبحانه : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاإِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (1) فانتخاب الرسول دون النبي هو المناسب للوحي إنّما هو لاَجل قوله ( أَرْسَلْنا ) الذي يناسب الرسول كما سيوافيك بيانه ، والآية تهدف إلى أنّ الرسالات كلها كانت قائمة على أساس التوحيد ونفي عبادة غيره تعالى. والمراد من الرسول في قوله سبحانه : ( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ) (2) هو أمين الوحي (3) ، يعني أنّ الرسول ( الروح الاَمين ) يوحي إلى ذلك البشر الذي أراد الله أن يكلّمه ، بإذنه سبحانه فالرسول في الآية موح لا موحى إليه كما لا يخفى. وإلى ذلك يشير العلاّمة اللغوي العسكري حيث يقول في فروقه : « والاِنباء عن الشيء قد يكون من غير تحمل النبأ ... » فيريد أنّ النبوة متقومة بتحمل الخبر ولا يشترط في صدقها كون النبي مأموراً بإبلاغه إلى الغير (4) بخلاف الرسالة فإنّها متقومة بتلك الحيثية. وأمّا الرسالة : فحقيقتها عبارة عن القيام ، بإنفاذ عمل أو إبلاغ كلام من جانب الغير سواء أكان هو اللّه سبحانه أم غيره (5) وتحمّل التبشير والاِنذار كما نقلناه عن الراغب والعسكري. ويدل على ذلك أنّ اللّه سبحانه إذا أراد من نبيه تبليغ كلام عنه أو تحقيق عمل في الخارج يخاطبه كثيراً بقوله : ( يا أيّها الرسول ) لا بلفظ ( يا أيّها النبي )
1 ـ الاَنبياء : 25. 2 ـ الشورى : 51. 3 ـ وإلاّ لكان الاَنسب مع قوله : ( فيوحي بإذنه ) لفظ « النبي » لا « الرسول » كما لا يخفى. 4 ـ نعم دلّت ظواهر الآيات على أنّ كل نبي كان مبعوثاً إلى الناس كما مضى. 5 ـ سيوافيك دليل عمومية الرسالة من جانب المرسل ( بالكسر ) كما سيوافيك دليل عموميتها من جانب نفس المرسل ( بالفتح ).
(373)
كقوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (1) وقوله سبحانه : ( قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاََهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً ) (2) وهذا صريح في أنّ منصب الرسالة هو منصب التبليغ وتنفيذ أمر المرسل لا منصب نزول الوحي والاِنباء عن اللّه مباشرة. وأوضح منه ، أنّه سبحانه إذا أراد أن يحدّد وظيفة سفرائه ويبيّن لهم أنّهم بعثوا للتبليغ والاِبلاغ لا الاِكراه والاِلزام ، يقول : ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبينُ ) (3) ، وقوله سبحانه : ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاّالْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (4) سبحانه : ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (5) وقوله سبحانه : ( إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فِيها أَبَداً ). (6) والنتيجة : إنّه إذا تعلّق غرضه سبحانه بالبلاغ بأشكاله المختلفة ، يقرنه بالرسالة دون النبوة ويقول سبحانه : ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَيَخْشَونَهُ ) (7) ، ويقول سبحانه : ( أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ ) (8) ويقول أيضاً : ( الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ ) (9) ، إلى غير ذلك من الآيات.
1 ـ المائدة : 67. 2 ـ مريم : 19. 3 ـ النحل : 35. 4 ـ العنكبوت : 18. 5 ـ التغابن : 12. 6 ـ الجن : 23. 7 ـ الاَحزاب : 39. 8 ـ الاَعراف : 62. 9 ـ الاَحقاف : 23.
(374)
ولذلك ترى المسيح ( عليه السلام ) لما ادّعى السفارة من اللّه وانّه جاء من عند اللّه لبيان أحكامه ورسالاته خاطب قومه بقوله : ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوراةِ ) (1) ولم يقل « إني نبي اللّه ». من كل ذلك يمكننا أن نستنتج أنّ الرسالة سفارة من المرسل لبيان ما تحمّله ( أي فرد كان ) ونشره بين الناس ، وانّ الحيثية المقومة للرسالة ، أمر يستدعي التبليغ والتنفيذ ، وأمّا النبوة فإنّما هي منصب يستدعي الاتصال باللّه سبحانه والعلم بما عنده من معارف وأحكام ، ولا صلة بين الحيثيتين ، سوى انّ النبوة أساس الرسالة (2) فلا تستقيم رسالة الاِنسان من اللّه إلاّ بارتقائه إلى مقام النبوة واتصاله بالمبدأ الاَعلى ، فكانت الرسالة من آثار النبوة. ولكن هذا الاَمر لا يجعل اللفظين مترادفين ومشيرين إلى معنى واحد بل كل منهما موضوع لمعنى خاص لا يختلط أحدهما بالآخر. الثالث : انّ النبي لم يستعمل في القرآن والحديث إلاّ في الاِنسان الموحى إليه من اللّه وبما انّ الجهة المقومة للنبوة عبارة عن كونه مطّلعاً على الغيب أو منبئاً عنه ، فإنّه يصير النبي عندئذ عبارة عن الاِنسان الموحى إليه من جانب اللّه ، المطلع على الغيب ، أو المنبىَ عنه ، فاعتبر فيه قيدان : 1. كونه إنساناً. 2. كونه موحى إليه من جانب اللّه سبحانه ومتحمّلاً النبأ منه عزّ وجل. وأمّا الرسول فلمّا كانت الجهة المقوّمة لرسالته ، تحمل إنفاذ عمل أو بيان قول من جانب المرسل في إطار التبشير والاِنذار أو ما يشبهه فلا يلزم أن يكون إنساناً بل يمكن أن يكون ملكاً أو جنّاً كما لا يلزم أن يكون مبعوثاً من جانب اللّه
1 ـ الصف : 6. 2 ـ المراد : الرسالة من جانب اللّه فلا ينافي ما سيوافيك من التوسع في الرسالة.
(375)
سبحانه بل أعم منه ، ومن هنا تجد القرآن يتوسع في استعمال كلمة « الرسول » من ناحيتين : الاَُولى : التوسع من ناحية المرسل ـ بالفتح ـ حيث أطلقه على الملك المكلّف من قبله تعالى ، بإنفاذ عمل كقوله سبحانه : ( قالُوا يا لُوطُ إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ) (1) وقوله سبحانه : ( اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ ) (2) ، وقوله سبحانه : ( حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ تَوَفتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) (3) ، وهذا بخلاف النبي فإنّه لا يطلق إلاّ على البشر.
الثانية : التوسع من جانب المرسل ـ بالكسر ـ فلا يخصه بالمرسل من ناحيته سبحانه بل يطلقه على مطلق المبعوث من جانب الغير كقوله سبحانه : ( وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) (4) ولا نفهم من ( الرسول ) في الآية إلاّ نفس المعنى الذي نفهمه من قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (5) وهذا التوسع (6) في لفظ الرسول في ناحيتي المرسل ( بالكسر ) والمرسل من خصائص الرسالة ولا يوجد شيء منه في النبي ، فلا يطلقه القرآن إلاّ على البشر ـ دون الملك ـ وعلى الذي يوحى إليه من ناحيته سبحانه دون غيره.
1 ـ هود : 81. 2 ـ الحج : 75. 3 ـ الاَنعام : 61. 4 ـ يوسف : 50. 5 ـ المائدة : 67. 6 ـ بل يجري نظير هذا التوسع في لفظ المرسل ، لقوله سبحانه : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون ) ( يس : 14 ) ، فقد اتفقت كلمة أكثر المفسرين على أنّ المراد منه في الآية الفرقة المبعوثة من جانب المسيح إلى ابلاغ دينه وقوله سبحانه : ( وإنّي مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) ( النمل : 35 ).
الاَوّل إنّ النبوة متقومة بالاتصال باللّه والاِنباء عنه ونزول الوحي إلى من يسند إليه منصبها بإحدى الطرق ، وأمّا الرسالة فهي متقوّمة بتحمّل الرسول إبلاغ كلام من المرسل إلى المرسل إليه ، مثل قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (1) أو تنفيذ أمر في الخارج كما في قوله سبحانه : ( قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاََهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً ). (2) وعلى هذا فكل ما ذكروه في الفروق بين النبي والرسول سواء أصحت أم لا ممّا لا يدل عليه اللفظان بما لهما من المعنى اللغوي ولا هي داخلة في صلب معناهما ولا يدلاّن عليها بإحدى الدلالات الثلاث. (3) فالنبي هو الاِنسان المتصل باللّه سبحانه بسبب الاِيحاء إليه ، بطرقه المعهودة (4) والرسول الشخص المرسل من جانب المرسل أي فرد كان لتبليغ أمر أو إنفاذ عمل ، فليس في مفهوم الرسول المصطلح ، انّه يوحى إليه ، وانّه منبىَ عن اللّه. وإن شئت قلت : النبي : للاِنسان المنبىَ عن اللّه سبحانه ، أو المطّلع على
1 ـ المائدة : 67. 2 ـ مريم : 19. 3 ـ دلالة اللفظ على تمام معناه ، دلالة مطابقية ، وعلى جزئه تضمنية ، وعلى لازم معناه التزامية. 4 ـ وهذا هو المفهوم من مرادفه في اللغة الفارسية « پيامبر أو « پيغمبر ».
(377)
الخبر منه سبحانه ، غير مقيد بشيء من هذه الفروق ، كما أنّ الرسول هو الشخص المرسل من جانب أي شخص كان لتنفيذ أمر ، وإبلاغ رسالة ، غير محددة بشيء منها ، ولاَجل ذلك فإن انفرد لفظ النبي بالذكر ، ولم يجمع مع لفظ الرسول لا يتبادر منه إلى الذهن إلاّ المنبىَ عن اللّه والمطّلع على الغيب فقط. ومثله لفظ الرسول ، إذا لم ينضم إليه لفظ النبي ، فلا يتبادر منه إلى أذهاننا إلاّ القائم بإبلاغ رسالة أو تنفيذ أمر فقط ، من دون أن يتوجه الذهن إلى أحد هذه الفروق كما لا يتوجه إلى كونه مرسلاً من جانب اللّه ، وعلى هذا فاللفظان مختلفان معنى وأمّا النسبة ، فحيث إنّ القرآن يتوسع في استعمال الرسول ، فيطلقه على الاِنسان والملك ، بخلاف النبي فلا يستعمله إلاّ في الاِنسان ، بل يتوسع في استعمال الرسول من جانب المرسل ( بالكسر ) فيطلقه على المبعوث لا من جانبه سبحانه ، مثل قوله سبحانه : ( فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُقالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ) (1) بخلاف النبي فيختص بالاِنسان الموحى إليه من ناحيته سبحانه ، فتكون النسبة هي الاَعم والاَخص مطلقاً ، فليس كل رسول نبياً ، لما عرفت من التوسع ، وأمّا كون كل نبي رسولاً فلو قلنا بأنّ كل نبي مبعوث إلى تنفيذ رسالة ما يصح ما ذكر منالنسبة : فكل نبي رسول ، وليس كل رسول نبياً لما عرفت من التوسع في الجانبين. وأمّا إذا سلمنا كون بعض النبيّين غير مبعوث إلى تنفيذ رسالة ، فتنقلب النسبة إلى العموم والخصوص من وجه ، فبعض النبيّين ليس برسول ، كما أنّ بعض الرسل كالمبعوث من جانب غيره سبحانه ليس بنبي ، وقد يجتمعان كما في نبينا وغيره من أُولو العزم وغيرهم. ثم إنّي وقفت بعد ما حرّرت ذلك على كلمات تصرح ببعض ما ذكرناه :
1 ـ يوسف : 50.
(378)
1. النبوة تحمّل النبأ من جانب اللّه والرسالة معناها تحمل التبليغ. (1) 2. للرسول شرف الوساطة بين اللّه تعالى وعباده ، وللنبي شرف العلم باللّه وبما عنده. (2) 3. الرسول هو الذي يحمل رسالة من اللّه إلى الناس ، والنبي هو الذي يحمل نبأ الغيب الذي هو الدين وحقائقه. (3) 4. الاَقرب انّه لا فرق بينهما من حيث إنّ كلاً منهما ينبئه اللّه بما يريد ، فإذا أنبأه وأمره بالتبليغ أُطلقت عليه كلمة النبي ، لاَنّ اللّه تعالى أنبأه ، وكلمة الرسول لاَنّه تعالى أمره بالتبليغ. (4) 5. الرسول والنبي واحد ، والاختلاف إنما هو بالنظر والاعتبار من حيث إنّه يحمل رسالة اللّه ، يقال له رسول ، ومن حيث إنّه ينبىَ بها الذين أُرسل إليهم يقال نبي. (5) والحاصل : انّ ما ذكر من الفروق سواء أصح أم لا فكلّه في مرتبة متأخرة عن حقيقة الرسالة والنبوة غير مأخوذ في صلب معناهما وإنّما يصار إليها لقرائن أُخر. ويظهر ممّا ذكرناه ضعف ما نقلناه عن بعض الاَجلّة : « انّ ما كان من العلوم والحقائق يفاض على الاِنسان بواسطة الملك بحيث يشاهده ويكلّمه مشافهة
1 ـ الميزان : 1/284. 2 ـ الميزان : 2/145. 3 ـ المصدر نفسه : 16/345 ، المراد تحديد الرسول المصطلح ، وإلاّ فليس في معناه كونه مبعوثاً من جانبه سبحانه وبذلك يظهر حال أكثر الكلمات. 4 ـ الكاشف : 5/340. 5 ـ المصدر نفسه : 7/91.
(379)
ويقرأ عليه كلام ربّه أو يلقي في روعه يسمّى رسالة ، والاِنسان الحامل رسولاً ، وأمّا ما يفاض إليه بغير الطريق المذكور يسمى نبوة والاِنسان العالم بهذا الطريق نبياً ». فانّه ينقض عليه : بأنّ كل ما ذكره ، وإن كان موَيداً ببعض المأثورات لكنّه خارج عن حقيقة معنى النبوة والرسالة حسب الوضع اللغوي ، ولم يثبت انّ للقرآن اصطلاحاً خاصاً أو حقيقة شرعية في إطلاق اللفظين واستعمالهما ، والظاهر أنّ القرآن جرى في إطلاقه واستعماله مجرى المألوف بين أهل اللسان ، ولم يجىَ في المقام باصطلاح خاص. وعلى ذلك فكل ما ذكروه من الفروق ، من أنّ الرسول هو من نزل عليه كتاب أو أتى بشريعة جديدة ، أو خصوص من كان مأموراً بالتبليغ من اللّه ، أو من يتلقى الوحي عن رسل السماء والملائكة ، وانّ النبي على خلافه ، فلا يشترط فيه نزول الكتاب أو مجيئه بشريعة جديدة ، أو كونه مأموراً بالتبليغ من اللّه أو غير ذلك ، كلّها على فرض صحتها ، خارجة عن صلب معناهما ، إذ لا يدل اللفظان على واحد منها أصلاً. وبذلك يظهر أنّ الرسول وان كان يجب إطاعته فيما يأمر وينهي ، لقوله سبحانه : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ) (1) أو أنّه وإن كان يتم الحجة على عباده سبحانه ، بحيث تستتبع مخالفته هلاكاً وعذاباً ، لقوله سبحانه : ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (2) غير انّ ذلك لا يستلزم دخول لزوم الاِطاعة وإتمام الحجة في صلب معنى الرسول ، فإنّ وزان قوله سبحانه : ( وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذنه ) وزان قوله سبحانه : ( وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأَتِيَ 1 ـ النساء : 64. 2 ـ النساء : 165.
(380)
بِآيَةٍ إِلاّبِإِذْنِ اللّهِ ) (1) ، بل كلاهما من لوازم الرسالة الاِلهية التي تحملها الرسل ، فإنّ الهدف الاَسمى من إرسال الرسل ، قطع العذر على الناس ، وإتمام الحجة عليهم ، وعند ذاك يجب على الناس إطاعتهم فيما يأمرون وينهون من جانبه سبحانه. ولعل إلى ذلك يشير سيدنا الاَُستاذ بقوله : « إنّ النبي والرسول كلاهما مرسلان إلى الناس ، غير انّ النبي بعث لينبىَ الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيراً بما عند اللّه ، والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على أصل نبأ النبوة ، كما يشعر به أمثال قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (2) وقوله تعالى : ( وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (3) وعلى هذا فالنبي هو الذي يبيّن للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أُصول الدين وفروعه على ما اقتضته عناية اللّه من هداية الناس إلى سعادتهم ، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على إتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكاً أو عذاباً أو نحو ذلك قال تعالى : ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل ) (4) ، ولا يظهر من كلامه تعالى في الفرق بينهما أزيد مما يفيده لفظهما بحسب المفهوم ، ولازمه هو الذي أشرنا إليه من أنّ للرسول شرف الوساطة بين اللّه تعالى وبين عباده ، وللنبي ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) شرف العلم باللّه وبما يعنده ». (5) 1 ـ الرعد : 38. 2 ـ يونس : 47. 3 ـ الاِسراء : 15. 4 ـ النساء : 164. 5 ـ الميزان : 2/143 وقد عرضنا آراءه المختلفة في ما سبق.