لقد تعرفنا على الملاكين اللّذين يناط بهما وصف المعاد بالجسمانية والروحانية ، وإليك دراسة الآيات القرآنية حتى نستنتج منها ما هو موقف القرآن من جسمانية المعاد وروحانيته حيال كلا الملاكين.
المعاد الجسماني بالملاك الأوّل قد عرفت أنّ الملاك الأوّل لكون المعاد جسمانياً هو حشر الأبدان لتعلّق النفوس بها. فلو كان هذا هو المعيار ، فقد تضافرت الآيات عليه وهي على طوائف. الطائفة الأُولى : الآيات التي دلّت على إحياء الموتى في هذه النشأة من باب الإعجاز والكرامة ، وفي جميع تلك الآيات كان الحشر بعود البدن الدنيوي لا البرزخي ، بل العنصري. هذا من جانب ، ومن جانب آخر ترى أنّ القرآن الكريم يصف الدار الآخرة بأنّها الحياة الواقعية ، يقول سبحانه : ( وَإِنَّ الدّارَ الآخرةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (1) فلابدّ من التوفيق بين هذين الأمرين.
1 ـ العنكبوت : 64.
(82)
وبعبارة أُخرى : يبدو لأوّل وهلة أنّ ثمة تهافتاً وتناقضاً ، فمن جانب يكون المحشور في الآخرة هو البدن الدنيوي ، والحياة الدنيوية حياة غير كاملة ، ومن جانب آخر تكون الحياة الأُخروية هي الحيوان ، فكيف يمكن الجمع بين كون المحشور هو البدن الدنيوي العنصري وبين كون الحياة الأُخروية كاملة ، فلا محيص من القول إنّ البدن المحشور مع أنّه عين البدن الدنيوي لكن يتمتع بكمال خاص. ونحن مع الاعتراف بأنّ المحشور هو البدن الدنيوي ، لا البدن البرزخي ، ولا الصور المجردة عن المادة ، إلاّ أنّنا نعتقد بكمال هذا البدن. وربما تتوهم وحدة الحياتين لأنّ نقص الحياة الأُولى لتوقيتها بأمد محدود ، وتمامية الحياة الأُخرى لدوامها. يلاحظ عليه بأنّه لا يضفي على الحياة الأُخروية الكمال إذا كانتا متساويتين في الكمال; مع انّا نرى أنّ القرآن يصف الحياة الدنيوية بالمجازية ، والحياة الأُخروية بالحقيقية ، وهذا لا يتماشى إلاّإذا كانت الحياة الدنيوية حياة كاملة عالية. وبعبارة أوضح لو كانت الحياة في النشأتين حقيقة واحدة وكان الاختلاف مختصاً بالتوقيت والدوام ، لما كان هناك أيّ حاجة إلى زوال السماوات والأرض وإيجاد نظام آخر ، ولأجل ذلك نأخذ بكلا الأمرين : أ. أنّ المحشور هو البدن الدنيوي العنصري لا البرزخي. ب. أنّ المحشور يحظى بدرجة عالية من الحياة. نعم الوقوف على حقيقة الحياة الأُخروية وكمالها أمر مستور علينا. الطائفة الثانية : الآيات التي تبيّن بدء الخلقة ، وانّ الإنسان خلق من تراب ويعاد إليها ، ثمّ يخرج منها :
(83)
يقول سبحانه : ( مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخرى ). (1) ويقول سبحانه : ( ثُمَّ يُعيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً ). (2) الطائفة الثالثة : الآيات التي تشرح كيفية الحشر وانّ الناس يبعثون من القبور : قال سبحانه : ( فَإِذا هُمْ مِنَ الأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ). (3) وقال سبحانه : ( يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِر ). (4) الطائفة الرابعة : الآيات التي تدل على أنّ الأعضاء والجوارح تشهد على الإنسان : يقول سبحانه : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يََعْمَلُون ). (5) وقال سبحانه : ( الْيَومَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ). (6) الطائفة الخامسة : الآيات التي تدل على طروء التبدل و التغير على البدن الأُخروي الملازم لكون المحشور بدناً مادياً عنصرياً لا صورياً مجرداً عن المادة. قال سبحانه : ( كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذاب ). (7) ويقول أيضاً : ( وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمعاءَهُمْ ). (8)1 ـ طه : 55. 2 ـ نوح : 18. 3 ـ يس : 51. 4 ـ القمر : 7. 5 ـ النور : 24. 6 ـ يس : 65. 7 ـ النساء : 56. 8 ـ محمد : 15.
(84)
الطائفة السادسة : الآيات التي تبيّن شبهة المنكرين للمعاد من امتناع إحياء العظام البالية ، وهي تدل على أنّ المدّعى كان هو إحياء البدن الدنيوي حسب ما كان. قال سبحانه : ( وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِي العِظامَ وَهِيَ رَمِيم ). (1) وقال سبحانه : ( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُل يُنبّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَديد ). (2) إنّ هذه الطوائف من الآيات تعرب عن موقف القرآن حيال المعاد الجسماني بالملاك الأوّل وانّ المعاد هو البدن الدنيوي حقيقة.
المعاد الروحاني بالملاك الأوّل قد تعرفت على المعاد الجسماني بالملاك الأوّل ، وإليك الكلام في المعاد الروحاني بنفس ذلك الملاك وهو حشر الإنسان مع روحه ونفسه ، وثمة كلام وهو انّه إن أُريد من المعاد الروحاني هو حشر البدن الدنيوي مع روحه ونفسه فليس ذلك معاداً روحانياً في الاصطلاح بل هو معاد جسماني ، لأنّ من يصف المعاد بالجسماني لا يريد منه البدن المماثل للجماد بل البدن الذي نفخ فيه روحه وصار ذا حس وحركة وعقل وإدراك. وإن أُريد منه حشر النفوس والأرواح مجردة عن البدن فيصحّ وصفه بالروحاني لكنّه يخالف صريح القرآن لما عرفت من تأكيده على حشر الأبدان الدنيوية بنحو يكون مناسباً للحشر الأُخروي.
1 ـ يس : 78. 2 ـ سبأ : 7.
(85)
المعاد الجسماني بالملاك الثاني وثمة ملاك ثان في وصف المعاد بالجسمانية أو الروحانية وهو الثواب والعقاب الذي يواجههما الإنسان. فقسم لا يدرك إلاّ بالحواس الظاهرية كأكثر ما وعد في سورتي الواقعة والرحمن. وهناك ثواب وعقاب يدركهما الإنسان بعقله لا بحواسه ولا بقواه الجسمانية. وبذلك يتضح انّ جزاء الإنسان بما يدركه بالحواس الظاهرية تعبير عن كون المعاد جسمانياً كما أنّ جزاءه بما يدركه العقل والنفس في مقام التجرد تعبير عن كون المعاد روحانياً ، وبما انّ الآيات الواردة في أكثر السور الّتي ترجع إلى الجزاء بالأُمور الحسية ، معلومة لدى القرّاء الأعزاء ، فنعطف عنان القلم إلى المثوبات والعقوبات التي تدرك بالعقل والنفس.
1. رضوان اللّه إنّه سبحانه بعد ما يذكر المثوبات المدركة بالحواس يعقبها بذكر جزاء عظيم لا يدرك إلاّ بالعقل ، قال سبحانه : ( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّات تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْن وَرِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوزُ الْعَظِيم ). (1) تجد انّه سبحانه بعد ما يذكر الجنات والأنهار والمساكن الطيبة التي هي ملاكات لجسمانية المعاد يذكر رضوان اللّه تبارك وتعالى الذي هو جزاء روحاني
1 ـ التوبة : 72.
(86)
عقلاني لا صلة له بالأدوات الحسية.
قال الإمام السجاد ( عليه السلام ) في تفسير الآية : « إذا صار أهل الجنّة في الجنة ودخل وليّ اللّه إلى جنانه ومساكنه واتكأ كلّ مؤمن منهم على أريكته حفّته خدّامه. وتهدّلت عليه الثمار ، وتفجّرت حوله العيون ، وجرت من تحته الأنهار وبسطت له الزرابيّ ، وصفّفت له النمارق ، وأتته الخدّام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك ، قال : ويخرج عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء اللّه. ثمّ إنّ الجبّار يشرف عليهم فيقول لهم : أوليائي وأهل طاعتي وسكّان جنتي في جواري ألا هل أُنبّئكم بخير ممّا أنتم فيه ؟ فيقولون : ربّنا وأيّ شيء خير ممّا نحن فيه ؟! نحن فيما اشتهت أنفسنا ، ولذّت أعيننا من النّعم في جوار الكريم ، قال : فيعود عليهم بالقول ، فيقولون : ربّنا نعم فأتنا بخير ممّا نحن فيه ، فيقول لهم تبارك وتعالى : رضاي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه ، قال : فيقولون : نعم يا ربّنا رضاك عنّا ومحبّتك لنا خير لنا وأطيب لأنفسنا ». ثمّ قرأ عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) هذه الآية : ( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّات تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْن وَرِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوزُ الْعَظيم ). (1)
2. البعد عن رحمته إذا كان نيل رضوانه سبحانه سبباً للّذة والثواب ، يكون البعد عن رحمته سبباً للعذاب ، يقول سبحانه : ( وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيم ). (2)1 ـ البحار : 8/140 ـ 141. 2 ـ التوبة : 68.
(87)
إنّ هذه الآية ندُّ الآية السابقة ، غير انّ الأُولى تعد المؤمنين والمؤمنات بالنعم الحسية ثمّ الروحية كما عرفت ، وهذه الآية تعد المنافقين والمنافقات بالعذاب الحسي أعني قوله : ( نارُ جَهَنَّمَ خالِدينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ ) والعذاب الروحي الذي يشير إليه بقوله : ( وَلَعَنَهُمُ اللّه ) واللعن عبارة عن البعد عن رحمة اللّه تبارك وتعالى. ويعقبه قوله : ( وَلَهُمْ عَذابٌ مُقيم ) فيمكن أن يكون مشيراً إلى خلودهم في النار أو مشيراً إلى بعدهم الدائم عن رحمة اللّه ، والمقايسة بين الآيتين وتطبيق كلّ على الأُخرى توقف الإنسان على اللّف والنشر اللافت.
3. الحزن والحسرة إذا كان البعد عن رحمته سبحانه عذاباً روحياً ، فالحزن والحسرة على ما مضى من العمر الذي أتلفه الإنسان مع ماله من القابليات يُعد عذاباً روحياً ، وقد أشار إليه سبحانه في بعض الآيات بلفظ : ( يوم الحسرة ) و ( حسرات ) ، قال سبحانه : ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَة إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ في غَفْلَة وَهُمْ لا يُؤْمِنُون ). (1) أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا دخل أهل الجنّة الجنة وأهل النار النار ، قيل : يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون ، وقيل : يا أهل النار ، فيشرئبون و ينظرون فيجاء بالموت كأنّه كبش أملح ، فيقال لهم تعرفون الموت ، فيقولون : هذا وهذا وكلّ قد عرفه. قال : فيقدم فيذبح ، ثمّ يقال : يا أهل الجنّة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، قال : وذلك قوله : ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَة ) الآية. ورواه أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه ( عليهما السلام ) ثمّ جاء في آخره فيفرح أهل
1 ـ مريم : 39.
(88)
الجنّة فرحاً لو كان أحد يومئذ ميتاً لماتوا فرحاً ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتاً لماتوا. (1) وقال تعالى : ( وَقالَ الَّذينَ اتّبَعُوا لَوْ أَنّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسرات عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجينَ مِنَ النّار ). (2) وقال الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) في تفسير قوله : ( كذلِكَ يُرِيهِمُ اللّه أَعْمالهم حَسرات عَلَيْهِم ) بقوله : « هو الرجل يكتسب المال ولا يعمل فيه خيراً فيرثه من يعمل فيه عملاً صالحاً فيرى الأوّل ما كسبه حسرة في ميزان غيره ». (3)
4. لقاء المحبوب من المعارف القرآنية هي مسألة لقاء اللّه ولقاء الرب الذي جاء في غير واحد من السور بتعابير مختلفة : فتارة يعبر عنه ، ( بلقاء اللّه ) ، قال سبحانه : ( قَدْخَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّه ). (4) وأُخرى بـ : ( ِلِقاءِ رَبِّهِمْ ) ، يقول سبحانه : ( أَلا إِنَّهُمْ في مِريَة مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ). (5) وثالثة : ( بِلقاءِ رَبِّكُمْ ) ، قال سبحانه : ( اللّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَها ... يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُون ). (6)1 ـ مجمع البيان : 3/515. 2 ـ البقرة : 167. 3 ـ مجمع البيان : 1/251. 4 ـ الأنعام : 31. 5 ـ فصلت : 54. 6 ـ الرعد : 2.
(89)
ورابعة بـ : ( لِقاءَنا ) قال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ). (1) وخامسة : ( مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) قال سبحانه : ( الَّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ). (2) وهذه الآيات التي وردت في الذكر الحكيم يربو عددها على 18 آية ، وقد اختلف المفسرون في تفسير لقاء اللّه. فقد فسر بلقاء يوم القيامة تارة بشهادة قوله سبحانه : ( فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَومِكُمْ هذا ). (3) وأُخرى بلقاء الآخرة ، قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ). (4) وأُخرى : بنيل الثواب والعقاب ، قال سبحانه : ( أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الحَياةِ الدُّنْيا ) (5) ، غير أنّ العرفاء الشامخين أخذوا بحرفية تلك الكلمة وقالوا بلقاء الإنسان ربّه لقاءً قلبياً شهودياً لا لقاءً حسياً بل لقاء يدرك ولا يوصف ولا يمكن التعبير عنه باللفظ والكلمة ، وقد تبنى ذلك المعنى العارف الحكيم الشيخ جواد الملكي التبريزي ( المتوفّى 1343 هـ ) فقال في كتابه « لقاء اللّه » ما هذا مثاله : ثمّ إنّ المفسّرين أمام تلك الآيات على أحد رأيين : الرأي الأوّل : الأخذ بما دلّ على تنزيه الربّ من كلّ جسم وجسمانية ،
1 ـ يونس : 7. 2 ـ البقرة : 46. 3 ـ السجدة : 14. 4 ـ الأعراف : 147. 5 ـ القصص : 61.
(90)
وبالتالي تأويل ما دلّ من الآيات والروايات على اللقاء بوجه ، وهو انّ المراد هو الموت ولقاء الثواب والعقاب.
الرأي الثاني : حمل ما دلّ على التنزيه بالمعرفة الحسية أو المعرفة بالكنه ، وحمل ما دلّ على اللقاء أو التشبيه على المعرفة الإجمالية ، ومعرفة أسمائه وصفاته التي هي مجلى ذاته سبحانه. ولا يخفى انّ كلا التفسيرين تفسير مجازي فانّ حمل اللقاء بلقاء الثواب والعقاب مجاز لا دليل عليه ، كما أنّ تفسيره بالمعرفة الإجمالية كمعرفة أسمائه وصفاته مجاز مثله ، فأين معرفة أسمائه كالعالم و القادر على وجه يليق بالحكيم من لقائه سبحانه. وهناك مسلك ثالث أدق من المسلكين تبنّاه بعض العارفين وهو انّ للّقاء مراتب بين الإمكان والاستحالة ، فيجوز للممكن في سيره وسلوكه لقاء واقعي ، وإن كان بالنسبة إلى الدرجات المستحيلة لقاءً غير واقعي. ثمّ أيّد ذلك بما ورد في القرآن والأدعية ، فقد ورد فيهما كلمات تعرب عن تحقّق اللقاء حقيقة ، نظير قول الإمام أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : « ولا يحرمني من النظر إلى وجهك » وقوله : « ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان ». وقول الإمام الحسين ( عليه السلام ) في المناجاة الشعبانية : « وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفاً ». وقوله ( عليه السلام ) : « وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك » ، و في الدعاء الذي علمه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لكميل : « فهبني صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك ». إلى غير ذلك من الألفاظ الدالة على اللقاء الحقيقي على وجه يلازم التنزيه