أيضاً حدث من الأحداث. (1) ويقول الدكتور « دونالد روبرت كار » : إنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليّاً ولو كان كذلك لما بقيت فيه أيّ عناصر إشعاعية.ويتفق هذا الرأي مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية. (2) أقول : إنّ هذا الأصل يثبت لنا أمرين : الأوّل : حدوث المادة وكونها مسبوقة بالعدم كما أفاده الدكتور « دونالد » ، إذ لو كانت قديمة بلا أوّل لنفدت طاقاتها عبر القرون غير المتناهية ، لأنّ صرف القوى المحدودة في زمان غير محدود ينتهي إلى نفاد القوى وعدم بقاء شيء منها ، فإذا رأينا بقاء المادة ونشاطها وتفجّر طاقاتها ، ننتقل إلى أنّها مسبوقة بالعدم ، وانّها وجدت في ظروف محدودة بنحو نفدت بعض طاقاتها. الثاني : تقويض أُسس النظام السائد تحت غطاء نفاد الطاقات وتساوي الأجسام من حيث الفعل والانفعال والحرارة والبرودة ، والإنسان جزء من هذا النظام السائد فهو أيضاً مكتوب عليه الموت. إنّ العلم الحديث وإن بادر إلى مكافحة الموت وبذل الحياة للإنسان كي يعمّر طويلاً إلاّ أنّ هذه المبادرة باءت بالفشل فلم يمكنه أن يهب للإنسان الحياة الخالدة لأنّه سيواجه الموت مهما عمّر ، لأنّ الموت سنّة إلهية قطعية ، وإلى ذلك تشير الآيات والروايات : 1. ( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوتُ وَلَوْ كُنْتُمْ في بُرُوج مُشَيَّدَة ). (3) 2. ( كُلُّ نَفْس ذائِقَةُ الْمَوت ). (4) 3. ( وَما جَعَلْنا لِبَشَر مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخالِدُونَ ). (5)1 ـ اللّه يتجلى في عصر العلم : 27 و 85. 2 ـ اللّه يتجلى في عصر العلم : 27 و 85. 3 ـ النساء : 78. 4 ـ آل عمران : 185. 5 ـ الأنبياء : 34.
(162)
وفي الأحاديث ما يدعم ذلك. قال الإمام علي ( عليه السلام ) : « فلو انّ أحداً يجد إلى البقاء سُلّماً أو لدفع الموت سبيلاً ، لكان ذلك سليمان بن داود ( عليهما السلام ) الذي سُخّر له ملك الجن والإنس ». (1) ويقول أيضاً في موضع آخر : « إنّ للّه ملكاً ينادي في كلّ يوم : لِدُوا للموت ». (2)
د. خوف الإنسان من الموت للإنسان حسب فطرته ، رغبة في الاستمرار في الحياة ، وهذا ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، لأنّ الرغبة إلى الحياة أمر جبلي ، ولعلها دليل على أنّ بعد الموت حياة أُخرى فيها تتحقق أُمنيّة الإنسان ولولاها لكانت تلك الرغبة في خلقته أمراً عبثاً سدىً. والفلاسفة يستدلّون بوجود الرغبة في الحياة على وجود المرغوب إليه في الخارج. بيد أنّ الناس أمام الموت على صنفين : فصنف يتصوّر أنّ الموت نهاية الحياة ، ولذلك كلّ ما يسمع لفظة الموت يأخذه الحزن والأسى ويتجسّد الموت أمامهم كأنّه غول ذو مخالب فتّاكة يريد أن يبطش بهم. وآخر ممّن لا يستوحش من الموت ولا من سماعه ، لأنّه هو الذي وقف على حقيقة الحياة الدنيا ، وأنّ الموت ليس إلاّ قنطرة إلى الحياة الأُخرى ، ولذلك يستقبل الموت برحابة صدر ووجه مستبشر.
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 182. 2 ـ نهج البلاغة : من كلماته القصار ، برقم 132.
(163)
ثمّ إنّ الأسباب الكامنة من وراء الخوف من الموت أمران : الأوّل : كون الموت خاتمة المطاف. الثاني : الإيمان بالحشر والجزاء ، وانّ الناس مجزيّون بأعمالهم إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر. إنّ القرآن الكريم يصف حالة اليهود ويؤكد على أنّ خوفهم من الموت نجم من جرّاء الأمر الثاني ، ويقول : ( قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ الناسِ فَتَمَنَّوا المَوتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين * وَلَنْ يَتَمَنَّوهُ أَبداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالمين ) (1) ، ويقول في سورة أُخرى : ( قُلْ يا أَيُّهَا الَّذينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَولياءُ للّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِنْ كُنْتُم صادِقِين * وَلا يتَمَنَّونَهُ أَبَدَاً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمين ). (2) وقد أشير في بعض الروايات إلى سبب الخوف من الموت. روى السكوني عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، عن أبيه ( عليه السلام ) انّه قال : أتى النبي رجل فقال : مالي لا أحب الموت ؟ فقال له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « ألك مال ؟ » قال : نعم. قال : « فقدمته ؟ » ، قال : لا. فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « فمن ثمّ لا تحب الموت ». (3) وقد أشار الإمام في خطبه وكلمه إلى الأسباب الداعية إلى كراهة الموت ، يقول ( عليه السلام ) : « واعلموا أنّه ليس شيء إلاّ ويكاد صاحبه يشبع منه ويملّه إلاّ الحياة فانّه لا يجد في الموت راحة ». (4) وقال ( عليه السلام ) : « ولا تكن ممّن يكره الموت لكثرة ذنوبه ». (5)1 ـ البقرة : 94 ـ 95. 2 ـ الجمعة : 6 ـ 7. 3 ـ البحار : 6/127. 4 ـ نهج البلاغة : الخطبة 129 ، ط عبده. 5 ـ نهج البلاغة : قسم الحكم برقم 150.
(164)
وقال رجل للحسن بن علي ( عليهما السلام ) : ما لنا نكره الموت ولا نحبّه ؟ فقال : « إنّكم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنياكم ، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب ». (1) قيل للإمام محمد بن علي بن موسى ( عليهم السلام ) : ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت ؟ قال : « لأنّهم جهلوه فكرهوه ، ولو عرفوه وكانوا من أولياء اللّه عزّوجلّ لأحبّوه ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا ». (2) والرواية تشير إلى السبب الأوّل وهو الجهل بحقيقة الموت وانّه انتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الأُخرى ، ولذلك نرى أنّ علياً ( عليه السلام ) يشتاق إلى الموت ويتحنّن إليه ، ويقول : « واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه ». (3) وفي خطبة أُخرى يقول ( عليه السلام ) : « فواللّه ما أُبالي دخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ ». (4) هذه من خصائص الأولياء وميزاتهم ، حيث يستقبلون الموت بصدر رحب لأنّهم يرون الموت قنطرة من الحياة الدنيا إلى حياة طيبة ، يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُون * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ في مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَومُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ). (5)1 ـ البحار : 6/129. 2 ـ معاني الأخبار : 209. 3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 5. 4 ـ نهج البلاغة : الخطبة 55. 5. الأنبياء : 101 ـ 103.
(165)
هـ. أقسام الموت في القرآن الكريم إذا كان الموت انتقالاً من دار إلى دار ومن حياة ضيقة إلى حياة واسعة ، فطبيعة الحال تقتضي أن لا يكون أمراً يسيراً بل يتزامن مع العسر والحرج ، وهذا نظير انتقال الجنين من رحم الأُمّ الضيّق إلى الدنيا الواسعة ويتزامن هذا الانتقال مع العسر. نعم هذا العسر يكون مقدمة لحياة جديدة مرافقة لليسر. وقد أشار الإمام الثامن ( عليه السلام ) إلى المواقف التي يشهدها الإنسان مع الخوف والوجل : 1. الولادة 2. الموت 3. البعث. ولأجل المواقف العسيرة التي يواجهها الإنسان في هذه الأدوار الثلاثة نجد أنّ اللّه سبحانه وعد يحيى ( عليه السلام ) بالسلامة من كلّ مكروه في هذه المواقف ، قال سبحانه : ( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ). (1) إذا عرفت ذلك فلنشرح أقسام الموت :
1. الموت العسير واليسير إنّ حقيقة الموت ترجع ـ في الواقع ـ إلى نزع الروح من البدن مرفقاً بعسر وحرج وضيق عند قاطبة الناس ويشتد خاصة عند من يواجه الموت مقترفاً للذنوب يقول سبحانه : ( وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوتِ بِالحَقّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد ). (2)1 ـ مريم : 15. 2 ـ ق : 19.
(166)
وفي آية أُخرى : ( فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُم ). (1) وفي مقابل هؤلاء المؤمنون المطيعون لأوامر ربّهم ونواهيه فهم يقابلون بالسلام ، يقول سبحانه : ( الّذينَ تَتَوفّاهُمُ المَلائِكَةُ طيِّبينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ). (2) وفي آية ثانية يخاطب سبحانه النفس المطمئنّة ، بقوله : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّة ). (3) وهذا التقسيم الذي تبنّاه الكتاب الإلهي من تقسيم الناس حين الموت إلى من يبشر بالسوء والخير ، شائع في روايات أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) . يقول الإمام الحسن ( عليه السلام ) : « أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد ». (4) وقال الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : « الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفك قيود وأغلال ثقيلة ، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطئ المراكب وآنس المنازل; وللكافر كخلع ثياب فاخرة ، والنقل عن منازل أنيسة ، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها ، وأوحش المنازل وأعظم العذاب ». (5) إلى غير ذلك من الروايات.
1 ـ محمد : 27. 2 ـ النحل : 32. 3 ـ الفجر : 27 ـ 28. 4 ـ البحار : 6/154. 5 ـ البحار : 6/155.
(167)
2. موت البدن والقلب قد ينسب الموت إلى البدن ، وأُخرى إلى القلب ، فإذا انقطعت علاقة الروح بالبدن فهذا موت البدن ، ولكن إذا كانت العلاقة موجودة ولكن الإنسان بلغ من التفكير والتعقّل درجة نازلة تلحقه بميت الأحياء ، ولذلك يعد سبحانه الفئة المعاندة للإسلام أمواتاً ، ويقول : ( فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدبِرين ) (1) ، وقد ورد هذا المضمون في آيات أُخرى من الذكر الحكيم. ويقول سبحانه : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمات لَيْسَ بِخارِج مِنْها ). (2) والمراد من « الميت » هو ميت القلب الغافل عن الحقائق والمعارف ، فإذا أشرق نور الإسلام على قلبه صار حيّاً بحياة معنوية يمشي بنوره بين الناس ، فليس هو كمن بقي في الظلمات ولا يستطيع الخروج منها. ومن لطائف الكلام ما نلمسه في خطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حيث يصف حياة المتخلفين عن الجهاد أمام أعدائهم موتاً ، كما يصف الشهادة في ميادين الجهاد حياة ، ويقول ( عليه السلام ) : « فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين ». (3) لأنّ الحياة المعنوية رهن آثار وأهمها الدفاع عن كيان الدين ودفع عادية المعتدين ، فالطائفة الأُولى فقدوا هذه الخصيصة فكأنّهم ليسوا بأحياء بل أمواتٌ ، بيد أنّ تلك الخصيصة متوفرة عند الطائفة الثانية فهم وإن ضُرّجوا بدمائهم في
1 ـ الروم : 52. 2 ـ الأنعام : 122. 3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 51.
(168)
ساحات الوغى ولكنّهم دافعوا عن كيان الإسلام فصانوا دينهم وديارهم ونواميسهم.
ونظير ذلك تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي استولت الأنانية عليه وغفل عن الآخرين فهو حيّ ظاهراً وميت حقيقةً ، إذ لا يشعر بأي مسؤولية حيال إزالة المفاسد الاجتماعية التي تهدِّد المجتمع. يقول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الأحياء ». (1) ويقول أيضاً فيمن يهتمُّ بحياة البدن دون القلب : « يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم وهم أشدّ إعظاماً لموت قلوب أحيائهم ». (2)
3. موت الإنسان والمجتمع يصف علماء الاجتماع المجتمع تارة بالطفولة ، وأُخرى بالريعان والنضج ، وثالثة بالانحطاط والهرم وفقاً للحالات الطارئة على الإنسان من طفولة إلى ريعان الشباب ثمّ الشيخوخة والهرم. فالإنسان في مرحلة الطفولة تكمن فيه استعدادات وقابليات مختلفة ، فإذا اجتاز تلك المرحلة تتفجر طاقاته الكامنة رويداً رويداً حتى يبلغ مرحلة الشباب ثمّ يجتاز تلك المرحلة إلى مرحلة الشيخوخة فتنهار قواه وتأخذ بالضعف ، وهكذا المجتمع. وهناك تقسيم آخر وهو : إنّ الإنسان من حين ولادته إلى أن يبلغ مرحلة شبابه تتكامل شخصيته
1 ـ نهج البلاغة : قسم الحكم ، برقم 374. 2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 230.
(169)
شيئاً فشيئاً ، فإذا اشتدّت قواه ، يبدأ باستغلالها بغية نيل الأموال والمناصب وغيرها ، وكلّما تقدم في العمر يزداد حرصاً وطمعاً فإذا اجتاز تلك المرحلة ودخل مرحلة الهرم فيشرع بحفظ ما جمعه وبلغت إليه يده من الأموال والثروات إلى أن يبلغ أجله.
فالمرحلة الأُولى : مرحلة التكوين ، والثانية : مرحلة الهجوم ، والثالثة : مرحلة التدافع; والرابعة : مرحلة الانقراض ، وهكذا المجتمع في مراحله الأربع. فالحضارات الإنسانية ، مرَّت بتلك المراحل إلى أن اضمحلّت واندثرت. يقول سبحانه : ( وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون ) (1) فيعد للأُمة حياةً وأجلاً.
عوامل أُفول الحضارات إنّ بزوغ نجم الحضارات وأُفولها من السنن القطعية الإلهية فلا تدوم حضارة عبر القرون والدهور بل تتبعها حضارة أُخرى وهكذا. نعم هذا البزوغ والأُفول رهن عوامل داخلية وخارجية وليس أمراً اعتباطياً ، يقول سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُون ). (2) إنّ اضمحلال الحضارة واندثارها ناجم عن عوامل كثيرة أهمها تفشي الظلم في المجتمعات وغياب العدالة الاجتماعية في حياتها ، وهذا بمرور الزمان يستفحل شيئاً فشيئاً حتى يصل مرحلة لا يطيقها المجتمع فيؤول إلى عصيان عام
1 ـ الأعراف : 34. 2 ـ الأعراف : 96.
(170)
يؤدي إلى سقوط الحضارة ، يقول سبحانه : ( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْم وَأَهْلُها مُصْلِحُون ) (1) ، ويقول في آية أُخرى : ( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَولُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً * وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوح وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبيراً بَصِيراً ). (2) فقد عدّت الآية الأُولى والثانية الظلم والفسق وارتكاب الذنوب من أسباب انهيار الحضارات وزوالها ، ووجهه واضح ، لأنّ الفسق والزنا وأكل الأموال بالباطل والغش والسرقة ، طغيانٌ على الفطرة السليمة وخروجٌ عليها ، ومعه تنفصم عرى الحضارة الإنسانية. فضلاً عن بثِّ العداوة والبغضاء في القلوب. نعم هناك ذنوب تترك آثاراً سلبية في المجتمع ، وإن لم نقف على الصلة بينها ، فقد ورد في الحديث : « انّه إذا كثر الزنا ، كثر موت الفجأة ». وهناك صلة بين الأمرين وإن لم تثبته العلوم الحديثة. وأمّا تأثير الظلم وبعض الذنوب التي تخالف الفطرة كالزنا واللواط وجمع الأموال بالباطل فهو واضح حسب المعايير الاجتماعية كما ذكرناه.
4. الموت المشرّف إنّ بعض أنواع الموت يعد مشرّفاً في حدّ ذاته ، وهذا كالموت في سبيل طلب العلم وإقامة العدل وغير ذلك من الأهداف السامية ، ولذلك يعد سبحانه هؤلاء أحياءً لا أمواتاً ويقول : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُون ). (3)1 ـ هود : 117. 2 ـ الإسراء : 16 ـ 17. 3 ـ البقرة : 154.