|
|||
(106)
بذاته لا بوصف كونه ملحوظا كان الحق مع القائل بالجواز عقلا لضرورة عدم محذور عقلي فيه بعد امكان تعلق لحاظ واحد بأمور متعددة مبائن كل واحد مع الاخر واستعمال اللفظ فيها ، كما في لحاظك النقاط المتعددة بلحاظ واحد متعلق بالمجموع ، وحينئذ فلو كان فيه كلام فلابد وأن يكون في جوازه لغة كما سيجيء لا في جوازه عقلا. واما لو كان المراد من الاستقلال هو استقلال المعنى بحسب اللحاظ وبوصف الملحوظية بنحو يقتضي تعدد النسبة في النسبة الكلامية لكان الحق مع يدعى الامتناع عقلا ، بداهة استحالة إرادة المعنيين المتبائنين من اللفظ الواحد بنحو يكون كل واحد منهما متعلقا للحاظ مستقل في آن واحد فلابد حينئذ من تنقيح هذه الجهة وان المراد من الاستقلال المبحوث عنه أي واحد من المعنيين.
وحينئذ نقول : بان الظاهر على ما يظهر من كلماتهم إرادة الاستقلال بالمعنى الثاني وهو الاستقلال بوصف الملحوظية بنحو كان المعنيان كل واحد منهما تمام الملحوظ في مقام اللحاظ ، لا ملحوظا تمامه باللحاظ ولو ضمنا ، حيث إن ذلك ظاهر جماعة منهم كصاحب الكفاية ( قدس سره ) وصاحب البدايع وصاحب الفصول وغيرهم ، قال في الكفاية في بيان المراد من الاستقلال المبحوث عنه : ( هو ان يراد كل واحد كما إذا لم يستعمل اللفظ الا فيه ) حيث إنه ظاهر بل صريح فيما ذكرناه من الاستقلال ، نظرا إلى أن حقيقة الاستعمال بعد أن كان عبارة عن ذكر اللفظ ولحاظ المعنى ، فيكون قوله ( قدس سره ) : ( كما إذا لم يستعمل اللفظ الا فيه ) معناه كون كل واحد منهما تمام الملحوظ في مقام اللحاظ كما لو لم يكن الا ذاك ، لا كون كل واحد منهما ملحوظا تمامه ولو بلحاظ ضمني. ومثله عبارة البدايع حيث قال : ( اعلم أن لإرادة المعنيين صورا أحدها ان يطلق المشترك ويراد به المعنيان بنحو الاستقلال ) ثم فسره بقوله : ( على أن يكون كل منهما مناطا للحكم ومتعلقا للنفي والاثبات كما تقول : أقرأت الهندان ، تريد حاضت هذه وطهرت تلك ، على سبيل التوزيع حتى كأنك ذكرت اللفظ مرتين ) ومن المعلوم صراحة هذا الكلام أيضا منه فيما ذكرناه في المراد من الاستقلال المبحوث عنه باعتبار اقتضاء قوله : على أن يكون كل منها ( الخ ) لتعدد النسبة واختلافها الملازم ذلك مع تعدد اللحاظ أيضا. ونحوه ما عن الفصول قال فيما حكى عنه في تحرير محل النزاع : ( الرابع ان يستعمل اللفظ في كل واحد من المعنيين على أن يكون كل واحد منهما مرادا من اللفظ بانفراده كما إذا كرر اللفظ و (107)
أريد ذلك ) قال : وهذا محل النزاع. وظاهره ارادته من قوله : ( على أن يكون كل واحد منهما مرادا من اللفظ بانفراده ) الإرادة الاستعمالية التي هي مقومة لحقيقة الاستعمال ، لا إرادة التفهيم أو الوجود كما يشهد لذلك قوله بعد ذلك : ( ولا فرق بين ان يكون كل واحد منهما متعلقا للحكم ومناطا للنفي والاثبات أو يكون المجموع كذلك ) ، وعليه فينادي كلامه بان ما هو محل النزاع انما هو صورة استقلال المعنيين في مرحلة اللحاظ لا استقلالهما بحسب ذاتهما ولولا بوصف الملحوظية.
وربما يشهد لما ذكرنا أيضا الموارد الخاصة التي استشكلوا فيها من جهة محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد : منها : في مثل قوله عليه السلام : كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر وكل شيء حلال حتى تعلم أنه حرام ، حيث إنهم استشكلوا على من يقول بامكان استفادة قاعدتي الاستصحاب والطهارة في الأول واستفادة قاعدتي الاستصحاب والحلية في الثاني ، حيث قالوا بعدم امكان استفادة القاعدتين معا من الرواية واستحالتها ، نظرا إلى احتياج القاعدة إلى أن يكون النظر فيها إلى أصل ثبوت المحمول وهو الحلية والطهارة ، واحتياج الاستصحاب إلى أن يكون النظر فيها إلى حيث استمرار المحمول فارغا عن أصل ثبوته فيلزم حينئذ من إرادة القاعدتين اجتماع النظرين فيه في آن واحد وهو محال. ومنها : في مبحث البراءة في قوله سبحانه : ( لايكلف الله نفسا الا ما آتيها ) حيث استشكلوا فيها أيضا بعدم امكان إرادة الفعل والتكليف معا من الموصول ، بتقريب انه بناء على تقدير إرادة الحكم منه يكون نسبته إلى التكليف من قبيل نسبة الفعل إلى المفعول المطلق ، وعلى تقدير إرادة الفعل من الموصول يكون نسبته إليه من قبيل نسبة الفعل المفعول به ، فعلى فرض إرادة الحكم والفعل منه يلزم اجتماع النظرين فيه باعتبار اقتضاء تعدد النسبة التعدد في ناحية النظر واللحاظ أيضا. ومنها : في قوله : ( لا تنقض اليقين بالشك ) من حيث امكان استفادة الاستصحاب وقاعدة اليقين منه فراجع. ومنها : غير ذلك من الموارد الاخر ، حيث إنه يعلم من ذلك كله بان ما هو مورد البحث في الجواز والامتناع انما هو صورة استعمال اللفظ في المعنيين بنحو يكون كل واحد منهما مستقلا في مرحلة النسبة الكلامية الملازم مع استقلالهما في الملحوظية أيضا ، لا صورة (108)
مطلق استعمال اللفظ في المتعدد ولو بنحو كان المجموع متعلقا للحاظ واحد.
وعليه نقول : بأنه لو بنينا في وضع الألفاظ على المرآتية كما هو التحقيق أيضا فلاينبغي الاشكال في أن الحق مع من يدعى الامتناع العقلي من جهة ما فيه من استلزامه لاجتماع اللحاظين في آن واحد في لفظ واحد للحاظ واحد وهو من المستحيل. واما لو بنينا فيها على الا مارية التي لازمها سببية اللفظ لانتقال الذهن بدوا إلى المعنى الموضوع له كما شرحناه سابقا نظير الدخان الذي هو سبب لانتقال الذهن إلى وجود النار بدوا وبلا توسيط شيء فقد يقال فيه بالجواز واختاره الأستاذ دام ظله في درسه الشريف أيضا ، بتقريب ان مناط الاستحالة انما هو حيث اجتماع اللحاظين والنظرين في منظور واحد ، وهو غير متحقق بناء على الا مارية ، لأنه عليها لايكون اللفظ واسطة للانتقال وموردا لتعلق اللحاظ بدوا كما على المرآتية بحيث يكون الانتقال إلى المعنى بتوسيط اللفظ ومن باب السراية منه إليه حتى يلزمه اجتماع اللحاظين والنظرين في شيء واحد ، بل وانما اللفظ على هذا المبنى يكون سببا لانتقال الذهن بدوا وبلا واسطة إلى المعنى ، نظير سببية الدخان للانتقال إلى وجود النار وسببية شيء كذائي للانتقال إلى ملزومه ولوازمه. وحينئذ فإذا كان المعنى متعددا ذاتا وكان اللفظ سببا للانتقال إلى المعنى لا انه كان واسطة للانتقال وللسراية منه إلى المعنى ، فلا باس بان يتعلق بكل واحد من المعنيين لحاظ مستقل لأنه ليس من باب اجتماع اللحاظين في شيء واحد حتى يقال بامتناعه واستحالته ، ومجرد كون اللحاظين مجتمعين في آن واحد حينئذ غير ضائر بعد فرض تعدد المتعلق فإنه ليس بأعظم من اجتماع الضدين كالحب والبغض وغيرهما من صفات النفس مع أن اجتماعهما في الآن الواحد عند فرض تعدد المتعلق مما لايكاد ينكر كما في محبة الانسان لولده وبغضه لعدوه. وحينئذ فإذا أمكن اجتماع الضدين في الآن الواحد عند فرض تعدد المتعلق فليكن كذلك في المثلين في مفروض المقام. وعليه فلاينبغي مجال الاشكال في امكان استعمال اللفظ الواحد في المعنيين على الا مارية بإرادة كلا المعنيين منه المعنى الحقيقي والمجازي كما هو واضح. أقول : ولكن الذي يقوى في النظر هو عدم الفرق في الاستحالة بين المسلكين وانه لا يجدي في رفع الاستحالة مجرد تعدد المتعلق كما يجدي في مثل الحب والبغض والإرادة والكراهة ، إذ نقول بان النفس بعد ما توجهت إلى شيء ولاحظته بتمام التوجه واللحاظ (109)
يستحيل توجهها في ذاك الآن إلى شيء آخر يغايره ويباينه على نحو توجهها بما توجهت إليه أولا. وهذا المعنى من الوجدانيات التي لا تحتاج إلى إقامة البرهان عليه ، ولذا ترى من نفسك عند توجهك إلى أمر من الأمور العلمية أو غيرها الغفلة في ذلك الآن عن بقية الأمور ومن المعلوم انه ليس ذلك الا من جهة ما أشرنا إليه من الاستحالة. ومقايسته المقام بسائر صفات النفس من الحب والبغض ونحوهما ممنوعة ، بان مثل الحب والبغض ونحوهما أمور قهرية عارضة على النفس بلحاظ مناشئها الخاصة ، فمن ذلك أمكن اجتماعها عند فرض تعدد المتعلق وأين ذلك واللحاظ الذي هو من الأمور الاختيارية للنفس ! فعلى ذلك لا فرق في الاستحالة بين القول بمرآتية اللفظ للمعنى أو اماريته فان مناط الاستحالة انما هو حيث اجتماع اللحاظين في آن واحد للحاظ واحد ، كان في العالم لفظ أم لا قلنا بمرآتية اللفظ أو أماريته كما هو واضح.
اللهم الا ان يدعى بان ذلك انما يتم فيما لو كان المعنيان كل واحد منهما متعلقا لتمام اللحاظ على معنى ان تمام اللحاظ كما تعلق بهذا المعني كذلك تعلق أيضا بذلك المعنى الآخر ، إذ حينئذ يتوجه المحذور المزبور ولو على امارية اللفظ باعتبار ان لازم تعلق تمام اللحاظ بشيء هو الغفلة عما عداه. ولكنه ليس كذلك ، بل المدار في الاستقلال بحسب اللحاظ انما هو استقلال كل من المعنيين في عالم تعلق اللحاظ على نحو كان كل منهما تمام الملحوظ لا تمام الملحوظ بتمام اللحاظ ، والفرق بينهما واضح. فعلى ذلك فلا بد من التفصيل بين القول بالمرآتية وبين القول بالأمارية في الجواز والامتناع ، بالمصير إلى الجواز عقلا في الثاني والامتناع عقلا في الأول ، ولكن حيث إن التحقيق في المسلكين هو مسلك المرآتية دون الا مارية كما تقدم بيانه في محله فلا جرم يتعين القول بالامتناع عقلا من دون فرق في الاستحالة بين الحقيقة والمجاز ولا بين المفرد وبين التثنية والجمع فان مناط الاستحالة متحقق على جميع الصور والتقادير. واما الانتقاض ببابي العام الاستغراقي والوضع من حيث كون كل فرد من افراد العام محكوما بحكم شخصي مستقل وهكذا في الوضع في عام الوضع وخاص الموضوع له ، فمدفوع بما مر سابقا من خروج نحو ذلك عما هو مورد الكلام ، فان مورد الكلام كما عرفت انما هو صورة استعمال اللفظ في المتعدد بما هو متعدد بحسب اللحاظ بنحو يكون المعنيان كل واحد منهما تمام الملحوظ باللحاظ لا بحسب إرادة الوجود خارجا ، على أن الحكم في (110)
مثل قوله أكرم العالم لايكون الا حكما واحدا متعلقا بأمر واحد وهو العنوان العام ، غايته هو انحلاله بحسب التحليل إلى احكام متعددة حسب تعدد افراد العام وأين ذاك وتعدده في مرحلة الانشاء الكلامي كما هو واضح كيف ولازمه انتهاء الامر إلى انشاءات احكام غير متناهية عند عدم تناهي افراد العام وهو كما ترى.
وكيف كان فهذا كله بناء على كون المراد من الاستقلال المبحوث عنه هو الاستقلال في مرحلة النسبة الكلامية الملازم مع الاستقلال بحسب اللحاظ ، وعليه قد عرفت بان التحقيق فيه هو الامتناع عقلا مطلقا بناء على ما هو التحقيق في وضع الألفاظ من المرآتية لا الأمارية من دون فرق بين الحقيقة والمجاز ولا بين المفرد والتثنية والجمع. واما بناء على إرادة استقلال ذات المعنى الملحوظ من الاستقلال المبحوث عنه فعليه قد عرفت جوازه عقلا مطلقا ولو على المرآتية في الألفاظ نظرا إلى وضوح امكان تعلق لحاظ واحد بأمور متعددة بما هي متعددة. وحينئذ فالاستعمال بهذا النحو مما لا مجال لدعوى امتناعه عقلا بل ولا يظن من القائل بالامتناع إرادة هذه الصورة فان تمام همهم في المنع عقلا انما هو صورة استقلال المعنيين بوصف الملحوظية. نعم بعد ما أمكن هذا القسم من الاستعمال في نفسه ولم يقم برهان عقلي على امتناعه يبقى الكلام في جوازه لغة وانه هل يجوز ذلك مطلقا أو لايجوز كذلك أو يفصل بين المفرد وغيره ؟ فنقول انهم ذكروا في المنع عن صحة الاستعمال على الوجه المزبور وجوها : منها : ما افاده بعض المحققين في بدايعه حيث قال ما حاصله : ان الاستعمال على الوجه المزبور امر ممكن لم يقم على المنع عنه دليل عقلي ، ولكنه يمنع عن صحة استعماله عدم معهودية الاستعمال بهذا النحو في كلام العرب نظما ونثرا كما يظهر عند التتبع واستقراء كلماتهم ممن يعتد بشأنه من الخطباء وغيرهم ، فإذا فرض عدم مساعدة أهل اللسان على مثل هذا النحو من الاستعمال وخروجه عما هو المأنوس والمتعارف عندهم فلا جرم يكون الاستعمال غلطا غير صحيح من جهة عدم كونه من اللغة المتحاور فيها علاوة عما نرى بالوجدان من ابائه عن التعبير عن المعاني المختلفة بلفظ واحد ولو في الموارد المطلوب فيها الايجاز والاختصار. أقول : ولايخفى عليك انه لو تم هذا الدليل لكان مقتضاه عدم الفرق في المنع بين المفرد وغيره ولا بين ان يكون الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز. (111)
ومنها : ما افاده صاحب المعالم ( قدس سره ) حيث منع عن الاستعمال المزبور في المفرد بنحو الحقيقة لاعتباره قيد الوحدة في الموضع له ، والتزم بالجواز في غيره حيث قال بعد اختيار الجواز : لنا على الجواز انتفاء المانع بما سنبينه من بطلان ما تمسك به المانعون ، وعلى كونه مجازا في المفرد تبادر المعنى منه مفردا عند اطلاق اللفظ فيفتقر إرادة الجميع إلى الغاء قيد الوحدة فيصير اللفظ مستعملا في خلاف موضوعه لكن وجود العلاقة المصححة للتجوز أعني علاقة الكل والجزء يجوزه فيكون مجازا. واستدل أيضا على كونه بنحو الحقيقة في التثنية والجمع بأنهما في قوة تكرار المفرد بالعطف ( انتهى كلامه قدس سره ) أقول : الظاهر أن مراده ( قدس سره ) من الوحدة التي اعتبرها في المعنى والموضوع له هي وحدة المعنى وانفراده عن الشريك في مرحلة الوضع لا الوحدة الذاتية التي يعتبرها العقل من المعنى كي يرد عليه : بأنه لا شبهة في بقاء المعنى على حاله حتى في حال استعمال اللفظ في المتعدد من دون انقلابه عما هو عليه من الوحدة الذاتية بانضمام الغير معه فكان المعنى على وحدته ولو انضم إليه الف معنى في مقام الاستعمال حيث كان المستعمل فيه حينئذ عبارة عن الف واحد ولا وحدة المعنى وجودا على معنى كون المعنى منفردا دائما بحسب الوجود ، كي يرد عليه : بأنه لا معنى لدعوى وضع اللفظ للمعنى بشرط انفراده في عالم الوجود وعدم وجود معنى آخر ، كيف وان مثل ذلك مما لاينبغي ان يحتمل صدوره عن عاقل فضلا عن مثله قدس سره الشريف وحينئذ فيتعين ان يحمل الوحدة المذكورة في كلامه على ما ذكرناه من وحدة المعنى وانفراده عن الشريك حال الوضع.
نعم على ذلك أيضا يتوجه عليه اشكال المحقق القمي ( قدس سره ) بعدم امكان اخذ مثل هذه الوحدة الناشئة من قبل قصر الوضع قيدا في ناحية المعنى والموضوع له لأنها باعتبار نشوها من قبل قصر الوضع تكون في رتبة متأخرة عن ذات المعنى والموضوع له ، ومع فرض تأخرها عنه رتبة يستحيل اخذها قيدا له وحينئذ فلابد من تجريد المعنى عن مثل هذه الوحدة أيضا ومع التجريد لايبقى الا ذات المعنى عارية عن حيث التقيد بالوحدة ، وعليه فلايكون استعمال اللفظ المفرد في المتعدد من الاستعمال المجازي ، بل امره دائر بين كونه غلطا من رأسه وبين كونه استعمالا حقيقيا. بل قد يقال بالمنع عن صحة الاستعمال المزبور مجازا أيضا ولو مع تسليم تقيد المعنى بقيد الوحدة والانفراد ، بتقريب ان المستعمل فيه اللفظ لما كان هو المعنى الملحوظ معه آخر فلا جرم يكون (112)
الاستعمال المزبور من الاستعمال في المعنى المباين نظرا إلى مباينة المعنى المقيد بالانفراد عن الشريك مع المعنى معه الشريك وحينئذ فبعد ما لم يكن علاقة في البين تجوز الاستعمال المزبور فلا جرم يصير الاستعمال غلطا محضا.
ومنها : ما افاده المحقق القمي ( قدس سره ) في وجه المنع عن صحة الاستعمال المزبور حيث قال ما حاصله : بان الوضع انما كان في حال وحدة المعنى وانفراده ولو لم يكن بشرط الوحدة وحينئذ يكون التعدي عن تلك الحالة إلى حالة أخرى يعنى حالة انضمام الغير مع المعنى تعديا عما هو وظائف الوضع وخارجا عن قانونه ، وكل استعمال لا يلاحظ فيه وظائف الوضع كان خارجا عن قانون اللغة وكان من الأغلاط لعدم كونه من الحقيقة ولا المجاز. ولقد أورد عليه بان حال الوحدة بعد ما لم تكن قيدا للوضع ولا للموضوع له لا مانع عن جواز الاستعمال المزبور ، ومن ذلك ترى انه لا مانع عنه في الاعلام مع أن الوضع فيها كان في حال بعض الأوصاف حيث يصح استعمالها في مسمياتها عند زوال تلك الأوصاف بل وعند طرو ما يضادها أيضا. أقول : ولايخفى عليك انه لا مجال لا يراد هذا الاشكال عليه ( قدس سره ) إذ نقول : بان الغرض من الوضع بمقتضي صرافة الطبع بعد أن كان هو مرآتية اللفظ للمعنى في حال انفراده عن الشريك لا مطلقا حتى في حال عدم انفراده وانضمام معنى آخر إليه ، فلا جرم بمقتضي تضيق دائرة الغرض وعدم سعته يطرء نحو ضيق أيضا على موضوع وضعه فيكون وضعه بهذا الاعتبار مقصورا في حال وحدة المعنى وانفراده عن الشريك ويكون الموضوع له أيضا عبارة عن نفس ذات المعنى لكن لا الذات المطلقة ولو كان معها الشريك ولا المقيدة بقيد الانفراد ، لما تقدم في جواب صاحب المعالم من امتناع اخذ مثل القيد الناشي من جهة قصر الوضع في ناحية المعنى والموضوع له. ومن المعلوم حينئذ انه بعد عدم امكانه اخذ الوحدة والانفراد في ناحية الموضوع له وعدم اطلاقه أيضا حسب قصور دائرة الوضع فلا جرم لايبقى في البين الا ذات المعنى في حال الوحدة بنحو القضية الحينية لا الوصفية المعبر عنه في كلامه ( قدس سره ) بان الموضوع له هو المعنى في حال الوحدة لا بشرط الوحدة كي تكون قيدا للمعنى ولا لا بشرط الوحدة. وحينئذ فعلى ذلك لايبقى مورد للاشكال المزبور ، إذ نقول : بان عدم صحة الاستعمال المزبور حينئذ انما هو من جهة عدم اطلاق المعنى الموضوع له وتضيفه الناشي من قبل قصور الوضع إذ حينئذ يصير الاستعمال المزبور خارجا عن (113)
قانون الوضع واللغة ويكون من الأغلاط.
نعم لو أن أحدا منع عن ذلك لابد له من المنع عن المقدمة الأولى بدعوى : ان الغرض من الوضع انما هو جعل مطلق المرآتية للفظ بالنسبة إلى معناه ولو ضمنا لا جعل المرآتية المطلقة له كي يلزمه قصور وضعه عن الشمول الا لحال انفراد المعنى عن الشريك فيترتب عليه عدم صحته استعماله في حال انضمام الغير معه ، وحينئذ فإذا لم يقتض الوضع الا مطلق مرآتية اللفظ للمعنى ولو في ضمن الغير يترتب عليه صحة الاستعمال في المعنيين فإذا كان اللفظ بحسب وضعه مشتركا بين المعنيين يكون استعماله فيهما استعمالا حقيقيا وإذا لم يكن. اللفظ مشتركا يكون الاستعمال المزبور بالنسبة إلى المعنى الحقيقي استعمالا حقيقيا لتحقق المرآتية بالنسبة إلى المعنى الآخر يكون الاستعمال استعمالا مجازيا ، هذا. ولكن الانصاف هو بعد دعوى كون قضية الوضع هو جعل مطلق المرآتية للفظ بالنسبة إلى معناه ولو ضمنية كيف ولازمه في مثل قوله أكرم العالم مثلا هو الحكم بالاجمال من جهة عدم امكان استفادة ان العالم هو تمام الموضوع لهذا الحكم وذلك لاحتمال ان يكون الاستعمال المزبور في قوله ( العالم ) استعمالا في المعنى الحقيقي والمجازي الملازم في المثال لكون عنوان العالم جزء الموضوع لحكم وجوب الاكرام وجزئه الاخر معنى آخر مجازي ، ومن المعلوم انه مع هذا الاحتمال لا مجال للحكم بان تمام الموضوع للحكم المزبور هو عنوان العالم ما لم يكن هناك ما يدفع الاحتمال المزبور ، وحيث انه لايكون في البين ما يدفع به الاحتمال المزبور فلا جرم نفس احتماله موجب للتوقف وعدم الحكم بأنه تمام الموضوع للحكم المزبور ، مع أن ذلك كما ترى خلاف ما استقر عليه بناء أهل المحاورة ، حيث لا شبهة في حكمهم في نحو المثال المزبور بان ما هو تمام الموضوع هو نفس عنوان العالم. وهذا بخلافه على المرآتية المطلقة فإنه عليه يكون للفظ بمقتضي وضعه ظهور في معناه وبمقتضى أصالة الظهور يحكم في المثال بان ما هو تمام الموضوع للحكم انما هو عنوان العالم الذي كان اللفظ حاكيا عنه ويدفع به احتمال كونه جزء الموضوع. بخلافه على مطلق المرآتية فإنه عليه لايكون للفظ ظهور في أن عنوان العالم هو تمام الموضوع للحكم بوجوب الاكرام كي يقتضي أصالة الظهور فيه دفع احتمال انضمام الغير معه في عالم الموضوعية للحكم ، بل أقصى ما يقتضيه الوضع حينئذ انما هو ظهور اللفظ في دخل (114)
عنوان العالم في الموضوع ، واما كونه تمام الموضع فلا ، وحينئذ فبعد احتمال إرادة المعنى الحقيقي والمعنى المجازي من لفظ العالم فلا جرم لابد من سد باب هذا الاحتمال ، وحيث انه لايكون في البين ما يدفع به الاحتمال المزبور فلا جرم لابد من التوقف والحكم بالاجمال. واما أصالة عدم القرينة فهي أيضا غير مثمرة ، لان أقصى ما تقتضيه انما هو نفى وجود الامارة على إرادة المجاز لا نفى احتمال إرادة المجاز واقعا ، نعم هي مثمرة بناء على المرآتية المطلقة لأنه عليه يكون وجود الامارة على المجاز مانعا عن التمسك بأصالة الحقيقة والظهور ، فبعد جريان أصالة العدم تجرى أصالة الظهور ويثبت بها ان ما هو تمام الموضوع هو نفس عنوان العالم. وحينئذ فنفس بناء أهل المحاورة وارتكازهم على عدم الاعتناء باحتمال إرادة المعنى المجازي في نحو المثال المزبور واستفادتهم ان ما هو تمام الموضوع هو نفس عنوان العالم ربما يساعد على المرآتية المطلقة وعليه يتوجه الاشكال المتقدم حيث إنه في فرض الاستعمال في المتعدد يدور امر ذلك الاستعمال بين كونه غلطا رأسا باعتبار خروجه عما عليه قانون الوضع واللغة كما افاده المحقق القمي ( قدس سره ) حتى بالنسبة إلى معناه الحقيقي وبين كونه مجازا بناء على فرض وجود العلائق المجوزة للاستعمال فعلى كل حال يخرج الاستعمال المزبور عن كونه استعمالا حقيقيا كما هو واضح. وكيف كان فهذا كله في المفرد.
واما التثنية والجمع : فالمصرح به في كلام جماعة منهم صاحب المعالم جوازه بنحو الحقيقة ، نظرا إلى دعوى كونهما في قوة تكرير المفرد بالعطف. ولكن التحقيق خلافه ، إذ نقول : بان ما يرى من التعدد في التثنية والجمع فإنما ذلك من جهة إفادة العلامة ذلك ، حيث كانت موضوعة بمقتضي وضعها لتقيد مدخولها بالتعدد ، لا انه كان من جهة الاستعمال في المتعدد حتى يقال بجوازه في التثنية والجمع ، فالمدخول في مثل الرجلين والعينين لايكون إلا مستعملا في معنى واحد وهو صرف الطبيعة الا ان الهيأة فيهما دلت بمقتضي وضعها على تقيد ما يراد من المدخول بالتعدد وكونه في ضمن الوجودين ، وعليه فلايرتبط ذلك بمسألة استعمال اللفظ في المعنيين ، كما هو واضح. هذا إذا أريد من المدخول صرف الطبيعة التي هي معنى كلي قابل للتعدد ، ومن العلامة إفادة التعدد من المدخول ، أو تقيده بالتعدد كما هو التحقيق في كلية أوضاع الهيئات ولقد عرفت انه خروج عن كونه من الاستعمال في المتعدد. ومثله ما لو أريد التعدد من مجموع المدخول و (115)
العلامة ، ولو بدعوى وضع المجموع مادة وهيئة للمتعدد نظير أوضاع الجوامد كما توهم ، إذ على ذلك المسلك أيضا يخرج الاستعمال المزبور عن كونه من الاستعمال في المتعدد ، كما هو واضح. واما لو أريد من المدخول التعدد : فاما ان يراد من العلامة أيضا تعدد ما يراد من المدخول على ما هو قضية وضعها ، واما ان يجعل العلامة قرينة على إرادة التعدد من نفس المدخول ، فان كان الأول ففساده واضح ، من جهة استلزامه حينئذ لان يكون مفاد التثنية في قولك ( رجلان وعينان ) أربعة ، وهو كما ترى ، فإنه مع مخالفته للوجدان لا يلتزم به أحد ، وان كان الثاني فلازمه صحة استعمال اللفظ في المتعدد ولو في المفرد ، فيبطل القول بالتفصيل بين المفرد وبين التثنية والجمع ، كما هو واضح. ولكن التحقيق في التثنية والجمع هو ما عرفت من أن استفادة التعدد انما هو من مدلول الهيئة والعلامة باعتبار وضعها لتقيد مدخولها بالتعدد وفي ضمن الوجودين ، وعليه قد عرفت بخروجها رأسا عن باب استعمال اللفظ في المتعدد ، فإنه بعد انحلال الوضع فيهما إلى وضعين بحسب المدخول والعلامة ، فلا جرم يكون المدخول دالا على صرف الطبيعة القابلة للتعدد والعلامة على تقيده بالتعدد.
ثم إن هذا كله في مثل أسامي الأجناس مما كان قابلا للتعدد واما ما لايكون قابلا للتعدد كالاعلام الشخصية وأسماء الإشارة فيشكل فيها امر التثنية الجمع إذ لا يجري فيها ما ذكرناه في تثنية أسامي الأجناس ، فلا بد فيها اما من الالتزام بان الوضع انما كان من قبيل وضع الجوامد وان مثل زيدان وهذان مثلا وضع مادة وهيئة مجموعا لفردين على خلاف أوضاع التثنية والجمع في أسامي الأجناس ، واما من الالتزام بكفاية مجرد الاتفاق في اللفظ فيها بلا حاجة إلى الاتفاق في اللفظ فيها بلا حاجة إلى الاتفاق في المعنى أيضا ، أو الالتزام بالتأويل بالمسمى ليصير كليا قابلا للتعدد فيرد عليه العلامة. ولكن الجميع كما ترى ، اما الأول فلبعده جدا لكونه على خلاف الارتكاز فان وضع تثنية الاعلام بحسب الارتكاز انما هو كتثنية أسامي الأجناس وحينئذ فالتفرقة بينهما بجعل وضع التثنية والجمع في غير الاعلام الشخصية وضعا انحلاليا وفيها من قبيل وضع الجوامد في غاية السخافة كما هو واضح. واما الثاني فبمنع كفاية مجرد الاتفاق في اللفظ في التثنية والجمع بل يعتبر فيها علاوة عن الاتفاق في اللفظ الاتفاق بحسب المعنى أيضا. واما الثالث فبان التأويل بالمسمى من المجاز المحتاج إلى رعاية عناية فيه وهو مما يأبى عنه الطبع والذوق في مثل (116)
زيدان وحسنان حيث لايكاد انسباق الذهن منه إلى المسمى بزيد بوجه أصلا ، نعم قد يفضى الحاجة إلى التأويل المزبور في بعض الموارد كما في قولك جئني بمن هو مسمى بزيد ، أو اعط الدرهم من هو مسمى بمحمد لكن ذلك أيضا مع إقامة القرينة الخاصة عليه وأين ذلك والمقام الذي لايرى فيه قرينة على ذلك ، على أنه لو سلم ذلك في مثل الاعلام الشخصية لايكاد يجرى الكلام المزبور في مثل أسماء الإشارة كهذين ونحوه مما له توغل محض في التعريف. ودعوى عدم كون مثل هذين من التثنية حقيقة بل هو من باب كونه موضوعا للإشارة إلى فردين بعيد جدا ، فان الظاهر أن مثل هذين تثنية لهذا ، لا انه موضوع بمجموعة مادة وهيئة للإشارة إلى الفردين من المذكر كما هو واضح ، وحينئذ فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتوجه الاشكال بأنه كيف المجال لتثنية الاعلام وأسماء الإشارة مع عدم قابلية المدخول فيها للتعدد.
وحينئذ فالأولى في حل الاشكال هو ان يقال : بان التثنية والجمع في باب الاعلام في نحو زيدان وزيدون انما هو باعتبار لفظ زيد الذي هو كلي قابل للتعدد لا باعتبار مدلوله ومعناه ، نظير باب استعمال اللفظ في نوعه ، فأريد من المدخول حينئذ نفس طبيعة اللفظ ومن العلامة تقيده بالتعدد ولكنه لا بنحو يكون اللفظ بنفسه منظورا استقلاليا في قبال معناه بل بما انه مرآة إلى معناه بحيث كان النظر إليه نظرا عبوريا وكان المنظور بالاستقلال هو المعنى ، كما في قولك : رأيت زيد بن أي زيد بن عمرو وزيد بن بكر ، في قبال ما لو كان المنظور بالاستقلال هو اللفظ خاصة ، كقولك : اكتب زيدين أو اقرأ زيدين ، حيث كان النظر الاستقلالي فيهما بتمامه إلى خصوص اللفظ بلا نظر إلى مدلوله ومعناه ، وعليه فيدفع الاشكال المزبور حيث نقول : بأنه يراد من العلامة في مثل زيدين فردان من طبيعة لفظ زيد على نحو يكون كل فرد حاكيا عن معنى خارجي. هذا بالنسبة إلى الاعلام الشخصية. واما أسماء الإشارة فالامر فيها أسهل بناء على ما تقدم منا في المبهمات من دعوى كونها موضوعة للذوات المبهمة بما هي متخصصة بخصوصية الإشارة أو المعهودية ونحوهما بنحو خروج القيد ودخول التقيد ، حيث إنه على هذا المسلك يكون المدخول في مثل هذين والذين وهما ، مفاده كليا قابلا للتعدد ، كما في أسامي الأجناس ، فمن هذه الجهة يكون حالها حال أسامي الأجناس بلا ورود اشكال فيها ، نعم على المسلك الآخر فيها من وضعها (117)
لمصداق الإشارة إلى المفرد المذكر كما ادعى لا شكل امر التثنية والجمع فيها ، فمن ذلك لابد من القول في مثل هذين بان الوضع فيه انما هو كوضع الجوامد بدعوى ان هذين وضع مادة وهيئة وضعا واحدا للإشارة إلى الفردين من المذكر فلايكون تثنية حقيقة ، ولكنه قد تقدم سخافة هذا المسلك ، فان لازم جعلها موضوعة لنفس الإشارة انما هو صيرورة معناها معنى حرفيا ولازمه هو عدم جواز اجراء احكام الاسم عليها من الاخبار عنها تارة وبها أخرى مع أنه كما ترى ، وحينئذ فكان صحة اجراء احكام الأسماء عليها كاشفا عن فساد المسلك المزبور. وهذا بخلافه على ما اخترناه من المسلك في أوضاع المبهمات من جعل الموضوع له فيها عبارة عن الذوات المبهمة المتخصصة بخصوصية الإشارة أو المعهودية أو غيرهما ، حيث إنه باعتبار اسمية مداليلها كان المجال لاجراء احكام الاسم عليها كما أنه باعتبار كلية مداليلها يصح أيضا تثنيتها وجمعها كما في أسامي الأجناس من دون منافاة ذلك أيضا مع كونها معرفة لما تقدم في محله بأن جهة تعرفها انما كانت بلحاظ تقيد مداليلها بالإشارة أو المعهودية الذهنية كما لايخفى فتدبر.
تنبيه
قد يقال : بأنه كيف منعتم عن جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد مع أنه واقع في الكتاب العزيز على ما نطق به غير واحد من الاخبار بان للقرآن بطونا سبعة أو سبعين ، ولكنه يندفع ذلك بامكان ان يكون المراد من البطون في الاخبار ما هو من اللوازم للمعنى المطابقي التي كان بعضها اخفى من بعض ولا يصل إليها عقولنا ولايعلمها الا من خوطب به ، إذ عليه لايكون ذلك مربوطا بمسألة استعمال اللفظ في المتعدد كي ينتج للقائل بالجواز ، ومع الغض عن ذلك نقول أيضا : بأنه يمكن ان يكون المراد من البطون هي المصاديق العديدة لمعنى واحد كلي التي تتفاوت في الظهور والخفاء ، وعليه أيضا لايرتبط ذلك بباب استعمال اللفظ في المتعدد إذ المستعمل فيه حينئذ لايكون إلا معنى واحدا كليا ، غايته انه لذلك المعنى الكلي مصاديق عديدة بعضها اخفى من بعض بحيث لا يصل إليها عقولنا ولايعلمها الا النبي صلى الله عليه وآله والوصي والأئمة من ولده عليهم السلام لكونهم هم المخاطبين به فباعتبار خفاء تلك المصاديق وعدم علمنا به
(118)
عبر عنها في الاخبار المروية عنهم عليهم السلام بالبطون ، فتدبر.
قد وقع الخلاف بين الاعلام في أن المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ في الحال ، أو انه حقيقة في الأعم منه والمنقضي عنه المبدأ ، وذلك بعد وفاقهم على كونه مجازا في الاستقبال ، ولتنقيح المرام في المقام لابد من ذكر أمور : الأول في بيان الحال المتنازع فيه في المقام وانه عبارة عن حال تلبس الذات بالمبدأ وتلبسه بها ؟ أو انها عبارة عن حال الجري والتطبيق على المصداق الخارجي كما هو ظاهر بعضهم حسب اقتضاء تحريرهم عنوان البحث ، أو انه عبارة عن حال النسبة الكلامية ، وتوضيح المقال في ذلك يحتاج إلى بيان ما هو مورد النزاع وانه هل هو في مدلول الكلمة والمفرد أو في مدلول الهيئة ؟ فنقول : لاينبغي الاشكال في أن ما هو مورد البحث والكلام بين الاعلام وما يرجع إليه لب النزاع انما هو مدلول الكلمة وان ما هو المدلول لكلمة الضارب والعالم ونحوهما مع قطع النظر عن مرحلة جريه وتطبيقه على المصداق الخارجي أو ورود حكم عليه ووقوعه في حيز الهيئة الكلامية هل هو عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ بقول مطلق أو المبدأ القائم بالذات مطلقا ( على اختلاف المسلكين في المشتق من مأخوذية الذات فيه أو عدم مأخوذية الذات فيه وكونه عبارة عن نفس المبدأ لا بشرط ) أو انه عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة منها متحققة في سابق الزمان ؟ حيث كان القائل بالتلبس في الحال يدعى وضع المشتق للذات المتلبسة بالمبدأ على الاطلاق الملازم لعدم انطباقه خارجا الاعلى المتلبس بالمبدأ في الحال ، والقائل بالأعم يدعى الوضع للذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة من الذات مما مضى الملازم لصحة جريه وتطبيقه خارجا ولو على المتلبس بالمبدأ سابقا المنقضي عنه في الحال. ولئن شئت فاستوضح ذلك بقولك زيد الضارب حيث ترى في ذلك نسبا طويلة مترتبة بعضها على بعض : الأولى : نسبة تلبس الذات بالمبدأ واتصافها به مع قطع النظر عن مقام جريه وتطبيقه (119)
على المصداق الخارجي كما لو كنا نحن ونفس مفهوم الضارب بما هو هذا المفهوم حيث يرى من ذلك ذات لها نسبة إلى المبدأ أو مبدأ له نسبة إلى الذات بنسبة قيامية مثلا ، كان في العالم لهذا المفهوم مصداق أو لم يكن.
الثانية : نسبة انطباق تلك المتلبس والمتصف بالمبدأ على المصداق الخارجي وهو زيد مثلا في مثل قولك : زيد الضارب والشجرة المثمرة فان مثل هذه النسبة كان ظرفها متأخرا عن ظرف نسبة تلبس الذات بالمبدأ. الثالثة : النسبة الحكمية في مثل قولك : أكرم زيدا الضارب حيث نسبت الاكرام إلى زيد المنطبق عليه الذات المتلبسة بالمبدأ فبهذه الجهة كان ظرف هذه النسبة متأخرا عن الأوليين. وبعد ذلك نقول : بأنه لا شبهة في أن ما هو مورد البحث والنزاع انما هو النسبة بالمعنى الأول وهي نسبة تلبس الذات بالمبدأ أو نسبة قيام المبدأ بالذات ، على اختلاف المسلكين ، دون نسبة انطباق الذات المتلبسة على المصداق ، كيف وانك في وقولك : زيد الضارب والشجرة المثمرة ترى ان المشتق بما له من المدلول ينطبق على زيد ويجري عليه ، وحينئذ فلا محيص مما ذكرنا من جعل مورد البحث والنزاع في مدلول الكلمة ، أعني كلمة الضارب والعالم ، مع قطع النظر عن مقام جريه وانطباقه على المصداق أو ورود حكمه عليه ، فينازع بان مدلول هذه الكلمة عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ على نحو الاطلاق بنحو يلازم عدم صحة جريه وتطبيقه الا على المتلبس بالمبدأ في الحال ، أو انه عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة منها مما مضى الملازم لصحة انطباقها خارجا ولو على المتلبس بالمبدأ خارجا المنقضي عنه في الحال ، وعليه يكون النزاع في صحة اطلاق المشتق وجريه على الذات المنقضي عنها المبدأ في الحال وعدم صحته من لوازم النزاع في مدلول الكلمة وتبعاته ، لا انه بنفسه مورد البحث والنزاع كما هو واضح. ومن ذلك البيان ظهران الحال المتنازع فيه في المقام لابد وأن يكون عبارة عن حال تلبس الذات بالمبدأ ، دون حال الجري والتطبيق كما يقتضيه ظاهر بعضهم ، ودون حال النسبة الكلامية ، كيف وانه على الآخرين لا يرجع النزاع في الحقيقة والمجاز إلى المجاز في الكلمة والحقيقة فيها ، بل مرجعه حينئذ إلى المجاز في الاسناد والحقيقة فيه الذي هو خارج عن مدلول الكلمة ، وهو المشتق ، كما هو واضح. (120)
ومن ذلك نقول : بان حق تحرير عنوان المسألة في المقام هو تحريره بان المشتق ، أي كلمة ضارب مثلا ، هل موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ بقول مطلق ، أو انه موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة منها مما مضى بالغاء عنوان الحال رأسا ، كي لا يختلط بحال الجري والتطبيق أو حال النسبة الكلامية أو تحريره بان المشتق موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ حال تلبسها به ، أو انه موضوع له يعمه وغيره من حالات خلو الذات عن المبدأ لكي ينطبق على ما ذكرناه.
الامر الثاني قد عرفت بأنه على القول بالأعم كما يصح اطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلا كذلك يصح اطلاقه وجريه على المنقضي عنه المبدأ فعلا بمحض تلبس الذات به في سابق الزمان ، ولو كان حال الجري متلبسا بما يضاد الوصف السابق. واما على القول بالتلبس الفعلي فلابد في صحة اطلاق المشتق وجريه من فعلية تلبس الذات بالمبدأ في الظرف الذي لو حظ فيه الجري ، فإذا كان زيد غير متلبس بالقيام في الحال وقد كان تلبسه به في سابق الزمان لايصح اطلاق القائم عليه في الحال بقولك زيد قائم الآن ، نعم لو كان جرى المشتق لا بلحاظ الحال بل بلحاظ ظرف تلبسه به ماضيا أو مضارعا صح الجري المزبور أيضا وكان بنحو الحقيقة ، ففي مثل زيد كان قائما بالأمس أو زيد يكون قائما في الغد يكون بنحو الحقيقة إذا كان التلبس بالقيام أيضا في الأمس في الأول وفي الغد في الثاني ، وإذا كان التلبس في أمس الأمس يكون مجازا على هذا القول ، كما أنه في الثاني إذا كان التلبس في غد الغد يكون مجازا على القولين ، وحينئذ فلابد على القول باعتبار التلبس الفعلي من ملاحظة فعلية التلبس في الزمان الذي لو حظ فيه الجري ماضيا أو مضارعا أو حالا. بل ولئن دققت النظر ترى ان العبرة كلها على زمان المجرى عليه لا على زمان الجري والتطبيق فإذا كان المجرى عليه بالجري الفعلي هو القطعة المتلبسة بالمبدأ من الذات سابقا ، أو كان هو القطعة المتلبسة به لا حقا صح الجري وكان بنحو الحقيقة ولو كان الجري فعليا وحينئذ فلايحتاج على القول بالتلبس الفعلي في صحة الجري حقيقة إلى اتحاد ظرف الجري مع ظرف المجرى عليه كما في الأمثلة المتقدمة كي يحتاج إلى جعل الجري أيضا بلحاظ حال التلبس ماضيا أو مضارعا فنقول : زيد كان قائما بالأمس أو يكون قائما في الغد أو الآن ، وعمدة النكتة في ذلك انما هو تساوى تلك القطعات الثلاث |
|||
|