|
|||
(436)
قهرا بعقد الإجارة ، نعم على ذلك لابد في صحة أصل الإجارة من وجود المندوحة من جهة انه بدون المندوحة لا قدرة له على الوفاء وهي شرط صحة الإجارة فمن ذلك يبطل الإجارة حينئذ لانتفاء شرط صحتها الذي هو القدرة على الوفاء ، ومن هذه الجهة يفرق العبادات عن المعاملات ، حيث إنه في العبادات لايحتاج إلى اعتبار قيد المندوحة الا من جهة رفع غائلة محذور التكليف بما لايطاق الذي هو غير مهم أيضا عند القائل بالجواز من جهة ما عرفت من أن المهم عنده انما هو محذور اجتماع الضدين الذي هو بنفسه من التكليف المحال ، بخلافه في المعاملات حيث إن الاحتياج إلى قيد المندوحة من جهة أصل صحة المعاملة. واما بناء على الامتناع وتغليب جانب النهى فحيث انه تسرى المبغوضية إلى الخياطة فقهرا تصير مبغوضة ومحرمة ومعه تخرج شرعا عن المالية فلا يصلح مثلها للوقوع وفاء بعقد الإجارة وحينئذ فلو كان المحل باقيا بعد ذلك فلا اشكال ، حيث يجب الاتيان بالخياطة في غير المكان المغصوب والا فيبطل الإجارة لعدم بقاء المحل للوفاء.
هذا إذا كانت الإجارة على نفس الخياطة والطحن بما انهما عمل له واما لو كانت الإجارة عليهما بما انهما نتيجة عمله وفعله ففي هذا الفرض صحت الإجارة مع المندوحة ويقع الطحن والخياطة أيضا وفاء للمعاملة بلا اشكال ، نظرا إلى عدم سراية المبغوضية حينئذ إليهما وبقائهما على ماليتهما لخروجهما حينئذ حقيقة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد كما هو واضح. الامر الثاني : قد عرفت سابقا ان المسألة كانت من صغريات باب التزاحم دون التعارض ولو على الامتناع ومن ذلك لابد من احراز الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين على الاطلاق حتى في المجمع كي يحكم عليه على الجواز بكونه محكوما بحكمين من المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة ، وعلى الامتناع بأقوى الملاكين لو كان أحدهما أقوى والا فبحكم آخر غيرهما مثلا. ولقد عرفت أيضا بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض وان المدار في باب التزاحم انما هو على تزاحم الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية أو في عالم الوجود ومرحلة فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا ، ومنه باب الاجتماع بناء على الجواز خصوصا مع عدم المندوحة ، لا على تزاحم الحكمين في مقام الامتثال كما توهم والا فكما عرفت لايكاد ينتهى النوبة إلى مقام تزاحم الحكمين حتى في المتضادين اللذين يلازم امتثال أحدهما عصيان الآخر الا على فرض (437)
جعل القدرة من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط أصل التكليف وفعليته ، والا فعلى فرض كونها من شرائط أصل التكليف وفعليته كما هو التحقيق لايكاد يكون مجال لوقوع المزاحمة بين الحكمين الفعليين حتى في المتضادين وجودا من جهة وضوح استحالة تشريع الحكمين حينئذ على الاطلاق في المتضادين ، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه فلابد على هذا الملاك حينئذ من ادراج جميع هذه الموارد في باب التعارض مع أنه كما ترى. وحينئذ فلا محيص من الالتزام بما ذكرناه من المعيار بجعل المناط في باب التزاحم على تزاحم الملاكين من المفسدة والمصلحة في عالم التأثير في ايراث الحب والبغض كما في باب الاجتماع على الامتناع ، أو تزاحمهما في عالم الوجود ومقام فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا ، ومنه باب الاجتماع على الجواز ، وان كان الحكم الفعلي دائما على طبق أحد الملاكين في قبال باب التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين في مرحلة أصل الاقتضاء.
وعليه فكل مورد أحرز ولو من الخارج وجود الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين كان ذلك من باب التزاحم الذي من لوازمه هو الاخذ بما هو الأقوى والاهم منهما ملاكا وان كان أضعف سندا من الآخر نعم يخرج عن ذلك صورة إناطة المصلحة في قيامها بالشيء بعدم تأثير المفسدة في المرجوحية ، كما في كلية التكاليف المشروطة بالقدرة شرعا عند مزاحمتها مع ما لايكون القدرة فيه الا شرطا عقليا ، كما في الحج الواجب في فرض انحصار المركوب بالدابة المغصوبة مثلا حيث إنه في هذا القسم لا يلاحظ جهة اقوائية المفسدة في مقام تقديمها على المصلحة ، بل حينئذ يقدم المفسدة على المصلحة في مقام التأثير في المرجوحية الفعلية ولو كانت أضعف بمراتب من المصلحة ، وذلك من جهة استحالة مزاحمة المصلحة التعليقية مع المفسدة التنجيزية ، لان مانعيتها دورية فتبقى المفسدة المزبورة في رتبة تأثيرها بلا مزاحم فتؤثر في المبغوضية ولو كانت في أدنى درجة الضعف وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة وحينئذ فينحصر باب التمانع الذي يكون جهة تأثير كل من الملاكين تابع الأهمية والأقوائية بما عدا تلك الصورة ، كما هو واضح. كما أن كل مورد لم يحرز وجود المقتضي والملاك لكل من الحكمين كان من باب التعارض الذي من حكمه هو الرجوع بعد العجز عن الجمع بينهما إلى المرجحات السندية. ثم انه بعد ما اتضح لك ما هو كبرى المسألة وتميز ثبوتا عن كبرى باب التعارض (438)
يبقى الكلام في تشخيص صغريات باب التزاحم عن صغريات باب التعارض ، وان مقتضي ظهور الخطابين عند عدم قيام قرينة قطعية من اجماع أو غيره على وجود الملاكين في المجمع هل هو كونه من باب التزاحم مطلقا ؟ أو من باب التعارض كك ؟ أو يفصل بين صورة تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه وبين صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه ؟ كما في اكرام العالم والهاشمي فيما لو تعلق الامر مثلا باكرام العالم والنهى باكرام الهاشمي.
فنقول : اما فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه حقيقة كالغصب والصلاة قضية اطلاق الخطابين حينئذ الكاشف عن وجود الملاك والمصلحة في موضوعيهما على الاطلاق حتى في المجمع بل وفي حال العجز عن موضوعهما وجدانا أيضا ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في كلية الخطابات. ومن ذلك أيضا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق حتى في حال العجز عن امتثالها من مثل تلك الخطابات مع الجزم باختصاص فعلية التكليف بحال القدرة ، من غير تخصيص للمصلحة أيضا بحالها الا في فرض اخذ القدرة أيضا قيدا في حيز الخطاب كما في الحج ، وحينئذ فإذا كان قضية اطلاق الخطابين هو الكشف عن وجود الملاك في موضوعهما على الاطلاق حتى في المجمع ، فقهرا يندرج في باب التزاحم الذي من حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين منهما. نعم هنا اشكال معروف وهو ان طريق كشف المصلحة في المتعلق انما كان حيث ظهور الخطاب في فعلية التكليف والا فلا دلالة له على وجود المصلحة في المتعلق أو قيام الرجحان به في قبال دلالته على فعلية التكليف ، وحينئذ فإذا فرض سقوط دلالته على فعلية التكليف بمقتضي حكم العقل بتخصيص فعلية التكليف بحال القدرة وعدم العجز فلا جرم مع سقوط دلالته هذه لايبقى مجال الكشف عن قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز وعدم القدرة ، ومعه أين الطريق بعد لكشف المناط والمصلحة في المتعلق على الاطلاق ؟ ولكن يدفع هذا الاشكال بأنه انما يتم ذلك فيما لو كان حكم العقل باشتراط القدرة في الارتكاز بمثابة يكون من القرائن الحافة بالكلام الكاسرة لظهور اللفظ نظير قرينة الحكمة فإنه حينئذ كما أفيد لايبقى مجال الكشف عن وجود الملاك والمصلحة من اطلاق الخطاب ، لان دلالة الخطاب والهيئة على قيام المصلحة في المتعلق لما كانت بالالتزام كانت فرع دلالته على فعلية التكليف وبعد سقوط دلالته (439)
على فعلية التكليف بمقتضي القرينة العقلية فقهرا لايبقى له الدلالة على قيام المصلحة أيضا الا في حال القدر ، ولكن ذلك في محل المنع جدا ، بل نقول : بأنه من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور اللفظ وان ما نعيته انما هو عن حجيته لا عن أصل ظهوره ، وعليه نقول : بان القدر الممنوع بحكم العقل حينئذ انما هو حجية الخطاب بهيئته في فعلية التكليف في حال العجز وعدم القدرة ، فيبقى ظهوره في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق على حاله ، فيؤخذ بظهوره ذلك ويحكم بوجود الملاك في متعلق الخطابين على الاطلاق حتى في المجمع ، من دون احتياج حينئذ إلى التشبث باطلاق المادة والمتعلق لكشف المصلحة حتى في حال العجز عن الامتثال كي يقال بان المادة بعد ما اخذت موضوعة للهيأة في الخطاب فمقتضى طبع الموضوعية هو كونها سعة وضيقا بمقدار سعة الهيأة وضيقها ، وحينئذ فمع تضيق دائرة الهيأة واختصاصها بحال القدرة وعدم العجز لايكون للمادة سعة اطلاق في قبال الهيأة العارضة لها حتى يتشبث باطلاقها ، كما هو واضح.
ومما ذكرنا ظهر أيضا عدم صحة مقايسة هذا الحكم العقلي في المقام بمثل قرينة الحكمة التي هي من الارتكازيات في مقام المخاطبات في كونها موجبة لانصراف الهيأة إلى صورة القدرة وعدم العجز وذلك فان قرينة الحكمة بملاحظة كونها من شؤون اللفظ في مقام المخاطبات تعد من قبيل القرائن اللفظية الحافة بالكلام ، وهذا بخلافه في حكم العقل باشتراط القدرة في فعلية التكليف ، حيث إنه لايكون بمثابة قرينة الحكمة حتى يكون ذلك أيضا من شؤون الألفاظ كالحكمة ، بل ولا كان في الارتكاز أيضا بمثابة لايحتاج إلى تأمل من العقل حتى يعد بذلك من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيأة ، بل هو من جهة احتياجه إلى نحو تأمل من العقل يكون من القرائن المنفصلة الغير المانعة الا عن حجية الظهور لا عن أصل الظهور ، وعليه فبعد عدم انثلام ظهور الهيأة بمقتضي حكم العقل باشتراط القدرة في التكليف الفعلي فلا محالة يؤخذ بظهورها في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز. هذا كله فيما لو تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه ، ومثله بل أوضح منه ما لو تباينا وجودا أيضا مع تلازمهما خارجا فإنه أيضا مندرج في باب التزاحم بالبيان المزبور. واما لو اتحد عنوان المأمور به والمنهى عنه كاكرام العالم والهاشمي حيث كان متعلق الأمر والنهي عنوانا واحدا وهو الاكرام فمقتضى ما ذكرنا وان كان هو اعمال قواعد (440)
التزاحم فيه أيضا الا ان ظاهر الأصحاب في مثله على اعمال قواعد التعارض ، ولعل النكتة في الفرق بين الفرضين هو ان في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه لايكون العقل مانعا بدوا عن فعلية التكليف بالعنوانين بل وانما الممنوع فيه هو فعلية التكليفين في ظرف التطبيق في المجمع ، حيث يرى بعد التطبيق كونهما من التكليف بما لايطاق ، فمن ذلك يخرج عن كونه من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيأة. وهذا بخلافه في صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه كما في العامين من وجه كاكرام العالم والهاشمي فإنه في هذا الفرض يكون العقل بدوا مانعا عن فعلية التكليفين بعنوان وحداني وعن اجتماع المحبوبية والمبغوضية فيه ، إذ يرى كون أصل التكليف به بالفعل تارة وبالترك أخرى من التناقض ، ومن هذه الجهة يكون من قبيل القرائن المتصلة الحافة ، فيوجب كسر صولة ظهور الخطابين في الفعلية ، ومعلوم انه مع انثلام الظهور المزبور لايبقى مجال كشف المناطين فيه ، فمن ذلك لابد فيه من اعمال قواعد التعارض ، إذ يكفي في اجراء قواعد التعارض فيه مجرد عدم احراز كونه من باب التزاحم كما هو واضح ، هذا.
وقد يوجه نكتة الفرق بين الفرضين بوجه آخر وحاصله : دعوى ان اعمال قواعد التعارض في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه انما هو من جهة ما يقتضيه العقد السلبي في كل من الخطابين ، بتقريب ان كل واحد من الخطابين في الفرض المزبور كما يكشف عن وجود مناطه فيه أي في متعلقه كك يكشف عن عدم وجود مناط آخر فيه غير مناطه ، وحينئذ فحيث ان متعلق الخطابين عنوان واحد فقهرا يقع التكاذب بين العقد الايجابي في كل منهما مع العقد السلبي في الخطاب الآخر بنحو يوجب تقديم كل خطاب الغاء الآخر بالمرة حتى من جهة دلالته على وجود مناط فيه ، فمن ذلك لابد فيه من اعمال قواعد التعارض بينهما ، وهذا بخلافه في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه ، فإنه في هذا الفرض لا ينتهى النوبة إلى مقام معارضة الخطابين حيث لايقتضي تقديم شيء من الخطابين حينئذ الغاء الآخر عن الدلالة على وجود المناط في متعلقه بوجه أصلا ، فمن هذه الجهة يؤخذ بظهور كل من الخطابين في الدلالة على وجود الملاك والمصلحة في متعلقه حتى في المجمع ويجري عليه بعد ذلك قواعد باب التزاحم ، هذا. ولكن يمكن الخدشة في هذا التقريب بمنع التنافي بين الخطابين في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه أيضا وذلك من جهة امكان ان يكون الشيء الوحداني (441)
بجهتين تعليليتين واجدا للمصلحة والمفسدة ، فيكون ذا مصلحة من جهة وذا مفسدة من جهة أخرى ، وأمثلته كثيرة جدا ، ومعلوم حينئذ انه مع امكان ذلك ثبوتا لايبقى مجال دعوى العقد السلبي للخطابين حتى ينتهى الامر إلى معارضته مع العقد الايجابي في الآخر. وحينئذ فالعمدة في الفرق بين الفرضين هو ما ذكرنا من كون منع العقل بدويا في فرض وحدة عنوان لمأمور به والمنهى عنه بخلافه في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه ، فان منعه انما يكون بملاحظة مقام تطبيق العنوانين على المجمع الوحداني لا ان منعه يكون بدويا كما في الفرض الأول.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في العامين من وجه مع وحدة عنوان المأمور به ظهر لك الحال في صورة الامر بالمطلق والنهى عن المقيد كقوله : صل ، وقوله : لا تصل في الدار المغصوبة ، حيث إنه ثبوتا وان أمكن كونه من باب التزاحم الا انه اثباتا لابد فيه من اعمال قواعد التعارض نظرا إلى كشف دليل الخاص حينئذ في فرض اقوائية عن تضيق دائرة التكليف في طرف العام بغير المقيد بجميع مراتبه ، فتدبر. واما لوازم البابين : فمنها كما عرفت هو الرجوع في باب التعارض بعد الياس عن الجمع إلى قواعد التعادل والترجيح بخلافه على التزاحم فإنه فيه لابد من ملاحظة ما هو الأهم مصلحة كانت أو مفسدة فيقدم الأقوى ملاكا على غيره وان أضعف سندا من غير أن يلاحظ فيه جهة اقوائية السند بل ولا الدلالة أيضا الا إذا فرض كون الأقوى دلالة أقوى ملاكا أيضا فيقدم حينئذ ما هو الأقوى دلالة على غيره لمكان كشف قوة دلالته حينئذ عن قوة ملاكه ، فتدبر. ومن لوازم التعارض والتخصيص أيضا هو عدم قيام المصلحة واقعا الا بالمقيد ويتبعه أيضا فساد العمل الفاقد لقيد واقعا من دون إناطة بالعلم بالمصلحة أو الجهل بها ، بخلافه على التزاحم فان من لوازمه قيام المصلحة واقعا بنفس المطلق وان كان حكمه الفعلي مقيدا بعدم وجود المزاحم الأهم ، ومن لوازم هذا المعنى هو عدم تبعية الفساد واقعا مدار فقد قيد الحكم الفعلي بل يكون تبعيته حينئذ مدار العلم به وعدمه ، فمع الجهل يكون المأتى به صحيحا واقعا من جهة وجدانه لما هو الملاك والمصلحة ووفائه بغرض المولى ، ومن ذلك أيضا بنوا في مثل الغصب والصلاة ولو على الامتناع وتغليب النهى على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية مطلقا أو الجهل بالحرمة إذا كان عن قصور ، ومعلوم انه لايكون ذلك (442)
الا من جهة واجدية المأتي به حينئذ للملاك والمصلحة إذا المانع عن صحته حينئذ انما كان هو فعلية نهيه وتنجزه عليه وتأثيره في مبعدية الفاعل وبعد فرض معذورية المكلف من جهة جهله يقع العمل صحيحا قهرا.
لايقال : هذا كك في غير العبادات واما فيها فبملاحظة احتياج صحتها إلى قصد القربة المنوط بوجود الامر الفعلي القائم بالعمل المأتي به بداعية ومحبوبيته فلا يتم ذلك حتى في ظرف الجهل المزبور ، وذلك لان الجهل المزبور حينئذ غير رافع لتأثير المفسدة الأهم في المبغوضية الفعلية ومع هذه الجهة من التأثير لايبقى مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة في رجحان العمل ومحبوبيته وفعلية الامر المتعلق به ، ومعه فأين امر فعلي قائم بالمأتى به يوجب التقرب به كي يصير العمل لأجله صحيحا ؟ ففي الحقيقة تمام المنشأ للفساد حينئذ انما هو من جهة انتفاء مقتضي الصحة وهو التقرب لا من جهة وجود المانع وهو فعلية النهى وتنجزه حتى يقال : بأنه في ظرف الجهل المزبور لا تأثير للنهي في المنجزية ومبعدية الفاعل عن ساحة القرب إلى المبدء الاعلى عز شانه. فإنه يقال : نعم ان ذات العمل حينئذ وان كان مبغوضا فعلا بمقتضي تأثير المفسدة الأهم ومع هذه الجهة من التأثير لايبقى مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة فيه في المحبوبية الفعلية ، الا انه نقول : بأنه لا باس حينئذ في تأثير المصلحة المهمة في حسنه من حيث صدوره عن الفاعل ، إذا المانع عن تأثيره في حسنه حتى من حيث صدوره عن الفاعل انما كان هو حيث تنجز نهيه وبعد سقوط تنجزه لمكان جهله فقهرا تؤثر المصلحة في حسنه من تلك الجهة ويتبعه أيضا الامر الفعلي فيتقرب حينئذ بداعي امره ولو من حيث إضافة صدوره إلى الفاعل. ولئن خودش فيه أيضا بامتناع موردية العمل ولو بلحاظ إضافة صدوره إلى الفاعل لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية الفعلية مع كونه مبغوضا بالبغض الفعلي بمقتضي تأثير المفسدة الأهم الغالبة ، نظرا إلى استلزامه لاجتماع الضدين فيه من المحبوبية والمبغوضية بملاحظة اتحاد الوجود والايجاد حقيقة ، وان ما هو الصالح لان يكون موردا لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية انما هو حيث إضافة العمل إلى الفاعل فقط مع خروج المضاف عن مورديته لتأثير المصلحة ، ومثل هذا المقدار غير واف بالتقرب المعتبر في صحة العبادة من جهة ان ظاهرهم هو احتياج العبادة في صحتها إلى التقرب بذات العمل لا بحيث اضافته إلى الفاعل ، نقول : بأنه نمنع توقف القرب على فعلية الامر بالمأتى به و (443)
رجحانه الفعلي ، إذ نقول بان من أنحاء القرب أيضا اتيان العمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى. ومن المعلوم حينئذ ان مثل هذا المعنى مما يتمشى من المكلف حتى مع الجزم بعدم الامر الفعلي بل ومع الجزم بكونه مبغوضا فعلا ما لم يكن العمل مبعدا له ، كما في المضطر بالغصب لا عن سوء الاختيار ، وحينئذ فإذا اتى بالعمل في ظرف الجهل المزبور بداعي التوصل به إلى غرض المولى وكان العمل أيضا من جهة وجدانه للمصلحة وافيا بغرض المولى فقهرا بنفس اتيانه بالقيد المزبور يتحقق القرب ويصح منه العبادة. مع أنه على فرض الاحتياج إلى الامر الفعلي أيضا نقول : بأنه بعد احتمال فعلية الامر ومطلوبيته يكفي في التقرب بالعمل اتيانه برجاء كونه مأمورا به بالايجاد من دون احتياج إلى الجزم بالامر أصلا ، كما هو واضح. هذا في الجهل البسيط.
واما في مورد الجهل المركب فيكفي أيضا في الداعوية وفي تحقق القرب اعتقاد الامر الفعلي وان لم يكن في الواقع امر أصلا فان ماله الدخل بتمامه في الداعوية والمحركية انما كان هو العلم بالامر لا هو بوجوده الواقعي ، وحينئذ فإذا علم بالامر وجدانا أو تعبدا لقيام امارة عليه كان علمه ذلك تمام العلة لتحقق الدعوة ، ومع اتيانه بالعمل بداعية يتحقق القرب المتوقف عليه صحة العبادة قهرا ، من جهة تحقق ما هو علته وهي الدعوة ، فيترتب عليه حينئذ صحة العبادة وان لم يكن هناك امر فعلي متعلق بالعمل في الواقع. لايقال : كيف ذلك مع أنه خلاف ما بنوا عليه من احتياج العبادة في صحتها إلى قيام الامر الفعلي بها في الواقع كما يشهد عليه حكمهم بفساد العبادة عند خلوها عن الامر واقعا. فإنه يقال : كلا ، وان اعتبارهم لوجود الامر انما هو باعتبار كشفه عن وجود المصلحة في متعلقه وبلوغه إلى مرحلة الوفاء بالغرض الفعلي نظرا إلى عدم طريق آخر إلى كشف المناط والمصلحة فيه الا امره وبعثه لا من جهة دخله في التقرب المعتبر في صحة العبادة ، كما هو واضح. الامر الثالث في الاضطرار إلى الغصب فنقول : الاضطرار إلى الغصب تارة يكون لا عن سوء اختيار وأخرى يكون عن سوء اختياره ، وعلى التقديرين تارة يقطع بزوال العذر قبل خروج الوقت وأخرى يقطع ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت وثالثة يشك في ذلك ، وعلى التقادير تارة يكون الغصب مجموع الفضاء والأرض وأخرى يكون الغصب (444)
هو خصوص الأرض دون الفضاء وثالثة بالعكس ، فهذه صور متصورة في الاضطرار إلى الغصب ، وبعد ذلك نقول :
اما الصورة الأولى وهي ما لو كان الاضطرار إلى الغصب لا عن سوء اختياره ، فبناء على جواز الاجتماع لا اشكال ، حيث إن له حينئذ الاتيان بالصلاة التامة الاجزاء والشرائط مطلقا ، سواء فيه بين علمه ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت أو علمه بزواله قبل خروج الوقت ، وسواء فيه بين كون الغصب مجموع الفضاء والأرض أو الأرض خاصة دون الفضاء أو العكس ، واما على الامتناع وتقديم جانب النهى ولو لكونه من حقوق الناس فان كان الغصب مجموع الأرض والفضاء وقد علم أيضا ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت فلا اشكال أيضا حيث إن له حينئذ الاتيان بالصلاة في الغصب بما لها من الاجزاء والشرائط نظرا إلى معلومية عدم استلزام صلاته حينئذ لزيادة تصرف في الغصب غير ما اضطر إليه وهذا واضح بعد وضوح عدم التفاوت في شاغليته للمكان بين حالة سكونه وحركته وقيامه وقعوده ، نعم قد يناقش في المقام أيضا في أصل صحة الصلاة بنحو ما مر في صورة الجهل بالغصبية ولكنك عرفت الجواب عنه بما لا مزيد عليه هذا إذا كان الغصب هو مجموع الفضاء والأرض. واما لو كان الغصب هو خصوص الأرض دون الفضاء فمقتضى القاعدة في هذا الفرض هو تقليل الغصب مهما أمكن ولازمه هو وجوب الاتيان بالصلاة حينئذ قائما موميا لسجوده نظرا إلى ما يلزم من وضع جبهته على الأرض من الغصب الزائد ، بل ذلك أيضا هو الذي يقتضيه الجمع بين ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال وبين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير ، بل ولولا استلزام العسر والحرج لكان اللازم هو الاقتصار في قيامه على رجل واحد من جهة كونه أقل تصرفا من القيام على رجلين. ومن ذلك ظهر الحال في فرض كون الغصب هو خصوص الفضاء دون الأرض حيث إن اللازم بمقتضي القاعدة هو وجوب الاتيان بصلاته مستلقيا على ظهره جمعا بين ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال وبين عموم حرمة التصرف في مال الغير ، هذا. ولكن ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم هو وجوب الاتيان بصلاة المختار عند كون الاضطرار لا عن سوء اختياره حيث إن ظاهرهم هو عدم الفرق بين فرض كون الغصب (445)
مجموع الفضاء والأرض وبين كونه خصوص الأرض أو الفضاء وان له في جميع الفروض المزبورة الاتيان بالصلاة التامة الاجزاء والشرائط من القيام والركوع والسجود والتشهد ، ولعل ذلك منهم لمكان قيام السيرة على كونه مختارا حينئذ في قيامه وقعوده واضطجاعه واستلقائه خصوصا مع ما يلزم من العسر والحرج من بقائه على كيفية واحدة من القيام أو القعود ، كما أنه يشهد لذلك أيضا خلو كلمات الأصحاب عن التعرض حينئذ لمقدار الجائز من الحركات والسكنات والا لكان اللازم عليهم الغرض لذلك وبيان مقدار الجائز من الحركات والسكنات ، خصوصا في فرض كون الغصب هو الأرض خاصة دون الفضاء أو العكس ، هذا. ولكن مع ذلك في غير صورة الحرجية يشكل الحكم بجواز الاتيان بصلاة المختار حتى في فرض غصبية الأرض وإباحة المكان في قبال عموم حرمة التصرف في مال الغير ، خصوصا مع امكان حمل كلامهم على ما هو الغالب من فرض غصبية الأرض والفضاء معا ، كامكان منع قيام السيرة أيضا على الاطلاق على كونه مختارا في الحركات والسكنات حتى في غير صورة الحرجية ، فتأمل. ثم إن هذا كله في فرض العلم ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت.
واما لو فرض علمه بزوال اضطراره قبل خروج الوقت وتمكنه من الاتيان بالصلاة في مكان مباح ففي جواز بداره بالصلاة حينئذ والاكتفاء بها وعدم جوازه اشكال ، أقواه العدم ، نظرا إلى تمكنه حينئذ من الاتيان بصلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط في غير الغصب. نعم في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض لا باس بجواز بداره واتيانه بصلاة المختار قاصدا التقرب به بقصد التوصل به إلى غرض المولى بناء على كفاية ذلك في القرب المعتبر في العبادة ، وهذا بخلافه في فرض غصبية خصوص الأرض أو الفضاء حيث إنه حينئذ لا مجال لاتيانه بصلاة المختار في مكان مغصوب ، لما عرفت من استلزامه لازدياد التصرف في مال الغير. واما الاجماع المدعى سابقا فغير جار في الفرض أيضا من جهة اختصاصه بفرض عدم تمكنه من الاتيان بالصلاة في غير الغصب ، ولا أقل من كونه هو القدر المتيقن منه فيبقى الفرض تحت القواعد التي مقتضاها وجوب الاتيان مهما أمكن بصلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط ، وحينئذ فإذا فرض عدم تمكنه من الاتيان بصلاة المختار في الغصب يجب عليه الصبر والآتيان بها في غير الغصب. بل ومن ذلك البيان ظهر الاشكال في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض أيضا (446)
بناء على عدم كفاية مجرد الاتيان بالعمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى في القرب المعتبر في العبادة واحتياجه إلى التقرب بالعمل بقصد الامر الفعلي أو رجحانه الفعلي ، إذ حينئذ من جهة خروج الأكوان عن دائرة المحبوبية بمقتضى أهمية مفسدة الغصب لايكاد تمكنه من التقرب بتمام العمل فمن ذلك لابد له من الصبر إلى أن يزول اضطراره فيتمكن من التقرب بالعمل بداعي امره ورجحانه الفعلي ، كما هو واضح.
واما صورة الشك في زوال اضطراره قبل الوقت فيلحق بالعلم ببقائه إلى آخر الوقت بمقتضي الاستصحاب فيما لو كان اضطراره الموجب لسقوط التكليف عنه شرعيا بمقتضي حديث الرفع لا عقليا محضا ، والا فلا مجال للاستصحاب لانتفاء الأثر الشرعي حينئذ ، كما هو واضح. بقى الكلام فيما لو تمكن من الخروج وقد كان الوقت مضيقا أيضا بنحو لا يتمكن من ايجاد الصلاة في خارج الغصب في أنه هل يجب عليه الاتيان بصلاته حينئذ في حال الخروج بحيث لو ترك الخروج واتى بصلاته في حال استقراره تبطل صلاته ، أو لا ، بل كان له الاتيان بصلاته أيضا في غير حال الخروج وان اثم بتركه للخروج بملاحظة ما يترتب عليه من الغصب الزائد عن المقدار المضطر إليه ؟ فيه وجهان : أقربه الثاني ، وذلك انما هو لوجود المقتضي لصحة صلاته وانتفاء المانع ، اما الأول فواضح من جهة فرض وجدان المأتي به حينئذ للملاك والمصلحة ، واما الثاني فكك أيضا إذ المانع المتصور حينئذ لايكون الا فعلية نهيه وتنجزه وهو بالفرض ساقط حسب اضطراره في تلك الساعة سواء على تقدير اختيار الخروج في تلك الساعة أو البقاء في الغصب ، وبالجملة نقول بأنه بعد اضطراره في تلك الساعة إلى ارتكاب الغصب وعدم التفاوت في شاغليته للمكان في تلك الساعة بين حال سكونه وبقائه وبين حال حركته وخروجه كان له اختيار البقاء في تلك الساعة وجعل كونه كونا صلاتيا. نعم في فرض اختيار البقاء يلازم بقائه فيه الغصب الزائد في الساعة الثانية ، ولكن مجرد ذلك غير مقتض للنهي عن كونه البقائي في الساعة الأولى كي يقع بذلك مبعدا له ، الا على القول باقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده : واما توهم مقدمية البقاء حينئذ لارتكاب الغصب الزائد فمدفوع بمنع المقدمية فان البقاء انما هو ملازم للغصب الزائد بلحاظ المضادة بين الكونين أي الكون في الغصب (447)
والكون في خارجه لا انه مقدمة له ، وعليه فلايكون استتباع البقاء للغصب الزائد الا بصرف الملازمة الخارجية ، وإذا فرضنا حينئذ عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده وملازمه فقهرا لا يقع الكون البقائي منه حراما ولا مبعدا له.
واما توهم ان البقاء وان لم يكن مقدمة للغصب الزائد الا ان له نحو تقدم عليه ولو ذاتا نظير تقدم حدوث الشيء على بقائه وهذا المقدار كان يكفي في المقدمية وفي نيل العقل الحرمة بالنسبة إليه ، فمدفوع بأنه لو سلم ذلك نمنع كفايته في ترشح الحرمة إليه حيث لا عموم لكبري الملازمة يعم مطلق ما هو مقدم على الشيء ولولا يكون من علل وجوده. وعليه فلا مانع عن صحة صلاته فيما لو ترك الخروج واتى بالصلاة في حال الاستقرار وان اثم على ما يلزمه من الغصب الزائد في الساعة الثانية. اللهم الا ان يمنع عما ذكرنا بالمنع عن أصل جواز تطبيق اضطراره على الكون البقائي ، بدعوى انه انما يكون له الخيار في تطبيق اضطراره على أي فرد شاء فيما لم يكن هناك ما يقتضي تعين تطبيقه على فرد خاص والا فلا مجال لتطبيقه الا على ما تعين تطبيقه عليه ، وفى المقام حيث ما كان يستتبع الكون البقائي لازدياد الغصب فقهرا مثل هذا المعنى موجب لترجيح الكون الخروجي عليه بحكم العقل ومعه يتعين تطبيق اضطراره عليه لا على الكون البقائي ، ولكنه أيضا مدفوع ، بان مجرد وجوب اختيار الكون الخروجي بحكم العقل أيضا غير موجب لحرمة ضده الذي هو الكون البقائي بل ولا لكونه أزيد مفسدة من غيره كي يقال بلزوم ترك ما فيه المفسدة الزائدة ، نعم غاية ما هناك ان يستتبع البقاء ارتكاب الغصب في الساعة الأخرى وهو أيضا على ما عرفت غير موجب لكونه بقائه وسكونه أزيد مفسدة من خروجه ، كما هو واضح. وكيف كان فهذا كله فيما لو كان اضطراره إلى الغصب لا عن سوء اختياره. واما لو كان اضطراره عن سوء اختياره كما لو دخل ارض الغير من غير رضاه فتعذر عليه الخروج ففيه أيضا يتأتى الصور المزبورة : ففيما لو علم بزوال اضطراره قبل خروج الوقت بحيث يتمكن من اتيان الصلاة في غير الغصب فلا اشكال ، حيث إنه يتعين عليه الاتيان بالصلاة في خارج الغصب ولايجوز له البدار بالصلاة في الغصب ، بل ولئن صلى فيه كانت صلاته فاسدة ، بملاحظة مبغوضية الأكوان ومبعديتها له من جهة تنجز النهى السابق ، من غير فرق في ذلك بين ان (448)
يكون الغصب مجموع الفضاء والأرض أو كان الغصب خصوص الفضاء دون الأرض أو بالعكس.
كما أنه لو علم ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت فلا اشكال أيضا في وجوب الصلاة عليه في الغصب بمقتضي ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال. وانما الكلام في أن صلاته حينئذ هل هي صلاة المختار التامة المشتملة على الركوع والسجود والقيام والقرائة أو ان تكليفه حينئذ هو صلاة الغرقي بإشارات قلبية في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض ؟ فنقول : قد يقال حينئذ بالثاني نظرا إلى دعوى كونه مقتضى الجمع بين ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال وبين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير ، فان مقتضي عموم حرمة التصرف في مال الغير حينئذ هو خروج الأكوان عن الجزئية ومقتضاه هو انتهاء صلاته إلى إشارات قلبية كما في صلاة الغريق بناء على كون قرائته أيضا تصرفا في الغصب ، ولكن نقول بأنه حسن جدا لولا قيام الشهرة على خلافه ، حيث إن ظاهر الأصحاب هو كون تكليفه حينئذ هي الصلاة التامة للمختار المشتملة على القيام والركوع والسجود والقرائة خصوصا في فرض كون الغصب مجموع الفضاء والأرض. ولعل ذلك منهم من جهة دعوى خروج هذا الكون البقائي حينئذ من الأول عن تحت النهى ، بتقريب ان ما يجب عليه اختياره الموجب لتنجز نهيه من الأول انما هو ترك الغصب بترك الدخول فيه لأنه هو الذي كان مقدورا له ، واما تركه من غير جهة ترك الدخول كالطيران إلى السماء في ظرف الدخول فحيث انه كان مضطرا إليه من الأزل في علم الباري عز اسمه فلايكون منهيا عنه من جهة ان النهى انما يتعلق بما هو تحت قدرة المكلف واختياره لا بما هو خارج عن تحت قدرته واختياره ، ومن هذه الجهة أيضا قلنا سابقا بأنه إذا كان للشيء حدود بالإضافة إلى مقدماته وعدم اضداده لايكاد يصح توجيه التكليف إليه بالايجاد أو الترك على الاطلاق بنحو يقتضي حفظ الوجود من جميع الجهات ومن ناحية جميع المقدمات والأضداد الا في فرض تمكنه من الحفظ من جميع الجهات ، والا فمع خروج بعض المقدمات أو الأضداد عن تحت قدرته لايكاد يكون التكليف بالايجاد بالنسبة إليه الا تكليفا ناقصا يوجب الحفظ من ناحية ما هو تحت قدرته واختياره في ظرف انحفاظه من قبل الأمور الخارجة عن تحت الاختيار. وعلى ذلك يقال في المقام بأنه بعد أن كان للغصب نحو ان من الترك أحدهما الترك بترك الدخول فيه (449)
وثانيهما تركه من غير جهة الدخول كالطيران في السماء في ظرف الدخول وكان الثاني مما اضطر إليه من الأزل في علم الباري عز اسمه فقهرا ما هو المنهى عنه لايكون الا ذاك النحو من الترك الاختياري والا فالترك الآخر من جهة اضطراره إليه أزلا لايكون منهيا عنه أصلا وحينئذ فإذا دخل الغصب بسوء اختياره فقد سقط نهيه المنجز عليه بالعصيان وبدخوله فيه صار مستحقا للعقاب ، واما بعد دخوله فيه لايكون له تكليف بترك الغصب من الأزل لاضطراره إليه فإذا لم يكن مكلفا بترك الغصب حينئذ من غير جهة ترك الدخول فلايكون صدوره عنه مبعدا أيضا ومع عدم كونه مبعدا فله الاتيان بالصلاة التامة المشتملة على القيام والركوع والسجود كما في الاضطرار لا عن سوء الاختيار حرفا بحرف ، هذا.
ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن اشكال ينشأ من كفاية مطلق المقدورية ولو بالواسطة في توجيه التكليف بشيء إلى المكلف فيقال حينئذ بأنه بعد أن كان له القدرة على ترك البقاء في الغصب ولو بتركه للدخول فيه كان هذا المقدار كافيا في توجه النهى عن الكون البقائي إليه وتنجزه عليه فيكون البقاء فيه حينئذ كالدخول منهيا عنه من الأزل قبل الدخول فيه ، وعليه فبالدخول وان سقط نهيه المنجز عليه الا انه حيثما كان بالعصيان يبقى تبعته فيوجب كون ما يصدر عنه من الأكوان مبغوضا ومبعدا له ولازمه هو خروج تلك الأكوان عن الجزئية للصلاة فينتهى امر صلاته حينئذ إلى إشارات قلبية في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض دون الصلاة التامة للمختار ، وحينئذ فان تمت السيرة والاجماع المدعى في المقام على كون تكليفه صلاة المختار التامة فهو والا فلابد بمقتضي القواعد كما عرفت من المصير إلى كون وظيفته نظير صلاة الغرقى بإشارات قلبية في ركوعه وسجوده. نعم لو تاب حينئذ أمكن دعوى وجوب صلاة المختار التامة نظرا إلى أن التوبة كانت مزيلة لاثر العصيان السابق وتجعله كان لم يكن فكان كمن اضطر إلى الغصب لا عن سوء الاختيار. ولكن الأستاذ دام ظله استشكل في ذلك أيضا مدعيا لان التوبة انما تجدي في رفع اثر العصيان إذا لم يكن المكلف في حال التوبة مشغولا بالعصيان ، وفى المقام لما كان مشغولا بارتكاب الغصب حال التوبة فلا تجديه في الخروج عما تقتضيه القواعد. وكيف كان فمما ذكرنا ظهر الحال أيضا فيما لو ضاق الوقت وتمكن من الخروج حيث (450)
انه يتعين عليه حينئذ الاتيان بصلاته في حال الخروج بإشارات قلبية ، لولا السيرة المزبورة ، والا فبما لا تزاحم مع خروجه فيقرء ويركع ماشيا موميا بسجوده ولا ينتهى النوبة في هذا الفرض إلى الصلاة في حال السكون والاستقرار.
واما نفس خروجه فهو كما عرفت لايكون الا منهيا عنه بالنهي السابق كالبقاء فيه لا انه يكون مأمورا به. إذ لا وجه لدعوى كونه مأمورا به الا توهم مقدميته للتخلص عن الغصب الزائد ، وهو كما عرفت في غير محله ، فان الحركة لا تكون الا عبارة عن تبدل كون بكون آخر فهي حينئذ عبارة عن ضد البقاء المستتبع للغصب الزائد وهو غير موجب لمحبوبية الحركة التي هي ضد السكون والبقاء. نعم لو كانت الحركة عبارة عما به تبدل أحد الكونين بالآخر لا نفس تبدل كون بكون لكان لما ذكر من المقدمية كمال مجال إذ كانت الحركة حينئذ علة لافراغ الكون في الغصب وتبدله بالكون في خارجه ولكنه محل منع جدا بل هي لا تكون الا عبارة عن نفس تبدل كون بكون آخر وعليه فلا تكون الحركة الا ضد السكون والبقاء الملازم للغصب الزائد ومثله أيضا غير موجب لسراية المحبوبية إليها وحينئذ فلا يبقى في البين الا لزوم الخروج عقلا ارشادا منه إلى اختيار ما هو أقل القبيحين ، كما هو واضح. هذا تمام الكلام في اجتماع الأمر والنهي. قد وقع الخلاف بين الاعلام في أن النهى عن الشيء يقتضي فساد ذلك الشيء أم لا وقبل الشروع في المقصود ينبغي تقديم أمور : الأول : قد مر سابقا وجه الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ومحصل الفرق بينهما هو رجوع البحث في المقام حسب ما هو ظاهر العنوان إلى اقتضاء النهى بوجوده الواقعي للفساد بملاحظة كشفه ولو بالملازمة العرفية عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقة ، ومن ذلك يدور الفساد وعدمه على الاقتضاء مدار وجود النهى واقعا وعدمه ، كان المكلف عالما بالنهي أم جاهلا به ، وهذا بخلافه في تلك المسألة حيث إن الفساد فيها على الامتناع انما |
|||
|