|
|||
(76)
حكم العقل باستحقاق العقوبة أيضا غير قابل لتعلق الجعل الشرعي به ( وبذلك ) ظهر اندفاع ما يقال من أن مرجع جعل السببية إلى جعل المسبب عند تحقق السبب كما في جعل سببية الدلوك لوجوب الصلاة الراجع جعلها إلى جعل الوجوب للصلاة عند الدلوك ( وذلك ) لما عرفت من عدم قابلية المسبب هنا للجعل ( نعم ) ما هو قابل له ليس الا ما صرح به من الحجية التي هي نحو اعتبار موجب لحكم العقل بالقاطعية للعذر كما في القطع ، غير أنه في القطع من جهة تمامية كشفه يكون ذلك منجعلا وفى الامارات يكون مجعولا ( ولكنه ) قد عرفت انه مما لا يساعد عليه الاعتبار والوجدان فلا وجه حينئذ لما التزم به من حمل أوامر الطرق على الارشاد إلى حكم العقل بالموافقة بملاحظة كشفها عن الحجية المجعولة إذ لا داعي إلى الالتزام بمثله بعد فرض صلاحية الأوامر المزبورة مع بقائها على مولويتها للمنجزية كأوامر الاحتياط على ما اعترف به قدس سره فتدبر.
ومنها ما عن بعض الأساطين قدس سره ، من دعوى ان تلك الأوامر ايجابات طرقية ناشئة عن إرادات جدية لحفظ الواقعيات ومثل لذلك بما إذا فقد من الانسان جوهر نفيس بين أحجار ولم يتمكن من تمييزه لظلمه أو غيرها ، حيث إنه يتمشى منه الإرادة لاخذ كل واحد من تلك الأحجار ، مع وضوح ان ارادته المتعلقة بأخذ تلك الأحجار ليست إرادة نفسية لغرض في تلك الأحجار ، وانما هي إرادة طريقية تعلقت باخذها لتحصيل ذلك الجوهر ( ثم قال ) كما أن الامر هذا في الإرادة التكوينية في المثال ( كذلك ) في الإرادة التشريعية المتعلقة بفعل الغير وان الامارات المطابقة للواقعيات بمنزلة ذلك الجوهر ، والامارات المخالفة للواقع بمنزلة تلك الأحجار من حيث إن الإرادة المتعلقة بها إرادة طريقية ناشئة عن غرض هو حفظ الواقع في موارد الامارات المطابقة ، وبذلك تكون تلك الأوامر المتعلقة بالطرق صالحة للمنجزية والداعوية بلحاظ نشوها عن إرادة نفسية حتى في موارد الامارات المخالفة للواقع ، وانها من هذه الجهة تشبه الموضوعية ، غير أن الفرق بينهما من حيث استحقاق العقوبة على الموضوعية على مخالفة الامارة مطلقا بخلاف ذلك فإنه في فرض مخالفتها للواقع لا يترتب على مخالفة الامارة الا التجري ( وفيه ) ان ما أفيد في المثال فهو على خلاف الوجدان حيث يرى بالضرورة انه ليس في البين الا (77)
إرادة واحدة متعلقة بتحصيل مطلوبه وهو ذاك الجوهر الا انه لما لم يتميز عن غيره واحتمل انطباقه على كل واحد من الأحجار ، كان نفس احتمال الانطباق منشأ لمحركية الإرادة المتعلقة بالمطلوب لاخذ تلك الأحجار كما في صورة القطع بالانطباق ، غير أنه في صورة القطع بالانطباق تكون محركية الإرادة نحو ما يقطع بانطباقه عليه جزميا وفى صورة احتمال الانطباق تكون محركيتها نحو ما يحتمل الانطباق عليه رجائيا كما في كلية موارد العلم الاجمالي فلا تكون إرادات متعددة متعلقة بأخذ الأحجار كي يبقى المجال للبحث عن كونها نفسية أم طريقية لأجل غرض حفظ المطلوب وتحصيله بل لا يكون في البين الا إرادة واحدة متعلقة بما هو المطلوب غير أنه في مقام المحركية يتعدد محركيتها حسب تعدد المحتملات ( على أنه ) لو سلم تعدد الإرادة فإنما يتصور ذلك بالنسبة إلى الجاهل بالواقع ، لا بالنسبة إلى العالم به إذ يستحيل تمشى الإرادة الحقيقية منه بالنسبة إلى غير المطلوب ( والمقام من هذا القيل ) لإحاطة الشارع وعلمه بالواقعيات وتميز الامارات المطابقة للواقع عن غيرها عنده ( لا يقال ) انه كذلك بالنسبة إلى ما يتعلق بفعل نفس العالم بالواقع والا فبالنسبة إلى ما يتعلق بفعل الغير ( فلا محذور ) فيه بعد فرض اشتباه الامر عليه ، فإنه لا محيص للامر من إرادة جميع المحتملات مقدمة لحصول مرامه الذي هو في مورد الامارات المطابقة إذ لولا ذلك لفات غرضه لاتكال المأمور على حكم العقل بالبرائة « فإنه يقال » ان أريد بذلك مقدمية المجموع لحصول المراد وانه بذلك تتوجه إرادة غيرية نحوها ففساده واضح « ضرورة » ان المقدمية تحتاج إلى الترتب والعلية بينها وبين ذيها ولا ترتب في البين بينهما ، حيث إن كل واحد من المحتملات يدور امره بين كونه نفس الواقع وبين كونه أمرا أجنبيا عنه « نعم » لما لم يكن الواقع خارجا عنها صار هذه الجهة منشأ للتلازم بين حصول المجموع وحصول ما هو المطلوب « ولكن » مثله هذا التلازم الاتفاقي أيضا لا يقتضى مطلوبية المجموع لعدم اقتضاء مطلوبية الشيء مطلوبية لازمه ( وان أريد ) مقدمية نفس الإرادة المتعلقة بالمجموع لتحقق المرام ، بتقريب انه لولا التوسعة في الإرادة بنحو تشمل المجموع لم يتمكن الامر من تحصيل غرضه فلابد له من التوسعة في ارادته ليحصل للمكلف الداعي إلى الاتيان بالجميع فيحصل مطلوبه ضمنا فهو
(78)
في غاية المتانة الا انه مبني على كفاية مجرد المصلحة في نفس الامر والإرادة في الامر بالشيء وهو في محل المنع كما حققناه في محله « لأنه » مضافا إلى كونه خلاف الوجدان لقضاء الضرورة بعدم تعلق الإرادة بل ولا الميل والمحبة بما لا يكون فيه الصلاح مندفع بالبرهان « إذ المصلحة » المزبورة باعتبار قيامها بالإرادة تكون
لا محالة في مرتبة متأخرة عن الإرادة فيستحيل صيرورتها من مقتضيات الإرادة ومن علل وجودها فان ما هو من مقتضيات الشيء لابد وأن يكون في رتبة سابقه على الشيء « ولا يقال » ان ذلك يتم إذا كان ماله الدخل في الإرادة هي المصلحة بوجودها الخارجي دون اللحاظي والا فلا يرد الاشكال ، إذ من الممكن تصور المصلحة القائمة بالإرادة ولحاظها قبل الإرادة لتحققها « فإنه يقال » ان ماله الدخل في الإرادة وان كان هي المصلحة بوجودها اللحاظي دون الخارجي ، الا ان المصلحة الملحوظة في المقام لما كانت خارجية بنحو ترى في هذا اللحاظ عين الخارج فلا محالة ترى المصلحة في هذا النظر قائمة بالإرادة وفى مرتبة متأخرة عنها ، ومع لحاظها كذلك يستحيل صيرورتها من مقتضيات نفس الإرادة ، فيستحيل مقدمية الإرادة المزبورة لحصول المطلوب « وتوهم » جريان هذه الشبهة في فرض قيام المصلحة في المتعلق أيضا نظرا إلى تأخرها وجودا عن المتعلق المتأخر عن الإرادة ، « مدفوع » بان المتعلق وان كان بوده الخارجي معلولا للإرادة الا انه في مقام معروضيته لها يكون في رتبة سابقة عليها وفي هذه المرحلة لما لوحظ بالنظر التصوري عين الخارج يرى في هذا النظر متصفا بالمصلحة قبل الإرادة ، وبذلك يصير مورد تعلق الإرادة والكراهة « وهذا » بخلاف المقام فان المصلحة في مقام لحاظها خارجية لما لوحظت قائمة بالإرادة ترى في هذا اللحاظ في مرتبة متأخرة عن الإرادة فيستحيل صيرورتها من مقتضيات تلك الإرادة ومن علل وجودها كما هو واضح اللهم الا ان يريد قيام المصلحة بنفس انشاء هذه الايجابات فان ذلك امر متصور والتحقيق في رفع هذه الشبهة ان يقال ان التكاليف الطرقية وان لم تكن في صورة المخالفة للواقع الا ايجابات صورية خالية عن الإرادة « ولكنها » في فرض المصادقة للواقع لما كانت كاشفة عن اهتمام المولى بحفظ غرضه بحد لم يرضى بفوته حتى في ظرف الجهل به وتصدى لحفظه بانشاء خطاب آخر ظاهري ( فلا محالة )
(79)
يحصل للمكلف من نفس هذه الخطابات القطع بالاهتمام بالتكليف المحتمل بنحو لا يرضى بتركه حتى في ظرف الجهل به وبذلك يخرج المورد عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب ويندرج في موضوع حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل كما في حكمه بوجوب النظر في المعجزة فيكون شأن الأوامر الطريقية احداث القطع بالاهتمام بالتكليف المحتمل من غير فرق في ذلك بين ما كان بلسان تتميم الكشف والامر بالغاء احتمال الخلاف وبين ما لم يكن بهذا اللسان كأوامر الاحتياط ودليل حرمة النقض « ولنا بيان آخر » في جواب الشبهة المزبورة ، وحاصله ان شأن الأوامر الطريقية لما كان هو ابراز الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها كما أسلفناه كان التكليف المحتمل على تقدير وجوده مما قام عليه البيان فيخرج بذلك عن اللابيان الذي هو موضوع القبح وبذلك يفترق المقام عن الشبهات البدوية الجارية فيها البراءة لان موضوع البراءة انما هو الا بيان على التكليف في فرض الوجود ، إذ في ظرف عدم التكليف يكون عدم العقوبة مستند إلى عدم المقتضى لا إلى وجود المانع أعني عدم البيان بنحو لو أريد تشكيل القضية تشكل بنحو القضية الشرطية المتضمنة لشرطية أخرى بجعل الشرط في الشرطية الأولى محققا للشرطية الثانية فيقال ان التكليف المحتمل ان كان ثابتا في الواقع فان لم يقم عليه البيان تقبح المؤاخذة عليه وان تم عليه البيان جازت المؤاخذة عليه « ولا ريب » في صدق هذا المعنى في الشبهات البدوية « لأنه » في فرض الوجود يصدق بأنه مما لم يقم عليه بيان واصل من المولى بخلاف المقام فإنه بعد مبرزية الأوامر الطريقية عن الإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها يصدق على التكليف المحتمل في مورد الامارة بأنه على فرض الوجود كان مما قام عليه البيان « وعلى ذلك » فشأن الأوامر الطريقية في الحقيقة انما هو رفع موضوع حكم العقل بالقبح ، فإنها في فرض عدم المصادفة وان كانت الزامات صورية ( الا ) انها في فرض المصادفة للواقع تكون بيانا على التكليف المحتمل وجوده في البين « وعليه » يندفع الاشكال المزبور في منجزية أوامر الطرق بما بيناه من صلاحية تلك الأوامر على تقدير المصادفة للبيانية والرافعية لموضوع القبح ( واما ) توهم اقتضاء مثل هذا البيان لسد باب البراءة حتى في الشبهات البدوية نظرا إلى دعوى وجود القطع بالتكليف الفعلي على تقدير مصادفة الاحتمال للواقع ( فمدفوع ) بأنه في
(80)
الشبهة البدوية لما كان وجود القطع معلقا على فرض وجود التكليف المجهول فلم يتحقق بيان فعلى في البين وهذا بخلاف الامارة فإنها لم تكن في أصل وجودها منوطة على وجود الواقع ولا في بيانيتها وانما تقصر عن البيانية من جهة عدم وجود واقع في البين حتى تكشف وتحكى عنه ( هذا كله ) فيما يتعلق بالمقام الأول ولقد عرفت امكان جعل الطرق غير العلمية على خلاف الواقعيات على الطريقة والموضوعية في حال الانفتاح والانسداد.
« واما المقام الثاني فالكلام » في وقوعه ( وقبل الخوض ) في المرام ينبغي تأسيس ما هو الأصل في المسألة عند الشك في حجية شيء وعدم الظفر بالدليل على حجيته والتعبد به ( فنقول ) وعليه التكلان لا شبهة في أن جواز البناء على مؤدى الطريق بمعنى التعبد به واسناده إليه سبحانه وجواز الحكم على طبقه والاخبار به ونحو ذلك غير مرتبط بجهة المنجزية والحجية وهو كون الشيء بحيث يصح به المؤاخذة والاحتجاج وذلك لوضوح امكان التفكيك بين المنجزية وبين جواز التعبد به والاسناد إليه سبحانه كما في احتمال التكليف قبل الفحص وكذلك الظن في حال الانسداد بناء على الحكومة ( نعم ) بناء على مسلك تتميم الكشف في الطرق يكون جواز التعبد من لوازم منجزيتها إذ مرجع الامر بتتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف إلى ترتيب تلك اللوازم من جواز التعبد به ونسبته إليه سبحانه وجواز الحكم والافتاء على طبقه والاخبار على وفق المؤدي بأنه الواقع ، بخلاف بقية المسالك حيث لا تلازم بين الامرين لامكان التفكيك بينهما ولذا لو شككنا في جواز التعبد به ولو مع القطع بأصل الحجية تجري أصالة عدم جواز التعبد ( ولعل نظر الشيخ قدس سره ) في تأسس الأصل في جواز التعبد بالمؤدى والاسناد إليه سبحانه إلى كفاية حيث تتميم الكشف في جواز التعبد بالمؤدي والاسناد إليه تعالى ككفايته في المنجزية على ما عرفت من الملازمة بين الامرين على هذا المسلك كما أن نظر المحقق الخراساني قدس سره في تأسيس الأصل في جهة المنجزية والحجية إلى ما اختاره في الامارات من جعل الحجية التي هي غير مرتبطة بحيث جواز التعبد به وعليه لا مجال للاشكال عليه بما أفيد لأنه راجع إلى الاشكال على أصل المبنى لا على بنائه والا فهو أوضح من أن يخفى كيف وقد عرفت ان مجرد المنجزية غير ملازم لجواز التعبد كما في ايجاب الاحتياط (81)
في الشبهات البدوية فإنه مع كونه منجزا للواقع لا يجوز التعبد المزبور فيها وهكذا الظن على الحكومة في باب الانسداد بناء على كونه مثبتا للتكليف كما هو أحد المسالك في تلك المسألة على ما يأتي بيانه انشاء الله تعالى لا مسقطا له على ما هو مسلك التبعيض في الاحتياط ( وكيف كان ) لا شبهة في أن مثل هذه الأحكام انما هو من توابع العلم بالحجية ، فمع الشك في الحجية لا يترتب شيء منها ، لأصالة عدم الحجية وأصالة عدم التعبد بالمؤدى ( وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لا من جهة عدم ترتب اثر عملي على عدم الحجية الواقعية ، كي يقال في رده بما افاده العلامة الخراساني قده من كفاية كون المستصحب في نفسه أمرا شرعيا ولو لم يكن اثر عملي الا بتوسيط استصحابه كما في استصحاب الاحكام التي لا يترتب عليها عمل الا بتوسيط حكم العقل المترتب على استصحابها ( بل من جهة ) ان الاستصحاب لما لم يكن رافعا للشك في الواقع كالأمارات ، وانما مقتضاه اثبات حكم في ظرف الشك ( فلا يتحقق ) العلم بعدم الحجية من قبل الاستصحاب الا في رتبة متأخرة عن الشك ( وحينئذ ) وان كانت تلك الأحكام مترتبة على العلم بعدم الحجية أيضا ( الا ) ان الموضوع لها لما كان هو الجامع بين العلم بالعدم وعدم العلم فقهرا بعد تأخر العلم بالعدم عن الشك كان الشك أسبق فردي الموضوع فيترتب عليه الأثر بحكم العقل فيستحيل ترتبه ثانيا على الاستصحاب لكونه لغوا محضا ( ولا يجدى حينئذ ) مجرد شرعية المستصحب ما لم يترتب عليه عمل ولو بتوسيط استصحابه ( وبذلك ) يفرق بين الاستصحاب المزبور ، وبين قيام الامارة المعتبرة على عدم الحجية ( فان ) الامارات لما كان شأنها رفع الشك عن الواقع واثبات العلم به كانت موجبة لارتفاع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا فلا يبقى حينئذ معها مجال لجريان القاعدة المزبورة ( بخلاف ) الاستصحاب فإنه لا يكون رافعا للشك عن الواقع ( بل غاية ) اقتضائه بناء على رجوع التنزيل فيه إلى اليقين هو اثبات العلم التعبدي بالواقع في ظرف الشك به ، وبعد كون العلم المزبور في رتبة متأخرة عن الشك ، فبمجرد الشك يترتب عليه الأثر المترتب على الجامع بين عدم العلم والعلم بالعدم لكونه أسبق فردي الموضوع وبترتبه عليه لا يبقى مجال لترتبه ثانيا على الاستصحاب لكونه من تحصيل الحاصل هذا ( وفيه ) انه يتجه هذا الاشكال في فرض كون تلك الآثار من لوازم العلم
(82)
بالحجية فقط « والا » فعلى فرض كونها من اثار الواقع أيضا ولو بنحو الاقتضاء « لا مجال » لهذا الاشكال « إذ يكفي » في جريان الاستصحاب حينئذ مجرد كون المستصحب مقتضيا لترتب العمل عليه ولو في ظرف العلم به ، كما هو الشأن في الوجوب الواقعي بالنسبة إلى وجوب الامتثال حيث يكفي ذلك في استصحاب عدم الوجوب وحكومته على قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعلى ذلك « نقول » انه بعد كون الحجية الواقعية مما يترتب عليها حكم العقل بالتنجيز ولزوم الموافقة فعند الشك فيها يجرى استصحاب عدمها ويترتب عليه عدم حكم العقل بالتنجيز ولزوم الموافقة ، وبجريانه لا يبقى مجال لجريان القاعدة وترتيب اثر عدم الحجية على نفس
الشك « وان شئت » قلت إن الشك في الحجية ، كما يكون موضوعا للقاعدة ، كذلك يكون موضوعا للاستصحاب وعليه فعند الدوران لابد من تقديم الاستصحاب « لان بجريانه » يرتفع موضوع القاعدة وهو الشك تعبدا بخلاف العكس فإنه يلزم من تقديمها تخصيص الاستصحاب لبقاء موضوعه وعدم اقتضاء القاعدة لنفيه « لان » غاية ما يقتضيه القاعدة انما هي لغوية جريانه مع أن لازم البيان المزبور هو المنع عن استصحاب الحجية ، بل وعن استصحاب الطهارة والحلية في قبال القاعدة المثبتة لهما
« مع أنه كما ترى » لا يظن التزامه بأحد خصوصا في الأخيرين ، حيث إن كلماتهم مشحونة بجريان استصحاب الطهارة والحلية وحكومته على القاعدة المثبتة لهما ( وما أفيد ) في الفرق بين المقام وما هناك بان المجعول هناك طهارتان ظاهرية واقعية وان ما يثبته الاستصحاب غير ما تثبته القاعدة فبالاستصحاب يتحقق الغاية وهو العلم بالطهارة أو النجاسة فيرتفع موضوع القاعدة وهو الشك ( بخلاف المقام ) ، حيث إنه لا يكون في البين الا حكم واحد مترتب على الجامع بين الشك والعلم بالعدم ( ومن المعلوم ) ترتب مثله على نفس الشك الذي هو أسبق فردي الموضوع ( مدفوع ) مضافا إلى منافاة ذلك لما التزم به في غير المقام من وحدة المجعول فيهما ( بان المجعول ) في مورد القاعدة لو كان هي الطهارة الظاهرية للزم عند العلم بنجاسة الماء المتوضى به الجاري فيه قاعدة الطهارة ، اما الحكم بصحة الوضوء واقعا ، واما عدم صحة التوضي به أصلا ( بيان الملازمة ) هي ان الطهارة المعتبرة في صحة الوضوء ، اما ان تكون هي الطهارة الواقعية ، أو الأعم منها
(83)
ومن الطهارة الظاهرية ( فعلى الأول ) لا يجوز التوضي بالماء المزبور لعدم احراز الطهارة الواقعية بقاعدة الطهارة لأن مفادها هي الطهارة الظاهرية ( وعلى الثاني ) يلزم عدم اقتضاء كشف نجاسته بعد ذلك لبطلان وضوئه به حال جريان القاعدة ، مع أنهم لا يلتزمون بذلك ، فيكشف ذلك عن وحدة ما هو المجعول في مورد القاعدة والاستصحاب ، وان مفاد القاعدة أيضا هو البناء على الطهارة الواقعية في المشكوك طهارته ونجاسته ( وعليه ) يتجه اشكال الانتقاض باستصحاب الحجية واستصحاب الطهارة والحلية وحينئذ فلا محيص عن المصير إلى ما ذكرنا من جريان استصحاب عدم الحجية وترتب لازمه عليه من دون وصول النوبة مع جريانه إلى القاعدة ( نعم ) لو قيل إن البيان الرافع لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان عبارة عن خصوص البيان على التكليف أو ما هو بحكمه لا مطلق البيان ولو على نفي التكليف ( لاتجه ) المنع عن استصحاب عدم الحجية لعدم ترتب فائدة حينئذ على الاستصحاب المزبور ( ولكن ) الشأن في ذلك ، حيث إن لازمه عدم حجية الامارة النافية للتكليف لعدم ترتب فائدة عليها مع حكم العقل بالبرائة والالتزام به كما ترى ( ثم انه قد يقرر ) الأصل بوجوه اخر ( منها ) ان الأصل إباحة العمل بالظن بمقتضى أصالة الإباحة في الأشياء ومن جملتها العمل بالظن المشكوك حجيته وقد نسب ذلك إلى السيد المحقق الكاظمي قده ( وفيه ) انه ان أريد مجرد العمل بالظن من دون الاكتفاء به في تحصيل فراغ الذمة عن التكاليف فغير مفيد ، وان أريد جواز العمل به في مقام تفريغ الذمة والتعبد بمؤداه فغير سديد ، بداهة انه لا معنى لإباحته وذلك اما في فرض الانفتاح والتمكن من تحصيل العلم فظاهر لاستقلال العقل حينئذ بعدم جواز الاعتماد على الظن ووجوب تحصيل العلم في مقام الخروج عن عهدة التكليف ( واما في فرض ) الانسداد والعلم الاجمالي بالتكاليف فمع وجود الطرق المعتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال فكذلك ، فان الواجب بحكم العقل هو تحصيل تلك الطرق والاخذ بها في مقام الخروج عن عهدة التكاليف المعلومة بالاجمال دون الاخذ بالظن المشكوك حجيته ( واما ) مع عدم وجود الطرق المعتبرة اما رأسا أو بالمقدار الوافي ففي مثله وان كان ينتهى الامر إلى مقام الاخذ بالظن والعمل به الا ان العمل بالظن حينئذ يكون واجبا لا جائزا ( فعلى كل تقدير ) يدور امر العمل بالظن بين كونه واجبا أو غير
(84)
جائز فلا معنى لدعوى جواز العمل بالظن واباحته ، كما أنه لا معنى لدعوى التخيير بين العمل بالظن وبين العمل بالأصل أو الدليل الموجود في المسألة فتدبر ( ومنها ) ان العمل بالظن يدور امره بين الوجوب والحرمة لكون العمل به على تقدير الحجية واقعا واجبا وعلى تقدير عدم الحجية غير جائز ، وفي مثله لابد اما من التخيير أو ترجيح جانب الحرمة بناء على أولوية دفع المفسدة ( وأورد ) عليه الشيخ قدس سره بمنع الدوران نظرا إلى كفاية مجرد عدم العلم بالحجية في ثبوت التحريم الثابت بالأدلة الأربعة وهو كما افاده قده ، ولكن مقتضى ظاهر كلامه هذا تسليم انه لو كانت الحرمة من اثار عدم الحجية واقعا كان المقام من باب الدوران بين الوجوب والحرمة وهذا مما لا يلتزم به حيث إن لازم الدوران المزبور هو التخيير عقلا وجواز العمل بالظن لا إلى بدل وهو ينافي ما بنى عليه قده من دوران الامر حينئذ بين التعبد بالظن وبين التعبد بغيره من الأصول والدليل الموجود في البين إذ حينئذ يدور الامر في الحقيقة بين الوجوبين اما وجوب الاخذ بالظن والعمل به واما وجوب الاخذ بغيره من الأصول الجارية في المسألة ( ونتيجة ذلك ) هو التخيير أو تعيين الثاني لرجوع الشك في اعتبار الظن إلى الشك في تخصيص أدلة اعتبار تلك الأصول ، لان الحكومة نحو من التخصيص فبأصالة عدم التخصيص يتعين العمل بالأصول ( ومنها ) ان الامر دائر ، بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعية المعلومة اجمالا ، وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي فتكون المسألة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، والأصل فيها هو التعيين ( وأجاب عنه ) الشيخ قده أولا بان تحصيل الاعتقاد بالأحكام انما هو مقدمة عقلية للعمل بها وحيث إن الحاكم بوجوبه هو العقل فلا يعقل ترديده في حكمه الفعلي ( وثانيا ) انه تكفي أدلة الأصول المخالفة له لاثبات تحريمه بلحاظ ان العمل بالظن في مورد مخالفته للأصول الموجودة في المسألة مخالفة قطعية عملية لحكم الشارع بوجوب الاخذ بتلك الأصول والعمل بها حتى يعلم خلافها هذا ( وقد ) أورد أيضا المحقق الخراساني قده على جعل المسألة من صغريات مسألة التعيين والتخيير ، بان تلك المسألة انما هي في صورة تعلق الشك بأحد الامرين في مقام اثبات التكليف ، لا في مرحلة اسقاط التكليف الثابت بمقتضى العلم الاجمالي ، وما
(85)
نحن فيه من قبيل الثاني لان الترديد انما هو في كيفية الفراغ عن الاحكام المعلومة بالاجمال ، وفى مثله لم يتوهم أحد جريان البراءة عن التعيين فلا يصح جعل المقام من مسألة التعيين والتخيير الذي هو معركة الآراء بين الاعلام ( ولكن نقول ) ان ما أفيد من الاشكال انما يتم إذا كان العلم الواجب تحصيله تعيينا أو تخييرا معينا للتكليف المعلوم بالاجمال ( واما ) إذا لم يكن متكفلا لتعيينه بل كان مثبتا للتكليف في بعض الأطراف بنحو يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه على وجه يوجب انحلاله حكما فلا يكون المقام من موارد الشك في الاسقاط بل هو راجع إلى الشك في الاثبات وانحلال العلم الاجمالي بخصوص العلم أو مطلق الاعتقاد ( هذا كله ) في تأسيس الأصل في المسألة ولقد عرفت ان الأصل فيما شك في حجيته شرعا هو عدم الحجية وعدم ترتب لوازمها لكونها بنظر العقل من توابع العلم بالحجية
( واما ما خرج ) عن هذا الأصل أو قيل بخروجه فأمور ( منها ) الأصول المعمولة في استنباط الأحكام الشرعية من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة والكلام فيها يقع في مقامين ( الأول ) فيما يعمل في تشخيص مراد المتكلم من ألفاظه عند احتمال إرادة خلاف الظاهر بعد الفراغ عن أصل ظهورها بالوضع أو بقرينة عامة أو خاصة وهي الأصول اللفظية المعروفة كاصالة الحقيقة والعموم والاطلاق وعدم القرينة وغيرها ( الثاني ) فيما يعمل في تشخيص أصل ظهورها والمقام الثاني وان كان بحسب الطبع مقدما على المقام الأول ولكن تبعا لشيخنا العلامة الأنصاري قده نتكلم أولا في المقام الأول ( فنقول وعليه التكلان ) ان الشك في إرادة المتكلم خلاف ظاهر كلامه تارة يكون من جهة الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية للظهور لاحتمال كون الاستعمال على نحو المجاز ( وأخرى ) من جهة الشك في مطابقة الظهور مع الإرادة الجدية مع القطع بان الإرادة الاستعمالية على طبق الظهور بان كان الشك في مطابقة الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية ، والمتكفل لرفع الشك في الجهة الأولى هي الأصول العدمية من أصالة عدم القرينة (86)
وأصالة عدم التقييد والتخصيص ، ولرفع الشك في الجهة الثانية هي أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق المثبتة لكون المراد الجدي على طبق الحقيقة والاطلاق والعموم ( نعم ) قد يقال كما عن العلامة الأنصاري قده برجوع الأصول الثلاثة الوجودية إلى أصل واحد عدمي وهو أصالة عدم القرينة على التخصيص والتقييد والمجاز على خلاف الحقيقة والعموم ، ولكن العلامة الخراساني قده ارجع الجميع إلى أصل وجودي واحد وهي أصالة الظهور عند احتمال إرادة خلافه ( ولكن التحقيق ) ان يقال بابتناء هذا الخلاف على النزاع المعروف من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وعمل المكلف وعدمه ( فإنه على القول ) بالقبح لا محيص من ارجاع جميع الأصول إلى أصل واحد عدمي ( لان ) الشك في إرادة خلاف الحقيقة والعموم والاطلاق مسبب عن الشك في اقتران الكلام بالقرينة الصارفة إذ بدونها يقطع بإرادة الحقيقة حسب الفرض من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يحتمل حينئذ خلافها فلا يبقى موقع لجريان الأصول الثلاثة الوجودية بل يحتاج إلى أصالة عدم القرينة ( واما على القول ) بعدم قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة على ما حققناه في باب تعارض النسخ والتخصيص حيث قلنا ان القبيح انما هو تأخير البيان عن وقت حاجة المولى أي الوقت الذي تعلق غرضه لبيان مرامه الواقعي بلفظه
بحيث لو أخل به لزم نقض غرضه لا تأخيره عن وقت حاجة المكلف وعمله بداهة امكان القاء الظهور على خلاف مرامه لمصلحة تقتضيه ، فلا يصح ارجاع الأصول الوجودية إلى أصل عدمي فان القطع بعدم القرينة لا يجدي لرفع الشك في المراد فضلا عن أصالة عدمها ضرورة بقاء الشك في المراد بعد على حاله ولو مع الجزم بعدمها من جهة احتمال كون المراد الجدي على خلاف ما يقتضيه ظاهر لفظه وانه سيقيم عليه البيان فيما بعد ( وحينئذ لو قيل ) ان الحمل على الحقيقة وأخويها من باب التعبد المحض لمحض الشك في خلافها ولو مع عدم ظهور فعلى للفظ من جهة اتصاله بما يصلح للقرينية عليه فلا محيص من الاحتياج إلى الأصول الوجودية المزبورة ( واما لو قيل ) كما هو المختار ان الحمل على الحقيقة وأخويها من باب الظهور المستقر المستتبع لعدم حجية الكلام عند اتصاله بما يصلح للقرينية عليه فلابد من ارجاع الأصول الثلاثة الوجودية أيضا إلى أصل واحد وجودي وهو أصالة الظهور
(87)
كما افاده المحقق الخراساني قده ( نعم ) على القول ، بان موضوع الحجية هو الظهور الصادر من المتكلم لا الظهور الواصل إلى المكلف ربما يحتاج أيضا إلى أصل عدمي كما لو شك في اقتران الكلام حين صدوره بما يصلح للقرينية عليه إذ بدونه لا يحرز صغرى الظهور بالأصل الوجودي المزبور فقط ، فيحتاج إلى اعمال كلا الأصلين حيث لم يكن أحدهما مغنيا عن الاخر وعلى ذلك فينبغي تنقيح ما هو موضوع الحجية.
فنقول ان هنا جهات من البحث « الجهة الأولى » لا ريب في أن مدار الحجية في الظهورات ليس مجرد الظهور التصوري وانما المدار فيها الظهور المستقر التصديقي الصادر عن المتكلم في مقام الجد وإفادة مرامه الواقعي كما يكشف عنه عدم بنائهم على الحمل على الحقيقة عند اتصال الكلام بما يصلح للقرينية على الخلاف كالأمر الوارد في مقام توهم الخطر ( كيف ) وانه ليس لنا دليل لفظي في البين حتى يمكن الاخذ باطلاقه لان عمدة ما في الباب هي السيرة وبناء العقلاء وحيث انها لبية فلابد من الاخذ بالقدر المتيقن منها ولا يكون ذلك الا الظهور التصديقي المستقر الذي لا يتحقق الا بتجرد الكلام عما يصلح للقرينية وعليه فلا حاجة إلى الأصول الثلاثة الوجودية كما لا حاجة أيضا إلى الأصل العدمي على ما تقدم بيانه بل يكتفي بأصل وجودي واحد وهو أصالة الظهور ( نعم قد يقال ) بكفاية مجرد ظهور اللفظ الصادر من المتكلم في مقام الافهام ولو لم يكن في مقام الجد بإفادة مرامه الواقعي بلفظه بل كان في مقام اعطاء الحجة والظهور إلى المكلف ليكون مرجعا له عند الشك في مقام لم تقم حجة أقوى على خلافه ويلزمه جواز التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية في المخصصات اللبية بل اللفظية أيضا حتى مع القطع بكون المتكلم أيضا شاكا في مصداقية المشكوك للمخصص ( ولكنه يضعف ) بما بيناه انفا من لبية دليل الحجية في المقام لكونه هي السيرة وبناء العقلاء والقدر المتيقن منه هو الظهور المستقر التصديقي الصادر من المتكلم في مقام الجد بإفادة مرامه الواقعي ، ولازمه عدم جواز التمسك بالعام فيما شك في مصداقيته للمخصص في المخصصات اللبية فضلا عن اللفظية كما حققناه في مبحث العام والخاص. « الجهة الثانية » في أن موضوع الحجية هو الظهور الصادر من المتكلم (88)
أو الظهور الواصل إلى المكلف فيه وجهان ( أوجههما الأول ) ( لما عرفت ) من لبية الدليل المقتضية للاخذ بالمتيقن منه وتظهر الثمرة فيما شك في اقتران الكلام حين صدوره بما يصلح للقرينية عليه ، حيث إنه على الأول لا تجرى أصالة الظهور الا بعد احراز ظهوره حين صدوره ولو باجراء الأصل العدمي كما تقدم بيانه انفا بخلاف الثاني فإنه لا يحتاج الا إلى أصل وجودي واحد ولا يلتفت إلى احتمال اقتران الكلام بالقرينة أو ما يصلح لها بعد تحقق الظهور الفعلي بالوجدان واحتمال مطابقته للواقع ، وتظهر الثمرة أيضا في مورد يعلم بسقط من الكلام بنحو الاجمال على وجه يحتمل كونه قرينة حافة به ويحتمل عدمه حيث إنه على الظهور الصادر كان احتمال قرينية الساقط ملازما لاحتمال عدم ظهور الكلام حين صدوره فلا يحرز صغرى الظهور ( فلابد ) من التوقف ، واما أصالة عدم القرينة فهي غير مجدية لرفع الشك في قرينية ما يعلم وجوده في البين وأصالة عدم قرينية الموجود مما ليس له مبني ولا دليل وهذا بخلاف المسلك الثاني حيث إنه بعد فرض تحقق الظهور فيه بالوجدان واحتمال مطابقته للواقع تجري فيه أصالة الظهور ( وقد يتوهم ) ترجيح الثاني بان لازم اختصاص الحجية بالظهور الصادر هو الاخذ بأصالة الظهور في مورد القطع باقتران الكلام بما يصلح للقرينية عليه مع احتمال كونه من دس الداسين وكون الكلام حين صدوره مجردا عن ذلك ( وذلك ) من جهة جريان أصالة عدم القرينة وعدم اقتران الكلام بما يصلح للقرينية حين صدورها وهو كما ترى لا يلتزم به أحد بل المعلوم منهم عدم الاخذ بالظهور المزبور وعدم الاعتناء باحتمال كون الموجود من دس الداسين ( ولكنه مدفوع ) بان عدم اعتنائهم باحتمال دس الداسين فيما يحتمل قرينيته للكلام انما هو من جهة شمول دليل الاعتبار لمثله أيضا وحينئذ فلا ينافي ذلك تخصيص الحجية بالظهور الصادر فتدبر.
« الجهة الثالثة » في أن أصالة الظهور تختص بما إذا شك في الخروج عن الحكم مع القطع بفردية المشكوك للعام ( أو تعم ) ما لو كان الشك في فرديته للعام مع القطع بخروجه عن حكمه على كل تقدير كما لو ورد اكرام العلماء وعلم بعدم وجوب اكرام زيد ولكنه شك في أنه من افراد العام ومصاديقه كي يكون خروجه من باب التخصيص أو انه ليس من افراده كي لا يكون خروجه موجبا لتخصيص في العام (89)
( فيه وجهان ) بل قولان ، والذي يظهر منهم في غير مورد من الموارد الثاني ( منها ) مسألة الصحيح والأعم حيث استدل بمثل قوله الصلاة معراج المؤمن وانها قربان كل تقى لاثبات الوضع للصحيح بتقريب دلالة الروايات المزبورة بعكس النقيض على أن كل ما لا يكون معراج المؤمن لا يكون بصلاة حقيقة فيستفاد منها ان الصلاة اسم للصحيح والا يلزم التخصيص ( ومنها ) في صيغة الامر حيث استدل على كون الامر للوجوب بمثل قوله سبحانه فليحذر الذين يخالفون عن امره بلحاظ ما هو المعلوم من عدم وجوب الحذر في غيره ( ومنها ) في غسالة الاستنجاء لو شك في أنه طاهر أو نجس يجوز استعماله في الشرب ونحوه حيث استدل على طهارتها بعموم ما دل على عدم جواز استعمال النجس ( ومنها ) في دم القروح والجروح من جهة الشك في أنه نجس معفو عنه في الصلاة أو طاهر ( ومنها ) في الزكاة من جهة الشك في أنها متعلقة بالعين أو الذمة بعد الفراغ عن كون تعيينها بيد مالك النصاب ( ومنها ) في المعاطاة من جهة انه بيع يفيد الإباحة أو ليس ببيع من أصله إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع في الفقه ( ولكن ) الأقوى هو الأول لما تقدم من لبية دليل الحجية في المقام وهي السيرة وبناء العقلاء والقدر المتيقن منها ما لو كان الشك في خروج ما هو من افراد العام عن حكمه.
« الجهة الرابعة » هل الحجية في الظهور منوطة بالظن الفعلي بالمراد أو بالظن النوعي وعلى الثاني فهل يناط الحجية بعدم الظن الفعلي على الخلاف أولا ( فيه وجوه ) وأقوال أضعفها الأول لكونه خلاف ما تقتضيه السيرة من العمل بالظهورات والاخذ بها على الاطلاق حتى في موارد عدم إفادتها للظن بالمراد كيف ولازمه سد باب التعارض في الاخبار بالمرة والغاء مبحث التعادل والترجيح من الأصول رأسا لاستحالة الظن الفعلي بالمتنافيين كي ينتهى الامر إلى الترجيح أو التخيير ، إذ لا يخلوا ( اما ) ان لا يفيد واحد منهما الظن بالمراد ( واما ) ان يفيده أحدهما دون الاخر ( وعلى التقديرين ) لا ينتهى الامر فيهما إلى التعارض لانتفاء ملاك الحجية فيهما في الأول وكونه من باب تعارض الحجة واللاحجة في الثاني فيدور الامر بين الوجهين الأخيرين والمتعين منهما هو الأخير لقيام السيرة على الاخذ بالظواهر والعمل بها مطلقا حتى في صورة قيام الظن الفعلي على الخلاف على نحو (90)
غيره من الامارات التي حجيتها باعتبار الظن النوعي الذي لا ينافيه الظن بالخلاف ( نعم ) لو شككنا في هذا المقام كان اللازم هو الاقتصار على صورة عدم قيام الظن الفعلي على الخلاف لكونه القدر المتيقن من السيرة وبناء العقلاء ولكنه مجرد فرض لما عرفت من اطلاق السيرة ( ثم انه بعد ) وضوح هذه الجهات نقول ، انه لا ريب في جواز الاخذ بالظواهر لاستكشاف المراد عند الشك فيه لاستقرار السيرة القطعية من العقلاء على اتباع الظواهر المتداولة بينهم في مقام تفهيم مقاصدهم واستكشاف مراداتهم ، ومن الواضح أيضا عدم تخطى الشارع عن هذه الطريقة المألوفة حيث لم يكن له طريق خاص في تفهيم مقاصده بل كان طريقته هي الطريقة المألوفة لدى العقلاء في تفهيم مقاصدهم لكونه في الحقيقة أحدهم ، وهذا مما لا اشكال فيه ( وانما ) الخلاف والاشكال في موضعين أحدهما في حجية مطلق الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالخطاب وثانيهما في حجية ظواهر الكتاب.
« فنقول اما الموضع الأول » فقد خالف فيه المحقق القمي قده حيث منع عن حجية الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد افهامه بالخطاب وحاصل ما افاده في وجه التفصيل بين المقصود بالخطاب وغيره هو ان أصالة الظهور وأصالة عدم القرينة انما تكون حجة إذا كان المكلف ممن قصد افهامه بالخطاب ( لان ) احتمال الوقوع في خلاف المقصود لا يكون الا بأحد أمرين اما من جهة غفلة المتكلم عن نصب القرينة على المراد واما من جهة غفلة المخاطب وعدم تفطنه إلى القرينة المنصوبة وكلا الاحتمالين مرجوحان عند العقلاء ولا يعتنون بهما ( واما ) إذا كان المكلف غير مقصود بالخطاب ففي هذه الصورة لا ينحصر احتمال الوقوع في خلاف الواقع بالاحتمالين المزبورين ( بل هنا ) احتمال آخر وهو احتمال ان يكون بين المتكلم ومن قصد افهامه قرينة حالية أو مقالية معهودة سابقة الذكر أو لاحقة بنحو لا يطلع عليها غير المخاطب ومثل هذا الاحتمال ليس مما لا يعتنى به العقلاء ، ومن المعلوم بالبداهة انه مع مثل هذا الاحتمال لا يتحقق للكلام ظهور تصديقي في المراد فلا يجوز له الاخذ بظهوره لكشف مراد المتكلم ، إذ لم يثبت من العرف والعقلاء بناء على الاخذ بأصالة الظهور مطلقا ( وفيه ) ان هذا الاحتمال كسابقيه منفي بالأصول العقلائية ولا اختصاص لها باحتمال غفلة المتكلم أو المخاطب فكما ان
|