|
|||
(271)
فرض المسألة المزبورة على البراءة وعدم وجوب الاحتياط « ويظهر من الشيخ قده » ابتناء المسألة براءة واشتغالا على الخلاف في مسألة « ان القضاء » بتكليف جديد مغاير للتكليف الأول بان كان الامر بالصلاة في الوقت على نحو وحدة المطلوب وكان الامر بالقضاء في خارج الوقت من باب تداركه بعد فوته « أو انه بمقتضى » الامر الأول بحيث كان الامر بالقضاء كاشفا عن استمرار المطلوب بالامر الأول من حين دخول وقته إلى آخر زمان تمكن المكلف من الاتيان به ولو في خارج الوقت الراجع إلى كون الامر الأول على نحو تعدد المطلوب بان يكون الكلي المشترك بين ما في الوقت وخارجه مطلوبا وكون اتيانه في الوقت مطلوبا آخر ، فحاول تطبيق فتوى المشهور في وجوب الاحتياط على المبني الثاني ، نظرا إلى اقتضائه للاشتغال بالكلي المشترك بين ما في الوقت وخارجه ورجوع شكه إلى الشك في الخروج عن عهدة ما ثبت الاشتغال به « ولكن » فيه ان ما أفيد من التوجيه مع أنه غير تام لا ينتج وجوب الاحتياط الا بنحو الموجبة الجزئية « إذ للمسألة » فروض كثيرة لأن الشك في قضاء الفوائت وتردده بين الأقل والأكثر « تارة » يكون من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره كما لو علم بفوت فرائضه في تمام ما مضى من عمره اما لعدم الاتيان بها رأسا أو لاخلاله بما يوجب فسادها ولكنه لا يعلم مقدار ما مضى من عمره وانه ثلثين سنة أو أكثر « وأخرى » بعكس ذلك وهو ان يكون الشك في مقدار ما فات منه من جهة نسيانه أو نومه أو تساهله في الاتيان بالفريضة مع العلم بكمية عمره « وفى هذه الصورة » تارة يقطع أو يحتمل التفاته إلى الفائتة في كل يوم قبل مضي الوقت وأخرى لا يحتمل ذلك بل يكون التفاته إلى الفوت حادثا بعد مضى الوقت « وبعد ذلك » نقول ، اما الصورة الأولى وهي ما كان الشك في مقدار الفائتة ناشئا من جهة الشك في عدد السنين التي مضت من عمره « فلا اشكال » في جريان البراءة عن الأكثر لرجوع الشك فيه إلى الشك في أصل التكليف بالقضاء بالنسبة إلى المشكوك « من غير فرق » في ذلك بين القول بوحدة المطلوب في الامر الأول واحتياج القضاء إلى تكليف جديد ، وبين القول بتعدد المطلوب وكون القضاء باقتضاء الامر الأول « وذلك » على الأول ظاهر « واما على الثاني » فكذلك أيضا لعدم العلم بالاشتغال بالكلي المشترك بين ما في الوقت
(272)
وخارجه بأزيد من المقدار المعلوم ( وكذلك الامر ) في الصورة الأخيرة ، فان المرجع فيها أيضا هي البراءة عن الأكثر ولو على القول بان القضاء بالامر الأول لا بأمر جديد « فان مقتضى » الأصل الأولى حينئذ وان كان هو الاحتياط والاخذ بالأكثر « الا ان » مقتضى الأصل الثانوي وهي قاعدة حيلولة الوقت ، هي البراءة وعدم وجوب الاحتياط ( حيث ) ان مقتضى القاعدة المزبورة هو رفع الاشتغال الثابت بالتعبد بالفراغ عن عهدة التكليف ( واما ) الأصل الموضوعي وهو أصالة عدم الاتيان بالفريضة كل يوم في وقتها فهو أيضا غير جار مع جريان هذه القاعدة المضروبة في مورده نظرا إلى أخصيتها منه باختصاص موردها بالشك الحادث بعد الوقت ( واما الصورة الثانية ) وهي ما كان الشك حادثا في الوقت كل يوم وبقى الشك إلى أن خرج الوقت أو انه غفل عن شكه ولم يلتفت الا بعد مضى الوقت ، فمقتضى القاعدة في مثل هذا الفرض هو الاحتياط ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ حتى القول بوحدة المطلوب وكون القضاء بتكليف جديد مغاير للتكليف بالأداء فضلا على القول بوحدة المطلوب ( والوجه ) في ذلك انما هو الأصل الموضوعي المزبور وهي أصالة عدم الاتيان بالفريضة في وقتها ( فان ) مقتضى الأصل المزبور حينئذ بعد عدم جريان قاعدة حيلولة الوقت في الفرض لاختصاص جريانها بمورد الشك الحادث بعد الوقت ، انما هو الاخذ بالأكثر ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ ( واما توهم ) عدم اقتضاء الأصل المزبور لاثبات وجوب القضاء بلحاظ ترتبه على عنوان الفوت غير المحرز بالأصل المزبور الا على المثبت ( فمدفوع ) بمنع كون القضاء مترتبا على عنوان الفوت ( بل هو ) على ما يستفاد من مجموع الأدلة مترتب على ما يعم ذلك وهو الترك وعدم الاتيان بالفريضة المأمور بها على وجهها بما اعتبر فيها من الاجزاء والشرائط ( وحينئذ ) لا قصور في جريان هذا الأصل لاثبات وجوب القضاء كما هو ظاهر ، وحينئذ فعلى كل تقدير لا يتم ما افاده من التوجيه المزبور لكلام المشهور ، لما عرفت من أن في جميع هذه الصور لا فرق بين القول بان القضاء بأمر جديد والقول يكونه مقتضى الامر الأول ( وقد أفيد ) في تطبيق فتوى المشهور على القاعدة بوجه آخر ، وحاصله انه يعتبر في جريان البراءة بل الأصول العملية مطلقا ان يكون الشك الذي اخذ موضوعا فيها بدويا غير مسبوق بالعلم ،
(273)
والا فمع سبقه بالعلم ولو انا ما لا يبقى مجال لجريان البراءة في المشتبهة ( لان بسبق ) العلم ولو آنا ما يتنجز التكليف عليه فلا يكون العقاب معه عقابا بلا بيان ، بل ومع احتمال سبق العلم بحكم الشبهة وتنجزه عليه أيضا ، إذ لا قطع بالمؤمن حينئذ حيث لا تجري الأصول العملية مطلقا عقلية كانت أو شرعية ( اما الأولى ) فلعدم استقلال العقل حينئذ بقبح العقاب ( واما الثانية ) فلانه مع احتمال سبق العلم يحتمل حصول الغاية فيها فيكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ( وعلى ذلك ) فحيث ان الغالب هو حصول العلم بالفائتة عند فوات كل فريضة تكون فتوى المشهور لا محالة في محلها ( لأنه ) بالنسبة إلى الزائد المشكوك كما يحتمل فوته كذلك يحتمل تعلق العلم بفوته على تقدير فوته واقعا ومع احتمال سبق العلم لا تجرى فيه البراءة ولا قاعدة حيلولة الوقت فلابد من الاحتياط ووجوب القضاء إلى أن يعلم بالفراغ ( أقول ) وفيه ما لا يخفى ، فإنه ليس مجرد حدوث العلم في آن علة لتنجيز معلومه إلى الأبد حتى مع زواله لان ذلك مما يأبى عنه العقل ، وانما يكون تأثيره في كل آن مقصورا بحال وجوده في ذاك الآن ( وحينئذ ) فبعد طرو الشك تجرى لا محالة أدلة البراءة عقليها ونقليها حيث لا مانع عنها في الحالة الفعلية ( ولأجل ذلك ) التزم أخيرا بجريان البراءة العقلية والشرعية حيث جعل المدار في التنجيز على البيان في الحالة الفعلية ، ولكنه خص الحكم بالبرائة بفرض احتمال حصول العلم سابقا ويا ليته يلتزم بها حتى في فرض الجزم يسبق العلم مع زواله في الحالة الفعلية ، إذ بعد ما لا يكون العلم السابق الا منجزا في حال وجوده لا يفرق في الحالة الفعلية بين الفرضين وحينئذ لا يمكن تطبيق فتوى المشهور من هذه الجهة على القاعدة ( وحينئذ ) فالأولى هو حمل كلامهم على الفرض الأخير الذي فرضناه ، فإنه عليه تكون فتواهم بوجوب الاخذ بالأكثر وعدم جريان البراءة في المشكوك في محلها حتى على القول بمغايرة التكليف بالقضاء مع التكليف الأول وانهما من باب الأمر بالشيء والامر بتداركه بعد فوته ، كما أنه عليه يكون منعهم عن جريان قاعدة حيلولة الوقت في محله أيضا بلحاظ اختصاصها بمورد الشك الحادث بعد الوقت ( الامر الثاني ) لا اشكال في رجحان الاحتياط وجريانه في التوصليات حتى فيما كان الدوران بين الوجوب والكراهة حيث أمكن الاحتياط فيها باتيانها برجاء
(274)
المطلوبية ويترتب عليه المثوبة أيضا لكونه مرددا بين الطاعة والانقياد ( كما لا اشكال ) أيضا في جريانه في العبادات فيما لو كان الدوران بين الوجوب والاستحباب ولو على القول باعتبار القربة الجزمية في العبادة ، فإنه بعد الجزم بتعلق الامر الشرعي بالعمل يمكن الاحتياط فيها باتيانها بداعي الامر الجزمي المتعلق به ( واما لو كان ) الدوران بين الوجوب وغير الاستحباب ، ففي جريان الاحتياط فيها اشكال ينشأ من اعتبار الجزم بالامر الشرعي تفصيلا أو اجمالا في تحقق القرب المعتبر في العبادة ( فإنه ) قد يقوى العدم نظرا إلى أن الاحتياط عبارة عن الاتيان بالعمل المحرز للواقع وهذا بعد اعتبار القربة الجزمية في العبادة مما لا سبيل إليه لانتفاء الجزم بالامر الشرعي وعدم العلم به تفصيلا ولا اجمالا ( وفي ذلك ) لا يفرق بين كون القربة مأخوذة شطرا أو شرطا في العبادة ، وبين خروجها عنها وكونها مأخوذة عقلا في الغرض منها ، فإنه على كل تقدير يستحيل جريان الاحتياط فيها لاستحالة تحقق القربة الجزمية مع الشك في الامر ( ولكن الأقوى هو الجريان لمنع اعتبار القربة الجزمية في عباديته مطلقا وكفاية مجرد احتمال المطلوبية في ذلك فيما لا يعلم مطلوبيته ويترتب عليه المثوبة أيضا كما في التوصليات حيث يستقل العقل بالمثوبة على الاتيان بما يحتمل الوجوب بداعي احتمال وجوبه من جهة كونه إطاعة وانقيادا لأمر الشارع كاستقلاله بذلك في الاتيان بالواجب بداعي وجوبه الجزمي ( إذ لا فرق ) بين التعبدي والتوصلي من هذه الجهة ، وانما الفرق بينهما من جهة حصول الغرض في التوصليات باتيانها كيفما اتفق بخلاف التعبديات فان حصول الغرض وسقوط الامر فيها يتوقف على اتيانها عن داعي قربى اللهى ( نعم ) لو قلنا بعدم كفاية القربة الرجائية في عباديته واحتياج العبادة إلى ضم القربة الجزمية لاشكل جدا جريان الاحتياط في العبادة ( ولا تجديه ) دعوى كفاية الاتيان بذات العمل بداعي حسنه العقلي في المقربية ( لاستحالة كون ) مثل هذا الحسن العقلي المترتب على عنوان الاحتياط من مبادئ ثبوته وتحققه ( وبالجملة ) نقول ان العمل الصادر بعنوان الإطاعة والانقياد على ما أسلفناه في مبحث التجري وان كان متصفا بالحسن الجزمي العقلي ولكن المتصف بهذا الحسن بعد أن كان هي الذات الملحوظة في المرتبة المتأخرة عن الإرادة ( فلابد ) في ترتب هذا الحسن العقلي من الجزم بحسن الذات
(275)
في المرتبة السابقة على الطاعة المحرك إليها كي به يتحقق عنوان الموضوع وهي الطاعة في العبادة فيترتب عليه هذا الحسن العقلي ( والا ) فمع عدم الجزم بذلك حسب الفرض لا يتحقق عنوان الموضوع وهي الطاعة كي يصير حسنا بذلك الحسن العقلي
المردد بين الإطاعة والانقياد ( وبذلك ) يظهر فساد القول بان الاحتياط في العبادة انما هو الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدى نية القربة وان قربيته يتحقق باتيانه بداعي حسنه العقلي الجزمي ( وذلك ) لما عرفت من أن موضوع هذا الحسن انما هو عنوان الإطاعة والانقياد ، ولا يكون الفعل بنفسه إطاعة ولا انقيادا ليكون حسنا بالحسن العقلي ( كما أنه ) يظهر به فساد دعوى الاكتفاء في التقرب بما يحتمل عباديته باتيانه بداعي الأوامر المتعلقة بالاحتياط ( فإنه مضافا ) إلى عدم صلاحية مثل هذه الأوامر للمقربية لكونها ارشادية محضه ( ان الكلام ) انما هو في موضوع الاحتياط الذي يتوقف عليه هذه الأوامر ( نعم ) انما يتم ذلك بناء على جعل الموضوع في تلك الأوامر عبارة عن مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدى نية القربة ، فإنه بضميمة استفادة الاستحباب النفسي من الأوامر المتعلقة بعنوان الاحتياط ( أمكن ) تصحيح الاحتياط في العبادات ، حيث يأتي المكلف بذات العبادة المحتملة مستجمعة لجميع ما يعتبر في العبادة شرطا وشطرا ويقصد التقرب بها بإطاعة هذه الأوامر بناء على كفاية مطلق الامر المتعلق بالشيء في المقربية ( وكذلك ) الامر بناء على جعل الاحتياط منتزعا عن الفعل بعنوان كونه مشكوك الحكم ومحتمل المطابقة للواقع بهذا العنوان الثانوي بحيث كان احتمال الوجوب قيدا للمأمور به فإنه على هذا المعنى أيضا يندفع الاشكال المزبور ( ولكنهما ) كما ترى ، اما الأول فمضافا إلى كونه التزاما بالاشكال لوضوح عدم كونه احتياطا حقيقة ، انه لا دليل يساعد عليه بعد ظهور الأخبار الآمرة بموضوع الاحتياط في معناه الحقيقي غير المتحقق في العبادات ( ومنه ) يظهر الكلام في الثاني أيضا ، فإنه مضافا إلى أن الظاهر من عنوان الاحتياط هو العمل المأتي بداعي الاحتمال لا صرف اتيان مشكوك الوجوب بما هو كذلك ( انه ) خارج عن موضوع حكم العقل بالحسن لعدم كون فعل ما شك في وجوبه بهذا العنوان مع قطع النظر عن نشوه عن دعوة احتمال الوجوب محكوما عقلا بالحسن
(276)
والرجحان ، فلو ثبت حسنه حينئذ بهذا العنوان لكان عبادة مستقلة غير مرتبطة بالاحتياط في العبادة الذي هو موضوع حكم العقل بالحسن كما هو ظاهر ( ولكن الذي ) يسهل الخطب هو كفاية مجرد احتمال المطلوبية فيما لا يعلم مطلوبيته ولو اجمالا في تحقق القرب المعتبر في العبادة ( وعليه ) فلا موقع للاشكال في جريان الاحتياط في العبادات لبداهة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بداعي احتمال مطلوبيته لدى المولى كما هو ظاهر ( نعم ) على ذلك لا يجوز الافتاء باستحباب العمل الذي يحتمل وجوبه بل لابد من تقييد اتيانه بكونه برجاء المطلوبية ، وعليه فيشكل الامر فيما حكى عن المشهور من الفتوى باستحباب العمل الذي يحتمل وجوبه من غير تقييد اتيانه بكونه بداعي احتمال المطلوبية.
( ثم انه لو كان ) منشأ احتمال الوجوب قيام خبر ضعيف عليه فقد يقال بعدم الاحتياج حينئذ في الافتاء بالاستحباب إلى أوامر الاحتياط وكلفة اثبات كونها للاستحباب المولوي لا الارشاد العقلي لورود الأخبار الكثيرة الامرة بفعل كل ما بلغ فيه الثواب بخبر ضعيف ، حيث إن المستفاد منها هو استحباب ما بلغ فيه الثواب ( وحيث انجر الكلام إلى ذلك فلا بأس بالتعرض لذكر الأخبار الواردة في الباب وبيان ما يستفاد منها من الوجوه المحتملة فيها ( فنقول ) ان الأخبار الواردة في الباب كثيرة ( منها ) صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي عبد الله (ع) ، قال من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وان كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ( ومنها ) المروى عن صفوان عن الصادق (ع) قال ، من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له اجر ذلك وان كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ( ومنها ) خبر محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه وآله كان له ذلك الثواب وان كان النبي صلى الله عليه وآله لم يقله ( ومنها ) خبره الاخر قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه « ومنها » ما رواه الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة ، من بلغه شيء من الخبر فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الامر كما نقل إليه ( ومنها ) ما في (277)
الاقبال عن الصادق (ع) قال من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك وان لم يكن الامر كما بلغه إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المستفيضة المتقاربة بحسب المضمون ( ولا اشكال ) فيها من جهة السند بعد استفاضتها وكون بعضها من الصحاح وعمل المشهور بها والفتوى على طبقها ( وانما الاشكال ) في دلالتها على الاستحباب حيث إن الوجوه المحتملة فيها كثيرة ( أحدها ) ان يكون مفادها الاستحباب وذلك بجعل عنوان البلوغ قيدا للموضوع بان يكون العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان فيه المصلحة اقتضت استحبابه نظير عنوان ما أخبر به العادل على الموضوعية « فكان » المستفاد من قوله (ع) فعمله أو ففعله هو الامر بالفعل اما لكون الجملة الخبرية بمعنى بالانشاء والطلب كما قيل ، أو لدلالتها عليه بالملازمة أو غير ذلك من الوجوه المذكورة في وجه استفادة الطلب من أمثال هذه الجمل الواردة في مقام تشريع الاحكام كقوله من سرح لحيته فله كذا وقوله تسجد سجدتي السهو وتعيد الصلاة « ثانيها » ان تكون الجملة الخبرية أيضا بمعنى الانشاء ولكن مفادها هو الحكم المولوي الطريقي لا النفسي الراجع إلى تيمم كشف قول المبلغ وحجية اخبار الضعاف في الحكم الاستحبابي نظير الأوامر الدالة على حجية خبر الواحد ، فتكون هذه الأخبار حينئذ مخصصه لما دل على اعتبار الوثاقة والعدالة وانها انما تعتبر في الخبر القائم على الحكم الإلزامي « واما » في الخبر القائم على الحكم الاستحبابي فلا يعتبر فيه ذلك « ثالثها » ان تكون ارشادا إلى حكم العقل بحسن الانقياد في مورد بلوغ الثواب واحتمال المطلوبية كما يقتضيه ظهور قوله (ع) طلب قول النبي والتماس الثواب بل وقوله (ع) فعمله الظاهر في تفريع العمل على البلوغ الذي هو كناية عن احتمال المطلوبية « رابعها » ان يكون مفادها مجرد الاخبار عن فضل الله سبحانه وانه إذا عمل العامل عملا بلغه ثواب عليه اعطاء الله سبحانه بفضله ذلك الثواب الذي بلغه وان لم يكن الامر في الواقع كما بلغه ، من غير أن تكون هذه الأخبار بصدد بيان حال العمل قبل صدوره من العامل وانه مستحب أو راجح « وبالجملة » تكون هذه الأخبار ناظرة إلى العمل فارغا عن وقوعه من العامل لا ناظرة إليه قبل صدوره منه « وعليه » فيمكن ان يعتبر في الخبر القائم على الحكم الاستحبابي ما يعتبر في الخبر القائم على الحكم الإلزامي من
(278)
العدالة والوثاقة والضبط في الراوي حيث لا اطلاق لها من هذه الجهة حتى يؤخذ به لعدم اعتبار شرائط الحجية في قول المبلغ « ولكن » الوجه الأخير منها بعيد عن ظاهر تلك الأخبار فان الظاهر المتبادر منها هو كونها مسوقة لبيان حال العمل قبل صدوره من العامل والحث والترغيب نحوه بالايجاد اما بنحو المولوية النفسية أو الطريقية أو على نحو الارشاد إلى حكم العقل بحسن الطاعة والانقياد « لا لبيان » العمل بعد وقوعه من حيث تفضله سبحانه باعطاء الثواب الموعود للعامل ولو مع عدم مصادفة قول المبلغ للواقع حتى يقال بامكان اعتبار شرائط الحجية من العدالة والوثاقة وغيرهما في صحة الاخذ بقول المبلغ ولو بدعوى ان العامل لا يعتمد في عمله على قول المبلغ الا إذا كان فيه شرائط الحجية « فان ذلك » كله مخالف لما يقتضيه ظاهر هذه النصوص من كونها مسوقة للترغيب إلى العمل وما هو الظاهر من بلوغ الثواب من كونه كتابة عن ثبوت مقتضيه خصوصا المتضمنة منها لذكر الاجر الظاهر في الاستحقاق لا التفصل ، مع أنه لا ينحصر وجه صدور العمل عن العامل في كونه عن اعتماد على قول المبلغ ، فإنه كما أن الخبر الصحيح يكون داعيا على العمل ، كذلك قد يكون الداعي عليه هو الاحتمال ورجاء الوصول إلى الواقع خصوصا في الاحكام غير الالتزامية « ومعه » لا يبقى مجال حمل تلك النصوص على صورة كون خبر المبلغ واجدا لشرائط الحجية « فلابد » حينئذ اما من حمل تلك النصوص على الاستحباب النفسي المولوي أو الاستحباب الطريقي الراجع إلى حجية الخبر الضعيف في الحكم الاستحبابي كما يقتضيه ظاهر عناوين الكلمات من التعبير بالسامح في أدلة السنن « أو حملها » على بيان الارشاد إلى حكم العقل بحسن الاتيان بالعمل برجاء الواقع واحتمال المطلوبية وترتب المثوبة عليه بلا مولوية نفسية فيها ولا طريقية « لكن » استفادة الامر الطريقي منها في غاية البعد لاباء الاخبار عن استفادة ذلك بمقتضى قوله (ع) وان لم يكن الامر كما بلغه « نعم » على المختار من استحقاق المنقاد أيضا للثواب على العمل لا بأس بترتب الثواب على العمل بقول مطلق لكونه من الثواب المردد بين الإطاعة والانقياد « فيتردد الامر » حينئذ بين الحمل على الاستحباب النفسي المولوي « وبين » الحمل على الارشاد إلى ما يستقل به العقل من حسن الانقياد وترتب المثوبة عليه « ولا
(279)
ريب » في أن المتقين من الاخبار هو الثاني ، كما يشهد له قوله (ع) في تلك الأخبار فعمله أو ففعله بعد قوله من بلغه الظاهر في كون العمل متفرعا على البلوغ وكونه هو الداعي والباعث على الاتيان به ( بل ويشهد ) له تقييد العمل في بعض تلك الأخبار بطلب قول النبي صلى الله عليه وآله وفي البعض الاخر بالتماس ذلك الثواب ( فإنه ) ظاهر بل صريح في كون الامر به للارشاد ( مضافا ) إلى ما يلزم من الحمل على الاستحباب النفسي من رفع اليد عن ظهور الثواب المحتمل في الفعلية بحمله
على الثواب الاقتضائي حذرا من لزوم اجتماع المثلين ( فلابد ) حينئذ من صرف تلك الأخبار لبيان الارشاد إلى ما يستقل به العقل من استحقاق العامل برجاء المطلوبية للثواب ولو مع عدم مصادفة الاحتمال للواقع ( وعليه ) فلا مجال لاستفادة الاستحباب المولوي النفسي أو الطريقي منها بمحض ظهور بعضها كصحيحة هشام بن سالم في ترتب الثواب على ذات العمل بعنوانه الأولى لا بعنوان كونه مأتيا بداعي احتمال الثواب ( بدعوى ) انه يستكشف من ترتب الثواب على ذات العمل عن كونه متعلقا لأمر شرعي مولوي وان الأجر والثواب انما هو بلحاظ كونه إطاعة لذلك الامر الشرعي المستكشف كما يستكشف ذلك من نحو قوله (ع) من سرح لحيته أو من صلى أو صام فله كذا ( إذ فيه ) انه كذلك لولا ظهور الاخبار في داعوية البلوغ لنفس العمل ( والا ) فيعد ظهورها بمقتضى التفريع في كونه ناشئا عن داعي البلوغ وعدم اطلاق للعمل يشمل حال عدم داعوية البلوغ ( فلا جرم ) ينطبق عليه عنوان الانقياد وبانطباقه عليه يستقل العقل فيه بالمثوبة ( وبعد ) ذا لا طريق لاستكشاف الامر الشرعي من ترتب الثواب على ذات العمل ( وبذلك ) يظهر وضوح الفرق بين مفاد هذه الأخبار ، ومفاد ما دل على أن من سرح لحيته فله كذا ( فان ) استكشاف الامر الشرعي هناك انما هو من جهة انحصار مناط المثوبة عليه بالإطاعة الحقيقة بلحاظ انتفاء البلوغ من الخارج وعدم احتمال رجحانه أيضا مع قطع النظر عما دل على ترتب المثوبة عليه ( بخلاف ) المقام المفروض ظهور الاخبار في داعوية البلوغ والاحتمال لنفس العمل ، فإنه ينطبق عليه عنوان الانقياد وبعد حكم العقل باستحقاق المثوبة عليه لا طريق لاستكشاف الامر الشرعي ( ومثل ) هذا الداعي وان لم يكن قيدا لموضوع الأجر والثواب ولا يوجب
(280)
وجها وعنوانا للعمل كما هو شأن كل جهة تعليلية ( ولكنه ) مانع عن اطلاقه بنحو يشمل حال عدم داعوية البلوغ بداهة اقتضاء كل علة ضيقا في ناحية معلوله على وجه يستحيل شمول اطلاقه لحال عدم علته ( ومعه ) لا ينتج ذلك شيئا في الكشف المزبور كما هو ظاهر ( نعم ) لو قلنا بعدم اقتضاء التجري والانقياد شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وحسنها كما عليه الشيخ قده ، أو قلنا باقتضائهما لاستحقاق المثوبة والعقوبة لكن على صرف العزم على الطاعة والمعصية لا على العمل الصادر خارجا كما عليه صاحب الكفاية قده ( لاتجه ) ما أقيد من الكشف المزبور ، لانحصار مناطا المثوبة عليه حينئذ بالإطاعة الحقيقية التي لا تكون الا بتعلق الامر الشرعي به كما في قوله (ع) من سرح لحية فله كذا ( ولكنهما ) على ما بيناه في مبحث التجري خلاف التحقيق ( نعم ) على ذلك لا مجال للتفصيل في اخبار الباب ، بين المشتمل منها على التقييد بطلب قول النبي أو التماس الثواب الموعود ، وبين ما لا يشتمل على ذلك باستفادة الاستحباب النفسي من الثانية دون الأولى ( فإنه ) بناء على منع انطباق عنوان الانقياد على نفس العمل الصادر خارجا ( لابد ) من استكشاف الامر الشرعي في الطائفة الأولى أيضا من مجرد إضافة الأجر والثواب إلى العمل المعنون والمقيد ، نظرا إلى الجزم حينئذ بعدم ترتب الثواب الانقيادي على العمل وانحصار مناط المثوبة عليه بالإطاعة الحقيقية ( كما أنه ) على القول بانطباق عنوان التجري والانقياد على نفس العمل واقتضائهما لاستحقاق العقوبة والمثوبة عليه لابد من المصير في الطائفتين إلى الارشاد من جهة ما ذكرنا من استقلال العقل حينئذ بترتب المثوبة على العمل من جهة الانقياد ( وبما ذكرنا ) يظهر النظر فيما افاده الشيخ قده في المقام من أن ترتب الثواب الموعود على العمل في هذه الأخبار انما هو باعتبار الانقياد والإطاعة الحكمية وان ما ورد من الامر به انما كان لمحض الارشاد إلى حكم العقل كما في أوامر الاحتياط ( حيث ) تقول ان ما افاده في المقام وان كان صحيحا ، ولكنه مناف لما اختاره في مبحث التجري من عدم اقتضائه سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل ، فان لازمه هو انكار المثوبة في الانقياد أيضا لان التجري والانقياد كالإطاعة والعصيان توئمان يرتضعان من ثدي واحد ولا مجال للتفكيك بينهما
(281)
( وينبغي التنبيه على أمور ) الأول لا يخفى انه بناء على استفادة الاستحباب المولوي يختص هذا الحكم بمن قام عنده خبر ضعيف على الوجوب أو الاستحباب نظرا إلى موضوعية البلوغ في ترتب الحكم المزبور ( وحينئذ ) فللفقيه استنباط هذا الحكم القائم بموضوعه من الدليل والافتاء بمضمونه من استحباب العمل لمن بلغ إليه الثواب ( واما الافتاء ) باستحبابه حتى بالنسبة إلى من لم يبلغ إليه الثواب فليس له ذلك ، بداهة عدم شمول هذا الحكم ثبوتا لغير من صدق عليه عنوان البلوغ ( وعليه ) يشكل ما حكى عن المشهور من الفتوى باستحباب العمل مطلقا من غير تقييد بكونه لمن بلغ إليه الثواب ، حيث لا ينطبق على القواعد ( ولا تجدي ) في تصحيح ذلك أدلة نيابة المجتهد عن المقلد في استنباط حكمه ( لأنها ) انما تكون في فرض شمول الحكم المزبور ثبوتا لغير البالغ إليه الثواب ، لا في فرض اختصاصه بخصوص البالغ إليه الثواب « فان » في مثله لابد في الفتوى بالاستحباب اما من التقييد بعنوان البالغ إليه الثواب ، واما من الاخبار أولا بان في المورد خبر ضعيف على وجوبه أو استحبابه ليتحقق بذلك البلوغ ثم الافتاء باستحباب الاتيان به « اللهم » الا ان يحمل فتواهم بالاستحباب مطلقا عن فهمهم من البلوغ ما يعم البلوغ إلى المقلد نفسه ومن هو نائب عنه في الفحص عن الأدلة « هذا » بناء على استفادة الاستحباب النفسي من الروايات المتقدمة « واما بناء » على استفادة الحكم الطريقي منها الراجع إلى حجية الخبر الضعيف القائم على وجوب شيء واستحبابه بالنسبة إلى أصل الرجحان فلا محذور في الفتوى باستحباب العمل علي الاطلاق ( فإنه ) بقيام خبر ضعيف على وجوب شيء أو استحبابه يرى الفقيه ثبوت رجحانه في الواقع لجميع المكلفين فيفتى على طبق مضمونه من استحباب ذات العمل واقعا وان كان دليل اعتبار هذا الطريق مختصا بالمجتهد لكونه هو البالغ إليه الثواب « كما » ان له الفتوى أيضا بما هو مفاد تلك الأخبار من الحكم الأصولي بناء على عدم لزوم الفحص في مثله واختصاصه بالأحكام الكلية الالزامية « واما » بناء على استفاد الارشاد منها ، فالامر أشكل حيث لا مجال حينئذ للفتوى بالاستحباب مطلقا ولو مع التقييد بعنوان البالغ إليه الثواب ، كما لا يجوز للفقيه البناء على استحبابه في عمل نفسه ، بل اللازم هو الاتيان بالعمل برجاء المطلوبية كما أنه في مقام الفتوى لابد
(282)
أيضا من التقييد بهذا العنوان كقوله لا بأس بالعمل به رجاء فتدبر.
« الثاني » الظاهر عدم اختصاص هذا الحكم بناء على استفادة الاستحباب بما لو كان مفاد الخبر الضعيف ومؤداه هو الاستحباب بل يعم ما يكون مفاده الوجوب أيضا فإنه من جهة اشتماله على أصل الرجحان يصدق عليه بلوغ الثواب فتشمله الروايات « وهكذا » الامر بناء علي استفادة الامر الطريقي منها المنتج لحجية الخبر الضعيف غاية الامر انه يبعض في مضمونه فيؤخذ به من جهة دلالته على أصل الرجحان ويترك دلالته على المنع عن النقيض « واما » بناء على الارشاد فالامر أوضح « وهل » يلحق بالوجوب والاستحباب الحرمة والكراهة فتشملهما تلك الأخبار بلحاظ ما يترتب على تركهما من الثواب « وجهان » بل قولان أظهرهما العدم ، فان الظاهر بل المنصرف من تلك النصوص من قوله بلغه ثواب على عمل فعمله هو الاختصاص بالامر الوجودي غير الصادق على التروك في باب المحرمات والمكروهات ، بل وكذا قوله (ع) من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير لظهوره أيضا في الاختصاص بالامر الوجودي بلحاظ ما فيه من المصلحة المقتضية لمطلوبية « ومن » المعلوم ان مطلوبية الترك في المحرمات ليس من جهة قيام المصلحة بنفس الترك ، وانما كان ذلك باعتبار ما في الفعل من المفسدة الموجبة لمبغوضية الوجود وللزجر عن ايجاده ، ولذلك نقول ان حقيقة النهى عن الشيء سواء كان بنحو الالزام أو غيره عبارة عن الزجر عن الوجود باعتبار ما فيه من المفسدة ، قبال الامر بالشيء الذي هو عبارة عن البعث إلى الوجود باعتبار ما فيه من المصلحة ، من دون ان يكون في البين ما يقتضى مطلوبية الترك بوجه أصلا وان ما تعارف من تفسير النهي بطلب الترك قبال الامر الذي هو طلب الفعل انما هو باعتبار كونه من لوازم الزجر عن الوجود ، لا من جهة ان المطلوب في النهي حقيقة هو نفس الترك « وحينئذ » لا مجال لتوهم شمول الاخبار للمحرمات والمكروهات باعتبار ما في تركها من الأجر والثواب حتى يشكل في موارد قيام الخبر الضعيف على الكراهة قبال ما يقتضى الوجوب أو الاستحباب « فإنه » على ما ذكرنا لا يكون في ترك المحرمات مصلحة حتى يصدق عليه بلوغ الثواب ( نعم ) ربما يكون نفس الترك موردا للطلب والبعث لقيام المصلحة به كما في تروك (283)
الصوم فيندرج بذلك في عموم اخبار من بلغ كما لو قام خبر ضعيف على استحباب ترك شيء أو وجوبه ( ولكنه ) خارج عن مفروض الكلام كما هو ظاهر ( ثم إن هذا كله ) بناء على استفادة الاستحباب النفسي أو الطريقي من الاخبار ( واما بناء ) على الارشاد والانقياد فيتعدى إلى المحرمات والمكروهات بلا كلام ، فان حسن الانقياد لا يختص بالواجبات والمستحبات بل يعمهما والمحرمات والمكروهات أيضا.
« الثالث » لا يخفى ان الظاهر من الاخبار بناء على الاستحباب النفسي أو الطريقي انما هو استحباب الشيء على النحو الذي دل عليه الخبر الضعيف من كونه نفسيا استقلاليا ، أو جزء واجبيا أو مستحبيا لأمر واجب أو مستحب ، أو شرطا كذلك « فلابد » حينئذ من ملاحظة الخبر القائم على الوجوب أو الاستحباب ، فإذا كان مفاده هو جزئية الامر الكذائي وجوبا أو استحبابا لأمر واجب أو مستحب ، أو شرطيته له ، فيحكم باستحبابه وصيرورته من الاجزاء المستحبة للمركب « ولازمه » جواز ترتيب ما لذلك المركب عليه من اللوازم والآثار الخاصة ، ومن ذلك غسل مسترسل اللحية في الوضوء « فإذا » قام خبر ضعيف على وجوب غسله أو استحبابه ، يحكم عليه بكونه من الاجزاء المستحبة فيترتب عليه جواز المسح ببلته كبلة بقية الاجزاء فلا يفرق في هذا الحكم بين بلة الحاجبين وبين بلة المسترسل من اللحية « نعم » لو كان مفاد الجزء الضعيف مجرد استحباب غسل المسترسل من اللحية نفسيا من دون ان يقتضى جزئيته أو كان مفاد تلك الأخبار اثبات الاستحباب النفسي لما بلغ عليه الثواب لا على النحو الذي دل عليه الخبر الضعيف « لاشكل » الاكتفاء ببلته في المسح ، لان المقدار الثابت من المسح بالبلة انما هو المسح ببلة الوضوء لا مطلقا « واما بناء على الارشاد » كما استفدناه فلا اشكال في عدم جواز المسح ببلته لما عرفت من لزوم كون المسح ببلة الوضوء ولم يثبت كونها بلته. « الرابع » لا اشكال في أنه يعتبر في صدق البلوغ ظهور اللفظ في المعنى المراد والا فلا يصدق عنوان البلوغ « وعليه » فيعتبر في صدق البلوغ عدم اتصال الكلام بما يوجب سلب ظهوره من القرائن الحافة « نعم » على الانقياد (284)
لا باس بذلك نظرا إلى عدم توقفه على صدق البلوغ وكفاية مجرد احتمال المطلوبية فيه ولو مع اجمال اللفظ وعدم ظهوره في المعنى المراد اما في نفسه أو من جهة اتصاله بما يوجب اجماله أو صرفه عماله من الظهور إلى غيره « نعم » لا اعتبار بقيام القرائن المفصلة على الخلاف ، لأنها على ما حقق في محله لا توجب انثلاما لظهور الكلام كالقرائن المتصلة ، وانما غاية افتضائها هو المنع عن حجيته خاصة مع بقاء أصل ظهوره على حاله ، فلو قام خبر ضعيف على وجوب اكرام العلماء أو استحبابه ، وقام خبر آخر على عدم استحباب اكرام النحويين منهم أو كراهته « فعلى » الاستحباب يجرى فيه التسامح ويحكم باستحباب اكرام الجميع نظرا إلى تحقق موضوعه وهو البلوغ بعد عدم انثلام ظهوره في العموم بواسطة ذاك الخاص المنفصل ، وكذلك الامر فيما لو كان هناك ما يعارضه بنحو التباين حيث يجري فيه التسامح لتحقق موضوعه الذي هو البلوغ « ولا ينافيه » عدم استحبابه أو كراهته بواسطة ما يعارضه من الخبر الدال على عدم استحبابه « لان » غاية ذلك هي عدم اقتضائه من هذه الجهة لان يكون مشمولا لعمومات الاخبار « لا ان » فيه اقتضاء العدم كي ينافي استحبابه من جهة بلوغ الثواب « هذا إذا » لم يكن الخبر الدال على عدم استحبابه معتبرا في نفسه « وأما إذا » كان معتبرا في نفسه « فقد » يقال بعدم جريان التسامح نظرا إلى اقتضاء دليل تتميم كشفه حينئذ بالغاء احتمال الخلاف للقطع التعبدي بعدم استحبابه « ويلزمه » ارتفاع البلوغ المأخوذ في تلك الأخبار فلا يبقى معه مجال للحكم باستحبابه « ولكنه » مدفوع بأنه لا تنافى بينهما حيث لا يردان النفي والاثبات فيهما على موضوع واحد ( بداهة ) ان ما تثبته اخبار التسامح انما هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان أو استحباب ذات العمل لكونه بلغ عليه الثواب على الخلاف المتقدم في كون البلوغ قيدا لموضوع الثواب أو داعيا على العمل وهذا مما لا تنفيه ذلك الدليل المعتبر فان ما ينفيه انما هو استحبابه بعنوانه الأولى ، وحينئذ فبعد صدق بلوغ الثواب بالوجدان وعدم اقتضاء ذلك الدليل المعتبر للمنع عن ظهور ما دل على استحبابه « تشمله » تلك الأخبار لا محالة ، ولا يكاد انتهاء الامر إلى المعارضة بين دليل حجية تلك الامارة الدالة على عدم الاستحباب وبين تلك الأخبار المثبتة لاستحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب
(285)
من غير فرق بين ان نقول في مفاد دليل حجية الامارة بكونه عبارة عن تتميم الكشف أو تنزيل المؤدى منزلة الواقع بجعل مضمونها حكما ظاهريا للمكلف فإنه على كل تقدير تجرى فيه أدلة التسامح وان كان جريانها على الثاني أوضح فتأمل « نعم » بناء على استفادة الحكم الطريقي ينتهى الامر في فرض المسألة إلى التعارض والتساقط « لان » مفاد اخبار من بلغ حينئذ هو حجية قول المبلغ وان ما أخبر به من استحباب العمل هو الواقع فيعارض ما دل على عدم استحبابه واقعا « هذا كله » بناء على استفادة الحكم المولوي النفسي أو الطريقي من اخبار من بلغ « واما على » ما اخترناه من استفادة الارشاد فلا اشكال في جريانه حتى في مورد قيام الامارة المعتبرة على الخلاف بل ومع عدم قيام خبر ضعيف أيضا على الثواب ، فإنه يكفي في الانقياد مجرد احتمال الثواب ورجاء المطلوبية في الواقع « ولذلك » ترى اطباقهم على حسن الاحتياط في موارد احتمال الوجوب أو الاستحباب ولو مع قيام الامارة المعتبرة على عدم الوجوب أو الاستحباب « بقى الكلام » فيما لو ورد خبران ضعيفان أحدهما على استحباب شيء والاخر على استحباب شيء آخر مع العلم الاجمالي بكذب أحد الخبرين في الواقع « فنقول » اما على الانقياد فلا اشكال ، فإنه يكفي في جريانه مجرد احتمال المطلوبية في كل منهما ولا يمنع عنه العلم الاجمالي المزبور
« كما أنه كذلك » بناء على الاستحباب النفسي لما تقدم من أنه يكفي في شمول اخبار من بلغ مجرد كون الشيء مما بلغ عليه الثواب مع احتمال المطابقة للواقع ، فإذا قام على استحباب كل منهما خبر ضعيف واحتمل المطابقة للواقع أيضا في كل واحد منهما في نفسه مع قطع النظر عن الاخر فلا جرم تشمله اخبار التسامح ويستفاد منها استحباب كل بالخصوص بما لمنه بلغ عليه الثواب ولا يضربه العلم الاجمالي بعدم استحباب أحدهما في الواقع بعنوان ذاته وعدم وجود ملاك الرجحان فيه كذلك
« واما بناء » على الحكم الطريقي الراجع إلى حجية اخبار الضعاف في المستحبات ، فحيث ان المدلول الالتزامي في كل من الخبرين بمقتضى العلم الاجمالي المزبور هو نفي الاستحباب الاخر « فان قلنا » بشمول اخبار من بلغ لكل واحد منهما بمالهما من المدلول المطابقي والالتزامي فلا جرم يتحقق بينهما المعارضة وينتهي الامر فيهما بعد التعارض إلى التساقط « واما ان »
|