|
|||
(331)
منها في المحصور كما لو علم بوجود حبة محرمة أو نجسة من الأرز أو الحنطة في الف حبة مع كون تناول الف حبة من الأرز في العادة بعشر لقمات فان مرجعه إلى العلم بحرمة تناول أحد لقماته العشر ومضغها لاشتمالها على مال لغير أو النجس ، وقد يكون تناول كل حبة يعد في انظارهم واقعة مستقلة كما لو كانت الحبوب متفرقة أو كان المقام يقتضي كون تناولها بتناول كل حبة حبة ، ومضغها منفردة فيدخل بذلك في غير المحصور ( واما الجهة الثانية ) فالمشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم شهرة عظيمة هو عدم وجوب الموافقة القطعية فيها على خلاف بينهم في حرمة المخالفة القطعية ، بل ونقل الاجتماع عليه مستفيض كما عن الروضى ومحكى جامع المقاصد ، بل عن المحقق البهبهاني قدس سره دعواه صريحا مع زيادة انه من ضرورة الدين قال في حاشيته على المدارك ان الاجماع وضرورة الدين وطريقة المسلمين في الاعصار والأمصار على عدم وجوب الاجتناب فيها ونحوه كلامه الاخر المحكى عن فوائده وهو كما أفادوه ، فإنه بالتتبع في كلماتهم في الفقه يظهر بان عدم وجوب الاجتناب في الشبهات غير المحصورة في الجملة عندهم من المسلمات ، بل يمكن دعوى كونه مغروسا في أذهان عوام المتشرعة أيضا ، ولا ينافي ذلك ما عن بعضهم من الاستدلال للحكم المزبور ، تارة بالعسر والحرج المنفيين ، وأخرى بعدم كون جميع الأطراف مع عدم الحصر مورد ابتلاء المكلف ، وثالثه بغير ذلك كالاضطرار ونحوه ، فان الظاهر أن ذلك منهم من قبيل بيان نكتة الشيء بعد وقوعه ، وبعد ذا لا يصغى إلى ما عن بعض من الوسوسة في الحكم المزبور ومصيره إلى الخلاف ، كل ذلك ( مضافا ) إلى كونه من مقتضيات الضابط الذي ذكرناه لغير المحصور ( فإنه ) مع بلوغ كثرة الأطراف إلى حد تورث الوهن في احتمال مصادفة كل فرد بشخصه للحرام الواقعي عند لحاظه منفردا عن البقية بحيث يطمئن فيه بالعدم ، يخرج احتمال التكليف في كل فرد عن مورد اعتناء العقلاء ، فلا يستقل العقل فيه بوجوب الاجتناب مراعاتا للاحتمال المزبور ( نعم ) لما كان ضعف احتمال وجود التكليف في كل فرد بانفراده ملازما لقوة احتمال وجوده في البقية ( أمكن ) دعوى ان بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل فرد ( انما ) هو لاخذهم بالظن القائم بالوجود في البقية
(332)
الراجع إلى بنائهم على بدلية أحد الأطراف عن الواقع في المفرغية ولو تخييرا ( والا ) فضعف احتمال وجود التكليف في كل فرد لا يكون مصححا لجواز الارتكاب وان بلغ في الضعف ما بلغ خصوصا على مبنى علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ( ولعلة إلى ) ذلك يكون نظر الأصحاب في بنائهم على عدم وجوب الاحتياط ورعاية احتمال التكليف في كل فرد ، والا فمن البعيد جدا قيام اجماع تعبدي منهم في البين على الحكم المزبور كما هو ظاهر ( هذا بالنسبة ) إلى الموافقة القطعية ( واما المخالفة ) القطعية فيظهر حكمها مما ذكرناه ، فإنه على ما اخترناه من الضابط يكون العلم الاجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية ، بل عرفت ان مقتضاه وجوب الموافقة أيضا كما في المحصور وان عدم وجوب الاجتناب عن كل فرد انما هو بمناط جعل البدل لا بمناط سقوط العلم عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية ( والى ذلك يكون ) نظر الشيخ قدس سره في مصيره إلى حرمة المخالفة القطعية كما صرح به في صورة الشك في كون الشبهة محصورة ( نعم ) لو كان بناء العقلاء في عدم الاعتناء باحتمال التكليف في كل فرد من جهة عدم اعتدادهم بالعلم الاجمالي الحاصل في البين لخروجه لديهم عند كثرة الأطراف عن التأثير وصلاحية البيانية والمنجزية للواقع « لكان » مقتضاه جواز المخالفة القطعية أيضا « ولكن الشأن » في اثبات هذه الجهة ، ولا أقل من عدم احراز ذلك فيبقى العلم الاجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية « ومنه يظهر » الكلام فيما لو كان المستند لجواز الارتكاب هو الاجماع ( فان المسلم منه ) هو قيامه على الترخيص في ترك تحصيل القطع بالموافقة بالاحتياط ، وذلك أيضا بمناط كشفه عن بدلية أحد الافراد عن الواقع في مقام المفرغية ولو بنحو كان اختيار تعينيه بيد المكلف ، والا فمع علية العلم الاجمالي حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، يستحيل بدونه الترخيص في البعض أيضا لمنافاته مع حكم العقل تنجيزيا بلزوم الخروج عن العهدة ، ومقتضى ذلك هو عدم جواز المخالفة القطعية لبقاء العلم الاجمالي على تأثيره في حرمتها ( نعم ) لو قيل بكشف الاجماع المزبور عن حجية تلك الظنون المتعلقة بعدم التكليف في كل فرد عند انفراده في اللحاظ عن غيره ، لأمكن دعوى عدم
(333)
حرمة المخالفة القطعية ، فإنه بعد أن يلازم الظن بعدم التكليف في كل فرد للظن بالوجود في البقية ، يصير كل ظن بقيامه على عدم التكليف في كل فرد مخرجا له عن دائرة المفرغ لاقتضائه بالملازمة لكون الحرام المعلوم في غيره من الأطراف ، نظير الامارات القائمة على تعيين المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف إلى أن ينتهى إلى الفرد الاخر فيكون الظن القائم بعدم التكليف فيه مخرجا له أيضا عن دائرة المفرغ لاثباته بالملازمة لكون المعلوم بالاجمال في غيره من الافراد التالفة الخارجة بآثارها عن مورد ابتلاء المكلف نظير الأمارة القائمة على تعيين المعلوم بالاجمال في أحد طرفي العلم بالخصوص بعد تلفه ( ولكن ) الكلام في استفادة ذلك من الاجماع المزبور ( فإنه ) غاية ما يقتضيه الاجماع انما هو الترخيص في ترك الموافقة القطعية بالاحتياط وبضميمة علية العلم الاجمالي للموافقة القطعية يكون المستكشف منه هو جعل بدلية أحد الافراد عن الواقع في مقام تفريغ الذمة بنحو يكون اختيار تعينيه بيد المكلف ( واما ) اقتضائه لحجية تلك الظنون فلا ، إذ ذلك يحتاج إلى دلالة وهي مفقودة ( ومع ) الغض عن ذلك ، فالمتيقن منها هو حجيتها تخييرا فيما عدى مقدار المعلوم بالاجمال الملازم لوجوب ابقاء مقدار الحرام وعدم ارتكابه ( لا حجية ) كل واحد منها تعينيا ( مضافا ) إلى العلم الاجمالي حينئذ بمخالفة أحد هذه الظنون للواقع الموجب بمقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح لسقوط الجميع عن الحجية ( الا ان ) يدفع ذلك بأنه مع تدريجية هذه الظنون وعدم اجتماعها في زمان واحد لا يضر العلم الاجمالي المزبور ، إذ لا ينتهى الامر من حجية الجميع إلى التعبد بظنون متعددة على خلاف العلم في زمان واحد ، فتأمل ( وكيف كان ) فهذا كله على المشرب المختار في ضابط كون الشبهة غير محصورة ( واما ) على المشارب الاخر فعلى المشرب الأول الذي يرجع إليه ظاهر كلام الشيخ قدس سره من جعل ضابط عدم الحصر بلوغ كثرة الأطراف إلى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل في البين وصيرورته لديهم كالشك البدوي ، لا اشكال في أن لازمة هو جواز المخالفة القطعية من غير فرق بين كون الشبهة وجوبية أو تحريمية ( واما ) على مشرب من جعل الضابط فيها بلوغ كثرة الأطراف حدا يوجب عدم التمكن العادي من الجمع بين المحتملات في الاستعمال ( فلازمه ) في الشبهة الوجوبية هو
(334)
التبعيض في الاحتياط ووجوب الموافقة الاحتمالية نظرا إلى امكان المخالفة القطعية ح ، بترك جميع الأطراف ( نعم ) لما لا يتمكن من الموافقة القطعية بالجمع بين الأطراف
في الاستعمال يسقط وجوبها ، ونتيجة ذلك هو التبغيض في الاحتياط كما أشرنا إليه ( واما ) في الشبهة التحريمية ، فقد يقال بافتضائه لسقوط العلم الاجمالي رأسا ( اما ) بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية فلعدم التمكن منها ، واما بالنسبة إلى الموافقة القطعية ، فلان وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعية لان وجوب الموافقة القطعية متفرغ على تعارض الأصول وتساقطها وهو متفرغ على حرمة المخالفة القطعية ، فإذا لم تحرم المخالفة القطعية ، ولو بعدم التمكن العادي منها فلا تعارض بين الأصول ومع عدم تعارضها لا يجب الموافقة القطعية ، ثم أشكل على ما افاده الشيخ قدس سره من التفصيل بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية بحرمة الأولى وعدم وجوب الثانية ، بان حرمة المخالفة القطعية قرع التمكن من المخالفة ومع التمكن منها لا تكون الشبهة غير محصورة ( وفيه ) ان عدم امكان الجمع بين المحتملات بعدم التمكن من البعض غير المعين لا يقتضى الا عدم انتهاء الامر إلى القطع بالمخالفة لا عدم التمكن من المخالفة واقعا كي يقتضى عدم حرمة مخالفة المعلوم بالاجمال ، وحينئذ فمع فرض القدرة على فعل كل واحد في ظرف عدم الاخر ، تحرم المخالفة لا محالة ، وان لم ينتهى الامر إلى القطع بها ، ولازمه المنع عن جريان الأصول النافية الموجب لحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية ( واما ) ما أفيد من تعليل عدم وجوب الموافقة القطعية بعدم تعارض الأصول في الأطراف ، نظرا إلى أن المانع من جريانها انما هي المخالفة القطعية العملية ومع عدم انتهاء الامر إلى القطع بها لا تعارض بينها فلا يجب الموافقة القطعية ( ففيه ) مضافا إلى جريان مثله في الشبهة المحصورة أيضا في فرض عدم تمكن المكلف من المخالفة القطعية بالجمع بين الأطراف كما لو علم بخمرية أحد المايعين ولم يتمكن الا من شرب أحدهما ، فإنه مع عدم التمكن من المخالفة القطعية لا ينتهى الامر على هذ المبنى إلى تعارض الأصول ، فلابد من المصير إلى جواز ارتكاب أحدهما ، مع أنه كما ترى لا يظن التزامه من أحد ، انه مبنى على القول باقتضاء العلم الاجمالي للموافقة القطعية ، ( والا فعلى ) القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية ومانعيته عن جريان الأصل النافي للتكليف
(335)
ولو في بعض الأطراف بلا معارض كما هو التحقيق ، فلا يتم ذلك ( لان ) مجرد عدم التمكن من المخالفة القطعية بالجمع بين المحتملات لا تقتضي سقوط العلم عن التأثير بالنسبة إلى الموافقة القطعية مع التمكن منها بترك جميع الأطراف كما هو ظاهر ( واما ) اشكاله على الشيخ قدس سره فالانصاف انه في غير محله ( إذ هو ) قدس سره لم يقل بالضابط المذكور بل ، ولا ذكره أيضا في عداد الضوابط ( نعم ) مقتضى ما افاده قدس سره من الضابط كما ذكرناه هو جواز المخالفة القطعية ، ولكنه اعرض عنه والتزم بنحو ما ذكرناه من مؤثرية العلم الاجمالي في التنجيز كما في المحصور بنحو يمنع عن الترخيص على خلافه ولو في البعض الا بجعل بعض الأطراف بدلا ظاهريا عن المعلوم بالاجمال يقتضى قيامه مقامه في مقام الامتثال وتفريغ الذمة فراجع ( بقى الكلام ) في حكم الشك في كون الشبهة غير محصورة ( والظاهر ) هو اختلافه باختلاف الوجوه المتقدمة في ضابط عدم حصر الشبهة ( فعلى الوجه ) الأول الذي ارتضاه الشيخ قدس سره يكون ملحقا بغير المحصور لرجوع الشك في الحصر وعدمه حينئذ إلى الشك في بيانية العلم الاجمالي لدي العقلاء وصلاحيته للمنجزية فيكون المرجع في مثله هي البراءة ( واما على الوجه الثاني ) وهو بلوغ كثرة الأطراف حدا لا يتمكن من الجمع بينها في الاستعمال ، فلازمه هو الحاق صورة الشك في الحصر بالمحصور في وجوب الاحتياط ( لرجوع ) الشك المزبور حينئذ إلى الشك في القدرة مع العلم بالخطاب ووجود الملاك ، فلابد من الاحتياط لاستقلال العقل في مثله بلزوم الجري على ما يقتضيه العلم وعدم الاعتناء باحتمال العجز ( وكذلك ) الحال على الضابط المختار فمقتضاه أيضا هو الحاق فرض الشك في الحصر بالمحصور في وجوب رعاية العلم الاجمالي ( لان ) مرجع الشك في الحصر إلى الشك في جعل البدل الذي هو المصحح للترخيص في ترك الاحتياط ، ومع الشك فيه وعدم احرازه لابد من مراعاة العلم الاجمالي فيجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع المحتملات ، هذا اتمام الكلام في الشبهة غير المحصورة ( واما ) شبهة الكثير في الكثير وهي ما كان المردد بين الأمور غير المحصورة افراد كثيرة نسبة مجموعها إلى المشتبهات كنسبة الشيء إلى الأمور المحصورة ، كما إذا علم بوجود خمسمائة شاة موطوئة في الفين شاة ، حيث إن نسبة مجموع المعلوم بالاجمالي إلى
(336)
المشتبهات كنسبة الواحد إلى الأربعة ، فحكمها حكم الشبهة المحصورة بل هي في الحقيقة من افرادها فتجري فيها قواعد العلم الاجمالي من حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية
( الامر الخامس ) الظاهر أنه لا فرق في وجوب رعاية العلم الاجمالي بالموافقة القطعية ، بين ان يكون العلم الاجمالي بالتكليف في دائرة واحدة كالعلم الاجمالي بنجاسة أحد الانائين ، وبين ان يكون العلم الاجمالي بالتكليف في دائرتين كما إذا علم بوقوع قطرة بول في أحد الانائين ، اما الأبيض منهما أو الأحمر ، مع العلم أيضا بوقوع قطرة أخرى من البول اما في الاناء الأبيض أو الأسود بحيث تقع الاناء الأبيض طرفا للعلمين الاجماليين ( ففي القسم الثاني ) أيضا لابد بمقتضى العلم الاجمالي من الاجتناب عن الأواني الثلاث ، لرجوع العلمين المزبورين إلى علم اجمالي ، اما بتكليف واحد متعلق بالاجتناب عن الاناء الأبيض ، أو تكليفين متعلق أحدهما بالاجتناب عن الاناء الأحمر ، والاخر بالاجتناب عن الاناء الأسود ( فان ) مقتضى ذلك بعد تردد المعلوم بالاجمال بين المتبائنين انما هو الاجتناب عن الجميع تحصيلا لليقين بالفراغ ( وتوهم ) ان الواجب حينئذ هو الاجتناب عن الانائين منها وهما الاناء الأبيض الذي هو المجمع وآخر من الانائين الباقيين مخيرا بينهما ( بتقريب ) ان مرجع ذلك بعد تقارن العلمين واحتمال انطباق المعلوم بالاجمال فيهما على الاناء الأبيض الذي هو المجمع ، انما هو إلى الأقل والأكثر حيث كان الاناء الأبيض من جهة وقوعه طرفا للعلمين مما يعلم بوجوب الاجتناب عنه على كل تقدير ، غير أنه لا بد من ضم أحد الانائين الآخرين إليه من جهة طرفيته له وبالاجتناب عنهما يصير الشك بالنسبة إلى الاناء الباقي بدويا ، فيرجع فيه إلى البراءة ( مدفوع ) بمنع رجوع الشبهة في المقام إلى الأقل والأكثر ، كيف وان ضابط كون الشبهة من صغريات الأقل والأكثر كما سيجيء انشاء الله تعالى هو ان يكون ما فرض كونه أقلا مما يعلم بوجوبه أو حرمته على كل تقدير بحيث كان الأقل محفوظا في ضمن الأكثر ولولا بحده كما في العلم باشتغال الذمة بالدين المردد بين كونه درهما أو درهمين ( كما أن ) ضابط كون الشبهة من المتائيين ، هو ان لا يكون هناك شيء متيقن الوجوب أو الحرمة على كل تقدير بان كان التكليف المعلوم في البين مرددا في أصله بين تعلقه (337)
بهذا الشيء المتيقن أو بذلك الاخر بحيث يستتبع تشكيل قضية منفصلة حقيقية من الطرفين ، فيقال اما ان يكون الواجب هذا أو ذاك الاخر ( ومن الواضح ) عدم صدق الضابط المزبور في الأقل والأكثر في مفروض المسألة ، بل الصادق فيه انما هو الضابط الثاني لعدم وجود القدر المتيقن في المأمور به ، والاناء الأبيض الذي فرضيناه مجمع العلمين لا يعلم كونه مكلفا بالاجتناب عنه على كل تقدير ، لان من المحتمل انطباق المعلوم بالاجمال في كل من العلمين على غيره من الانائين الآخرين ( ومعه ) أين يمكن دعوى اندراج المقام في الأقل والأكثر ( فلا محيص ) ح من الاجتناب عن الجميع لاندراجه في كبرى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف آخر ( نعم ) ما هو من قبيل الأقل والأكثر هو ان يكون المعلوم بالاجمال مرددا بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين أحدهما ذاك التكليف الثابت في الطرف الخاص والاخر في غيره ( ولكنه انى ) يكون المقام من هذا القبيل فتدبر ( هذا ) إذ كان العلمان متقارنين زمانا ( واما لو كان ) أحدهما سابقا على الاخر ، فيمكن ان يقال انه لا اثر للعلم اللاحق لوروده على ما تنجز أحد طرفيه بالعلم الاجمالي السابق « فان » من شرط تأثير العلم الاجمالي هو ان يكون كل طرف منه قابلا للتنجز من قبله مستقلا وبعد عدم قابلية تكليف واحد للتنجزين تكون هذه القابلية مفقودة في العلم الاجمالي اللاحق ، إذ بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق يخرج ذلك الطرف عن قابلية التنجز بالعلم اللاحق مستقلا وبخروجه يخرج العلم الاجمالي عن تمام المؤثرية في معلومه وهو الجامع الاجمالي القابل للانطباق على كل طرف ، ولازمه عدم تأثيره في الطرف الآخر أيضا لرجوع الشك بالنسبة إليه إلى الشك البدوي ، فيرجع فيه إلى البراءة « ولكن فيه » ان ذلك انما يتم إذا كان العلم السابق يجدونه مؤثرا في التنجيز إلى الأبد « والا فعلى » ما هو التحقيق في كل طريق من أن التنجيز في كل آن منوط بوجود العلم في ذاك الان ، فلا فرق بين هذا الفرض والفرض السابق « فان » من حين حدوث العلم اللاحق يكون حاله بعينه حال صورة تقارن العلمين ، فلابد فيه أيضا من الاجتناب عن الأواني الثلاثة لرجوعه إلى العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين تكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرفين آخرين « ثم انه » يلحق بما ذكرنا
(338)
في وجوب رعاية المحتملات في المحصور ما إذا اشتبه بعض أطراف العلم الاجمالي بغيره كما لو علم بنجاسة أحد الانائين ثم اشتبه أحدهما بثالث فان الواجب حينئذ هو الاجتناب عن الثلاثة لصيرورة الاناء الثالث أيضا طرفا للعلم الاجمالي.
« الامر السادس » يعتبر في الحكم بوجوب الاجتناب ان يكون العلم الاجمالي مؤثرا في ثبوت التكليف الفعلي بالاجتناب عن الحرام المشتبه على كل تقدير ، بمعنى اعتبار ان يكون كل واحد من الأطراف بحيث لو علم تفصيلا كونه هو الحرام المشتبه لكان التكليف بالاجتناب عنه منجزا « فلو لم يكن » بعض الأطراف كذلك ، بان كان بعضها مما لا يحدث العلم تكليفا بالنسبة إليه لكونه تالفا أو كثيرا لا ينفعل بملاقات النجس أو كونه مما اضطر المكلف إلى ارتكابه بسبب سابق على العلم الاجمالي ، لما كان للعلم الاجمالي تأثير في التكليف الفعلي بالاجتناب أصلا ولو بالنسبة إلى الطرف الآخر لرجوع الشك في التكليف بالنسبة إليه إلى كونه شكا في أصل التكليف لا في المكلف به « وكذا » إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل ابتلاء المكلف بمثابة يوجب خروجه عن تحت القدرة ، اما عقلا ، أو عادة بنحو يعد المكلف أجنبيا عن العمل عرفا وغير متمكن منه « وهذا على » الأول واضح لامتناع تعلق الإرادة الفعلية على نحو التنجيز بما لا يقدر عليه المكلف ( وكذا ) على الثاني ، فإنه وان لم يكن مانعا عن أصل تمشى الإرادة عقلا ولكنه مانع عرفا عن حسن توجيه الخطاب لاستهجان الخطاب البعثي نحو الفعل أو الترك عند العرف بما يعد المكلف أجنبيا عنه الا بنحو الاشتراط بفرض ابتلائه وتمكنه العادي منه ، بل قد يكون بعد الوصول إلى الشيء لبعد المقدمات بمثابة يوجب استهجانه ولو بنحو التقييد والاشتراط كان يقال لعامي بليد إذا صرت مجتهدا يجب عليك التسهيل في الفتوى ، أو لدهقان فقير إذا صرت سلطانا فلا تظلم رعيتك ، حيث إنه وان أمكن عقلا بلوغ ذلك البليد إلى مرتبة الاجتهاد وكذا الدهقان الفقير إلى مرتبة الملوكية على خلاف ما تقتضيه العادة ، الا ان بعد المقدمات يوجب عرفا استهجان الخطاب المزبور ولو بنحو الاشتراط « وبما ذكرنا » ظهر ان المناط في استهجان توجيه الخطاب انما هو ببعد وصول المكلف إلى العمل بمثابة يعد كونه أجنبيا عنه عرفا وغير قادر عليه عادة لا ان المناط فيه هو متروكية العمل قهرا كما يظهر من الشيخ (339)
قدس سره وعليه فلا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب أمرا أو نهيا « فإنه » كما أن العرف لا يحسنون توجيه الخطاب التحريمي إلى من يرونه أجنبيا عن العمل وغير قادر عليه بحسب العادة ، كذلك لا يحسنون توجيه الخطاب الايجابي أيضا في الفرض المزبور ، ولذا ترى استهجان الخطاب الايجابي على وجه التنجيز إلى سوقي فقير بتزويج بنات الملوك غير معلق بفرض الابتلاء والتمكن العادي منه ، بعين استهجان التكليف بالاجتناب عن تزويجهن ، وهكذا الخطاب بوجوب اكله من الطعام الموضوع قدام الملك أو لبسه الثياب التي لبسها الملك ونحو ذلك من الأمور التي يعد المكلف بحسب حاله أجنبيا عنها وغير قادر عليها عادة ، ومجرد كون الغرض من النهى هو الترك الحاصل قهرا ، ومن الامر الايجاد غير مجد في رفع استهجان الخطاب إلى من يرونه العرف غير قادر على العمل بحسب العادة « فان » محذور لغوية الخطاب لكونه تكليفا بأمر حاصل بالفعل غير محذور استهجانه من جهة كونه تكليفا بما هو غير مقدر عادى للمكلف ، وليس يجدي ارتفاع أحد المحذورين في ارتفاع المحذور الاخر كما هو ظاهر
« فالتفصيل » حينئذ كما عن بعض في اعتبار القدرة العادية بين الخطاب التحريمي والخطاب الوجوبي باعتبارها في الأول في صحة الخطاب وحسنه دون الثاني لكفاية مجرد القدرة العقلية فيه في صحة الخطاب وحسنه « منظور فيه » يظهر وجهه مما قدمناه « نعم » يتجه الفرق المزبور بين الأمر والنهي لو كان مناط الاستهجان هو لغوية الخطاب من حيث كونه تكليفا بأمر حاصل ، لا كونه تكليفا بما هو غير مقدر عادى للمكلف « لان » المطلوب في النواهي بعد أن كان هو مجرد الترك واستمراره وعدم نقضه بالوجود فلا جرم بعدم القدرة العادية على الايجاد يتحقق الترك الذي هو المطلوب وبحصوله يصير النهي عنه لغوا مستهجنا لكونه من التكليف بترك ما يكون منتركا عادة فلا يبقى معه مجال لأعمال المولوية « بخلاف » الأوامر فان المطلوب فيها انما يكون هو الفعل لاشتماله على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع ، وحيث إن السبب لايجاده لا يكون الا دعوة امره وكان المفروض هو تمكن المكلف من الايجاد عقلا كان لأعمال المولوية فيه مجال واسع ، فله الامر بايجاده ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية للمكلف « ولكن ذلك كما ترى » إذ مضافا إلى
(340)
رجوعه إلى انكار دخل القدرة العادية في صحة التكليف وحسنه رأسا حتى في الخطابات التحريمية ، لعدم اجداء العجز العادي حينئذ شيئا سوى كونه منشأ للانتراك الذي هو الموجب للغوية النهى واستهجانه ، فلا يكون تفصيلا في اعتبار القدرة العادية ، ان اللازم بمقتضى التقابل بين الأمر والنهي هو الالتزام بلغوية الامر أيضا في مورد لا يتمكن المكلف من الترك عادة ، فإنه مع الجزم للأبدية ؟ المكلف من الايجاد عادة لولا الامر يكون احداث الداعي في حقه لغوا ، مع أنه ليس كذلك جزما ، بل اللازم بمقتضى المناط المزبور هو لغوية النهى في كل مورد يكون حصول الترك من جهة تنفر الطبع على الاقدام على الايجاد ، كما في كشف العورة بمنظر من الناس خصوصا بالنسبة إلى أرباب المروة ، والكذب بالنسبة إلى أهل الشرف ، وكذا شرب الخمر بالنسبة إلى كثير من الأشخاص ولو لم يكن في البين نهى أصلا ، حيث لا فرق في الاستهجان بمقتضى المناط المزبور بين ان يكون الترك حاصلا من جهة عدم القدرة العادية على الايجاد ، أو من جهة تنفر الطبع عنه « فلابد » من قصر النواهي الشرعي بمن لم يتنفر طبعه من ايجاد المنهي عنه بتقييد الخطاب بعدمه كتقييده بالقدرة ، مع أن ذلك مما لا يمكن الالتزام به
« ودعوى » ان الترك الناشئ من تنفر الطبع راجع إلى عدم إرادة المكلف للفعل وهي مما لا دخل لها في حسن الخطاب كي يقيد بحال وجودها ، بل لا يعقل ذلك ( لان ) الخطاب انما هو لتحريك المكلف من قبله وبعث ارادته بجعله داعيا إلى المأمور به فعلا أو تركا فلا يمكن اخذها قيدا في التكليف ( مدفوعة ) بمنع رجوع التقييد به إلى التقييد بالإرادة بل تنفر الطبع بنفسه مانع عن الاقدام على الفعل وكانت الإرادة من تبعاته كتبعيتها للقدرة فلا مانع حينئذ من تقييد الخطاب بعدمه ، فيكشف ذلك عن انه لا يكون مجرد ذلك مناطا لاستهجان الخطاب ، وان المناط فيه انما هو بعد تمكن المكلف من العمل بمثابة يرى العرف كونه أجنبيا عنه وغير متمكن منه بحسب العادة ، وعليه لا فرق في الاستهجان بين كون الخطاب تحريميا أو ايجابيا ( وكيف كان ) فما ذكرنا من سقوط العلم الاجمالي عن التأثير حتى بالنسبة إلى الطرف المبتلى به انما يكون إذا كان خروج بعض الأطراف عن الابتلاء قبل العلم الاجمالي أو مقارنا له ( وأما إذا ) كان خروجه عن الابتلاء بعد العلم الاجمالي ، فلا شبهة في منجزية
(341)
العلم الاجمالي ووجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به ( وتوهم ) عدم الوجوب في هذه الصورة أيضا لانتفاء العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير عند خروج بعض الأطراف عن الابتلاء ، لاحتمال كون الظرف الخارج عن الابتلاء هو المعلوم بالاجمال ( مدفوع ) بكفاية وجود العلم الاجمالي التدريجي في وجوب الاجتناب عن الطرف المبتل به فعلا كما شرحناه في طي مبحث الانحلال فراجع ( نعم ) يبقى الكلام فيما إذا شك في أن خروج الطرف عن الابتلاء كان قبل العلم أو بعده ، فإنه قد يقال بعدم وجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به فعلا لعدم العلم بالتكليف الفعلي مع الشك المزبور ( ولكن ) التحقيق خلافه فإنه وان يستتبع الشك المزبور الشك في ثبوت التكليف الفعلي ، ولكنه بعد ما لم يكن ذلك لقصور في اقتضاء التكليف من المولى ، بل كان ذلك لاحتمال قصور العبد عن الامتثال مع تمامية مقتضيات التكليف فلا جرم يدخل في الشك في القدرة ويكون مصبا لقاعدة دفع الضرر المحتمل لا قبح العقاب بلا بيان كما هو ظاهر ( نعم ) لو اغمض عن ذلك لا مجال لاثبات الوجوب باستصحاب بقاء القدرة وعدم خروج الطرف عن الابتلاء إلى زمان حدوث العلم الاجمالي ، لوضوح ان الأثر المقصود وهو تنجز المعلوم بالاجمال لا يكون من الآثار الشرعية للمستصحب وانما هو من الآثار العقلية المحضة والاستصحاب المزبور لا ينتج الأثر المقصود كي يترتب عليه بحكم العقل وجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به ( كما لا مجال ) أيضا لاستصحاب عدم وجوب الاجتناب عن المشكوك قبل العلم الاجمالي ( إذ هو ) انما يجدى إذا كان الشك في الوجوب من جهة القصور في الكاشف أو المنكشف وهو الجعل الشرعي في مرحلة اقتضائه ، لا فيما كان الشك من جهة شرائط التنجيز الراجع إلى الشك في قابلية المحل للتنجز على كل تقدير كما هو مفرض الكلام فإنه لا ينفع الأصل المزبور من هذه الجهة ، لعدم العدم المزبور حينئذ مجعولا شرعيا ولا موضوعا لاثر مجعول حتى يجرى فيه التعبد بعدم نقض اليقين بالشك ، فتدبر ( وبما ذكرنا يظهر ) ان الحكم كذلك في صورة الشك في خروج بعض أطراف العلم عن مورد الابتلاء من جهة الشبهة المصداقية أو الشبهة في الصدق كالشك في صدق الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى الخمر الموجود في البلاد المتوسطة
(342)
بين القريبة والبعيدة المستتبع للشك في ثبوت التكليف المنجز بالاجتناب عنه ( فان ) الواجب حينئذ هو مراعاة العلم الاجمالي بالاحتياط ( لوجهين ) أحدهما وهو العمدة ما عرفت من رجوع الشك المزبور إلى الشك في القدرة المحكوم عقلا بوجوب الاحتياط ( فإنه ) بعد تمامية مقتضيات التكليف من طرف المولى وعدم دخل قدرة المكلف بكلا قسميها من العقلية والعادية في ملاكات الاحكام ، يستقل العقل بلزوم رعاية الملاك بالاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال الموانع الراجعة إلى قصور العبد عن الامتثال إلى أن يتبين العجز ، ولا مجال في مثله لجريان قبح العقاب بلا بيان ، لما عرفت من أن مصب تلك القاعدة انما هو صورة احتمال القصور من ناحية تمامية اقتضاء التكليف من طرف المولى ( وقد يتوهم ) اقتضاء المناط المزبور لوجوب الاجتناب عن الطرف المبتلى به حتى في فرض الجزم بخروج بعض الأطراف عن الابتلاء
نظرا إلى تخيل صدق الشك في القدرة فيه أيضا ( ولكنه ) تخيل فاسد ناش عن قلة التأمل ، ضرورة وضوح الفرق بين الفرضين ( فان ) موضوع حكم العقل بالاحتياط انما هو الشك في القدرة في مورد الملاك والمصلحة ، وهذا المعنى متحقق في فرض الشك في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء ، حيث إن الطرف المشكوك على فرض كونه ظرفا لوجود الملاك والمصلحة يشك فيه في القدرة ( بخلاف ) الفرض السابق فإنه لا شك فيه في القدرة على مورد المصلحة ، فإنه على تقدير وجود المصلحة في الخارج عن الابتلاء يقطع فيه بعدم القدرة ، وعلى تقدير وجودها في غيره يقطع فيه بالقدرة فليس للمكلف شك في القدرة على كل تقدير ، وانما الشك في أن مورد الملاك والمصلحة اي الامرين منهما ، ومرجع ذلك إلى الشك في وجود الملاك في المقدور لا في القدرة وبين الامرين فرق واضح ( الوجه الثاني ) هو ما افاده الشيخ قدس سره من التمسك باطلاق أدلة المحرمات ، بتقريب ان من البين شمول اطلاق ما دل على حرمة شرب الخمر أو النجس لكلتا صورتي الابتلاء به وعدمه ، والمقيد لذلك انما هو حكم العقل باعتبار التمكن العادي من موضوع التكليف وعدم خروجه عن الابتلاء في حسن التكليف والخطاب واستهجانه بدونه وبعد اجمال مفهوم القيد وتردده بين الأقل والأكثر لابد من الاقتصار في تقييد اطلاقه على المتيقن خروجه عن الابتلاء والرجوع في الزائد إلى أصالة
(343)
الاطلاق ، لما تقرر في محله من أن التخصيص والتقييد بالمجمل مفهوما المردد بين الأقل والأكثر لا يمنع عن التمسك بالعام والمطلق فيما عدى القدر المتيقن من التخصيص والتقييد خصوصا إذا كان المقيد لبيا كما في المقام ( وقد أورد عليه ) بوجوه ، الأول ان جواز الرجوع إلى العام والمطلق عند اجمال المخصص والمقيد وتردده بين الأقل والأكثر انما هو في المخصصات المنفصلة من اللفظية وما بحكمها من العقليات النظرية ( واما ) في المخصصات المتصلة اللفظية وما بحكمها من العقليات الضرورية الارتكازية ، فلا يجوز ذلك لسراية اجمالها حينئذ إلى العام والمطلق باتصالها بهما فلا ينعقد معهما ظهور للعام والمطلق في جميع ما يحتمل انطباق مفهوم المخصص والمقيد عليه حتى يجوز الاخذ بهما في المشكوك ويحكم عليه بحكم العام والمطلق ( ومن المعلوم ) ان المخصص في المقام انما يكون من قبيل الثاني ، لان حكم العقل باعتبار القدرة العادية على موضوع التكليف في صحة التكليف به واستهجان توجيه الخطاب بما لا يمكن ابتلاء المكلف به عادة انما يكون من الضروريات العقلية المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء بحيث ينتقل إليه الذهن بمجرد صدور الخطاب ويرى صرفه بحسب الارتكاز عما لا يقدر عليه المكلف ، فإذا اشتبه حاله وتردد لاجمال مفهومه بين الأقل والأكثر فلا محالة يسرى اجماله إلى العمومات والمطلقات فتسقط عن قابلية التمسك بها ( وفيه ) منع كون حكم العقل باعتبار القدرة مطلقا على موضوع التكليف في الارتكاز بمثابة يكون كالتخصيص بالمتصل في كونه من القرائن المحفوفة بالكلام ( ولو سلم ) ذلك فإنما هو في القدرة العقلية خاصة ، لا في مثل القدرة العرفية العادية التي بدونها يستهجن البعث والزجر ، فان من الواضح انه ليس اعتبار هذه عند العقل في الوضوح بمثابة يكون من الضروريات المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء بحيث ينتقل الذهن بدوا إلى اعتبارها عند صدور الخطاب ، بل انما هي من الأمور المحتاجة اعتبارها في صحة توجيه الخطاب إلى نحو تأمل من العقل وتدبر منه ، وعليه يكون المقيد في المقام من المقيدات المنفصلة غير الكاسرة لظهور المطلقات ، ولازمه بعد الاعتراف باجمال القيد مفهوما وتردده بين الأقل والأكثر هو الاخذ باطلاق الخطابات فيما عدى القدر المتيقن من التقييد هذا ( وأجاب عنه ) بعض الأعاظم قدس سره على ما في تقرير بعض تلاميذه تارة بنحو ما ذكرنا ، وأخرى
(344)
بعد تسليم انه من قبيل المخصص المتصل ، بما حاصله ان المخصص المتصل على قسمين ( أحدهما ) ان يكون الخارج عن العام عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب كعنوان الفاسق المردد مفهومه بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة ( وثانيهما ) ان يكون الخارج عن العام عنوانا ذا مراتب مختلفه كعنوان عدم الابتلاء في المقام ( فالتزم ) بقدح اجمال المخصص في الأول دون الثاني نظرا إلى أن مراتب المخصص بمنزلة مخصصات عديدة ، فيقتصر في تخصيص العام على المرتبة المتيقن خروجها ويتمسك به فيما عداها من المراتب الاخر لرجوع الشك فيها إلى الشك في ورود مخصص آخر للعام غير ما علم التخصيص به ( وفيه ) أولا ان غاية ما يقتضيه البيان المزبور انما هو رجوع الشك في التخصيص في الزائد عن القدر المتيقن إلى الشك البدوي لانحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بالأقل والشك البدوي في غيره ، ولكنه لا يدفع غائلة لزوم اجمال العام ، فإنه يكفي فيه اتصاله بما يصلح للقرينية عليه ولو بنحو الشك البدوي كما في موارد الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، ولذا ترى بنائهم على الحكم بالاجمال فيما عدى الجملة الأخيرة ، لا الاخذ بالعموم نظرا منهم إلى صلاحيته للرجوع إلى الجميع ، وما يترائى منهم من التمسك بأصالة العموم والاطلاق والحقيقة عند الشك في القرنية فإنما هو فيما كان الشك في أصل وجود القرنية ، لا فيما كان الشك في قرينية الموجود المحفوف بالكلام ، وحينئذ فبعد تسليم كون المقام من قبيل المخصص المتصل فلا محالة يكفي في اجمال العام مجرد الشك البدوي في التخصيص به ، ومعه لا يفرق بين كون الخارج عن العام عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب ، وبين كونه عنوانا ذا مراتب مختلفة فان الملاك في القدح انما هو اتصال المجمل به لا كونه ذا مرتبة واحدة ( وثانيا ) منع كون المقام من قبيل التخصيص بمختلف المراتب ، بل هو من قبيل التخصيص بعنوان غير ذي مراتب ، نظير عنوان الفاسق الخارج عن عموم اكرام العلماء الذي اعترف بسراية اجماله إلى العام عند اتصاله به ، لوضوح ان البحث في المقام انما هو في الشك في تحقق عنوان الخروج عن الابتلاء بكون موضوع التكليف في البصرة مثلا بعد القطع بان الخارج بحكم العقل هو مطلق مراتبه الصادق على أول وجوده ، فكان الشك ح في أن أول وجود الخروج عن
(345)
الابتلاء يتحقق بأي مرتبة من البعد من موضوع التكليف ، لا ان الشك في أن أي مرتبة من الخروج عن الابتلاء فارغا عن صدق العنوان عليه مخصص للعام حتى يكون من قبيل التخصيص بعنوان ذي مراتب ، فيكون المقام من هذه الجهة نظير عنوان الفسق الذي يشك في حصوله بارتكاب الصغيرة ( نعم ) انما يكون المقام من قبيل التخصيص بمختلف المراتب فيما لو كان حكم العقل بخروج الخارج عن الابتلاء على نحو الاهمال ، ولكنك عرفت ما فيه وعرفت أيضا عدم اجدائه لرفع غائلة اجمال العام باتصاله بالمجمل ( الثاني ) من وجوه المنع عن التمسك بالاطلاق ما افاده المحقق الخراساني قدس سره في كفايته ، من أن صحة الرجوع إلى الاطلاق انما هو فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه ، لا في الشك في تحقق ما هو معتبر جزما في صحته ( وحاصله ) بتحرير منا هو ان القدرة على موضوع التكليف بكلا قسميها من العقلية والعادية كما انها شرط في صحة الخطاب الواقعي وتشريع الحكم النفس الأمري وبدونها يقبح التكليف ويستهجن الخطاب بعثا وزجرا ، كذلك شرط في الخطاب الظاهري الدال على ايجاب التعبد بظهور الخطاب أو صدوره أيضا ، ولذا لا يصح التعبد بالظهور أو الصدور في الخارج عن الابتلاء لعدم ترتب اثر عملي حينئذ على التعبد بمثله ، وحينئذ فكما ان الخطاب الواقعي مشكوك مع الشك في القدرة على موضوع التكليف ، كذلك الخطاب الظاهري الدال على ايجاب التعبد بظهوره مشكوك أيضا ( فان ) مرجع التعبد بظهور الخطاب انما هو إلى جعله طريقا إلى الواقع مقدمة للعمل ومع الشك في القدرة على موضوع التكليف يشك في الأثر العملي فلا يقطع بحجية الخطاب حتى يجوز التمسك به لاثبات التكليف الفعلي في المورد المشكوك فيه ( فمرامه ) قدس سره في المنع عن التمسك بالاطلاق انما هو من جهة عدم احراز قابلية المورد اثباتا لحجية الخطاب مع الشك في القدرة التي هي شرط أيضا للحكم الظاهري ، لا انه من جهة اشتراط احراز قابلية الحكم النفس الأمري للاطلاق على وجه يعم المشكوك فيه ( وعليه لا وجه ) لرمي كلامه بالغرابة بمخالفته لما عليه ديدن الأصحاب من التمسك بالمطلقات واستكشاف الاطلاق النفس الأمري من اطلاق الكاشف ، والاشكال عليه باقتضائه لسد باب التمسك بالمطلقات والعمومات
|