|
|||
(451)
عليه المكلف ( مدفوع ) بان الجزئية لا يختص أمرها بالاعتبارين المزبورين ( لان ) لها اعتبار ثالث وهو اعتبار دخلها في المجعول في مقام جعل المركب واختراعه كما تقدم التنبيه عليه ، ومن الواضح ، ان الجزئية بهذا الاعتبار من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي ، لان للشارع في مرحلة جعل المركب التي هي رتبة قبل الامر اعتبار المركب بنحو يدخل فيه الجزء المتعذر ، كما أن له اعتباره بنحو يخرج عنه وان كان منشأ هذا الاعتبار هي المصالح الواقعية ( وحينئذ ) فبعد كونها بهذا الاعتبار من المجعولات الشرعية ، فمع اليقين بثبوت الجزئية في حال والشك في ثبوتها في حال آخر يجري فيها الاستصحاب ويترتب على استصحابها ما ذكرناه من سقوط التكليف عن المركب رأسا وعدم وجوب الاتيان بالبقية ( واما التقريب ) الثاني للاستصحاب ، فيرد عليه انه لو يجدي ذلك فإنما هو فيما لا يكون المتعذر من الاجزاء المقومة والا فيقطع بارتفاع شخص ذلك الحكم ، ومعه لابد وأن يكون الشك في البقاء متعلقا بحكم آخر محتمل التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاع الحكم الأول بحدوث مناط آخر في البين ( هذا ) مع وضوح الفرق أيضا بين المقام ومسألة استصحاب الكربة
للماء الذي اخذ منه بعضه ، فان جريان الاستصحاب هناك انما هو باعتبار كون منشأ الشك في بقاء الكرية وعدمه هو ذهاب البعض المأخوذ منه المحتمل دخله في وصف الكرية ، بخلاف المقام ، فان منشأ الشك في وجوب البقية ليس هو تعذر الجزء ، وانما منشأه هو الشك في جزئية المتعذر للمركب في حال الاضطرار مع الجزم بجزئيته للمركب قبل طرو الاضطرار ودخله في شخص الحكم المتعلق بالمركب أولا « ومع هذا » لا مجال لمقايسة المقام بما هناك فتدبر « واما التقريب الثالث » للاستصحاب ، فالظاهر أنه لا مانع منه في بعض فروض المسألة فيما كان الشك في بقاء وجوب البقية من جهة احتمال وجود مناط آخر في البين يقتضي تبدل حده الضمني بحد آخر مستقل ، واحتمال تبدل المناط السابق بمناط آخر مستقل للاجزاء الباقية يقتضي استقلالها في الوجوب عند تعدد الكل ( فان ) في أمثال ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب ، لكونه من استصحاب الذات المحفوظة بين الحدين الباقية دقة ولو ضن أحد آخر ، نظير استصحاب بقاء أصل اللون
(452)
المتحقق سابقا في ضمن شديده المقطوع ارتفاعه إذا شك في ارتفاعه رأسا أو بقاء مرتبة منه بحد آخر ضعيف * نعم * لابد في جريان مثل هذه الاستصحابات من مساعدة العرف عليه أيضا بان يكون الباقي على تقدير بقائه معدودا في انظارهم كونه من مراتب الموجود السابق ، وإلا فلا يجرى فيه الاستصحاب.
« الثاني » حديث الرفع وتقريب التمسك به لاثبات وجوب البقية على نحو ما تقدم في مسألة نسيان الجزء ، وذلك أيضا تارة بقوله (ص) ما لا يعلم ، وأخرى بقوله (ص) ما اضطروا إليه ( بتقريب ) اقتضاء الحديث الشريف بكل من التقريبين رفع الجزئية عن المتعذر في حال تعذره ، فيترتب عليه وجوب الاتيان بالبقية * لان * الموجب لسقوط التكليف عنها انما هو بقاء المتعذر على جزئيته في حال التعذر وبعد ارتفاع جزئيته في حال تعذره بمقتضى حديث الرفع يترتب عليه وجوب فعل البقية « فعلى * كل من التقريبين يقتضى الحديث الشريف وجوب الاتيان بالبقية ، نعم ، غاية ما يكون من الفرق بينهما هو ان تقريب التمسك به من جهة تطبيق عنوان ما لا يعلم لابد وأن يكون في ظرف لا يكون اطلاق لدليل القيد أو المقيد ، بخلاف تقريبه من جهة تطبيق عنوان ما اضطروا إليه ، فإنه لابد وأن يكون ذلك في فرض اطلاق دليل الجزء والقيد واقتضاء اطلاقه ثبوت الجزئية والقيدية على الاطلاق الموجب لسقوط التكليف عن المركب والمقيد رأسا عند تعذر جزئه وقيده ( وفيه ) ان الحديث يختص جريانه بمورد يوجب التوسعة على العباد لا الضيق ، فلا يمكن اقتضائه لاثبات وجوب البقية لأنه من الكلفة والضيق الذي هو خلاف الارفاق على المكلف ( ولا ينتقض ) ذلك بما قربنا جريانه في مسألة النسيان ( لان ) بين المقام وما هناك فرق واضح ينشأ من وجود الملزم العقلي في النسيان باتيان ما عدا الجزء المنسى ( فان ) الناسي للجزء لغفلته عن نسيانه يرى نفسه ملزما بحكم عقله باتيان البقية وبعد زوال النسيان يجرى في حقه حديث الرفع لاقتضائه كون المأتى به حال نسيانه مصداق الواجب المستلزم لسقوط التكليف عنه بالإعادة ، فيكون في جريانه كمال الارفاق على المكلف ( بخلاف المقام ) فان ظرف تطبيق دليل الرفع انما يكون في ظرف الاضطرار إلى ترك الجزء والقيد وفى هذا الظرف بمقتضى اطلاق دليل الجزئية لا يرى المكلف نفسه ملزما باتيان البقية ، فإذا (453)
جرى فيه حديث الرفع واقتضى وجوب البقية برفع جزئية المضطر إليه يكون ذلك نحو ضيق على المكلف ومثله خلاف ما سيق له الحديث الشريف ( الثالث ) عمومات الاضطرار كقوله (ع) في خبري زرارة ومحمد بن مسلم التقية في كل شيء اضطر إليه فقد أحله الله ، أو ان التقية في كل شيء وكل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله كما في بعض النسخ المصححة على ما ذكره بعض الأساطين قدس سره ، بناء على كون المراد من الحلية فيها معناها اللغوي الشامل للحلية الوضعية أيضا كما في قوله سبحانه أحل الله البيع المعلوم إرادة الحلية الوضعية منه ( وتقريب ) الاستدلال ان حلية الجزء والشرط والمانع المتعذر عبارة عن سقوطه عن الجزئية والشرطية والمانعية في حال تعذره ومقتضى ذلك بعد حكومة هذه العمومات على الأدلة المثبتة للاجزاء والشرائط والمواقع هو تخصيص الجزئية والشرطية والمانعية المستفادة منها بغير حال التعذر ولازمه وجوب الاتيان بالباقي لكونه تمام المركب المأمور به في هذا الحال المستلزم لمفرغيته عما في الذمة وعدم وجوب الإعادة عليه بعد ارتفاع الاضطرار ( لا يقال ) انه كما أن بتعذر الجزء والقيد يصدق الاضطرار إلى الجزء والقيد فيشملهما عموم قوله (ع) كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله ( كذلك ) يصدق الاضطرار إلى ترك المركب والمقيد بنفس الاضطرار إلى جزئه وقيده فيشمله عموم الحلية أيضا وبشموله له تقع بينهما المعارضة ( لان ) لازم تطبيقه على الجزء والقيد هو وجوب فعل البقية ، ولازم تطبيقه على الكل والمقيد هو سقوط التكليف عنهما رأسا لمكان تعذرهما ، وبعد عدم مرجع لأحدهما لا مجال لتطبيقه على أحدهما لبطلان الترجيح بلا مرجح « فإنه يقال » انه يكفي في ترجيح تطبيقه على الجزء والقيد المتعذر اقتضاء تطبيقه عليهما رفع الاضطرار عن الكل والمركب « لان » لازمه حينئذ هو كون تمام المركب المأمور به في حال تعذر الجزء أو القيد هو البقية المعلوم عدم صدق الاضطرار بالنسبة إليها فعدم شمول العموم حينئذ للكل والمقيد انما يكون من جهة التخصيص وعدم صدق الاضطرار بالنسبة إليه ( بخلاف ) فرض تطبيق العموم أولا على نفس الكل والمقيد ، فإنه لما لا يقتضى ذلك رفع الاضطرار بالنسبة إلى الجزء والقيد يلزم من تطبيقه على الكل والمقيد دون الجزء والقيد تخصيص عمومه بالنسبة إليهما بلا موجب يقتضيه
(454)
( وإذا ) كان الدوران بينهما من باب التخصيص والتخصص فلا شبهة في أن المتعين في مثله هو الثاني ، ومعه لا محيص من تطبيق عمومات الاضطرار على خصوص الجزء والقيد والحكم بما تقتضيه من وجوب فعل البقية ( نعم ) قد يناقش حينئذ في أصل اقتضاء عمومات الاضطرار لاثبات وجوب البقية ، بدعوى ان غاية ما تقتضيه العمومات المزبورة انما هو رفع الجزئية أو الشرطية والمانعية عن المضطر إليه ( واما ) اقتضائها لاثبات التكليف بالبقية فلا ، بل يحتاج ذلك في غير مورد اطلاق دليل المركب والمقيد إلى قيام دليل عليه اما بنحو العموم أو الخصوص ولو بمثل قوله (ع) الصلاة لا تترك بحال مؤيدا ذلك بعدم بناء الأصحاب فيما عدا الموارد التي وردت فيها النصوص الخاصة على التمسك بعمومات الاضطرار لاثبات التكليف بالمركب والمقيد عند تعذر جزئه وقيده ، حيث إن بنائهم في أمثال المقام انما هو على اثباته بأمور اخر كقاعدة الميسور ونحوها مما تتضمن وجوب فعل البقية ( ولكنه ) يندفع ذلك بان تكفل هذه العمومات لاثبات وجوب البقية انما هو بعين تكفل رفع الجزئية والشرطية والمانعية عن المضطر إليه ، فان من لوازم رفع الجزئية والشرطية عن المضطر إليه هو كون الباقي في حال الاضطرار مصداق المأمور به ، فإذا فرض اقتضائها رفع الجزئية والشرطية عن المضطر إليه يستفاد منه ان الباقي تمام المأمور به في حال الاضطرار فيجب الاتيان به بلا حاجة إلى التماس دليل آخر في البين يقتضي وجوب الاتيان بالباقي ( وربما يشهد لما ذكرناه ) ما في كثير من النصوص من استشهاد الامام (ع) بمثل هذه العمومات لرفع جزئية المتعذر أو شرطيته وايجاب الامر بالبقية ، كاستشهاد (ع) في خبر عبد الاعلى لرفع شرطية المسح على البشرة بعموم أدلة الحرج ، ولرفع جزئية القيام والركوع لغير المتمكن منهما في خبر آخر بقوله وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ، وكذا ما ورد في مسألة المسلوس من قوله * (ع) ، وان لم يقدر على حبسها فالله أولى بالعذر ( اللهم ) إلا ان يناقش فيها بان استشهاد الامام * (ع) » بهذه العمومات انما هو لمجرد رفع الجزئية والشرطية عن المتعذر وان ايجاب فعل البقية في تلك الموارد انما كان مستفادا من الخارج أو من نفس الامر المستفاد من تلك النصوص ، لا ان ذلك كان من جهة اقتضاء عمومات الاضطرار فتأمل.
(455)
الرابع قاعدة الميسور
وعمدة المدرك لها ( النبوي ) المعروف إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وقوله (ع) ما لا يدرك كله لا يترك كله ، وقوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور ، واشتهار هذه الروايات الثلاث بين الأصحاب في أبواب العبادات تغنى عن التكلم في سندها ( فالمهم ) هو عطف الكلام إلى بيان مقدار دلالتها ، فنقول : ( اما قوله (ص) ) إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، فقد نوقش في دلالته على المطلوب ( بدعوى ) ظهور الشيء المأمور به في الرواية بقرينة المورد في الاختصاص بالكلي الذي له افراد طولية أو عرضية ( فان ) موردها انما كان في الحج عند سؤال بعض الصحابة عن وجوبه في كل عام ، فإنه بعد اعراضه صلى الله عليه وآله عن جواب السائل حتى كرر السائل سؤاله مرتين أو ثلاث ، أجاب صلى الله عليه وآله بقوله ويحك وما يؤمنك ان أقول نعم والله لو قلت نعم لوجب عليكم ولو وجب ما استطعتم إلى أن قال (ص) إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، فتكون الرواية حينئذ مختصة بالكلي الذي له افراد طولية ، وكان مفادها انه إذا أمرتكم بكلي تحته افراد فأتوا من افراد ذلك الكلى بمقدار استطاعتكم ، ولا تشمل الكل والمركب الذي له اجزاء وان كانت في نفسها ظاهرة بمقتضى كلمة من الظاهر في التبعيض في الكل ذي اجزاء * وفيه * ان مورد الرواية وان كان في الكلي ذي افراد ، ولكن مجرد ذلك لا يقتضي تخصيصها بذلك بعد عموم الشيء في نفسه وشموله لكل من الكل والكلي « فان » العبرة في مقام استفادة الحكم انما هي على عموم اللفظ لا على خصوصية المورد ، فمع عموم الشيء في نفسه لا يقتضي مجرد تطبيقه على مورد خاص تخصيص عمومه به « واما توهم » عدم امكان عموم الشيء في الرواية لكل من
الكل ذي اجزاء والكلي الذي له افراد ، لمبائنة لحاظ عموم الافراد في الكلى مع لحاظ الاجزاء في الكل لاقتضاء لحاظه بالاعتبار الأول لكون كلمة من بمعنى الباء أو بيانيته وبالاعتبار الثاني تبعيضية وبعد عدم جامع بينهما يقتضي استعمال لفظة من في الأعم من الاجزاء والافراد يتعين خصوص الثاني بقرينة المورد ( مدفوع ) بمنع اقتضاء إرادة الكلى من الشيء ولحاظ الافراد لكون لفظه من بمعنى البأ أو بيانية
(456)
بل هو كما يلائم ذلك يلائم أيضا مع كونها بمعنى التبعيض بلحاظ تبعض الحصص الموجودة منه في ضمن افراده ، فان الكلى إذا لوحظ كونه على نحو الشياع في ضمن الافراد يصدق على كل واحد من الحصص الموجودة منه في ضمن الافراد انه بعض الطبيعي ، وبهذه الجهة لا مانع من إرادة ما يعم الكل والكلي من الشيء المأمور به حيث يمكن إرادة التبعيض من الكلى أيضا بلحاظ حصصه الموجودة في ضمن افراده « فالأولى » في الاشكال على دلالة الرواية على المطلوب هو ان يقال ان العموم المستفاد من الشيء في الرواية لكل من الكل والكلي انما هو من جهة الاطلاق ومقدمات الحكمة ، وحيث إن من المقدمات انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، فلا مجال للاخذ باطلاقه في المقام لوجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وهو ما يقتضيه المورد من الكلى الذي تحته افراد ، فإنه مع وجود ذلك لا يبقى له ظهور في الاطلاق يعم الكل والكلي حتى يصح التمسك بظهوره لاثبات وجوب ما عدا الجزء المضطر إليه.
واما قوله (ع) ما لا يدرك كله لا يترك كله ، فالظاهر هو عموم المراد من الموصول لكل من الكل والكلي لولا دعوى ظهوره المنساق منه في خصوص الكل ذي اجزاء ، وعلى كل تقدير لا شبهة في دلالته على المطلوب من ثبوت التكليف بالاجزاء الممكنة من المركب وعدم سقوطه بتعذر بعض اجزائه أو قيوده « واما المناقشة » في الرواية بان لازم شمولها لكل من الكل والكلي هو ان يكون قوله لا يترك مستعملا في الارشاد والمولوية معا ، لأنه في الكلى الذي تحته افراد يكون الامر باتيان الميسور من افراد الطبيعي المأمور به بعد انحلال خطابه إلى خطابات متعددة حسب تعدد الافراد ارشاديا محضا لاستقلال العقل بوجوب الاتيان بالافراد الممكنة من الطبيعي وعدم سقوط وجوبها بسقوط الوجوب عن الافراد المتعذرة وفي الكل ذي اجزاء يكون الامر باتيان الميسور من الاجزاء مولويا ناشئا عن داعي البعث والتحريك لاقتضاء ارتباطية التكليف حينئذ سقوط الامر عن الاجزاء الممكنة بتعذر بعض اجزاء المركب ، وحيث لا جامع بينهما يلزم في فرض إرادة الأعم استعمال الامر في المعنيين ( فمندفعه ) بما حققناه في محله من أن المستعمل فيه الامر والصيغة في جميع الموارد لا يكون الا معنى واحدا وهو ايقاع النسبة التحريكية (457)
بين المادة التي طرأت عليها الصيغة وبين الفاعل المخاطب بها ، وان حيث المولوية والارشادية وغيرهما انما تكون من دواعي الانشاء في مقام الاستعمال ، فإنه قد ينشأ المتكلم بداعي البعث الجدي والطلب الحقيقي فيكون بعثا حقيقيا وقد ينشأ بداعي الارشاد فيكون ارشادا وقد ينشأ بداعي التهديد فيكون مصداقا للتهديد وهكذا « فتلخص » انه لا قصور في الرواية في دلالتها على وجوب الاتيان بالاجزاء الممكنة من المركب وعدم سقوط حكمها بتعذر بعض اجزائه ( نعم ) يظهر من الشيخ قدس سره المناقشة في عموم الرواية للكل الافرادي ، بدعوى انه لو أريد من الكل فيها الافرادي يلزم لغوية قوله لا يترك كله ( لان ) المعنى حينئذ ان ما لا يدرك شيء من افراد الكلى لا يترك شيء منها وهو كما ترى ، فلا محيص من أن يكون المراد منه هو المجموعي لا الافرادي ( ولكنه ) كما ترى إذ ذاك انما يرد إذا كان النفي في الرواية متعلقا بكل فرد بحيث يكون مفاد القضية هو عموم السلب لا سلب العموم ، وهو خلاف ظاهر الرواية « فان » الظاهر منها هو كون النفي فيها متوجها إلى العموم المستفاد منه سلب العموم لا عموم السلب ، وعليه فلا يتوجه على حمل الكل على إرادة الافرادي منه محذور اللغوية كما هو ظاهر.
( واما قوله (ع) ) الميسور لا يسقط بالمعسور فلا شبهة أيضا في دلالته على المطلوب لظهوره كالرواية السابقة في عدم سقوط الميسور من كل شيء بسقوط معسوره الشامل بعمومه للاجزاء الميسورة من المركب ، بل لولا ظهور اللام فيه في كونه للجنس المساوق للشيء أمكن دعوى اختصاصه بالمركب والكل ذي. اجزاء ، لوضوح انه انما يقال ذلك في مورد يكون نحو ارتباط بين الميسور والمعسور في التكليف بحيث يقتضي سقوطه عن المعسور سقوطه عن الميسور أيضا ولا يكون ذلك إلا في المركب والكل ذي اجزاء وإلا ففي الكلى الذي تحته افراد لا تلازم بين سقوط التكليف عن فرد لسقوطه عن الفرد الآخر بعد انحلال الخطاب واستقلال كل فرد في التكليف « وعلى كل حال » لا اشكال في أن المراد من عدم سقوط الميسور انما هو عدم سقوطه بما له من الحكم الوجوبي والاستحبابي ، لوضوح ظهور مثل هذه العبارة في عدم سقوط ما ثبت سابقا وبقائه في العهدة لاحقا بعين ثبوته سابقا الراجع إلى ابقاء الامر السابق أيا ما كان (458)
وجوبيا واستحبابيا نظير الحكم بالبقاء المستقاد من قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك في اخبار الاستصحاب التابع لكيفية ما حدث سابقا لزوميا أو غيره فتعم القاعدة حينئذ لكل من ميسور الواجب والمستحب بلا ورود محذور في البين ( نعم ) لو كان النفي في الرواية مسوقا لبيان انشاء حكم تكليفي راجع إلى الامر بمعاملة عدم السقوط مع الميسور من اجزاء المركب ، يلزم منه أحد المحذورين ، اما عدم دلالته على عدم السقوط لزوما ، أو عدم شموله للمستحبات ( لان ) الامر المستفاد من مثل هذا الانشاء اما مطلق الرجحان فلا يستفاد منه الوجوب في الواجبات ، أو لخصوص الرجحان اللزومي فلا تشمل القاعدة حينئذ للمستحبات ( ولكنه ) خلاف ظاهر الرواية ، فان الظاهر المنصرف منها هو كونها في مقام بيان القيام بوظائف الاحكام من حيث عدم سقوط ما ثبت سابقا في العهدة وجوبا كان أو استحبابا لا انها في مقام انشاء حكم بدوي خاص بلا نظر إلى بقاء الامر السابق فتأمل ( وكيف كان ) فلا شبهة في أنه يعتبر في هذه القاعدة ان يكون الميسور من الاجزاء المقدورة مما يعد كونه عرفا من سنخ المأمور به وبعضه وميسوره ، لان ذلك هو الظاهر المنساق من هذه الأخبار فلا اطلاق لها يشمل ما يعد بسبب قلة الاجزاء المقدورة كونه مبائنا مع الكل والمركب ( وانما الكلام ) في أن المدار في صدق الميسور على الباقي هل هو على الركن وما به قوام المركب بنحو يلزمه كون المعسور من الخصوصيات الخارجة عما به قوام الركب ، أو ان المدار على ما يفهمه العرف انه من سنخ المركب وميسوره ولولا يكون من أركانه ومقوماته. فيه وجهان ( أظهرهما الثاني ) فإنه ليس في الأدلة التعبير بالركن أو المقوم في المركبات الشرعية حتى يدور مداره في اخذ الميسور ، وانما الموجود فيها هو الامر بعدة أمور معينة ، فإذا بين الشارع للعباد موضوع حكمه وعرفهم ذلك ثم ألقى إليهم الخطاب بالأخذ بالميسور من المركب المأمور به عند تعذر الاتيان بالمجموع ولم يبين ما يدار عليه الميسور من المأمور به ، يكون المتبع في مثله هو فهم العرف في تشخيص كون الباقي ميسورا ، حيث يفهم من الخطاب المزبور ايكال تشخيص الميسور من كل شيء إلى فهم العرف فيما يرونه بحسب ارتكازهم كونه من سنخ المأمور به وبعضه وميسوره وفي ذلك لا يفرق بين الموضوعات العرفية والشرعية
(459)
( لان ) كون الموضوع شرعيا لا ينافي كون تشخيص السنخية بيد العرف بمقتضى ما بيناه ( فاندفع ) بذلك ما توهم من الاشكال بان في الموضوعات الشرعية لا طريق إلى تشخيص كون الباقي ميسورا إلا ببيان الشارع ، لأنه لا سبيل لفهم العرف فيها حتى يؤخذ بما يرونه ميسورا للمأمور به ، ولابد عند الشك من الرجوع إلى ما تقتضيه الأصول العملية ( وجه الاندفاع ) ما عرفت من أنه كذلك إذا كان المدار في صدق ميسور الشيء على الركنية الواقعية التي يقصر فهم العرف عن تشخيصها في الموضوعات الشرعية ، وإلا فعلى ما ذكرناه من البيان لا فرق بين الموضوعات العرفية والشرعية فإنه على كل تقدير يكون المتبع في تشخيص كون الباقي ميسورا هو فهم العرف ( نعم ) يبقى الكلام في أن المدار في الميسور من الشيء على السنخية الصورية ، أو على السنخية المعنوية من حيث وفاء الاجزاء الباقية بمعظم الغرض القائم بالكل والمركب وان لم يصدق عليها الميسور بحسب الصورة ، غاية الامر انه جعلت السنخية الصورية التي يراها العرف في صدق الميسور من الشيء حسب ارتكازهم طريقا إلى السنخية المعنوية والوفاء بمعظم الغرض في مقام الحكم بوجوب الاتيان بالاجزاء الباقية ( فيه وجهان ) فعلى الأول يكون اخراج الميسور من الشيء في بعض الموارد وادخال غير الميسور في الميسور منه اخراجا وادخالا حكميا لا حقيقيا ( بخلاف ) الثاني فإنه عليه يكون الاخراج والادخال المزبور على خلاف ما يراه العرف حقيقيا لا حكميا لرجوع ذلك في الموارد التي ثبت الحكم فيها على الخلاف إلى تخطئة الشارع العالم بالواقعيات لانظار العرف في تشخيص الميسور عن غيره وان ما يرونه ميسور الشيء بحسب الصورة أو غير ميسور لا يكون ميسوره بحسب الوفاء بمعظم المصلحة ، لا انه يرجع إلى تخصيص تلك القاعدة في تلك الموارد كما على الأول ( وبعد ) انتهاء الامر إلى ذلك لا يبعد ترجيح الأول ، فان الالتزام بتخطئة العرف في موارد ثبوت الحكم على الخلاف مبني على أمرين أحدهما اثبات كون نظر دليل القاعدة في الاخذ بالميسور من الشيء إلى الميسور منه في مقام الوفاء بالغرض ( وثانيهما ) التفات العرف إلى هذه الجهة بجعلهم السنخية في تشخيص الميسور طريقا إلى السنخية المعنوية من حيث الوفاء بمعظم الغرض ( وكلا الأمران ) في نهاية المنع ، اما الثاني فظاهر ، لوضوح عدم التفات العرف
في تشخيص الميسور خصوصا في الشرعيات إلا إلى السنخية الصورية ( واما الأول ) فلانه لا طريق إلى احراز كون نظر دليل القاعدة إلى الميسور في مقام الوفاء بالغرض « نعم » من حكم الشارع بعدم السقوط يستفاد وفاء الميسور بمقدار من الغرض القائم بالمجموع ، لا انه مأخوذ في نفس الميسور الذي هو الموضوع في القضية وبين الامرين فرق واضح « وعليه » فلا يكون موضوع القاعدة إلا الميسور بحسب الصورة الذي يراه العرف بلا كونه طريقا إلى الميسور المعنوي بحسب الوفاء بالغرض وعليه فلا يكون لموارد قيام الدليل على خلاف القاعدة مساس بباب التخطئة لانظار العرف في فهم مصداق الموضوع ، بل يكون ذلك مخصصا لها محضا « وعليه » يشكل التمسك بعموم القاعدة في أبواب العبادات في غير مورد عمل الأصحاب بها ، حيث إن كثرة ورود التخصيص عليها أوجبت وهنا في عمومها بنحو يحتاج في العمل بها إلى عمل الأصحاب « نعم » على المسلك الآخر الراجع موارد قيام الدليل فيها على خلاف القاعدة اخراجا أو ادخالا إلى تخطئة العرف في تشخيص مصداق الميسور ، يمكن ان يقال بعدم اضرار كثرة موارد الردع بالأخذ بما يراه العرف كونه ميسور الشيء لاستكشاف كونه هو الميسور منه في مقام الوفاء بمعظم الغرض ( لان ) مقتضى الاطلاق المقامي حينئذ هو ايكال الشارع فهم الميسور من كل شيء إلى أنظار العرف بجعل ما يرونه ميسور الشيء في الصورة طريقا إلى الميسور منه معنى في مقام الوفاء بالغرض ، ولازمه هو الاخذ بما يراه العرف كونه ميسور الشيء إلا في الموارد التي ثبت الردع فيها ببيان الشارع ( ثم الظاهر ) انه لا فرق في جريان هذه القاعدة بين ان يكون المتعذر من الاجزاء أو الشرائط فمع صدق الميسور عرفا على الفاقد للشرط المتعذر تجرى القاعدة المزبورة ولا وجه لتخصيصها بما إذا كان المتعذر خصوص الجزء. ( بقى الشيء ) وهو انه إذا كان للمركب بدل اضطراري كالوضوء والغسل وتعذر بعض اجزائه ، ففي وجوب الاتيان بالناقص أو الانتقال إلى البدل أو التخيير بينهما ( وجوه ) من أن الانتهاء إلى البدل انما هو في صورة عدم التمكن من المبدل وقاعدة الميسور بجريانها تقتضي التمكن من المبدل فلا ينتقل إلى البدل ، ومن (461)
ان البدل يكون وجودا تنزيليا للمبدل ومع التمكن من الاتيان به ينتفى موضوع القاعدة لان جريانها انما يكون في ظرف تعذر الواجب المنتفي بالتمكن من البدل ، ومن أن كلا من الميسور والبدل وجود تنزيلي للواجب ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فيتخير ( ولكن ) الوجه الأول بعيد غايته ، فإنه بعد ما لم يكن مفاد القاعدة هو تنزيل الباقي منزلة الكل والمركب وانما مفاده انشاء أو اخبارا هو عدم سقوط ما ثبت في العهدة من التكليف المتعلق بالاجزاء الباقية ، يتوقف تقديمها على البدل الاضطراري على كون نظر دليل البدلية إلى صورة تعذر المبدل بجميع مراتبه ( وإلا ) فعلى ما هو الظاهر منه من كون نظره إلى صورة تعذر مبدله ولو بمرتبة الكاملة منه ، فلا مجال في الفرض لتقديم القاعدة عليه ( وكذلك الوجه الثاني ) فبعده أيضا انما هو لعدم اطلاق لدليل البدلية يقتضي قيامه مقام المبدل في الوفاء بجميع مراتب مصلحته ، لان غاية ما يقتضيه انما هو قيامه في الوفاء ببعض مراتب مصلحته ، لا بتمامها ، فيتعين الوجه الأخير وهو التخيير بين الاتيان بالمبدل ناقصا ، وبين الاتيان ببدله الاضطراري.
( فرعان ) الأول إذا دار الامر بين سقوط الجزء أو الشرط لتعذر الجمع بينهما في الامتثال ، ففي وجوب صرف القدرة إلى الجزء أو إلى الشرط ، أو التخيير بينهما مطلقا أو في صورة عدم احراز مزية لأحدهما ملاكا ( وجوه ) أقواها الأخير كما هو الشأن في كلية المتزاحمين ( الثاني ) لو دار الامر بين كون الشيء شرطا أو مانعا ، أو كونه جزء أو زيادة مبطلة كالجهر بالقراءة يوم الجمعة أو الجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين ، وكتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول في السورة ( وحكمه ) قد تقدم سابقا من كونه هو الاحتياط ، لا التخير كما توهم ، لمكان العلم الاجمالي بين المتبائنين من وجوب إحدى الصلاتين عليه اما بدون المشكوك فيه أو معه ، هذا تمام الكلام في الجزء والشرط. خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصول
والكلام فيها يقع تارة في الاحتياط ، وأخرى في البراءة ( اما الاحتياط ) فالظاهر أنه لا يعتبر في العمل به أزيد من تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف ، ويكفي
(462)
في حسنه مجرد احراز الواقع المشكوك فيه ولو كان على خلافه دليل اجتهادي ، غايته انه مع وجوده لا يجب الاحتياط ، لا انه لا يجوز معه الاحتياط ( فان ) مرجع الامر بالغاء احتمال خلاف الامارة انما هو الغائه في مقام التعبد به عملا ، لا في مقام تحصيل الواقع رجاءا ، فيجوز للمكلف حينئذ ان يعمل أولا بما يقتضيه الاحتياط ثم العمل بما تقتضيه الحجة كما يجوز له العكس ولو أن ذلك مستلزما لتكرار العمل خارجا ، كما لو قامت الامارة المعتبرة على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة في عصر الغيبة واحتمل كون الواجب في عصر الغيبة هو خصوص الظهر ( وتوهم ) لزوم العمل حينئذ أولا بما تقتضيه الحجة ، ثم العمل بما يقتضيه الاحتياط ، بخيال ان في صورة العكس الغاء للتعبد بالامارة عملا ، لأنه عين الاعتناء باحتمال مخالفة الامارة للواقع ( مدفوع ) بما عرفت من أن غاية ما تقتضيه حجية الامارة انما هو وجوب العمل على طبق مفادها الذي هو وجوب صلاة الجمعة ، واما عدم جواز فعل ما يخالف مفادها لأجل رعاية احراز الواقع فلا يقتضيه دليل الامارة ، وإلا لاقتضى عدم جواز رعاية جانب الاحتياط حتى بعد العمل بما تقتضيه الامارة ( وبالجملة ) يكفي في العمل بالاحتياط مجرد تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف ولا يعتبر فيه شيء سوى ذلك ، فمتى تحقق موضوعه يحكم العقل بحسنه ولو كان مستلزما للتكرار وكان المكلف متمكنا من إزالة الشبهة بالفحص ، وهذا في التوصليات مما لا خلاف فيه ولا اشكال ( واما في العبادات ) فقد أشكل جريانه فيها قبل الفحص عن الأدلة لوجهين ( أحدهما ) من جهة استلزامه للاخلال بقصد الوجه والتمييز المعتبر في صحة العبادة ( فان ) المشهور على ما حكى على المنع عن جريان الاحتياط في العبادات مع التمكن من إزالة الشبهة بالرجوع إلى الأدلة المثبتة لوجه الفعل ، وعلى ذلك أيضا بنوا على بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد مع التمكن من أحدهما وجعلوا الاحتياط فيها على خلاف الاحتياط ( وثانيهما ) من جهة اخلاله بالجزم بالنية المعتبرة في تحقق الإطاعة عقلا حال الاتيان بالعبادة ( بتقريب ) ان للامتثال مراتب أربعة ، الأولى الامتثال التفصيلي ، الثانية الامتثال الاجمالي ، الثالثة الامتثال الظني ، الرابعة الامتثال الاحتمالي ، وانه لابد بحكم العقل في الانتقال إلى المرتبة اللاحقة من كونه في صورة تعذر المرتبة السابقة
(463)
لها ، وبدونه لا تتحقق حقيقة الإطاعة عقلا ( لان ) حقيقة الإطاعة هي المطاوعة الراجعة إلى كون إرادة العبد تبعا لإرادة المولى بنحو ينبعث عن بعثه ويتحرك بتحريكه ، وهذا المعنى يتوقف على علم المأمور بأمر الامر وبعثه نحو المأمور به ، وبدونه لا يكاد انبعاثه عن امره وبعثه حقيقة فلا يتحقق حقيقة الإطاعة والامتثال ، ولازمه هو عدم جواز الانتقال من المرتبة الأولى إلى المراتب اللاحقة إلا في صورة تعذر المرتبة السابقة وعدم التمكن من الامتثال التفصيلي الذي هو حقيقة الإطاعة ( فان ) الانبعاث عن الامر المحتمل وان كان مرتبة من العبودية ونحوا من الطاعة عند العرف والعقلاء ( ولكنه ) بعد ما لا يكون ذلك انبعاثا حقيقة يحتاج أصل حسنه بحكم العقل إلى كونه في صورة عدم التمكن من الانبعاث عن البعث الجزمي ، وحيث * ان الامتثال في جميع موارد الاحتياط حتى الموارد المقرونة بالعلم الاجمالي يكون احتماليا ، باعتبار عدم العمل بتعلق البعث بالعمل المأتي به حال صدوره من العامل ، فلا محالة يتوقف حسنه العقلي على عدم التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي بإزالة الشبهة بالفحص عن الواقع ، وبذلك يختص أصل حسنه بما بعد الفحص عن الأدلة وعدم الظفر بما يوجب إزالة الشبهة عن الواقع ، هذا * ولكن الانصاف * انه لا وقع لهذا الاشكال بشيء من الوجهين المزبورين ( اما الوجه الأول ) فلما فيه من منع اعتبار شيء من قصد الوجه والتمييز أو قصد الجهة التي اقتضت وجوب الإعادة أو استحبابها في صحة العبادة وفى التقرب المعتبر فيها « فان » اعتبار هذه الأمور في العبادة اما ان يكون لأجل توقف صدق الإطاعة عليه عقلا ، أو يكون ذلك لقيام دليل خاص عليه * وهما ممنوعان * اما الأول فلوضوح صدق الإطاعة والامتثال عقلا وعرفا باتيان المأمور به بقصد الامر الواقعي وان لم يعلم بوجوبه أو استحبابه ( واما الثاني ) فلا سبيل إلى دعواه لخلو الأدلة عما يدل على اعتبار شيء من ذلك في العبادة ، ولا أقل من الشك في ذلك فتجري فيه البراءة كالشك في أصل التعبدية والتوصلية ، كما تقدم بيانه في أول الكتاب وفى مبحث التعبدية والتوصلية ، بل وعلى فرض القول بالاشتغال العقلي في نحو هذه القيود باعتبار رجوع الشك فيها بعد عدم كونها من القيود الممكن اخذها في المأمور به إلى الشك في الخروج بدونها عن عهدة امتثال الامر المتعلق
(464)
بالعبادة ، يمكن التمسك في نفى اعتبارها في الغرض بالاطلاقات المقامية * فان * مقتضى الاطلاق المقامي هو عدم اعتبار ما يشك في دخله في الغرض من نحو هذه القيود الخفية المغفول عنها غالبا ، بل ويمكن التمسك في نفى اعتبارها بالاطلاق اللفظي أيضا بما بيناه في مبحث التعبدي والتوصلي وحققناه أيضا في أول الكتاب في مبحث العلم الاجمالي فراجع هناك ( واما الوجه الثاني ) ففيه منع اعتبار خصوص الانبعاث عن الامر الجزمي التفصيلي في تحقق العبودية وصدق الإطاعة الحقيقية بل القدر المعتبر في تحقق القرب والطاعة عقلا انما هو مطلق الانبعاث عن امر المولى جزميا كان أو رجائيا ، ففي الأخير أيضا تتحقق حقيقة القرب والطاعة لان مرجعه إلى جعل امره المحتمل داعيا له حقيقة لان يتحرك من قبله ، غير أن
تحريكه يكون بواسطة احتماله ، فكل من الجزم بالامر واحتماله حينئذ يكون واسطة في محركية الامر. والتحريك والانبعاث في الصورتين يكون من قبل امر الشارع ( وان شئت ) قلت إن شرط محركية الامر هو التفات المأمور إليه اما جزما أو احتمالا وبكل منهما يتحقق محركية الامر وباعثيته على الاتيان بالعمل وبذلك تتحقق حقيقة القرب والطاعة عقلا ويصدق الامتثال عرفا ( وحينئذ ) فحصر صدق حقيقة الانبعاث والطاعة بصورة الجزم بالامر بالعمل حال صدوره من العامل لا يكون إلا مصادرة محضة ، مضافا إلى ما يلزمه من عدم صحة الامتثال والإطاعة الاحتمالية مطلقا ولو في ظرف عدم التمكن من الامتثال الجزمي التفصيلي لعدم كون مثله إطاعة وانبعاثا حقيقة ، وهو كما ترى لا يلتزم به القائل المزبور ( فتلخص ) ان المعتبر عقلا في حقيقة القرب والطاعة هو مطلق الانبعاث عن امر المولى جزميا أو احتماليا ، وانه كما يصدق الامتثال ويتحقق حقيقة الطاعة في صورة كون الانبعاث عن الامر بواسطة الجزم به ، كذلك تتحقق في صورة كون الانبعاث عنه بواسطة احتماله ، هذا ( ولا أقل ) من الشك في ذلك فتجري فيه البراءة على نحو جريانها في الشك في دخل قصد الوجه والتمييز ، وفى أصل اعتبار القرب عند الشك في التعبدية والتوصلية ( واما توهم ) ان المرجع حينئذ يكون هو الاشتغال لا البراءة باعتبار كون الترديد في المقام بين التعيين والتخيير لاحتمال تعين خصوص الامتثال التفصيلي مع التمكن منه في تحقق القرب والطاعة ، لا بين الأقل
(465)
والأكثر كما في الشك في اعتبار قصد الوجه والتمييز ، إذ لا جامع بين الامتثال التفصيلي والاحتمالي حتى يندرج بذلك في الأقل والأكثر ، فلابد من اجراء حكم المتبائنين في المقام من وجوب الاحتياط والاخذ بالتعيين « فمدفوع » بان الجامع والقدر المشترك بينهما هو مطلق القرب والطاعة الجامع بين الامتثالين ، فيندرج بذلك في الأقل والأكثر حيث يكون المتيقن اعتباره هو مطلق القرب والطاعة الجامع بين نحوي الامتثال الجزمي والاحتمالي كما في كلية التشكيكيات وكان الشك في اعتبار مرتبة زائدة ، كيف ولازم المنع عن وجود الجامع بينهما هو المنع عن أصل كون الامتثال الاحتمالي من مراتب القرب والطاعة وذلك كما ترى ، فإنه مضافا إلى كونه خلاف ما يقتضيه الوجدان وما عليه سيرة العرف والعقلاء في مقام الطاعة والعبودية ، مناف لما صرح به القائل المزبور من جعل الامتثال الاحتمالي مرتبة من مراتب القرب والطاعة ( فان ) لازم ذلك هو الالتزام بوجود القدر المشترك بين الامتثال الجزمي والاحتمالي ولازمه المصير إلى اندراجه في الأقل والأكثر لا في التعيين والتخيير ( فتلخص ) ان التحقيق هو جواز العمل بالاحتياط عند تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف في العبادات وغيرها ولو مع التمكن من الامتثال التفصيلي بإزالة الشبهة ( من غير ) فرق بين كون الشبهة موضوعية أو حكمية ، ولا بين كونها بدوية أو مقرونة بالعلم الاجمالي ، ولا بين الالزامية وغيرها ، ولا بين صورة استلزامه لتكرار العمل خارجا وبين عدم استلزامه لذلك ( فإنه ) في جميع تلك الصور يجوز للمكلف العمل بما يقتضيه الاحتياط وترك الامتثال التفصيلي ولو مع التمكن منه بإزالة الشبهة بالفحص.
( فرعان ) الأول لو اشتبه ثوبه الطاهر بثوب آخر نجس ولم يتمكن من تطهير أحدهما والصلاة فيه اما لفقد الماء أو لضيق الوقت أو غير ذلك ، فعلى ما اختبرناه من عدم اعتبار الامتثال التفصيلي مع التمكن منه في صحة التقرب بالعبادة ، لا اشكال في لزوم الصلاة في الثوبين مكررا ( واما ) على القول باعتبار الامتثال التفصيلي ، ففي تقديم الامتثال التفصيلي على شرطية الستر ولزوم الاتيان بصلاة واحدة عاريا كما عن محكى الحلي قده ، أو تقديم شرطية الستر ولزوم الاتيان بصلوتين في ثوبين أو التخيير بينهما ، وجوه ( ولكن ) الحري ان يقال
|