|
|||
(376)
من مواجهته وبشكل متزن بالتثبيط والردع. كأن نواجهه مثلاً اثناء إدلائه بالاحاديث الكاذبة بوجه عبوس وملامح دالة على عدم التصديق ، وألا نقف ازاء أكاذيبه موقف المتفرج الذي لايبالي بما يسمع ، بل نتدخل ونقطع عليه حديثه ونغير مسار الحديث ليفهم بانه لم يفلح في مقصده ، وان نفهمه من خلال تجاهلنا لكلامه بان حديثه تافه لا وزن له وغير جدير بالاسماع اليه ، ليخجل من فعلته ولا يعاود تكرارها.
13 ـ التوبيخ : وفي المواقف الاكثر حدة لابد من اتخاذ مواقف اكثر صرامة. فبعد الاطلاع على اكاذيبه لابد من مكاشفته بها وتنبيهه الى اننا على علم بما يقول من اكاذيب ، فالمسألة التي نقلها لم تكن بتلك الصورة وإنما بشكل آخر ، فلايتصور انه قادر على خداعنا. ولا داعي للتذكير مرة أخرى بان مثل هذا الارشاد والنصح والمكاشفة يجب ان لا تتم على مرأى ومسمع الآخرين ، فيشعر من جراء ذلك بالفشل والاحباط ، لأن الطفل عندما يجد نفسه مفضوحاً امام الآخرين ، يدخل في بعض المطبات الخطرة ، حتى يصبح كذاباً محترفاً. 14 ـ التهديد والعقوبة : واخيراً اذا لم تجد اي من الاساليب المشار اليها سابقاً ولم تحقق ما يرتجى ، فان الواجب يحتم علينا اتباع اساليب التهديد والعقوبة لردعه عن الكذب ، وهو ليس بالاسلوب العملي الناجح والمطلوب ، وان استخدامنا لاسلوب العقوبة يدل على ان علمنا التربوي قد جاء بعد فوات الأوان. ومع هذا فان المواقف اللاحقة تفرض علينا امتلاك امكانات اخرى وهي (377)
ان نلوح بنفس العقوبة لاميزانها ، ومن الضروري ايضاً عدم حصول العقوبة بحضور الآخرين وان لا تتسم بالخشونة و .. الخ. وهو موضوع موسع ويستحق ان يبحث في فصل مستقل.
(378)
توجيهات على طريق اصلاح خصلة الكذب :
نلفت في هذا الفصل انظار الوالدين والمربين المحترمين الى عدد من المسائل التربوية التي تشكل ـ من جهة ـ الركيزة التي يقوم عليها الفكر التربوي ، وتدعم من جهة أخرى اصلاح الطبائع والخصال الاخلاقية. 1 ـ ضرورة بث الوعي : إننا نرى أن أحد اوجه واسباب الخطأ والكذب تكمن في عدم وجود الوعي الكافي عند ذلك الشخص ، فهو لا يفهم القيمة الحقيقية لوجوده ولا قيمة الحقيقة والأخلاق. وهذا ما نلاحظه حتى بين الكبار ايضاً. وهذا يفرض علينا إتاحة الفرص التربوية امامه لاصلاح ذاته والحصول على الوعي الكافي بشأن الوجود وما يتسم به من أهمية. وان شأن الانسان اجل واكبر من ان ينزله الى حضيض الكذب ؛ وان كان قد استطاع خداع الآخرين عن طريق الكذب فأنه لم يحقق بذلك لنفسه شخصيتها وكرامتها ، وان تحقق له شيء من ذلك فهو للكذب لا له شخصياً ، ولا يحصل هو على شيء وانما يعود صفر اليدين. 2 ـ نيل المحبة الحقيقية : يجب ان يدرك الطفل ، بل وحتى الكبير ، بان المحبوبية بين الآخرين لاتنال بالكذب والزيف ، بل يحصل عليها الانسان في ظل الصدق والاخلاص ، وليعلم ان العقوبة مع قول الصدق خير له من (379)
الكذابون كانت فيه النجاة.
ومن الضروري هنا التمييز بين المحبوبية الحقيقية والمحبوبية المزيفة الكاذبة ، والتأكيد على ان الاولى راسخة والثانية متزعزعة. ويمكن توضيح مثل هذه المسألة حتى للطفل وهي لو انه كذب اليوم ونال غايته ، فما الذي سيفعله غداً ؟ واذا سرق اليوم نقوداً واشترى بها المرطبات مثلاً وانكر السرقة ، فمن اين سيأتي بالنقود غداً لشراء المرطبات مرة أخرى ؟ وإن تحايل اليوم في نيل عطف ابيه او امه وحصل على امنيته ، فما سيفعل مرة أخرى لنيل أمانية الأخرى ؟ فهل سيتاح له الكذب في كل الظروف ؟ 3 ـ منحه قدراً من الحرية : لا شك اننا نعتقد كما يعتقد بقية المربين بضرورة وجود حجاب وستر وقدر من الحياء بين الأبوين والابناء لكي يستثمر عند الضرورة في الاهداف التربوية. فلا يحق للطفل التصرف امام انظارهما كما يحلو له او kvpsegxg ـ hearte ان يقول ويفعل ما يشاء ، ولايعني هذا عدم السماح له بالتعبير عما يختلج في نفسه امام ابويه. فالكثير من اطفالنا يكذبون بسبب عدم إتاحتنا الفرصة لهم بالتحدث بصدق وصراحة. فلو اننا او ضحنا لهم بان لهم كامل الحرية في طرح ما يدور في اذهانهم بلا اي خوف او وجل وعليهم ان يخبرونا بجميع احتياجاتهم لانحلت مشكلة الكذب عندهم ولما بقيت لها أية ضرورة. نعم ان الاجواء المبنية على الصدق والثقة وبعيداً عن الخداع لها دور فاعل في اصلاح الافراد وهو وضع من الضروري ان يعتاد عليه اطفالنا منذ البداية. 4 ـ ادراك دور الطفولة : تتسم فترة الطفولة بالتغيير والتبدل ومن (380)
خصائصها انعدام الثبات والاستقرار ، فلايمكن الوثوق بجانب من جوانبها او بعد من ابعادها ، فهي تتحول في كل لحظة الى حال ووضع جديد.
فنرى الطفل مسروراً في حين وكئيباً في حين آخر ، يعبر عن حاجته المبرمة الى أمر ما في بعض الأحيان ويشير الى تعلقة الشديد به روحياً وقلبياً ، بينما نراه مستقلاً في اوقات أخرى مستشعراً الاستغناء عن كل شيء وكل احد. وعلى هذا الاساس ، لو صدرت من طفلكم أية اكذوبة فلا تظنوا ان الدنيا قد انهارت ، وانه قد سقط في بؤرة الانحطاط والرذيلة. فهو سرعان ما يتحول الى حال أخرى بمجرد التحدث معه وملاطفته فينقلب فجأة الى ملاك طاهر والى شخص طاهر ينبض قلبه بالطيب والنقاء. ولا نقصد من كلامنا هذا ان نتجاهل كذب الاطفال ، بل يجب الاهتمام به بما يتناسب وحجم الكذب وظروف الطفل واوضاعه. 5 ـ فسح المجال امام نشاطاته : يعيش بعض الاطفال في بيوتهم كالخدم ، ليس لهم الحرية في فعل اي شيء وينحصر نشاطهم في إطار القرارات والتعليمات التي يضعها الوالدان ويشرفان على تنفيذها بالدقة. ومن الطبيعي ان الابناء بحاجة الى ميدان عمل اوسع وحرية اكثر وان لم تتوفر لهم مثل هذه الأجواء فإنهم مضطرون الى اختراق تلك القيود والانطلاق منها الى ميادين اوسع ، ولو انهم تعرضوا من بعد ذلك لأي استجواب أو سؤال فلا يجدون امامهم مناصاً سوى الكذب كوسيلة للنجاة من العقوبات المترتبة على استهانتهم بتلك القوانين. (381)
ان احد الأبعاد التي تتطلبها التربية هي فسح المجال امام الطفل للنشاط والتحرك ، ليختبر قدراته وامكاناته ويكتشف ما لديه من مواهب وطاقات حتى تخلق لديه الثقة الكاملة بنفسه ولا يشعر بعدها بالحاجة الى الكذب كوسيلة لإثبات ذاته. من المؤكد وجوب استحصال الابناء على موافقة الوالدين للقيام ببعض الاعمال ، الا ان هذه الرؤية يجب ان لاتنسحب على جميع التصرفات والامور بصغيرها وكبيرها. لأنه قد يرى في بعض المواقف ان فرصة العمل قد حانت وان الوقت لايسمح بالانتظار حتى حصول الإذن منكم ، لذلك يجد نفسه مضطر لإغتنام الفرصة حينها ، ومن ثم البحث بعد ذلك عن اكاذيب يبرر بها امامكم موقفه حين الاستجواب.
6 ـ خلق الثقة بكم : علينا ان لاننسى بأننا نعتبر كأمناء على اسرار الأبناء ووجود هذا الموقع يفرض علينا احترام آرائهم واقوالهم واعمالهم وكتمان اسرارهم ، وهذا الفعل جدير بخلق الثقة بنا لكي نكون ملاذاً يلجأ الينا عند الشدائد والازمات ، يطرح علينا مشاكله مباشرة عن غير حاجة الى الكذب والتحايل. ووجود مثل هذه الثقة يشجع الطفل على طرح شؤونه ومسائله على ابويه بشكل جدي وصريح. فاذا ما تعرض لإساءة من قبل الآخرين يأتي لابويه ويعرضها عليهما مباشرة ويخبرهم بكل ما جرى بشكل صريح. فكثير من الاطفال يتعرضون للاساءة من قبل الآخرين ، بل ويقعون ضحية لاطماعهم واهوائهم ، الا انهم لايجرأون على اطلاعكم على مجريات الامور خوفاً من البطش والعقوبة ، وبسبب انعدام الثقة بكم ، ولن يتاح لكم الاطلاع على مجريات الامور الا بعد فوات الأوان. (382)
7 ـ تجنب التشهير : يتردد الطفل احياناً في اطلاع ابويه على الحقائق انطلاقاً من عدم ثقته بهما ، ولشعوره بأنهما لايحفظان له سراً فبمجرد ما ان يعلموا له سراً ، يبادرون الى اذاعته ونقله الى هذا وذاك ، فيكون ذلك سبباً في الانتقاص من شخصيته.
فلا يفوتنا ان للطفل ايضاً شخصية يعتز بها ، ويعتد بمكانته في أية مرحلة من مراحل حياته. وهذا هو الحاجز الذي يمنعه من مصارحتكم بالحقائق ، فلايجد مناصاً من عرضها عليكم بشكل مقلوب. واذا شعر الطفل يوماً بان كرامته قد هدرت و ان ماء وجهه قد أريق ، سيتحول الى شخص خطير لايمكن التعايش معه ، ولا سيما بعد ان تطبع على الكذب واثارة الفتن ، ولابد من التأمل في كل تصرف او كلام يصدر عنه. 8 ـ تبيان العواقب والمخاطر : لايمتلك الطفل التجربة الحياتية الكفيلة بإرادته المستقبل ، وليس لديه التجربة الكافية ليتعرف من خلالها عواقب الامور والنتائج الوضعية الوخيمة المترتبة على الكذب. وهنا يتوجب على الوالدين والمربي ارشاده وهدايته عن طريق ذكر القصص المتعلقة بالكذب والمصير المهلك الذي يؤول اليه الكذابون. ويبدو من المناسب ايضاً حثه على قراءة مثل هذه القصص شخصياً. وذكر امثال هذه الحكايات مفيد لهم قبل الدخول في المرحلة التي يبدأون فيها بالكذب وبالشكل الذي يثير فيه الخوف من مسألة الكذب ويجعله على حذر شديد من ان يكذب. (383)
9 ـ توعيته بمكانته وقيمته : وعلى الوالدين والمربين توعية الطفل الى ان قيمته واحترامه مرتبطة الى حد بعيد بمدى صدقه وصراحته ، واذا ما سولت له نفسه الحياد عن المسار القويم للصدق فلن يتلقى منهم ومن المجتمع أي احترام او تقدير واذا لاحظ بأنهم يولونه الثقة ويثقون بكلامه فذلك منبثق من ظنهم بأنه صادق ولو اتضح عكس ذلك لسلبت منه كل تلك الثقة.
لابد ان يتحلى الطفل بدرجة من الوعي بحيث يؤثر قول الصدق على الكذب حتى وان كان في الصدق ضرر عليه. وانه لو اساء فبامكانه الاعتذار عن اساءته ، اما الكذب فلا عذر معه ولاتسامح فيه. 10 ـ الاستعداد لقبوله : وعلى الوالدين والمربين ان يثبتوا للطفل عملياً استعدادهم لقبوله وتقبل اخطائه ايضاً. وانهم لايتضايقون من سماع كلامه ، ولايستكثرون عليه احترام مشاعره وعواطفه. ولايستخدمون الخشونة في الرد على اخطائه ولايستهينون بكرامته امام الآخرين. ان وجود مثل هذه الاجواء وسيادة مثل هذا التعامل يسلب من الطفل الدوافع التي تضطره للكذب ويضعه على الطريق القويم. 11 ـ المثل الصالح في الوالدين : من الطبيعي ان الوالدين يعتبران المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل. فان كذب الأبوين أخذ عنهما الكذب وان كان لهما اي موقف سلبي تجاه أية مسألة من المسائل فان الطفل يواصل انتهاج نفس ذلك الموقف. ولاتتصوروا ابداً ان الطفل لا يفهم المواقف التي تجري امامه ، قد يبدو في الظاهر هادئاً ازاء تصرفاتكم (384)
لكنه في حقيقة الحال يتعلمها منكم ويمارسها بنفس الصورة حينما تتاح له الظروف ان العمل الخاطئ الذي تمارسونه يفسح امامه السبيل ويمهد له الطريق للخطأ ويرصد امامه سبل الصدق والصراحة. وفي مثل هذه الحالة ستكونون انتم المسؤولون عن العواقب السلبية لسوء تربية ابنائكم.
ان التزامكم الاخلاقي والايماني وتمسككم بالاخلاص في القول والعمل يعتبر درساً قيماً يأخذه عنكم الاطفال وسيكون عاملاً مؤثراً في استنقاذه من أمثال هذه البلايا. 12 ـ التخلي عن العناد : انتم تعلمون ان الطفل قد يعمد أحياناً الى تناول طعام منع عليه تناوله ، والبقع الموجودة على ثيابه ورائحة فمه تثبت انه قام بهذا العمل ، الا انه ينكر ان يكون قد فعل ذلك وان إصراركم على استحصال الاعتراف منه سيزيد من عناده واصراره على الانكار. ولهذا عليكم عدم التمادي في الاصرار اكثر من ذلك ؛ لأن هذا الموقف يخجله لانه يتسم بالحساسية المفرطة. وفي حالة اصراره على الانكار ، عليكم ان لاتحاولوا وصفه بصفة الكذب. فالوضع حالياً تجاهل القضية ، وبعد ذلك تنبيهه الى خطئه في وقت لاحق. من هم الأكثر كذباً ؟ تظهر التحقيقات ان الكذب اكثر انتشاراً بين الفئات التالية : 1 ـ الاشخاص الذين يمتازون بالضعف وحدة المزاج وسرعة الإثارة او المصابين بالهوس والاهواء غير المتزنة. (385)
2 ـ الاشخاص الذين يفتقدون الشجاعة والرزانة الكافية وتستحوذ عليهم هواجس الجبن والتردد.
3 ـ عند الاشخاص الاكثر ميلاً لاجتذاب انظار ومحبة الآخرين. 4 ـ اولئك الذين تستحوذ عليهم دوافع الحاجة ويصعب عليهم بلوغ الهدف. 5 ـ الذين تفرض عليهم تكاليف شاقة تفوق طاقاتهم. 6 ـ ضعاف الايمان والذين يخضعون لسلطان الآخرين وضغوطهم. 7 ـ الذين عاشوا الحرمان والفوضى في عهد طفولتهم ولم يخطوا بالعطف والرعاية الكافية. 8 ـ واخيراً الافراد الذين لم يلقوا نصيبهم من التربية. (386)
توجيهات للوالدين والمربين :
إن اتباع بعض طرق الاصلاح للقضاء على ظاهرة الكذب عند الاطفال ، اما ان تكون قليلة التاثير اوان تكون عديمة التأثير بالمرة ؛ بل وقد تتولد عنها في بعض الحالات نتائج سلبية وآثار معكوسة وخاصة من أمثال الاساليب التالية : 1 ـ كثرة اللوم والتوبيخ. 2 ـ القسوة والعقوبة الشديدة الى درجة الايذاء 3 ـ اتهامه بالكذب ونعته بهذه الصفة والانتقاص منه امام الآخرين. 4 ـ عدم بذل الحنان والمحبة له ، وكذلك سلب الثقة منه. 5 ـ ايكال الطفل الى نفسه على أمل ان يحقق لنفسه الاصلاح الذاتي تلقائياً. وعلى كل حال من الضروري تقصي اسباب ومكامن معاناته ومعالجتها جذرياً ، وبناء علاقتنا معه على التفاهيم وحسن النية ، وفي جميع الأحوال فهو ابنكم ، وشأنه شأن اعواد المنبر ، فهي لايمكن حرقها ولايمكن رميها بعيداً والتخلص منها ، بل تجب معالجته واصلاح ما به من خلل. |
|||
|