الجهة الثالثة : وهي عمدة ما ركزعليه في كلماتهم : في انه هل يظهر
(30 )
من الرواية ارتباط قوله (لا ضرر ولا ضرار)، بالحكم فيها بثبوت الشفعة للشركاء
أم لا؟ وعلى التقدير الاول فهل هناك قرينة خارجية توجب رفع اليد عن هذا
الظهور أم لا؟
ووجه العناية بهذا البحث : انه لو ارتبطت جملة (لا ضرر ولا ضرار)
بالحكم بثبوت الشفعة، فإن ذلك يقتضي عدم إمكان تفسير هذه الجملة بما
استظهره بعضهم منها من ارادة النهي التحريمي فقط ، ولذا أصرجماعة منهم
على عدم الارتباط بينهما أولهم العلآمة شيخ الشريعة (قده ) حيث قال في
رسالته
(1) وهو يشرح منشا ميله النفسي الى ذلك : إن الراجح في نظري
القاصر إرادة النهي التكليفي من حديث الضرر، وكنت استظهر منه - عند
البحث عنه في اوقات مختلفة - إرادة التحريم التكليفي فقط ، إلا أنه يمنعني
عن الجزم بذلك حديث الشفعة وحديث النهي عن منع فضل الماء، حيث
إن اللفظ واحد ولا مجال لارادة ما عدا الحكم الوضعي في حديث الشفعة ،
ولا التحريم في منع فضل الماء بناء على ما اشتهرعند الفريقين من حمل
النهي على التنزيه ، فكنت أتشبث ببعض الأمور في دفع الاشكال ، الى أن
استرحت في هذه الاواخر وتبين عندي ان حديث الشفعة والناهي عن منع
الفضل لم يكونا حال صدورهما من النبي صلى الله عليه وآله مذيلين
بحديث الضرر، وان الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين روايتين
صادرتين عنه صلى الله عليه وآله في وقتين مختلفين .
واضاف قده : وهذا المعنى وإن كان دعوى عظيمة وأمرا يثقل- تحمله
على كثيرين ويأبى عن تصديقه كثير من الناظرين إلآ انه مجزوم به عندي .
وقد وافقه في هذا الادعاء جمع منهم المحقق النائيني والاصفهاني
____________
(1) رسالة لا ضرر ولا ضرار: 28 .
(31 )
قدس سرهما
(1) وقد وافقاه في كيفية الاستدلال على ذلك ايضا في الجملة
كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والكلام يقع تارة في تحقيق ظهور الرواية وأخرى في ملاحظة القرائن
الخارجية فهنا بحثان :
اما البحث الأول : لا اشكال ظاهرا في ظهور سياق الحديث في
الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة للشركاء وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار،
وقد اعترف بذلك جمع ممن اصروا على عدم الارتباط بينهما بحكم القرائن
الخارجية كالعلامة شيخ الشريعة والمحقق النائيني قدس سرهما، ولكن
لتوضيح الامر لابد من ملاحظة نقطتين :
النقطة الأولى : في تعيين فاعل (قال ) في الجملة الثانية أي (وقال لا
ضرر ولا ضرار) فإن المحتمل في ذلك ابتداءً وجهان :
1- أن يكون هو النبي صلى الله عليه وآله ويكون قوله (قال ) عطفا
على قوله (قضى رسول الله ).
2 - ان يكون هو الامام الصادق عليه السلام ويكون قوله (قال ) عطفا
على قوله (قال قضى رسول الله ) ويكون مقصوده عليه السلام من اضافة هذه
الجملة على حكاية قضاء النبي صلى الله عليه وآله في الجملة الأولى بيان
حكمة تشريع الشفعة،كما أن مقصوده عليه السلام باضافة الجملة الثالثة
توضيح معنى الشركاء في الجملة الأولى وبيان أن المراد به المالك للكسر
المشاع كما ذهب اليه المحدثون من العامة، خلافا لغيرهم ممن ذهبوا الى
ثبوت حق الشفعة للشريك المقاسم والجار ونحوهما .
____________
(1) رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني ص 194 ، نهاية الدراية للمحقق
الا صفهاني 2 | 322 .
(32 )
والظاهر من الحديث هو الوجه الاول أما (اولا) فلأن الظاهر من الرواية
أن (قال ) في الجملة الثانية معطوف على أقرب فعل سبقه مما يصبح أن
يكون معطوفا عليه وهو( قضى ) لا على ما قبله وهو( قال ) في الجملة الاولى ،
وأما (ثانيا) فلمعروفية صدور هذه الجملة (لا ضرر ولا ضرار) عن النبي صلى
الله عليه وآله لدى الفريقين مما يوجب انصراف القول اليه صلى الله عليه
وآله ما لم يصرح بخلافه .
ويقوى ظهور الحديث في هذا الوجه بناء على رواية الفقيه من اسناد
الجملة الثالثة الى الصادق عليه السلام ، فإنه لوكان قائل الجملة الثانية هو
الصادق عليه السلام أيضأ لما كان هناك وجه لتغيير سوق الكلام في الجملة
الثالثة دون الثانية بل كان العكس هو الانسب ، فالتصريح في الجملة الثالثة
بعد الاضمار في الجملة الثانية يعيّن كون القائل في الجملة الثانية هو النبي
صلى الله عليه وآله .
إلا ان الشأن في اثبات وقوع التصريح بالقائل في الجملة الثالثة من
هذه الرواية بمجرد نسخة الفقيه إذ لم يرد في نقل الكافي والتهذيب ، ولا
يمكن ترجيح نسخة الفقيه على نسختهما إلا بناءً على تقديم اصالة عدم
الغفلة في جانب الزيادة على اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة ولكن هذا
لم يثبت بدليل واضح كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
هذا مع ان الجملة الثالثة منقولة في كتب العامة عن النبي صلى الله
عليه وآله م يضا فيقوى احتمال ان يكون اسنادها الى الصادق عليه السلام
في نسخة الفقيه اجتهادا من الصدوق (قده )أو بعض من تقدمه من الرواة .
وربما يرجح الاحتمال الثاني في الرواية - أي كون فاعل قال في
الجملة الثانية هو الصادق عليه السلام - بان الفيض الكاشاني نقل في
(33 )
الوافي
(1) قوله (قال ) من الجملة الثانية معقبا بقوله عليه السلام ، وهذا يناسب
كون القائل هو الامام عليه السلام لا النبي صلى الله عليه وآله وإلا لقال
صلى الله عليه وآله كما هو المعهود بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله
في الروايات .
ولكن يرد عليه اولا بأنه لم يعلم وجود هذه الجملة أي عليه السلام في
نقل عقبة بن خالد فربما كانت اضافة من النساخ أو من صاحب الوافي (قده )
استظهاراً، وثانياً إن استعمال جملة عليه السلام بالنسبة الى النبي صلى الله
عليه وآله مذكور في بعض الموارد
(2) كما يظهر ذلك بالتتبع فلا ينبغي أن يعد
ذلك مرجحا للاحتمال الثاني .
فتلخص مما ذكرناه أن الرواية ظاهرة في كون قائل الجملة الثانية
- كالأولى - هو النبي صلى الله عليه وآله .
النقطة الثانية : في انه بعد ما ثبت أن الجملة الثانية كالأولى من كلام
النبي صلى الله عليه واله فينبغي أن يبحث هل ان الجمع بينهما من قبيل
الجمع في الرواية أي أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين قضائه بثبوت
الشفعة للشركاء وبين قوله (لا ضرر ولاضرار)،أو انه من قبيل الجمع في
المروي فيكون من قبل الامام عليه السلام أو الراوي ؟ .
ففي المقام ثلاثة احتمالات :
1-أن يكون الجمع من قبل النبي صلى الله عليه وآله .
2 - أن يكون من قبل الامام عليه السلام .
3 - أن يكون من قبل الراوي عنه .
____________
(1) الوافي مجلد 3 جزء 103|10
(2) الفقيه4 | 258 وفي الوسائل 30 : 150 واعلم انه إذا أطلق في الرواية لفظ (قال عليه
السلام ) فالمراد به النبي . . . الخ .
(34 )
والفارق بين هذه الاحتمالات انه على الاحتمال الأخير لا يجب فرض
ترابط بين مضمون الجملتين فإنهما - على هذا الاحتمال - روايتان مختلفتان
جمع الراوي بينهما في النقل .
وأما على الاحتمالين الأولين حيث يكون الجمع من قبل النبى صنى
الله عليه وآله أو الامام عليه السلام فلا بد من فرض ترابط بينهما في المفاد
كما هوواضح فإنه إذا كان الجمع من قبل النبي صلى الله عليه وآله فلا بد
ان يفرض ان الجملة الثانية تتكفل لبيان حكمة تشريع الشفعة، وكذا إذا كان
الجمع من قبل الامام عليه السلام فإنه لا بد ان يفرض ان اضافة الجملة
الثانية جاءت بيانا لحكمة التشريع أو بغرض تأييد ثبوت الجملة الأولى عن
النبي صلى الله عليه وآله بانسجامها مع القول المعروف عنه من انه (لا
ضرر ولا ضرار) من باب التطبيق لقاعدة الأخذ بشواهد الكتاب والسنة في
تقويم الأحاديث كما صرحت بذلك الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت
عليهم السلام
(1) .
هذه هي الاحتمالات المتصورة . وأما الترجيح بين هذه الاحتمالات :
فالظاهر ان اضعفها الاحتمال الاخير أي احتمال كون الجمع بين الجملتين
من قبل الراوي ، إذ لو كان كذلك لكرر كلمة (قال ) مرتين عند نقله الجملة
الثانية حتى يقع قول النبي صلى الله عليه وآله هذا مقولا لقول آخرمن الامام
عليه السلام ، فظاهر عدم تكرار لفظة (قال ) ان قوله صلى الله عليه وآله
____________
(1) وقد عقد في الكافي 1 |55 باباً لذكر هذه الروايات كما فعل من قبله البرقي في المحاسن ،
وقد بحث السيد الاستاذ مد ظله عن مفاد هذه الاخبار في ابحاثه الاصولية في بحث حجية
الخبر الواحد وتعارض الادلة الشرعية وانتهى الى تفسيرها بتفسير مختلف عن التفسير
المتعارف لدى المتاخرين وهو انها تنيط اعتبار الحديث - وإن كان صحيحا سندا - بانسجام
محتواه مع المبادىء الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة وسيأتي لهذا توضيح في الفصل الثالث
من هذا الكتاب .
(35 )
وقضاءه معأ كانا مقولين لقول واحد من الامام عليه السلام مما يعني ان الجمع
بينهما إنما كان من قبله عليه السلام إما ابتداءً أوتبعاً لجمع النبي صلى الله
عليه وآله بينهما .
وبعد سقوط الاحتمال المزبور يدور الأمر بين الاحتمالين الأولين ولعل
اقربهما هو الاحتمال الأول أي كون الجمع بين قضاء النبي صلى الله عليه
واله وقوله إنما جاء من قبله صلى الله عليه وآله نفسه .
البحث الثاني : في أنه بعد أن ثبت ان مقتضى ظاهر الحديث هو
الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار فهل هناك
قرائن خارجية توجب رفع اليد عن الظهور المذكور وتثبت أن الجمع بين
الجملتين إنما كان من قبل الراوي للحديث - وهو عقبة بن خالد ـ أم لا؟
قولان :
ذهب الى الأول العلامة شيخ الشريعة ووافقه فيه جمع ممن تاخر عنه
فقالوا ان هناك قرائن تشهد على ان الجمع بين الجملتين إنما جاء من قبل
عقبة بن خالد،وانه لا ارتباط بين كبرى لا ضرر ولا ضرار والحكم بثبوت
الشفعة للشركاء في الأرضين والمساكن .
ولكن الصحيح عندنا هو القول الثاني لعدم تمامية تلك الشواهد
المدعاة بل هناك بعض القرائن المساندة لظهور الحديث في الارتباط بين
الجملتين .
منها ان كون الجمع بينهما من قبل الراوي لا ينسجم مع تكرار (لا
ضرر ولا ضرار) بعد حديث منع فضل الماء - كما سيأتي في القضية الثالثة -
فإنه لو كان عقبة بن خالد هو الذي اتبع ذكر قضائه صلى الله عليه وآله
بالشفعة بحديث آخر عنه صلى الله عليه وآله هو حديث (لا ضرر ولا ضرار)
فلماذا كرر ذكر هذا الحديث مرة أخرى بعد حديث منع فضل الماء؟ وأي
(36 )
مبرر لهذا التكرار ما دام يفترض عدم الارتباط بينه وبين ذينك الحديثين - أي
حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء -، فالتكرار المذكور قرينة واضحة
على ان تعقيب حديث الشفعة بحديث لا ضرر إنما كان لأجل الارتباط
بينهما بملاحظة الجمع بينهما من قبل النبي صلى الله عليه وآله أو الامام
عليه السلام .
وأما ما يمكن أن يستشهد به للقول الأول فوجوه :
الوجه الأول : ما ذكره العلامة شيخ الشريعة(قده ) في رسالته
(1)قائلا :
يظهر بعد التروي والتأمل التام في الروايات أن الحديث الجامع لأقضية
رسول الله صلى الله عليه واله وما قضى به في مواضع مختلفة وموارد متشتتة
كان معروفا ،عند الفريقين .
أما من طرقنا فبرواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام .
وأما من طرق أهل السنة فبرواية عبادة بن الصامت فقد روى أحمد بن
حنبل في مسنده الكبير الجامع لثلاثين الف عن عبادة بن الصامت
(2) قال إن
من قضاء رسول الله أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار. .
وقضى في الركاز الخمس ، وقضى إن ثمر النخل لمن أبرها إلأ أن يشترط
المبتاع . . .
وقد نقل (قدس سره )هذا الحديث بطوله وهو يشتمل على عشرين
قضاءاً، وجاء في السادس منها (وقضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين
والدور) ، وجاء في الخامس عشرمنها (وقضى أن لا ضررولا ضرار) ، كما جاء
في السابع عشر والثامن عشر منها (وقضى بين أهل المدينة في النخل : لا
____________
(1) رسالة لا ضرر ولا ضرار: 28 - 34 .
(2) روي حديث عبادة هذا في صحيح أبي عوانة والمعجم الكبير للطبراني ايضا كما جاء في
مختصركنز العمال بهامش مسند احمد 2 | 203 .
(37 )
يمنع نقع بئروقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل
الكلأ)(1).
وقال رحمه الله بعد نقل الحديث (وهذه الفقرات كلها أو جلها مروية
من طرقنا، موزعة على الأبواب وغالبها برواية عقبة بن خالد وبعضها برواية
غيره ، وجملة منها برواية السكوني ، والذي اعتقده انها كانت مجتمعة في
رواية عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام إلا ان أئمة الحديث فرقوها
على الأبواب ) .
ثم تعرض (قده )لتخريج هذه . القضايا من طرقنا إلأ انه لم يخرج من
القضايا العشرين التي وردت في خبر عبادة سوى اثني عشر،منها سبعة عن
عقبة بن خالد - وهي ثلاثة موارد مضافا الى الموارد التي ذكرناها مما اختلف
فيه النقلان - وخمسة لم يذكر الراوي لها .
ثم قال ره : قد عرفت بما نقلنا مطابقة ما روي في طرق القوم مع ما
روي من طرقنا من غير زيادة ونقيصة، بل بعنوان تلك الالفاظ غالبا إلأ
الحديثين الاخيرين المرويّين عندنا من غير زيادة قوله (لا ضرر ولا ضرار)
وتلك .المطابقة بين الفقرات مما يؤكد الوثوق بان الاخيرين أيضأ كانا
مطابقين لما رواه عبادة من عدم التذييل بحديث الضرر، وأن غرض الراوي
انه صلى الله عليه وآله قال كذا وقال كذا، لا انه كان متصلا به وفي ذيله مما
يرجع الى انه كان حديث الشفعة مذيلا بحديث الضرر وكذلك الناهي عن
منع فضل الماء واسقطهما عبادة بن الصامت في نقله وانه روى جميع
الفقرات مطابقة للواقع إلآ الفقرتين من غير خصوصية فيهما، ولا تصور نفع
له أو ضرر عليه في النقل للذيل وتركه .
ثم قال قده : وبعد هذا كله : فظهور كون هذا الذيل متصلا بحديث
____________
(1) مسند أحمد5: 326-327 .
(38 )
الشفعة حال صدوره ليسم ظهورا لفظيا وضعيا لايرفع اليد عنه إلا بداع قوي
وظهور اقوى، بل هو ظهور ضعيف يرتفع بالتأمل فيما نقلناه ،سيما مع ما علم
من استقراء رواياته - أي روايات عبادة - من اتقانه وضبطه وما صرحوا به انه
كان من اجلاء الشيعة .
ثم ذكر (ره ) بعض ما يدل على جلالة عبادة وشهادته المشاهد مع النبي
صلى الله عليه وآله ورجوعه بعده الى أمير المؤمنين عليه السلام .
وملخص ما أفاده ( قدس سره ) انه وإن كان ظاهر رواية عقبة ان كبرى لا
ضرركانت ذيلا لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء في مرحلة سابقة على نقل
عقبة إلأ انه يجب رفع اليد عن هذا الظهور الذي هو ضعيف اساساً بملاحظة
ان اقضية النبي صلى الله عليه وآله قد رويت بطريق العامة عن عبادة بن
الصامت ولم يذكر فيها هذه الكبرى ذيلا لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء بل
جاء ذكرها قضاء ا مستقلا،وحيث ان عقبة بن خالد قد روى ايضا اقضية النبي
صلى الله عليه وآله -كما يدل على ذلك وجود جملة منها منقولة عنه في
الجوامع الحديثية الموجودة بايدينا - والمظنون انها كانت مجتمعة في روايته
وإنما فرقها أصحاب الكتب ليلحقوا كل قضية ببابها فيستنتج من ضم هذا
الى ذاك أن الجمع بين حديثي الشفعة ومنع فضل الماء وحديث لا ضرر في
رواية عقبة إنما هو من قبيل الجمع في الرواية على حذو ذلك في حديث
عبا دة .
هذا ملخص كلامه قدس سره في هذا الوجه وقد وافقه عليه جمع من
المحققين (1).
ولتحقيق ما أفاده (ره ) لا بد من البحث :
____________
(1)لاحظ رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني : 194 ، ونهاية الدراية للمحقق
الاصفهاني 2 | 322 .
(39 )
اولا عن مدى اعتبار أصل حديث عبادة بن الصامت .
وثانيا عما يقتضيه الموقف في الحكم بينه وبين حديث عقبة بن خالد
فهنا جهتان :
الجهة الأولى : في اعتبار حديث عبادة وعدمه ، ويلاحظ بهذا الشأن أمور :
الأول : أنه لو ثبتت وثاقة عبادة بن الصامت - كما ذكره العلامة شيخ
الشريعة قده - فلا طريق لنا لاثبات وثاقة غيره من رجال سند الحديث
المذكور، لأنهم من رجال العامة غير المذكورين في كتبنا ، فلا تجدي وثاقة
عبادة وحده في إمكان الاعتماد على حديثه هذا بعد عدم نقله بطريق معتبر
عندنا .
الثاني : إن هذا الحديث لم تثبت صحته حتى عند العامة الذين رووه
واثبتوه في كتبهم فإنه حديث مرسل منقطع الاسناد كما تعرض لذلك جملة
من علمائهم فإن إسحاق الراوي عن عبادة بن الصامت حديثه هذا لم يدركه ،
كما نص على ذلك البخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم
(1) .
الثالث : إن ما ذكره (قدس سره )من معروفية أقضية النبي صلى الله عليه
وآله مجتمعة عند العامة برواية عبادة بن الصامت لم يقترن بشاهد اصلا بل
ربما كانت الشواهد على خلافه ، ويظهر ذلك بملاحظة سند الحديث
ومصدره .
أما عن سند الحديث فلأنه قد تفرد بنقل هذه الاقضية مجتمعة عن
____________
(1) كما في تهذيب التهذيب 1 | 224 وتحفة الأشراف 4 : 239 وابن ماجة 2 : 784 ذيل
الحديث 2340 .
(40 )
عبادة : إسحاق بن يحيى وتفرد بروايتها عن إسحاق موسى بن عقبة،
فليس لها حظ من الشهرة الروائية .
وأما عن مصدر الحديث فلأن هذا الحديث لم يوجد بطوله في
مجاميعهم الحديثية المهمة كالصحاح الستة -بل لم ينقل في شيء من
صحاحهم جملة (لا ضررولا ضرار) إلا في سنن ابن ماجة
(1)-كما أن
كثيرا من فقراتها الاخرى غير مذكورة فيها، فكيف يدعى مع ذلك شهرته
ومعروفيته عندهم .
نعم ورد ذكره في مسند احمد وصحيح أبي عوانة ومعجم الطبراني
ولكن هذه الكتب الثلاثة ليست بتلك الأهمية والاعتبار عندهم ، واشهرها
مسند احمد الذي اطلع العلامة شيخ الشريعة على تضمنه لهذا الحديث ،
غير ان المسند تدور حوله جملة من الشبهات :
(منها) انه بصورته المعروفة ليس من جمع احمد بن حنبل ولذا لم
يروه عنه تلامذته من غير أهل بيته وإنما نقله عنه أهل بيته خاصة سيما ابنه
عبدالله ، فعن شمس الدين الجزري : إن الامام احمد شرع في جمع المسند
لكنه في أوراق متناثرة وفرقه في اجزاء منفردة على نحو ما تكون المسودة ثم
توقع حلول المنية قبل حصول الأمنية فبادر باسماعه لاولاده وأهل بيته ومات
قبل تنقيحه وتهذيبه فبقي على حاله ثم جاء بعده ابنه عبدالله فالحق به ما
يشاكله وضم اليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله
(2).
ومنها : ان المسند الموجود بايدينا ليس جميعه من رواية احمد بل لابنه
____________
(1) سنن ابن ماجة2 | 784 | 2340 و1431 .
(2) تاربخ المذاهب الإسلامية محمود أبو زهرة 2 | 524 ـ 525 .
(41 )
عبدالله فيه اضافات كثيرة قيل إنها نحو عشرة الآف
(1)، كما قيل إن لأحمد
ابن جعفر القطيعي الراوي عن ابنه عبدالله بعض الزيادات
(2). وربما كانت
روايتنا هذه مما الحقه عبدالله بن احمد بمسند ابيه
(3) فإنه رواها أولاً عن غير
أبيه قال حدثنا أبوكامل الجحدري ، حدثنا الفضيل بن سليمان قال : (حدثنا
موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن
عبادة قال : إن من قضاء رسول الله صلى الله عليه واله . . . الخ ، ثم نقلها
عن أبيه ، عن الصلت بن مسعود، عن الفضيل بن سليمان . . . الخ ).
الجهة الثانية : في المقارنة بين حديث عبادة بن الصامت وحديث عقبة
ابن خالد وأنه هل ينبغي توجيه الثاني بما يوافق الاول من حيث كون حديث
لا ضرر ولا ضرار قضاءً مستقلاً لا ربط له بحديث الشفعة ولا بغيره -كما
صنعه العلامة شيخ الشريعة (قده ) - أم لا،لعدم تمامية ما افاده بهذا الصدد؟
الظاهر هو الثاني لعدة ملاحظات :
أولاها : ما تقدم بيانه آنفاً من أن حديث لا ضرر مذكور في رواية عقبة
مرتين : تارة عقيب حديث الشفعة واخرى عقيب حديث منع فضل الماء ، ولا
يمكن تخريج ذلك مع البناء على أنه كان قضاء مستقلا في رواية عقبة-كما
هو كذلك في رواية عبادة- فإنه لا معنى لتكرار قضاء واحد في مجموعة
واحدة ، فتكرر جملة لا ضرر ولا ضرار خير دليل على كونها مرتبطة بالحديثين
المذكورين قبلها وذيلا لهما، ولو كانت قضاء مستقلا لاقتصر عقبة على
____________
(1 و 2) علوم الحديث ومصطلحه لصبحي صالح : 395 .
(3) ومن هنا نسب جماعة من علماء العامة هذا الحديث أو بعض قطعه إلى زيادات عبدالله في
مسند أبيه (منهم ) السيرطي في جمع الجوامع -كما جاء في كنز العمال الذي هومرتب جمع
الجوامع 4 | 61 - 62 ح 19 95، و(منهم ) ابن تيمية صاحب منتقى الأخبار، لاحظ نيل
الأ وطار : 5 | 385 و 388 .
(42 )
ذكرها مرة واحده عقيب احدهما كما هو واضح .
ثانيتها : إن الأنسب بمعنى (لا ضرر ولا ضرار) وعده من أقضية النبي
صلى الله عليه وآله أن يكون قد القي في مورد خاص - كما ورد في رواية
عقبة -لا أن يكون كلاماً مستقلاً قد ألقي ابتداءً كما تضمنه حديث عبادة،
وسيأتي لهذا توضيح في الجواب عن الوجه الثاني .
ثالثتمها: إنه لم يثبت ما ذكره قدس سره من أن عقبة بن خالد قد روى
اقضية النبي صلى الله عليه واله مجتمعة-كما فعل عبادة -ليتم ما استظهره
(قده ) بناءً على ذلك من ان الجمع بين حديث لا ضرر وحديث الشفعة جاء
نتيجة للجمع بين اقضية النبي صلى الله عليه وآله في رواية عقبة لا لكونه
ذيلا له كما يوهمه ظاهر روايته .
فإن الذي ثبت روايته عن عقبة من القضايا العشرين التي رواها عبادة
إنما هي سبع قضايا فقط ، وهذا المقدار لا يدل بوجه على ما ادعاه (ره ) من
ان عقبة نقل أو تصدى لنقل اقضية النبي صلى الله عليه وآله مجتمعة .
ومن الغريب ما افاده ( قده ) من معروفية الاقضة المذكورة لدى
الخاصة عن طريق عقبة رغم انحصار الراوي عنه بمحمد بن عبدالله بن
هلال ، وعدم ثبوت نقله لأغلبها ، وعدم رواية المنقول منها مجتمعا في شيء
من مصادر الحديث الموجودة بايدينا . .
فدعوئ اشتهار اقضية النبي صلى الله عليه وآله لدى الخاصة من
طريق عقبة تماثل دعوى اشتهارها لدى العامة من طريق عبادة الذى تقدم بيان
ضعفه .
رابعتها: إنه (قدس سره ) استبعد تذييل قضاء النبى صلى الله عليه
وآله في موردي حديث الشفعة ومنع فضل الماء بكبرى (لا ضرر ولا ضرار)
مع عدم رواية عبادة لها قائلا ان لازم ذلك أنه روى جميع فقرات الحديث
(43 )
مطابقة للواقع إلآ الفقرتين من غير خصوصية فيهما ولا تصور نفع له أو ضرر
عليه في النقل للذيل وتركه .
ولكن هذا الاستبعاد في غير محله ، لأن مجرد عدم تصور نفع له في
الترك أو ضرر عليه في النقل لا يقوم حجة على عدم وجود الذيل واقعا، إذ
ترك نقل بعض الحديث قد ينشأ من عدم العناية به أو عدم التنبه له أو
نسيانه . . . الى غير ذلك من العوامل والاسباب ولا ينحصر بالنفع والضرر
الشخصي .
خامستها : إن احاديثنا اوثق - نوعا - في كيفية النقل من احاديث العامة
واقرب الى الصحة والاعتبار، وذلك مما اوضحناه في مبحث (تاريخ تدوين
الحديث ) من مباحث حجية خبر الواحد من ان تدوين الاحاديث عند العامة ،
قد تاخر عن عصر صاحب الرسالة صلى الله عليه واله بما يزيدعلى مائة عام ،
مما استتبع ذلك اتكاء رواتهم على الحفظ في نقل الروايات ، ومعلوم ان ذلك
يفضي في حالات كثيرة الى إهمال خصوصيات الكلام ، لأن ذاكرة الرواة
غير المعصومين لا تستوعب عادة جميع خصوصيات الرواية وملابساتها .
وهذه العلة لا توجد في رواياتنا بالشكل الذي يوجد في روايات العامة ،
لأن رواياتنا متلقاة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ؤخصوصا الصادقين
عليهما السلام ، وقد تم تاليف الكثير من الاصول والكتب والمصنفات في
عصرهما.
وعلى ضوء هذا فلا يستبعد في المقام أن يكون عدم ذكركبرى لا ضرر
ولا ضرار- في رواية عبادة - في ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء ، وذكرها
مستقلا مستندا الى توهم بعض رواة تلك الرواية كونها قضاء ا مستقلا،
ويكون ذكرها في رواية عقبة في ذيل الحديثين استدراكا من الامام عليه
السلام لما فات رواة العامة من الحديث ، وتكميلا لما حدث فيه من النقص .
(44)
فعلى هذا الاساس فرواية عقبة أحق بالاعتماد من حديث عبادة في
كيفية النقل .
هذا كله مضافا الى أن المقام داخل في كبرى دوران الأمر بين الزيادة
والنقيصة، إذ يدور أمر حديثي الشفعة ومنع فضل الماء بين أن يكونا مشتملين
على كبرى لا ضرر ولا ضرار-كما في رواية عقبة - وعدمه -كما في رواية
عبادة -، ومقتضى ما ذهب إليه العلامة شيخ الشريعة (قدس سره ) من ترجيح
جانب الزيادة في امثال ذلك هو ترجيح رواية عقبة لا عبادة .
نعم ،هذا لا يتجه على المختار-على ما سيأتي توضيحه -من عدم
ثبوت ترجيح جانب الزيادة عند دوران الامر بينها وبين النقيصة بل العبرة في
الترجيح بتوفر القرائن والمناسبات التي تورث الاطمئنان .
ولا يبعد ثبوت
الزيادة إذا كانت جملة تامة الدلالة مع ورودها في خبر صحيح .
وكيف كان فقد ظهر بما تقدم عدم تمامية هذا الوجه الذي ذكره (قده )
كقرينة خارجية على كون الجمع بين حديثي الشفعة ومنع فضل الماء وكبرى
لا ضرر من قبل الراوي .
الوجه الثاني : ما افاده المحقق النائيني (قدس سره )
(1) من انه لو كان
- لا ضرر ولا ضرار- من تتمة قضية أخرى في رواية عقبة لزم خلو رواياته
الواردة في الاقضية عن هذا القضاء، الذي هو من اشهر قضاياه صلى الله
عليه وآله لأنه لوكان تتمة لقضية أخرى لا يصح عده من قضاياه صلى الله
عليه وآله مستقلا .
ويرد عليه :
اولاً: إنه لم يثبت كون هذا القضاء من أشهرقضاياه صلى الله عليه
____________
(1) رسالة لاضرر تقريرات المحقق النائيني : 194 .
(45)
وآله في العصر الأول ، وقياس العصور المتأخرة بالعصر الأول في غير محله .
وثانياً: إن ما ذكره (ره ) مبني على أن عقبة بن خالد قد روى جميع
أقضية النبي صلى الله عليه وآله أو معظمها، فيقال حينئذ إنه إذا كان قد أورد
(لا ضرر) في ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء، فهذا يعني أنه قد فاته
أن ينقل قضاء ا مستقلا من اشهرأقضية النبي صلى الله عليه وآله مع أنه نقل
معظم أقضية النبي صلى الله عليه وآله وهوبعيد.
ولكن قد ذكرنا فيما سبق إنه لم تثبت رواية عقبة إلا للقليل من أقضية
النبي صلى الله عليه وآله فلا يتجه الاستبعاد المذكور.
وثالثاً : أن كون (لا ضرر) قضاء ا لا ينافي وقوعه في ضمن مورد خاص
حتى يرجع عدم نقله في غير ذلك المورد من قبل عقبة الى عدم نقله له
كقضاء، بل يمكن أن يقال إن الانسب بعدّه قضاءاً أن يكون قد القي في
واقعة خاصة لا ابتداءاً، لأن الكلام الابتدائي لا يعبر عنه إنه من قضايا
المتكلم بل يقال إنه من حكمه أو من جوامع كلمه .
ويشمهد لهذا كلمات بعض متقدمي الأصوليين كالشيخ في العدة
والشهيد في تمهيد القواعد حيث ناقشا في استفادة العموم من الروايات
المتضمنة لقوله (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله . . . ) على أساس أنها
تحكي عن أحكام ذكرت في موارد جزئية فلا يمكن أن يستفاد منها العموم ،
وأنها من جوامع كلمه صلى الله عليه واله بل هي قضاء في مورد خاص .
قال الشيخ في العدة - بعد ما فرق بين عبارة (قضى رسول الله صلى
الله عليه وآله بالشاهد واليمين ) وبين عبارة (قضى أن الخراج بالضمان وإن
الشفعة للجار)، بانه يفهم من الأول حكاية فعل له صلى الله عليه وآله لا
غير، ولكن السابق الى الفهم من الاخير أنه صلى الله عليه وآله قال ذلك
قولأ لا انه عمل به فحسب - قال : إلآ أنه وإن كان كذلك فهولا يقتضي صحة
(46 )
التعلق به لأنه لا يعلم إنه قال ذلك بلفظ يقتضي العموم ، أو بقول يقتضي
الخصوص ويفيد الحكم في تلك العين ، وإذا كان كذلك صار مثل الأول
في انه ينبغي أن يلحق بالمجمل ، وإذا ثبتت هذه الجملة فيما روى انه قضى
بالشاهد واليمين وان الخراج بالضمان لما قلناه ، إلآ أن يدل - دليل على الحاق
غيره به فيحكم به
(1) .
وقال الشهيد الثاني في تمهيد القواعد
(2): قول الصحابي مثلا انه نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع الغرروقضى بالشاهد واليمين ، لا يفيد
العموم على تقدير دلالة المفرد المعرف على العموم ، لأن الحجة في
المحكي وهوكلام الرسول لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصا
فيتوهم عاما، وكذا قوله (سمعته يقول قضيت بالشفعة للجار) لاحتمال أن
تكون (ال ) للعهد، كذا قال في المحصول وتبعه عليه مختصروا كلامه
وغيرهم من المحققين ، الى آخر ما ذكره في ذلك .
الوجه الثالث : ما أشار اليه المحقق النائيني (قده ) واوضحه السيد
الاستاذ (قدس سره ) من أن حديث لا ضرر إنما يمكن اعتباره ذيلا لحديث
الشفعة إذا كان مصححا لجعل حق الشفعة بجسب مفاده ومحتواه ، ولكنه
ليس كذلك لأن مفاده هو نفي الحكم الضرري اما ابتداء ا أو بلسان نفي
الموضوع ، والضرر في مورد ثبوت حق الشفعة إنما يأتي من قبل بيع الشريك
حصته ، فلو كان ذلك موردا لقاعدة (لا ضرر) لزم الحكم ببطلان البيع ، ولو
كان الضرر ناشئا من لزوم البيع لزم الحكم بثبوت الخيار بان يكون له حق رد
المبيع الى البائع ، واما جعل حق الشفعة له لجبران الضرر وتداركه بان ينقل
المبيع الى ملكه فهو انما يكون مستندا الى قاعدة (لا ضرر) إذا كانت دالة
____________
(1) عدة الأصول 1 |147 مخطوط .
(2) تمهيد القواعد ذيل القاعدة (57) .
(47)
على جعل حكم يتدارك به الضرر ولكنها لا تدل على ذلك وإنما تدل على
نفي الحكم الضرري
(1).
ويلاحظ عليه :
أولأ: إن ايراد هذه القاعدة بعد حديث الشفعة باعتبارتناسب الجملة
الثانية منها أي قوله صلى الله عليه وآله (لا ضرار) مع حق الشفعة بان تكون
حكمة لجعل حق الشفعة - على ما سيأتي توضيحه في الجواب عن الوجه
الرابع - وعلى هذا فلا يتوقف ارتباط القاعدة بحديث الشفعة على تفسير (لا
ضرر) بوجه يقتضي جعل الحكم الذي يتدارك به الضرر لكي يقال إن حديث
لا ضرر لا يدل على ذلك .
وثانيا : إن مرجع الوجه المذكور الى انه لما كان المختارفي معنى (لا
ضرر) هو نفي الحكم الضرري دون غيره من المعاني التي سيأتي البحث
عنها، وهو لا يناسب الترابط بين الجملتين على ما هوظاهر الكلام ، فلا بد
من رفع اليد عن هذا الظهور واعتبار الجمع بينهما من قبيل الجمع في
الرواية ، وهذا الكلام لا يخلو عن غرابة ،لأنه يمكن أن يقال بأن نفس ورود
هذه الجملة في ذيل حديث الشفعة قرينة على كون معناها غير نفي الحكم
الضرري ، ولا وجه لاختيار معنى للجملة مسبقاً كأصل مفروض من دون
ملاحظة القرائن المحتفة بها، ثم الاعتراض على ترابط الجملة مع حديث
الشفعة بعدم انسجام ذلك مع هذا المعنى ، واستكشاف كون الجمع بينهما
من قبيل الجمع في الرواية، بل الأحرى أن يعكس الأمر فيجعل ظهور
الكلام في ترابط الحديث مع قوله (لا ضرر ولا ضرار) المذكورة ذيلا له من
وجوه ضف استظهار ذلك المعنى من جملة (لا ضرر) كما هو واضح
____________
(1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 195 ، ومصباح الاصول 2 | 521 .
(48 )
وثالثا : إنه لو فرضنا ان قوله (لا ضرر) فى قضية سمرة مثلا بمعنى نفي
الحكم الضرري ، لا بمعنى جعل الحكم الذي يتدارك به الضرر،ولكن لا
مانع من كونه في ذيل حديث الشفعة بهذا المعنى الثاني إذا كان هذا
الحديث بما له من الظهور السياقي لا يساعد مع المعنى الأول ، فيختلف
معناه بحسب اختلاف الموردين ، إذ لا موجب للالتزام بوحدة المراد منه
في جميع الموارد، حتى يكون ظهوره في المعنى الأول في سائر الموارد
مقتضيا لارادته في ذيل حديث الشفعة أيضا ليستلزم ذلك انفصاله عن معنى
ثذا الحديث وسياقه فتدبر.
الوجه الرابع : ما افاده المحقق النائيني (قدس سره ) وذكر بعضه في
كلام السيد الأستاذ (قده ) أيضأ
(1) ، وحاصله :
إن الترابط بين (لا ضرر) وبين جعل حق الشفعة إما بلحاظ كون الأول
علة للثاني ، أو بلحاظ كونه حكمة لتشريعه وكلاهما باطل .
أما الأول : فلأن الضرر إذا كان علة للحكم بثبوت حق الشفعة فلا بد
أن يدور هذا الحكم مداره وجودا وعدمأ، لأن هذا شأن العلة كما في قولنا (لا
تاكل الرمان لأنه حامض)، مع ان هذا غير متحقق في المقام بلا اشكال فإن
الحكم بالشفعة غير محدد بترتب الضرر الشخصي للشريك من البيع ، بل
بين موارد ثبوت حق الشفعة وتضرر الشريك بالبيع عموم وخصوص من وجه ،
فربما يتضرر الشريك ولا يكون له حق الشفعة، كما إذا كان الشركاء أكثرمن
اثنين ، وقد يثبت حق الشفعة بلا ترتب ضرر على أحد الشريكين ببيع الأخر،
كما إذا كان الشريك البائع مؤذيأ وكان المشتري ورعا بارا محسنأ الى
شريكه ، وربما يجتمعان كما هو واضح .
اذأ لا يصح ادراج الحكم بثبوت
____________
(1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني :195 ، ومصباح الاصول 2 | 521.
(49 )
الشفعة تحت كبرى (لا ضرر).
واما الثاني : فلأن وقوع الضرر على الشريك أمر اتفاقي ، وعلة التشريع
وإن لم يعتبر كونها أمراً دائمياً ولكنه يعتبر أن تكون امرأ غالبياً أو كثير الوقوع ،
فإن الضرر الاتفاقي ليس بتلك المثابة من الأهمية بحيث يجعل له حكم كلي
لئلا يقع الناس فيه .
ويلاحظ عليه أولاً : إن ما ذكر من عدم علية ترتب الضرر بان يكون
تمام الموضوع للحكم بثبوت الشفعة وإن كان تاما إلآ أن ما ذكرمن عدم كونه
حكمة له أيضا في غير محله فإن توجه الضرر الى الشريك بانتقال حصة
شريكه الى شخص آخر ليس امرا نادرأ، بحيث لا يصلح أن يكون حكمة
لتشريع حق الشفعة، بل نفس الشركة في العين بحد ذاتها أمريوجب كون
الشركاء في معرض الضرر ببغي بعضهم على بعض ، كما أشير اليه في الآية
الكريمة
(وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا
وعملوا الصالحات) (1) بناءاً على تفسير الخلطاء بالشركاء المختلطة أموالهم
كما عن جمع من المفسرين .
وقد ابطل في بعض القوانين الحديثة الوقف الذري معللاً بأنه يوجب
ركودالملك وتقليل منافعه وصيرورته مثاراً للاختلاف والتضرر، وقد أفتى جمع
من الفقهاء بجواز بيع الوقف عند اختلاف الموقوف عليهم ، بحيث يخاف منه
تلف الأموال والأنفس.
وقد علل في بعض الروايات عدم ارث الزوجة من العقار بان ذلك
احتراز من تزوجها برجل آخر فيفسد الميراث على أهله ، ففي صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لا ترث النساء من عقار
الدور شيئاً ولكن يقؤم البناء والطوب وتعطى ثمنها أوربعها، قال : وإنما ذلك
____________
(1) سورة ص 38| 24.
(50 )
لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم
(1) .
والحاصل ان دعوى ندرة توجه الضرر الى الشريك من عدم جعل حق
الشفعة له لا يمكن المساعدة عليها .
ويشهد لذلك ان كثيرا من فقهاء العامة قد عللوا ثبوت الشفعة بدفع
الضرر، قال ابن رشد
(2) (ذهب مالك والشافعي وأهل المدينة الى انه لا شفعة
إلآ للشريك ما لم يقاسم ، وقال أهل العراق الشفعة مرتبة فأولى الناس
بالشفعة الشريك الذي لم يقاسم ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق
أو في الصحن شركة، ثم الجار الملاصق ، وقال أهل المدينة لا شفعة للجار
ولا للشريك المقاسم )، ثم قال في ذكر احتجاج أهل العراق (ومن طريق
المعنى لهم أيضا أنه لما كان المقصود بالشفعة دفع الضرر الداخل
من الشركة، وكان هذا المعنى موجودا في الجار وجب أن يلحق به ، ولأهل
المدينة أن يقولوا وجود الضرر في الشركة أعظم منه في الجوار) .
واحتج السيد المرتضى (قده ) على العامة في شمول الشفعة لغير
الارضين لعموم العلة، وقال (ومما يمكن أن يعارضوا به إن الشفعة عندكم
إنما وجبت لازالة الضرر عن الشفيع ، وهذا المعنى موجود في جميع
المبيعات من الامتعة والحيوان ، فإذا قالوا حق الشفعة إنما يجب خوفا من
الضرر على طريق الدوام ، وهذا المعنى لا يثبت إلآ في الارضين والعقارات
دون العروض ، قلنا في الامتعة ما يبقى على وجه الدهر مثل بقاء العقارات
والارضين كالياقوت وما أشبهه من الحجارة والحديث ، فيدوم الاستضرار
بالشركة فيه ، وأنتم لا توجبون فيه الشفعة، وبعد فإن ازالة الضرر الدائم أو
____________
(1) الوسائل 26 : 208ح 32842 باب 6 .
(2) بداية المجتهد 2 | 256 - 257 .
(51 )
المنقطع واجبة في العقل والشرع ، وليس وجوب إزالتها مختصة بالمستمر
دون المنقطع ، فلو كان التأذي بالشركة في العروض منقطعاً على ما ادعيتم
لكانت ازالته واجبة على كل حال ...)
(1).
والحاصل ان دفع الضرر صالح لأن يكون حكمة لتشريع حق الشفعة ،
وليس ذلك باقل من تشريع الحج للتفقه في الدين وبسط أمر الولاية أو
تشريع العدة لأجل عدم اختلاط المياه ، أوتشريع غسل الجمعة لازالة ريح
الآباط وغير ذلك من الامثلة المضروبة لما هو حكمة لجعل حكم شرعي .
____________
(1) الانتصار: 215 .