المؤلف
لا تأمن الموت في لحظ ولا نفس | * | ولو تمنعت بالحجاب والحـرس |
واعلم بأن سهام الموت قاصدة | * | لكل مدرع منــا ومُتــرس |
ما بال دينك ترضى أن تدنسه | * | الدنيا وثوبك مغسول من الدنس |
ترجو النجاة ولم تسلك مساكلها | * | إن السفينة لا تجري على اليبس |
أتيت القبـــور فناديتهـــا | * | فأيـن المعظــم والمحتقـــر |
وأيــن المــدل بسلطانــه | * | وأيــن المُزكى إذا مـا افتخـر |
فنوديت مـن جانــب والأسى | * | وأشجــان قلب لــه قـد ظهر |
تفانـــوا جميعاً فما مُخبــر | * | وماتوا جميعــاً ومات الخبـر |
فيا سائلي عن أنــاس مضوا | * | أما لك فيمـا تــرى معتبــر |
عظمت جناياتي فطال سهــادي | * | ما حيلتـــي والله بالمرصــاد |
ويلي إذا نشرت لــدى صحيفتي | * | ووجدتهـــا مطليــة بسـواد |
ماذا أقول وهــل تفيـد ندامتي | * | واحسرتي في عرصــة الميعاد |
هلا أفيق وأتركن نهــج الهوى | * | وأجوز نهـــج هداية وسـداد |
كيف المُقام بهـــذه الدنيا وذا | * | داعي المنية بالرحيــل ينادي |
الطفل والشيخ الكبير تراهمــا | * | يتسارعان لصوت هذا الحــادي |
أين الذين تكبـروا وتجبــروا | * | فالموت جرعهــم كئوس نكاد |
أين الملوك الظالمون ومن طغوا | * | في كثرة الأمـــوال والأولاد |
أين الطواغيت الذين تمــردوا | * | وتعنتوا وأتوا بكــل فســاد |
فهو الحمــام على الأنام محتم | * | يا نفس لم ينفعــك طول رقاد |
قبل انصرام العمر ويحك اقبلي | * | في رغبة للرشـــد والإرشاد |
يــا صاح إنك راحـــل فتزود | * | فعســاك في ذا اليوم ترحل أو غد |
لا تغفلن فالموت ليــس بغافــل | * | هيهات بل هو للأنـــام بمرصـد |
وليأتين منــه عليك بساعـــة | * | فتــــود أنك قبلها لــم تولــد |
ولتخرجنٌ إلى القبـــور مجــرداً | * | عمــا شقيت بجمعـــه صفر اليد |
تؤمل في الدنيا طويلا ولا تــدري | * | إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجــر |
فكم من صحيح مات من غير علـة | * | وكم من عليل عاش دهراً إلى دهـر |
وكم من فتى يُمسي ويصبح آمنــاً | * | وقد نُسجت أكفانه وهــو لا يدري |
ذهب الذين عليهـــم وجــدي | * | وبقيـــت بعد فراقهم وحــدي |
من كان بينك في التراب وبينــه | * | شبــران فهــو بغاية البُعــد |
لو كشفت للمرء اطبــاق الثرى | * | لم يُعرف المــولى مـن العبـد |
من كان لا يطأ التراب بـرجلــه | * | يطأ التـراب بنــاعم الخـــد |
فـي الذاهبيــــن الأوليـــن | * | مـــن القرون لنـــا بصائــر |
لمــــا رأيت موارداً للمـــوت | * | ليــــس لـهـــا مصــادر |
ورأيــــت قومي نحـوهـــا | * | تمضــي الأكابـــر والأصاغـر |
أيقنـــت أنــي لا محالـــة | * | حيث صـــار القــوم صائـر |
صقــر المنيـــة خاطـف الأرواح | * | هــذى نوائحــه بكـل نواحــي |
نشـر القوادم في الوجـــود فلا ترى | * | إلا نياحــاً تــابعــاً لنيـــاح |
نشبت مخالبــة بــأرواح المــلا | * | وتراه واصــل غــدوة بــرواح |
قل لي بــربك أي بيــت لـم يبت | * | وإلى المنون بــه صفيــف جنـاح |
لك يا ابــن آدم ساعــة معلومـة | * | تأتيك لو حاولــت كــل جمــاح |
أترى الخلاص وقــد شُققن ضرائح | * | كلا ولو حلٌقــت فـوق ضــراح |
فإليك عــن دنيا تفاقـــم خطبها | * | فأسيــرها لا يُرتجـى لســـراح |
خير الورى من قد درى ما قد جرى | * | فمضى يلبي صيحــة النُصـــاح |
ألا يا خائضاً بحـــر الأمانــي | * | هــداك الله مـــا هذا التوانـي |
أضعت العمـــر عصيانا وجهلا | * | فمهــلاً أيهــا المغرور مهـلاً |
إلى كــم كالبهائم أنت هائـــم | * | وفي وقـــت الغنائم أنت نائـم |
وقلبك هائــم فــي كـل وادي | * | وجهــلك كــل يوم فـي ازدياد |
على تحصيـــل دنياك الدنيـه | * | مكبـــا في الصباح وفي العشيه |
بلال الشيب نــادى في المفارق | * | بحى على الذهــاب وأنت غارق |
ببحر الإثــم لا تصغى لواعـظ | * | وإن أطــرى وأطنب في المواعظ |
وعقلك لا يفيــق عـن المعاصي | * | فويلك يــوم يؤخــذ بالنواصي |
صاحب أخا ثقة تحظي بصحبتـه | فالطبع مكتسب من كل مصحوب | |
كالريح آخــذة مما تمر بــه | نتناً من النتن أو طيباً من الطيب |