عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: 1 ـ 15

    توفيق بوخضر
عبقـرية مبكـرة
لأطفالنا
الناشر : مؤسسة الفكر الإسلامي ـ هولندا.
الطبعة الأولى : 1423 هـ ـ 2002 م.


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم


(6)

(7)
    أعلم سددك خالقك ورفع قدرك ، أن العلي الأعلى مالك الآخرة والأولى قد قال في كتابه الكريم وخطابه العظيم « لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً » فقد أشار ربك ، وصرح مولاك أن كل كلام غير كلامه وكل نظم غير نظمه لا يخلو من أن يختلف صدر وعجزه ، وأخره وأوله لأنه قول بشر وهو عين الخطأ والجهل. وأما كلام الله جل جلاله كلاماً واحداً منتظماً سبك سبكا واحدا ونزل به الروح الأمين على قول جبرئيل على فؤاد الأمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لانه كما قال تعالى « وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » وكل من كان قريباً من دائرة التوحيد والنبوة صار أمره إلى الهدى والرشاد. وكلما ابتعد عنهم آل أمره إلى سوء المعاد وكثرة الفساد. وإني لا أدعي فيما أكتبه حقاً ولا أتعمده باطلاً فأن رأيت حقاً وشاهدت صواباً. فاعلم انه من معدن الوحي اساسه ، ومن منهل النبوة أعتماده ، ومن اسرار الإسلام اقتباسه. فان سرك ذلك وأثلج فؤادك فارفع يديك إلى الله مبتهلاً وناجيه شاكراً أن يزيد في توفيقاته لي وان يرزقني حلماً وعلماً واجتهاداً اثابر به لنشر الدين ولرفع راية المسلمين أشهد أن لا إله إلا الله وإن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    وان لمحت خطاءاً ورمقت اشتباهاً فيما خطت يدي لغفلة أو سهو أو لقصور معرفة لما تقتضيه طبيعة البشر ولما عليه الأثر ، فتداركني بالقول الصحيح ولا تكن فيما اعطاك الله شحيحاً ، فعندها أكن لك من الشاكرين وأثني عليك بين العالمين ، وان سبق الحق


(8)
والموت قبل نصحك وإعلامك وتوضيحك فادع لي الله بالمغفرة والتجاوز عن الخطيئة والحشر مع الصدقين والانبياء والمرسلين وحسن اولئك رفيقاً.
    وليكن ديدنك الدعاء لي بالتوفيق والمغفرة كلما تصفحت كتابي وسنح فكرك نحوي واتجاهي لتصبح ممن قال عنهم الله في كتابه « والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم »
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين


(9)
    الحادثة الأولى :
    في يوم من سنيني الأولى وكان عمري آنذاك ست سنوات أو سبع ولم أتجاوز الثامنة خالفت أمراً لأبي ، خرجت في الظهيرة الحارقة لكي ألعب .. ولم ألتفت إلى دروسي ولم أعمل ما كلفني أبي به .. رجع من عمله فسأل عما ندبني إليه فلم يجد جواباً.
    استعلم عن دروسي فكان الصمت هو الجواب.
    عندها لم يجد هذا الأب إلا أن يؤدب ابنه ( الذي هو أنا ) فقام فضربني .. وكان طبيعياً أن يضربني .. ولكن الغريب بعد ذلك أنه قال لي : لقد أصبحت رجلاً ... ومن اليوم لن أضربك مرة أخرى .. وكانت هذه الكلمة مثل الدستور وفعلاً صدق فيما قال .. فلم أذكر في حياتي أن أبي مد يده علي في غير هذه المرة ..
    الحادثة الثانية :
    بعد تلك الحادثة بعشر سنوات تقريباً بينما كنت جالساً أقرأ .. وإذا بصوت أبي يناديني .. ذهبت نحوه مستجيباً فما أن رأني حتى سألني أي الألوان أفضل لصباغة سور الحديقة ؟ فشرعت في الجواب ... في أثناء ذلك مر أخي الصغير كميل وكان آنذاك لا يتجاوز أربع سنوات .. فسأله أبي نفس سؤالي .. فتعجبت من أبي! فقلت له : لماذا تسأله وأنت لن تسمع له ؟
    فأجاب : أعلم بذلك ولكني أردته أن يتكلم .. أكملت جوابي ولم أفهم جوابه إلا بعد سنين وسنين عرفت معنى الجواب.


(10)
    وأنا كلما تذكرت هاتين الحادثتين عرفت كيف صرت أنا أنا.
    فأب ربى أبناءه على أن يحترمهم ويحافظ على كرامتهم وأنهم كبار حتى في صغرهم ..
    أب أطلق الحرية لأبنائه لكي يعبروا عن آرائهم حتى لو كانت خطأ في نظره.
    أب مثل هذا يستحق أن يجلل وأن يحترم وان يقدم له الكثير الكثير.
    وها أنذا يا أبت أقدم كتابي هذا بين يديك هدية متواضعة لك ، ولوالدتي الحنونة التي تضمني بحنانها وعطفها ودعائها ، لأنكما أنتما فقط وفقط من يستحق هذا وأكثر.
ابنكم المقصر
توفيق بوخضر


(11)
    هناك حلم يجول في خاطر كل إنسان ، وأمنية يتمناها كل ذكر وأنثى ، وسعادة تكبر كلما ترعرع طفل في أحضان والديه ، وأنشودة يتغنى الوالدان بها بابا وماما ..
    هاتان الكلمات الصادرتان من فم الطفولة ومنبع الطهر ونداء البراءة هما الحلم الذي دعا آدم ليتقدم إلى حواء ويقدم كدح الأيام ، والعناء والتعب ليحصل على مهر لها ، وهما أيضاً الحكم الذي جعل حواء تنزل من عرش كبريائها لخدمة آدم من أجل طفل يحمل اسمهما غداً ويخلده بقاءه فانبثقت هذه الرغبة في قلب الكل حتى ذرفت الدموع ومدت الأيادي إلى الله سبحانه وتعالى ، ومن ضمنهم الأنبياء ؛ فهذا القرآن ينقل رغبة نبي من أنبيائه ، ودعوة سجلها القرآن لترتل على مر العصور « وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين » (1).
    فيكلل الله ذلك الدعاء بأن يرزقه ولداً صالحاً. وكيف لا يدعو الأنبياء بهذا وقد جعلها الله بشرى لهم ؟! فهذه ملائكة الرحمة تزف البشرى لنبيه إبراهيم عليه السلام بغلام فيقول تعالى : « فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم » (2).
1 ـ الأنبياء : 89.
2 ـ الذاريات : 25.


(12)
    ألم يجعل الله البنين زينة الحياة الدنيا فقال عز من قائل : « المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا » (1).
    فماذا ينفع السلطان أو الوجاهة أو المال من غير ولد يملأ عليه حياته بهجة ومرحاً ، ودون أن يسمع نداء الأبوة والأمومة ؟
    فماذا ينفع السلطان والمال أو ماذا تنفع الوجاهة من غير ولد ؟ لكن أي ولد ؟
    هل هو مطلق الولد أم ذلك الذي يكون قرة عين لأبيه وأمه ؟
    قال تعالى : « والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما » (2).
    نعم ، لا شك أن الولد الصالح هو الذي يكون مصداقاً لقرة العين.
    ألم يرسل الله رسولاً لكي يقتل ولداً خاف أن يرهق ويتعب والديه ليبدله بأخر صالح ؟
    قال تعالى : « حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا » (3).
    وفي معرض الجواب عن هذا الاستفسار يقـول الله تعالى فـي آيـة أخـرى : « فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً » (4)
1 ـ الكهف : 46.
2 ـ الفرقان : 74.
3 ـ الكهف : 74.
4 ـ الكهف : 80 ـ 81.


(13)
    وهنا يقف الإنسان حائراً متخبطاً يبحث عن سبل النجاة التي ترفع عن كاهله عناء التجربة أو عظم المصيبة في درب حياته ، يريد أن يحصل على فلذة الكبد وبغية الفؤاد خالياً من الشوائب. يسعد به ويستند عليه أو يجعله عصا لأيامه. ويزداد الإنسان تخبطاً وحيرة عندما يرى أناساً في غاية الكمال الدنيوي وقد نكس رؤوسهم أبناؤهم ، ويشاهد فقراء يسعون للحصول على لقمة العيش قد رفعت أعناقهم وشامخت الجبال طولاً لرفعة أبنائها.
    فما سر هذه الظاهرة يا ترى ؟
    هل هي مجرد حظوظ أم هناك ضوابط يجب أن تراعى ويسار عليها ؟
    لذا حاولنا بكل ما أوتينا من قدرة وتوفيق أن نستلهم من بيت النبوة الإجابة على كل ما يدور في الخاطر ، ويجول في الذهن من غرر حكمهم ودررهم المنثورة في أوساط أمهات الكتب. وعقدنا بها مختصراً يحاول أن يساعد القارئ الكريم على فهم أسرار هذه المراحل وبشكل مبسط حتى لا يسأم قارؤه منه ، ولا يمل مراجعته.
    فقسمنا هذا الكتاب إلى عدة أقسام :
    القسم الأول : قبل الحمل.
    القسم الثاني : أثناء الحمل.
    القسم الثالث : بعد الحمل.
    وبالله نبدأ وبه نستعين.


(14)

(15)
عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: فهرس