عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: 16 ـ 30
(16)

(17)
    وقد لا تدوم تلك السعادة طويلاً حينما يجد المرء الحسرة في فؤاده ، والألم في قلبه وهو يرى ابنه قد تخلف عن ركب المتفوقين والمتميزين في عالم الطفولة. فأين ولده من طفل يحفظ القرآن بأجمعه عن ظهر قلب ؟ أين طفله من ذلك الفتى الذي يقف في مجلس الخلفاء ليدلي لهم بالنصح ؟ وأين ولده من المخترعين المتفوقين ؟
    فهل هنالك سر يجعل هذا أذكى من ذلك ، أو ذاك أعقل من هذا ؟
    قد تقول : إنه موهبة أو رزق من الله لا شيء آخر ، ولكن الحق هو أنه يوجد شيء آخر وهو يتوقف عليك آنفاً أكثر من ولدك. وذلك لأننا في عالم الأسباب والمسببات ؛ فقد ذكر الله عن ذي القرنين كيف استطاع أن يحقق ما عجز عنه غيره أنه مكن في الأسباب وأنه اتبعها. قال تعالى : « إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا * فأتبع سببا » الكهف : 84 ـ 85.
    ولا شك أننا في عالم العلل والمعلولات وأن الأمور تجري وفق نظام متكامل لا يمكن تغيره ، قال تعالى : « فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا » فاطر : 43.
    فمن عرف سنة الله وكيف يدبر الله الأمور تمكن من تحقيق ما يرغب فيه وفق نظام سماوي ، ولا سيما في كونه سنة لا تتغير ولا تتحول. ومما يؤيد ذلك ما جاء في البحار عن الحسين بن خالد عن إسحاق قال : « قلت لأبي عبدالله عليه السلام : الرجل آتيه أكلمه بعض كلامي فيعرف كله ، ومنهم من


(18)
آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثم يرده علي كما أعطيته ، ومنهم من آتيه فأكلمه فيقول : أعد علي.
    فقال : يا إسحاق أو ما تدري لم هذا ؟ قلت : لا.
    قال : الذي تكلمه ببعض كلامك فيعرف كله فذاك من عجنت نطفته بعقل. وأما الذي تكلمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك على كلامك فذاك الذي ركب عقله في بطن أمه. وأما الذي تكلمه بالكلام فيقول أعد علي فذاك الذي ركب عقله فيه بعدما كبر فهو يقول أعد علي ». (1)
    أما كيف يتوقف الأمر عليك أكثر من ولدك ؟
    ففي معرض الجواب نقول :
    أولا : إن العقل هو وجود مجرد ونور خلقه الله ليتعقل الإنسان به الكمالات والخير ، ويحذر الشرور والسيئات.
    وقد ذهب بعض سلاطين العلم المعقول والمنقول في معنى العقل بأنه : « مخلوق من النور المنبسط ، والفيض الإشراقي ، ومع أن جميع دار التحقق ظهور للفيض المنبسط وتجل للفيض الإشراقي ؛ فاختصاص العقل الأول أو جميع العقول به لعله لإفادة هذا الطلب أن العالم العقلي هو التجلي التام ، وأدل تجل لهذا الفيض ولسائر الموجودات وسائط ووسائل ومن هذه الجهة هي أنوار مختلطة بالظلمات على حسب القرب والبعد والقلة والكثرة .. ».
    وذكر مطالب كثيرة وعميقة ذكرها يخرجنا عن موضوعنا فتركها لمحلها.
    ثانياً : إن الإنسان عندما يريد أن يغشى أهله ويقاربهم ينزل من الرتبة الإنسانية إلى الرتبة الحيوانية وهي حضيض المادة وتعلق بها ، وهو بهذه
1 ـ البحار ، ج 1 ، ص 97 ، ح رقم 10.

(19)
الحالة قد ابتعد عن مصدر الفيوضات الكمالية إلا إذا لم يجعل من عملية الجماع عملية بهيمية بحتة ، وجعلها مقترنة بذكر الله محققة لإرادته فلا تخرج من حيز استقبال الفيض حينئذ.
    فقد قال تعالى : « واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً » (1) فإذا شارك الشيطان ـ وهو الجهل والظلام ـ الرجل في نطفته فكيف يمكن الحصول على العقل والنور في النطفة ؟
    وقد ذكر فخر العلماء في كتابه ( جنود العقل والجهل ) ما هذا نصه : « ان حقيقة الجهل الكلي بالمقارنة مع العقل الكلي عبارة عن الوهم الذي هو العالم الكبير الذي يميل بالنفس إلى الشر والكذب والخطأ والفساد ، والأوهام الجزئية في العوالم النازلة هي نازلة تلك الحقيقة الباطلة ، ولعل الحديث المشهور للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إن الشيطان يجري مجرى الدم في ابن آدم » إنما هو إحاطة الوهم الكلي بالأوهام الجزئية ، أو إشارة إلى الأوهام الجزئية إنما هي نتائج ومظاهر إبليس الكبير ».
    فإذا تقرر هذا نقول : إن العقل والجهل أو النور والظلام أمران متقابلان لا يجتمعان في وقت واحد ، وحقيقة كل وجود منهما طاردة للوجود الآخر مانعة من تحقق ثبوته ، ووجود أحدهما راجع إلى وجود علته التابعة لإرادة الفاعل المختار في فعله ، وحيث إن المعلول لا اختيار له في تحققه وإن وجوده قهري له بعد ثبوت المقدمات والعلل الواجبة لوجوبه ، فيكون الطفل في بداية تكوينه مسلوب القدرة والاختيار ، وإن العلل المباشرة لوجوده هي والديه فيكون الأمر راجعاً لهما متوقفاً عليهما.
1 ـ الإسراء : 64.

(20)
    نقول : فهما اللذان بإمكانهما ان يعطيا ابنهما العقل ، أو يؤخرا عليه هذه النعمة. وهذا الذي نحاول أن نتناوله في البحث.


(21)
    اقتضت الحكمة الإلهية أنه لوجود مخلوق جديد لابد أن يكون عبر علاقة بين رجل وامرأة ينتج من خلالها مخلوق آخر لهما بإذن الله ، ولما كانت الشرائع السماوية تسمو لخلق جيل صالح فقد وجهت جل اهتمامها لتهيئة هذا المخلوق الجديد الذي يهيء للمجتمع المناخ والأسباب التي تدعوه إلى الصلاح.
    وأول هذه الأسباب هو اختيار الأب والأم لهذا المولود ، والذي يعد النواة الأولى لتكوينه. لذا نجد أن كثيراً من الروايات تركز على هذه النقطة وتعطيها من الأهمية الشيء الكثير.
    فأنت أيها الشاب ، وأنت أيتها الفتاة.
    قبل أن تقررا الارتباط عليكما أن لا تفكرا في نفسيكما فقط بل في أولادكم في المستقبل.
    وأن تسأل أيها الشاب نفسك : هل هذه الفتاة تصلح لأن تكون أماً لأولادك مربية لهم أم لا ؟
    وأنت أيتها الفتاة لابد أن تسألي نفسك هذا السؤال أيضاً : هل هذا يصلح لأن يكون أباً لأولادك أم لا ؟
    هناك ضوابط كثيرة تحدد المعايير التي يجب أن تطبق ، والتعرض لها يخرجنا عن هذا المختصر.


(22)
    المهم أن مدرسة أهل البيت قد أولت هذا الجانب الشيء الكثير ؛ فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين ».
    فإنه لا يكفي أن ينظر الشاب إلى الفتاة وحدها ويقصر الاهتمام على ذلك ، بل إن الخال هو أحد الأشخاص البارزين المؤثرين في تكون شخصية الولد ؛ لذا يجب السؤال عنه. ولماذا يجب السؤال عنه ؟ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ».
    وقصة الإمام علي بن أبي طالب مع أخيه عقيل العالم بالأنساب عندما أراد الإمام عليه السلام الزواج بعد وفاة السيدة فاطمة عليها السلام وطلب من أخيه أن يختار له زوجة ولدتها الفحول الأقوياء الشجعان ؛ لكي تلد له أبناء لينصروا أخاهم الحسين.
    فكان جل اهتمام الإمام إلى أصلها وفصلها ؛ فإن العرق دساس ؛ فقد قال الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس ». ذلك أن القالب الذي يحمل الولد له مدخلية كبرى في النتيجة ، فالفاسد يخرج الفاسدين ولا يؤمل منه خير.
    لذلك يجب أن يكون نظرك إلى ولدك من خلال أمه ؛ لأنها تورث صفاتها إلى ولدك من حيث الصفات العقلية ، والخلقية. يقول الدكتور عبد العزيز القوصي في كتابه ( أسس الصحة النفسية ) : « والذي نعرفه إلى الآن أن الإنسان يرث الذكاء عن والديه ، ويرث كذلك ما يمكن أن نسميه المزاج والطبع وقد أثبت العلم الحديث أن الذكاء يورث ، وأن أثر البيئة في تغيره قليل حتى إن علماء النفس يقولون إن الجرائم التي يقوم بها الآباء فيها تشابه خصوصاً في السرقة إلى غير ذلك ».


(23)
    ولأن الأم لها أثر كبير من حيث الوراثة ، لذا نجد أهل البيت عليهم السلام يرفضون فكرة الزواج من المرأة المجنونة ، أو التي بها تخلف عقلي كالحمقاء وغيرها.
    فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « سأله بعض أصحابنا عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة ؟ قال : لا ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها ».
    ونحن عندما نتأمل هذه الرواية نعرف أن علة عدم الإنجاب من المجنون هي إنجاب أطفال مشوهين ، أو معوقين عقلياً فتبقى هذه الحالة في المجتمع وهذا الذي يثبته العلم الحديث.
    ( يوجد جندي يدعى مارتن كاليك : كان قد أنجب طفلاً غير شرعي من فتاة ضعيفة العقل وأمكن تتبع 480 فرداً من ذراري هذه البنت في أجيال متعاقبة ، ووجد أن من بينهم 63 شخصاً فقط يمكن اعتبارهم عاديين أما الباقون ففيهم حالات الصرع ، والإجرام ، والبغاء ، والإدمان على الخمر ، وضعف العقل ، وغير ذلك. وبعد مدة من الزمان كان مارتن كاليك قد تزوج بفتاة عادية من أسرة طيبة. وأمكن تتبع 496 فرداً من ذراري هذه السيدة في طبقات الأجيال المتعاقبة. فكان لدينا مجموعتان من الأفراد تختلفان اختلافاً واضحاً في الأصل الوراثي من ناحية الأم. وعلى ذلك يمكن موازنتها بعضها ببعض. وقد وجد بين أفراد المجموعة الثانية أن عدد العاديين 491 فرداً نجح كثير منهم في الحياة نجاحاً ظاهراً ، أما الخمسة الباقون ففيهم حالة ضعف عقلي واحدة وحالة استهتار جنسي وحالتا إدمان للخمر ، وحالة جنون ) (1).
1 ـ Goddard the kallikak

(24)
    بعد أن يقع الاختيار الذي على أساسه يكون الزوجان قد قررا أن ينشئا أسرة تجمعهما تحت سقف واحد يظلهما الاتفاق والتفاهم ، تنبثق الحاجة لديهما في أن يشرف حياتهما شخص جديد يكون نتاج الحب المشترك بينهما. وفي هذه الفترة يقرر الزوجان الوقت المناسب لاستقبال الطفل الجديد. هل هو في السنة الاولى من الزواج أو الثانية أو الثالثة أو غير ذلك ؟ وكيف سيكون استقباله ؟
    وفي هذه المرحلة يحلق الزوجان في التصورات من رسم صورة الطفل ، وشكله ومستقبله إلى غير ذلك ، ونحن نقول للزوجين الذين يريدان أن يحل عليهما مولود جديد : إن الاستعداد له ليس عند ولادته بل قبل ولادته بمدة ليست بالقصيرة ؛ وذلك لما تقرر سابقاً أن الطفل قد يرزق العقل في نطفته ، وقلنا : إنه يتوقف على الوالدين. ونحن في هذه المرحلة نوضح ما يجب أن يسبق عملية اللقاء الجنسي بين الزوجين ؛ فالحالة التي يجب أن يكون عليها الزوجان حالة التقرب إلى الله سبحانه وتعالى حتى لا يكون ذلك اللقاء محض لقاء شهواني ليس فيه لله من نصيب ، ويكون الشيطان ـ والعياذ بالله ـ شريكاً في الولد.
    أما كيف يمكن أن يكون هذا اللقاء عبارة عن تحقيق إرادة الله سبحانه وتعالى ويكون العمل لله فبعدة أمور :
    1 ـ أن يقصد من اللقاء تكثير الأرض بأشخاص يعتقدون بأنه لا إله إلا الله ، أو لاطفاء الشهوة بالحلال حتى لا تنصرف النفس إلى الرغبة إلى الحرام والعياذ بالله.


(25)
    2 ـ أن يكون الزوجان في حالة من الطهارة ، والوضوء ؛ لأنه ما دام على طهارة فهو في منزلة الماكث في المسجد.
    3 ـ أن يصلي كلا الزوجين ركعتين لله سبحانه وتعالى قبل اللقاء ، وإن ورد هذا الاستحباب في ليلة الزفاف. ولكن لا بأس به على كل حال من باب كونها عبادة وتقرباً إلى الله.
    4 ـ أن يدعوا الله قبل الشروع في أي شيء بالدعاء المأثور عن الصادق عليه السلام حيث قال لبعض أصحابه : « إذا دخلت عليك أهلك فخذ بناصيتها ، واستقبل القبلة وقل : ( اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً سوياً ، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ) ».
    5 ـ أن يدعو الله سبحانه وتعالى ويسمي « بسم الله الرحمين الرحيم » حتى لا تقع الشركة مع الشيطان ؛ فإن الذين لا يذكرون الله عند الجماع يكون الشيطان شريكاً لهم في النطفة فإذا شاركه فأي فلاح لهذا الولد ؟!
    فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ولا تجعل فيه شركاً للشيطان قلت : وبأي شيء يعرف ذلك ؟ قال : ما تقرأ كتاب الله عزوجل : « وشاركهم في الأموال والأولاد » (1)
    ثم قال : إن الشيطان ليجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ، ويحدث كما يحدث الرجل ، وينكح كما ينكح قلت : بأي شيء يعرف ذلك ؟
    قال : بحبنا وبغضنا فمن أحبنا كان نطفة العبد ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان ».
1 ـ الاسراء : 64.

(26)
    وفي رواية أخرى يقول الشيطان للإمام علي عليه السلام في مكاشفاته : « فوالله لا يبغضك أحد إلا سبقت نطفتي إلى رحم أمه قبل نطفة أبيه ».
    أقول : قد يكون الشيطان واقعاً هو القاذف بالنطفة في رحم المرأة من غير أن يرى ، وقد يكون الشخص نفسه شيطانياً فتصير نطفته نطفة الشيطان وذلك إذا ابتعد عن حيز اللطف ؛ فحاله كما أشارت بعض الروايات إلا أنه لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن ، ولا يعصي الله حين يعصي وهو مؤمن.
    فعليه لسان الرواية أن الرجل في حال عدم ذكر الله لا يكون إلا شيطانياً في فعله فأثره الظلام والجهل والعياذ بالله.
    6 ـ أن يسعيا قبل أي لقاء جنسي أن يكون صلباهما طاهرين من أكل الحرام فلا يأكلا ما فيه شبهة أو حراماً ، فلعل النطفة تكون من الحرام فلا يكتب للولد الفلاح ، أو النجاح والعياذ بالله. وليعلم أن الأصلاب لا تطهر من المحرمات إلا بعد أربعين يوماً. أي أنه ولمدة أربعين يوماً في حالة الخطر الذي يجب أن يتقي الجماع في أثنائها. ويكفيك أن تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أراد أن يقصد نطفة فاطمة صلوات الله عليها اعتزل السيدة خديجة الكبرى أربعين يوماً ، يصوم نهارها ، ويقوم ليلها كل ذلك رعاية ومبالغة في الطهارة. وإذا كان حال رسول الله هكذا فما حالنا نحن إذاً ؟
    7 ـ أن يأكل الرجل قبل الوقت الذي يريد أن يقارب أهله السفرجل ، وذلك حتى يتحول إلى نطفة ؛ فإنه يحسن من شكل الولد الخارجي ويجعله جميلاً.
    عن الصادق عليه السلام وقد نظر إلى غلام جميل فقال : « ينبغي أن يكون أبو هذا أكل سفرجلاً ليلة الجماع » (1).
1 ـ مكارم الاخلاق : ص 374.

(27)
    8 ـ أن ينظر الرجل إلى صورة شخص تعجبه من حيث الشكل وحسن المنظر ، ويجعل صورته أمامه إن أمكن عندما يغشى أهله ، وإن لم يمكن ذلك فليجعل همه وتفكيره فيه في أثناء اللقاء. فإن فعل ذلك يخرج الولد ـ إن شاء الله ـ شبيهاً لهذا الشخص. وهذا ما دلت عليه أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
    إذ روى إسحاق بن إبراهيم عن الرضا عليه السلام قال : « إنه الملك ( بخت نصر ) قال لدانيال أشتهي أن يكون لي ابن مثلك !
    فقال : ما محلي من قلبك ؟
    قال : أجل محل وأعظمه.
    قال دانيال : فإذا جامعت فاجعل همتك في.
    قال الإمام الرضا عليه السلام : ففعل الملك ذلك فولد ابن أشبه خلق الله بدانيال ». (1)
    وهنا فرق بين أن يجامع الرجل زوجته بشهوة امرأة أخرى أو العكس بشهوة رجل آخر ، وبين ما نحن فيه ؛ ففي الصورة الأولى يخرج الولد مخنثاً مخبلاً ، وفي الصورة الثانية يخرج شبيها بالمراد.
    فعن سعيد الخدري في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أنه قال : « يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فإني أخشى إن قضي بينكما ولد يكون مخنثاً مخبلاً » (2)
1 ـ البحار : ج 14 ، ص 371.
2 ـ الوسائل : ج 2 ، ص 252.


(28)
    لا شك أن للأكل أثره على النطفة أثراً واضحاً ؛ إذ إن النطفة هي في حقيقتها خلاصة الغذاء الذي يأكله الإنسان ، ومن الثابت أن لكل غذاء خاصية وأثراً خاصاً به ؛ فتتشكل النطفة من تشكيل الغذاء وتأثيره عليها أشد من تأثير الطعام على الإنسان إذا بلغ إنساناً سوياً.
    ولا يقتصر الأثر على الناحية الشكلية فقط أو المادية بل على الناحيتين على حد سواء ؛ فالمادية والمعنوية تتأثران بالغذاء ، ولقد لوحظ انتقال صفات الحيوانات المأكولة إلى آكليها. لذلك نجد الإسلام قد وضع قوائم من الأطعمة والحيوانات لا يجوز أكلها نظراً إلى ما تخلف من الآثار السلبية ، بل حتى التي يحل أكلها إذا عرض لها شيء يؤثر فيها يحرم أكلها ، مثل الدواجن أو الحيوانات التي تتغذى على العذرة لا يجوز أكلها حتى تطهر.
    قال ابن خلدون : « أكلت الأعراب لحم الأبل فاكتسبوا الغلظة ، وأكل الأتراك لحم الفرس فاكتسبوا الشراسة وأكل الإفرنج لحم الخنزير فاكتسبوا الدياثة ».
    لقد قام العلماء بإجراء تجارب كثيرة على الاطفال لمعرفة تأثير المغذيات على شخصيتهم وسلوكهم ؛ فانعدام وجود الفيتامين أو النشويات أو الأحماض الأمينية في الأطعمة أثر تأثيراً بالغاً على سلوك الأطفال.
    هذا وقد وجد أيضاً أن الرضاعة الطبيعية كان لها أثر أفضل بكثير من الرضاعة الاصطناعية. أضف إلى ذلك أنه قد ثبت أن أكل لحوم العجل


(29)
المحقون بمادة هرمونية ( diebhy istiberterog ) كان به تأثير على سلوك وشخصية الناس حيث زاد بهم عملية اللواط أو المساحقة.
    فإذا كان هذا حال من أعطي مادة هرمونية ، فمن باب الأولى من كان بالذات فإن تأثيره أشد نكالاً وأقوى فعالية.
    فإذا تقرر ذلك لزم الوالدين من مراعاة نوعية الطعام الذي يأكلانه لسلامتهما ولسلامة أولادهم من الآثار الجانبية. ومن الضروري أن تعلم أن بقاء الغذاء يؤثر في البدن لمدة أربعين يوماً.
    عن الحسين بن خالد قال : « قلت لأبي الحسن عليه السلام إنا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : من شرب الخمر لم تحتسب صلاته أربعين يوماً.
    قال : فقال : صدقوا.
    قلت : كيف لا تحتسب صلاته أربعين صباحاً لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟
    فقال : إن الله جل وعز قدر خلق الإنسان فصيره نطفة أربعين يوماً ، ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما ، ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوماً ؛ فهو إذا شرب الخمر بقى في مشاشته أربعين يوماً على قدر انتقال خلقته.
    ثم قال عليه السلام : وكذلك جميع غذائه أكله وشربه يبقى في مشاشه أربعين يوماً » (1).
    وبهذا يظهر أن جمع الأغذية والتأثير لها يدوم أربعين يوماً ، ومنه لا يمكن أن يعرج المصلي بصلاته وهو في حالة نجاسة ؛ لذا فهي لم تصل إلى
1 ـ الكافي : ج 6 ، ص 402.

(30)
ساحة القدس بل ليس لها قابلية العروج أصلاً فهو لم يصل فعلاً حتى تقبل ، وإن لهذا الحديث مقاماً آخر.
    ولنعود إلى صلب الموضوع لننقل ما يقوله الدكتور سيد غياث الجزائري في كتابه : « إذا كانت نطفة الأب مسمومة حين الاتصال الجنسي فإن الجنين يوجد ناقصاً وعليلاً ، وهذا التسمم ينشأ من تناول الأطعمة الفاسدة أو معاقرة الخمر. إذن يجب الاجتناب عن الاتصال الجنسي وحين التسمم والسكر بالخصوص » ص 152.
    وفي صفحة أخرى يقول : « لقد قام أحد الأطباء الحاذقين في أوربا بجمع إحصائيات دقيقة للنطف التي تنعقد في ليلة رأس السنة المسيحية فوجد 80% من الأطفال المتولدين من تلك النطفة ناقصوا الخلقة ، وذلك لأن المسيحيين في هذه الليلة يقيمون أفراحاً عظيمة وينصرفون إلى العيش الرغيد والإفراط في الأكل والشرب ويكثرون من تناول الخمر .. » ص 154.
    يقول الدكتور كاريل في كتابه ( طريق الحياة ) : « إن سكر الزوج أو الزوجة حين الاتصال الجنسي بينهما يعتبر جريمة عظيمة ؛ لأن الأطفال الذين ينشأون في ظروف كهذه يشكون في الغالب من عوارض عصبية ونفسية غير قابلة للعلاج ».
    ومن الطبيعي أن يهتم الوالدان بالنطفة قبل انعقادها بأربعين يوماً ويولون لهذه المسألة أهمية كبيرة ؛ وذلك لأن نطفتهما بداية مخلوق جديد سيخرج إلى حيز الوجود وهو مسلوب الإرادة والقدرة والاختيار ، وهو في مثل هذا الحال سيحدد سعادته من شقائه ورزقه وعمره وكل الأمور المرتبطة به ؛ فإذا كانت نطفته من الحرام ـ والعياذ بالله ـ كيف سيكتب له التوفيق ؟!
عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: فهرس