عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: 31 ـ 45
(31)
    لهذا فإن هذا المخلوق أحوج ما يكون للمساعدة من قبل والديه في مثل هذه الحالة ، فإن بسط جناح الذل من الرحمة للوالدين وطلب الدعاء لهما لخصوصية التربية في الصغر حيث ينعدم القدرة عنده ويقع الاتكال الكلي على الوالدين فهو في وضع التقلب العنايتي للوالدين ينقل من مرحلة إلى أخرى والتي تنشأ قبل إيجاد نطفته من كونه إنساناً سوياً ، قال تعالى : « واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا » (1).
    وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حتى الرجل يجب أن يكون غذاؤه طاهراً من الحلال الخالص حتى بعد انعقاد النطفة في رحم امرأته. لا سيما إذا كان يريد أن يغشاها في فترة الحمل ؛ لأن المادة المنوية تتحول إلى غذاء يتغذى عليه الطفل ، وأما بالنسبة للمرأة فهو واضح جداً حيث يكون غذاء الطفل وشرابه من غذاء أمه وشرابها لذلك يلزم الاعتناء بهذه الأمور بشكل أكبر.
    ففي حديث طويل عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال : « ثم يبعث الله ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله عزوجل فيقف منه ما شاء الله ، فيقول : يا إلهي أذكر أم أنثى ؟ فيوحي الله عزوجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك ، ثم يقول : إلهي أشقي أم سعيد ؟ فيوحي الله عزوجل إليه ما يشاء من ذلك ، ويكتب الملك فيقول : اللهم كم رزقه ؟ وما أجله ؟ ثم يكتبه ويكتب كل شيء يصيبه في بين عينيه ثم يرجع به فيرده في الرحم ، فذلك قول الله عزوجل : « ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها » (2).
1 ـ الاسراء 24.
2 ـ البحار : ج 60 ، ص 340.


(32)
    فيا أيها الزوجان إن ولدكما أمانة في أعناقكما ؛ فإذا كنتما تريدان حياة طيبة لأبنائكم عليكما أن تطيبا طعامكما وشرابكما وتجعلاه من الحلال الذي لا شبهة فيه.


(33)
    وهذا البحث من أعقد الأبحاث إلى الآن في علم الوراثة ، وهو كيفية تفسير اكتساب الولد الشكل الخارجي. فهو بين خمسة أمور : إما أنه يشبه أباه أو لا ، أو يشبه أمه أو لا ، أو أخواله أو لا ، أو أعمامه أو لا ، والأخير أن يشبه شخصاً لا يمت له بصلة قريبة.
    العلم الحديث توصل إلى أنه يوجد في كل من مني الرجل وبويضة المرأة كروموسومات فيها عناصر الشبه بين الوالدين إما من الأم وإما من الأب ، وهو يأخذ صفاته الوراثية منهما الشكلية ، وحتى الخلقية القابلة للتوريث مثل الذكاء ، والشجاعة ، والجبن إلى غير ذلك ولكن لم يعرف على أي أساس يكون الشبه إلى الأب ، أو إلى الأم ! أو كيف يحدث ؟ وهل باستطاعتنا التحكم في عناصر الشبه ؟ وذلك لأن المادة المنوية هي عبارة عن مجموعة من الحيوانات المنوية ، ولكل واحد منها حياته الخاصة والسيرة الخاصة ، وهو عالم خاص مجموع من الأسرار تنطوي فيه. وواحد منها أو اثنين أو ثلاثة يقع في عملية ناجحة في التقليح من بين الملايين.
    هذا هو الذي توصل إليه العلم الحديث.
    أما أسرار آل محمد فقد أعطت تفسيراً متكاملاً عن كيفية حصول الشبه للوالدين ، أو الأخوال ، أو الأعمام أو غير ذلك.
    فأنت تستطيع أن تحدد شبه ولدك لك أو لزوجتك أو أخواله أو أعمامه بمراعاة أمرين :


(34)
    الأمر الأول : إذا أراد الرجل أن يكون الولد شبيهاً لأحد والديه فما عليه إلا أن يغشي أهله وهو في حالة من الاستقرار والهدوء.
    الأمر الثاني : إذا أراد الرجل أن يكون الولد شبيهاً لأعمامه ، أو أخواله فما عليه إلا أن يقارب أهله وهو في حالة الاضطراب أي مرهق ومتعب لا خائفاً ولا وجلاً.
    سأل رجل أميرالمؤمنين عليه السلام عن الولد ما باله تارة يشبه أباه وأمه ، وتارة يشبه خاله وعمه ؟ قال للحسن : « أجبه ».
    فقال الحسن عليه السلام : « أما الولد فإن الرجل إذا أتى أهله بنفس ساكنة وجوارح غير مضطربة اعتلجت النطفتان كاعتلاج المتنازعين ؛ فإن علت نطفة الرجل نطفة المرأة جاء الولد يشبه أباه ، وإن علت نطفة المرأة نطفة الرجل أشبه أمه ؛ أما إذا أتاها بنفس مزعجة وجوارح مضطربة غير ساكنة اضطربت النطفتان فسقطتا عن يمنة الرحم ويسرته ، فإن سقطت على عروق الأعمام والعمات فيشبه أعمامه وعماته ، وإن سقطت عن يسرة الرحم سقطت على عروق الأخوال والخالات فيشبه أخواله وخالاته.
    فقام الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته ».
    علق صاحب البحار على الرواية ما هذا نصه :
    « أقول : يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم تضطرب النطفة تحصل المشابهة التامة ، لأن المني يخرج من جميع البدن فيقع كل جزء موقعه ، وإذا اضطربت حصلت المشابهة الناقصة فيشبه الأعمام إذا كان الأغلب مني الرجل لأنهم يشبهون الأب مشابهة ناقصة ، وإن غلب مني الأم أشبه الأخوال كذلك ....
    ومعنى العلو في الرواية كما عليه بعض المحققين أنه سبوق إلى الرحم سواء كانت مني الرجل أو بويضة المرأة ؛ فإذا أراد الزوج أن يخرج الولد


(35)
شبيها بأخواله ، أو خالاته ، أو أمه ، عليه أن يكثر المداعبات وخصوصاً غمز الثديين كما جاء عن الإمام الرضا عليه السلام : « الأمر قبل الجماع بالمداعبة والتقبيل وتغميز الثديين ، لأن ماء المرأة يخرج من ثديها ، وشهوتها في وجهها فالتقبيل طلباً للشهوة حتى تريد هي منك ما تريد أنت منها ، وأما تغميز الثديين فطلباً لنزول مائها حتى يتخلق من المائين ؛ لأن البنت إذا تخلقت من ماء الرجل وحده تكون سليطة تشبه الرجال بالأوصاف ».
    وكان العرب إذا أرادوا تشبه الأولاد بهم عمدوا إلى مواقعة النساء وقت الرحيل لكثرة مشاغل نسائهم فلا يردن ذلك الأمر ، بخلاف الرجال فيكون الولد شبيهاً لأبيه ولذلك أنشدوا :
فمن حملن به وهن عواقد حب النطاق فشب غير هبل

    اتصاف المولود بصفات مغايرة لذويه :
    تقدم البحث عن كيفية اتصاف الولد بصفات أحد والديه ، أو الأقرباء. ولكن قد يصادف أن يكون الولد مغايراً كلياً لصفات ذويه فما هو تفسير ذلك ؟
    يوجد اتجاهان :
    الاتجاء الأول : وهو أن تكون المرأة ـ والعياذ بالله ـ قد مارست الزنا ، وجامعت رجلاً بصفات غريبة جداً عنهما ( الزوجان ) كأن تجامع المرأة البيضاء رجلاً أسود أو العكس. وهذا خارج عن محل بحثنا.
    الاتجاء الثاني : والذي يسعى أن يعطي هذه الظاهرة صورة علمية ومنطقية. اختلفوا في التفسيرات ، فهنا ثلاثة تفسيرات نحاول عرضها بشكل مختصر قد تعرض لها الشيخ محمد تقي فلسفي في كتابه ( الطفل بين الوراثة والتربية ) وقال :


(36)
« كثيراً ما نشاهد طفلاً أشهب العينين أشقر الشعر أبيض البشرة ذا هيكل غربي تماماً ، في حين أن أبويه يملكان عيوناً سوداً وشعراً أسود وبشرة سمراء وهيكلاً شرقياً تماماً ، إن هذه التغيرات التي تخالف السر الطبيعي لقانون الوراثة يمكن أن تستند إلى المتغيرات الأولية والفجائية للجينات ..
    ومنشأ هذا كله راجع إلى الطفرة ، ولكن العلوم البشرية لم تتوصل بعد إلى العلل الواقعية لأفعال هذه الطفرات الحاصلة ، اللهم إلا مجرد بعض النظريات والاحتمالات الفارغة ... » (1).
    النظرية الأولى : ترجع هذه الطفرة أو التغيير المفاجئ إلى بعض أشعة الطبيعة كإشعاعات الأرض المتصلة بالقوة الناقلة لأمواج الاديو في التربة ، أو إشعاعات الهواء الناشئة من الشمس أو إلى غير ذلك من الإشعاعات.
    النظرية الثانية : وجود الجينات الصانعة للصفات الجديدة في خلايا الأجيال السابقة بصورة مضمرة وظهورها عند حصول الشروط المساعدة لها.
    أقول : وإن كنا نتفق مع هذه النظرية من حيث النتيجة ، لكن نختلف معهم من حيث الاستدلال عليها ؛ فهم يقولون : بأن الإنسان فيه صفات مختفية من حيث الآباء اختفت في الأبناء ثم ظهرت في واحد منهم ، فالمجرم يعرف إلى صورة الشكل فاندفاع الجبهة إلى الأعلى وحدة الأذن وعدم التصاق تماماً إن هذه العلامات كانت في آبائه السابقين المجرمين.
    النظرية الثالثة والمختارة : وهي عبارة عن تبني الرأي النبوي للموقف ، وأن حدوث ذلك هو من الجينات أنفسها والتي عبرت عنها الرواية بالعرق ، أي أن عامل الوراثة قد ظهر من أثر الأجيال السابقة التي لم يلحق عليها الوالدان فيعتقدان الغرابة من حيث الصفات للمولود.
1 ـ ج 1 ، ص 62.

(37)
    عن أبي جعفر عليه السلام قال : « أتى رجل من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم منها إلا خيراً ، وقد أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعد قطط أفطس الأنف ، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا أجدادي.
    فقال لامرأته : ما تقولين ؟
    قالت : لا والذي بعثك بالحق نبياً ما قعدت مقعده منذ ملكني أحداً غيره.
    قال : فنكس رسول الله رأسه ملياً ثم رفع بصره إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال : يا هذا إنه ليس من أحد إلا وبينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقاً كلها تضرب في النسب. فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسأل الله الشبه لها فهذا من تلك العروق التي لم تدركها أجدادك وأجدادك ، خذي إليك ابنك. فقالت المرأة : فرجت عني يا رسول الله ».
    وهنا يكتفي الفلسفي وغيره عنده هذه الرواية التي تشير إلى أن هذه الطفرة لم تنشأ من عنصر غريب عن الزوجين بل هو منهما. ولكن يبقى السؤال وهو ما هو المفعل لظهور هذه الطفرة وما منشؤها ؟
    علمنا أن العرق دساس وأنه قد يكتسب الصفات الوراثية البعيدة. ولكن ما هو تفسير هذه الظاهرة ؟
    في معرض الجواب نقول :
    أولاً : لقد ثبت علمياً أن المادة المنوية تحتوي على ثلاثمائة مليون حيواناً منوياً ، يعني لو كانت هناك قابلية تلقح كل هذه الحيوانات بأي طريقة كانت لكان عندنا ثلاثمائة مليون إنساناً له صفات خاصة تخصه تختلف عن الآخر.
    ثانياً : إن تلقيح حيوان واحد من ثلاثمائة مليون دون غيره له سر خاص منشؤه الإرادة الإلهية في المقام الأول ، وفي المقام الثاني أن المفعل لهذا


(38)
الحيوان هو الحالة النفسية التي يكون فيها الزوجان والتي عبرت عنها النظرية الثانية ظهورها عند حصول الشروط المساعدة لها. هذه الشروط هي الحالة النفسية وبالخصوص الحالة التخليلية للزوجين أثناء الجماع. فقد ذكرنا في بداية الكتاب أن النظر إلى صورة شخص ، أو صب الاهتمام في شخص معين يؤثر في تشكيل الشخص على حسب المراد ، ولا ننتظر الطفرة لتحدث. فقد ذكر صاحب ( البحار ) تعليقاً على الرواية السابقة التي جرت بين دانيال وبخت نصر ما هذا نصه : « أقول : ذكر الاطباء أيضاً أن للتخيل في وقت الجماع مدخلاً في كيفية تصوير الجنين. قال ابن سيناء في القانون : قد قال قوم من العلماء ولم يعدوا عن حكم الجواز : إن من أسباب الشبه ما يمثل حال العلوق في وهم المرأة والرجل من الصورة الإنسانية تمثلاً متمكناً » انتهى. وقال بعضهم : « تصور رجل عند الجماع صورة حية فتولد منه طفل كان رأسه رأس إنسان وبدنه بدن حية » (1).
    ومما يعضد ذلك ، أن إحضار الصورة وقت اللقاء الجنسي يؤثر في المشابهة ، ما رواه المجلسي في بحاره عن أبي عبدالله عليه السلام وهو يتحدث عن قصة نبي الله شعيب وموسى.
    قال : « فلما قضى موسى الأجل لشعيب : قال لا بد لي أن أرجع إلى وطن أمي ، وأهل بيتي فمالي عندك ؟
    فقال شعيب أما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بلق ( بلق سواد وبياض ) فهو لك.
1 ـ البحار : ج 60 ، ص 367.

(39)
    فعمد موسى عندما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مربض الغنم وألقى عليه كساء أبلق ثم أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم تلك السنة إلا ابلقاً ... » (1).
    وأيضاً مما يدعم هذا الاستنتاج وهذا الرأي ما نجده في حكم الإمام علي عليه السلام ، وقوله عندما جيء بامرأة إليه قد ولدت ولداً أسود الوجه وكان والداه يتصفان بالبياض. زوجها رفع عليها دعوة بأن هذا الولد ليس له ، نظر الإمام علي إلى المرأة وإلى حديثها فوجد صدق اللهجة ، وأنها امرأة عفيفة. بعد أن سمع حديثهما حكم بأن الولد للرجل. ثم قال الإمام للرجل : ألم يوجد في الغرفة التي انعقدت النطفة فيها صورة سواد ؟ قال الرجل ولماذا ؟
    قال الإمام علي : إذا توجه الرجل والمرأة في أثناء انعقاد النطفة إلى صورة. هذا التوجه يؤثر على النطفة. وولدك أصبح أسـود بسبـب توجهكـم إلـى الصـورة السـوداء (2).
    وليس الأثر للعرق الدساس فقط أو الوراثة البعيدة أو القريبة ، بل قد يحصل تشابه حتى مع الغرباء الذين لا ربط لك بهم ، وهذا نادر وإليه تشير الأمثال الشعبية ( يخلق من الشبه أربعين ).
    والأصرح في ذلك كله والمؤيد له قول أبي عبدالله عليه السلام حيث قال :
    « تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقاً جمع كل صور بينه وبين أبيه آدم ، ثم خلقه على صورة أحدهـم فلا يقولن أحد هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئاً من آبـائي » (3).
1 ـ البحار : ج 13 ، ص 27.
2 ـ تربيت فرزند از إسلام ص 65.
3 ـ البحار : ج 60 ، ص 340.


(40)
    كما تجدر الإشارة إلى أن الفضاء والمكان الذي يقع فيه اللقاء الجنسي يجب أن يكون مكاناً خالياً من المعاصي بعيداً عن آثارها وظواهرها ؛ لأن ذلك يؤثر في الزوجين مما يلزم أن يقع ذلك الأثر على الجنين بصورة غير مباشرة ، وهناك أحكام كثيرة في مثل هذا الأمر نتطرق لها حسب المقام ـ إن شاء الله ـ أو تفصيلاً في محله.
    وهنا نكتفي بالحديث عن هذه المسألة رعاية للاختصار الذي ألزمنا أنفسنا به.


(41)
إن من غايات الزواج هي النسل وتكثير قول ( لا إله إلا الله ) ، ولكن قد تشاء القدرة الإلهية من جعل الرجل ، أو المرأة عقيماً لا يرزق الخلف. وذلك لحكمة اقتضاها علم الله ، أو قد تتأخر عنه الذرية لا لشيء سوى قدرته ، وعلمه بحقائق الامور قال تعالى : « أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير » (1).
    ومع ذلك فتح الله الباب على مصراعيه فلم يجعله مسدوداً على العباد ، بل حثهم على طلبه والتوسل إليه ؛ فإن أكرم الأكرمين لا يرد أحداً خائباً لا سيما إذا أكثر الطلب والح فيه ، وإنه لا يوجد لديه سبحانه وتعالى مستحيل بل أمره إذا أراد أن يقول له كن فيكون.
    فهذا زكريا عليه السلام قد دعا ربه بأن يهبه ذرية طيبة مع ما بلغ من الكبر وكانت زوجته عاقراً لا تلد ومع ذلك لم ييأس من الاستجابة.
    قال تعالى : « هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملآئكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيدا وحصوراً ونبياً من الصالحين * قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء ». (2)
1 ـ الشورى : 50.
2 ـ آل عمران : 28 ـ 40.


(42)
    ولذلك عندما استفهم زكريا من الله كيف يرزقه الذرية على ما به وبزوجته جاء الجواب الإلهي ، قال تعالى : « قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ». (1)
    وفي قصة نبي الله ابراهيم عليه السلام مع ضيفه المكرمين عندما بشروه بغلام عليم قال تعالى : « فاقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم * قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم » (2).
    فإذا تأملنا هذه الآيات جيداً نجد الجواب يأتي من قبل الله عزوجل بأن الله يفعل ما يشاء ، وأن هذا الأمر عليه هين ، وإنه حكيم عليم. فإذا عرفنا أن الله يفعل ما يشاء ولا يقف شيء حاجزاً لمشيئة الله عن حدوث ذلك الشيء إلا عدم المشيئة ، فلنسع في الحث والطلب من الله أن يشيء لا سيما أن هذه الإشاءة عليه سبحانه وتعالى هينة غير عسيرة ، وما يؤخرها سوى حكمته ، وعلمه بمصالح الأمور وأفضلها للعباد. فلندعه بأحسن حال ويتلطف علينا بالإجابة ، وأن يرزقنا الذرية الصالحة الطيبة. ولا سلاح لذلك إلا الدعاء ؛ فالدعاء يغير ما هو مثبت في اللوح المحفوظ « وعنده أم الكتاب » « يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب » (3).
    لذلك نجد أهل البيت صلوات الله عليهم أرشدونا إلى السبيل ولم ييئسونا من الذرية ، بل حثونا على السعي والطلب في الطريق الذي من خلاله يحصل الطالب على مبتغاه ؛ فكما أن الدواء المادي طريق للعلاج كذلك الدواء الروحي طريق آخر للعلاج الروحي والمادي أيضاً. ومن هذه الأمور ما يلي :
1 ـ مريم : 9.
2 ـ الذاريات : 29 ـ 30.
3 ـ الرعد : 39.


(43)
    1 ـ أن يرفع صوته عالياً بالأذان في المنزل ، ويكثر من ذلك.
    روى محمد بن راشد عن هشام بن إبراهيم « أنه شكا إلى أبي الحسن عليه السلام سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله. قال : ففعلت فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي » (1).
    2 ـ أن يكثر من الاستغفار ليلاً ونهاراً.
    شكا الأبرش الكلبي إلى أبي جعفر عليه السلام أنه لا يولد له وقال : « علمني شيئاً فقال : استغفر الله في كل يوم وفي كـل ليلة مائـة مـرة فـإن الله عزوجل يقـول : « استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين .. » (2).
    3 ـ أن يقول كل يوم إذا أصبح أو أمسى : سبحان الله سبعين مرة ويستغفر الله عشر مرات ، ويسبح تسع مرات ، وتختم العاشرة بالاستغفار.
    4 ـ أن يصلي ركعتين بعد صلاة الجمعة ويطيل فيها الركوع والسجود ويدعو بالأدعية المأثورة ، منها :
    1 ـ « اللهم إني أسألك بما سالك به زكريا يا رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.
    اللهم هب لي ذرية طيبة إنك سميع الدعاء. اللهم باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها ، فإن قضيت في رحمها ولداً فاجعله مباركاً ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً .. ».
    2 ـ ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله عليه السلام : إذا أبطأ على أحدكم الولد فليقل : « اللهم لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين وحيداً وحشاً فيقصر شكري
1 ـ الوسائل : ج 21 ، ص 373.
2 ـ الوسائل : ج 21 ، ص 368.


(44)
عن تفكيري ، بل هب لي عاقبة صدق ذكوراً وأناثاً آنس بهم من الوحشة وأسكن إليهم من المودة ، وأشكرك عند تمام النعمة يا وهاب يا عظيم يا معظم ، ثم أعطني في كل عافية شكراً حتى تبلغني منها رضوانك في صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء العهد » (1).
    3 ـ أن يقرأ قبل الجماع قوله تعالى : « وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانـك إني كنت من الظالمين » (2) إلى ثلاث آيات.
    وهناك كثير من الأدعية والصلوات المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، فمن أرادها فليطلبها في محلها.
1 ـ الوسائل : ج 21 ، ص 368.
2 ـ الانبياء : الآية 87.


(45)
    إن عملية انتخاب الولد ذكراً كان أو أنثى حلم من أحلام الزوجين لا سيما أن لكل شخص ميوله الخاصة به ، والرغبة التي تؤثر عليه في اختيار جنس الولد ذكراً أو أنثى. ويمكن القول : إن هذه المسألة كانت منذ القدم تشغل بال الكثيرين ونتاج هذه الحاجة الماسة خرجت بعض الآراء التي لا تقوم على أساس علمي وما هي إلا نوع من الدجل والخداع ، ومنها قام على أساس البحث والتحقيق ، وإن لم يطابق الواقع 100% بل قاربها. ولله الحكمة البالغة.
    وقبل الخوض في الطرق نقدم مقدمات لابد منها.
    المقدمة الأولى : أن تحديد الجنس للمولود لا يخص الرجل وحده ولا المرأة وحدها ، بل كلا الزوجين لقوله تعالى : « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا » (1).
    فالآية تدل على كون خلقه تم عبر الاثنين وأن الزوجين الذكر والانثى لهما مدخلية في تكوين الجنس ، وقال تعالى : « إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج » (2).
    و ( الأمشاج ) هو الاختلاط بين الماءين ماء الرجل وماء المرأة.
    المقدمة الثانية : أن المادة المنوية والبويضة هما عبارة عن قابل وفاعل ؛ فالمني فاعل والبويضة قابلة للتأثر وكذلك البويضة. ولكن بصورة أضعف
1 ـ الحجرات : 13.
2 ـ الإنسان : 2.
عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: فهرس