عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: 181 ـ 195
(181)


(182)

(183)
    إن سيرة حياة الإنسان متوقفة على طريقة تفكيره ، وطريقة التفكير تختلف بحسب الأشخاص ، ومنشأ ذلك هو كيفية استخدام المعلومات التي يحصل عليها الإنسان. ولكي يكون ولدك في ركاب المفكرين والعباقرة يلزمه أن يتعامل مع المعطيات التي يحصل عليها بطريقة تثير دفائن العقول وتحثها على الحركة نحو المجهول. أما ما هي هذه الطريقة ؟
    فنقول :
    أولاً : يجب أن لا يكون همه حفظ المعلومات من غير وعي وإدراك لما يحفظ ، وعليه لابد أن يحفظ الشيء الذي يؤمن به حتى يستطيع أن يتعامل مع محفوظاته بالصورة المناسبة. ولا يجب أن يفهم حقائق الأمور بل لابد أن يفهم شيئاً منها على الأقل ؛ فإن من المؤسف أن البرامج التعلمية عندنا تعتمد على حشو المعلومات والتعامل معها بطريقة جامدة !
    ثانياً : تشجيعه على التفكير بإلقاء الأسئلة المتكررة والمناسبة التي تحثه على تفسير الظواهر التي يراها ويعيشها ، ومساعدته عند حيرته على معرفة الجواب المناسب ، كأن تسأله مثلاً لماذا تأكل الطعام ؟ وعند جوابه لنشبع مثلاً ، نسأله سؤالاً آخر ولماذا نشبع؟ يأتي الجواب حتى نكبر ، وتسأله مرة ثالثة. ولماذا نكبر ؟ يأتي الجواب حتى نعيش وهكذا ... وأنت بهذه الطريقة تحثه على التفكير في الأمور التي يعايشها.
    ثالثاً : تعليمه كيفية تحليل الأمور ولو بشكل بسيط فإذا استطاع ذلك تعلم كيف يربط الأمور بعضها مع بعض ، ويتجنب كثيراً من القضايا التي ستواجهه في المستقبل ؛ فمثلاً :


(184)
عندما تكون أمه غضبى عليه نأتي ونقول له : لأنك رميت القاذورات في الصالون ، ولم ترم بها في سلة المهملات ، وهذا من شأنه أن يجعل البيت غير نظيف ، وهذا يتعب ( الماما ) في تنظيف البيت لذلك ( الماما ) غضبى عليك ، وهكذا.
    رابعاً : تعليمه قاعدة ( أنه لكل معلول علة ) والترابط الذي بينهما ، وهذه القاعدة لو أتقنها حق إتقان سيتفتق فكره ويكون حاد الذكاء ؛ إذ من خلال تعلمه أنه لكل شيء سبب سيحاول أن يفهم الأمور كما تجب ، ولا يأخذه بشكل ساذج ومجرد. ويمكن تعليمه هذه القاعدة بالأمثلة التي تضرب له في الميدان العملي لا النظري ، كأن يقال له : إن النار تحرق وتقدم يده إلى النار ويحس بحرارتها سيعرف الترابط بين النار والإحراق ، وهكذا مع أمثلة مختلفة حتى يفهم وجه الترابط بينها. وليس من المهم أن يفهم القاعدة كما يفهمها الكبار مع حفظ المصطلحات ، بل إن الانتقال الذهني الذي يحدث له من جراء الأمور هو المطلوب في مرحلته الأولى. وشيئاً فشيئاً تترقى مداركه حتى يعي الأمر كما يجب.
    خامساً : تعليمه تجزئة المعلومة إلى معلومات صغيرة وأوليات ، ويفيده في معرفة كيف تركب الأمور بأي شكل إذا جمعت مع بعضها تعطي شيئاً آخر. ومن خلال هذا ينمو عنده الحس الإبداعي ، كأن تجزئ له العشرة إلى واحد وواحد ، وهكذا حتى يصبح العدد عشرة أو تجزئ له السيارة الصغيرة التي يلعب بها وأنها مكونة من عجلات ومقود وحديد ... الخ وعند اجتماعها تظهر بصورة مغايرة عما هي عليه.
    سادساً : تجنب إلقاء النتائج من غير توضيح المقدمات والأسباب التي تؤدي إلى النتيجة المطلوبة ، وذلك حتى يتعلم كيف يستدل ويربط بين المقدمات والنتيجة. وأنت بهذا الطريقة تأخذ بيده نحو الطريق الصحيح


(185)
للاستدلال والتفكير المطلوب ، كأن تقول له : ولد الجيران رجله مجروحة ( هذه النتيجة ).
    أما أسبابها ؛ لأنه خرج إلى الشارع حافي القدمين ، ولأنه لعب في أماكن قذرة فأصابت رجله زجاجة فجرحتها وهكذا.

    ( تنبيه )
    ومع استخدام هذه الأساليب بشكل متكرر ودائم حتى يألف الطفل هذه الأساليب تكون عنده سجية وملكة راسخة ، مع ملاحظة أن هذا الأمر يحتاج من الوالدين والمربين وقتاً طويلاً مع المثابرة.


(186)

(187)


(188)

(189)
    الهدف هو النقطة التي ينظر إليها الإنسان ، ويسعى في حركته للوصول إليها ، مع سعي ومثابرة وصبر لرفع كل العوائق التي تقف في وجهه. وهذا يحتاج إلى إيمان بالهدف ومعرفته بشكل واضح لا ابهام فيه حتى تتشوق نفس الإنسان إلى طلبه ، ولا يختلف هذا بين الصغير والكبير ، ولكن في الصغير يحتاج إلى بذل جهد أكبر ؛ إذ السؤال الذي يطرح نفسه من الذي يحدد الهدف للصغير ؟ وعلى أي أساس؟
    إن الذي يحدد الهدف للصغير ، هو لا غير. أما دور المربين والوالدين هو في توجيه الهدف وتقييمه. أما على أي أساس يختار الطفل الصغير هدفاً معيناً ؟ فهو على عدة أمور منها : نظره إلى شخصية كبيرة يحبها ويقدرها فيحاول أن يقلدها أو يحتذي حذوها ، لميول خاصة كرسم أو غيرها. هنا يأتي دور الأب والأم فتنمية هذه الرغبة عنده وخلقها بصورة جيدة أمام ناظريه ، مع تهيئة السبل له في هذا الهدف ، كأن يشجعونه على اختياره وينادونه بها دائماً ويذكرونه ، كأن يحب الطب ينادونه دكتور أو يا مهندس أو يا ضابط ... الخ.
    ويربطون هداياهم ومشترياتهم له بالهدف الذي اختار لنفسه كأن يشتروا له اللباس الخاص بالأطباء مع الأدوات التي تحكي أدوات الأطباء وهكذا. نعم ، يلزم كما ذكر علماء التربية أن يجزأ الهدف إلى مراحل حتى يقطعها شيئاً فشيئاً ويحس بقرب وصوله إلى الهدف ، كأن يقال له : ذاكر جيداً حتى


(190)
تنجح وتكون طبيباً ويذكرونه بأن كل مرحلة يقطعها يقترب نحو الهدف وهكذا.


(191)


(192)

(193)
    من أهم النقاط التي تصب في تربية الأطفال تربية سليمة وتنشؤهم نشأة حسنة هي حمايتهم من كل شيء يحرف فطرتهم وتكوين شخصيتهم ، والمتتبع لكثير من الأمراض السلوكية يجد أن من أهمها الشذوذ الجنسي سواء كانت بين الرجال والتي تسمى بعملية اللواط ، أو بين النساء والتي تسمى بعملية المساحقة والعياذ بالله.
    وقد يظهر في هذه الحالة من الشذوذ الجنسي المماثل على شكل صورتين فاعل ومنفعل أي في كل صورة يكون فيها شذوذ لابد من فاعل يمثل دور الرجل ومنفعل يمثل دور المرأة ، وقد تكون عند شخص واحد الصورتان معاً أي يتبادل الأدوار وهذا الأمر قد لا يبدو ظاهراً في الواقع الخارجي إلا أنه في طيات الشخص موجود ، وقد يعاني من الضغوطات الاجتماعية مما يحدوه إلى الزواج ، ويكون عند الناس أنه إنسان عادي ولكنه حقيقة مريض مبتلى بشذوذ.
    وبغض النظر عن التوجهات في منشأ هذه الظاهرة هل هو إفرازات ، أو خلل فيها فإن كثيراً من المحللين يرجعون الظاهرة إلى أسس التربية في الصغر.
    وأكثر الأطباء النفسانيين عندما يلاحظ هذه الظاهرة ( الشذوذ الجنسي ) يحاولون أن يتناولوها ويلاحظوا تطورها ؛ فمثلاً قبل أن تصل النوبة إلى قبول الشخص بفكرة الشذوذ الجنسي قد يبدأ لديه في صغره مرض ممهد له ، وهو الانحراف في الملبـس ( transvestism ) وهو عبارة عن شذوذ جنسي يتوق


(194)
فيه المصاب لارتداء ملابس الجنس الآخر ، والتظاهر بمظهره ، ومنشأ هذا المرض هو خلل في الانتماء إلى جنسه والإحساس بالانتماء إلى الجنس الآخر.
    أما كيفية معالجة هذا الشذوذ فبإزالة الرواسب الذهنية ، وتثقيفه من جديد بما يوافق جنسه وشخصيته عبر جلسات الإيحاء الذاتي عن طريق التنويم ، أو بعض الادوية المساعدة لزيادة الهرمونات الذكورية ، أو الأنثوية حسب الحاجة وحسب الشخص ، وهذه مرتبة متأخرة.
    وهناك مرتبة متقدمة وهي العملية الوقائية قبل حدوثها وتتلخص في عدة نقاط :
    النقطة الأولى : أن يفرق بين الأطفال في المضاجع وذلك عند بلوغهم ست سنوات ، أو عشر سنوات بين الذكور والأناث ، وذلك حتى لا يحدث عنده ميل إلى النزو على المحارم والعياذ بالله. لذلك جاء عن جعفر بن محمد عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الصبي والصبي والصبي والصبية والصبية والصبية يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين ». وفي رواية أخرى قال : « وروي أنه يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين » (1).
    وهذا الذي نادى به الأطباء النفسانيون حيث قالوا بوجوب توخي إنشاء العلاقة الجنسية. يقول الدكتور منير شحود في كتابه تحت عنوان ( الوقاية النفسية للاضطرابات الجنسية ) : « والأهم من ذلك هو منع العلاقات الجنسية بين الأطفال والمراهقين من جهة والكبار من جهة أخرى ، وعمل كل شيء للحيلولة دون ذلك. وبهذا الخصوص ينصح بعدم النوم في فراش واحد للكبار والصغار من الجنس نفسه. وينبغي تحذير الفتيات من الصديقات اللواتي يظهرن نحوهن مزيداً من اللطف والحنان » (2).
1 ـ الوسائل : ج 20 ، ص 231.
2 ـ الجنس عند المرأة : 233.


(195)
    لذلك نجد التشديد في الشريعة الإسلامية لرد مثل هذه المسائل ومقدمتها ، حتى إنها أوجبت الجلد على الشخصين الذين يوجدان تحت لحاف واحد مجردين مائة جلدة حد الزنا وذلك لأن فعلهما هو في حقيقة إرادة الزنا ، وإلا فالعقوبة الحقيقة للواط والمساحقة القتل.
    عن ابي جعفر عليه السلام قال : « كان علي عليه السلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة كل واحد منهما » (1).
    وفي رواية أخرى عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا ينام الرجلان في لحاف واحد إلا أن يضطرا فينام كل واحد منهما في إزاره ويكن اللحاف بعده واحداً والمرأتان جميعاً ، وكذلك ولا تنام ابنة الرجل معه في لحافه ولا أمه ».
    كل ذلك توخياً من حدوث شذوذ جنسي أو اعتداء على المحارم.
    أما التساهل في هذا الأمر والقول بأن الأطفال لا يفهمون شيئاً ، أو دعوا عنكم هذا التعقيد والتشدد ، فجواب هؤلاء : أن بداية النار الكبيرة هي الشرار الصغير ، وبداية الحرب الكلام ، وإذا كنت تعتقد بأن طفلك ساذج لم يصل إلى حد الإدراك الواعي لهذه المسائل لا تضمن الطفل الآخر ، أو الشخص الآخر. وعلى كل حال إن الشيطان لم يمت بعد والشر لم ينته.
    النقطة الثانية : إعطاء كل فرد شخصيته وهويته المستقلة عن الجنس الآخر بحيث تبرز فيه معالم الرجولة عند الذكر ، ومعالم الأنوثة عند البنت ومن أهم الأمور في هذه النقطة هو الالتزام بالشكل الخارجي ، وعدم السماح للبنت بلبس الألبسة الرجالية وبالعكس ، أو تقليد قصة الشعر والذي انتشر في أيامنا هذه ـ وللاسف ـ جهلاً بحقائق الأمور ، بحيث أصبح الرجل يطيل
1 ـ الوسائل : ج 20 ، ص 341.
عبقـرية مبكـرة لأطفالنا ::: فهرس