|
|||||||||||||||||||||||||
جواد شبر
ادب الطف
او شـعراء الحسيـن ( عليه السلام ) من القرن الاول الهجري حتى القرن الرابع عشر
الجزء الاول
مؤسـسة التـاريخ
بيروت ـ لبنان (5)
يا سيد الشهداء وشهيد الاباء ، اقدم لأعتابك هذه المجموعة الفواحة رمزاً للوفاء ، فما أتمتع به من عزة وكرامة وعافية وسلامة كانت من اشعاعاتك التي تضفيها علي بجاهك العظيم عند الله تعالى.
فتقبل يا سيدي بعض ما يجب من ولدك. المؤلف
(6)
(7)
تصدير :
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرّحيمِ
وبعد :
فان كلمتي هذه ليست مقدمة بمعناها الصحيح ، ولا تقريظاً لهذه المجموعة ، او تعرفاً لها ، او ثناء على من جمعها ، وان استوجب الشكر على ما بذل من جهد ، و انما تبحث هذه الكلمة : اولا : هل يقدس الشيعة شخص الحسين بالذات ، او ان اسم الحسين عندهم رمز لشيء عميق الدلالة ، تماماً كما يرمز العاشق بالغزال الى محبوبته ؟. ثانياً : هل انعكس شيء من اشراقات الحسين (ع) وروحه في نفوس الذين يهتفون باسمه ليل نهار ـ في هذا العصر ـ ويحتفلون بذكراه ، وينصبون لها السرادقات ، ويقيمون لها الحفلات ، وينفقون عليها الالوف ؟. (8)
ثالثاً : هل خطباء المنبر الحسيني يؤدون مهمتهم كما ينبغي ؟.
الحسين رمز : قد يبدون للنظرة الأولى ان كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر منها ، وان دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه ، وان الشيعة ينفعلون بهذه الشخصية الى حد الجنون .. ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة الى معنى اشمل واكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير ، ويؤمن ايماناً لا يشوبه ريب بان كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء ونكران الذات ، وان الحسين ماهو الا مظهر ومثال لهذا المبدأ في اكمل معانيه .. ودليل الادلة على هذه الحقيقة هو ادب الشيعة انفسهم .. فلقد كان الادب ، وما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الامة وعقيدتها ، وعاداتها وبيئتها. واذا رجعنا الى التراث الادبي لشيعة اهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج الصارخ على الظلم والظالمين في كل زمان ومكان ، والثورة العنيفة في شرق الارض وغربها ، وان ادباء الشيعة ، وبخاصة شعراءهم يرمزون باسم الحسين الى هذه الثورة ، وذاك الاحتجاج ، لان الحسين اعلى مثال واصدقه على ذلك ، كما يرمزون الى الفساد والطغيان بيزيد وبني حرب وزياد وامية وآل ابي سفيان ، لانهم يمثلون الشر بشتى جهاته ، والفساد بجميع خصائصه على النقيض من الحسين .. واليك هذه (9)
الابيات كشاهد ومثال :
فمن قصيدة لاديب شيعي :
(10)
(11)
عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان ، او رجحت كفة الحسين ، وما هذه المجموعة ( الشبرية ) الا نقطة من بحر ، وحبة من رمل ، والسر الاول والاخير يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين ، واشار اليه بقوله ؛ وهو في طريقه الى ربه : ( امضى على دين النبي ) : اذن ، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي.
وقد يقال : ان مسألة النظم في الحسين (ع) مسألة طائفية ، لا مسألة اسلام وانسانية ؟. ونقول في الجواب : ان تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد للانسانية نفسها ، حتى ولو كان الدافع الطائفية او الحزبية او القومية ، فان الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية ، ومع ذلك فهي انسانية ، ومصدر الإلهام لكثير من الثورات. وبهذه المناسبة انقل هذا المقطع من كتابي ( الاثنا عشرية ) : ان التطور لم يقف عند حدود المادة ، بل تعداها الى الافكار واللغة ، لانها جميعاً متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض ، وكلمة الحسين كانت في البداية اسما لذات الحسين بن علي (ع) ثم تطورت مع الزمن ، واصبحت عند شيعته وشيعة ابيه رمزاً للبطولة والجهاد من اجل تحرير الانسانية من الظلم ولااضطهاد ، وعنواناً للفداء والتضحية (12)
بالرجال والنساء والاطفال لإحياء دين محمد بن عبد الله ، « ص » ولا شيء اصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين : امضي على دين النبي.
اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية ، وهي الآن عند الشيعة رمز الفساد والاستبداد ، والتهتك والخلاعة ، وعنوان للزندقة والالحاد ، فحيثما يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد ، وحيثما يكون الحق فثمَّ اسم الحسين .. فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة وسيناء والضفة الغربية من الاردن ، والمرتفعات السورية ، اما اطفال الحسين وسبايا الحسين فهم النساء والاطفال المشردون من ديارهم .. وشهداء كربلاء هم الذين قتلوا دفاعاً عن الحق والوطن في 5 حزيران. وهذا ما عناه الشاعر بقوله :
ونخلص من هذا الى نتيجة لا مفر منها ، وهي ان اية ثورة على الظلم والطغيان تقوم في شرق الارض و غربها فهي ثورة حسينية من هذه الجهة ، حتى ولو كان اصحابها لايؤمنون بالله واليوم الآخر .. فان الظلم كريه و بغيض بحكم العقل والشرع ، سواء أوقع على المؤمن ام الكافر ، وان اي انسان ضحى بنفسه في سبيل الخير والانسانية فهو حسيني في (13)
عمله هذا ، وان لم يسمع باسم الحسين ، لان الانسانية ليست وقفاً على دين من الاديان ، او قومية من القوميات.
وعلى هذا فالفيتناميون الذين يموتون من اجل التحرر والتقدم ، وصد الغزاة الغاصبين يلتقون مع الحسين في مبدأه ، وان لم يسمعوا باسمه ، ومن لا يهتم الا بنفسه وذويه ، ويساند اهل البغي والفساد حرصاً على منفعته فهو على دين يزيد وابن زياد ، وان لطم وبكى على الحسين ان الحسيني حقاً من يؤثر الدين على نفسه واهله ، ويضحي بالجميع من اجله ، تماماً كما فعل الحسين ، اما من يكيف الدين والمذهب على اهوائه تماما كما يقطع الثوب على مقدار طوله وعرضه ، اما هذا فما هو من الحسين ودين الحسين في شيء. وتقول : كيف ؟ وهذه الحرقة واللوعة ، وهذا الدمع والعويل على الحسين ، هل هو رياء ونفاق ؟. واقول : كلا ، هو صدق واعتقاد ، ولكن الشيطان يوهمه ان الدين هو مجرد البكاء على الحسين وزيارة قبر الحسين (ع) .. وفيما عداه فالدين هو منفعته ومنفعة اولاده وذويه .. ودليل الادلة على ذلك انه حينما تصدم هذه المنفعة مع مبدأ الحسين يؤثرها على الحسين وجد الحسين .. ان حب الذات يفصل الانسان عن نفسه ، ويبعده عن واقعه ، وينتقل به الى عالم لا وجود له الا في مخيلته وعقيدته ، ويوهمه انه (14)
اتقى الاتقياء ، وهو أفسق الفاسقين ، وانه اعقل العقلاء ، وهو اسفه الجاهلين.
ومن يدري اني اصف نفسي بنفسي ، من حيث لا اشعر .. واقول .. ان هذا ليس بمحال ، وانه جائز على كل انسان غير معصوم كائناً من كان ويكون .. ولكني اقسم جازماً اني اتهم نفسي واحاكمها كثيراً ، و اتقبل الحكم عليها من كل منصف خبير ، فهل يتفضل السادة الكبار ، بل والمراهقون منهم والصغار ، هل يتفضلون بقبول الرجاء من هذا العبد الفقير الذي يتهم نفسه ان يتهموا انفسهم ، ويراجعوها ، ويقفوا منها موقف الناقد البصير ، تماماً كما يتهمون غيرهم ، او ان حضراتهم يصرون على انهم فوق الشبهات ، لان الراد عليهم راد على الله ؟ .. ومهما شككت ، فاني على يقين بان من ينظر الى نفسه بهذه العين فهو من الذين عناهم الله بقوله : « قٌلْ هلْ انّبئكمْ بالأخسرينَ أعمالاً ، الذينَ ضلَّ سعيَهمْ في الحياةِ الدنيا وهم يحسبونَ انَّهمْ يحسنونَ صنعاً » 105 ـ الكهف. خطباء المنبر الحسيني : كان المنبر فيما مضى الوسيلة الكبرى للدعاية والاعلام ، ثم تطورت وسائل النشر الى الكتب ، ومنها الى الصحف والمسرح والاذاعة ، ثم (15)
الى التلفزيون والروايات والالواح الفنية ، والبعثات التبشيرية ، واخطر الوسائل كلها اولئك المأجورون الذين يقبضون في الظلام من اعداء الدين والوطن ؛ ويمشون بين الناس كالشرفاء .. وان لي مع هؤلاء لموقفا اجمع واوجع.
والشيعة لا يملكون من وسائل الاعلام الا المنبرا لحسيني و بعض المؤلفات ، ولكن جماهير منبر الحسين لا يحلم بها كاتب ومؤلف ، وهو سلاح له خطره و مضاؤه في محاربة الباطل واهله ، والزندقة والالحاد ، لان الهدف الاول من هذا المنبر ان يبث في الناس روح الحسين ، حتى اذا رأوا باطلا قاوموه وحقاً ناصروه ، ومن هنا كان العبء ثقيلا على خطباء المنبر الخطير الا على الاكفاء منهم .. والحق ان بعضهم أدوا المهمة على وجهها ، واهتدى بهم الكثير من الشباب الى سواء السبيل ولكن هؤلاء ـ وللاسف ـ قليلون جداً ، والاكثرية الغالبة مرتزقة متطفلون ، او ممثلون لايهتمون بشيء الا بعاطفة المستمع وميوله ، تماماً كالمهرج ، يقف على خشبة المسرح ليؤنس المتفرجين و يضحكهم. ويجهلون او يتجاهلون ان كمهمة المرشد الواعظ كمهمة الطبيب الجراح يستأصل بمبضعه الداء من جذوره ، ولا يكترث باحتجاج المريض وصراخه. |
|||||||||||||||||||||||||
|