أدَبُ الطّفّ ـ المجلد الثالث ::: 16 ـ 30
(16)
إن مسَّني العُدْمُ فاستبقي الحياء ولا فشعـر مثلي وخير القول أصدقه أما الهجاء فـلا أرضـى به خلقاً تكلفينـي سـؤال العُصبة السفل ما كان يفتر عن فخر وعن غزل والمدح إِن قلته فالمجد يغضب لي
    وله كما في معجم الأدباء :
عـلاقة بفـؤادي أعـقبت كـمـداً وللحجيـج ضجـيج في جـوانـبه فأيـقظ القلب رعـباً ما جنى نظري وقـد رمتني غـداة الخيـف غانية لما رأى صاحبي ما بي بكى جزعاً وقـال دع يا فتى فهـرٍ فقلتُ لـه فبـتُّ أشكـو هواها وهو مرتفـقٌ تـبدو لـوامعه كالسيف مختضبـاً ولـم يُطق ما أعانيـه فغـادرنـي لنـظرة بِمنـى أرسلتـها عـرضـا يقضون ما أوجب الرحمن وافـترضا كالصقر نـدّاه ظـلُّ الليل فـانتفـضا بناظـرٍ إن رمى لـم يُخطىء الغرضا ولـم يجـد بمنىً عـن ُخلَّتي عـوضا يا سعدُ أودعَ قلبـي طرفُها مـرضـا يـشوقـه الـبرق نجـدياً إذا ومضـا شـباه بالـدم أو كالعـرق إن نبـضا ـ بين النقا والمصلّى عندها ـ ومضى
ومن مفرداته :
لم يعرف الدهر قدري حين ضيعني وكيف يعرف قدر اللؤلؤ الصدف
    وفي خريدة القصر للعماد الاصبهاني : الابيوردي هو محمد بن احمد بن محمد القرشي الاموي ابو المظفر شاعر في طليعة شعراء العربية وإن لم ينل حظّه من الدراسة والبحث ، وهو مؤرخ وعالم بالانساب ، وله ديوان شعر مطبوع وقد اختار البارودي طائفة كبيرة من شعره في مختاراته ، وكان طموحاً ولعل هذا هو سبب قتله.


(17)
وقال الابيوردي مفتخراً بنفسه :
تقول ابنــة السعدي وهي تلومني فـإن عناء المستنـيم (2) الى الأذى فثـب وثبةً فيها المنـايا أو المنـى وإن لـم تطقها فاعتصم بابن حرةٍ يعيـن على الجُلّى ويستمطر الندى فَللمـوتُ خيرٌ للفتى من ضَراعـةٍ وما علمـت أن العَفـاف سجيّـتي أبى لي أن أغشى المطامع منصبي (3) أمـا لك عن دار الهوان رحـيلٌ (1) بحـيث يـذلُّ الاكرمون طويـل فـكل مـحـبٍّ للحـياة ذلــيل لهمّـتـه فـوق السمـاك مـقيل علـى ساعةٍ فيهـا النوال قـليل تـردُّ إليه الطـرف وهـو كليل وصبري على ريب الزمان جميل وربـي بأرزاق الـعـباد كفـيل
وقال أيضاً مفتخراً :
وإنـي اذا أنكرتني الـبلاد لكا لضيغم الوَرد كاد الهوان فشيـدتُ مجـداً رسا أصله ولــم أنظم الشعر عجباً به ولا هــزني طمعٌ للقريض وشِيب رضى أهلها بالغضب يـدبَّ إلى غابـه فاغتـرب أمُــتُّ إلـيـه بــأمٍّ وأب ولم أمتـدح أحـداً مـن أرب ولـكنه تــرجـمـان الأدب (4)
    ورأيت في مجموعة خطية للمرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء في مكتبة كاشف الغطاء العامة برقم 872 أبيات الابيوردي الاموي والتخميس للشيخ محمد رضا النحوي من شعراء القرن الثالث عشر الهجري.
سلا عنكُم مَن ضلَّ عنكم وما اهتدى عشيَة آنسنا على ناركم هدى

1 ـ عن جواهر الادب جمع سليم صادر ج 4 ص 190.
2 ـ استنام الى الاذى سكن إليه واطمأن.
3 ـ أصلى.
4 ـ عن جواهر الادب سليم صادر. ج 4 ص 190.


(18)
ومذ عادنا الشوق القديم كما بدا نزلنا بنعمان الأراك وللندى
سقيط به ابتلَّت علينا المطارفُ
عكفنا به والـركب للاين جُثَّـمُ قضوا للكرى حقاً ونومي محرَّم كأنهـمُ طيرٌ على المـاء حوَّم فبتُّ أُقاسي الوجد والركب نوَّم
وقد أخذت منا السرى والتنائف
صحا كل ذي شوق من الشوق وارعوى أُعلل نفسـي بـارعـواء عن الهـوى وبتُّ أُعاني ما أُعاني مـن الجوى واذكر خوداً ، ان دعاني على النوى
هواها أجابته الدموع الذوارف
تنكـّر ربـع بعـد ميثاء ممحلُ تعرَّض عنه العين والقلب مقبل عفى رسمه العافي جنوب وشمأل لها في محانـي ذلك الشعب منزل
اذا أنكرته العين فالقلب عارف
وعهدي به والعيش برد منمنم ومذ هـاجنـي شوق له متقدم به وهو للـذات واللهو موسم وقـفت به والدمع أكثـره دم
كأنّي من عيني بنعمان راعف
    أقول ومن المناسب أن أذكر ما يخطر ببالي ممن مدح أهل البيت من الأمويين ، فمنهم مروان بن محمد السروجي. قال المرزباني في معجم الشعراء ص 321 هو من بني أمية من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل :
يا بني هاشم بن عبد مناف أنتم صـفوة الإله ومنـكم وعـليٌ وحمـزةٌ أسدُ الله فـلئن كنتُ مـن أميّة إني إنني مَعكـم بـكل مـكان جعفر ذو الجناح والطيرانِ وبـنتُ النبـيّ والحسنـان لبـريء منها إلى الرحمنِ


(19)
    وفي أعيان الشيعة ج 1 القسم الثاني ص 193
    مروان بن محمد السروجي المرواني وفاته سنة 460
    وفي مطالع البدور ومجمع البحور (1) للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني قال : قال بعض الموالين للعترة الطاهرة وهو من بني أمية ( الابيات )
    وقال أبو الفرج الأصفهاني : ابو عديّ الأموي شاعر بني أمية وهو عبدالله ابن عمرو بن عدي بن ربيعة بن عبدالعزّى بن عبد شمس كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي بن ابي طالب صلوات الله عليه وسبّه على المنابر ويظهر الانكار لذلك فشهد عليه قوم من بني أمية ذلك وانكروا عليه ونهوه عنه فلم ينتهي فنفوه من مكة الى المدينة فقال في ذلك.
شردوا بي عند امتداحي علياً فور بي لا أبرح الدهر حتى وبنـيه لحـب احمـد إنـي حـبَّ دين لا حبّ دنيا وشرّ صاغني الله في الذوابة منهم عدّوياً خالي صريحا وجدي فسـواء علـيَّ لسـت أبالي ورأوا ذاك فـيَّ داءً دوّياً تمتلي مهجتي بحبي علـيا كنت أحببتهم لحبي النبيـّا الحب حبـاً يكون دنياوياً لا زنيماً ولا سنيداً دعيـاً عبد شمس وهـاشم أبويا عبشمياً دعيت أم هاشميا (2)
    وجاء في كتاب « أدب الشيعة » تأليف عبدالحسيب طه قال : فمن المفاضلة والمدح قول أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي ، وكان شديد التشيع لعلي عليه السلام :
نهاركُم مكابدة وصومُ وليلكم صلاةٌ واقتراء

1 ـ الكتاب في مكتبة كاشف الغطاء العامة.
2 ـ عن مجموعة المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، مكتبة كاشف الغطاء العامة وهي بخطه


(20)
بُليتم بالقرآن وبـالتزكَّي بكى نجـدٌ غداة غد عـليكم وحُق لكل ارض فارقوها أأجمـعكم وأقواماً سـواء وهم أرض لأرجلكم وانتم فأسرع فيكـُم ذاك البـلاء ومكـة والمـدينة والجواء (1) عليهم ـ لا أبالكم ـ البكاء وبينـكُم وبيـنهم الهـواء لأرؤسهـم وأعينهم سماء !!
ورواها صاحب ديوان المعاني ، واعجام الأعلام ، والأغاني.
    وأمر هشام بن عبد الملك عامله على المدينة أن يأخذ الناس بسب اميرالمؤمنين ـ علي بن ابي طالب ـ والحسين ، فيقول كثير بن كثير بن عبدالمطلب من كعب بن لؤي بن غالب :
لعـن الله مَن يسُـبّ علياً أتسبّ المطيّبيـنَ جـدوداً طبتَ نفساً وطاب بيتك بيتاً رحمـة الله والسلام عـليكم يأمن الطيـر والظباء ولا يأ وحسينـاً من سوقة وإمام والكرام الأخوال والأعمام أهـل بيت النبيّ والإسلام كـلما قـام قـائم بسـلام من رهط النبي عند المقام !!

1 ـ الجواء ، الواسع ،

(21)
أحسـين والمبعوث جدك بالهدى لـو كنتُ شاهد كربلا لبذلتُ في وسقيتُ حدَّ السيف مـن أعدائكم لكنني أُخّـرتُ عنـك لشـقوتي هبني حرمتُ النصر من أعدائكم قسماً يكون الحق عنه مسائلي تنفيس كربك جهد بذل الباذل عَللا وحـدّ السمهرىّ البازل فبلابلي بـين الـغري وبابل فاقلّ من حزن ودمـع سائل


(22)
    الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي العباسي البغدادي الشاعر المشهور الملقب نظام الدين ، كان شاعراً مجيداً وله اتصال بنظام الملك ، له ديوان شعر كبير في اربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب ( الصادح والباغم ) وهو على أسلوب ( كليلة ودمنة ) نظمه للامير سيف الدولة صدقة بن دبيس صاحب الحلة. نقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان ابن الهبارية (1) الشاعر اجتاز بكربلا فجعل يبكي على الحسين وأهله وقال يديهأ : ـ أحسين والمبعوث جدك بالهدى الابيات.
    ثم نام في مكانه فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام فقال له يا فلان جزاك الله عني خيراً ، ابشر فان الله تعالى قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين عليه السلام.
    توفى بكرمان سنة 504 وعن انساب السمعاني انه توفي سنة 504 والصحيح 509 وقال : له في رثاء الحسين ومدح آل الرسول اشعار كثيرة.
    وذكره السيد في الاعيان فقال : ابو يعلى نظام الدين محمد بن محمد بن صالح ابن حمزة بن عيسى المعروف بابن الهبارية الهاشمي العباسي البغدادي قال : وقد طبع كتابه ( الصادح والباغم ) في الهند ومصر وبيروت (2) وقال غيره : هو أحد شعراء بغداد المفُلقين ، لازم خدمة نظام الملك صاحب المدرسة النظامية وأحد وزراء الدولة السلجوقية واتصل بغيره من الرؤساء وشعره في غاية الرقة ولكنه يغلب عليه الهزل والهجاء إلا أنه اذا نظم في الجدّ والحكمة اتى بالعجب كما في كتابه ( الصادح والباغم ) وله كتاب ( الفطنة في نظم كليلة ودمنة ).
1 ـ الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة نسبة الى هبار جده لأمه.
2 ـ وهو في نحو 2000 بيتاً نظمها في عشر سنين. وطبع في باريس سنة 1886 م وفي مصر سنة 1292 وفي بيروت سنة 1886 م.


(23)
    وترجم له العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) فقال :
    الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح ابن الهبّارية العباسي الشاعر وديوان شعره اربعة اجزاء.
    وترجم له صاحب دائرة المعارف الاسلامية فقال : ولد في بغداد حوالي منتصف القرن الخامس الهجري ( العاشر الميلادي ) وتعلم في المدارس التي انشئت في ذلك العهد وخاصة في النظامية التي اسسها نظام الملك عام 459 هـ (1067) م ولم يكن يهتم بما كان يجري فيها من المناظرات الكلامية.
    قال في خريدة القصر قسم العراق ، وأنشدت له بأصفهان من قصيدة :
أثار جارُ داركَ وهيَ في شرع العلى لا يـزهدنّك منظـري في مَخبـَري ليس القُـدودُ ، ولا الـبرود ، فضيلـة ربعٌ حرامٌ آمنٌ جيرانـُهُ فالبحرُ مِلحُ مياههِ عقيانهُ ما المرء إلا قلبُه ولسانُهُ
وأنشدت له في الباقلاء الأخضر :
فصوصُ زمرُّدٍ في كيس دُرٍّ وقد خـاط الربيع لها ثيـاباً حكَت أقمـاعها تقليم ظُفـرِ لها لونان من بِيض وخُضر
وأنشدت له في نظام الملك :
نظام العلى ، ما بالُ قلبك قد غدا أنا أكثر الـورّاد حقاً وحـرمة على عبدك المسكين دون الورى فظا ؟ عـليـك ، فـما بالي أقلَّهم حظـّـا ؟
وأنشدت له ايضاً :
وإذا سخطتُ على القوافي صغتها وإذا رضيـتُ نظـمتها لجـلاله في غيره ، لأذلها وأهينها كيما أشرفها به وأزينهـا
وقوله من قصيدة :
إنما المال منتهى أمل ألخا مِلِ ، والرُدُّ مطلب الأشراف


(24)
لا أُحِـبّ الفِجَّ الثقيلَ ولـو جا وأُحبُّ الفتى يهشُّ الى الضيُّـ أريحياً طَـلِـقَ المحَيـّا حييّاً ولو اني لو أحظَ منه بغير الـ دَ ببــذلِ المِئـينَ والآلافِ ـف بأخلاقه العِذاب اللّطاف ماءُ أخلاقِهِ من الكبرِ صافِ ـشمّ شيئاً ، لكان فوق الكافي
ومن قوله :
ومُـدلل دقـت محاسنُ تـرك التصنَّعَ للجمـَا لو أن وجه البدر يُشـ الصـُّدغ مسـكٌ والثنا والـوردُ من وَجَـناته وجهـه عن أن تـكيَّف ل ، فكان أظرف للتظرف ـبهُ وجههُ ما كان يُكسف يـا لؤلؤ ، والـريق قَرقف (1) بـأنامِـلِ الألحـاظ يُقطَف
وله في نوح الحمامة
بي مثـلُ ما بـك يا حمامَ البانِ أعد السَّترم كيـفَ شئت ، فإننا لي ما رويت من النَّسيب ، وإنما أنا بالقدود وأنـت بالإغصانِ فيما نجُنُّ مـن الهوى سياّنِ لك فيه حقَّ الشَّدو والألحانِ
قال : وحكي لي : ان ابا الغنائم ابن دارست حمل ابن الهبارية على هجو نظام الملك فأبى ، وقال : هو منعم في حقي فكيف أهجوه ؟ فحمله على أن سأل ( نظام الملك ) شيئاً ، صعبت عليه أجابته الى ذلك ، فقال ابن الهبارية :
لا غَروَ إن مَلكَ ( إبنُ إسـ وصـفت له الدُّنيا ، وخُصَّ فالـدّهـر كالـدّولاب ليـ ـحاق ، وساعدَهُ الـقَدَرَ ( أبو الغنـائـم ) بالكـدَر ـس يدورُ إلا بـالـبَقَر
فلما سمع ( نظام الملك ) هذه الأبيات ، قال : هذه إشارة الى أنني من
1 ـ القرقف : الخمر

(25)
( طُوس ) فإنّه يقالُ لأهل ( طوس ) « البقر » واستدعاه ، وخلع عليه وأعطاه خمسمائة دينار فقال ابن الهبَّارية لـ ( تاج الملك ) : ألم أقل لك ؟ كيف أهجوه ، وإنعامه بلغ هذا الحد الذي رأيته ؟
    وقال :
يا أيها الصـاحبُ الأجلُّ المالُ فانٍ ، والـذَّكرُ باقٍ فاجعلهُ دونَ العِيال ستراً لا تَحقَـرن شاعراً تراهُ إن لـم يكن وابـلٌ فطـل (1) والوَفر فرعٌ ، والعِرض أصلُ فالصَّـونُ في أن يكون بَذلُ فَعُـقـدَة الشًّعـرِ لا تُـحَلُّ
    ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول : ان السفر به يبلغ الوطر :
قالوا أقمتَ وما رزقتَ وإنما فاجـبتهم مـا كل سير نافعاً كم سفرة نفعت وأخرى مثلها كالبدر يكتسب الكمال بسيره بالسير يكتسـب اللبيب ويُـرزقُ الحظ ينفـع لا الرحـيل المقـلق ضرَّت ويكتسب الحريص ويخفق وبـه اذا حـرم السعـادة يمحـِق
    وله :
ما صغتُ فيك المدح لكنني تملي سجاياك على خاطري من غرَّ أوصافك أستملي فهـا أنـا أكتبُ ما تُملي
    وله في ابن جهير لما استوزر ثانية بسبب مصاهرة نظام الملك :
قل للـوزير ، ولا تُفـزعكَ هيبتهُ لولا ابنة الشيخ ما استوزرتَ ثانية وإن تـعاظـمَ واستولـى لمـنصبه : فاشكر حراً ، صرت مولانا الوزير به
وقوله :
ما مُنح الانسان من دهره موهبةً أسنى من العقل

1 ـ الوابل ، المطر الشديد الضخم القطر ، والطل ، المطر الخفيف يكون له اثر قليل ، وفي التنزيل قوله تعالى ( فان لم يصبها وابل فطل )

(26)
يؤنسـُهُ إن مَلَّهُ صاحبُ ما ضرَّهُ عندي ولا عابَهُ فهو على الوحدة في أهلِ إن غَلبَتــه دولةُ الجهلِ
    أقول وذكر له العماد في الخريدة كثيراً من الشعر في الهزل والخمر والمجون ورتبّه على الحروف وقد اكتفينا بهذه الباقة من الوان شعره ، قال ابن خلكان : ومحاسن شعره كثيرة وله كتاب نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة ، وديوان شعره كبير يدخل في اربع مجلدات ، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة ، وهو أراجيز وعدد بيوته الفا بيت ، نظمها في عشر سنين ، ولقد أجاد فيه كل الاجادة ، وسير الكتاب على يد ولده الى الامير ابي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات.
هـذا كتابٌ حسنُ أنفقـتُ فيه مـدّه منذ سمعتُ باسمكا بيـوتـه ألـفـانِ لو ظلّ كل شـاعر كعمر نوح التـالد مـن مثله لما قدر أنفذته مع ولـدي وأنت عند ظنـي وقـد طوى اليكا مشـقة شـديـدة ولو تركت جيت إن الفخار والعلا تحار فيـه الفطـنُ عشر سنـين عـدّه وضـعته برسمكـا جـميـعها مـعـان ونـاظـم ونـاثـر في نـظم بيت واحد ما كل مَن قال شعر بل مهجتـي وكبدي أهـل لـكـل مَـن تـوكـلاً عـليـكا وشـقــة بعـيدة سعـياً وما ونـيت إرثك من دون الملا
    قال : فاجزل عطيته وأسنى جائزته.


(27)
الحسين الطغرائي (1)
ومبسم ابن رسول الله قد عبثت بنو زياد بثغر منه منكوتِ

1 ـ قال ابن خلكان ، والطغرائي بضم الطاء المهملة ، وسكون الغين المعجمة وفتح الراء بعدها ألف مقصورة ـ هذه النسبة الى من يكتب الطغرى ، وهي الطرّة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه ، وهي لفظة أعجمية.

(28)
    مؤيد الدين الحسين بن علي الاصفهاني المنشىء المعروف بالطغرائي.
    قال الحر العاملي في أمل الأمل : فاضل عالم صحيح المذهب ، شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة ، وشعره في غاية الحسن ، ومن جملته لأمية العجم المشتملة على الآداب والحكم ، وهي أشهر من أن تذكر ، وله ديوان شعر جيد. ثم ذكر بعض اشعاره وذكره ابن خلكان وأثنى عليه وقال : انه كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ، وقال السيد الامين في الاعيان : مؤيد الدين ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني الوزير المنشىء المعروف بالطغرائي من ذرية ابي الاسود الدؤلي. ولد سنة 453 وقتل سنة 514 بأربل عن عمر تجاوز الستين وفي شعره ما يدل على أنه بلغ 57 سنة لأنه قال وقد جاءه مولود.
هذا الصغير الذي وافى على كبر سبعٌ وخمسون لو مرَّت على حجرٍ أقرَّ عيني ولكن زاد في فكري لبان تـأثيرها في ذلك الحجر
    وهو شاعر مجيد وله ديوان شعر مطبوع بمطبعة الجوائب يشتمل على روائع ومبتكرات في المعاني وهو يحتوي على مائتين وسبعة وخمسين قصيدة ومقطوعة تتكون من ألفين وثمانمائة وخمسة وسبعين بيتاً ، وفيها الشيء الكثير من الحكم والوصف والمديح والعتاب والشكوى والحماسة ، ومن ذلك مقطوعتان في ذكر ولائه لأهل البيت عليهم السلام ونقمته على ظالميهم بقوله :
حُبُّ اليهود لآل موسى ظاهر وولاؤهم لبني أخيه بادي


(29)
وإمامهم من نسل هارون الأولى وأرى النصارى يكرمون محبة وإذا تـوالـى آل أحمـد مسلمٌ هذا هـو الداء العيـاء بمثلـه لم يحفظوا حــق النبيّ محمد بهم اهتدوا ، ولكل قـوم هادي لنبيهم نجـراً مـن الأعـواد قتلوه أو وسمـوه بـالإلحـاد ضلّت حلوم حواضر وبوادي في آله ، والله بـالمـرصـاد
    وكأن هذه القطعة كانت لسان حاله ، فقد رمي بالإلحاد في آخر حياته وقتل بهذه التهمة ومضى شهيداً محتسباً.
    وأما القطعةالثانية فهي :
توعدني فـي حبَّ آل محـمد فقلت لهم لا تكثروا ودعوا دمي فهذا نجاح حـاضـر لمعيشتي وحب ابن فضل الله قوم فأكثروا يراق على حبي لهـم وهو يهدر وهذا نجاة ارتجي يـوم أحشـر
وأورد له ابن شهراشوب في المناقب قوله في أهل البيت :
نجوم العلى فيكم تطلعُ على يستقلُّ فلا يستقرُّ وغائبها نحوكم يرجعُ به لهما دونكم مضجع
    ومن مشهور شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم لأن ناظمها عجمي أصبهاني ، نظمها ببغداد سنة 505 واولها :
أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ
وذلك في مقابلة لامية العرب للشنفري العربي التي أولها :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميلُ
    وقد شرح لامية العجم صلاح الدين بن أيبك الصفدي بشرح مطول يشتمل على جزئين ضخمين ، وقد أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء بتمامها إعجاباً بها


(30)
وكذلك ابن خلكان أوردها بتمامها ، وترجمها بعض المستشرفين الى اللاتينية (1) وشطًّرها وخمَّسها كثيرون ، وأعجبني من ذلك تخميس جرجي افندي نخلة سعد ، من أدباء لبنان ، نشرته مجلة العرفان اللبنانية وأوله :
تركتُ صحبي بين الكأس والغزلِ أما أنا ولسـان الحـق يشهـد لي يداعبون ذوات الأعـين النُجُـلِ أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وحلية الفضل زانتني لدى العطل
    وكل التخميس جاء مجارياً لمتانة القصيدة منسجماً معها ، واذا كنا لم نذكره هنا فلا تفوتنا القصيدة فهي حاوية لجملة من الحكم والنصائح وها هي :
أصالة الرأي صانـتنـي عن الخطلِ مجـدي أخيراً ومـجدي أولاً شَـرعٌ فـيـمَ الإقامة بالـزوراء لا سكـني ناء عن الأهل صِفرَ الـكفِ منـفرد فلا صـديـقٌ إليه مُشـتكـى حزني طالِ اغـتـرابي حتى حنًّ راحـلتي وضجَّ من لغَبٍ نضـوي وعـجّ لما أريـد بسطة كـفٍ أستـعـين بـها والـدهر يعكس آمـالي ويُقـنعـني حـُبُّ السلامة يَثني هــمَّ صـاحبه فإن جنحـتَ إليه فاتخــذ نَـفَـقـاً ودعُ غِمـار العلـى للـمقدمين علـى يرضى الذليل بخفـض العيش يخفضه فادرأ بهـا في نحـور البـيد حافلـةَ وحلية الفضـل زانـتني لـدى العـطل والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل بهـا ولا ناقـتـي فـيـها ولا جـملي كالسيـف عُـرّي متنـاه مـن الـخلل ولا أنـيس إلـيـه مـنتـهـى جَـذَلي ورحلـها وقـرى العسـالـة الـذُبُـل يلقى ركـابـي ولَّج الركـب في عذلي علـى قضاء حقوق لـلعلـى قِـبَلـي مـن الـغنـيمة بعـد الـكد بالقَــفَل عن المـعالـي ويُغـري المرء بالكسل في الارض أو سُلَّماً في الـجوّ فاعتزل ركـوبهـا واقــتـنع منـهنَّ بـالبلل والعزّ بيـن رسـيم الأيـنـق الـذُلُـل معارضاتٍ مثاني الـلجــم بـالجـُدُل

1 ـ خريدة القصر.
أدَبُ الطّفّ ـ المجلد الثالث ::: فهرس