ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: 1 ـ 15

جواد شبرَّ
ادب الطف
أو
شُـعَراء الحسيـــن ( عليه السلام )
من القرن الاول الهجري حتى القرن الرابع عشر
الجزء الخامس


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    وبه نستعين على هذه الخطوة الخامسة من مراحل موسوعة أدب الطف بهذا الجزء الخامس متمشين مع شعراء القرون. ها نحن الآن نعيش بين شعراء القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر ، باحثين ومنقبين ، ساهرين على تسجيل تاريخهم وسيرتهم ، منتقين أجمل ما جادت به قرائحهم ودبجته أقلامهم ، نحرص على الشاردة والواردة عنهم على حد قول القائل :
ترى الفتى ينكر فضل الفتى جدّ بـه الحرص على نكتة في دهره حتى إذا ما ذهب يكتبها عـنه بمـاء الذهب
    دفع دخل :
    قلت لصديق لي أثق به وأرتاح إلى ذوقه الأدبي : هل ترى ان من وحدة الموضوع ان يكون في جملة شعراء الحسين عليه السلام ذاك الذي يقول في محبوبه ـ واسمه حسين ـ
تركت جفني واصلا والكرى ولا تجبني على سؤالي بـلا راء (1) فجد بالوصل ، فالوصل زين فالقلب يخشى كرب ( لا ) يـا حسيـن
    ذاك هو الشاعر شهاب الدين أحمد الفيومي (2) المتوفى سنة نيف وسبعين وسبعمائة للهجرة.
1 ـ يشير الى واصل بن عطاء وتعذر نطقه بالراء.
2 ـ وفيوم كقيوم : اسم ناحية بمصر.


(6)
    قال انها تورية جميلة تنبّه الأفكار إلى يوم الحسين عليه السلام ، قلت إنه لم يقصد بقوله هذا إلا محبوبه ، لكن لشهرة يوم الحسين بن علي ولحادث كربلاء الذي هزّ العالم الاسلامي والذي أصبح شاهداً على الأيام وبارزاً بين حوادث العالم جاء به هذا الشاعر وغيره من الأدباء دليلاً وشاهداً ، وشاهدي على ذلك ما رواه البويني الحنبلي في ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 359 قال :
    في السنة الثامنة والخمسين والستمائة في يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادي الاولى طيف بدمشق برأس مقطوع مرفوع على رمح قصير معلق بشعره وهو في قطعة شبكة زعموا انه رأس الملك الكامل محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب ميافارقين وتلك النواحي ودام في حصار الشام أكثر من سنة ونصف ولم يظهر عليهم الى ان فنى أهل البلد لفناء زادهم فوجد مع من بقي من أصحابه موتى أو مرضى فقطع رأسه وطيف به البلاد ثم علق على باب الفراديس الخارج فقال قائل في ذلك :
ابـن غاز غزا وجاهـد قومـاً ظـاهراً غـالباً ومـات شهيداً لم يشنه ان طيـف بالراس منه وافق السبط في الشهادة والحمل جمع الله حسن زين الشهـيدين ثم واروا في مشهد الرأس ذاك وارتجوا انه يجيء لـدى البعث أثخنوا في العـراق والمشرقين بعـد صبر عـليهم عـاميـن فلـه أسـوة بـرأس الحـسين لقـد حـاز أجـره مـرتـين على فتـح تـيـنك القلعـتين الرأس فاستعجبوا مـن الحالين رفيـق الحسيـن فـي الجنتين
    ثم وقع الاتفاق العجيب ان دفن في مسجد الراس داخل باب الفراديس في المحراب في أصل الجدار وغربي المحراب في طاقة يقال ان رأس الحسين دفن بها.


(7)
    وكقول الشيخ حسين الكركي العاملي :
جودي بوصل أو ببينِ أيحلّ في شرع الهوى فاليأس احدى الراحتين أن تذهبي بدم الحسين (1)
    وكقول محمد بن عمر النصيبي الشافعي ـ من شعراء القرن التاسع ـ (2) :
حسينٌ ان هجرت فلستُ أقوى ودمـعي قد جرى نهراً ولكن على الهجران من فرح الحسود عـذولي فـي محبته ( يـزيد )
    وقول الوزير المغربي ـ وهو من شعراء القرن الخامس الهجري ، وكان الحاكم قد قتل أهله بمصر كما رواها في معجم البلدان :
اذا كنـت مشتاقاً إلى الطف تائقا ترى من رجال المغربي عصابة إلى كربلا فانظر عراص المقطم مضرجة الاوساط والصدر بالدم
    ومثله بل أجلى منه قول أبي جفعر البحاني الخازن يرثي أبا الحسين ابن سيمحون :
لهفي عليك أبـا الحسينِ جرعتني غصص الجوى عيناً رمتك بـكل عـينِ وأريتني يـوم الحسين (3)
    ومما يناسب هذا من التورية ما رأيته في ( جواهر البلاغة ) من قول أحدهم :
يا سيداً حاز لطفاً له البرايا عبيد

1 ـ الشيخ الكركي من أفذاذ العلم له مؤلفات كثيرة ذكرها الحر العاملي في أمل الآمال. توفي سنة 1076 هـ.
2 ـ ترجم له السخاوي في الضوء اللامع لاهل القرن التاسع ـ ج 8 ص 259.
3 ـ عن كتاب سمير الخاطر وأنيس السافر مخطوط العلامة البحاثة الشيخ علي كاشف الغطاء المتوفى 1350 هـ ، مكتبة كاشف الغطاء العامة ـ قسم المخطوطات ـ.


(8)
أنت ( الحسين ) ولكن جفاك فينا ( يزيد )
    ومما يناسب ذلك قول بعضهم كما روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة :
قـالوا أتى العـيد والأيام مشرقة فقلت ان واصل الاحباب كان لنا وأنت باك وكل الناس مسرور عـيداً وإلا فهذا اليوم عاشور
    ان الصديق يرى ان أمثال هؤلاء الأدباء لما أشاروا إلى يوم الحسين وتحسسوا بنهضته وتأثروا بها ولمحوا اليها أو صرحوا من قريب أو بعيد ، حق لهم أن يكونوا من فرسان هذه الحلبة. اما أنا فلم أقتنع كل الاقتناع وان كنت ذكرت أمثالهم في ثنايا هذه الموسوعة وقد مضى أمس بما فيه. لذا أشرت اليهم هنا. والله من وراء القصد.
المؤلف


(9)
القرن العاشر
    هو العصر الذي ركد فيه الأدب وخمدت جذوته ، وكمّت أفواه الشعر والشعراء وإليك ما قاله الخطيب اليعقوبي عنه في ( البابليات ) :
    قال : انتابت العراق في هذا القرن من أعالي الشمال إلى أقاصي الجنوب نكبات ومحن واضطرابات وفتن أثارتها العصبيات القومية والنعرات الطائفية وظلت البلاد أكثر من مئة عام « لا تستقر على حال من القلق » حروب وغارات وذحول وثارات تحت استعمار الفرس مرة وإرهاق الأتراك أخرى وذلك منذ هجوم الشاه اسماعيل الصفوي ملك ايران سنة 914 هـ على بغداد واستيلاء أولاده وأحفاده بعده كالشاه طهماسب والشاه عباس والشاه صفي وحروبهم مع « التركمان » أولا وملوك آل عثمان ثانياً منذ عهد السلطان سليمان القانوني إلى دخول السلطان مراد الى بغداد عام 1048 هـ كل ذلك وأبناء الرافدين تقاسي ما لا يستغرقه الوصف من القتل والتمثيل والانتقام والتنكيل وما الى ذلك من ردم المدارس والمعاهد وتخريب المعابد والمشاهد ـ وخاصة في دار السلام بغداد ـ ومما لا ريب فيه ان تلك الحوادث المؤلمة أدت إلى القضاء على روح النهضة العلمية وشلّ يد الحركة الأدبية فتضاءلت أصوات العلماء وخمدت قرائح الأدباء فلا تكاد تسمع يومئذ للعربية وآدابها صوتاً. وإذا كان هناك آحاد من القوم يستحقون الذكر فقد طوى متأخروا المؤرخين عنهم كشحاً وضربوا على أسمائهم حجاباً كثيفاً من الاهمال والخمول فعميت على


(10)
الناس أخبارهم وانطمست آثارهم. حتى انبرى إمام أئمة الأدب وأشهر أعلامه في القرن الحادي عشر العلامة الأديب الشهير السيد علي خان المدني المتوفى سنة 1119 هـ فعرفنا في كتابه « سلافة العصر » بأسماء بضعة رجال نبغوا في الحلة والنجف كانوا قد نشأوا في أخريات القرن العاشر وعاشوا في أواسط الحادي عشر « عصر المؤلف » ثم اقتفى أثره معاصره ومادحه الشيخ محمد علي بشارة النجفي فترجم في كتابه الذي سماه « نشوة السلافة » لجماعة آخرين من الحلة والنجف وكربلاء ممن لم يصل الى صاحب السلافة شيء من أحوالهم ولولاهما لما عرفنا عن أولئك النفر شيئا.


(11)
شعراء
القرن العاشر
الوفاة
الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد الصيمري حدود 900
حسين بن مساعد 910
محمد السبعي 920
الشيخ محمد البلاغي القرن العاشر
السيد حسين الغريفي 1001
ابن أبي شافين البحراني حدود 1001
الشيخ جمال الدين بن المطهر وطائفة من الشعراء حدود 1000


(12)

(13)
المتوفى سنة 933
أعدلك يـا هــذا الـزمان مـحـرمُ أم أنت مــلـوم والجـدود لئـيمـة فشـأنـك تعـظـيم الأراذل دائـمـاً اذا زاد فـضل المرء زاد امتـحانـه اذا اجتمع المعروف والديـن والـتقى وذاك لأن الـدين والـعلم والــندى فمـعـدنـه آل الـني محــمــد فـأقـبلت الــدنيا الـيه بــزيـنةٍ فـأعـرض عنـها كـارهـاً لنعيمها فمـالت الى أهـل الـرذائـل والخنا فشــنوا بها الغـارات من كل جانب أزالوهـم بالقهر عـن ارث جـدهـم وأعظم مـن كـل الـرزايـا رزيـة فما أحـدث الأيام مـن يـوم أنشئت بـأعـظم منـها في الـزمان رزيّـة ولم أنس سبط المصطفى وهو ضامئ تمـوت عــطاشاً آل بـيت محـمد أم الجور مفـروض عليك محتم فلم ترع إلا لـلـذي هـو ألـوم وعرنين أربـاب الفصاحة ترغم وترعى لمن لا فضل فيه وترحم لشخص رماه الدهر وهو مصمم له معـدن أهـلوه يؤخذ عنهموا وخيرهـم صـنو النبي المعظـم وألقت اليـه نفسها وهـي تبـسم وقابـلها منه الطـلاق المـحرّم وأومت اليهم أيهـا القوم اقـدموا وخصّـوا بها آل النـبي وصمموا عناداً وما شاؤا أحـلّوا وحرّمـوا مصارع يوم الـطف أدهى وأعظم ولا حـادث فيـها الى يـوم تعدم يقـام لها حتى القيـامـة مـأتـم يذاد عـن الـماء الـمباح ويحرم ويشرب هـذا الماء تـرك وديـلم


(14)
أهذا الـذي أوصى بـه سيد الـورى سيجــمعُنا يـوم القـيامـة محـشر فخصـمكم فـيـه الـنـبي وحيـدر فـمالـوا علـيه بالسـيوف وبـالقنا وحـكـّم فيهـم سمهريـاً مـقـوّماً وصـال عليـهم صولة عـلـويـة فنادى ابـن سعد بالرمـاة ألا اقصدوا ففـوق كـل سهـمه وهـو مغـرق فخـرّ صريعاً فـي التـراب معـفراً ويـأخذ مـن فـيض الـوريد بـكفه فنادى ابن سعـد مَـن يجيء بـرأسه وبـادر ينـعاه الحـصان مسـارعاً فلـما رأيـن المهر والـسرج خالـياً ونـاديـن هـذا اليـوم مـات محمد فـهـذا الـذي كنا نعـيش بـظلّـه فـيا لك مـن يـوم بـه الكفر ناطق ألم تسمعوا أم ليس في القوم مسلم واقـبل فـيه شـاكيـاً أتظـلّـم وفاطـمة ، والسجن فـيه جهـنم فبارزهـم وهو الهـزبر الغشمشم وأبيـض لا ينـبـو ولا يتـثلـّم فكانوا كضأل صـان فيهنّ ضيغم اليـه جمـيعاً بالسـهام ويمـموا من النزع نحو السبط وهو مصممُ يعالج نزع السـهم والسهم محكم ويـرمي به نحـو السما يتظـلّم فسـار الـيه الشـمر لا يتـبرّم الى خـيم النسـوان وهو يحمحم خرجن وكل حـاسر وهـي تلطم ومـات عليٌ والـزكي وفـاطم يلـوذ بـه طـفل رضيعٌ وأيـّم ودين الهـدى أعمى أصـم وأبكم
* * *
أيا سادتي يـا آل بيـت محـمد فأنتم لـه حـصن منـيع وجـُنّة ألا فاقبلوا من عبدكم ما استطاعه بكم مفلـح مستعصم متلزم وعروته الوثقى بداريه أنتمُ فعبدكمُ عبـدٌ مـقلّ ومعدم
عن ( المنتخب ) للطريحي ـ طبعة النجف


(15)
    الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد أو رشيد بن صلاح الصيمري البحراني.
    قال السيد الامين في الاعيان : توفي في حدود سنة 900 وقبره في قرية سنماباد من قرى البحرين وقبر ابنه الشيخ حسين بجنبه.
نسبته :
    ( الصيمري ) نسبة الى صيمرة بصاد مهملة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وميم مفتوحة وراء مهملة وهاء. في معجم البلدان كلمة أعجمية وهي في موضعين احدهما بالبصرة على فم نهر معقل وفيها عدة قرى تسمى بهذا الاسم ، وبلد بين ديار الجبل وديار خوزستان وهي مدينة بمهرجان قُذف وهي للقاصد من همذان الى بغداد عن يساره. قال الاصطخري واما صيمرة والسيروان فمدينتان صغيرتان. ( وفي انساب السمعاني ) : الصيمري هذه النسبة الى موضعين احدهما منسوب الى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمري عليه عدة قرى واما الصيمرة فبلدة بين ديار الجبل وخوزستان ، وسألت بعضهم عن هذا النسب فقال صيمرة وكودشت قريتان بخوزستان « ا هـ ».
    وقال الشيخ سليمان البحراني : ان المترجم أصله من صيمر البصرة وانتقل الى البحرين وسكن قرية سنم آباد. قال اقا بزرك الطهراني العسكري فيما كتبه الينا : الذي وجدناه في جميع النسخ ابن الحسن مكبرا حتى في اجازته التي بخطه لناصر بن ابراهيم البويهي فما في نسخة الآمل المطبوعة من انه ابن الحسين غلط وفي رسالة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني التي كتبها في ذكر بعض علماء البحرين في نسخة ابن الحسن ابن رشيد وفي أخرى ابن راشد وفي اجازة الشيخ مفلح لناصر بن ابراهيم البويهي التي بخطه سنة 873 هكذا :
ادب الطّفّ الجزء الخامس ::: فهرس