ادب الطف الجزء الثامن ::: 151 ـ 165
(151)
وجمـيل اصطباركـم بشّر الله قـدس الله تـربـة عـطّرتها لا عداها صوب الغوادي لأني بـه الصابريـن فـي أُخـراهـا بنـت خـير الـورى بنشر تقاها قلت أرخ ( صوب الغوادي سقاها )
    وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد عباس الخطيب سنة 1316 وأولها :
تخطّى الردى في فيلق منه جرار اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري
    كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه ( نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ) فقال : أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن ـ ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض.
    توفي رحمه الله سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين. أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له ، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً ، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له ، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة ، وللتدليل على ذلك نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد مقبولاً أم غير مقبول ، فأكثر من الهذيان إلى أن قال : أكثر ما يؤذيك شدّة الحر ـ وكان الفصل صيفاً ـ فأجابه شاعرنا قائلاً : وكثرة الهذيان.


(152)
    ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها :
عـطن بـذات الـرمل وهو قديم وتـذكـرت بالأنعـمين مـرابعاً أيام مـرتبـع الـركائـب باللوى ومن العذيب تخب في غلس الدجى والـركب يـتبع ومضة من حاجر سـل أبـرق الحـنّاء عن أحبابنا والـثم ثـرى الدار التي بجفونها واحـلب جـفونك ان طفل نباتها عجـباً لـدار الحي تنتجـع الحيا ومولّـع باللـوم ما عرف الجوى فـأجبـته والـنار بـين جوانحي أنـعاه مفـطور الفؤاد من الظما جمّ المناقب مـنه يضـرب للعلا فلقـد تعاطى والدمـاء مـدامة فـي حيث أوديـة النجيع يمدّها يغشى الطريد شبا الحسام ورأسه لبّـاس محكمـة الـقتير مفاضة يعـدو وحـبات القلوب كأنـها ومضى يريد الحرب حتى أنـه واختار أن يقضي وعمّته الضبا وقضى بيوم حيث في سمر القنا ثاوٍ بظـل السـمر يشكـر فعله حـنت بـواديه الخماص الهيم خضر الأديـم ونبتهن عمـيم خضـل ومـاء الواديين جميم بالـمدلجـات مسومـات كوم فـكأنـه بزمامـهـا مخطوم هـل حـيهم بالأبـرقين مقيم يـوم الـوداع تـرابـها ملثوم عن ضـرع غادية الحيا مفطوم وأخـو الغوادي جفني المسجوم سفهـاً يـعنف واجـداً ويـلوم دعنـي فرزئي بالحسين عظيم وبنـحره شجر الـقـنا محطوم عـرق بـأعياص الفخار كريم ولـقد تـنادم والـحسام نـديم بـطل بخـيل الـدارعين يعوم قـبل الفـرار أمـامـه مهزوم ينـدق فيهـا الـرمح وهو قويم عـقد بسلك قـناتـه مـنـظوم تحـت اللواء يـموت وهو كريم فيـها وظِلـته القـنا المحـطوم قِصـدٌ وفي بـيض الضبا تثليم في الحرب مصرعه بها المعلوم


(153)
فـدماؤه مـسفوكـة وحـريمه عجباً رأى الـنيران بابن قسيمها وابـن النبي قـضي بجمرة غلة وكـريمة الحسبين بابن زعيمها هتـكوا الحريم وأنت أمنع جانباً تـرتاع مـن فـزع العدو يتيمة تطوي الضلوع على لوافح زفرة في حيث قدر الوجد يوقد نارها فتـعج بالحـادي ومن أحشائها إما مررت على جسوم بني أبي وأرواح ألـثم كـل نحـرٍ منهم وأشـمّ مـن تلك النحور لطائماً وبرغمهم أسري وأترك عندهـم أنعى بدوراً تحت داجـية الوغى أكـل الحديد جسومهم ومن القنا ماتوا ضـرباً والسيوف بوقـفة ومشوا لها قدماً وحائمة الـردى وقضوا حقوق المجددون مواقف مهتوكـة وتـراثـه مقسـوم بـرداً خـليل الله ابـراهـيم منـها يـذيب الجامدات سموم هـتفت عشية لا يجيب زعيم بحـميةٍ فـيها تـصان حريم ويـأن مـن ألـم السياط يتيم خـرساء تقـعد بالحشا وتقوم ملـؤ الـجوانح زفرة وهموم جمعت شظايا مـلؤهن كلـوم دعـني ولـولوث الأزار أقيم قبـلي بأفـواه الـضبا ملثوم فـيهن خـفاق النسيم نـموم كـبداً تـرف عـليهم وتحوم يطلعـن فـيها للـرماح نجوم صارت لأرؤوسهم تنوب جسوم فيها لأظـفار الـقنا تـقليـم لهـم بأجنحة السيوف تـحوم رعفت بـهنّ أسنـة وكلـوم


(154)
    وله في الامام الحسين عليه السلام :
بأيّ حـمى قـلب الـخلـيط مـولـع وقـفـن بـهـا لـكنهـا أيّ وقـفـة تـرجـّع ورقـاء الصدى في عراصها مضـت ومضـى قـلب المشوق يؤمها فـأسـرعـت دمعي فيهم حيث أسرعوا كـأن حـنيني وانـصباب مـدامـعـي جـزعـت ولـكن لا لـمن كان ركبهم قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية بيـوم أهـاجـوا للـهيـاج عجـاجـة بفيض نجيـع الـطعن والسـمر شـرّع بخـيل سـوى فـرسانـها ليس تبتغي تـجرد فـوق الـجرد فـي كـل غارة عليها مـن الـفتيان كـل ابـن بجـدة أحـب اليها فـي الـوغـى ما يضرها ومـا خـسرت تـلك الـنفوس بموقف تُـدفـّع مـن تـحت الـسوابـق للقنا كـأن رمـاح الـخـط بـين أكفـهـم ولمـا أبـت إلا الـمعالـي بـمعـرك هـوت في ثـرى الغبرا ولكن سما لها فبـين جـريـح فهـو للبيض أكـلـة ثـوت حـيث لا يـدري بـيوم ثوائها فـمنعـفر خـداً وصـدر مـرضض وفـي أي واد كـاد صـبرك ينزع وجـدن قـلوباً قد جرت وهي ادمع فتنسيك مَـن في الأيك باتت تـرجّع فلا نأيها يدنـو ولا القلب يـرجـع وودعـت قـلبي فيهـم حيث ودعوا زلازل إرعـاد بـه الـغيث يـهمع ولولاك يوم الطف ما كنت أجـزع سقتها العدى كأس الردى وهو مترع تضيّع وجه الشمس مـن حيث تطلع ويسود لـيل الـنقع والـبيض لمّـع وقـوم سـوى الـهيجاء لا تتوقـع حـداد سيوف بينـها الموت مـودع يـردّ مـريع الـموت وهـو مروع إذا كـان مـن مال الـمفاخـر ينفع يحـافـظ فـيها المجد وهـي تضيع نفـوساً بغـير الطـعن لا تـتدفـع أراقـم في أنـيابهـا الـسمّ منقـع بـه البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع علـى ذروة العـلياء عـزٌ مـرفّع وبيـن طـعين وهـو للسمر مرتع اصيبت اسود ام بنو الوحي صـرّع ومخـتضبٌ نحـراً وجسم مـبضع


(155)
كـأني بـها فـي كـربلا وهي كعبة فيا لـوجـوه في ثـرى الطف غيبت ولـما تـعرّت بـالعراء جسومـهـا وظمـآنـة كادت تـروي غـلـيلها فـذا جفنها قـد سال دمـعاً وقـلبها هـوت فـوق أجساد رأت في هوّيها تبـيت رزايـا الـطف تـأسر قلبها فـيا مـنجد الاسلام إن عـز مـنجد حسامك مـن ضـرب الرقاب مثـلّمٌ فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى إذا حـسرت سود الـمنايـا لـثامها ولـم أدر يوم الطعن في كل مـوقف فـجمعت شمـل الديـن وهو مفرق إذا لم تفدهم خطـبة سيفك اغـتـدى لـه شعلة لـو يطلب الأفق ضوءها ولـو كـان سـمعٌ للصوارم لاغتدى وقـفتَ وقـد حـمّلتَ ما لـو حملنَه ورحّبتَ صـدراً في امـور لـو أنها بحـيث الـرماح الـسمهريات تلتوي فلا عجب مـن هاشم حيث لم تكـن إذا ضيعـوا حتى الوصي ولـم تـقم تشيّع ذكـر الـطف وقـعتـك التـي لقـد طـحنت أضلاعـك الخيل والقنا سجـود عليها البيض والسمر ركع ومـن نـورها ما في الأهلة يسطع كساهـا ثياباً مجـدهـا ليس ينزع بأدمعـها لـو كـان يـروي وينقع بكـف الـرزايا بات وهـو موزع حشاشتها مـن قـلبها فـهي وقّـع وتـطلقـه أجـفانها وهـي أدمـع ويا مفزع الـداعي إذا عـزّ مفزع ورمحك من طعن الصدور مصدّع بهـام الأعـادي مـوجـه المتدفع وللـشمس وجـه للـغبـار مـقنع قناتك ام طير القرى فيـه اطـمع وفرقت شمل الـشرك وهو مجمع خطيباً على هاماتهم وهـو مصقع لأبصرت شمساً لم تغب حين تطلع مجيباً إلى داعي الوغى وهو مسرع الجبال الـرواسي أوشكت تتصدع سرت بين رحب ضاق وهو موسّع عـليك وبيـض المشرفيات تـلمع تذب بـيوم الـطف عـنك وتدفع بنـصرتـه فالـيوم حـقك أضيع بـقيت لـديها عـافـراً لا تشـيّع بجنبك يـوم الـطعن فيهـن ضلّع


(156)
فنحرك منحور وصـدرك مـوطأ إذا لـم تضيّـع حـق عهد جفوننا وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا وإن أدركت بالطف وتـرك هاشم تروّي القنا الخطار وهي عـواطش تدافع عـن خـدر التي قد تقنعت أموقع يوم الطف أبقيت حرقة سأبكيك دهري ما حييت وإن أمت بنـفسي أوصال الـمكارم واصلت مصـارعها في كـربلا غير أنها ورأسك مشهور وجسـمك مودع علـيك فـعهد الصبر منا مضيع لـهن عيـون فـي مصابك تدمع فلا المجد منحط ولا الأنف أجدع وتشبع ذؤبـان الـفلا وهي جوّع بسوط الـعدى اذلا حـماة تـقنّع لـها كـل آن بـين جنبيّ موضع فـلي مقـلة عـبرى وقلب مفجّع سيوف الـعدى حتى انحنت تتقطع لها كل آنٍ نـصب عـينيّ مصرع


(157)
يقـلّ لدمعـي دمـاً أن يصوبا لـما قـد ألـمّ بـآل الـنبـي ولا مـثل يـومهم في الطفوف غـداة حـسين وخـيل العدى دعـته لـينقاد سـلس الـقياد فـهبّ لـحربـهـم ثـائـراً فـمن كـل لـيث وغىً تتقي وأروع يغشى الـوغـى باسما فكـم ثـلمت للـمواضي شبا إلى أن ثـوت في الثرى جثّما وأضحى فـريداً غريب الديار فراح يخوض غمار الحتوف وأضحى بجنب العرى عاريا وسيقت حـرائـره كـالإماء ويا رب نـادبـة والـحشى أريحانة المصطفى هل ترى يعز على المصطفى أن يرى وللقلـب مـني أسىً أن يـذوبا فأجرى الدموع وأورى الـقلوبا فقد كان في الدهر يوماً عصيبا تسـدّ علـيه الفضاء الـرحيبا وتـأبـى حـميتـه أن يـجيبا بفتيان حـرب تـشبّ الحروبا له في الـوغى الاسد بأساً مهيبا ووجـه الـمنية يـبدي قـطوبا وكـم حـطمت للـعوالي كعوبا تـضوّع من نشرها الترب طيبا بنفسي أفـدي الـفريد الغـريبا ونــار حـشاه تـشبّ لـهيبا كستـه الأعـاصير بـرداً قشيبا تجوب حـزونا وتـطوي سهوبا يكاد بنـار الـجـوى أن يـذوبا درى المصطفى بـك شلواً سليبا على التـرب خـدك أمسى تريبا


(158)
يعزّ على المصطفى أن يرى يعزّ على المصطفى أن يرى ألانت قـناتي يـد الـحادثا فهـل لليالي بـهـم أوبـة بقـاني الدمـا لك شيباً خضيبا بأيـدي الـعدى لك رحلاً نهيبا ت وقد كان عـود قناتي صليبا وهيهات ما قـد مضى أن يؤوبا
    الشيخ محمد سعيد الاسكافي ابن الشيخ محمود بن سعيد النجفي الشهير بالاسكافي شاعر مبدع وأديب له شهرته في عصره ، ولد في النجف الأشرف 14 رجب 1250 ه‍ ترجم له صاحب الحصون المنيعة نقلاً عن ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) تأليف الشيخ أحمد بن الحاج درويش علي الحائري البغدادي المتوفى 1322 فقال : الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود الشاعر ، الجامع لاشتات المفاخر ، كانت لابائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة المنورة الحيدرية حينما كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمن وهو الملا يوسف ، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية. توفي والده الشيخ محمود بعد ولادة المترجم له بسنتين وشبّ الصبي وترعرع وتدرج على الأدب والعلم باللغتين الفارسية والعربية ومن أوائل نظمه قوله :
وأخ وفـيٌ لا أُطـيق فـراقـه بان الأسى مذبان وابيضت أسى حكم الزمان بأن أراه مفارقي لنواه سود نواظري ومفارقي
    ومما يجدر ذكره أنه من اسرة تعرف ب‍ ( آل الحاج علي هادي ) ولم يكن من آل السكافي ( البيت النجفي المعروف ) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤلة ، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة ، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت


(159)
التي تقطن النجف زهاء الف عام ، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية ( فرامين ) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.
    وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكما لتربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة 1276 ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة ومن غزله قوله متغزلاً ومتحمساً وقد كتبه بخطه الجيد فانه خطاط مليح الخط قال :
تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهرا وأومض من وادي الغضا لمع بارق فـيا حـبذا تلك المغاني وإن نـأت فيـا طالـما بـالانس كانت أواهلا عـشية عاطـاني الـمدامـة شادن حـكى الـغصن قـداً والجأذر لفتة فبتـنا وقـد مــدّ الـظلام رواقه وقـد هـدأت عنا العيون وهوّمـت من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى لـقد هـنت قـدراً في هواك وإنني ويا رب لاح قـط ما خامـر الهوى يلـوم فـلم أرع المسامـع عذلـه وهيهـات يـصغى للملامـة وامق وقائـلـة مالـي أراك مـشمـراً تجوب الفلا أو تركب البحر جاهداً فهاجـت تـباريح الغرام لي الذكرى فأذكى لنيران الغضا في الحشا جمرا ويامـا أُحيلى العيش فيهـا وإن مرّا وان هـي أمست بـعد موحشة قفرا أغـنّ غضيض الطرف ذو غرة غرا وعين ألمها عيناً وبيض الضـبا نحرا علـينا وأرخـى مـن جلابيبه سترا سوى أن عـين النجـم ترمقنا شزرا وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا لأعلى الـورى كـعباً وأرفعهم قـدرا حشـاه ولا فـاضت لـه مقلة عبرى كـأن بـاذني عـنـد تـعنيفه وقـرا معنّى الحـشى مضنى أخـو كبد حرى لجـوب القفار الـبيد توسعـها مسر فـلم تـتئد أن تقطـع الـبر والبحرا


(160)
فقلت لها كفـيّ الملامـة إنمـا سأفرى نحور البيد شرقاً ومغربا لأمنية أحظـى بـها أو مـنية هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا وأقطع من أجوازها السهل والـوعرا فان لم تك الاولى فيا حبذا الاخـرى
    وللشاعر ديوان جمعه في حياته وروى لنا الأخ الخاقاني في ( شعراء الغرى ) طائفة من روائعه ، أقول واختار شاعرنا لنفسه أن يسكن في إحدى المدارس الدينية ويعيش عيشة طلاب العلم الروحيين فقضى شطراً من حياته في مدرسة ( البقعة ) بكربلاء المقدسة حتى استأثرت بروحه الرحمة الالهية وحيداً لا عقب له ودون أن يتزوج وذلك ليلة الاربعاء سلخ ربيع الأول سنة 1319 ه‍ ودفن في صحن الإمام الحسين (ع) وكان عمره 69 عاماً.
    ومن رثائه للحسين (ع) :
معـاهـدهـم بالسفح من أيمن الحمى وقـفت بـها كـيما أبـثّ صبابـتي دهتها صـروف الحـادثات فلم تدعد بلى إنـها الأيـام شتى صـروفـها وليس كيـوم الـطف يـوم فـإنـه غـداة استفزت آل حـرب جموعها فلـست تـرى إلا أصـمّ مـثقـفـاً أضلّت عداها الرشد والهدي والحجى أتحـسب أن يستسـلم السبـط ملقياً ليـوث وغىً لـم تـتخذ يوم معرك ولم ترض غير الهام غمداً إذا انتضت ومـذ عـاد فرد الدهر فرداً ولم يجد رمـى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق سقاهـن وجافّ الـغمام إذا هـمى فـكان لسان الـدمـع عنها مترجما بـها أثـراً إلا طـلولاً وأرسـمـا إذا ما رمت أصمت ولم تخط مرتمى أسال مـن الـعين الـمدامـع عندما لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما وأبيـض إصليـتا وأجـرد أدهـمـا وباعـت هـداهـا يوم باعته بالعمى اليـها مـقاليـد الامـور مسلّـمـا بـها أجـماً إلا الـوشيـج المقـوّما لدى الروع مشحوذ الـغرارين مخذما لـه منـجـداً إلا الحسام الـمصمما يـردّ لُهـام الـجـيش أغبـر أقـتما


(161)
وكـرّ ففـرّت مـنه عدواً جموعهم تـقاسم مـنه الطرف والقلب فاغتدى تـناهب مـبيض الـضبا فـكـأنما ولمـا جـرى أمر القضاء بما جرى هـوى فـهوى الطود الأشم فزلزلت وأعـولـت الأمـلاك نادبـة وقـد فأضحى لقى في عرصة الطف شلوه ويهدى عـلى عالي السنان بـرأسه وينكـتـه بالـخيـزران شمـاتـة ( نـفلّق هامـاً مـن رجال أعـزةٍ فـشلـّت يـداه حـين ينكت مرشفاً ولهفـي لآل الله بـعـد حـمـاتها إذا استنجدت فتيانها الـصيد لم تجد تـجوم بهـا أجواز كـل تـنوفـةٍ حـواسر من بـعد التخدّر لا تـرى وزينب تـدعـو والشجا يـستفزها أخي يا حمى عزي إذا الدهر سامني لقد كان دهري فـيك بالأمس مشرقا وقـد كـنت لـي طـوداً ألوذ بظله أديـر بـطرفـي لا أرى غـير أيّمٍ رحـلت وقـد خـلفتني بـين صبية عدمـت حـياتي بعـد فـقـدك إنني أرى كـل رزء دون رزئك في الورى فـرار بغاث الـطير أبصرن قشعما يكـافـح أعــداءاً ويرعى مخيّما غـدا لحـدود الـبيض فـيئاً مقسّما وقـد كان أمـر الله قـدراً محـتما له الأرضون السبع واغـبرت السما أقامت لـه فـوق السماوات مـأتما تـرضّ العوادي مـنه صدراً معظما لأنـذل رجـس في امـية مـنـتما يـزيـد ويغـدو نـاشداً مـترنـما عـلينا وهـم كانـوا أعـقّ وأظلما ) لمـرشف خـير الرسل قد كان ملثما وقـد أصبحت بـين المضلين مغنما بـرغـم العلى غير العليل لها حمى وتسبى على عجف المصاعب كالإما لـها ساتـراً إلا ذراعـاً ومعـصما أخاهـا ودمـع العـين يـنهلّ عندما هواناً ولم يترك لي الدهـر من حمى فهـاهـو أمسى الـيوم بعدك مظلما وكهـفاً متى خـطـب ألـمّ فألـما تـجـاوب ثـكلـى فـي النياحة أيّما خماص الحشى حرّى القلوب من الظما أرى بعدك العـيش الـرغيـد مذمما فلله رزء مـا أجـلّ واعــظـمـا


(162)
    في رثاء الحسين :
قطعتُ سهول يثرب والهضابا سرت تطوي الفدافد والروابي إذا انبعثتَ يـثور لـهـا قتام يجشمـهـا الـمهالك مشمعلٌ هزبر من بنى الكرار أضحى غـداة تـألبت أرجاس حرب فـكّر عـليهم بـليوث غاب إذا انتدبت وجردت المواضي وهـبّ بهـا لحرب بني زياد فبـين مـشمرٍ للموت يصبو وآخر في العدى يعدو فيغدو إلى أن غودرت منهم جسوم وضلّ يدير فرد الدهر طرفا يصول بأسمر طوراً وطورا وأروع لـم تـُروّعه المنايا يهـزّ مثقـفاً ويسلّ عضبا عـلى شـدنيّة تطـوي الشعابا وتجـتاز الـمفاوز والـرحابا لـوجه الـشمس تـنسجه نقابا يخوض من الردى بحراً عبابا يؤلّـب للـوغـى أُسداً غضابا لتدرك بالـطفوف لهـا طلابا لهـا اتخـذت قنا الخطي غابا تضيّق في بني حرب الـرحابا لـدى الهيجا قساورة صـلابا صبوّ مـتيـم ولـها تصابـى يكـسّر في صـدورهم الحرابا تـرى قاني الدماء لها خضابا ينادي بالنصير فـلن يجـابـا بـأبيض صـارم يفري الرقابا إذا ازدلفـت تجـاذبـه جـذابا كومـضِ الـبرق يلتهب التهابا


(163)
نضا للضرب قـرضابا صنيعا رمى ورموا سهام الحتف حتى إلى أن خـرّ مـنعفراً كسـته فـوافـته الفـواطـم معولات وزيـنب ثاكـل تـدعو بقلب أيا غيـث الورى إن عمّ جدب لقـد سلـب العدى بالرغم منا على رغم العلى والدين أضحت بفـرط حنينـها والدمع أمست أبـى إلا الـرقاب له قرابا إذا ما أخطأوا مرمىً أصابا سوافـي الريح غادية ثيابا بندب منه صمّ الصخر ذابا مصابٍ يـملأ الدنيا مصابا وغوثهـم إذا ماالـدهر نابا رداء الصون قسراً والحجابا بنـو حـرب تجاذبها النقابا تباري الرعد والغيث انسكابا
    السيد ابراهيم ابن السيد حسين بن الرضا ابن السيد بحر العلوم. ولد قدس سره في النجف الأشرف سنة 1248 وتلمذ على أبيه في عامة العلوم الإسلامية من التفسير والفقه والأصول والكلام كما أخذ الأدب والشعر عن أبيه أيضاً وحتى إذا اشتد شبابه وقارب أو تجاوز العشرين من سنّيه برع في العلوم الأدبية وتضلع بها وتعمق في اللغة والمعاني والبيان والشعر ، ذكره صاحب الحصون المنيعة في الجزء السابع وقال في جملة ما قال : وكان يحذو في شعره حذو السيد الرضي ، والأبيوردي. وفي كتاب ( حلى الزمن العاطل ) : هو من أشهر شعراء هذا العصر بل من أفراد الدهر ، وهو على ما خوّله الله من شرف الحسب والنسب الركن العراقي لكعبة الفضل والأدب ، وأبيات قصائده مقام ابراهيم الذي ينسلون إليه من كل حدب ، كان قويّ ا لحافظة جزل الاداء يرتجل الشعر وربما دعي لمناسبة مفاجأة فيقول القصيدة بطولها ويمليها بعد حين على كاتبه الخاص باسترسال ، ورد مدحه على ألسنة الشعراء المعاصرين له كالسيد جعفر ابن السيد أحمد الخرسان النجفي ، والشيخ محمد السماوي ، والشيخ ابراهيم


(164)
صادق العاملي ، والشيخ عبد الحسين الحويزي ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، والسيد جعفر الحلي ، والسيد موسى الطالقاني ، والشيخ محسن الخضري وغيرهم وديوانه المطبوع بمطبعة صيدا ـ لبنان يحتوي على مختلف فنون الشعر ، وعدة مراثي لشهداء كربلاء. توفي رحمه الله في النجف الأشرف يوم الثلاثاء 6 محرم الحرام سنة 1319 ه‍.
    فمن شعره قوله في العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام :
قف بالطفوف وسل بها أفـواجها إن أُرتجت باب تلاحـك (1) بالقنا جـلّى لها قـمراً لهاشـم سافـراً ومشى لهامشي السبنتى (2) مخدراً أو أظلمت بالنقـع ضاحية الوغى فاستامها ضـرباً يكيـل طـفيفها يلـقى الـوجوه الكالحـات فينثني كـم سوّرت عـلقاً أساريب الدما أسـد يعـدّ عـداه ثـلّـة ربقـة ومطحطح (3) بالخيل في ملـمومة ما زلـت تـلقح عقـم كـل كتيبة ولكـم طـغت غـياً ولـجّ بغيـّها ضجت من الضرب الدراك فألحقت فإذا الـتوت عـوجاً أنابيب الـقنا ركب الـجياد إذا الـصريخ دعابه وأثر أبا الفضل المثير عجاجها بالسيف دون أخـيه فكّ رتاجها رد الكـتائب كـاشفاً إرهاجها قد هاج من بعد الطوى فأهاجها بالبارقات البيض شبّ سراجها ولاجّ كـل مـضيقـة فرّاجها يفـري بحـدّ صفيحة أوداجها فرقى بها علماً وخاض عجاجها فغـدا بـبرثـنه يشلّ نعـاجها حرجت فوسّع بالحسام حـراجها حـتى إذا نـتجت أريت نتاجها فقطعت بالعضب الجراز لجاجها بعـنان آفاق الـسماء ضجاجها بالطـعـن قام مقوّمـا إعواجها مـعرية لـم ينتظـر إسراجـها

1 ـ لا حك الشيء بالشيء الزقه.
2 ـ السبنتي : النمر.
3 ـ طحطح القوم : بددهم وأهلكهم.


(165)
الباسـم العباس مـا من خطـة ورد الفرات أخو الفرات بمهجة قـد هـمّ منه بنهـلـة حتى إذا مزجـت أحبته لـه بنفـوسهـا مـا ضرّ يا عباس جلواء السما أبكيـك منجـدلاً بأرض قفرة أبـكيك مبـكى الفاقدات جنينها أبكيـك مقـطوع اليـدين بعلقم وبـرغم أنف الدين منك بموكب قـد كنت درتهـا على إكليلهـا ولحاجتي يـا أنـس ناظرة العلى إلا وكـان نمـيرها واجـاجهـا رشفـت بمعـبوط الدما زجاجها ذكـر الحسين رمـى بها ثجّاجها نفساً مـن الصهباء خلت مزاجها لو وشحـت بك شهبهـا أبراجها بك قد رفعت على السماء فجاجها ذكرت فهاج رنينهـا مـن هاجها أجـرت يـداك بعـذبه أمواجهـا تقضي سيـوف بني امـية حاجها قد زينت بـك فـي المفارق تاجها لـو قـد جعلتك للعيون حجاجها
    ومن شعره في رثاء جده الحسين :
أشجـاك رسـم الدار مالك مـولـع وأراك مهـما جـزت وادي المنحني لا بل شجـاك بـيوم وقعـة كربلا يوم به كـرّ ابـن حـيدر في العدى يعــدو عـلى الـجيش اللهام بفتية يقتادهـم عـند الـكـريهة أغـلب من كل مرهـوب اللقاء إذا انـبرى يعـدو فيغـدو الرمح يرعف عندما حتى هووا صرعى ترضّ لهم قرى وغدى ابن أمّ الـموت فرداً لا يرى فغـدا يصـول بعـزمـة من بأسه أم هـل شجاك بسفح رامة مربع لك مقـلة عـبرى وقلب موجع رزء لـه السبع الشداد تـزعزع والبيض بالبيض القواضب تقرع بالحـزم للحرب العوان تدرعوا ثبت الحشا من آل غالب أروع نحو الكتائب والـذوابل شـرع والسيف في علق الجماجم يكرع بسنابك الـجرد الـعتاق واضلع عـوناً يحامـي عن حماه ويمنع كادت لـه الـشم الجبال تصدع
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس