ادب الطف الجزء الثامن ::: 181 ـ 195
(181)
أم شربة السم إذ دسّت إلـى حـسن قد جـلّ رزء الزكي المجتبى حسن إن قطّـع السم مـنه فـي حرارته فإن حـرّ الظما مـن صنوه قطـع وإن اصيب له في خنـجر فـخـذ أو صيّرت نعشـه حـرب لأسهمها فـإن جسم حسين يـوم مـصرعه أو أنـهـم سلبوا مـنه عـمامـته وإن قــضى حسن تلقـاء اسرته ومـذ قـضى حسن ألفـت جنازته والسبط لما قضى لم يلف مـن أحد أو دفـنه القـوم تلقا جـدّه منعـوا فالسبط عـن دفـنه أعـداءه منعوا وإن رآه حسين في الفراش لـقـىً فقد رأى السبط زين العابدين لقـى منها ومن شربها كأس الردى شربا لكـن رزء حسين قـد سمى رتبا أحشاه والقلب منه كابـد الـوصبا الأحشاء من حيث قد أذكى بها لهبا فالسبط بالباترات البيض قد ضُربا مرمىً ولم يرعووا أو يرعوا النسبا دريـة لسهام القـوم قـد نُصبـا فـبعـد قتل حسين جسمـه سلبا فالسبط بات بأرض الطف مغتربا التشييع والنـدبَ حتى أودع التربا سوى نساه تصوب الـدمع منسكبا وغيـره جـاور المختار مغتصبا حـتى أقام ثـلاثاً بالعـرى تربا وحـوله معشر مـن قومـه نجبا وآله حـوله صرعـى بحرّ ربى
    وله ثالثة مطلعها :
نقيبة رب المجد للذلّ تسأم وعيش الفتى بالذلّ عيشٌ مذمم


(182)
    قال يرثي الحسين :
خـلت أربـع ممـن تـحـبّ وأرسـمُ أمـهما جـرى ذكـر الـعذيب وحاجر سقـى الـوابل الـوكاف أكناف حاجـر ومـا كنـت أستجدي السحاب لـربعـها أرقـت ولم تـرق الدمـوع ولا خـبت ذكـرت السيوف الغـر مـن آل هـاشم ولم يـبق إلا السبط فـي الجـمع مفردا لئـن عـاد فـرداً بين جـيش عرمـرم وخـيّر بــين الــموت غير مـذمـم رمـى جـمرات الـحـرب منهـم بفتية فـصال وصالـوا معـلمين كـأنـهـم فما يـذبلٌ إن هـدّ من فـوق شاهــق فلـم يرَ إلا السيـف يـنـثـر أرؤسـاً إلي أن ثووا صرعى على الأرض لم تجد وأنـتَ بهـا صـبٌ مشوق مـتيـّم بـهتّ فـلا سمـع لـديـك ولا فم وأومـض ثـغر الـبرق فيهن يبسم وسقيـاه لولا الدمـع مـن أعيني دم بجـنبي نـارٌ للـجـوى تتـضـرم غـدت بسيوف الـهند وهـي تثلـّم ولا نـاصـر إلا حـسامٌ ولـهـذم فـفي كـل عضو منه جيشٌ عرمرم عـزيزاً وبين الـعيش وهـو مـذمم ليوث يراع الموت في الحرب منهموا وهـم في ظـلام النقـع بدرٌ وأنجم بأدهـى على الأعـداء منهم وأعظم على الأرض والرمـح الردينيّ ينظم سـبيلاً علـيهـم لـلمـلامـة لـوّم

1 ـ السبب في تسمية هذه الاسرة ب‍ ( آل الوهاب ) تيمناً بذكرى شهدائها في الحادثة الوهابية المفجعة ، وهي غير آل الوهاب من آل طعمة : الفائزيين.

(183)
تساقوا كؤس الموت حتى انثنوا وهم قضوا فقضوا حـق المعالي أماجداً نشاوى على وجه البسيطة نوّم بيوم به الاسد الضراغم تحجم
    ويصف بسالة الامام الحسين (ع) بقوله :
كـأن لـديه الحرب إذ شبّ نارها كأن الـمواضي بـالدماء خواضبا كأن لديـه السمهريات في الـوغى مُحّلاً سعى للحرب غـير مقـصّرٍ بـذي شفـرة تبكي النحور له دماً كـأن الحسام الـمشرفـيّ بـكفـه كـأن الـرماح الـخط أقلام كاتب إلى أن هوى فوق الصعيد فمذ هوى هـوى ضامياً لـم يـروَ منه غليله فـراح بـه ظفـر الغواية ضافراً أيـدري قسيـم الـنار أن سلـيلـه فلهفـي لحـذر المصطفى بعد نهبه ولهفي لربات الخـدور وقـد غدت ولهفـي لآل الله تـسبى حـواسراً تكـفّ عـيون الناظـرين أكفـّها تشاهـد رأس السبـط فـوق مثقف حدائـق جـنات وأنهارها دم لـديه أقـاح بالـشقيق مكمم نشاوى غصون هزهنّ التنسم ولكنه عن بارد الماء محـرم إذا مـا تـبدى ثغـره المتبسم عذاب من الجبار يصلاه مجرم يخط بها والموت يقضي ويحكم هوى عمد الدين الحنيف المقوم ومن نحره يروى الحسام المصمم وعاد به صبح الهدى وهو مظلم قضى وهـو للارزاء فييء مقسّم وسلب أهاليه بـه النار تضـرم على خدرها الأعداء بالخيل تهجم ولا ساتر إلا لها الصون يعـصم ويعصمهم عن أعين الناس معصم فينهل منها الدمـع كالغيث يسجم
    السيد عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب من سلالة آل السيد يوسف الموسويين من آل زحيك الحائري الذين هم من سلالة الإمام الكاظم (ع)


(184)
ولد في كربلاء سنة 1291 وتوفي في رمضان سنة 1322 بالوباء في ضياع لهم خارج كربلاء ودفن هناك ثم نقل إلى كربلاء ودفن في الرواق الشريف بالقرب من مرقد صاحب ( الرياض ).
    ذكره في الطليعة وقال : كان أبوه من خدمة الروضة الحسينية أباً عن جد فطلب هو العلم والفضل والأدب فناله بمدة قليلة ونال ملكة في أغلب العلوم مع تقى ونسك وعبادة ومن شعره ما أنشد نيه من لفظه :
وأغـنّ يمنعه الحـياء كلامه أعطى القلوب بوصله وبصدّه فتخاله لا يحسن التكليما في حالتيها جنة ونعيما
    وقوله مراسلا :
أحباي ما حيلتي فيكم فكيف السبيل لسلوانكم ولستُ على هجركم صابرا وقد عاد لي عـاذلي عاذرا
    وقوله من ابيات :
أقـل من اللوم أو فـازدد وما ابيض مفرقه بالمشيب فلا عذر وابيض منه العذار وأذهله عـن سؤال الطلول أأقنع بالخفض فعل الذلـيل لئن أنا لـم تعل بي هـمة لرحت إذاً ورداء العـقوق ولست بـواف ذمام الـعلى ابا حوا حمى الله في ارضه فمن غادر بعـد يوم الغدير ومن ملحد خان عهد النبي فما موردي أمس بالمورد إلا بيـوم النـوى الاسود إن هـام بالرشأ الأغـيد سؤال المؤمـل والمجتدي وأقعد عن نـهضة السيد فترقى على هامة الفـرقد من امّ المعالي به أرتـدي إذا خان قولي فعـل الـيد وردوا الضلال كما قد بُدي وما غاب عـن ذلك المشهد والمصطفى بـعد لـم يُلحد
    ترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من شعره ، وكتب عنه صديقنا سلمان هادي الطعمة في مجلة ( العرفان ) فقال : كان قوي الحجة اشتهر بدراسته لعلم الكواكب وعلم الجفر مضافاً لدراسة الفقه والاصول.


(185)
الحاج علي بن موسى بن رمضان القارئ الاحسائي
    قال في الحسين (ع) :
باب الهدى الهادي عليٌ ذو التقى من نوره اقتبست مصابيح السما وبدا لموسى مـنه نـور ساطع فدعـاه وهـو مترجم عن ربه وبسرّه نار الخليل قـد انـطفت مجري القضا مهما تحدّر وارتقى لمـا أضا والـبدر منه أشـرقا بلغ السما لما على الـجبل ارتقى إنـي أنا الباري فـكن بي موثقا من بـعد ما كانت حريقاً محرقا
    منها :
يا قبلة المتهجدين وكـعبة فلك العزا والأجر في السبط الذي يا ليـت عينك شاهـدته بكربلا وبقية الأطهار من أهـل الـعبا المسترفـدين ، ومَن تـورّع واتقى لمصابه انصدع الهدى وتفرقا عار بلاغسل على البوغا لقى أضحى بجامعة الحديد مطوقا
    منها :
يا صفوة الباري الذين ذواتهم إن فاتني ادراك نصركم ولن فلأنصرنكـم بنشر قصـائد أرجو به مع والديّ واسرتي قـد وحـّدته وآدم لـن يخلقا أحضى بـه في كربلا وأوفقا هجرية ما دمت في رسم البقا والمؤمنين الفوز يـوم الملتقى
    عن مخطوط العلامة الشيخ حسين الشيخ علي القديحي المسمى ب‍ ( نجوم السماء في تراجم علماء وادباء الاحساء ) نقلاً عن مخطوطة لجده راضي بن محمد بن علي ، وللشاعر فيها قصائد غير هذه وفي ( الروضة الندية في المراثي الحسينية ) للشيخ فرج آل عمران مرثية اخرى للشاعر نفسه.


(186)
السيد علي الترك
المتوفى 1324
نهضاً فـقد نـسيت لـُويّ شعارها هـدأت على حسـك الردى موتورة فـمتى تقـرّ العين طلـعتك الـتي ومتى تشنّ على الأعـادي غـارة ومـتى أراك عـلى الجواد مشمراً ومتى تصولُ على الطـغاة مطهراً وتحـيل لـيلَ النقـع بالبيض الظبا لا صبرَ يابن العسكري فشرعة ال‍ هُدمـت قـواعـدها وطاح منارها حتى مَ تصبر والعبيد طغـت على وإلـى مَ تغـضي والطغاة تحكّمت وبنت علـى مـا أسست آبـاؤها وبـنت عـلى ذاك الأساس امـية وتواترت بالطف تطلب وتـرهـا ثـارت عـلى أبـناء آل محـمد سلوا سيوف الشرك حتى جـدّلوا فأزل بسيفك عـن لـويٍّ عارها فانـهض فـديتك طـالباً أوتارها حسدت مـصابيح الدجى أنوارها شعـواء تـرفع للسماء غـبارها تحـتَ العجاجة صارماً أعمارها منهـا البسيطـة ماحـياً آثارهـا صبحـاً ولـيلاً بالقتـام نهارها ‍هادي النبي استنصرت أنصارها فأقـم بسيفك ذي الفـقار منارها السادات حتى استعبدت أحـرارها فـي المسلمين وحـكّمت أشرارها من قبل حيـن تتبعـت أخبارهـا غصب الإله ووازرت خمـارهـا عصب الضلال فأدركت أوتارهـا فـي كـربلا حتى أصابت ثارها فوق الصعيد صغارها وكبـارها


(187)
نـفسي الـفداء لاسـرة قـد أرخصت ولـفـتـية مـضرية حـمـت الـعلى صـامـت بـيوم الـطف لكن صيّرت ما جـاءهـا الـموت الـزؤام مقـطباً صـيـدٌ إذا اشـتبكـت أنابـيب الـقنا والخـيل تـعـثر بالجـماجم والشوى هـزوا الـردينيات حـتى حـطّمـوا حيـث الظـبا تـرمي العدا جمراً كما خطـبوا لـبيضهـم النفوس وصيّروا غـرسـوا الصوارم بالـطلى لـكنما ودعـاهـم داعـي الـقضا لـمراتب ركـبوا مـنايـاهـم فـفازوا بالـمنى وهـووا عـلى وجـه الثرى ونفوسهم ثاوين تحسب أنهـم صـرعـى وهـم وغـدا فـريد الـمجد مـا بـين العدى فهـناك هـزّ مـن الـوشيـج مـثقفاً ماضي المضارب مـا اكفهرت غـارة ضاق الفضا حتى انتضى ابن المرتضى وسطا فـقل بالليث أصحـَر طـاويـاً يطـفو ويـرسب بـالالـوف بسيـفه غيـران ثقــّف بـالمثـقف أضلعـاً إن كـرّ فـرّت مـنـه خـيفـة بأسه فكـأنـه تـخـذ الكـريهـة روضـة دون ابـن بـنت نـبيها أعمارها فقضت وما صبغ المشيب عذارها عـصب الـضلالة بالدما إفطارها إلا رثى بـوجـوهـها استبشارها وأطارت البيض الرقـاق شرارها والصيد رعباً أشخصت أبصارهـا بحشى الكماة طـوالها وقـصارها بمنى رمت زمر الحجيج جـمارها الاعمـار مهـراً والـرؤس نثارها في جـنة الـمأوى جـنت أثمارها قـد شاءها الباري لهـم واختارها أبـداً وحـازوا عـزهـا وفخارها عـرجـت إذ الباري أحبّ جوارها بجنان عـدن عـانقوا أبـكارهـا فـرداً يـوبّخ ناصحاً أشـرارهـا واستـلّ مـن البيض الظبا بتارها إلا تـألـق ومـضـه فـأنـارها عـضباً بـه لـولا القضا لأبارها والصقر شـدّ على القـطا فأطارها ويخوض من لجج الحتوف غمارها منها وقـدّ بـذي الفقـار فقـارها والخـوف يمـزج بالعـثار فرارها تـزهـو ونقـع الصافنات غرارها


(188)
أو خـال مستنّ الـنزال حـديقـة ويـرى صليـل المرهفات غـوانيا وكأنـما السمـر الكعاب كواعـبٌ أو أنـهـا أغـصان بانٍ هــزّهـا لو شاء ما أبقـى من الأعـداء ديا لكـن تجـلـت هيـبـة الباري له ورأى المـنية مـذ أتـته هي المنى فهـوى عـلى حـرّ الظهيرة بالعرا لـم تـروَ غلّة صـدره لكنما الا الله أكـبر يـا لـها مـن نـكبـة الله أكـبر يـا لـهـا من وقـعـة أيبـيت سـرّ الكون عـارٍ والعدى رضّت صـدور بني النبي وصيّرت صـدرٌ بـه عـلم الامامـة مودع صـدر تـربّى فـوق صدر محمد وودايع الـرحـمن صـيح برحلها فتـناهـبت نـوب الدهور فؤادها بـرزت بـعين الله تـندب نـدبها وغـدت تشوط لهـولها مـذعورة ودنـت إلى نحو الغري ونادت ال‍ حـامي الـحمى طـلاع كل ثنية هـذا حـبيبك بـالـتراب مـعفر وكـرائـم التنزيل أضحت كالإما مـن جـلنار والـدمـا أنـهارها أمـست تحـرك للغـنا أوتـارها رقـصت لـديه ورددت أشعارها مـرّ الـنسيم فأطـربت أطيارها راً وعَـفـى الحـسام ديـارهـا فهـوى كـليماً حيـن آنس نارها كالصـب شام من الدُما معطارها واري الحشا وظـماه زاد أوارها سياف روت من دماه شفـارهـا فـقماءَ لم تـنسَ الورى تذكارها قـدحت بأحناء الضلوع شرارها فـي كربلا أجرت عليه مهارها ظلماً على صدر الحسين مغارها وبـه الـنبوة أودعـت أسرارها تخـذتـه خـيل امية مضمارها نهـباً ولـم تـرع الطغاة ذمارها وأكـفّ شاربـة الخمور خمارها بمـدامـع يحكي الـحيا مدرارها مثل الحمائـم ضيعـت أوكارها ‍كـرار فارس هـاشم مغوارها مقـدام كـل كـريهـة مسعارها فيـه الـمنية أنشبـت أظـفارها حسرى تطوف بها العدا أمصارها


(189)
سلـب الـعدو سوارهـا وبـسوطـه تـدعـو بهاشـمها ولـم تـرَ منعماً وترى الرؤوس على الرماح وقد علا بـأبي رؤوسـاً طـبقـت أنـوارها بـابي جسـومـاً وزعـت أشلاءها لـم تـرع فـيهم ذمـة الهـادي ولا ولـقد أحـلت فـيه سفـك دمـائها يا أقـبراً شيـدت بعـرصة كـربلا حيـاك خفـاق الـنسيم مـواضـباً يا عـترة الـهادي النبي ومـن بكم أنتـم نجـاة الخلـق إن هـي أقبلت نطـق الكـتاب بفـضلكـم وبمدحكم زهـت الـمنابر والـمنـائر باسمكم ولكـم مـزايـا لـو أخذت بوصفها فـعليـكم صـلى الـمهـيمن كـلما وعلـيكـم صـلى الـمهيمـن كلما قد صاغ ـ يا شلّت يداه ـ سوارها منهـم وتندب فـهرهـا ونـزارها رأس الـحسين مـن القنا خطّارها الدنـيا وفاقـت بالسـنا أقـمارها عصب الضلال مطيعـة أمـارها الشهر المحـرم إذ قضت أوطارها وهـو الحـرام وحـرّمت إقبارها أضـحت مـلائكـة الـسما زوارها وحـدا الـيك من السحاب عشارها قـبل الالـه من الورى استغفارها للـحشر تحمل للـجـزا أوزارهـا أهـل الـفصاحة وشحّت أشعارها وبمدحكـم حـدت الـحداة قطارها حتـى الـقيامة لم أصف معشارها هـزّ الـنسيم على الثرى أشجارها روة الـرواة بـفضلكم أخـبارهـا


(190)
    السيد علي الترك هو ابن أبي القاسم بن فرج الله الموسوي الشهير ب‍ ( الترك ) خطيب شهير وأديب بارع ، ولد في النجف الأشرف عام 1285 ونشأ بها بعناية والده العالم الكبير وبعد أن درس المقدمات اختار لنفسه أن يدرس فنّ الخطابة فتدرب على المنبري المعروف الشيخ محمد علي الجابري فعنى بتربيته لما يرى من لياقته ونباهته وحدة ذكائه ونبرات صوته وجلب انتناه الرأي العام اليه بإلمامه بعدة من اللغات كالفارسية والتركية بالاضافة الى العربية. سافر إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري فحظى عنده وقدمه على مجموعة من الخطباء ومكث هناك اكثر من عامين كان فيها موضع احترام كافة الطبقات ثم قفل راجعاً إلى النجف ، وفي عام 1324 سافر إلى حج بيت الله الحرام وبعد اداء المناسك وتوجهه من منى إلى مكة في الرابع من عيد الأضحى توفي على اثر انتشار داء الهيضة الذي تفشّى في ذلك العام ، قال الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) جمع المترجم له مجموعة من الشعر الحسيني لمختلف الشعراء تقع في ثلاثة اجزاء ضخمة ، اقول : وخير المخلفات المؤلفات.

(191)
الشيخ علي عَوَض
المتوفى 1325
علاقة حبّ لا يخف ضـرامهـا ومهـجة عـان لا تزال مشوقـة بنفسي الخـليط المدلجون لـرامة فما كنت أدري قبل شدّ حدوجـهم فـمن لـي بـقلبي أن يقرّ قراره فلا عيش في الدنيا يروق صفاؤه فلو أنها تصفو صفت لابـن احمد أتـته بـنو حـرب تجرّ جموعها فثار لها ابن المرتضى بصـفيحة وأثكل أمّ الحرب أبناءهـا ضحى عـلى سابـح قـد كاد يسبق ظله رمـاها أبـو السجاد مـنه بعزمة فـأورد أولاهـا بكاس أخـيرهـا هو ابن الذي أودى بـمرحب سيفه فكيف يهاب الموت وهـو حمامـه نـعم قــد رأى أن الـحياة مذلة ودمعـة صبٍّ لا يجفّ انسجامها يزيد علـى نزر الوصال غرامها ومـا رامـة لـولاهـم ومرامها بأن الحشـا بين الحدوج مقامـها ومَن لي بعينـي أن يعـود منامها ولـم يـك عذبـاً شربها وطعامها ومـا ناضلته فـي المنايا سهامها مثال الدبـى سـدّ الفضاء جهامها ذعـاف الـمنايـا حدها وسمامها فضجت عراقاهـا وريعت شئامها ولـما تحـسّ الوطء منه رغامها يجـبنّ آساد العـرين اصطدامهـا وخرّت سجوداً طوع ماضيه هامها وعـاث بعـمرو مـذرءاه حمامها ويخشى لظى الهيجاء وهو ضرامها وعـزتـه فـي القتل يسمو مقامها


(192)
هناك قضى نفسى الفداء لمن قضى بكـته السما والأرض والجـن كلها وكادت له تهوي السماء ومن بـها فـيا ثـلمة في الـدين أعوز سدّها كرائـم بيت الوحي أضحت مهانـة يسار بها عنفاً عـلى سـوء حالـة عفاء عـلى الـدنـيا غداة أُسرتُـم فلـو كان لي صبرٌ لقلتُ عـدمتـه ولمـا يفـت ثـار به الله طالـب كأني بـداعـي الـحق حان قيامه علـى حـين لا وتر يضيع لواتر فثمّ ترى نهـج الشريـعة واضحاً فـيا خير مَن يرجى لكل عظيمة دعوناك في الدنيا لترأب صـدعنا بيـوم بـه كـل رهـين بـذنبه فأنـت لـنا في هـذه الدار منعة وغلّـته لـم يطـف مـنها أُوامها وناحت له وحش الفلا وحـمامها وتندك غـبراها ويهـوي شمامها ويا خـطة شان الوجود اجترامها تـرامى بها عـرض الفلاة لئامها بـهـا خفـرت للمسلمين ذمامها بني خـير مبعوث وانتم كرامـها بلـى وقوى عـادت هباء رمامها ولم تهن الدعوى وانـتم خصامها وقد حان منه للطغـاة اخترامـها وفي كفّ مهـديّ الزمان حسامها تقـشع عنـها ريبـها وظـلامها إذا خيّـب الـراجي هناك عظامها وفـي عـقبات لا يطاق اقتحامها سـواء بـه اذنابـها وكـرامـها وللنفس في يوم الحساب اعتصامها
    ابو الأمين علي بن حسين بن علي العوضي نسبة إلى آل عوض من اقدم الاسر العربية الحلية ، ويصرح المترجم له في شعره ان نسبه يمت بامراء آل مزيد الاسديين ـ مؤسسي الحلة وامرائها في اخريات القرن الخامس إلى اواخر القرن السادس للهجرة ، قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) : علي بن الحسين من آل عوض الأسدي الحلي كان اديباً شاعراً ظريفاً حلو الحديث الى تقى ونسك وديانة قوية ، حاضرته فرأيت منه رجلاً صافي السريرة نقي القلب طاهر


(193)
الثوب وراسلني بشعر في المدح وأجبته بمثله ثم ذكر قطعة شعرية من غزله ، قال السماوي : وتوفي سنة 1325 ه‍ في الحلة ودفن بالنجف ، وترجم له الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وقال : يمتاز شعره بالرقة والعذوبة فمن غزله :
من لي بوصل مهفهف ذات الـوقـود بخـده ينأى على قرب المزار وبجـفنه ذات الفـقار
    قال : وقد وقفت على ديوان شعره الذي جمعه ولده الأكبر الشيخ محمد أمين بعد وفاة والده ، وكان يحتفظ به ويبقية آثاره المخطوطة والمطبوعة ولكنها بعد وفاة ولده المذكور بيعت ، وللمترجم له رسالة صغيرة بخطه أودعها مقاطيع من شعره وبعض نوادر ( الكوازين ) وغيرهما كتبها باقتراح من العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في إحدى زياراته الحلة ولا تزال في مكتبته بالنجف ولعلها هي التي أشار اليها شيخنا في ( الذريعة ) ج 4 / 62 بقوله : تراجم المعاصرين من علماء الحلة للشيخ علي عوض. وذكر في آخرها أن ولادته كانت في الحلة سنة 1253 وتوفي كما أخبرني ولده الأمين في ثاني جمادى الثانية سنة 1325 ونقل إلى النجف ، وهذه قطعة من شعره في الرثاء قالها يرثي بها العلامة الحجة السيد مهدي القزويني :
منك الـفراق ومني الوجـد والحرق يا أمن كل حشا كانـت مـروعـة لأنت واحد هذا العصر إذ عجـزت علامـة إن عرت شوهـاء مشكـلة كالبدر والبحر في يومي هدى وندى يشـع من غـرة المهدي نور هدى قـد كان للـركب زاداً حينما نزلوا هـذي فـواضل لا تخفى صنايعها وشأن شأنـي عليك الدمع والأرقُ علـيك كـل حشا أودى بها الفرق عـن نعتك الـبلغاء القالـة النطق كشفتـها فـكأن الـصبح مـنفلق من كفك السيل أم من وجهك الشفق للمـدلجين إذا ما ضـمها الغـسق ومعقلاً إن تناهى الخوف والرهـق وذي فضـائل لا تغشى وتـنمحق


(194)
أأستقى لثـراك الـغيث مجتدياً بلى سرت من نسيم الخلد نفحتها وفيه قد حلّ منك الوابل الغدق فعطّرت منك رمساً كله عبـق
    ومن نوادره ان جلس يوماً مع الشاعر الذائع الصيت الشيخ صالح الكواز. فعصفت ريح هوجاء أظلمت منها مدينة الحلة ، فقال الشيخ صالح مرتجلاً :
قـد قلت للفيحـاء مذ عصفت ما فيكِ مَن يدفع الله البلاء به فيها الرياح وبات الناس في رعف إن شئتِ فانخسفي أو شئتِ فانقلبي
    فقال له شاعرنا العوضي : أيها الشيخ إني نظمت هذين البيتين قبل مدة في مثل هذه العاصفة على غير هذه القافية وأنشد :
قـد قلت للفيحاء مذ عصفت ما فيكِ مَن يدفع الله البلاء به فيها الرياح وبات الناس في رعب إن شئت فانخسفي أو شئت فانقلبي
    فقال له الكواز : أنت والله قلبتها هذه الساعة.
    وله مهنياً العلامة السيد مهدي القزويني بقدوم السيد محمد حسين ابن السيد ربيع من مشهد الامام الرضا عليه السلام من قصيدة مطلعها :
هم بالعذيب فثمّ أعذب مورد وأشرب على ذكر الحبيب وغرّد
    ومنها :
هيفاء قـد لعب الدلال بقدّها نظرت اليك بمقلة ريم الحمى أمـلت علـيّ حديثها فحسبته ولقد أغار لنقطة مـن عـنبر ولقـد تشير بـأنمل من فضة حتى فرغت إلى السلوّ فخانني هل تلكـم العتمات ثـمّ رواجع لعب الشمول بقدّها المتأود وجلت لعينك غرة كالفرقد سلكا وهي من لؤلؤ متنضد قد حكّمت في خدها المتورد مصبوغة عند الوداع بعسجد فيه الضمير وعزّ ثمّة مسعدي فأنال منـها بـلغـة الـمتزود


(195)
أيام لا صـبـغ الـشبيبة نـاصل فلتلـح لـوّامي وتـكـثر حسّدي أنا ذلك الصب الذي ألف الهـوى لا أنثني أو أبـلغ الـسبب الـذي وكـذا محـمد الحسين سرى بـه فـيها بأكـرم مـرقد بلـغ الرضا وغدا يطوف على ضريح كـم به تعـنو له صـيد الـملوك جلالـة هو ذاك غوث الناس وابـن ربيعها سـاد الأنـام بفـضلـه وشآهـم ولـكـم أجـار من الليالي خائـفاً ولكـم أسال عـلى الـوفود نواله الطـاهر الأعـراق مَن شهدت له مـن مـبلغ عـني بشارة رجعـة عـلامـة العلماء شمس الملّة الـ الـموقـد الـنار الـتي بـوقودها هـو ذاك بـدر سماء العلاء وإنه قـلّـدته ديـني ، وقـلّـد أنـعماً منى ولا وصـل الحسان بمنفـد وتشي وشاتي ، ولـيجدّ مـفندي قلبـي وأعطيت الصبابة مقودي حـاولـته ولـو أنه في الـفرقد عـزم لطوس وهو أكرم مقـصد بلـغ الـرضا فيها بأكرم مرقـد طـاف المـلائك ركعاً في سجّد ومتى تعـد نظـراً اليـه تسجد وخضم جـود قال للدنيا : رِدي في حلمـه ، وكـذاك شأن السيد ما زال يرصده الـزمان بمرصد كمسيل وادٍ بالمـواهـب مزبـد أفعـاله الحسنى بـطيـب المولد لجنـاب ( مهدي ) الـزمان محمد ـغراء غوث الدهرغيث المجتدي قـد راح ساري الليل فيها يهتدي لأبـو أماجـد كـلـهم كـالفرقد جـيدي ، فـراح مقلِدي ومقلّدي
    وقال في قدوم السيد محمد القزويني من الحج سنة 1296 :
أضاءت ثنيات الغرى إلى نـجد فللذكوات البيض عـندي صنيعة أتـت بابن ودٍّ لا عـدمت وفاءه كريم متى استجديته فاض جوده بأبيـض طلاع الثنايا إلى المجد بتجديدها مافات من سالف العهد سواء على قرب من الدار أو بعد عليّ كـفيض البحر مداً على مدّ
ادب الطف الجزء الثامن ::: فهرس