كتاب الاثر الخالد في الولد والوالد ::: 81 ـ 90
(81)
رضا الام وسطها
     ان في رضاء الأم وسخطها آثار عجيبة رأيناها في زماننا هذا ـ القرن الرابع عشر ـ وآثارها بعضاً تتعلق بالدنيا ، وبعضاً تتعلق بالآخرة ، تتعلق بالفقر والغنى ، والتوفيق وعدمه ، وطول العمر و قصيره ، وبركة النسل وعدمه ، وسعة الصدر وضيقه ، وهكذا الأم تؤثّر في جميع مرافق الحياة من الخير والشّر ، والسعادة والشقاء ، الى ابعد الحدود ، والى ما شاء الله تعالى.
     1 ـ وحكي انّه كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم شاب يسمى علقمة ، وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله ، في الصلاة والصوم والصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، فأرسلت امرأته الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ان زوجي علقمة في النزع فأردت أن اعلمك يارسول الله بحاله. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عمارا وصهيبا وبلالا ، وقال صلى الله عليه وآله وسلّم امضوا اليه ولقّنوه الشهادة ، فمضوا اليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزاع فجعلوا يلقنونه : لا اله الاّ الله. ولسانه لا ينطق بها فارسلوا الى رسول الله صلى عليه وآله وسلّم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة. فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : هل من ابويه أحد حي ؟. قيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أم كبير السنّ ، فأرسل اليها رسول الله صلى الله عليه


(82)
منّي ! فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا اله الاّ الله. فدخل بلال فقال : يا هؤلاء ان سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وان اضاها اطلق لسانه. ثم مات علقمة من يومه ، فحضره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فأمر بغسله وكفنه ، ثم صلّى عليه ، وحضر دفنه ، ثم قام صلّى الله عليه وآله وسلّم على شفير قبره ، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا معشر المهاجرين والأنصار ، من فضّل زوجته على أمّه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، لا يقيل الله منه صرفا ولا عدلا ، الاّ أن يتوب لله عزوجلّ ، ويحسن اليها ويطلب رضاها فرضى الله في رضاها ، وسخط الله في سخطها ... الى آخره .... ذرايع البيان ، الآفة الثامنة ص186.


(83)
معنى العاق والعقوق
     لكل أمة لغة ، ولكل لغة الفاظ ، وقد وضعت الا لفاظ بأتقان ، اما الالفاظ العربية ، ولغتها فهي معجزة اللغات والالفاظ ، وقد اعجزت ارباب الفنّ باتقانها وتنسيقها ، لاسيما القرآن الكريم ، كلام الله المجيد ، معجزة الدهر الذي تعدد منه التحدي بالنسبة الى جميع اهل اللسان ، فهو القائل : قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتو بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.. ( بني اسرائيل ـ 88 ).
     أما لفظ العقول ومعناه : فقد جاء في المجمع ، في مادة ( عقق ) : أدني العقوق (أف) عق الولد اباه ، يعق ، عقوقا ، من باب عقد : اذا آذاه وعصاه ، وترك الاحسان اليه وهو البر له. واصله من العق : وهو الشق والقطع.
     1 ـ وهو من المعاصي الكبيرة مما أوعد الله عليه ، والاخبار به مصرّحة بأن العاق لا يدخل الجنّة ، وحاله حال مدمن الخمر ، والمنان لفعل الخير .... ذرايع البيان ، ص 198 ، تكمله.
     2 ـ عن ( الجعفريات ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من احزن والديه فقد عقّهما ... ذرايع البيان ، ص199، تكمله.


(84)
     3 ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : أنّه قال : ثلاثة لا يحجبون عن النار : العاق لوالديه. والمدمن من الخمر. والمنان بعطائه. قيل : يارسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وما عقوق الوالدين ؟ ... قال صلى الله عليه وعلى آله وسلّم : يأمران فلا يطيعهما. ويسألانه فيحرمانهما. واذا هما لم يعظهما بحق ما يلزمهما .... نفس المصدر ، ص 200.


(85)
عاق الوالدين
     ان موجبات عقاب الله تعالى لعبده كثيرة وهو اشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة ومن موارد عقابه الأليم ـ أعاذنا منه ـ عدم اطاعة الوالدين وأذاهم وعقوقهم ومايشينهم ، فاتق النار ايها الولد البار.
     1 ـ قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلاثة لا يدخلون الجنة : منهم : العاق. معدن الجواهر ، ص 31 ، باب ذكر ما جاء في ثلاثة.
     2 ـ قال امير المؤمنين سلام الله عليه : من ظلم يتيما عقّ اولاده ... درر الكلم ، حرف الميم ، ص239.
     3 ـ عن مولانا الصادق عليه افضل الصلاة والسلام : لا يدخل الجنّة العاق لوالديه ، والمدمن من الخمر ، والمنان بالفعال الخير اذا عمله ... ذرايع البيان ، ص 198 ، تكلمه.
     4 ـ عن شيخنا المفيد باسناده عن أبي اسحق الهمداني ، عن أبيه ، عن سيّد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام ، (( قال )) قال


(86)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تأخر الى الآخره : عقوق الوالدين. والبغي على الناس. وكفر الاحسان ... ذرايع البيان ، ص 199.
     5 ـ وفي رواية (( الكراجي )) : ملعون ملعون من ضرب والديه ، ملعون من عقّ والديه ، ملعون من قاطع رحمة ... المصدر السابق.
     6 ـ عن مولانا الباقر عليه الصلاة والسلام : اياكم والعقوق فان الجنّة يوجد ريحها من مسيرة مائه سنة ، وما يجدها عاق ولاقاطع رحم ... نفس المصدر.


(87)
عق الوالدين
     لا يتخيل أن العقوق الذي هو تعرض الى عقاب الله وعذابه يكون من جهة الوالدين فحسب ، وانما هو من الجهتين ، يعني أنه كما يعق الوالدان ولدهما ، كذلك الوالد يعق والديه اذا ظلماه وهو بر بهما ، فان الله تبارك وتعالى عدل محض ، فلم يجعل حقا لاحد على احد الا وجعل مثله للطرف الآخر ، واليك الحديث المتضمن هذا المعنى.
     1 ـ حدثنا أبي (رض) قال : حدثنا علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه ، عن آبائه ، عن على صلوات الله عليهم اجمعين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ، اذا كان الولد صالحاً ما يلزم لهما ... الخصال ، باب الاثنين ، ص 45 ، الحديث 77.


(88)

( 89)
حقوق الوالدين
     ذوي الحقوق كثيرون ، ولكن اكبر الحقوق واعظمها واولاها حق الله سبحانه وتعالى ، ورسوله عليه وآله الصلاه والسلام ، واولياءه عليهم صلوات ربّ الارباب ، لأن اعظم النعم واكبرها من هؤلاء ، فالله تعالى حدّث عن نعمه و لاحرج ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ـ ابراهيم ـ 34 ) وأما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فكم قاسى المحن واحتمل المصائب والأذى في سبيل هداية وسعادة البشر ، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلّم : ما اوذى نبي مثل ما اوذيت. وأما الأولياء أئمة الخلق وهداة الحق المصطفين المتجبين صلوات الله عليهم اجمعين ، فسل عنهم التأريخ والعلم والانسانية لترى اياديهم على كل ذي وجود من يومهم الى آخر الدنيا ، بل وحتى في الآخرة ونعيمها ، فاز من تمسّك بهم ونجى ، وخسر من تركهم وهوى ، اللهم احينا حياتهم وامتنا مماتهم ، واحشرنا معهم بحقّهم عليك وحقك عليهم آمين آمين يا رب العالمين.
     1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : حق علي على المسلمين كحق الوالد على ولده ... غوالي الدرر ، حرف الحاء ، ص 49.
     2 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلّم ايضاً : انا وعلي ابوا هذه


(90)
الأمة ... نفس المصدر.
     3 ـ علي بن ابراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي الحسن موسى على آبائه وأبنائه وعليه افضل التحيات والبركات من الله تعالى ، قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام ؟. ما حق الوالد على ولده ؟ قال صلوات الله المتعال عليه وأله الطاهرين : لا يسمّيه باسمه ، ولا يمشى بين يديه ، ولايجلس قبله ، ولا يستسّب له.. ... الكافي ، ج2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 5.
     4 ـ عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد ، عن أبنه عن عبد الله بن بخر ، عن عبد الله بن مكان ، عنم رواه عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ، قال : قال ـ وأنا عنده ـ لعبد الواحد الأنصاري في برّ الوالدين في قول الله عزوجلّ : ( وبالوالدين احسانا ) ـ فظننّا أنها الآية التي في بني اسرائيل ( وقضى ربك أن لاتعبدوا الاّ اياه (( وبالوالدين احسانا )) فلما كان بعد سألته ؟. فقال : هي التي في لقمان ( ووصيّنا الانسان بوالديه (( حسنا )) ان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) فقال : ان ذلك أعظم (( من )) أن يأمر بصلتهما وحقّهما على كل حال ( وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم ) ؟. فقال : لا بل يأمر بصلتهما وان جاهداه على الشرك ماذا وحقّهما الاّ عظما ... الكافي ج 2 ، ص 127 ، باب البر ، الحديث 6.
الاثر الخالد في الولد والوالد ::: فهرس