الميزان في تفسير القران ـ المجلد الثاني ::: 46 ـ 60
(46)
خصوصياته ، واما قوله تعالى : أحل لكم ، فلا يدل على سبق حكم تحريمي بل على مجرد تحقق الحلية كما في قوله تعالى : « أحل لكم صيد البحر » المائدة ـ 96 ، إذ من المعلوم ان صيد البحر لم يكن محرما على المحرمين قبل نزول الآية ، وكذا قوله تعالى « علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم » ، انما يعني به انهم كانوا يخونون بحسب زعمهم وحسبانهم ذلك خيانة ومعصية ولذا قال : تختانون انفسكم ولم يقل : تختانون الله كما قال : « لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا اماناتكم » الانفال ـ 27 ، مع احتمال ان يراد بالاختيان النقص ، والمعنى علم الله انكم كنتم تنقصون انفسكم حظوظها من المشتهيات من نكاح وغيره ، وكذا قوله تعالى : فتاب عليكم وعفا عنكم ، غير صريح في كون النكاح معصية محرمة هذا.
    وفيه ما عرفت : ان ذلك خلاف ظاهر الآية فإن قوله تعالى : أحل لكم ، وقوله : كنتم تختانون انفسكم ، وقوله : فتاب عليكم وعفا عنكم ، وان لم تكن صريحة في النسخ غيران لها كمال الظهور في ذلك ، مضافا إلى قوله تعالى : فالآن باشروهن « الخ » ، إذ لو لم يكن هناك الا جواز مستمر قبل نزول الآية وبعدها لم يكن لهذا التعبير وجه ظاهر ، واما عدم اشتمال آيات الصوم السابقة على هذه الآية على حكم التحريم فلا ينافي كون الآية ناسخة فانها لم تبين سائر احكام الصوم ايضا مثل حرمة النكاح والاكل والشرب في نهار الصيام ، ومن المعلوم ان رسول الله كان قد بينه للمسلمين قبل نزول هذه الآية فلعله كان قد بين هذا الحكم فيما بينه من الاحكام ، والآية تنسخ ما بينه الرسول وان لم تشتمل كلامه تعالى على ذلك.
    فإن قلت : قوله تعالى : هن لباس لكم وانتم لباس لهن ، يدل على سبب تشريع جواز الرفث فلا بد ان لا يعم الناسخ والمنسوخ لبشاعة ان يعلل النسخ بما يعم الناسخ والمنسوخ معا وان قلنا : ان هذه التعليلات الواقعة في موارد الاحكام حكم ومصالح لا علل ، ولا يلزم في الحكمة ان تكون جامعة ومانعة كالعلل فلو كان الرفث محرما قبل نزول الآية ثم نسخ بالآية المحللة لم يصلح تعليل نسخ التحريم بأن الرجال لباس للنساء وهن لباس لهم.
    قلت : اولا انه منقوض بتقييد قوله : أحل لكم بقوله : ليلة الصيام مع ان


(47)
حكم اللباس جار في النهار كالليل وهو محرم في النهار ، وثانيا : ان القيود المأخوذة في الآية من قوله : ليلة الصيام ، وقوله : هن لباس لكم ، وقوله : انكم كنتم تختانون انفسكم ، تدل على علل ثلاث مترتبة يترتب عليها الحكم المنسوخ والناسخ فكون احد الزوجين لباسا للآخر يوجب ان يجوز الرفث بينهما مطلقا ، ثم حكم الصيام المشار إليه بقوله : ليله الصيام ، والصيام هو الكف والامساك عن مشتهيات النفس من الاكل والشرب والنكاح يوجب تقييد جواز الرفث وصرفه إلى غير مورد الصيام ، ثم صعوبة كف النفس عن النكاح شهرا كاملا عليهم ووقوعهم في معصية مستمرة وخيانة جارية يوجب تسهيلا ما عليهم بالترخيص في ذلك ليلا ، وبذلك يعود اطلاق حكم اللباس المقيد بالصيام إلى بعض اطلاقه وهو ان يعمل به ليلا لا نهارا ، والمعنى والله اعلم : ان اطلاق حكم اللباس الذي قيدناه بالصيام ليلا ونهارا وحرمناه عليكم حللناه لكم لما علمنا انكم تختانون انفسكم فيه واردنا التخفيف عنكم رأفة ورحمة ، واعدنا اطلاق ذلك الحكم عليه في ليلة الصيام وقصرنا حكم الصيام على النهار فأتموا الصيام إلى الليل.
    والحاصل : ان قوله تعالى : هن لباس لكم وانتم لباس لهن ، وان كان علة أو حكمة لاحلال اصل الرفث الا ان الغرض في الآية ليس متوجها إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام وهو مجموع قوله : هن لباس لكم إلى قوله : وعفا عنكم ، وهذه الحكمة مقصورة على الحكم الناسخ ولا يعم المنسوخ قطعا.
    قوله تعالى : « فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم » ، امر واقع بعد الحضر فيدل على الجواز ، وقد سبقه قوله تعالى : في أول الآية احل لكم والمعنى فمن الآن تجوز لكم مباشرتهن ، والابتغاء هو الطلب ، والمراد بابتغاء ماكتب الله هو طلب الولد الذي كتب الله سبحانه ذلك على النوع الانساني من طريق المباشرة ، وفطرهم على طلبه بما أودع فيهم من شهوه النكاح والمباشرة ، وسخرهم بذلك على هذا العمل فهم يطلبون بذلك ما كتب الله لهم وأن لم يقصدوا ظاهرا إلا ركوب الشهوة ونيل اللذة كما انه تعالى كتب لهم بقاء الحياة والنمو بالاكل والشرب وهو المطلوب الفطري وان لم يقصدوا بالاكل والشرب إلا الحصول على لذة الذوق والشبع والري ، فإنما هو تسخير إلهي.


(48)
     واما ما قيل : ان المراد بما كتب الله لهم الحل والرخصة فإن الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه ، فيبعده : ان الكتابة في كلامه غير معهودة في مورد الحلية والرخصة.
    قوله تعالى : « وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر » ، الفجر فجران ، فجر أول يسمى بالكاذب لبطلانه بعد مكث قليل وبذنب السرحان لمشابهته ذنب الذئب إذا شاله ، وعمود شعاعي يظهر في آخر الليل في ناحية الافق الشرقي إذا بلغت فاصلة الشمس من دائره الافق إلى ثمانية عشر درجة تحت الافق ، ثم يبطل بالاعتراض فيكون معترضا مستطيلا على الافق كالخيط الابيض الممدود عليه وهو الفجر الثاني ويسمى الفجر الصادق لصدقه فيما يحكيه ويخبر به من قدوم النهار واتصاله بطلوع الشمس.
    ومن هنا يعلم ان المراد بالخيط الابيض هو الفجر الصادق ، وان كلمة من ، بيانية وان قوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الاسود من قبيل الاستعارة بتشبيه البياض المعترض على الافق من الفجر ، المجاور لما يمتد معترضا معه من سواد الليل بخيط ابيض يتبين من الخيط الاسود.
    ومن هنا يعلم أيضا : ان المراد هو التحديد بأول حين من طلوع الفجر الصادق فإن ارتفاع شعاع بياض النهار يبطل الخيطين فلا خيط ابيض ولا خيط اسود.
    قوله تعالى : « ثم اتموا الصيام إلى الليل » ، لما دل التحديد بالفجر على وجوب الصيام إلى الليل بعد تبينه استغنى عن ذكره ايثارا للايجاز بل تعرض لتحديده بإتمامه إلى الليل ، وفي قوله : اتموا دلاله على انه واحد بسيط وعبادة واحدة تامة من غير ان تكون مركبة من أمور عديدة كل واحد منها عبادة واحدة ، وهذا هو الفرق بين التمام والكمال حيث ان الاول انتهاء وجود ما لا يتألف من اجزاء ذوات آثار والثاني انتهاء وجود ما لكل من اجزائه اثر مستقل وحده ، قال تعالى : « اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي » المائدة ـ 3 ، فإن الدين مجموع الصلوة والصوم والحج وغيرها التي لكل منها اثر يستقل به ، بخلاف النعمة على ما سيجئ بيانه إنشاء الله في الكلام على الآية.


(49)
     قوله تعالى : « ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد » ، العكوف والاعتكاف هو اللزوم والاعتكاف بالمكان الاقامة فيه ملازما له.
    والاعتكاف عبادة خاصة من احكامها لزوم المسجد وعدم الخروج منه الا لعذر والصيام معه ، ولذلك صح ان يتوهم جواز مباشرة النساء في ليالي الاعتكاف في المسجد بتشريع جواز الرفث ليلة الصيام فدفع هذا الدخل بقوله تعالى : ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد.
    قوله تعالى : « تلك حدود الله فلا تقربوها » ، أصل الحد هو المنع واليه يرجع جميع استعمالاته واشتقاقاته كحد السيف وحد الفجور وحد الدار والحديد إلى غير ذلك ، والنهي عن القرب من الحدود كناية عن عدم اقترافها والتعدي إليها ، أي لا تقترفوا هذه المعاصي التي هي الاكل والشرب والمباشرة أو لا تتعدوا عن هذه الاحكام والحرمات الالهية التي بينها لكم وهي احكام الصوم بإضاعتها وترك التقوى فيها.
( بحث روائي )
     في تفسير القمي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : كان الاكل والنكاح محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار ، وكان النكاح حراما في الليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب رسول الله يقال له خوات بن جبير الانصاري اخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرماة ففارقه اصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا فقتل على باب الشعب ، وكان اخوه هذا خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا ، وكان صائما مع رسول الله في الخندق ، فجاء إلى أهله حين أمسى فقال عندكم طعام؟ فقالوا : لا تنم حتى نصنع لك طعاما فأبطات عليه اهله بالطعام فنام قبل ان يفطر ، فلما انتبه قال لاهله ، قد حرم على الاكل في هذه الليلة فلما اصبح حضر حفر الخندق فاغمى عليه فرآه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرق له وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية ، فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل من شهر رمضان ، والاكل بعد النوم إلى طلوع الفجر


(50)
لقوله : حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ، قال : هو بياض النهار من سواد الليل.
    اقول : وقوله : يعني إلى قوله : وكان رجل ، من كلام الراوي ، وهذا المعنى مروي بروايات أخرى ، رواها الكليني والعياشي وغيرهما ، وفي جميعها ان سبب نزول قوله : وكلوا واشربوا « الخ » إنما هو قصة خوات بن جبير الانصاري وان سبب نزول قوله : أحل لكم « الخ » ، ماكان يفعله الشبان من المسلمين.
    وفي الدر المنثور عن عدة من اصحاب التفسير والرواية عن البراء بن عازب قال : كان اصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا كان الرجل صائما فحضر الافطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الانصاري كان صائما فكان يومه ذاك يعمل في ارضه فلما حضر الافطار اتى امرأته فقال : هل عندك طعام؟ قالت : لا ولكن انطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجائت امرأته فلما رأته نائما قالت : خيبة لك ، أنمت؟ فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث ، إلى قوله : من الفجر ففرحوا بها فرحا شديدا.
    اقول : وروي بطرق أخر القصة وفي بعضها أبو قبيس بن صرمة وفي بعضها صرمه بن مالك الانصاري على اختلاف ما في القصة.
    وفي الدر المنثور أيضا : واخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس : ان المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء ـ حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء ، منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله احل لكم ليلة الصيام ، إلى قوله : فالآن باشروهن يعني انكحوهن.
    اقول : والروايات من طرقهم في هذا المعنى كثيرة وفي أكثرها اسم من عمر ، وهي متحدة في ان حكم النكاح بالليل كحكم الاكل والشرب وأنها جميعا كانت محللة قبل النوم محرمة بعده ، وظاهر ما أوردناه من الرواية الاولى ان النكاح كان محرما في شهر رمضان بالليل والنهار جميعا بخلاف الاكل والشرب فقد كانا محللين في اول الليل قبل النوم محرمين بعده ، وسياق الآية يساعده فإن النكاح لو كان مثل الاكل والشرب


(51)
محللا قبل النوم محرما بعده كان الواجب في اللفظ ان يقيد بالغاية كما صنع ذلك بقوله : كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض الخ ، وقد قال تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث ، ولم يأت بقيد يدل على الغاية ، وكذا ما اشتمل عليه بعض الروايات : ان الخيانة ما كانت تختص بالنكاح بل كانوا يختانون في الاكل والشرب أيضا لا يوافق ما يشعر به سياق الآية من وضع قوله : علم الله انكم كنتم تختانون انفسكم « الخ » ، قبل قوله : كلوا واشربوا.
    وفي الدر المنثور أيضا : ان رسول الله قال : الفجر فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه ، واما المستطيل الذي يأخذ الافق فإنه يحل الصلوة ويحرم الطعام.
    اقول : والروايات في هذا المعنى مستفيضة من طرق العامة والخاصة وكذا الروايات في الاعتكاف وحرمة الجماع فيه
     ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون ـ 188.
( بيان )
     قوله تعالى : « ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل » ، المراد بالاكل الاخذ أو مطلق التصرف مجازا ، والمصحح لهذا الاطلاق المجازي كون الاكل أقرب الافعال الطبيعية التي يحتاج الانسان إلى فعلها وأقدمها فالانسان أول ما ينشاء وجوده يدرك حاجته إلى التغذي ثم ينتقل منه إلى غيره من الحوائج الطبيعية كاللباس والمسكن والنكاح ونحو ذلك ، فهو أول تصرف يستشعر به من نفسه ، ولذلك كان تسمية التصرف والاخذ ، وخاصة في مورد الاموال ، أكلا لا يختص باللغة العربية بل يعم سائر اللغات.
    والمال ما يتعلق به الرغبات من الملك ، كأنه مأخوذ من الميل لكونه مما يميل


(52)
إليه القلب ، والبين هو الفصل الذي يضاف إلى شيئين فأزيد ، والباطل يقابل الحق الذي هو الامر الثابت بنحو من الثبوت.
    وفي تقييد الحكم ، أعني قوله : ولا تأكلوا اموالكم ، بقوله : بينكم ، دلالة على ان جميع الاموال لجميع الناس وإنما قسمه الله تعالى بينهم تقسيما حقا بوضع قوانين عادلة تعدل الملك تعديلا حقا يقطع منابت الفساد لا يتعداه تصرف من متصرف إلا كان باطلا ، فالآية كالشارحة لاطلاق قوله تعالى : خلق لكم ما في الارض جميعا وفي إضافته الاموال إلى الناس إمضاء منه لما استقر عليه بناء المجتمع الانساني من اعتبار أصل الملك واحترامه في الجملة من لدن استكن هذا النوع على بسيط الارض على ما يذكره النقل والتاريخ ، وقد ذكر هذا الاصل في القرآن بلفظ الملك والمال ولام الملك والاستخلاف وغيرها في أزيد من مأة مورد ولا حاجه إلى إيرادها في هذا الموضع ، وكذا بطريق الاستلزام في آيات تدل على تشريع البيع والتجارة ونحوهما في بضعة مواضع كقوله تعالى : « وإحل الله البيع » البقره ـ 275 ، و قوله تعالى : « ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض » النساء ـ 29 ، وقوله تعالى : « تجارة تخشون كسادها » التوبة ـ 24 ، وغيرها ، والسنة المتواترة تؤيده.
    قوله تعالى : « وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا » ، الادلاء هو ارسال الدلو في البئر لنزح الماء كني به عن مطلق تقريب المال إلى الحكام ليحكموا كما يريده الراشي ، وهو كناية لطيفة تشير إلى استبطان حكمهم المطلوب بالرشوة الممثل لحال الماء الذي في البئر بالنسبة إلى من يريده ، والفريق هو القطعة المفروقة المعزولة من الشئ ، والجملة معطوفة على قوله : تأكلوا ، فالفعل مجزوم بالنهي ، ويمكن ان يكون الواو بمعنى مع والفعل منصوبا بأن المقدرة ، التقدير مع ان تأكلوا فتكون الآيه بجملتها كلاما واحدا مسوقا لغرض واحد ، وهو النهي عن تصالح الراشي والمرتشي على أكل أموال الناس بوضعها بينهما وتقسيمها لانفسهما بأخذ الحاكم ما أدلى به منها إليه واخذ الراشي فريقا آخر منها بالاثم وهما يعلمان ان ذلك باطل غير حق.
( بحث روائي )
     في الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) في الآية كانت تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم


(53)
الله عن ذلك.
    وفي الكافي ايضا عن ابي بصير قال : قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : قول الله عز وجل في كتابه : « ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام » ، قال يا أبا بصير إن الله عز وجل قد علم ان في الامة حكاما يجورون ، اما إنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه عنى حكام اهل الجور ، يا أبا محمد لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام اهل العدل فأبى عليك إلا ان يرافعك إلى حكام اهل الجور ليقضوا له لكان ممن يحاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عز وجل : « ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت ».
    وفي المجمع قال : روي عن ابي جعفر ( عليه السلام ) : يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقطع بها الاموال.
    اقول : وهذه مصاديق والآية مطلقة.

    كل ما بين أيدينا من الموجودات المكونة ، ومنها النبات والحيوان والانسان ، فإنه يتصرف في الخارج عن دائرة وجوده مما يمكن ان ينتفع به في إبقاء وجوده لحفظ وجوده وبقائه ، فلا خبر في الوجود عن موجود غير فعال ، ولا خبر عن فعل يفعله فاعله لا لنفع يعود إليه ، فهذه انواع النبات تفعل ما تفعل لتنتفع به لبقائها ونشؤها وتوليد مثلها ، وكذلك اقسام الحيوان والانسان تفعل ما تفعل لتنتفع به بوجه ولو انتفاعا خياليا أو عقليا ، فهذا مما لا شبهة فيه.
    وهذه الفواعل التكوينية تدرك بالغريزة الطبيعية ، والحيوان والانسان بالشعور الغريزي ان التصرف في المادة لرفع الحاجة الطبيعية والانتفاع في حفظ الوجود والبقاء لا يتم للواحد منها إلا مع الاختصاص بمعنى ان الفعل الواحد لا يقوم بفاعلين ( فهذا حاصل الامر وملاكه ) ولذلك فالفاعل من الانسان اوما ندرك ملاك أفعاله فإنه يمنع عن المداخلة في أمره والتصرف فيما يريد هو التصرف فيه ، وهذا اصل الاختصاص الذي


(54)
يتوقف في اعتباره إنسان وهو معنى اللام الذي في قولنا لي هذا ولك ذلك ، ولي ان افعل كذا ولك ان تفعل كذا.
    ويشهد به ما نشاهده من تنازع الحيوان فيما حازه من عش أو كن أو وكر أو ما أصطاده أو وجده ، مما يتغذى به أو ما ألفه من زوج ونحو ذلك ، وما نشاهده من تشاجر الاطفال فيما حازوه من غذاء ونحوه حتى الرضيع يشاجر الرضيع على الثدي ، ثم إن ورود الانسان في ساحة الاجتماع بحكم فطرته وقضاء غريزته لا يستحكم به إلا ما ادركه بأصل الفطرة إجمالا ، ولا يوجب إلا إصلاح ما كان وضعه أولا وترتيبه وتعظيمه في صورة النواميس الاجتماعية الدائرة ، وعند ذلك يتنوع الاختصاص الاجمالي المذكور أنواعا متفرقه ذوات أسام مختلفه فيسمى الاختصاص المالي بالملك وغيره بالحق وغير ذلك.
    وهم وإن أمكن ان يختلفوا في تحقق الملك من جهة اسبابه كالوراثة والبيع والشراء والغصب بقوة السلطان وغير ذلك ، أو من جهة الموضوع الذي هو المالك كالانسان الذي هو بالغ أو صغير أو عاقل أو سفيه أو فرد أو جماعة إلى غير ذلك من الجهات ، فيزيدوا في بعض ، وينقصوا من بعض ، ويثبتوا لبعض وينفوا عن بعض ، لكن اصل الملك في الجملة مما لا مناص لهم عن اعتباره ، ولذلك نرى ان المخالفين للملك يسلبونه عن الفرد وينقلونه إلى المجتمع أو الدولة الحاكمة عليهم وهم مع ذلك غير قادرين على سلبه عن الفرد من اصله ولن يقدروا على ذلك فالحكم فطري ، وفي بطلان الفطرة فناء الانسان.
    وسنبحث في ما يتعلق بهذا الاصل الثابت من حيث أسبابه كالتجارة والربح والارث والغنيمة والحيازة ومن حيث الموضوع كالبالغ والصغير وغيرهما في موارد يناسب ذلك انشاء الله العزيز


(55)
    يسألونك عن الاهله قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتو االبيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها وأتقوا الله لعلكم تفلحون ـ 189.
( بيان )
    قوله تعالى :يسئلونك إلى قوله : والحج ، الاهلة جمع هلال ويسمى القمر هلالا اول الشهر القمري إذا خرج من تحت شعاع الشمس الليلة الاولى والثانية كما قيل ، وقال بعضهم الليالي الثلاثة الاول ، وقال بعضهم حتى يتحجر ، والتحجر ان يستدير بخطة دقيقة ، وقال بعضهم : حتى يبهر نوره ظلمة الليل وذلك في الليلة السابعة ثم يسمى قمرا ويسمى في الرابعة عشر بدرا ، واسمه العام عند العرب الزبرقان.
    والهلال مأخوذ من استهل الصبي إذا بكى عند الولادة أو صاح ، ومن قولهم : أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية ، سمي به لان الناس يهلون بذكره إذا راوا. والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل ، ويطلق ايضا : على المكان المعين للفعل كميقات أهل الشام وميقات أهل اليمن ، والمراد هلهنا الاول.
    وفي قوله تعالى : يسئلونك عن الاهلة ، وان لم يشرح ان السؤال في امرها عماذا عن حقيقة القمر وسبب تشكلاتها المختلفة في صورالهلال والقمر والبدر كما قيل ، أو عن حقيقة الهلال فقط ، الظاهر بعد المحاق في اول الشهر القمري كما ذكره بعضهم أو عن غير ذلك.
    ولكن اتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل : يسئلونك عن الاهلة دليل على ان السؤال لم يكن عن ماهية القمر واختلاف تشكلاته إذ لو كان كذلك لكان الانسب ان يقال : يسئلونك عن القمر لا عن الاهلة وايضا لو كان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكله الخاص كان الانسب ان يقال : يسئلونك عن الهلال إذ لا غرض


(56)
حينئذ يتعلق بالجمع ، ففي اتيان الاهلة بصيغة الجمع دلالة على ان السؤال انما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالا بعد هلال ورسمه الشهور القمرية وعبر عن ذلك بالاهلة لانها هي المحققة لذلك فاجيب بالفائدة.
    ويستفاد ذلك من خصوص الجواب : قل هي مواقيت للناس والحج ، فإن المواقيت وهي الازمان المضروبة للافعال ، والاعمال انما هي الشهور دون الاهلة التي ليست بأزمنة وانما هي أشكال وصور في القمر.
    وبالجملة قد تحصل ان الغرض في السؤال انما كان متعلقا بشأن الشهور القمرية من حيث السبب أو الفائدة فاجيب ببيان الفائدة وانها أزمان وأوقات مضروبة للناس في أمور معاشهم ومعادهم فإن الانسان لا بد له من حيث الخلقة من ان يقدر أفعاله واعماله التي جميعها من سنخ الحركة بالزمان ، ولازم ذلك ان يتقطع الزمان الممتد الذي ينطبق عليه أمورهم قطعا صغارا وكبارا مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الالهية التي تدبر امور خلقه وتهديهم إلى صلاح حياتهم ، والتقطيع الظاهر الذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدوي والحضري ويسهل حفظه على الجميع انما هو تقطيع الايام بالشهور القمرية التي يدركه كل صحيح الادراك مستقيم الحواس من الناس دون الشهور الشمسية التي ما تنبه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الانسان الا بعد قرون واحقاب من بدء حياته في الارض وهو مع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائما.
    فالشهور القمرية أوقات مضروبة معينة للناس في امور دينهم ودنياهم وللحج خاصة فإنه أشهر معلومات ، وكأن اختصاص الحج بالذكر ثانيا تمهيد لما سيذكر في الآيات التالية من اختصاصه ببعض الشهور.
    قوله تعالى : « وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها » إلى قوله : من ابوابها ، ثبت بالنقل ان جماعة من العرب الجاهلي كانوا إذا أحرموا للحج لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب بل اتخذوا نقبا من ظهورها ودخلوا منه فنهى عن ذلك الاسلام وامرهم بدخول البيوت من ابوابها ، ونزول الآية يقبل الانطباق على هذا الشأن ، وبذلك يصح الاعتماد على ما نقل من شأن نزول الآية على ما سيأتي نقله.
    ولو لا ذلك لامكن ان يقال : ان قوله : وليس البرالى آخره ، كناية عن النهي


(57)
عن امتثال الاوامر الالهية والعمل بالاحكام المشرعة في الدين إلا على الوجه الذي شرعت عليه ، فلا يجوز الحج في غير أشهره ، ولا الصيام في غير شهر رمضان وهكذا وكانت الجملة على هذا متمما لاول الاية ، وكان المعنى : ان هذه الشهور أوقات مضروبة لاعمال شرعت فيها ولايجوز التعدي بها عنها إلى غيرها كالحج في غير أشهره ، والصوم في غير شهر رمضان وهكذا فكانت الاية مشتملة على بيان حكم واحد.
    وعلى التقدير الاول الذي يؤيده النقل فنفى البر عن إتيان البيوت من ظهورها يدل على ان العمل المذكور لم يكن مما امضاه الدين وإلا لم يكن معنى لنفى كونه برا فانما كان ذلك عادة سيئة جاهلية فنفى الله تعالى كونه من البر ، وأثبت ان البر هو التقوي ، وكان الظاهر ان يقال : ولكن البر هو التقوي ، وانما عدل إلى قوله : ولكن البر من اتقى ، اشعارا بان الكمال انما هو في الاتصاف بالتقوى وهو المقصود دون المفهوم الخالي كما مر نظيره في قوله تعالى : « ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن » الآية.
    والامر في قوله تعالى : وإتوا البيوت من أبوابها ، ليس امرا مولويا وإنما هو إرشاد إلى حسن اتيان البيوت من أبوابها لما فيه من الجرى على العادة المألوفة المستحسنة الموافقة للغرض العقلائي في بناء البيوت ووضع الباب مدخلا ومخرجا فيها ، فإن الكلام واقع موقع الردع عن عادة سيئة لا وجه لها إلا خرق العادة الجارية الموافقة للغرض العقلائي ، فلا يدل على أزيد من الهداية إلى طريق الصواب من غير إيجاب ، نعم الدخول من غير الباب بمقصد أنه من الدين بدعة محرمة.
    قوله تعالى : « واتقوا الله لعلكم تفلحون » ، قد عرفت في أول السورة ان التقوى من الصفات التي يجامع جميع مراتب الايمان ومقامات الكمال ، ومن المعلوم ان جميع المقامات لا يستوجب الفلاح والسعادة كما يستوجبه المقامات الاخيرة التي تنفي عن صاحبها الشرك والضلال وإنما تهدي إلى الفلاح وتبشر بالسعادة ، ولذلك قال تعالى : « واتقوا الله لعلكم تفلحون » ، فأتى بكلمة الترجي ، ويمكن ان يكون المراد بالتقوى امتثال هذا الامر الخاص الموجود في الآية وترك ما ذمه من إتيان البيوت من ظهورها.


(58)
( بحث روائي )
     في الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال : سأل الناس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الاهلة فنزلت هذه الآية ( يسئلونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس ) يعلمون بها أجل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم.
    أقول : وروى هذا المعنى فيه بطرق أخر عن ابي العالية وقتادة وغيرهما ، وروي أيضا أن بعضهم سأل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن حالات القمرالمختلفة فنزلت الآية. وهذا هو الذي ذكرنا آنفا انه مخالف لظاهر الآية فلا عبرة به.
    وفي الدر المنثور أيضا : أخرج وكيع ، والبخاري ، وابن جرير عن البراء : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية دخلوا البيت من ظهره فأنزل الله : وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها.
    وفي الدر المنثور أيضا اخرج ابن ابي حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال : كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الابواب في الاحرام وكانت الانصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الاحرام فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الانصاري فقالوا : يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له : ما حملك على ما فعلت قال : رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال : إني رجل أحمس قال : فإن ديني دينك فأنزل الله ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها.
    اقول : وقد روي قريبا من هذا المعنى بطرق أخرى ، والحمس جمع أحمس كحمر وأحمر من الحماسة وهي الشدة سميت به قريش لشدتهم في امر دينهم أو لصلابتهم وشدة باسهم.
    وظاهر الرواية ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قد أمضى قبل الواقعة الدخول من ظهور البيوت لغير قريش ولذا عاتبه بقوله : ما حملك على ما صنعت « الخ » ، وعلى هذا فتكون الآية من الآيات الناسخة ، وهي تنسخ حكما مشرعا من غير آية هذا ، ولكنك قد عرفت ان الآية تنافيه حيث تقول : ليس البر بأن تأتوا ، وحاشا الله سبحانه


(59)
ان يشرع هو أو رسوله بأمره حكما من الاحكام ثم يذمه أو يقبحه وينسخه بعد ذلك وهو ظاهر.
    وفي محاسن البرقي عن الباقر ( عليه السلام ) في قوله تعالى : وأتوا البيوت من أبوابها قال يعني ان يأتي الامر من وجهه أي الامور كان.
    وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) : الاوصياء هم أبواب الله التي منها يؤتي ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه.
    أقول : الرواية من الجرى وبيان لمصداق من مصاديق الآية بالمعنى الذي فسرت به في الرواية الاولى ، ولا شك ان الآية بحسب المعنى عامة وإن كانت بحسب مورد النزول خاصة ، وقوله ( عليه السلام ) ولولاهم ما عرف الله ، يعني البيان الحق والدعوة التامة الذين معهم ، وله معنى آخر أدق لعلنا نشير إليه فيما سيأتي إنشاء الله والروايات في معنى الروايتين كثيرة.
     وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ـ 190. واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ـ 191. فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ـ 192. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ـ 193. الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ـ 194. وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ـ 195


(60)
( بيان )
    سياق الآيات الشريفة يدل على انها نازلة دفعة واحدة ، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لاول مرة مع مشركي مكة ، فإن فيها تعرضا لاخراجهم من حيث أخرجوا المؤمنين ، وللفتنة ، وللقصاص ، والنهي عن مقاتلتهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوا عنده ، وكل ذلك امور مربوطة بمشركي مكة ، على انه تعالى قيد القتال بالقتال في قوله : « وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم » ، وليس معناه الاشتراط أي قاتلوهم ان قاتلوكم وهو ظاهر ، ولا قيدا احترازيا ، والمعنى قاتلوا الرجال دون النساء والولدان الذين لا يقاتلونكم كما ذكره بعضهم ، إذ لا معنى لقتال من لا يقدر على القتال حتى ينهى عن مقاتلته ، ويقال : لا تقاتله بل انما الصحيح النهى عن قتله دون قتاله.
    بل الظاهر ان الفعل اعني يقاتلونكم ، للحال والوصف للاشارة ، والمراد به الذين حالهم حال القتال مع المؤمنين وهم مشركوا مكة.
    فمساق هذه الآيات مساق قوله تعالى : « اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله » الحج ـ 40 ، إذن ابتدائي للقتال مع المشركين المقاتلين من غير شرط.
    على ان الآيات الخمس جميعا متعرضة لبيان حكم واحد بحدوده وأطرافه ولوازمه فقوله تعالى : وقاتلوا في سبيل الله ، لاصل الحكم ، وقوله تعالى : لا تعتدوا الخ ، تحديد له من حيث الانتظام ، وقوله تعالى : واقتلوهم « الخ » تحديد له من حيث التشديد ، و قوله تعالى : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام « الخ » ، تحديد له من حيث المكان ، و قوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة « الخ » تحديد له من حيث الامد والزمان ، وقوله تعالى : الشهر الحرام « الخ » ، بيان ان هذا الحكم تشريع للقصاص في القتال والقتل ومعاملة بالمثل معهم ، وقوله تعالى : وأنفقوا ، إيجاب لمقدمته المالية وهو الانفاق للتجهيز والتجهز ، فيقرب ان يكون نزول مجموع الآيات الخمس لشأن واحد من غير أن ينسخ بعضها بعضا كما احتمله بعضهم ، ولا ان تكون نازلة في شؤون متفرقه كما
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الثاني ::: فهرس