الميزان في تفسير القران ـ المجلد الثاني ::: 76 ـ 90
(76)
     والعمرة عمل آخر وهو زيارة البيت بالاحرام من أحد المواقيت والطواف وصلاته والسعي بين الصفا والمروة والتقصير ، وهما أعنى الحج ، والعمرة عبادتان لايتمان إلا لوجه الله ويدل عليه قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله الآية.
    قوله تعالى : « فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رؤوسكم » « الخ » ، الاحصار هو الحبس والمنع ، والمراد الممنوعية عن الاتمام بسبب مرض أو عدو بعد الشروع بالاحرام والاستيسار صيرورة الشئ يسيرا غير عسير كأنه يجلب اليسر لنفسه ، والهدى هو ما يقدمه الانسان من النعم إلى غيره أو إلى محل للتقرب به ، واصله من الهدية بمعنى التحفة أو من الهدى بمعنى الهداية التي هي السوق إلى المقصود ، والهدى والهدية كالتمر والتمرة ، والمراد به ما يسوقه الانسان للتضحية به في حجه من النعم.
    قوله تعالى : « فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه » « الخ » ، الفاء للتفريع ، وتفريع هذا الحكم على النهي عن حلق الراس يدل على ان المراد بالمرض هو خصوص المرض الذي يتضرر فيه من ترك الشعر على الرأس من غير حلق ، والاتيان بقوله : أو به أذى من رأسه بلفطة أو الترديد يدل على ان المراد بالاذى ما كان من غير طريق المرض كالهوام فهو كناية عن التأذي من الهوام كالقمل على الرأس فهذان الامران يجوزان الحلق مع الفدية بشئ من الخصال الثلاث : التي هي الصيام ، والصدقة ، والنسك.
    وقد وردت السنة ان الصيام ثلاثة ايام ، وأن الصدقة أطعام ستة مساكين ، وان النسك شاة.
    قوله تعالى : « فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج » ، تفريع على الاحصار ، أي إذا أمنتم المانع من مرض أو عدو أو غير ذلك فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، أي تمتع بسبب العمرة من حيث ختمها والاحلال إلى زمان الاهلال بالحج فما استيسر من الهدى ، فالباء للسببية ، وسببية العمرة للتمتع بما كان لا يجوز له في حال الاحرام كالنساء والصيد ونحوهما من جهة تمامها بالاحلال.
    قوله تعالى : « فما استيسر من الهدى » ، ظاهر الآية ان ذلك نسك لا جبران لما فات منه من الاهلال بالحج من الميقات فإن ذلك امر يحتاج إلى زيادة مؤنة في فهمه من الآية كما هو ظاهر.


(77)
    فان قيل : إن ترتب قوله : فما استيسر من الهدى ، على قوله : فمن تمتع ترتب الجزاء على الشرط مع ان اشتمال الشرط على لفظ التمتع مشعر بأن الهدى واقع بإزاء التمتع الذي هو نوع تسهيل شرع له تخفيفا فهو جبران لذلك.
    قلت : يدفعه قوله تعالى : بالعمرة ، فان ذلك يناسب التجويز للتمتع في اثناء عمل واحد ، ولا معنى للتسهيل حيث لا إحرام لتمام العمرة وعدم الاهلال بالحج بعد ، على أن هذا الاستشعار لو صح فإنما يتم به كون تشريع الهدى من أجل تشريع التمتع بالعمرة إلى الحج لا كون الهدى جبرانا لما فاته من الاهلال بالحج من الميقات دون مكة ، وظاهر الآية كون قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى أخبارا عن تشريع التمتع لا إنشاء للتشريع فإنه يجعل التمتع مفروغا عنه ثم يبني عليه تشريع الهدى ، ففرق بين قولنا : من تمتع فعليه هدى وقولنا تمتعوا وسوقوا الهدى ، وأما إنشاء تشريع التمتع فإنما يتضمنه قوله تعالى في ذيل الآية : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
    قوله تعالى : « فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم » ، جعل الحج ظرفا للصيام باعتبار اتحاده مع زمان الاشتغال به ومكانه ، فالزمان الذي يعد زمانا للحج ، وهو من زمان إحرام الحج إلى الرجوع ، زمان الصيام ثلاثة ايام ، ولذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت ان وقت الصيام قبل يوم الاضحى أو بعد إيام التشريق لمن لم يقدر على الصيام قبله والافعند الرجوع إلى وطنه ، وظرف السبعة إنما هو بعد الرجوع فإن ذلك هو الظاهر من قوله : إذا رجعتم ، ولم يقل حين الرجوع على ان الالتفات من الغيبة إلى الحضور في قوله إذا رجعتم لا يخلو عن إشعار بذلك.
    قوله تعالى : « تلك عشرة كاملة » ، أي الثلاثة والسبعة عشرة كاملة وفي جعل السبعة مكملة للعشرة لا متممة دلالة على أن لكل من الثلاثة والسبعة حكما مستقلا آخر على ما مر من معنى التمام والكمال في أول الآية فالثلاثة عمل تام في نفسه ، وإنما تتوقف على السبعة في كمالها لا تمامها.
    قوله تعالى : « ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام » ، أي الحكم المتقدم ذكره وهو التمتع بالعمرة إلى الحج لغير الحاضر ، وهو الذي بينه وبين المسجد الحرام


(78)
أكثر من اثني عشر ميلا على ما فسرته السنة ، وأهل الرجل خاصته : من زوجته وعياله ، والتعبير عن النائي البعيد بأن لا يكون اهله حاضري المسجد الحرام من الطف التعبيرات ، وفيه إيماء إلى حكمة التشريع وهو التخفيف والتسهيل ، فإن المسافر من البلاد النائية للحج ، وهو عمل لا يخلو من الكد ومقاسات التعب ووعثاء الطريق ، لا يخلو عن الحاجة إلى السكن والراحة والانسان إنما يسكن ويستريح عند أهله ، وليس للنائي أهل عند المسجد الحرام ، فبدله الله سبحانه من التمتع بالعمرة إلى الحج والاهلال بالحج من المسجد الحرام من غير ان يسير ثانيا إلى الميقات.
    وقد عرفت : أن الجملة الدالة على تشريع المتعة أنما هي هذه الجملة أعني قوله : ذلك لمن لم يكن « الخ » ، دون قوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، هو كلام مطلق غير مقيد بوقت دون وقت ولاشخص دون شخص ولاحال دون حال.
    قوله تعالى : « واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب » ، التشديد البالغ في هذا التذليل مع أن صدر الكلام لم يشتمل على أزيد من تشريع حكم في الحج ينبئ عن أن المخاطبين كان المترقب من حالهم إنكار الحكم أو التوقف في قبوله وكذلك كان الامر فإن الحج خاصة من بين الاحكام المشرعة في الدين كان موجودا بينهم من عصر إبراهيم الخليل معروفا عندهم معمولا به فيهم قد أنسته نفوسهم وألفته قلوبهم وقد أمضاه الاسلام على ماكان تقريباإلى آخر عهد النبي فلم يكن تغيير وضعه أمرا هينا سهل القبول عندهم ولذلك قابلوه بالانكار وكان ذلك غير واقع في نفوس كثير منهم على ما يظهر من الروايات ، ولذلك اضطر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أن يخطبهم فيبين لهم أن الحكم لله يحكم ما يشاء ، وأنه حكم عام لا يستثنى فيه أحد من نبي أو أمة فهذا هو الموجب للتشديد الذي في آخر الاية بالامر بالتقوى والتحذير عن عقاب الله سبحانه.
    قوله تعالى : « الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج » ألى قوله : في الحج ، أي زمان الحج أشهر معلومات عند القوم وقد بينته السنة وهي : شوال وذو القعدة وذو الحجة.
    وكون زمان الحج من ذي الحجة بعض هذا الشهر دون كله لا ينافي عده شهرا للحج فإنه من قبيل قولنا : زمان مجيئي اليك يوم الجمعة مع ان المجئ إنما هو في بعضه


(79)
دون جميعه.
    وفي تكرارلفظ الحج ثلاث مرات في الآية على أنه من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر لطف الايجاز فإن المراد بالحج الاول زمان الحج وبالحج الثاني نفس العمل وبالثالث زمانه ومكانه ، ولو لا الاظهار لم يكن بد من إطناب غير لازم كما قيل.
    وفرض الحج جعله فرضا على نفسه بالشروع فيه لقوله تعالى : « وأتموا الحج والعمرة لله » الآية ، والرفث كما مر مطلق التصريح بما يكنى عنه ، والفسوق هو الخروج عن الطاعة ، والجدال المراء في الكلام ، لكن السنة فسرت الرفث بالجماع ، والفسوق ، بالكذب ، والجدال بقول لا والله وبلى والله.
    قوله تعالى : « وما تفعلوا من خير يعلمه الله » ، تذكرة بأن الاعمال غير غائبة عنه تعالى ، ودعوة إلى التقوى لئلا يفقد المشتغل بطاعة الله روح الحضور ومعنى العمل ، وهذا دأب القرآن يبين أصول المعارف ويقص القصص ويذكر الشرائع ويشفع البيان في جميعها بالعظة والوصية لئلا يفارق العلم ، العمل فان العلم من غير عمل لا قيمة له في الاسلام ، ولذلك ختم هذه الدعوة بقوله : واتقوني يا أولي الالباب ، بالعدول من الغيبة إلى التكلم الذي يدل على كمال الاهتمام والاقتراب والتعين.
    قوله تعالى : « ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم » ، هو نظير قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع » إلى أن قال : « فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله » الجمعة ـ 10 فبدل البيع بالابتغاء من فضل الله فهو هو ، ولذلك فسرت السنة الابتغاء من الفضل في هذه الآية من البيع فدلت الآية على إباحة البيع اثناء الحج.
    قوله تعالى : « فإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام » ، الافاضة هي الصدور عن المكان جماعة فهي تدل على وقوف عرفات كما تدل على الوقوف بالمشعر الحرام ، وهي المزدلفة.
    قوله تعالى : « واذكروه كما هديكم » « الخ » أي واذكروه ذكرا يماثل هدايته إياكم وانكم كنتم من قبل هدايته إياكم لمن الضالين.


(80)
     قوله تعالى : « ثم افيضوا من حيث افاض الناس » ، ظاهره إيجاب الافاضة على ما كان من دأب الناس والحاق المخاطبين في هذا الشأن بهم فينطبق على ما نقل ان قريشا وحلفائها وهم الحمس كانوا لا يقفون بعرفات بل بالمزدلفة وكانوا يقولون : نحن اهل حرم الله لا نفارق الحرم فأمرهم الله سبحانه بالافاضة من حيث افاض الناس وهو عرفات.
     وعلى هذا فذكر هذا الحكم بعد قوله : فإذا أفضتم من عرفات ، بثم الدالة على التأخير اعتبار للترتيب الذكري ، والكلام بمنزلة الاستدراك ، والمعنى ان أحكام الحج هي التي ذكرت غير انه يجب عليكم في الافاضة ان تفيضوا من عرفات لا من المزدلفة ، وربما قيل : إن في الآيتين تقديما وتأخيرا في التأليف ، والترتيب : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، فإذا أفضتم من عرفات.
    قوله تعالى : « فإذا قضيتم مناسككم إلى » قوله : ذكرا ، دعوة إلى ذكر الله والبلاغ فيه بأن يذكره الناسك كذكره آبائه وأشد منه لان نعمته في حقه وهي نعمة الهداية كما ذكره بقوله تعالى : « واذكروه كما هديكم » أعظم من حق آبائه عليه ، وقد قيل : إن العرب كانت في الجاهلية إذا فرغت من الحج مكثت حينا في منى فكانوا يتفاخرون بالآباء بالنظم والنثر فبدله الله تعالى من ذكره كذكرهم أو أشد من ذكرهم وأو في قوله أو أشد ذكرا ، للاضراب فتفيد معنى بل ، وقد وصف الذكر بالشدة وهو امر يقبل الشدة في الكيفية كما يقبل الكثرة في الكمية ، قال تعالى : « واذكروا الله ذكرا كثيرا » الاحزاب ـ 41 ، وقال تعالى : « والذاكرين الله كثيرا » الاحزاب ـ 35 ، فإن الذكر بحسب الحقيقة ليس مقصورا في اللفظ ، بل هو امر يتعلق بالحضور القلبي واللفظ حاك عنه ، فيمكن ان يتصف بالكثرة من حيث الموارد بأن يذكر الله سبحانه في غالب الحالات كما قال تعالى : « الذين يذكرون الله قياما وقعود أو على جنوبهم » آل عمران ـ 191 ، وإن يتصف بالشدة في مورد من الموارد ، ولما كان المورد المستفاد من قوله تعالى : فإذا قضيتم مناسككم ، موردا يستوجب التلهي عنه تعالى ونسيانه كان الانسب توصيف الذكر الذي أمر به فيه بالشدة دون الكثرة كما هو ظاهر.
    قوله تعالى : « فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا » « الخ » تفريع على قوله


(81)
تعالى : فاذكروا الله كذكركم آبائكم ، والناس مطلق ، فالمراد به أفراد الانسان أعم من الكافر الذي لا يذكر إلا آبائه أي لا يبتغي إلا المفاخر الدنيوية ولا يطلب إلا الدنيا ولا شغل له بالآخرة ، ومن المؤمن الذي لا يريد الا ما عند الله سبحانه ، ولو أراد من الدنيا شيئا لم يرد إلا ما يرتضيه له ربه ، وعلى هذا فالمراد بالقول والدعاء ما هو سؤال بلسان الحال دون المقال ، ويكون معنى الآية أن من الناس من لا يريد إلا الدنيا ولا نصيب له في الاخرة ومنهم من لا يريد إلا ما يرتضيه له ربه سواء في الدنيا أو في الاخرة ولهؤلاء نصيب في الاخرة.
    ومن هنا يظهر وجه ذكر الحسنة في قول أهل الاخرة دون أهل الدنيا ، وذلك أن من يريد الدنيا لا يقيده بأن يكون حسنا عند الله سبحانه بل الدنيا وما هو يتمتع به في الحياة الارضية كلها حسنة عنده موافقة لهوى نفسه ، وهذا بخلاف من يريد ما عند الله سبحانه فإن ما في الدنيا وما في الاخرة ينقسم عنده إلى حسنة وسيئة ولا يريد ولا يسأل ربه إلا الحسنة دون السيئة.
    و المقابلة بين قوله : وما له في الآخرة من خلاق ، وقوله : أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، تعطي أن أعمال الطائفة الاولى باطلة حابطة بخلاف الثانية كما قال تعالى : « وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا » الفرقان ـ 23 ، وقال تعالى : « ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها » الاحقاف ـ 20 ، وقال تعالى : « فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا » الكهف ـ 105.
    قوله تعالى : « والله سريع الحساب » ، إسم من أسماء الله الحسنى ، وإطلاقه يدل على شموله للدنيا والآخرة معا ، فالحساب جار ، كلما عمل عبد شيئا من الحسنات أو غيرها آتاه الله الجزاء جزاء وفاقا.
    فالمحصل من معنى قوله : فمن الناس من يقول إلى آخر الآيات ، أن اذكروا الله تعالى فإن الناس على طائفتين : منهم من يريد الدنيا فلا يذكر غيرها ولا نصيب له في الآخرة ، ومنهم من يريد ما عند الله مما يرتضيه له وله نصيب من الاخرة والله سريع الحساب يسرع في حساب ما يريده عبده فيعطيه كما يريد ، فكونوا من أهل النصيب


(82)
بذكر الله ولا تكونوا ممن لا خلاق له بتركه ذكر ربه فتكونوا قانطين آئسين.
    قوله تعالى : « واذكروا الله في أيام معدودات » ، الايام المعدودات هي ايام التشريق وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ، والدليل على ان هذه الايام بعد العشرة من ذي الحجة ذكر الحكم بعد الفراغ عن ذكر أعمال الحج ، والدليل على كونها ثلاثة أيام قوله تعالى : فمن تعجل في يومين « الخ » ، فإن التعجل في يومين إنما يكون إذا كانت الايام ثلاثة ، يوم ينفر فيه ، ويومان يتعجل فيهما فهي ثلاثة ، وقد فسرت في الروايات بذلك أيضا.
    قوله تعالى : « فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى » ، لا نافية للجنس فقوله : لا إثم عليه في الموضعين ينفي جنس الاثم عن الحاج ولم يقيد بشيء أصلا ، ولو كان المراد لا إثم عليه في التعجل أو في التأخر لكان من اللازم تقييده به ، فالمعنى إن من اتم عمل الحج فهو مغفور لا ذنب له سواء تعجل في يومين أو تأخر ، ومن هنا يظهر : ان الآية ليست في مقام بيان التخيير بين التأخر والتعجل للناسك ، بل المراد بيان كون الذنوب مغفورة للناسك على أي حال.
    واما قوله : لمن اتقى ، فليس بيانا للتعجل والتأخر وإلا لكان حق الكلام ان يقال : على من اتقى ، بل الظاهر ان قوله : لمن اتقى نظير قوله تعالى : ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام الآية ، والمراد ان هذا الحكم لمن اتقى واما من لم يتق فليس له ، ومن اللازم ان يكون هذه التقوى تقوى مما نهى الله سبحانه عنه في الحج واختصه به فيؤل المعنى ان الحكم إنما هو لمن اتقى تروك الاحرام أو بعضها أما من لم يتق فيجب ان يقيم بمنى ويذكر الله في ايام معدودات ، وقد ورد هذا المعنى في بعض ما روي عن أئمه اهل البيت كما سيجئ إنشاء الله.
    قوله تعالى : « واتقوا الله واعلموا انكم إليه تحشرون » ، امر بالتقوى في خاتمة الكلام وتذكير بالحشر والبعث فإن التقوى لا تتم والمعصية لا تجتنب إلا مع ذكر يوم الجزاء ، قال تعالى : « إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب » ص ـ 26.
    وفي اختيار لفظ الحشر في قوله تعالى : انكم إليه تحشرون ، مع ما في نسك


(83)
الحج من حشر الناس وجمعهم لطف ظاهر ، وإشعار بأن الناسك ينبغي ان يذكر بهذا الجمع والافاضة يوما يحشر الله سبحانه الناس لا يغادر منهم احدا
( بحث روائي )
    في التهذيب وتفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) : في قوله تعالى : واتموا الحج والعمرة لله ، قال : هما مفروضان.
    وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبد الله ( عليهم السلام ) قالوا : سألناهما عن قوله : واتموا الحج والعمرة لله ، قالا : فإن تمام الحج ان لا يرفث ولا يفسق ولا يجادل
    وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) في حديث قال : يعني بتمامهما أدائهما ، واتقاء ما يتقي المحرم فيهما.
    اقول : والروايات غير منافية لما قدمناه من معنى الاتمام فإن فرضهما وادائهما هو إتمامهما.
    وفي الكافي عن الحلبي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين حج حجة الاسلام خرج في اربع بقين من ذي القعدة حتى اتى الشجرة وصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فإحرم منها واهل بالحج وساق مأة بدنة واحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة ، حتى إذا قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثم صلى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثم قال : أبدا بما بدء الله عز وجل به فأتى الصفا فبدء بها ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا وأمرهم ان يحلوا ويجعلوها عمرة ، وهو شيء امر الله عز وجل به فأحل الناس ، وقال رسول الله : لو كنت استقبلت من امري ما استدبرت لفعلت كما امرتكم ، ولم يكن يستطيع من اجل الهدى الذي معه ، إن الله عز وجل يقول : ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله ، قال سراقة بن جعثم الكناني : علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي امرتنا به لعامنا أو لكل عام؟ فقال


(84)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا بل للابد ، وإن رجلا قام فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤسنا تقطر من نسائنا؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إنك لن تؤمن بها أبدا ، قال : ( عليه السلام ) : واقبل علي ( عليه السلام ) من اليمن حتى وافى الحج فوجد فاطمة قد احلت ووجد ريح الطيب فانطلق إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مستفتيا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا علي بأي شيء أهللت؟ فقال بما اهل به النبي ، فقال : لا تحل انت فاشركه في الهدى وجعل له سبعا وثلاثين ونحر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثا وستين فنحرها بيده ثم اخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر واحد ثم امر به فطبخ فأكل منه وحصا من المرق وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد اكلنا الآن منه جميعا والمتعة خير من القارن السائق وخير من الحاج المفرد ، قال : وسئلته : ليلا احرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أم نهارا؟ فقال : نهارا ، فقلت : اي ساعة؟ قال : صلوة الظهر.
    اقول : وقد روي هذا المعنى في المجمع وغيره.
    وفي التهذيب عن الصادق ( عليه السلام ) قال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمه فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فليس لاحد إلا أن يتمتع لان الله انزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وفي الكافي أيضا عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فما استيسر من الهدى شاة.
    وفي الكافي أيضا عن الصادق ( عليه السلام ) في المتمتع لا يجد الشاة ، قال : يصوم قبل التروية بيوم التروية ويوم عرفة ، قيل : فإنه قد قدم يوم التروية؟ قال : يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق ، قيل : لم يقم عليه جماله؟ قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ، قيل : وما الحصبة؟ قال يوم نفره ، قيل : يصوم وهو مسافر؟ قال : نعم اليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنا اهل بيت نقول بذلك ، يقول الله تعالى : فصيام ثلاثة ايام في الحج ، يقول : في ذي الحجة.
    وروي الشيخ عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام ، وليس له متعة.
    اقول : يعني ان ما دون المواقيت فساكنة يصدق عليه انه من حاضري المسجد الحرام وليس له متعة ، والروايات في هذه المعاني كثيرة من طرق أئمه اهل البيت.
    وفي الكافي عن الباقر ( عليه السلام ) في قوله تعالى : الحج اشهر معلومات ، قال :


(85)
الحج اشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة ليس لاحد ان يحج فيما سواهن.
    وفيه عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فمن فرض فيهن « الخ » ، الفرض التلبية والاشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج وفي الكافي عنه ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فلا رفث « الخ » ، الرفث الجماع ، والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله.
    وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « لا جناح عليكم ان تبتغوا فضلا من ربكم » الآيه يعني الرزق فإذا أحل الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبع في الموسم.
    اقول : ويقال : إنهم كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع الله ذلك بالآيه.
    وفي المجمع ، وقيل : معناه لا جناح عليكم ان تطلبوا المغفرة من ربكم ، رواه جابر عن ابي جعفر ( عليه السلام ).
    اقول : وفيه تمسك بإطلاق الفضل وتطبيقه بأفضل الافراد.
    وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « ثم افيضوا من حيث افاض الناس » الآيه ، قال : إن اهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام ويقف الناس بعرفة ولا يفيضون حتى يطلع عليهم اهل عرفة ، وكان رجل يكني أبا سيار وكان له حمار فاره ، وكان يسبق اهل عرفه ، فإذا طلع عليهم قالوا : هذا أبو سيار ثم أفاضوا فامرهم الله ان يقفوا بعرفة وان يفيضوا منه.
    اقول : وفي هذا المعنى روايات اخر.
    وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة » ، قال : رضوان الله والجنة في الآخرة ، والسعة في الرزق وحسن الخلق في الدنيا
    وعنه ( عليه السلام ) قال : رضوان الله والتوسعة في المعيشة وحسن الصحبة ، وفي الآخرة الجنة.


(86)
    وعن علي ( عليه السلام ) في الدنيا المرئه الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء ، وعذاب النار امرئة السوء.
    أقول : والروايات من قبيل عد المصداق والآيه مطلقة ، ولما كان رضوان الله تعالى مما يمكن حصوله في الدنيا وظهوره التام في الآخرة صح أن يعد من حسنات الدنيا كما في الرواية الاولى أو الآخرة كما في الرواية الثانية.
    وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « وأذكروا الله في أيام معدودات » الآية ، قال : وهي أيام التشريق ، وكانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم : كان أبي يفعل كذا وكذا ، فقال الله جل شأنه : فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا ، قال : والتكبير : الله اكبر ، الله اكبر ، لا إله إلا الله والله اكبر ولله الحمد ، الله اكبر على ما هدانا ، الله اكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام
     وفيه عنه ( عليه السلام ) قال : والتكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الامصار يكبر عقيب عشر صلوات.
    وفي الفقيه في قوله تعالى : « فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه » الآية ، سئل الصادق ( عليه السلام ) في هذه الآية فقال : ليس هو على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا ، لكنه يرجع مغفورا له لا ذنب له.
    وفي تفسير العياشي عنه ( عليه السلام ) قال يرجع مغفورا له لا ذنب له لمن اتقى.
    وفي الفقيه عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : « لمن اتقى » الآية ، قال : يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى.
    وعن الباقر ( عليه السلام ) لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله في إحرامه.
    وعنه أيضا : لمن اتقى الله عز وجل.
    وعن الصادق ( عليه السلام ) لمن اتقى الكبائر.
    أقول : قد عرفت ما يدل عليه الآية ، ويمكن التمسك بعموم التقوى كما في


(87)
الروايتين الاخيرتين.

     في الدر المنثور أخرج البخاري والبيهقي عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال : أهل المهاجرون والانصار وأزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة ، قال : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدى فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب ، وقال : من قلد الهدى فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدى ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدى كما قال الله : فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم والشاة تجزي فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه وأباحه للناس غير أهل مكة ، قال الله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، وأشهر الحج التي ذكر الله : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن تمتع في هذه الاشهر فعليه دم أو صوم ، والرفث الجماع ، والفسوق المعاصي ، والجدال المراء.
    وفي الدر المنثور أيضا أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر ، قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالعمره إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشئ حرم منه حتى يقضى حجه ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت ، وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
    وفي الدر المنثور أيضا أخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد وعطاء عن جابر : قال : كثرت القالة من الناس فخرجنا حجاجا حتى إذا لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالاحلال ، قلنا أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منيا؟ فبلغ ذلك رسول الله فقام خطيبا فقال : أ بالله تعلمون أيها الناس؟ فأنا والله أعلمكم بالله


(88)
وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا ولحللت كما أحلوا ، فمن لم يكن معه هدى فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ومن وجد هديا فلينحر فكنا ننحر الجزور عن سبعة ، قال عطاء : قال ابن عباس : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قسم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه.
    وفي الدر المنثور أيضا أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عمر ان بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله وفعلناها مع رسول الله صلى عليه وآله وسلم ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنه حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء.
    أقول : وقد رويت الرواية بألفاظ أخرى قريبة المعنى مما نقله في الدر المنثور.
    وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن النسائي عن مطرف ، قال : بعث إلى عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال : إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث بها عني إني قد سلم على وأعلم أن نبي الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنه نبي الله ، قال رجل فيها برأيه ما شاء.
    وفي صحيح الترمذي أيضا وزاد المعاد لابن القيم سئل عبد الله بن عمر عن متعة الحج ، قال : هي حلال فقال له السائل : إن أباك قد نهى عنها فقال : أرأيت إن كان أبي نهى وصنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر أبي تتبع أم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال الرجل : بل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : لقد صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وفي صحيح الترمذي وسنن النسائي وسنن البيهقي وموطأ مالك وكتاب الام للشافعي عن محمد بن عبد الله أنه سمع سعد بن ابى وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله ، فقال سعد بئسما قلت يا بن أخي ، قال الضحاك : فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك ، قال سعد : قد صنعها رسول الله وصنعناها معه.
    وفي الدر المنثور أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى ، قال : قدمت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو بالبطحاء فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أهللت؟ قلت : أهللت بإهلال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : هل سقت من هدى؟ قلت : لا ، قال : طف بالبيت وبالصفا والمروة


(89)
ثم حل فطفت بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ثم أتيت امرأه من قومي فمشطتني رأسي وغسلت رأسي فكنت أفتي الناس في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جائني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك فقلت : أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فيه فاتموا فلما قدم قلت : ماذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال : أن نأخذ بكتاب الله فإن الله قال : وأتموا الحج والعمرة لله ، وأن نأخذ بسنة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يحل حتى نحر الهدى.
    وفي الدر المنثور أيضا أخرج مسلم عن أبي نضرة ، قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهي عنها فذكر ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسول الله ما شاء مما شاء وإن القرآن نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله وافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه اتم لحجكم وأتم لعمرتكم.
    وفي مسند أحمد عن أبي موسى أن عمر قال : هي سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعني المتعة ولكني اخشى ان يعرسوا بهن تحت الاراك ثم يروحوا بهن حجاجا.
    وفي جمع الجوامع للسيوطي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج وقال : فعلتها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنا أنهي عنها وذلك أن احدكم يأتي من افق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج وإنما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثم يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيب ويقع على أهله إن كانوا معه حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحج وخرج إلى منى يلبي بحجه لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلا يوما والحج أفضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهن تحت الاراك مع أن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرء عليهم.
    وفي سنن البيهقي عن مسلم عن أبي نضرة عن جابر ، قال : قلت : إن ابن الزبير ينهي عن المتعة وإبن عباس يأمر به ، قال : على يدي جرى الحديث ، تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومع أبي بكر فلما ولى عمر خطب الناس ، فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذا الرسول والقرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتين على عهد رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما إحديهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى اجل إلا


(90)
غيبته بالحجارة والاخرى متعة الحج.
    وفي سنن النسائي عن ابن عباس قال : سمعت عمر يقول : والله إني لانهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يعني العمرة في الحج.
    وفي الدر المنثور اخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق ، قال : كان عثمان ينهي عن المتعة وكان علي يأمر بها فقال عثمان لعلي كلمة فقال علي ( عليه السلام ) : لقد علمت انا تمتعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : ولكنا كنا خائفين.
    وفي الدر المنثور ايضا اخرج ابن ابي شيبة ومسلم عن ابي ذر كانت المتعة في الحج لاصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة.
    وفي الدر المنثور أيضا أخرج مسلم عن أبي ذر قال : لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة يعني متعة النساء ومتعة الحج.
    اقول : والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا لكنا اقتصرنا منها على ما له دخل في غرضنا وهو البحث التفسيري عن نهيه ، فإن هذا النهى ربما يبحث فيه من جهه كون ناهيه محقا أو معذورا فيه وعدم كونه كذلك ، وهو بحث كلامي خارج عن غرضنا في هذا الكتاب.
    وربما يبحث فيه من جهة اشتمال الروايات على الاستدلال على هذا المعنى بما له تعلق بالكتاب أو السنة فترتبط بدلالة ظاهر الكتاب والسنة ، وهو سنخ بحثنا في هذا الكتاب.
    فنقول : أما الاستدلال على النهي عن التمتع بأنه هو الذي يدل عليه قوله تعالى « وأتموا الحج والعمرة لله » الآيه وان التمتع مما كان مختصا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما يدل عليه ما في رواية أبي نضرة عن جابر : أن الله كان يحل لرسوله ما شاء مما شاء وأن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما امركم الله ، فقد عرفت : ان قوله تعالى : « وأتموا الحج والعمرة لله » الآيه لا يدل على أزيد من وجوب إتمام الحج والعمرة بعد فرضهما. والدليل عليه قوله تعالى : فإن أحصرتم « الخ » ، واما كون الآيه دالة على الاتمام بمعنى فصل العمرة من الحج ، وأن عدم الفصل كان أمر خاصا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة ، أو به وبمن معه في تلك الحجة ( حجة الوداع ) فدون إثباته خرط القتاد.
    وفيه مع ذلك اعتراف بأن التمتع كان سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما في رواية النسائي عن ابن عباس من قوله : والله إني لانهاكم عن المتعة إلى قوله : ولقد فعلها
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الثاني ::: فهرس