الغدير ـ الجزء العاشر ::: 41 ـ 50
(41)
إنما هو لمن صدق هذا الاسم بعمله للسنة والمخالفون ملوك وإنما تسموا بالخلفاء.
    ولابن حجر حول الحديث كلمة أسلفناها في ص 24 من هذا الجزء.
    قال الأميني : ألا تعجب من ابن خليفة شب ونمى وترعرع وشاخ في عاصمة الدين ، في محيط وحي الله ، في دار النبوة والرسالة ، في مدرسة الاسلام الكبرى ، بين ناشئة الصحابة وفي حجور مشيختهم ، بين أمة عالمة استقى العالم من نمير علمهم ، واهتدى الخلائق بنور هداهم ، وبقي هذا الانسان في ظلمة الجهل إلى أخريات أيام معاوية ، وعاش خمسين سنة بإجارة محرمة ، وشد بها عظمه ومخه ، ونبت بها لحمه وجلده ، حتى حداه إلى السنة رافع بن خديج الذي لم يكن من مشيخة الصحابة وقد استصغره رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ؟ وكانت السنة في المحاقلة والمخابرة تروى في لسان الصحابة ، وفي بعض ألفاظه شدة ووعيد مثل قوله صلى الله عليه وآله في حديث جابر : من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله (1) وجاءت هذه السنة في الصحاح والمسانيد بأسانيد تنتهي إلى جابر بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن ثابت (2).
    وليت ابن عمر بعد ما علم الحظر فيما أشبع به طيلة حياته نهمته ـ وطبع الحال أنه كان يعلم بذلك ويرشد ويهدي أو يهلك ويغوي ، وكان غيره يقتص أثره لأنه ابن فقيه الصحابة وخليفتهم الذي أوعزنا إلى موارد من فقهه وعلمه في نوادر الأثر في الجزء السادس ـ كان يسأل عن فقهاء الأمة أو عن خليفته معاوية عن حكم المال المأخوذ المأكول بالعقد الباطل.
    أليس من الغلو الفاحش أو الجناية الكبيرة على المجتمع الديني أن يعد هذا الانسان من مراجع الأمة وفقهائها وأعلامها ومستقى علمها وممن يحتج بقوله و فعله ؟ وهل كان هو يعرف من الفقه موضع قدمه ؟ أنا لا أدري.
    ( ومنها ) : ما أخرجه الدارقطني في سننه من طريق عروة عن عائشة أنه بلغها قول ابن عمر : في القبلة الوضوء.
    فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ثم
1 ـ سنن البيهقي 6 : 128.
2 ـ راجع سنن النسائي 3 : 52 ، سنن البيهقي 6 : 128 ـ 133.


(42)
لا يتوضأ. [ الاجابة للزركشي ص 118 ].
    ( ومنها ) : قوله في المتعة ، والبكاء على الميت ، وطواف الوداع على الحائض ، والتطيب عند الاحرام.
    وستوافيك أخبارها.
    ويعرب عن مبلغ الرجل من فقه الاسلام ما ذكره ابن حجر في فتح الباري 8 : 209 من قوله : ثبت عن مروان أنه قال لما طلب الخلافة فذكر وآله ابن عمر فقال : ليس ابن عمر بأفقه مني ولكنه أسن مني وكانت له صحبة.
    فما شأن امرء يكون مروان أفقه منه ؟ ولعل نظرا إلى هذه وما يأتي من نوادر الرجل أو بوادره في الفقه ترى إبراهيم النخعي لما ذكر له ابن عمر وتطيبه عند الإحرام قال : ما تصنع بقوله ؟ (1) وقال الشعبي : كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه كما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 891 رقم التسلسل.
    هذا رأي الشعبي وأما نحن فلا نفرق بين فقه الرجل وحديثه وكلاهما شرع سواء غير جيدان ، بل حديثه أردى من فقهه ، وردائة فقهه من ردائة حديثه ، وكأن الشعبي لم يقف على شواهد سوء حفظه أو تحريفه الحديث فإليك نماذج منها :
    1 ـ أخرج الطبراني من طريق موسى بن طلحة قال : بلغ عائشة أن ابن عمر يقول : إن موت الفجأة سخط على المؤمنين.
    فقالت : يغفر الله لابن عمر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : موت الفجاءة تخفيف على المؤمنين وسخط على الكافرين. الاجابة للزركشي ص 119.
    2 ـ أخرج البخاري من طريق ابن عمر قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ ثم قال : إنهم الآن يسمعون ما أقول فذكر ذلك لعائشة فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم حق.
    وفي لفظ أحمد في مسنده 2 : 31 : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القليب يوم بدر فقال : يا فلان ؟ يا فلان ؟ هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ أما والله إنهم الآن ليسمعون كلامي.
    قال يحيى : فقالت عائشة : غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهم ، إنما قال رسول
1 ـ صحيح البخاري 3 : 58 ، تيسير الوصول 1 : 267.

(43)
الله صلى الله عليه وسلم : والله إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم حقا ، وإن الله تعالى يقول : إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور.
    3 ـ روى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اهتز العرش لموت سعد بن معاذ.
    قال أبو عبد الله : فتأول ناس في هذا الحديث وقالوا : العرش سريره الذي حمل عليه ، واحتجوا بحديث رووه عن ابن عمر إنه تأوله ، كذا حدثنا الجارود قال : حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر قال : ذكر يوما عنده حديث سعد : إن العرش يهتز بحب الله لقاء سعد قال ابن عمر : إن العرش ليس يهتز لموت أحد ولكنه سريره الذي حمل عليه.
    قال : فهذا مبلغ ابن عمر رحمه الله من علم ما القي إليه من ذلك ، وفوق كل ذي علم عليم.
    إنتهى. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 606 ولفظه : قال ابن عمر : اهتز لحب لقاء الله العرش.
    يعني السرير قال : ورفع أبويه على العرش. تفسخت أعواده.
    وأنت تعرف سخافة هذا التأويل مما أخرجه البخاري والحاكم في المستدرك من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اهتز عرش (1) الرحمن لموت سعد بن معاذ.
    فقال رجل لجابر : فإن البراء يقول : اهتز السرير.
    فقال إنه كان بين هذين الحيين الأوس والخزرج ضغائن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ (2).
    وأخرجه مسلم بلفظ : اهتز عرش الرحمن (3).
    وفي فتح الباري 7 : 98 : قد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة أو أكثر وثبت في الصحيحين فلا معنى لإنكاره.
    4 ـ في كتاب ( الانصاف ) لشاه صاحب : روى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقضت عائشة عليه بأنه لم يأخذ الحديث على وجهه ، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها فقال صلى الله عليه وسلم : إنهم يبكون عليها ، وإنها تعذب في قبرها.
    وظن ـ ابن عمر ـ العذاب معلولا بالبكاء ، وظن الحكم عاما على كل ميت.
1 ـ فصل ابن حجر القول في معنى الحديث في فتح الباري 7 : 97 ، 98.
2 ـ صحيح البخاري في المناقب ج 6 : 3 ، مستدرك الحاكم 3 : 207.
3 ـ صحيح مسلم 7 : 150.


(44)
    وأخرج أحمد في المسند 6 : 281 عن عائشة أنه بلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الميت يعذب ببكاء أهله عليه.
    فقالت : يرحم الله عمر و ابن عمر فوالله ما هما بكاذبين ولا مكذبين ولا متزيدين إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل من اليهود ومر بأهله وهم يبكون عليه فقال : إنهم ليبكون عليه وإن الله عزوجل ليعذبه في قبره.
    ولأحمد في مسنده لفظ آخر يأتي بعد بضع صحائف من هذا الجزء.
    أسلفنا الحديث نقلا عن عدة صحاح ومسانيد في الجزء السادس ص 151 ط 1 وفصلنا هنالك القول حول المسألة.
    5 ـ أخرج البخاري في كتاب الأذان من صحيحه ج 2 : 6 عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم.
    هذا الحديث مما استدركت به عائشة على ابن عمر وكانت تقول : غلط ابن عمر وصحيحه إن ابن مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ، وبهذا جزم الوليد وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة ، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن.
    وفي لفظ البيهقي في سننه 1 : 382 : قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ابن مكتوم رجل أعمى فإذا أذن فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال.
    قالت : وكان بلال يبصر الفجر ، وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر.
    وقال ابن حجر : ادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب ـ يعني لفظ البخاري ـ وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة ، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله : إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم ، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد.
    وأخرجه أحمد (1) وجاء عن عائشة أيضا : إنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول : إنه غلط ، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد قالت عائشة : وكان بلال يبصر الفجر.
    قال : وكانت عائشة تقول :
1 ـ في المسند 6 : 186.

(45)
غلط ابن عمر. فتح الباري 2 : 81.
    6 ـ أخرج أحمد في مسنده 2 : 21 من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قال عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهر تسع وعشرون وصفق بيديه مرتين ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه.
    فقالت عائشة : غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهم ، إنما حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فنزل لتسع وعشرين فقالوا : يا رسول الله ! إنك نزلت لتسع وعشرين فقال : إن الشهر يكون تسعا وعشرين.
    وفي ص 56 : فقيل له فقال ( صلى الله عليه وسلم ) : إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين.
    ورواه أبو منصور البغدادي ولفظه : أخبرت عائشة رضي الله عنها بقول ابن عمر رضي الله عنه : إن الشهر تسع وعشرون فأنكرت ذلك عليه وقالت : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما هكذا قال رسول الله ولكن قال : إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين ( الاجابة للزركشي ص 120 ).
    كان ابن عمر يعمل بوهمه هذا ويرى كل شهر تسعا وعشرين يوما وكان يقول : قال رسول الله : الشهر تسع وعشرون ، وكان إذا كان ليلة تسع وعشرين وكان في السماء سحاب أو قتر أصبح صائما (1) 7 ـ أخرج الشيخان من جهة نافع قال : قيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.
    فقال ابن عمر : أكثر علينا أبو هريرة فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة فقال ابن عمر : لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
    وأخرج مسلم من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص إنه كان قاعدا عند عبد الله ابن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال : يا عبد الله بن عمر : ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى دفن كان له قيراطان من أجر ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ، فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة.
    فضرب
1 ـ مسند أحمد 2 : 13.

(46)
ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض وقال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة (1).
    ولعل الباحث لا يشك إذا وقف على هذه الروايات وأمثالها في أن رواية ابن عمر لا تقل عن فقاهته في الردائة ، ومن هذا شأنه في الفقه والحديث لا يعبأ به وبرأيه ولا يوثق بحديثه.

رأي ابن عمر في القتال والصلاة
    ( ومنها ) : أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 4 : 110 ط ليدن عن ابن عمر أنه كان يقول : لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب.
    وقال ابن حجر في فتح الباري 13 : 39 : كان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة.
     وقال ابن كثير في تاريخه 9 : 5 : كان في مدة الفتنة لا يأتي أميرا إلا صلى خلفه ، وأدى إليه زكاة ماله.
    يترائا هاهنا من وراء ستر رقيق تترس ابن عمر بأغلوطته هذه عن سبة تقاعده عن حرب الجمل وصفين مع مولانا أمير المؤمنين ، ذاهلا عن أن هذه جناية أخرى لا يغسل بها دنس ذلك الحوب الكبير ، متى كانت تلكم الحروب فتنة حتى يتظاهر ابن عمر تجاهها بزهادة جامدة لاقتناص الدهماء ؟ والأمر كما قال حذيفة اليماني ذلك الصحابي العظيم : لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك ، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل (2) أو كان ابن عمر بمنتأى عن عرفان دينه ؟ أو كان على حد قوله تعالى : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ؟ وهل كان ابن عمر لم يعرف من القرآن قوله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ، إن الله يحب المقسطين (3) وقد أفحمه رجل عراقي بهذه الآية وحيره فلم يحر ابن عمر جوابا غير أنه تخلص منه بقوله : مالك ولذلك ؟ إنصرف عني. وسيوافيك تمام الحديث.
    هلا كان ابن عمر بان له الرشد من الغي ، ولم يك يشخص الحق من الباطل ؟
1 ـ صحيح البخاري 2 : 239 ، صحيح مسلم 3 : 52 ، 53.
2 ـ فتح الباري 13 : 40.
3 ـ سورة الحجرات. آية 9.


(47)
وهلا كان يعرف الباغية من الفئتين ؟ وهل كان يزعم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن الفتن بعده وإنها تغشى أمته كقطع الليل المظلم (1) وترك الأمة مغمورة في مدلهماتها ، هالكة في غمراتها ، ولم يعبد لها طريق النجاة ، وما رشدها إلى مهيع الحق ، ولم ينبس عما ينجيها ببنت شفة ؟ حاشى نبي الرحمة عن ذلك ، وهو صلى الله عليه وآله لم يبق عذرا لأي أحد من عرفان الباغية من الطائفتين في تلكم الحروب ، ولم يك يخفى حكمها على أي ديني قال مولانا أمير المؤمنين : لقد أهمني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه ، إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم (2).
    أكان في أذن ابن عمر وقر عن سماع ذلك الهتاف القدسي بمثل قوله صلى الله عليه وآله لعائشة : كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة.
    وقوله لزوجاته : كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب ، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء.
    وقوله لها : انظري أن لا تكوني أنت.
    وقوله للزبير : إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له.
    وقوله : سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه ، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، ليس وراء ذلك شيء.
    [ حقا جاهد ابن عمر في الخلاف على قول رسول الله هذا بلسانه وقلبه ما استطاع ].
    وقوله لعلي : يا علي ستقاتل الفئة الباغية وأنت على الحق ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني.
    وقوله له : ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.
    وقوله له : أنت فارس العرب وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين.
    وقوله لأم سلمة لما رأى عليا : هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي.
1 ـ صحيح الترمذي 9 : 49 ، مستدرك الحاكم 4 : 438 ، 440 ، كنز العمال 6 : 31 ، 37.
2 ـ كتاب صفين ص 542.


(48)
    وعهده إلى علي عليه السلام أن يقاتل بعده القاسطين والناكثين والمارقين (1).
    وقوله لأصحابه : إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا.
    قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل.
    وكان أعطى عليا نعله يخصفها (2). وقوله لعمار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية. وقد قتلته فئة معاوية.
    وقول أبي أيوب الأنصاري وأبي سعيد الخدري وعمار بن ياسر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
    قلنا يا رسول الله ؟ أمرت بقتال هؤلاء مع من ؟ قال : مع علي بن أبي طالب.
    إلى أحاديث أخرى ذكرناها في الجزء الثالث ص 165 ـ 170 هب أن ابن عمر لم يكن يسمع شيئا من هذه الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أوما كان يسمع أيضا أوما كان يصدق أولئك الجم الغفير من البدريين أعاظم الصحابة الأولين الذين حاربوا الناكثين والقاسطين وملأ فمهم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ، وأمره إياهم بقتال أولئك الطوائف الخارجة على الإمام الحق الطاهر ؟ فأي مين أعظم مما جاء به ابن عمر في كتاب له إلى معاوية من قوله : أحدث ( علي ) أمرا لم يكن إلينا فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد : ففزعت إلى الوقوف.
    وقلت : إن كان هذا هدى ففضل تركته ، وإن كان ضلالة ، فشر منه نجوت (3).
    وهل ابن عمر كان يخفى عليه هتاف الصادع الكريم : علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة ؟.
    أو قوله : علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي.
    أو قوله لعلي : إن الحق معك والحق على لسانك.
    وفي قلبك وبين عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ؟.
    أو قوله مشيرا إلى علي : الحق مع ذا ، الحق مع ذا ، يزول معه حيثما زال ؟ أو قوله : علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ؟
1 ـ راجع الجزء الثالث.
2 ـ راجع ج 7 : 132.
3 ـ الإمامة والسياسة 1 : 76 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 260.


(49)
    أو قوله لعلي لحمك لحمي ، ودمك دمي ، والحق معك ؟.
    أو قوله ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ؟ (1).
    أو قوله لعلي وحليلته وشبليه : أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم ؟.
    أو قوله لهم : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ؟.
    أو قوله وهم في خيمة : معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد ، طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ، ردي الولادة ؟.
    أو قوله وهو آخذ بضبع علي : هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ؟ (2) أو قوله في حجة الوداع في ملأ من مائة ألف أو يزيدون : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وأدر الحق معه حيث دار ؟ (3).
    إلى أخبار جمة ملأت بين الخافقين ، فهل ابن عمر كان بمنتأى عن هذه كلها فحسب تلكم المواقف حربا دنيوية أو فتنة لا يعرف وجهها ، قتالا على الملك (4) ؟ أو كان تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ، وعلى كل تقدير لم يك رأيه إلا اجتهادا في مقابل النص لا يصيخ إليه أي ديني صميم.
    ومن المأسوف عليه أن الرجل ندم يوم لم ينفعه الندم عما فاته في تلكم الحروب من مناصرة علي أمير المؤمنين وكان يقول : ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية.
    وفي لفظ : ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية.
    وفي لفظ : ما أجدني آسى على شيء فاتني من الدنيا إلا أني لم أقاتل
1 ـ راجع الجزء الثالث ص 22 ، 156 ـ 159 ـ 165 ، الاستيعاب 2 : 657 ، الإصابة 4 : 171.
2 ـ راجع الجزء الأول ص 301 و ج 8 : 90 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 560.
3 ـ راجع ما مر في الجزء الأول من حديث الغدير.
4 ـ راجع مسند أحمد 2 : 70 ، 94 ، سنن البيهقي 8 : 192.


(50)
مع علي الفئة الباغية. وفي لفظ : قال حين حضرته الوفاة : ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    وفي لفظ ابن أبي الجهم : ما آسى على شيء إلا تركي قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله الله عنه (1).
    وأخرج البيهقي في سننه 8 : 172 من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر قال : بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال : يا أبا عبد الرحمن ! إني و الله لقد حرصت أن اتسمت بسمتك ، واقتدي بك في أمر فرقة الناس ، واعتزل الشر ما استطعت وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها أرأيت قول الله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.
    أخبرني عن هذه الآية.
    فقال عبد الله : ومالك ولذلك ؟ انصرف عني ، فانطلق حتى توارى عنا سواده أقبل علينا عبد الله بن عمر فقال : ما وجدت في نفسي من شيء من أمر هذه الأمة ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عزوجل.
    هذه حجة الله الجارية على لسان ابن عمر ونفثات ندمه ، وهل أثرت تلكم الحجج في قلبه ؟ وصدق الخبر الخبر يوما ما من أيامه ؟ أنا لا أدري.

هلم معي إلى صلاة ابن عمر
    وأما صلاته مع من غلب وتأمر فمن شواهد جهله بشأن العبادات وتهاونه بالدين الحنيف ، ولعبه بشعائر الله شعائر الاسلام المقدس ، قد استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله ، اعتذر الرجل بهذه الخزاية عن تركه الصلاة وراء خير البشر أحد الخيرتين.
    أحب الناس إلى الله ورسوله ، علي أمير المؤمنين المعصوم بلسان الله العزيز ، وعن إقامته إياها وراء الحجاج الفاتك المستهتر ، وقد جاء من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال : اختلفت أنا وذر المرهبي (2) في الحجاج فقال : مؤمن. وقلت : كافر. قال الحاكم : وبيان
1 ـ الطبقات الكبرى ط ليدن 4 : 136 ، 137 ، الاستيعاب 1 : 369 ، 370 ، أسد الغابة 3 : 229 ، الرياض النضرة 2 : 242.
2 ـ كان من عباد أهل الكوفة ، أحد رجال الصحاح الستة.
الغدير ـ الجزء العاشر ::: فهرس