الغدير ـ الجزء العاشر ::: 101 ـ 110
(101)
ثم جاء عثمان فسلم ثم جلس عن يمين عمر ، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات ، أو قال تسع حصيات فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم تناولهن فوضعن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل ، ثم وضعهن فخرسن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه خلافة النبوة (1).
    قال الأميني : هذا الاسناد مضافا إلى ما في رجاله من المجهول والضعيف ومن تغير عقله (2) وأسنده إليه من سمع عنه بعد اختلاطه كما في تهذيب التهذيب 8 : 375.
    فيه : محمد بن يونس الكديمي وقد عرفناك ترجمته في الجزء التاسع 311 ط 1 ، وإنه كذاب وضاع من بيت عرف بالكذب.
    كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى العلماء ولعله وضع على الثقات أكثر من ألف حديث.
    اقرأ واعجب من خلافة تدعم بمثل هذه الخزاية ، ثم اعجب من حفاظ أخرجوها في تآليفهم محتجين بها ساكتين عنها وهم يعلمون ما فيها من العلل ، وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.
    لفت نظر :
    من عجيب ما نراه في هذه الرواية وأمثالها من الموضوعات في مناقب الثلاثة أو الأربعة تنظيم هذا الصف المنضد كالبنيان المرصوص الذي لا اختلاف فيه.
    فلا يأتي قط أولا إلا أبو بكر ، وثانيا إلا عمر ، وثالثا إلا عثمان ، ورابعا إن كان لهم رابع إلا علي عليه السلام سبحان الله فكأنهم متبانون على هذا الترتيب ، فلا يتقدم أحد أحدا ، ولا يتأخر أحد عن أحد ، ففي حديث التسبيح : جاء أبو بكر فسلم ، ثم جاء عمر فسلم ، ثم جاء عثمان فسلم ، ثم جاء علي فسلم.
1 ـ تاريخ ابن كثير 6 : 132 ، الخصايص الكبرى 2 : 74.
2 ـ هو قريش بن أنس المترجم في تهذيب التهذيب لابن حجر.


(102)
    وفي حديث البستان عن أنس : جاء أبو بكر ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان (1).
    وفي حديث بئر أريس عن أبي موسى : جاء أبو بكر ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان (2) وفي حديث استيذانهم على النبي صلى الله عليه وآله وهو مضطجع على فراشه عن عائشة : استأذن أبو بكر ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن. راجع ص 274 من الجزء التاسع وفي حديث الفخذ والركبة : استأذن أبو بكر ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن. كما مر في الجزء التاسع ص 274 ، 275 ط 2.
    وفي حديث جابر بالأسواف : يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع أبو بكر ، ثم طلع عمر ، ثم طلع عثمان. مجمع الزوائد 9 : 57.
    وفي حديث حائط من حوائط المدينة عن بلال جاء أبو بكر يستأذن ، ثم جاء عمر ، ثم جاء عثمان.
    فتح الباري 7 : 30.
    وفي حديث التبشير بالجنة عن عبد الله بن عمر : جاء أبو بكر فاستأذن ، ثم جاء عمر فاستأذن ، ثم جاء عثمان فاستأذن (3).
    وفي حديث خطبة الزهراء فاطمة سلام الله عليها : جاء أبو بكر ، ثم عمر ، ثم علي. ذخائر العقبى ص 27.
    وفي حديث بناء مسجد المدينة عن عايشة : جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه (4).
    فهل هذا حكم القدر يأتي بهم متتابعين ؟ أو قضية التباني طيلة حياة النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم فلا يقبلون إلا بهذا الترتيب ؟ أو هو من حكم الطبيعة فلا يختلف ولا يتخلف ؟ أو أنه من ولائد الاتفاق لكنه لم يتفاوت في أي من الموارد ؟ أو أنه من مشتهيات الوضاعين الذين يتحرون ترتيب الفضيلة هكذا ؟ ولعل القول بالأخير هو المتعين فحسب.
    28 ـ عن زيد بن أبي أوفى قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده.
    وفي لفظ : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مسجد المدينة ، فجعل يقول : أين فلان ؟ أين
1 ـ راجع الجزء الخامس ص 285.
2 ـ راجع الصحيحين وغيرهما وحسبك تاريخ ابن كثير 6 : 204.
3 ـ تاريخ ابن كثير 7 : 202.
4 ـ راجع الجزء الخامس ص 287.


(103)
فلان ؟ فلم يزل يبعث إليهم ويتفقدهم حتى اجتمعوا عنده فلما توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال : إني محدثكم حديثا فاحفظوه وعوه وحدثوا به من بعدكم ، إن الله عزوجل اصطفى من خلقه خلقا ثم تلا : والله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس خلقا يدخلهم الجنة ، وإني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه ومواخ بينكم كما آخى الله عزوجل بين ملائكته ، فقم يا أبا بكر ! فقام فجثا بين يديه فقال : إن لك عندي يدا الله يجزيك بها ، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك خليلا ، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي ، وحرك قميصه بيده.
    ثم قال : ادن يا عمر ! فدنا منه فقال : لقد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص ! فدعوت الله أن يعز الاسلام بك أو بأبي جهل ، ففعل الله ذلك بك وكنت أحبهما إلى الله ، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة ، ثم آخى بينه وبين أبي بكر.
    ثم دعا عثمان فقال : ادن يا أبا عمرو ! فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء فقال : سبحان الله العظيم.
    ثلاث مرات.
    ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال : اجمع عطفي رداءك على نحرك ، إن لك شأنا في أهل السماء ، أنت ممن يرد علي حوضي ( وفي لفظ : يرد علي يوم القيامة ) وأوداجك تشخب دما ، فأقول لك : من فعل بك هذا ؟ فتقول : فلان وفلان ، وذلك كلام جبرئيل إذا هتف من السماء فقال : ألا إن عثمان أمير على كل مخذول.
    ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن يا أمين الله ! أنت أمين الله ، وتسمى في السماء : الأمين ، يسلطك الله على مالك بالحق ، أما إن لك عندي دعوة وعدتكها وقد أخرتها فقال : خر لي يا رسول الله ، قال : حملتني يا عبد الرحمن ! أمانة ثم قال : إن لك شأنا يا عبد الرحمن ! أما إنه أكثر الله مالك وجعل يقول بيده : هكذا وهكذا ، ثم آخى بينه وبين عثمان.
    ثم دعا طلحة والزبير فقال : ادنوا مني فدنوا منه فقال لهما : أنتما حواري كحواري عيسى بن مريم ثم آخى بينهما.
    ثم دعا عمار بن ياسر وسعدا فقال : يا عمار ! تقتلك الفئة الباغية ، ثم آخى بينهما ، ثم دعا عويمر بن زيد أبا الدرداء وسلمان الفارسي وقال : يا سلمان ! أنت منا أهل البيت


(104)
وقد آتاك الله العلم الأول والآخر والكتاب الأول والكتاب الآخر ، ثم قال : ألا أرشدك يا أبا الدرداء ؟ قال : بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! قال : إن تفتقدهم تفقدوك وإن تركتهم لا يتركوك ، وإن تهرب منهم يدركوك ، فاقرضهم عرضك ليوم فقرك ، واعلم أن الجزاء أمامك. ثم آخى بينهما.
    ثم نظر في وجوه أصحابه فقال : أبشروا وقروا عينا ، أنتم أول من يرد علي الحوض وأنتم في أعلى الغرف ، ثم نظر إلى عبد الله بن عمر وقال : الحمد لله يهدي من الضلالة من يحب ، ويلبس الضلالة على من أحب ، فقال علي : يا رسول الله ! لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبي والكرامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، قال : يا رسول الله ! وما أرث منك ؟ قال : ما ورثت الأنبياء من قبلي.
    قال : ما ورثته الأنبياء من قبلك ؟ قال : كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ( وأنت أخي ورفيقي ) (1) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إخوان على سرر متقابلين.
    الأخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض.
    قال الأميني : قال أبو عمر في الاستيعاب 1 : 191 في ترجمة زيد بن أبي أوفى : روى حديث المواخاة بتمامه إلا أن في إسناده ضعفا.
    وقال ابن حجر في الإصابة 1 : 510 : روى حديثه ابن أبي حاتم والحسن بن سفيان والبخاري في التاريخ الصغير من طريق ابن شرحبيل عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله مسجد المدينة فجعل يقول : أين فلان ؟ أين فلان ؟ فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده.
    فذكر الحديث في إخاء النبي صلى الله عليه وآله ولحديثه طرق عن عبد الله بن شرحبيل ، وقال ابن السكن : روي حديثه من ثلاث طرق ليس فيها ما يصح ، وقال البخاري : لا يعرف سماع بعضهم من بعض ، ولا يتابع عليه ، رواه بعضهم عن ابن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفي ولا يصح.
    وقفنا من طرق الرواية الثلاث المعزوة إليها على طريقين أحدهما طريق أبي إسحاق
1 ـ هذه الزيادة في بعض الألفاظ.

(105)
إبراهيم بن محمد بن سفيان المجهول عن. محمد بن يحيى بن إسماعيل السهمي التمار ، قال الدارقطني : ليس بالمرضي. عن نصر بن علي الثقة إن كان هو الجهضمي كما هو الظاهر.
    عن عبد المؤمن بن عباد ، ضعفه أبو حاتم ، وقال البخاري : لا يتابع على حديثه ، وذكره الساجي وابن الجارود في الضعفاء (1).
    عن يزيد بن سفيان ، قال الذهبي : ضعفه ابن معين. وقال النسائي : متروك. وقال شعبة : لو يعطى درهما لوضع حديثا. له نسخة منكرة تكلم فيه ابن حبان.
    وقال ابن حبان : نسخة مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد لكثرة خطائه ومخالفة الثقات في الروايات ، وقال العقيلي في الضعفاء : لا يعرف بالنقل ولا يتابع على حديثه (2) عن عبد الله بن شرحبيل عن رجل من قريش.
    الله يعلم من الرجل ، وهل ولد هو أو لم يخلق بعد ، عن زيد بن أبي أوفى.
    رجال الطريق الثاني : عبد الرحيم بن واقد الواقدي الخراساني الراوي عن شعيب الأعرابي ، قال الخطيب في تاريخه 11 : 85 : في حديثه مناكير لأنها عن الضعفاء والمجاهيل.
    عن شعيب بن يوسن الأعرابي من أولئك الضعفاء أو المجاهيل الذين أو عز إليهم الخطيب في عبد الرحيم الواقدي : عن موسى بن صهيب.
    قال ابن حجر في اللسان : لا يكاد يعرف ، عن يحيي بن زكريا ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث ويسرق ، وذكر ابن الجوزي حديثا باطلا وقال : هذا حديث موضوع بلا شك والمتهم به يحيى ، قال يحيى بن معين : هو دجال هذه الأمة (3) عن عبد الله بن شرحبيل عن رجل من قريش ، هذا الانسان الذي تنتهي إليه أسانيد
1 ـ ميزان الاعتدال 2 : 156 ، لسان الميزان 4 : 76.
2 ـ ميزان الاعتدال 3 : 312 ، لسان الميزان 6 : 288.
3 ـ لسان الميزان 6 : 253.


(106)
الرواية ولعله هو آفتها لم يعرف من هو ، إن كان قد خلق.
    هذه طرق الرواية وتلك نصوص البخاري وابن السكن وأبي عمر وابن حجر على بطلانها وإنها ليس فيها ما يصح ، على أن المؤاخاة بين المهاجرين وقعت بمكة قبل الهجرة والتي حدثت بالمدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر ، هي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فأبو بكر فيها أخو خارجة بن زيد الأنصاري ، وعمر أخو عتبان بن مالك ، وعثمان أخو أوس بن ثابت ، والزبير أخو سلمة بن سلامة ، وطلحة أخو كعب بن مالك ، وعبد الرحمن بن عوف أخو سعد بن الربيع (1).
    فقول مختلق الرواية : دخلت على رسول الله مسجده. أو قوله : خرج علينا رسول الله ونحن في مسجد المدينة.
    أقوى شاهد على اختلاقها.
    وإن تعجب فعجب إخراج غير واحد من الحفاظ هذه الرواية بين من أرسلها إرسال المسلم محذوف الاسناد كالمحب الطبري في الرياض النضرة 1 ص 13 ، وبين من أسندها بهذه الطرق الوعرة من دون أي غمز فيها كابن عساكر في تاريخه والعاصمي في زين الفتى ، وأعجب من ذلك تدعيم الحجة على الخصم بها ، والركون إليها في تشييد الأحداث والمبادي الساقطة قال العاصمي : في هذا الحديث من العلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وآخا بينهم ، وأشار إلى ما يصيب عثمان من القوم ، ولم يجعله في ذلك مليما ولا سماه ذميما ، فلا ينبغي لمسلم أن يبسط لسانه فيهم بما كان من بعضهم إلى بعض لأنه عليه السلام لم يواخ بينهم في الدنيا إلا وهم يكونون إخوة في الآخرة ، وفيه من العلم أيضا : إن النبي صلى الله عليه وسلم سمى المرتضى أخا ووارثا ثم بين إرثه وجعلها كتاب الله وسنة الرسول ، ولم يجعل فدك وخيبر إرثا منه ، تبين من ذلك بطلان قول الرافضة والله المستعان.
    ومن العجب جدا حسبان العاصمي انفتاح بابين من العلم له من هذه الرواية الباطلة ، وأي علم هذا مصدره شكوك وأوهام وأكاذيب ؟ أنا لست أدري كيف راق العاصمي الاحتجاج بمثلها من رواية تافهة فضلا عن أن يستخرج منها كنز علمه الدفين ويرجع إليها في الحكم كأنه يستند إلى ركن وثيق ويغفل أو يغافل عن أنه مرتكن
1 ـ راجع ما أسلفناه من المصادر في الجزء التاسع صفحة 316 طبع 1.

(107)
إلى شفا جرف هار ، على أنا فندنا في أجزاء كتابنا هذا أكثر ما فيها من الفضائل.
    ثم إن هذه المقولات التي تضمنتها الرواية على فرض صدورها كانت بمشهد ومسمع من الصحابة ، أو سمعها على الأقل كثيرون منهم ، ومن أولئك السامعين الذين وعوها طلحة والزبير وعمار ، فلماذا لم يرجع إليها أحد منهم يوم تشديد الوطئة على عثمان ، وفي الحصارين ، وحول واقعة الدار ؟ فهل اتخذوها ظهريا يومئذ مستخفين بها ؟ حاشاهم وهم الصحابة العدول كما يزعمون ، أو أنهم نسووها كما نسيت مثلها أمهم عائشة من حديث الحوأب (1) فلم يذكروها حتى وضعت الفتنة أوزارها ، وهذا كما ترى ولعله لا يفوه به ذو مسكة.
    وأما العلم الثاني الذي استخرج كنزه العاصمي من حصر إرث أمير المؤمنين علي من رسول الله بالكتاب والسنة ، وفند حديث فدك وخيبر ، وشنع على الشيعة بذلك فأتفه مما قبله فإن الشيعة لا تدعي لأمير المؤمنين عليه السلام الإرث المالي ولا ادعاه هو صلوات الله عليه لنفسه يوم كان يطالبهم بفدك ، وإنما كان يبغيها لأنها حق لابنة عمه الصديقة الطاهرة سواء كانت نحلة لها من أبيها كما هو الصحيح أو إرثا على أصول المواريث التي جاء بها الكتاب والسنة على تفصيل عسى أن نتفرغ له ، في غير هذا الموضع من الكتاب ، فمؤاخذة الشيعة بتلك المزعمة المختلقة تقول عليهم ، وما أكثر ما افتعلت عليهم الأكاذيب ، فإن ما تدعيه الشيعة من إرث الإمام عليه السلام عن مخلفه ومشرفه صلى الله عليه وآله لا يشذ عما أجمعت عليه أهل السنة ، وهو من براهين الخلافة له عليه السلام قال الحاكم : لا خلاف بين أهل العلم أن ابن عم لا يرث من العم فقد ظهر بهذا الإجماع أن عليا ورث العلم من النبي دونهم (2) فهذه الوراثة الخاصة لعلي عليه السلام من بين الأمة عبارة أخرى عن الخلافة عنه صلى الله عليه وآله وسلم التي من أجلها كان ترث الأوصياء الأنبياء.
    29 ـ في الصحيحين (3) من حديث محمد بن مسكين البصري عن يحيي بن حسان البصري عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى
1 ـ راجع الجزء الثالث ص 188 ـ 191 طبع 2.
2 ـ راجع الجزء الثالث ص 100 طبع 2.
3 ـ صحيح البخاري 5 : 250 ، 251 كتاب المناقب ، صحيح مسلم 7 : 118 ، 119 كتاب المناقب.


(108)
عند الأشعري قال : توضأت في بيتي ثم خرجت فقلت : لأكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت المسجد فسألت عنه فقالوا : خرج وتوجه هيهنا ، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس فمكث بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس ، فجئته فسلمت عليه فإذا هو قد جلس على قف (1) بئر أريس (2) فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه فرجعت إلى الباب وقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أنشب أن دق الباب فقلت : من هذا ؟ قال : أبو بكر : قلت : على رسلك ، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، قال : فخرجت مسرعا حتى قلت لأبي بكر : ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة ، قال : فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ وقد كان قال لي : أنا على إثرك ، فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به ، قال : فسمعت تحريك الباب ، فقلت : من هذا ؟ قال : عمر.
    قلت : على رسلك ، قال : وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وأخبرته ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، قال : فجئت وأذنت له وقلت له : رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة ، قال : فدخل حتى جلس مع رسول الله على يساره ، وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قال : ثم رجعت فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به ، يريد أخاه ، فإذا تحريك الباب ، فقلت : من هذا ، قال : عثمان بن عفان ، قلت : على رسلك ، وذهبت إلى رسول الله فقلت : هذا عثمان يستأذن ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ، قال : فجئت فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك ، فدخل وهو يقول : الله المستعان فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر ، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر كما صنع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، قال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان.
    قال الأميني : نحن لا نناقش في إسناد هذه الرواية للاضطراب الواقع فيه ، فإنها
1 ـ قف البئر : الدكة التي تجعل حولها.
2 ـ بستان في قباء قرب المدينة المشرفة.


(109)
تروى عن أبي موسى الأشعري كما سمعت ، وعن زيد بن أرقم وهو صاحب القصة فيما أخرجه البيهقي في الدلائل ، وعن بلال وهو البواب في القضية فيما أخرجه أبو داود ، وعن نافع بن عبد الحرث وهو البواب ، كما في إسناد أحمد في المسند 3 : 408.
    ولا نضعفه لمكان البصريين الذين لهم قدم وقدم في اختلاق الحديث ووضع الطامات على الرسول الأمين صلى الله عليه وآله ، ولا نؤاخذ من رجاله سليمان بن بلال بقول ابن أبي شيبة : إنه ليس ممن يعتمد على حديثه (1) ولا نزيفها لمكان ابن أبي نمر لقول النسائي وابن الجارود : إنه ليس بالقوي ، وقول ابن حبان : ربما أخطأ ، وقول ابن الجارود أيضا : كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه.
    وقول الساجي : كان يرى القدر (2) ولا نغمز فيها بمكان سعيد بن المسيب الذي مر الايعاز إلى ترجمته في الجزء الثامن ص 9 ، ولا نتكلم في منتهى السلسة أبي موسى الأشعري الصحابي ، إذ الصحابة كلهم عدول عند القوم ، وإن لا يسعنا الاخبات إلى مثل هذا الرأي البهرج المحدث والصفح عن قول الإمام الطاهر أمير المؤمنين عليه السلام الوارد في أبي موسى الأشعري وصاحبه عمرو بن العاص : ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، وأماتا ما أحيى القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله فحكما بغير حجة بينة ، ولا سنة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين (3) فأي جرح أعظم من هذا ؟ وأي عدل يتصور في الرجل عندئذ ؟ ولا نقول أيضا بأن عناية القوم بتخصيص الخلفاء الثلاث من بين الصحابة بالبشارة بالجنة ، وإكثارهم وضع الرواية واختلاق القصص فيها تنبأنا عن أسرار مستسرة ونحن لا نميط الستار عنها ، ولا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.
    وإنما نقول : إن هذه البشارة الصادرة من الصادع الكريم إن سلمت ، وكان المبشر مصدقا عند سامعيها ، فلماذا كان عمر يسأل حذيفة اليماني ـ صاحب السر المكنون
1 ـ تهذيب التهذيب 4 : 176.
2 ـ تهذيب التهذيب 4 : 338.
3 ـ راجع الجزء الثاني ص 131 ط 2.


(110)
    في تمييز المنافقين ـ عن نفسه وينشده الله أمن القوم هو ؟ وهل ذكر في المنافقين ؟ وهل عده رسول الله منهم (1) والسائل جد عليم بأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، فهل يمكننا الجمع بين هذا السؤال المتسالم عليه وبين تلك البشارة ؟ لاها الله.
    وهل يتأتى الجمع بين تلك البشارة وبين ما صح عن عثمان من حديث (2) اعتذاره عن خروجه إلى مكة أيام حوصر بقوله : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة من الإنس والجن فلن أكون ذلك الرجل ؟ فهل هذا مقال من وثق بإيمانه بالله وبرسوله واطمأن به وعمل صالحا ثم اهتدى فضلا عمن بشر بالجنة بلسان النبي الصادق الأمين ؟.
    30 ـ أخرج البيهقي في الدلائل من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور عن إبراهيم ابن محمد بن حاطب عن عبد الرحمن بن بجيد (3) عن زيد بن أرقم قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة ، ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته فقل : إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة ، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع فقل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة بعد بلاء شديد ، فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلا منهم يقول : أين رسول الله ؟ فيقول : في مكان كذا وكذا ، فيذهب إليه ، وإن عثمان لما رجع قال : يا رسول الله وأي بلاء يصيبني ؟ والذي بعثك بالحق ما تغيبت [ وفي لفظ : ما تغنيت ] ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك ، فأي بلاء تصيبني ؟ فقال : هو ذاك.
    قال الأميني : إن الباحث في غنى عن عرفان رجال إسناد الرواية بعد وقوفه على ما أسلفناه في هذا الجزء ص 74 في ترجمة عبد الأعلى بن أبي المساور من أنه كذاب
1 ـ تاريخ ابن عساكر 4 : 97 ، التمهيد للباقلاني ص 196 ، بهجة النفوس لابن أبي جمرة 4 : 48 ، إحياء العلوم 1 : 129 ، كنز العمال 7 : 24.
2 ـ راجع ص 153 من الجزء التاسع ط 1.
3 ـ بالباء والجيم الموحدتين والدال المهملة كما في التقريب.
الغدير ـ الجزء العاشر ::: فهرس