الغدير ـ الجزء العاشر ::: 211 ـ 220
(211)
شاء الله تعالى.
    وقال الشيخ إسماعيل البروسوي في تفسيره [ روح البيان ] 4 : 142 : قال في عقد الدرر واللئالي : (1) المستحب في ذلك اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ فعل الخيرات من الصدقة والصوم والذكر وغيرهما ، ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بيزيد الملعون في بعض الأفعال ، وبالشيعة والروافض والخوارج أيضا.
    يعني لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم ، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه ، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح ، فإن ترك السنة سنة إذا كان شعارا لأهل البدعة كالتختم باليمين فإنه في الأصل سنة لكنه لما كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا كما في شرح القهستاني.
    ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل المحرم مقتل الحسين رضي الله عنه ، فقد تشبه بالروافض ، خصوصا إذا كان بألفاظ مخلة بالتعظيم لأجل تحزين السامعين ، وفي كراهية القهستاني : لو أراد ذكر مقتل الحسين ينبغي أن يذكر أولا مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض.
    وقال حجة الاسلام الغزالي : يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين و حكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم ، فإنه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين ، وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة ، ولعل ذلك لخطأ في الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى.
    وقال ابن حجر في فتح الباري 11 : 142 : تنبيه : اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي ، فقيل : يشرع مطلقا.
    وقيل : بل تبعا ولا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة.
    ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.

ـ 10 ـ
أحدوثة تقديم الخطبة على الصلاة
    قال الزرقاني في شرح الموطأ 1 : 324 في بيان كون الصلاة قبل الخطبة في العيدين :
1 ـ في فضل الشهور والأيام والليالي للشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الحموي الشهير بالرسام.

(212)
ففي الصحيحين عن ابن عباس شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ، واختلف في أول من غير ذلك ، ففي مسلم عن طارق بن شهاب : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، وفي رواية ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري : أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم أي على العادة فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصلاة ، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأن عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنهم في زمنه كانوا يتعمدون ترك سماعهم لما فيها من سب من لا يستحق السب والافراط في مدح بعض الناس ، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ، ويحتمل أن عثمان ، فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه فلذا نسب إليه ، وعن عمر مثل فعل عثمان ، قال عياض ومن تبعه : لا يصح عنه.
    وفيه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، وهذا إسناد صحيح ، لكن يعارضه حديثا ابن عباس وابن عمر ، فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرا و إلا فما في الصحيحين أصح.
    وأخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة ، وهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية ، لأنه كان أمين المدينة من جهته ، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري : أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية ، وروى ابن المنذر عن ابن سيرين : أول من فعل ذلك زياد بالبصرة.
    قال عياض : ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله.
    وقال السكتواري في محاضرة الأوائل ص 144 : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية ، وجرى ذلك في الأمراء المروانية كمروان وزياد وهو فعله بالعراق ، و معاوية بالمدينة شرفها الله تعالى.
    قال الأميني : مر في الجزء الثامن ص 164 ـ 171 بيان السنة الثابتة في خطبة العيدين ، وانها بعد الصلاة كما مضى عليه الرسول الأمين صلى الله عليه وآله واتبعه الشيخان و


(213)
عثمان ردحا من أيامه ثم حداه عيه عن تلفيق الخطبة بصورة مرضية ، فكانت الناس تتفرق عن استماعها ، إلى تقديمها على الصلاة ليمنعهم انتظارهم لها عن الانجفال ، ثم اقتص أثره عماله والمتغلبون على الأمة من بعد من بني أبيه وإن افترقت العلة فيهم عنها فيه ، فإنهم لما طغوا في البلاد طفقوا يسبون أمير المؤمنين عليا عليه السلام في خطبهم ، فكان الحضور لا يستبيحون ذلك فيتفرقون ، فبدا لهم تقديمها لإسماع الناس.
    وأول من أحدث أحدوثة السب هو معاوية ، فالشنعة عليه في المقام أعظم ممن بدل السنة قبله ، فإنه وإن تابع البادي على البدعة غير أنه قرنها بأخرى شوهاء شنعاء ، فأمعن النظرة في تطبيق هذه البدعة بصورتها الأخيرة على ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله : من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (1) وقوله صلى الله عليه وآله : لا تسبوا عليا فإنه ممسوس بذات الله (2) ثم ارجع البصر كرتين إلى أنه هل يباح لأي مسلم أن يجتهد بجواز سب مولانا أمير المؤمنين تجاه نص الكتاب العزيز في تطهيره وولايته ومودته وكونه نفس النبي الأقدس صلى الله عليه وآله ، تجاه هذا النص الجلي الخاص له عليه السلام والنصوص العامة الواردة في سباب المؤمن مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : سباب المسلم فسوق ؟! (3) وهل يشك مسلم أن أمير المؤمنين أول المسلمين وأولاهم بهم من أنفسهم وهو أميرهم وسيدهم ؟!

ـ 11 ـ
حد من حدود الله متروك
    ذكر الماوردي وآخرون : إن معاوية أتى بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد من بينهم فقال :
يميني أمير المؤمنين أعيذها يدي كانت الحسناء لو تم سترها فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة بعفوك أن تلقى نكالا يبينها ولا تعدم الحسناء عينا يشينها إذا ما شمالي فارقتها يمينها
    فقال معاوية : كيف أصنع بك ؟ قد قطعنا أصحابك. فقالت أم السارق : يا أمير
1 ـ أخرجه الحفاظ بإسناد رجاله كلهم ثقات صححه الحاكم والذهبي.
2 ـ حلية الأولياء 1 : 68.
3 ـ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي والحاكم والدارقطني وغيرهم في الصحاح والمسانيد.


(214)
المؤمنين إجعلها في ذنوبك التي تتوب منها. فخلى سبيلها ، فكان أول حد ترك في الاسلام (1).
    قال الأميني : أفهل عرف معاوية من هذا اللص خصوصية استثنته من حكم الكتاب النهائي العام ( السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ؟! أم أن الرأفة بأمه تركت حدا من حدود الله لم يقم ؟! وفي الذكر الحكيم : من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه (2) تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (3) ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها (4) أم أنه كان لمعاوية مؤمن من العقاب غدا وإن تعمد اليوم بإلغاء حد من حدود الله ؟ وهل نية التوبة عن المعصية تبيح اجتراح تلك السيئة ؟ أن هذا لشيء عجاب ، ومن ذا الذي طمنه بأنه سيوفق للتوبة عنها ولا يحول بينه وبينها ذنوب تسلبه التوفيق ، أو عظائم تسلبه الإيمان ، أو استخفاف بالشريعة ينتهي به إلى نار الخلود ؟ ويظهر منه أن التعمد باقتراف الذنوب بأمل التوبة كان مطردا عند معاوية ، وهذا مما يخل بأنظمة الشريعة ، ونواميس الدين ، وطقوس الاسلام ، فإن النفوس الشريرة إنما تترك أكثر المعاصي خوفا من العقوبة الفعلية ، فإن زحزحت عنها بأمثال هذه التافهات لم يبق محظور ـ يفسد النفوس ، ويقلق السلام ، ويعكر صفو الاسلام ـ إلا وقد عمل به ، و هذا نقص لغاية التشريع ، وإقامة الحدود الكابحة لجماح الجرأة على الله ورسوله.
    وهب أن التوبة مكفرة للعصيان في الجملة ، ولكن من ذا الذي أنبأه إنها من تلك التوبة المقبولة ؟ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم ، وكان الله عليما حكيما ، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار ، أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (5).
1 ـ الأحكام السلطانية ص 219 ، تاريخ ابن كثير 8 : 136 ، محاضرة السكتواري ص 164
2 ـ سورة الطلاق : 1.
3 ـ سورة البقرة : 229.
4 ـ سورة النساء : 14.
5 ـ سورة النساء : 17 ، 18.


(215)
ـ 12 ـ
معاوية ولبسه ما لا يجوز
    أخرج أبو داود من طريق خالد قال : وفد المقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية للمقدام : أعلمت أن الحسن بن علي توفي ؟ فرجع المقدام فقال له رجل (1) أتراها مصيبة ؟ فقال : ولم لا أراها مصيبة ؟ وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال : هذا مني وحسين من علي.
    فقال الأسدي : جمرة أطفأها الله عزوجل قال فقال المقدام : أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ثم قال : يا معاوية ! إن أنا صدقت فصدقني. وإن أنا كذبت فكذبني ، قال : أفعل.
    قال فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير ؟ قال : نعم.
    قال : فأنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب ؟ قال نعم.
    قال : فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم.
    قال فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية ! فقال معاوية : قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام ! (2) قال الأميني : هل يرجى خير ممن اعترف بكل ما قيل له من المحظورات المتسالم عليها التي ارتكبها ؟ فهلا أقلع عنها لما ذكر بحكمها الذي نسيه أو لم يعبأ به ؟ لكن الرجل طاغوت يعمل عمل الفراعنة ولم يكترث لمغبته ، ولم يبالي بمخالفة السنة الثابتة ، فزه به من خليفة تولى أمر الأمة بغير مرضاتها ، وتغلب على إمرتها من دون أي حنكة.
    قد جاء في كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى عمرو بن العاص قوله : فإنك قد جعلت دينك تبعا لدينا امرئ ظاهر غيه ، مهتوك ستره.. إلخ.
    قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 : 60 : فأما قوله عليه السلام في معاوية ( ظاهر غيه ) فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه وكل باغ غاو.
    وأما ( مهتوك ستره ) فإنه كان كثير الهزل والخلاعة صاحب جلساء وسمار ، ومعاوية لم يتوقر ولم يلزم قانون الرياسة
1 ـ في مسند أحمد 4 ص 130 : فقال له معاوية : أتراها مصيبة. انظر إلى أمانة أبي داود.
2 ـ سنن أبي داود 2 : 186.


(216)
إلا منذ خرج على أمير المؤمنين ، واحتاج إلى الناموس والسكينة وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد الهتك موسوما بكل قبيح ، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه إلا أنه كان يلبس الحرير والديباج ، ويشرب في آنية الذهب والفضة ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بهما جلال الديباج والوشي ، وكان حينئذ شابا ، وعنده نزق الصبا ، وأثر الشبيبة ، وسكر السلطان والأمرة ، ونقل الناس عنه في كتب السيرة إنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام ، وأما بعد وفاة أمير المؤمنين واستقرار الأمر له فقد اختلف فيه ، فقيل : إنه شرب الخمر في ستر. وقيل : إنه لم يشرب. ولا خلاف في أنه سمع الغناء وطرب عليه وطرب عليه وأعطى ووصل إليه أيضا. إقرأ وتبصر.

ـ 13 ـ
مأساة الاستلحاق
سنة أربع وأربعين
    كان من ضروريات الاسلام إلى هذه السنة 44 ، إلى هذا اليوم الأشنع الذي تقدم فيه ابن آكلة الأكباد ببدعته الخرقاء على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله بملأ فمه المبارك ، و اتخذته الأمة أصلا مسلما في باب الأنساب : الولد للفراش وللعاهر الحجر.
    جاء هذا الحديث من طريق أبي هريرة في الصحاح الست : صحيح البخاري 2 : 199 في ـ الفرائض ، صحيح مسلم 1 : 471 في الرضاع ، صحيح الترمذي 1 : 150 ، و ج 2 : 34 ، سنن النسائي 2 : 110 ، سنن أبي داود 1 : 310 ، سنن البيهقي 7 : 402 ، 412.
    ومن طريق عائشة أخرجه الحفاظ المذكورون إلا الترمذي كما في نصب الراية للزيلعي 3 : 236.
    ومن طريق عمر وعثمان في سنن البيهقي 7 : 412 ، ومن طريق عبد الله بن عمرو ، أخرجه أبو داود في اللعان 1 : 310 ، وأخرجه أحمد في مسنده من غير طريق ج 1 : 104 ، ج 2 : 409 ، ج 5 : 326 وغيرها.
    وصح عند الأمة قول نبيها صلى الله عليه وآله : من ادعى أبا في الاسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام (1).
    وقوله صلى الله عليه وآله من خطبة له بمنى : لعن الله من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ،
1 ـ مسند أحمد 5 : 38 ، 46 ، سنن البيهقي 7 : 403.

(217)
الولد للفراش وللعاهر الحجر.
    وفي لفظ : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ألا ومن ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه رغبة عنهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل (1).
    وقوله صلى الله عليه وآله : ليس من رجل ادعى بغير أبيه وهو يعلم إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا (2).
    وقوله صلى الله عليه وآله : من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاما.
    أو : مسيرة سبعين عاما (3).
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام (4).
    وقوله صلى الله عليه وآله : من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة (5).
    لكن سياسة معاوية المتجهمة تجاه الهتافات النبوية أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر كل النصيب ، فوهبت زيادا كله لأبي سفيان العاهر ، بعد ما بلغ أشده لما وجد فيه من أهبة الوقيعة في أضداده وهم أولياء علي أمير المؤمنين عليه السلام.
    ولد زياد على فراش عبيد مولى ثقيف ، وربي في شر حجر ، ونشأ في أخبث نشء ، فكان يقال له قبل الاستلحاق : زياد بن عبيد الثقفي ، وبعده زياد بن أبي سفيان ، ومعاوية نفسه كتب إليه في أيام الحسن السبط سلام الله عليه : من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد ، أما بعد : فإنك عبد قد كفرت النعمة ، واستدعيت النقمة ، ولقد كان الشكر أولى بك من الكفر ، وإن الشجرة لتضرب بعرقها ، وتتفرع من أصلها ، إنك لا أم لك ، بل لا أب لك ، يقول فيه : أمس عبد واليوم أمير ، خطة
1 ـ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي راجع مسند أحمد 4 : 186 ، 187 ، مسند أبي داود الطياسي ص 169 ، الترغيب والترهيب 3 : 21.
2 ـ أخرجه البخاري ومسلم وعنهما البيهقي في السنن 7 : 403 ، وابن المنذر في الترغيب والترهيب 3 : 21.
3 ـ سنن ابن ماجة 2 : 131 ، تاريخ بغداد 2 : 347 ، الترغيب والترهيب 3 : 21.
4 ـ رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة كما في سنن البيهقي 7 : 403 ، والترغيب والترهيب 3 : 21.
5 ـ الترغيب والترهيب 3 : 22 عن أبي داود.


(218)
ما ارتقاها مثلك يا بن سمية ، وإذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الاجابة فإنك إن تفعل فدمك حقنت ، ونفسك تداركت ، وإلا اختطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون سعي ، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتى بك إلا في زمارة تمشي حافيا من أرض فارس إلى الشام حتى أقيمك في السوق وأبيعك عبدا ، وأردك إلى حيث كنت فيه و خرجت منه. والسلام (1).
    ثم لما انقضت الدولة الأموية صار يقال له : زياد بن أبيه ، وزياد بن أمه ، وزياد بن سمية ، أمه ( سمية ) كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكسكر ، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن كلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له : عبيد.
    فولدت زيادا على فراشه ، فلما بلغ أشده اشترى أباه عبيدا بألف درهم فأعتقه ، كانت أمه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.
    أخرج أبو عمرو ابن عساكر قالا : بعث عمر بن الخطاب زيادا في إصلاح فساد وقع باليمن فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها ، فقال عمرو بن العاصي : أما والله لو كان هذا الغلام قرشيا لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان : والله إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه ، فقال له علي بن أبي طالب : ومن هو يا أبا سفيان ؟ قال : أنا. قال : مهلا يا أبا سفيان.
    وفي لفظ ابن عساكر : فقال له عمرو : اسكت يا أبا سفيان ! فإنك لتعلم أن عمر إن سمع هذا القول منك كان سريعا إليك بالشر فقال أبو سفيان :
أما والله لولا خوف شخص لأظهر أمره صخر بن حرب وقد طالت مجاملتي ثقيفا يراني علي من الأعادي ولم يكن المقالة عن زياد وتركي فيهم ثمر الفؤاد
    فذلك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد (2).
    وفي العقد الفريد 3 : 3 : أمر عمر زيادا أن يخطب فأحسن في خطبته وجود وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعلي بن أبي طالب فقال أبو سفيان لعلي : أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى ؟ قال : نعم. قال : أما إنه ابن عمك. قال : وكيف ذلك ؟ قال :
1 ـ شرح ابن الحديد 4 : 68.
2 ـ الاستيعاب 1 : 195 ، تاريخ ابن عساكر 5 : 410.


(219)
أنا قذفته في رحم أمه سمية. قال : فما يمنعك أن تدعيه ؟ قال : أخشى هذا القاعد على المنبر ـ يعني عمر ـ أن يفسد علي أهابي. فبهذا الخبر استلحق معاوية زيادا وشهد له الشهود بذلك. وهذا خلاف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : الولد للفراش وللعاهر الحجر. قال الأميني : لو كان معاوية استلحق زيادا بهذا الخبر لكان استلحاقه عمرو بن العاص أولى. إذ ادعاه أبو سفيان يوم ولادته قائلا : أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه.
    واختصم معه العاص ، غير أن النابغة أبت إلا العاص لما زعمت من الشح في أبي سفيان وفي ذلك قال حسان بن ثابت :
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت ففاخر به إما فخرت ولا تكن لنا فيك منه بينات الدلايل تفاخر بالعاص الهجين بن وائل
    إلى آخر ما مر في الجزء الثاني ص 123 ط 2.
    نعم : لكل بغي كان يتصل بسمية أم زياد ، والنابغة أم عمرو ، وهند أم معاوية ، وحمامة أم أبي سفيان ، والزرقاء أم مروان ، وأضرابهن من مشهورات البغاء ويأتيهن أن يختصم في ولايدهن.
    كتب معاوية إلى زياد يوم كان عامل علي أمير المؤمنين عليه السلام : أما بعد فإن العش الذي ربيت به معلوم عندنا فلا تدع أن تأوي إليه كما تأوي الطيور إلى أوكارها ، ولولا شيء والله أعلم به لقلت كما قال العبد الصالح : فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون. وكتب في آخر كتابه :
لله در زياد أيما رجـل تنسى أباك وقد حقت مقالته فافخر بوالدك الأدنى ووالدنا إن انتهازك قوما لا تناسبهم فانزل بعيدا فإن الله باعدهم فالرأي مطرف والعقل تجربة لو كان يعلم ما يأتي وما يذر إذ تخـطب الناس والوالي لنا عمر إن ابن حرب له في قومه خطر عد الأنامل عار ليس يغتفر عن كل فضل به يعلو الورى مضر فيها لصاحبها الايراد والصدر
    فلما ورد الكتاب على زياد قام في الناس فقال : العجب كل العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوفني بقصده إياي وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في


(220)
المهاجرين والأنصار ، أما والله لو أذن في لقاءه أعرف الناس بضرب السيف.
    واتصل الخبر بعلي رضي الله عنه ، فكتب إلى زياد : أما بعد : فقد وليتك الذي وليتك وأنا لا أزال له أهلا ، وإنه قد كانت من أبي سفيان فلتة من أماني الباطل ، وكذب النفس ، لا يوجب له ميراثا ، ولا يحل له نسبا ـ وفي لفظ : لا تستحق بها نسبا ولا ميراثا ـ وإن معاوية يأتي الانسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فاحذر ثم احذر ، والسلام.
    فلما بلغ أبا بكرة أخا زياد لأمه سمية : إن معاوية استلحقه وإنه رضي ذلك آلى يمينا أن لا يكلمه أبدا وقال : هذا زنا أمه وانتفى من أبيه ، ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط ، ويله ما يصنع بأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ( بنت أبي سفيان ) أيريد أن يراها ؟ فإن حجبته ؟ فضحته ، وإن رآها ؟ فيالها مصيبة ؟ يهتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة عظيمة.
    وحج زياد في زمن معاوية ودخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك.
    وقيل : إن أم حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها.
    قال أبو عمر : لما ادعى معاوية زيادا دخل عليه بنو أمية وفيهم عبد الرحمن بن الحكم فقال : يا معاوية ! لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة. فأقبل معاوية على مروان وقال : أخرج عنا هذا الخليع. فقال مروان : والله إنه لخليع ما يطاق. فقال معاوية : والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق ، ألم يبلغني شعره في وفي زياد ثم قال لمروان : أسمعينه. فقال :
ألا أبلغ معاوية بن صخر أتغضب أن يقال : أبوك عف ؟ فأشهد إن رحمك من زياد وأشهد أنها حملت زيادا لقد ضاقت بما تأتي اليدان وترضى أن يقال : أبوك زان؟! كرحم الفيل من ولد الإتان وصخر من سمية غير دان
    هذه الأبيات تروى لزياد (1) بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر ومن رواها له جعل أولها :
1 ـ هو يزيد بن ربيعة الشاعر الشهير توجد ترجمته في الأغاني 17 : 51 ـ 73.
الغدير ـ الجزء العاشر ::: فهرس