الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 21 ـ 30
(21)
وسبى نسائهم ، فكن أول مسلمات سبين في الاسلام ، وقتل أحياء من بني سعد ( ثم أخرج أبو عمرو بإسناده من طريق رجلين عن أبي ذر ) : إنه دعا وتعوذ في صلاة صلاها أطال قيامها وركوعها وسجودها قال : فسئلاه مم تعوذت ؟ وفيم دعوت ؟ قال تعوذت بالله من يوم البلاء يدركني ، ويوم العورة أن أدركه.
    فقالا : وما ذاك ؟ فقال : أما يوم البلاء فتلقى فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا ، وأما يوم العورة فإن نساءا من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها ، فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان ولعلكما تدركانه.
    فقتل عثمان ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق.
    وفي تاريخ ابن عساكر 3 : 220 ـ 224 : كان بسر من شيعة معاوية بن أبي سفيان وشهد معه صفين ، وكان معاوية وجهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين ، وأمره أن يستقرأ من كان في طاعة علي فيوقع بهم ، ففعل بمكة والمدينة واليمن أفعالا قبيحة وقد ولي البحر لمعاوية.
    وقتل باليمن ابني عبيد الله بن العباس.
    وقال الدارقطني : إن بسرا كانت له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ( يعني : أنه كان من أهل الردة ).
    قال : وروى البخاري في التاريخ : إن معاوية بعث بسرا سنة سبع وثلاثين فقدم المدينة فبايع ثم انطلق إلى مكة واليمن فقتل عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن عباس وفي رواية الزهري : أن معاوية بعثه سنة تسع وثلاثين فقدم المدينة ليبلغ الناس فأحرق دار زرارة (1) بن خيرون أخي بني عمرو بن عوف بالسوق ، ودار رفاعة (2) ابن رافع ، ودار عبد الله (3) بن سعد من بني الأشهل ، ثم استمر إلى مكة واليمن فقتل عبد الرحمن بن عبيد ، وعمرو (4) بن أم إدراكة الثقفي ، وذلك أن معاوية بعثه
1 ـ صحابي توجد ترجمته في معاجم الصحابة.
2 ـ صحابي مترجم له في المعاجم.
3 ـ صحابي ترجم له أصحاب فهارس الصحابة.
4 ـ صحابي مذكور في عد الصحابة.


(22)
على ما حكاه ابن سعد ليستعرض الناس فيقتل من كان في طاعة علي بن أبي طالب فأقام في المدينة شهرا فما قيل له في أحد : إن هذا ممن أعان على عثمان إلا قتله ، وقتل قوما من بني كعب على مائهم فيما بين مكة والمدينة وألقاهم في البئر ومضى إلى اليمن.
    وقتل من همدان بالجرف من كان مع علي بصفين فقتل أكثر من مأتين ، وقتل من الأبناء كثيرا وهذا كله بعد قتل علي بن أبي طالب.
    قال ابن يونس : كان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه عبد الرحمن وقثم عند رجل من بني كنانة وكانا صغيرين فلما انتهى بسر إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما ، فلما رأى ذلك الكناني دخل بيته فأخذ السيف واشتد عليهم بسيفه حاسرا وهو يقول :
الليث من يمنع حافات الدار ولا يزال مصلتا دون الدار (1)
إلا فتى أروع غير غدار
    فقال له بسر : ثكلتك أمك والله ما أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل ؟ فقال : اقتل دون جاري فعسى أعذر عند الله وعند الناس.
    فضرب بسيفه حتى قتل ، وقدم بسر الغلامين فذبحهما ذبحا ، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت قائلة منهن : يا هذا هؤلاء الرجال قتلت فعلام تقتل الولدان ؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية ولا إسلام والله إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الرضع الصغيرة والمدره الكبير ، وبرفع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء فقال لها بسر : والله لقد هممت أن أضع فيكن السيف.
    فقالت : تالله إنها لأخت التي صنعت ، وما أنا بها منك بآمنة.
    ثم قالت للنساء اللواتي حولها : ويحكن تفرقن.
    وفي الإصابة 3 : 9 : عمرو بن عميس قتله بسر بن أرطاة لما أرسله معاوية للغارة على عمال علي فقتل كثيرا من عماله من أهل الحجاز واليمن.
    صورة مفصلة
    كان بسر بن أرطاة (2) قاسي القلب ، فظا سفاكا للدماء ، لا رأفة عنده ولا رحمة
1 ـ والصحيح : ولا يزال مصلتا دون الجار.
2 ـ ويقال ؟ : ابن أبي أرطاة.


(23)
، فأمره معاوية أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة حتى ينتهي إلى اليمن ، وقال له : لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاء لهم ، وإنك خيط بهم ، ثم اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي ، فمن أبى فاقتله ، واقتل شيعة علي حيث كانوا.
    وفي راوية إبراهيم الثقفي في ( الغارات ) في حوادث سنة أربعين : بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف وقال : سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس ، واخف به من مررت به ، وانهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن له دخل في طاعتنا ، فإذا دخلت المدينة فأرهم إنك تريد أنفسهم ، وأخبرهم إنه لا براءة لهم عندك ولا عذر حتى إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكفف عنهم ، ثم سر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد ، وأرحب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة ، واجعلها شرودات حتى تأتي صنعاء والجند ، فإن لنا بها شيعة وقد جاء في كتابهم.
    فخرج بسر في ذلك البعث مع جيشه وكانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها ، وقادوا خيولهم حتى يردوا الماء الآخر ، فيردون تلك الإبل ويركبون إبل هؤلاء ، فلم يزل يصنع ذلك حتى قرب إلى المدينة ، فاستقبلتهم قضاعة ينحرون لهم الجزر حتى دخلوا المدينة ، وعامل علي عليه السلام عليها أبو أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج عنها هاربا ودخل بسر المدينة ، فخطب الناس وشتمهم وتهددهم يومئذ وتوعدهم وقال : شاهت الوجوه إن الله تعالى ضرب مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا.
    وقد أوقع الله تعالى ذلك المثل بكم وجعلكم أهله كان بلدكم مهاجر النبي صلى الله عليه وآله ومنزله وفيه قبره ومنازل الخلفاء من بعده ، فلم تشكروا نعمة ربكم ولم ترعوا حق نبيكم ، وقتل خليفة الله بين أظهركم ، فكنتم بين قاتل وخاذل ومتربص وشامت ، إن كانت للمؤمنين قلتم : ألم نكن معكم ؟ وإن كان للكافرين نصيب ، قلتم : ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ؟ ثم شتم الأنصار ، فقال : يا معشر اليهود وأبناء العبيد بني زريق وبني النجار وبني سالم وبني عبد الأشهل ! أما والله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليل صدور المؤمنين وآل عثمان ، أما والله لأدعنكم


(24)
أحاديث كالأمم السالفة ، فتهددهم حتى خاف الناس أن يوقع بهم ، ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى ، ويقال : إنه زوج أمه فصعد إليه المنبر فناشده وقال : عترتك وأنصار رسول الله وليست بقتلة عثمان ، فلم يزل به حتى سكن ودعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه ونزل فأحرق دورا كثيرة منها : دار زرارة بن حرون أحد بني عمرو بن عوف ، ودار رفاعة بن رافع الزرقي ، ودار أبي أيوب الأنصاري ، وفقد جابر بن عبد الله الأنصاري ، فقال : مالي لا أرى جابرا يا بني سلمة ؟ لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر.
    فعاذ جابر بأم سلمة رضي الله عنها ، فأرسلت إلى بسر بن أرطاة فقال : لا أو منه حتى يبايع فقالت له أم سلمة : اذهب فبايع ، وقالت لابنها عمر : اذهب فبايع ، فذهبا فبايعاه.
    وروى من طريق وهب بن كيسان قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : لما خفت بسرا وتواريت عنه قال لقومي : لا أمان لكم عندي حتى يحضر جابر فأتوني وقالوا : ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت فحقنت دمك ودماء قومك فإنك إن لم تفعل قتلت مقاتلينا وسبيت ذرارينا ، فاستنظرتهم الليل فلما أمسيت دخلت على أم سلمة فأخبرتها الخبر فقالت : يا بني انطلق فبايع احقن دمك ودماء قومك ، فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع ، وإني لأعلم إنها بيعة ضلالة.
    قال إبراهيم : فأقام بسر بالمدينة أياما ثم قال لهم : إني قد عفوت عنكم وإن لم تكونوا لذلك بأهل ، ما قوم قتل إمامهم بين ظهرانيهم بأهل أن يكف عنهم العذاب ، ولئن نالكم العفو مني في الدنيا إني لأرجو أن لا تنالكم رحمة الله عزوجل في الآخرة ، وقد استخلفت عليكم أبا هريرة فإياكم وخلافه.
    ثم خرج إلى مكة.
    وروى الوليد بن هشام قال : أقبل بسر فدخل المدينة فصعد منبر الرسول صلى الله عليه وآله ثم قال : يا أهل المدينة خضبتم لحاكم وقتلتم عثمان مخضوبا ، والله لا أدع في المسجد مخضوبا إلا قتلته.
    ثم قال لأصحابه : خذوا بأبواب المسجد وهو يريد أن يستعرضهم فقام إليه عبد الله بن الزبير وأبو قيس أحد بني عامر بن لوي فطلبا إليه حتى كف عنهم وخرج إلى مكة فلما قرب منها هرب قثم بن العباس وكان عامل علي عليه السلام


(25)
ودخلها بسر فشتم أهل مكة وأنبهم ثم خرج عنها واستعمل عليها شيبة بن عثمان.
    وروى عوانة عن الكلبي : إن بسرا لما خرج من المدينة إلى مكة قتل في طريقه رجالا ، وأخذ أموالا ، وبلغ أهل مكة خبره فتنحى عنها عامة أهلها ، وتراضى الناس بشيبة بن عثمان أميرا لما خرج قثم بن العباس عنها ، وخرج إلى بسر قوم من قريش فتلقوه فشتمهم ثم قال : أما والله لو تركت ورأيي فيكم لتركتكم وما فيها روح تمشي على الأرض. فقالوا : ننشدك الله في أهلك وعترتك.
    فسكت ثم دخل وطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم خطبهم فقال : الحمد لله الذي أعز دعوتنا ، وجمع ألفتنا ، وأذل عدونا بالقتل والتشريد ، هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك وضيق قد ابتلاه الله بخطيئته ، وأسلمه بجريرته ، فتفرق عنه أصحابه ناقمين عليه ، وولي الأمر معاوية الطالب بدم عثمان ، فبايعوا ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.
    فبايعوا وفقد سعيد بن العاص فطلبه فلم يجده وأقام أياما ثم خطبهم فقال : يا أهل مكة ! إني قد صفحت عنكم فإياكم والخلاف ، فوالله إن فعلتم لأقصدن منكم إلى التي تبير الأصل ، وتحرب المال ، وتخرب الديار ، ثم خرج إلى الطائف.
    قال [ إبراهيم الثقفي ] : ووجه رجلا من قريش إلى نبالة وبها قوم من شيعة علي عليه السلام وأمره بقتلهم فأخذهم وكلم فيهم وقيل له : هؤلاء قومك فكف عنهم حتى نأتيك بكتاب من بسر بأمانهم فحبسهم وخرج منيع الباهلي من عندهم إلى بسر وهو بالطائف يستشفع إليه فيهم ، فتحمل عليه بقوم من الطائف فكلموه فيهم وسألوه الكتاب بإطلاقهم فوعدهم ومطلهم بالكتاب حتى ظن أنه قد قتلهم القرشي المبعوث لقتلهم ، وأن كتابه لا يصل إليهم حتى يقتلوا ، ثم كتب لهم فأتى منيع منزله وكان قد نزل على امرأة بالطائف ورحله عندها فلم يجدها في منزلها فوطئ على ناقته بردائه وركب فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة وقد أخرج القوم ليقتلوا واستبطئ كتاب بسر فيهم فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام فانقطع سيفه فقال الشاميون بعضهم لبعض : شمسوا سيوفكم حتى تلين فهزوها وتبصر منيع الباهلي بريق السيوف ، فألمع بثوبه فقال القوم : هذا راكب عنده خبر


(26)
فكفوا وقام به بعيره ، فنزل عنه وجاء على رجليه يشد فدفع الكتاب إليهم فأطلقوا ، وكان الرجل المقدم الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف أخاه.
    قال إبراهيم : وروى علي بن مجاهد عن ابن إسحاق : إن أهل مكة لما بلغهم ما صنع بسر خافوه وهربوا ، فخرج ابنا عبيد الله بن العباس وهما : سليمان.
    وداود.
    وأمهما حورية ابنة خالد بن فارط الكنانية وتكنى أم حكيم ، وهم حلفاء بني زهرة وهما غلامان مع أهل مكة فأضلوهما عند بئر ميمون بن الحضرمي ، وميمون هذا أخو العلاء بن الحضرمي ، وهجم عليهما بسر فأخذهما وذبحهما فقالت أمهما :
ها من أحس بابني اللذين هما كالدرتين تشظى عنهما الصدف (1)
    وقد روي أن اسمهما : قثم وعبد الرحمن ، وروي : إنهما ضلا في أخوالهما من بني كنانة ، وروي : إن بسرا إنما قتلهما باليمن وإنهما ذبحا على درج صنعاء وروى عبد الملك بن نوفل عن أبيه : إن بسرا لما دخل الطائف وقد كلمه المغيرة قال له : لقد صدقتني ونصحتني فبات بها وخرج منها وشيعه المغيرة ساعة ثم ودعه وانصرف عنه فخرج حتى مر ببني كنانة وفيهم ابنا عبيد الله بن العباس وأمهما فلما انتهى بسر إليهم طلبهما ، فدخل رجل من بني كنانة ، وكان أبوهما أوصاه بهما ، فأخذ السيف من بيته وخرج فقال له بسر : ثكلتك أمك والله ما كنا أردنا قتلك فلم عرضت نفسك للقتل ؟ قال : اقتل دون جاري أعذر لي عند الله والناس.
    ثم شد على أصحاب بسر بالسيف حاسرا وهو يرتجز :
آليت لا يمنع حافات الدار ولا يموت مصلتا دون الجار
إلا فتى أروع غير غدار
    فضارب بسيفه حتى قتل ، ثم قدم الغلامان فقتلا ، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن : هذه الرجال يقتلها فما بال الولدان ؟ والله ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام ، والله إن سلطانا لا يشتد إلا بقتل الرضع الضعيف ، والشيخ الكبير ورفع الرحمة ، وقطع الأرحام ، لسلطان سوء ، فقال بسر : والله لهممت أن أضع فيكن
1 ـ إلى آخر الأبيات التي مرت في صفحة 17 ، 18.

(27)
السيف ، قالت : والله إنه لأحب إلي إن فعلت.
    قال إبراهيم : وخرج بسر من الطائف فأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان وابنه مالكا وكان عبد الله هذا صهرا لعبيد الله بن العباس ثم جمعهم وقام فيهم ، وقال : يا أهل نجران ! يا معشر النصارى وإخوان القرود ! أما والله إن بلغني عنكم ما أكره لأعودن عليكم بالتي تقطع النسل ، وتهلك الحرث ، وتخرب الديار ، وتهددهم طويلا ثم سار حتى دخل أرحب فقتل أبا كرب وكان يتشيع ويقال : إنه سيد من كان بالبادية من همدان فقدمه فقتله ، وأتى صنعاء قد خرج عنها عبيد الله بن العباس وسعيد بن نمران ، وقد استخلف عبيد الله عليها عمرو بن أراكة الثقفي ، فمنع بسرا من دخولها وقاتله فقتله بسر ودخل صنعاء فقتل منها قوما ، وأتاه وفد مأرب فقتلهم فلم ينج منهم إلا رجل واحد ورجع إلى قومه فقال لهم : أنعي قتلانا ، شيوخا وشبانا.
    قال إبراهيم : وهذه الأبيات المشهورة لعبد بن أراكة الثقفي يرثي بها ابنه عمرا :
لعمري لقد أردى ابن أرطاة فارسا تعز فإن كان البكا رد هالكا ولا تبك ميتا بعد ميت أحبة بصنعاء كالليث الهزبر أبي الأجر على أحد فاجهد بكاك على عمرو علي وعباس وآل أبي بكر
    قال : ثم خرج بسر من صنعاء فأتى أهل حبسان وهم شيعة لعلي عليه السلام فقاتلهم وقاتلوه فهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا ، ثم رجع إلى صنعاء فقتل بها مائة شيخ من أبناء فارس لأن ابني عبيد الله بن العباس كانا مستترين في بيت امرأة من أبنائهم تعرف بابنة بزرج وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا ، وحرق قوما بالنار ، فقال يزيد بن مفرغ :
تعلق من أسماء ما قد تعلقا سقى منفخ الأكناف منبعج الكلى إلى الشرف الأعلى إلى رامهرمز إلى دست مارين إلى الشط كله إلى حيث يرقى من دجيل سفينه ومثل الذي لاقى من الشوق أرقا منازلها من مشرقات فشرقا إلى قربات الشـيخ من نهر اربقا إلى مجمع السلان من بطن دورقا إلى مجمع النهرين حيث تفرقا


(28)
إلى حيث سار المرء بسر بجـيشه فقتل بسر مـا استطاع وحرقا
    قال : ودعا علي عليه السلام على بسر فقال : اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا ، وانتهك محارمك ، وكانت طاعة مخلوق فاجر ، آثر عنده مما عندك ، اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ، ولا ساعة من نهار ، اللهم العن بسرا وعمرا ومعاوية ، وليحل عليهم غضبك ، ولتنزل بهم نقمتك ، وليصبهم بأسك وزجرك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
    فلم يلبث بسر بعد ذلك إلا يسيرا حتى وسوس وذهب عقله ، فكان يهذي بالسيف ويقول : اعطوني سيفا أقتل به.
    لا يزال يردد ذلك حتى اتخذ له سيف من خشب ، وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات (1).
    وفي شرح ابن أبي الحديد 3 : 15 : روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق : أن لا يجيروا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.
    وكتب إليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد
1 ـ شرح أبي الحديد 1 : 116 ـ 121.

(29)
مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا ، ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جائكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة ، فإن هذا أحب إلي ، وأقر لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله.
    ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا إلى من أقامت عليه البينة إنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطائه ورزقه ، وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره.
    فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة حتى أن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه ، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر إلخ.
    استخلف زياد على البصرة سمرة بن جندب لما كتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة والبصرة فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة وستة أشهر بالبصرة ، وسمرة من الذين أسرفوا في القتل على علم من معاوية بل بأمر منه ، أخرج الطبري من طريق محمد بن سليم قال : سألت أنس بن سيرين : هل كان سمرة قتل أحدا ؟ قال : وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب ؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، فقال له معاوية : هل تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا ؟ قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت ، أو كما قال.
    قال أبو سوار العدوي : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلا قد جمع القرآن.
    وروى بإسناده عن عوف قال : أقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من أزقتهم ففجأ أوائل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة قال : ثم مضت الخيل فأتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحط في دمه فقال : ما هذا ؟


(30)
قيل : أصابته أوائل خيل الأمير. قال : إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا (1).
    أعطى معاوية سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام بأن قوله تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
    وإن قوله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله.
    نزل في ابن ملجم أشقى مراد (2).
    وأخرج الطبري من طريق عمر بن شبه قال : مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له ، فأقر سمرة على البصرة ثمانية عشر شهرا.
    قال عمر : وبلغني عن جعفر الضبعي قال : أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ثم عزله فقال سمرة : لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا.
    وروى من طريق سليمان بن مسلم العجلي قال : سمعت أبي يقول : مررت بالمسجد فجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل فجعل يصلي في المسجد فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد وبدنه ناحية ، فمر أبو بكرة فقال : يقول الله سبحانه : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى.
    قال أبي : فشهدت ذلك فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شر ميتة.
    قال : وشهدته وأتي بناس كثير وأناس بين يديه فيقول للرجل : ما دينك ؟ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإني بري من الحرورية.
    فيقدم فيضرب عنقه حتى مر بضعة وعشرون. تاريخ الطبري 6 : 164.
    وفي مقدم عمال معاوية الحاملين عداء سيد العترة ، المهاجمين على شيعة آل الله بكل قوى متيسرة زياد بن سمية ، ومن الزائد جدا بحثنا عن جرائمه الوبيلة التي حفظها له التاريخ ، واسودت بها صفحات تاريخه ، ولا بدع وهو وليد البغاء من الأدعياء المشهورين ، ربيب حجر سمية البغي ، والاناء إنما يترشح بما فيه ، والشوك
1 ـ تاريخ الطبري 6 : 132.
2 ـ شرح ابن أبي الحديدا : 361.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس