الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 81 ـ 90
(81)
    وهلا يأبى لفظ الرواية صحتها ؟ هل تجتمع هي مع ما أسلفناه من حديث رسول الله الثابت الصحيح ، ومن حديث أمير المؤمنين والحسن السبط ومن حديث الحسين السبط نفسه ، ومع ما ثبت عنهم من كتاب أو مقال في الرجل ؟ وهل يساعدها ما كان من سيرة معاوية في علي أمير المؤمنين طيلة حياته ؟ اقرأ واحكم.
    16 ـ مرفوعا : يبعث معاوية عليه رداء من نور.
    أخرجه ابن حبان من طريق جعفر بن محمد الأنطاكي وقال : خبر باطل ( ميزان الاعتدال 1 : 193 ، لسان الميزان 2 : 124 ) أقر الذهبي وابن حجر بطلان الحديث وعدم ثقة الأنطاكي.
    17 ـ أخرج أبو نعيم في الحلية 10 : 393 عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن أحمد بن محمد البزاز المدني عن إبراهيم بن عيسى الزاهد عن أحمد الدينوري عن عبد العزيز بن يحيى عن إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنة.
    فطلع معاوية ، ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاوية ، ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاوية.
    قال الذهبي : إنه ليس بصحيح. راجع لسان الميزان 2 : 213.
    قال الأميني : أحمد بن مروان ـ الدينوري مالكي صاحب المجالسة ، صرح الدار قطني في غرائب مالك بأنه يضع الحديث.
    وذكر حديث : سبقت رحمتي غضبي فقال : لا يصح بهذا الاسناد ، والمتهم به أحمد بن مروان ، وهو عندي ممن كان يضع الحديث. لسان الميزان 1 : 309.
    وفي الاسناد : عبد العزيز بن يحيى ، قال ابن أبي حاتم سمع منه أبي ثم تركه وقال : لا أحدث عنه ضعيف.
    وقال أبو زرعة : ليس بثقة وذكرته لإبراهيم بن المنذر فكذبه ، وذكرته لأبي مصعب فقلت : يحدث عن سليمان بن بلال ، فقال : كذاب أنا أكبر منه وما أدركته.
    وقال العقيلي : يحدث عن الثقات بالبواطيل ، ويدعي من الحديث ما لا يعرف به غيره من المتقدمين عن مالك وغيره.
    وقال ابن عدي : ضعيف جدا وهو يسرق حديث الناس. ميزان الاعتدال 2 : 140 ، تهذيب التهذيب 6 : 363.


(82)
    وفيه : إسماعيل بن عياش ، قال يحيى بن معين : ليس به في أهل الشام بأس ، والعراقيون يكرهون حديثه.
    وقال الأسدي : إذا حدث عن الحجازيين والعراقيين خلط ما شئت وقال الجوزجاني : أروى الناس عن الكذابين وقال ابن خزيمة : لا يحتج به.
    وقال ابن المبارك : لا استحلي حديثه ، وضعف روايته عن غير الشاميين أيضا النسائي وأبو أحمد الحاكم والبرقي والساجي وقال الحاكم : إذا انفرد بحديث لم يقبل منه لسوء حفظه.
    وقال ابن حبان : كان من الحفاظ المتقنين في حديثهم فلما كبر تغير حفظه ، فما حفظ في صباه وحداثته أتى به على جهته ، وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه ، وأدخل الاسناد في الاسناد ، وألزق المتن بالمتن وهو لا يعلم ، فمن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر خرج عن حد الاحتجاج به ميزان الاعتدال 1 : 112 ، تهذيب التهذيب 1 ص 324 ـ 326.
    وفيه : عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، ضعفه ابن معين.
    وقال أبو حاتم : فيه لين يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدي : وبعض ما يرويه منكر لا يتابع عليه وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء. ميزان 2 : 109 ، تهذيب التهذيب 6 : 206.
    18 ـ أخرج الذهبي في الميزان وابن كثير في تاريخه 8 ص 121 من طريق نصير عن أبي هلال محمد بن سليم حدثنا جبلة عن رجل عن مسلمة بن مخلد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم علم معاوية الكتاب ، ومكن له في البلاد.
    قال الذهبي : جبلة لا يعرف والخبر منكر بمرة.
    وقال ابن حجر في اللسان 2 : 96 : ولعل الآفة في الحديث من الرجل المجهول.
    قال الأميني : لم لا تكن الآفة من الرجل المعلوم ( محمد بن سليم ) الكذاب ، وقد ترجمه الذهبي في الميزان وابن حجر في لسانه عن يحيى بن معين بأنه كان يكذب في الحديث ، راجع الميزان 3 : 62 ولسان الميزان 5 : 192.
    19 ـ أخرج العقيلي من طريق بشر بن بشار السمسار عن عبد الله بن بكار المقري من ولد أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده عن أبي موسى رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وآله على أم حبيبة ورأس معاوية في حجرها فقال لها : أتحبينه ؟ قالت : وما لي لا أحب ؟ أخي ، قال : فإن الله ورسوله يحبانه.


(83)
    قال العقيلي : عبد الله بن بكار مجهول النسب وروايته غير محفوظة. وقال الذهبي في الميزان : غير صحيح. راجع ميزان الاعتدال 2 : 26 ، لسان الميزان 3 : 263.
    وبشر السمسار ليس في الجهالة والنكارة أقل من نسب ابن بكار.
    20 ـ عن أنس مرفوعا : ائتمن الله على وحيه جبرئيل ومحمدا ومعاوية.
    زيفه الذهبي لمكان محمد بن أحمد البلخي الضعيف سارق الحديث الذي لم يكن من أهل الحديث. راجع ميزان الاعتدال 3 : 15 ، لسان الميزان 5 : 34.
    21 ـ مرفوعا : إن معاوية يبعث نبيا من علمه وائتمانه على كلام ربي.
    ذكره الذهبي من طريق محمد بن الحسن وقال : روى عنه إسحاق بن محمد السوسي أحاديث مختلقة في فضل معاوية ، ولعله النقاش صاحب التفسير فإنه كذاب ، أو هو آخر من الدجاجلة. راجع ميزان الاعتدال 3 : 43 ، لسان الميزان 5 : 125.
    وفي اللسان 1 : 374 : إسحاق بن محمد السوسي ذاك الجاهل الذي أتى بالموضوعات السمجة في فضائل معاوية رواها عبيد الله بن محمد بن أحمد السقطي عنه ، فهو المتهم بها أو شيوخه المجهولون.
    22 ـ أخرج البخاري في تاريخه 4 قسم 1 ص 328 من طريق عمرو بن واقد الدمشقي ، عن يونس الدمشقي ، عن أبي إدريس الدمشقي ، عن عمير بن سعد نزيل دمشق قال : لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اهده.
    قال الأميني : عمرو بن واقد الدمشقي كان ممن لا يشك شيوخ الحديث إنه يكذب ، وإنه ليس بشيء ، وإنه ضعيف منكر الحديث ، وإنه يقلب الأسانيد ، وإن أحاديثه معضلة منكرة ، استحق الترك (1).
    ألم يك في الحواضر الإسلامية من رجال الحديث من قرع سمعه نبأ هذه الأفيكة ؟ فلماذا خصت بالشام ، وسلسلت حلقة إسنادها بالشاميين فحسب ؟ أنت تدري لماذا.
    23 ـ أخرج ابن كثير في تاريخه 8 : 120 من طريق المسيب بن واضح عن ابن عباس قال : أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد ! اقرأ معاوية السلام واستوص
1 ـ راجع ميزان الاعتدال 2 : 302 ، تهذيب التهذيب 8 : 115.

(84)
به خيرا ، فإنه أمين الله على كتابه ووحيه ونعم الأمين.
    قال الأميني :
    قال الدارقطني : المسيب بن واضح ضعيف ، قال ابن عدي : قلت لعبدان : أيهما أحب إليك : عبد الوهاب بن الضحاك أو المسيب بن واضح ؟ فقال : كلاهما سواء وعبد الوهاب من الكذابين الوضاعين المعروفين ، متروك ضعيف جدا كثير الخطأ والوهم (1).
    وأخرجه الطبراني في الأوسط قال : حدثنا علي بن سعيد الرازي ، حدثنا محمد بن فطر الراملي ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس.
    وذكره الهيثمي في المجمع 9 : 357 وقال : فيه محمد بن فطر ولم أعرفه ، وعلي بن سعيد الرازي فيه لين.
    وحكاه السيوطي بإسناده في اللئالي المصنوعة 1 : 419 وقال : أما مروان والراوي عنه فلم أر من ترجمهما لا في الثقات ولا في الضعفاء.
    قال الأميني : علي بن سعيد الرازي هو الذي قال الدارقطني لما سئل عنه : ليس في حديثه بذاك وسمعت بمصر : إنه كان والي قرية وكان يطالبهم بالخراج فما يعطونه فيجمع الخنازير في المسجد.
    فقيل : كيف هو في الحديث ؟ قال : حدث بأحاديث لم يتابع عليها.
    ثم قال : في نفسي منه ، وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر ، وأشار بيده وقال هو كذا وكذا ونقض بيده يقول : ليس بثقة. لسان الميزان 4 : 231.
    لقد أوقفناك فيما سلف ج 5 : 309 ، على أمانة الرجل على كل ما تحسب إنه أمين عليه ، ونزيدك هنا إحفاء السؤال عن معنى الأمانة على كتاب الله ووحيه ، أليست هي كلائتهما عن التحريف والعمل بمؤداهما والجري على مفادهما والأخذ بحدودهما ، وقطع الأيدي الأثيمة عن التلاعب بهما ؟ وهل كان معاوية إلا ردئا بهذه كلها وقد قلب على الكتاب والوحي ظهر المجن في كل وروده وصدوره ، ووجه إليهما نظرته الشزراء في حله ومرتحله ؟ وهل هو إلا عدوهما الألد ؟ وصحائف تاريخه المظلم تطفح بهذه كلها ، وإن ما ذكرناه في هذا الكتاب من نماذج ما أثبتته له الحقيقة وخلده الدهر مع ذكره الشائن وحديثه المائن.
1 ـ راجع الجزء الخامس من الغدير ص 242 ط 2 ، ولسان الميزان 6 : 41.

(85)
    24 ـ أخرج الطبراني عن أحمد بن محمد الصيدلاني عن السري عن (1) عاصم عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه (2) هشام بن عروة عن عائشة قالت : لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم دق الباب داق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : انظروا من هذا ؟ قالوا : معاوية.
    قال : ائذنوا له ، فدخل وعلى أذنه قلم يخط به فقال : ما هذا القلم على أذنك يا معاوية ؟! قال : قلم أعددته لله ولرسوله ، فقال له : جزاك الله عن نبيك خيرا ، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله ، وما أفعل من صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله ، كيف بك لو قمصك الله قميصا ؟! ـ يعني من الخلافة ـ فقامت أم حبيبة فجلست بين يديه وقالت : يا رسول الله ! وإن الله مقمصه قميصا ؟ قال : نعم.
    ولكن فيه هنات وهنات فقالت : يا رسول الله ! فادع الله له.
    فقال اللهم اهده بالهدى ، وجنبه الردى ، واغفر له في الآخرة والأولى.
    قال الطبراني : تفرد به السري بن عاصم (3) قال الأميني : المتفرد بهذه الأكذوبة الفاحشة على رسول الله صلى الله عليه وآله هو أحد الكذابين الوضاعين ، راجع ما أسلفناه في الجزء الخامس ص 231 ، و ج 8 ص 143.
    ليت شعري هل بهذا القلم الذي يزعم معاوية إنه أعده لله ولرسوله كان يكتب تلكم القوارص والقذائف إلى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؟! ويكتب إلى عماله أوامره الباتة بلعن سيد الوصيين صلوات الله عليه ولعن من يمت به من شبليه الإمامين السبطين وعظماء المؤمنين ؟! ويكتب إلى أمراءه الجائرين بهدر دماء صلحاء الأمة وشيعة أهل بيت الوحي عليهم السلام ؟! وهل كان يكتب به أحكامه الجائرة ، وفتاواه النائية عن الحق المبين ، وآراءه الشاذة عن الكتاب والسنة ، وكلما يلفظه بفم ويخطه بقلم من جرائر وجرائم ؟! ثم هل استجيبت هذه الدعوة المعزوة إلى صاحب الرسالة حتى نعتقد في ابن هند اعتناق الهدى ، والتجنب عن الردى ، والمغفرة في الآخرة والأولى ؟! لكن موبقات
1 ـ الصحيح : السري بن عاصم.
2 ـ كذا والصحيح : عن أبيه عن هشام.
3 ـ تاريخ ابن كثير 8 : 120.


(86)
معاوية وإصرارها عليها تنبأنا عن إنها لم تكن ، إذ لو كانت لما عداها الاجابة ، وكأن تلك الدعوة المزعومة المختلقة ذهبت أدراج الرياح ، وكأنه صلى الله عليه وآله دعا عليه بضد ما هو مذكور واستجيبت دعوته.
    على أن معاوية لو كان على الهدى متجنبا عن الردى للزم أن يكون صاحب الخلافة الكبرى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على قدسه وطهارته خلوا من ذلك كله ، لأنه كان يناوئه ويناجزه القتال ، وكذلك حجر وأصحابه وكل صالح صحابي أو تابعي قتل تحت نير ظلم معاوية ، هل يسع لمسلم أن يدعي ذلك ؟ غفرانك اللهم وإليك المصير.
    25 ـ أخرج الطبراني عن يحيى بن عثمان بن صالح عن نعيم بن حماد عن محمد بن شعيب بن سابور عن مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبد الله بن بسر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر في أمر فقال : أشيروا علي.
    فقالا : الله ورسوله أعلم ، فقال : ادعوا معاوية.
    فقال أبو بكر وعمر : أما في رسول الله ورجلين من رجال قريش ما يتقنون أمرهم حتى يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غلام من غلمان قريش ؟ فقال : ادعوا لي معاوية فدعي له فلما وقف بين يديه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحضروه أمركم ، وأشهدوه أمركم فإنه قوي أمين.
    وزاد نعيم : وحملوه أمركم (1)
    رجال إسناده :
    1 ـ يحيى بن عثمان. كان يتشيع وكان صاحب وراقة يحدث من غير كتبه فطعن فيه لأجل ذلك ، تهذيب التهذيب 11 : 257.
    2 ـ نعيم بن حماد ، كذاب وضاع. راجع الجزء الخامس ص 269 ط 2.
    3 ـ محمد بن شعيب. شامي أموي.
    4 ـ مروان بن جناح ، شامي أموي ، قال أبو حاتم : لا يحتج به وبأخيه روح.
    5 ـ يونس بن ميسرة ، شامي أعمي.
    6 ـ عبد الله بن بسر ، يعد في الشاميين وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.
    هلم معي إلى تعمية الجاهلين وتغرير بسطاء الأمة بالتمويه على الحقائق ، قال
1 ـ تاريخ ابن كثير 8 : 122 ، مجمع الزوايد 9 : 356.

(87)
ابن كثير في تاريخه بعد ذكر هذا الحديث وعدة مما ذكرناه من الأباطيل في فضائل معاوية : ثم ساق ابن عساكر أحاديث كثيرة موضوعة بلا شك في فضل معاوية ، أضربنا عنها صفحا ، واكتفينا بما أوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات عما سواها من الموضوعات والمنكرات.
    وقال بعد ذكر الحديث السادس والعشرين الذي تفرد به السري الكذاب الوضاع : وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة ، والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف رجالها ؟ والله الموفق للصواب.
    ترى ابن كثير ها هنا يتحامل على ابن عساكر رجاء أن ينطلي بذلك للأغرار ما سرده من الأكاذيب الموضوعة ويزيف جملة منها لإثبات بعضها الآخر.
    ذاهلا عن أن يد التنقيب تكشف عما غطاه دجله غلوا منه في الفضائل.
    26 ـ أخرج ابن عساكر من طريق نعيم بن حماد عن محمد بن حرب عن أبي بكر بن أبي مريم عن محمد بن زياد عن عوف بن مالك الأشجعي قال : بينما أنا راقد في كنيسة يوحنا ـ وهي يومئذ مسجد يصلى فيها ـ إذ انتبهت من نومي فإذا أنا بأسد يمشي بين يدي ، فوثبت إلى سلاحي ، فقال الأسد : مه.
    إنما أرسلت إليك برسالة لتبلغها ، قلت : و من أرسلك ؟ قال : الله أرسلني إليك لتبلغ معاوية السلام وتعلمه إنه من أهل الجنة.
    فقلت له : ومن معاوية ؟ قال : معاوية بن أبي سفيان (1).
    في الاسناد :
    1 ـ نعيم بن حماد ، مر القول بأنه كذاب وضاع.
    2 ـ محمد بن زياد هو الحمصي ، شامي ناصبي من الداء أعداء أمير المؤمنين ، وثقه ابن معين ، وقال : ثقة مأمون ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : لا يعتد بروايته إلا ما كان من رواية الثقات عنه.
    وقال الحاكم : اشتهر عنه النصب كحريز (2) بن عثمان.
    تهذيب التهذيب 9 : 170.
1 ـ تاريخ ابن كثير 8 : 123 ، مجمع الزوائد 9 : 357.
2 ـ كان يلعن عليا كل يوم سبعين مرة ، أحد رجال صحيح البخاري.


(88)
    3 ـ أبو بكر بن أبي مريم ، شامي عثماني ، قال أحمد والنسائي والدارقطني وابن سعد : ضعيف. وضعفه ابن معين. وقال أبو زرعة : ضعيف منكر الحديث. وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث طرقه لصوص فأخذوا متاعه فاختلط. وقال الجوزجاني : ليس بالقوي وقال الدارقطني : متروك. تهذيب التهذيب 12 : 29.
    قال ابن كثير بعد ذكر الحديث : وفيه ضعف وهذا غريب جدا ولعل الجميع مناما ويكون قوله : إذا انتبهت من نومي مدرجا لم يضبطه ابن أبي مريم.
    والله أعلم قال الأميني : أنا حائر سادر بين رسالة هذا الأسد الضاري وبشارته معاوية بالجنة ، وبين رسالة النبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وبشارته معاوية بالنار ولعنه إياه.
    وكذا بين رسالة الأسد وبين تلكم الصحاح التي جاءت عن الإمام المعصوم أمير المؤمنين وعن عدول الصحابة أو الصحابة العدول في معاوية الخؤن مما أسلفناه في الجزء العاشر.
    وكذا بين رسالة الأسد وبين ما جاء في الكتاب الكريم من عذاب كل آثم اقترف سيئة وأحاطت به خطيئته ، ووعيد من حاد عن حدود الاسلام بالنار ، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ، ولا يستوي الحسنة ولا السيئة ولا المحسن ولا المسيئ.
    وكذا بين رسالة الأسد وبين ما جاء عن نبي الاسلام في تلكم البوائق الموبقة التي كان معاوية قد اقترفها وشوه بها صحيفة تاريخه.
    فماذا الذي خص معاوية برسالة الأسد إليه خاصة في كنيسة يوحنا بعد رسالة محمد صلى الله عليه وآله الخاتمة ، بعد تلكم الأنباء الصادقة الواردة في الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة ، بعد تلكم البشائر السارة الجمة العامة لأهل الصلاح والفلاح ؟
    27 ـ أخرج أحمد ومسلم والحاكم وغيرهم من طريق ابن عباس قال : كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فقلت : ما جاء إلا إلي فاختبأت على باب فجاءني فخطاني خطى أو خطاتين ثم قال : اذهب فادع لي معاوية قال : فذهبت فدعوته له فقيل : إنه يأكل ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إنه يأكل ، فقال : إذهب فادعه ،


(89)
فأتيته الثانية فقيل : إنه يأكل فأخبرته ، فقال في الثالثة : لا أشبع الله بطنه قال : فما شبع بعدها (1).
    هذا الحديث ذكره ابن كثير في عد مناقب معاوية فقال : قد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه ، أما في دنياه فإنه لما صار إلى الشام أميرا ، كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم ، ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا ويقول : والله ما أشبع وإنما أعياه ، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك.
    وأما في الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اللهم إنما أنا بشر فإيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة.
    فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ، ولم يورد له غير ذلك. اه‍.
    قال الأميني : هنا يرتج علي القول في مسائلة هذا المدافع عن ابن هند والناحت له فضيلة مركبة من رذيلة ثابتة لمعاوية ، وأفيكة مفتراة على قدس صاحب الرسالة ، إنه هل عرف النافع من الضار ، فحكم بانتفاع معاوية بالدعوة المذكورة في دنياه وأخراه ؟ وإنه هل عرف حدود الانسانية وكمال النفس ؟ ولا أظنه ، وإلا لما حكم بأن الذي كان يرغب فيه معاوية وحسب إنه يرغب فيه الملوك من كثرة الأكل وقوة المعدة إلى ذلك الحد الممقوت المساوق حد البهائم نعمة من نعم الله أتت ابن آكلة الأكباد ببركة دعوة النبي المعصوم صلى الله عليه وآله ولم يعرف من سعادة الحياة إلا أن يملأ أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، وما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه ، يحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه (2).
    ثم إن الذي يتبين من تضاعيف الروايات وخصوصيات المقام إن المورد مورد نقمة لا مورد رحمة ، وإنما الدعاء عليه لا له كيفما تمحل ابن كثير ، فقد طعن على الرجل
1 ـ صحيح مسلم 8 : 27 ، تاريخ ابن كثير 8 : 119.
2 ـ من قولنا : وما ملأ آدمي إلى آخره حديث أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما في الجامع الصغير.


(90)
أبو ذر الغفاري بقوله : لعنك رسول الله ودعا عليك مرات أن لا تشبع (1) واشتهرت عليه هذه المنقصة حتى جرت مجرى المثل وقيل فيها.
وصاحب لي بطنه كالهاويه كأن في أحشائه معاويه
    وحديث مسلم (2) الذي يلوح عليه لوائح الافتعال إنما اختلق لمثل هذه الغاية وتأويل ما إليها مما صدر عن النبي الأقدس صلى الله عليه وآله من طعن ولعن وسب وجلد ودعوة على من يستحق كلها ، وللدفاع عن أولياء الشيطان وفي الطليعة منهم ابن أبي سفيان والمنع عن الوقيعة فيهم وغمزهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله لفقوا مكابرات عجيبة في دلالة الألفاظ والنصوص وأن ذلك صدر منه صلى الله عليه وآله لا عن قصد ، أو أنه صدر عن نزعات نفسية تقتضيها فطرة البشر ، وقد ذهب على المغفلين إنه صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وإنه لعلى خلق عظيم ، وإن في كتابه الذي جاء به من ربه قوله تعالى : الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( الأحزاب : 58 ) وقد صح عنه قوله صلى الله عليه وآله : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (3).
1 ـ راجع الغدير ج 8 : 312.
2 ـ اللهم إنما أنا بشر فإيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة.
    أللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه ، فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.
    أللهم إن محمدا بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، فإيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.
    إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي عزوجل أي عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا.
    إني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فإيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة.
    هذه ألفاظ حديث مسلم في صحيحه ج 8 : 24 ـ 27.
3 ـ أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي والطبراني وابن حبان وابن داود
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس