الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 111 ـ 120
(111)
طاش كبرى زادة قال في مفتاح السعادة 3 : 345 : من يخوض في البراري من غير زاد لتصحيح التوكل ذلك بدعة إذ السلف كانوا يأخذون الزاد ويتوكلون.
ـ 10 ـ
دعاء أبي مسلم لمرأة وعليها
    كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل داره فكان في وسطها كبر فيدخل فينزع ردائه وحذاءه وتأتيه إمرأته بطعام فيأكل فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه ، ثم أتى باب البيت فكبر وسلم وكبر فلم تجبه ، وإذا البيت ليس فيه سراج وإذا هي جالسة بيدها ود ( كذا ) تنكت به الأرض فقال لها : مالك ؟ فقالت : الناس بخير وأنت أبو مسلم لو إنك أتيت معاوية فيأمر لك بخادم ويعطيك شيئا تعيش به ؟ فقال : اللهم من أفسد علي أهلي فاعم بصره.
    وكانت أتتها امرأة فقالت : أنت امرأة أبي مسلم الخولاني فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم.
    فبينا هذه المرأة في منزلها إذا أنكرت بصرها فقالت : سراجكم طفئ ؟ فقالوا : لا.
    فقالت : إنا لله ، ذهب بصري ، فأتت إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه حتى دعا الله فرد بصرها ورجعت امرأته إلى حالها التي كانت عليها. أخرجه ابن عساكر في تاريخه 7 : 317.
    قال الأميني : ما أقسى صاحب هذه المعاجز حيث أعمى امرأة مسلمة من غير ذنب تستحق لأجله مثل هذه العقوبة ؟ فإن مراجعة معاوية كبقية المسلمين وهو أميرهم فيما حسبوه ـ والرجل في الرعيل الأول من شيعته ـ للتوسيع عليه ليس فيها اقتراف مأثم ولا اجتراح سيئة تستحق المسكينة عليها التنكيل بها ، فهلا دعا الله سبحانه أن يهديها وامرأته أن يثبت قلبيهما على الصبر والتقوى إن كان يعلم من نفسه إجابة دعوته ؟ لكنه أبى إلا القسوة ، أو أن المغالي في فضله افتعل له ذلك ذاهلا عن إن ما افتعله يمس كرامة الرجل ، ونحن نجل ساحة قدس المولى سبحانه عن أن تكون عنده إجابة لمثل هذه الدعوة الصادرة عن الجهل.
ـ 11 ـ
الظبي يحبس بدعاء أبي مسلم
    أخرج ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 عن بلال بن كعب قال : ربما قال الصبيان


(112)
لأبي مسلم الخولاني : ادع الله يحبس علينا هذا الظبي فيدعو الله فيحبسه حتى يأخذوه بأيديهم.
    قال الأميني : لقد راق القوم أن لا يدعوا للأنبياء والرسل معجزة أو آية إلا و سحبوها إلى من أحبوه من رجال عاديين ، بل راقهم أن يثبتوا لأوليائهم كل شيء أباحه العقل أو أحاله ، أنا لا أدري أيريدون بذلك تخفيضا من مقام الرسل ؟ أو ترفيعا لهؤلاء ؟! وأياما أرادوا فحسب رواة السوء رواية غير المعقول ، وخلط الحابل بالنابل.
    أتعرف أبا مسلم الخولاني صاحب هذه الخزعبلات ؟ أتدري لماذا استحق الرجل بنسج هذه الكرامات له على نول الافتعال ؟ أتصدق أن يكون تحت راية ابن هند في الفئة الباغية رجل إلهي يؤمن به وبإيمانه ، ويصدق زلفاه إلى ربه ، فضلا عن أن يكون صاحب حفاوة وكرامة ؟! أتزعم أن تربي قاعة الشام في عصر معاوية إنسانا يعرف ربه ، ويكون من أمره على بصيرة ، ولا تزحزحه عن سبيل الحق والرشاد رضايخ ذلك الملك العضوض ؟! نعم إنما نسجت يد الاختلاق هذه المفتعلات كوسام لأبي مسلم شكرا على تقدمه في ولاء أبناء بيت أمية ، وعداءه المحتدم لأهل بيت الوحي ، كان الرجل عثمانيا أموي النزعة ، خارجا على إمام زمانه تحت راية القاسطين ، وهو القائل : يا أهل المدينة ! كنتم بين قاتل وخاذل ، فكلا جزى الله شرا ، يا أهل المدينة ! لأنتم شر من ثمود إن ثمود قتلوا ناقة الله ، وأنتم قتلتم خليفة الله ، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته.
    وهو الذي كان سفير معاوية إلى علي في حرب صفين ، وقد أتى ببعض كتبه إلى الإمام عليه السلام ولما أقام عليه السلام عليه الحجة وأفحمه فخرج وهو يقول : الآن طاب الضراب وهو الذي كان يرتجز يوم صفين ويقول : ما علتي ما علتي وقد لبست درعتي أموت عند طاعتي ؟! (1) أترى من يموت في طاعة ابن هند ، ويركض وراء أهوائه وشهواته ، ويتخذه إماما متبعا في أفعاله وتروكه ، ويحارب إمام زمانه المطهر بلسان الله تعالى ولم يعرفه ، ويضرب الصفح عما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حرب علي عليه السلام وسلمه عامة ، وفي
1 ـ صفين نصر بن مزاحم 95 ـ 98 ، تاريخ ابن عساكر 7 : 319 ، شرح ابن أبي الحديد 3 : 408.

(113)
قتاله يوم صفين خاصة ، وتكون له خطوات واسعة وأشواط بعيدة في تلكم البوائق المدلهمة ، والمواقف الموبقة ، توهب له من المولى سبحانه وتعالى تلك المنزلة الرفيعة من الكرامة التي تضاهي منازل الأنبياء ، ويقصر عنها مقام كل ولي صادق ؟! لا ها الله ، إن هي إلا اختلاق ، لا تساعدها البرهنة الصادقة ، ولا يسوغها الاسلام ومبانيه ومباديه ، ولا يقبلها العقل والمنطق.
    قاتل الله العصبية العمياء ، إلى أي هوة من التعاسة والانحطاط تحدو البشر ؟ تجعل أبا مسلم الشامي الخارجي الباغي المحارب إمام وقته زاهدا عابدا ناسكا ذا كرامات ومقامات ، وتعرف سيد غفار أشبه الناس بعيسى بن مريم زهدا وهديا وبرا ونسكا ، الممدوح بلسان النبي الأعظم (1) شيوعيا اشتراكيا يموت في المعتقل غفرانك اللهم وإليك المصير.

ـ 12 ـ
الربيع يتكلم بعد الموت
    عن ربعي بن خراش (2) العبسي قال : مرض أخي الربيع بن خراش فمرضته ثم مات فذهبنا نجهزه ، فلما جئنا رفع الثوب عن وجهه ثم قال : السلام عليكم ، قلنا : وعليك السلام ، قدمت ؟ قال : بلى ولكن لقيت بعدكم ربي ولقيني بروح وريحان ورب غير غضبان ، ثم كساني ثيابا من سندس أخضر ، وإني سألته أن يأذن لي أن أبشركم فأذن لي ، وإن الأمر كما ترون ، فسددوا وقاربوا ، وبشروا و لا تنفروا (3).
    وفي لفظ أبي نعيم : إنه توفي أخي ـ ربيع بن حراش ـ فبينا نحن حوله وقد بعثنا من يبتاع له كفنا إذ كشف عن وجهه فقال : السلام عليكم.
    فقال القوم : وعليك السلام يا أخاه ! عيشا بعد الموت ؟ يعني حياة.
    قال : نعم إني لقيت ربي بعدكم فلقيت
1 ـ راجع الجزء الثامن ص 315 ـ 324 ط 1.
2 ـ كذا بالمعجمة في غير واحد من المصادر والصحيح كما في تهذيب التهذيب : حراش. مهملة الأول.
2 ـ تاريخ ابن كثير 6 : 158 ، الروض الأنف 2 : 370 ، صفة الصفوة 3 : 19.


(114)
ربا غير غضبان ، واستقبلني بروح وبريحان واستبرق ، ألا وإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ينتظر الصلاة علي ، فعجلوا بي ولا تؤخروني ، ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في الطست (1).
    وفي لفظ : مات أخي الربيع فسجيته فضحك فقلت : يا أخي ! أحياة بعد الموت ؟ قال : لا ، ولكني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان ووجه غير غضبان ، فقلت : كيف رأيت الأمر ؟ قال : أيسر مما تظنون ، فذكر لعائشة فقالت : صدق ربعي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أمتي من يتكلم بعد الموت (2).
    قال الأميني : لست أدري لماذا استحال القوم القول بالرجعة ، وليست هي إلا رجوع الحياة للميت بعد زهوق النفس ، وهم يروون أمثال هذه الرواية وما مر في ص 103 مخبتين إليها من دون أي غمز بها ، وإن مغزاها إلا من مصاديق الرجعة.
    نعم لهم أن يناقشوننا الحساب باقترابها من الموت وبعدها عنه ، أو بطول أمدها وقصره ، أو بقصر جوازها على تأييد المذهب فحسب ، أو بحصر نطاقها بغير العترة الطاهرة فقط ، غير إن هذه كلها لا تؤثر في جوهرية الامكان ، ولا تصيره محظورا غير سائغ عقلا أو شرعا.
    وشتان بين قصة ابن حراش هذه وبين ما جاء به ابن سعد في طبقاته 3 : 273 عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت رجلا من الأنصار يقول : دعوت الله أن يريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبهته فقلت : يا أمير المؤمنين ! ما فعلت ؟ فقال : الآن فرغت ، ولولا رحمة ربي لهلكت.
    وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 99.
    وأخرج ابن الجوزي في سيرة عمر ص 205 عن عبد الله بن عمر قال : رأى عمر في المنام فقال : كيف صنعت ؟ قال : خيرا.
    كاد عرشي يهوى لولا إني لقيت ربا غفورا.
    فقال : منذ كم فارقتكم ؟ فقلت : منذ اثنتي عشر سنة.
    فقال : إنما انفلت الآن من الحساب وروى نحوه الحافظ المحب الطبري في الرياض 2 : 80.
    هذا عمر الخليفة وحراجة موقفه في الحساب ، لا يستقبله ربه بروح وريحان ، ولا يكسوه ثيابا من استبرق أخضر ، ولا انتظر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي عليه ، وقد انفلت
1 ـ حلية الأولياء 3 : 212.
2 ـ الخصايص الكبرى 2 : 149.


(115)
من الحساب بعد اثنتي عشرة سنة ، ولولا رحمة ربه لهلك. وذاك ابن حراش (1). وأمره الأمر السريع ، فانظر مآل الرجلين واحكم.

ـ 13 ـ
أربعة آلاف تعبر الماء
    عن أبي هريرة وأنس قالا : جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي ، وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحر شديد ، فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة ، فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين ، ثم مد يده إلى السماء ، وما نرى في السماء شيئا ، قال : فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا ، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب ، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا ، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة ، فوقف على الخليج وقال : يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم.
    ثم قال : أجيزوا بسم الله.
    قال : فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا ، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا ، ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته ، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا.
    وفي لفظ الصفوري : وكان الجيش أربعة آلاف.
    فلم نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته.
    قال : فحفرنا له وغسلناه ودفناه ، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال : من هذا ؟ فقلنا : هذا خير البشر ، هذا ابن الحضرمي فقال : إن هذه الأرض تلفظ الموتى ، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى ، فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله ، قال : فاجتمعنا على نبشه فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه ، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ ، قال : فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا (2).
    قال الأميني : نحن لا ننبس هاهنا ببنت شفة ولا نحوم حول إسناده الباطل ، ولا نؤاخذ رواة القصة بقولهم في الحضرمي : هذا خير البشر. وإنه كذب فاحش يخالف
1 ـ لا يوجد له ذكر في معاجم التراجم.
2 ـ تاريخ ابن كثير 6 : 155 ، نزهة المجالس 2 : 191 ، وأوعز إليها ابنا الأثير وحجر في أسد الغابة 4 : 7 ، والإصابة 2 : 498 فقالا : خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها.


(116)
ما أجمعت عليه الأمة ، وليس على الله بعزيز أن يجعل أفراد جيش جهزه عمر كلها صاحب كرامة ، لكنا لا نعرف معنى قولهم : إن هذه الأرض تلفظ الموتى ، أي أرض هذه ؟ وفي أي قطر هي ؟ وهل هي تعرف بهذه الصفة عند الملأ ؟ وهل هي شاعرة بخاصتها هذه أو لا تشعر ؟ وهل هي باقية عليها إلى يومنا هذا ؟ وكيف شذت عن بقاع الأرض بهذه الخاصة ؟ ولماذا هي ؟ وكيف تخلفت عن ذاتيها في خصوص هذا المقبور ؟ وهل كان الرجل في القبر لما نبشوه مجللا بالأنوار وقد أعشتهم عن رؤيته فحسبوه مفقودا ، أو إنه غادر القبر إلى جهة لا تعرف ، وترك فيه أنواره ؟ أنا لا أدري ، وهل في منة الراوي أو مدرن القصة أو مفتعلها أو من قاصها الجواب عن هذه الأسؤلة ؟

ـ 14 ـ
جيش تعبر الماء بدعاء سعد
    أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا إلى مدائن كسرى ، فلما بلغوا شاطئ الدجلة لم يجدوا سفينة فقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أمير السرية ، وخالد بن الوليد رضي الله عنه : يا بحر ! إنك تجري بأمر الله ، فبحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وعدل عمر رضي الله عنه إلا ما خليتنا والعبور. فعبروا هم وخيلهم وجمالهم فلم تبتل حوافرها (1).
    قال الأميني : ليس في إمكان حوافر الخيل والجمال أن تبتل بعد دعاء ذلك الرجل الإلهي العظيم ـ سعد ـ المتخلف عن بيعة الإمام المعصوم ، والخارق لإجماع الأمة وهي لا تجتمع على الخطاء ، ولا سيما إذا شفعته بزميله خالد بن الوليد الزاني الفاتك الهاتك صاحب المخازي والمخاريق ، وإلى الغاية لم يتضح لنا إن الله تعالى بماذا أبر قسم الرجل أبمجموع المقسم به من حرمة محمد وعدل عمر ؟ بحيث كان إبرار القسم منبسطا عليهما معا على حد سواء.
    أم أنه وليد القسم بحرمة محمد صلى الله عليه وآله فحسب ؟ لما نرتأيه من عدم قيام وزن لعدل عمر عند من أمعن النظرة في أفعاله وتروكه ، وقد أسلفنا نبذا من ذلك في نوادر الأثر في الجزء السادس.
1 ـ نزهة المجالس للصفوري 2 : 191.

(117)
ـ 15 ـ
دعاء سعد يؤخر أجله
    أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 1 : 140 من طريق لبيبة قال : دعا سعد فقال : يا رب إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا ، فأخر عنه الموت عشرين سنة.
    قال الأميني : ما أكرم أولاد سعد على الله وفيهم عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد ؟ فحقا كان على الله أن يستجيب دعوة سعد ويؤخر أجله حتى يربي من له قدم وأي قدم في قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبادة أهله.
    وليتني أدري من الذي أخبر سعدا أو لبيبة أو من روى القصة ومن حفظها بأن سعدا قد أتاه أجله المحتوم الذي إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (1) و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (2) فأخره الله عنه ببركة دعاءه عشرين عاما مدة معينة ؟ هل تجد مثل هذا العلم عند العاديين من البشر أمثال سعد ولبيبة ؟ وهل لكل ابن أنثى طريق إلى الكشف عن تلكم المغيبات ؟ نعم ليس على الله بمستنكر أن يطلع على غيبه أي إنسان خلق جهولا سعيدا أو شقيا ، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (3).

ـ 16 ـ
سحابة تروي وتنبت
    عن الحسن البصري قال : مات هرم بن حيان ـ في خلافة عثمان ـ في يوم صائف شديد الحر فلما نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر فرشته حتى روته ثم انصرفت.
    وفي لفظ قتادة : أمطر قبر هرم بن حيان من يومه ، وأنبت العشب من يومه (4).
    نحن لا نستعظم هذه الكرامة لهرم بن حيان في مماته ، فإن بقائه في بطن أمه أربع
1 ـ سورة يونس 49.
2 ـ سورة آل عمران : 145.
3 ـ سورة الجن : 26 ، 27.
4 ـ حلية الأولياء 2 : 122 ، صفة الصفوة 3 : 139 ، الإصابة 3 : 601.


(118)
سنين (1) أعظم وأعجب ، سبحان الخالق القادر.

ـ 17 ـ
إبراهيم التيمي يواصل أربعين
    عن الأعمش قال : قلت لإبراهيم التيمي المتوفى 92 : بلغني إنك تمكث شهرا لا تأكل شيئا.
    فقال : نعم وشهرين ، وما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثم لفظتها في الحال.
    كذا في طبقات الشعراني 1 : 36 ، وفي إحياء العلوم للغزالي 1 : 309 : إنه كان يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب.
    لعل النطس وعلماء الطب يضحكون على هذه العقلية السخيفة ، غير إن قصة الطوي عند القوم مشكلة لا تنحل ، يحار دونها العقل ، ولا يسمع فيها قضاء الطبيعة ، ولا يتخذ فيها الناموس المطرد مما خلق الله عليه البشر ، ولا يصححها إلا المغالاة في الفضائل ، وهناك فئة تضاهي إبراهيم التيمي في هذه الدعوى المجردة ، أو تربو عليه في الفضيلة ، وسيوافيك ذكر بعضها.

ـ 18 ـ
حافظ دعا على رجل فمات
    روى غيلان بن جرير البصري : إن رجلا كذب على مطرف بن عبد الله الحافظ البصري المتوفى سنة 95 فقال مطرف ، اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر مكانه ميتا (2).
    قال الأميني : ليس هذا المستجاب دعوته ببعيد في القسوة عن أبي مسلم الخولاني الذي أعمى المرأة من غير ذنب ، والكذب وإن كان محرما لكن ليس الجزاء عليه إعدام صاحبه ، وليس من السهل السائغ أن تستجاب دعوة كل غير معصوم على من عادى عليه وفيهم من رجال الغضب الثائر مثل أبي مسلم الخولاني ومطرف البصري ، وإلا لوجب على الأمة المستجابة دعوتهم أن تدعو على الكذبة ، وعلى الله أن يجيبهم بقتل رواة هذه
1 ـ راجع تفسير روح البيان 4 : 347.
2 ـ طبقات الحفاظ الذهبي 1 : 60 ، دول الاسلام 1 : 47 ، الإصابة 3 : 479 ، تهذيب التهذيب 1 : 173.


(119)
القصص فتشاد وتعمر بقاع بأجداث كثيرين من الحفاظ وأئمة الحديث ورماة القول على عواهنه ، حتى تستريح أمة محمد صلى الله عليه وآله من هذه السفاسف التي لا مقيل لها من الاعتبار ، ولا لها نهاية.

ـ 19 ـ
سحابة تظل كرز بن وبرة
    عن أبي سليمان المكتب : قال صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل ، فاحتبس يوما عن الوقت ، فانبث أصحابه في طلبه فكنت فيمن طلبه قال : فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة وإذا سحابة تظله فلما رآني أقبل نحوي فقال : يا أبا سليمان ! لي إليك حاجة ، قال : قلت : وما حاجتك يا أبا عبد الله ؟! قال : أحب أن تكتم ما رأيت.
    قال : قلت ذلك لك يا أبا عبد الله ! فقال : أوثق لي فحلفت ألا أخبر به أحدا حتى يموت.
    حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم 5 : 80 ، الإصابة 3 : 321.

ـ 20 ـ
فقير يجعل الأرض ذهبا
    عن الحسن البصري رحمة الله عليه قال : كان بعبادان رجل فقير أسود يأوي إلى الخرابات فحصل معي شيء فطلبته فلما وقعت عينه علي تبسم وأشار بيده إلى الأرض فصارت الأرض كلها ذهبا تلمع ثم قال : هات ما معك.
    فناولته وهالني أمره فهربت. الروض الفائق ص 126.
    إقرأ وتعجب. اضحك أو ابك.

ـ 21 ـ
الغطفاني ميت يتبسم
    عن الحارث الغنوي قال : آلى ربعي بن حراش الغطفاني المتوفى 101 / 4 ، أن لا يضحك حتى يعلم في الجنة هو أو في النار ، فلقد أخبرني غاسله إنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه.
    صفة الصفوة لابن الجوزي 3 : 19 ، طبقات الشعراني 1 : 37 ، تاريخ ابن عساكر 5 : 298.


(120)
ـ 22 ـ
عمر بن عبد العزيز في التوراة
    عن خالد الربعي قال : مكتوب في التوراة : إن السماء والأرض لتبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا.
    الروض الفائق للحريفيش ص 255.
    لعل هذه الخاصة لعمر بن عبد العزيز خاصة بتوراة الربعي فإن توراة موسى عليه السلام ما كانت موجودة في تلكم العصور ، فلا يقف عليها الربعي وغيره ، وأما التوراة المحرفة فأي حجة لما فيها من أساطير ، على إن نسخ التوراة الموجودة الآن على اختلاف طبعاتها خالية عن هذا العز والمختلق.
    وحسبك في عرفان خطر عمر بن عبد العزيز قول الإمام أحمد بن حنبل لما سئل : أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز : فقال : لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز (1) وقال عبد الله بن المبارك : تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز.
    و في لفظ : لتراب في منخري معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز (2). فما خطر رجل يكون تراب منخر ابن هند أو منخر جواده أفضل منه حتى يذكر في التوراة ؟ أو تبكي عليه السماء والأرض أربعين يوما ؟ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
ـ 23 ـ
رعاء الشاة في خلافة عمر بن عبد العزيز
    قال اليافعي في ـ روض الرياحين ـ ص 165 : حكي إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة قال رعاء الشاة في رأس الجبال : من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس ؟ فقيل لهم : وما أعلمكم بذلك ؟ قالوا : إنه إذا قام خليفة صالح كف الذئاب والأسد عن شياهنا.
1 ـ شذرات الذهب 1 : 65.
2 ـ تاريخ ابن كثير 8 : 139 ، الصواعق ص 127.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس