الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: 131 ـ 140
(131)
حول البيت ، يتحرون التبرك بالدخول فيه ؟! وكيف وسع السدنة منع أولئك الجماهير عن قصدهم ، وكبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة ؟! ثم ما هذا الدؤب من الإمام على قرائة نصف القرآن الأول على رجله اليمنى ، ونصفه الآخر على رجله اليسرى ؟ أهو حكم متخذ من الكتاب ؟ أم سنة متبعة صدع بها النبي الأعظم ؟ أم بدعة لم نسمعها من غير الإمام ؟ وهل في الألعاب الرياضية المجعولة لحفظ الصحة والابقاء على قوة البدن ونشاطه مثل ذلك ؟ أنا لا أدري.
    ثم كيف وسعت الإمام تلك الدعوى الباهظة العظيمة أمام رب العالمين سبحانه ، وهو الواقف على السرائر والضمائر ؟ وما أجرأه على دعوى لم يدعها نبي من الأنبياء حتى خاتمهم صلى الله عليه وآله وعليهم على سعة معرفتهم ؟ ولا شك إن معرفته صلى الله عليه وآله أوسع ، وقد أغرق فيها نزعا ، ومع ذلك لم يؤثر عنه صلى الله عليه وآله تقحم الإمام في مناجات أو دعاء ، ولا يصدر مثل هذا إلا عن إنسان معجب بنفسه ، مغتر بعلمه ، غير عارف بالله حق المعرفة.
    والمغفل صاحب الرواية يحسب إن الإمام ادعاها في عالم الشهود فصدقه عليها هاتف عالم الغيب ، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلا دعاية على الإمام وعلى مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الاسلامية فقها ، ولو كانت الأمة تصدق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب ، ويراها من رب البيت لا من الأساطير المزورة لوجب عليها أن يكونوا حنفيين جمعاء ، غير إن الأمة لا تصافق على صحتها ، رضي بذلك الإمام أم لم يرض.
    وأعجب من هذا ما ذكره العلامة البرزنجي قال : ذهب بعض الحنفية إلى أن كلا من عيسى والمهدي يقلدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ، وذكره بعض مشايخ الطريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسية شاع في تلك الديار ، وكان بعض من يتوسم بالعلم من الحنفية ، ويتصدر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرره في مجلس درسه بالروضة النبوية.
    وحكى الشيخ علي القاري عن بعضهم أنه قال : إعلم أن الله قد خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ، ومن كراماته : إن الخضر عليه السلام كان يجيء إليه كل يوم وقت الصبح ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين ، فلما توفي أبو حنيفة ناجى الخضر ربه


(132)
قال : إلهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أعلم شرع محمد صلى الله عليه وسلم على الكمال ليحصل لي الطريقة والحقيقة ، فنودي : أن اذهب إلى قبره وتعلم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة أخرى حتى أتم الدلائل والأقاويل ، ثم ناجى الخضر ربه وقال : يا إلهي ماذا أصنع فنودي : أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري إلى أن قال له : اذهب إلى البقعة الفلانية وعلم فلانا علم الشريعة ففعل الخضر عليه السلام ما أمر ، ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب وكان اسمه أبا القاسم القشيري وكان يخدم أمه ويحترمها إلى أن قال : فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه أرضى أمه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال : أنت أردت السفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا أمك وقد أمرني الله تعالى أن أجيء إليك كل يوم على الدوام وأعلمك فكل يوم يجيء إليه الخضر حتى ثلاث سنين و علمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة ، حتى علمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتى صنف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه ، فكان له مريد كبير متدين لا يفارق الشيخ فعد له الشيخ ألف كتاب من مصنفاته ووضعه في الصندوق وأعطى لذلك المريد وقال : قد بدا لي أمر فاذهب وارم هذا الصندوق في جيحون ، فحمل المريد الصندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه : كيف أرى مصنفات الشيخ في الماء ؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ : رميتها.
    وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ : رميت الصندوق في الماء : قال الشيخ : وما رأيت في تلك الساعة من العلامات ؟ قال : ما رأيت شيئا قال الشيخ : اذهب وارم الصندوق.
    فذهب المريد إلى الصندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيخ مثل الأول وقال : رميته ؟ قال : نعم قال : وما رأيت ؟ قال : لم أر شيئا.
    قال الشيخ : ما رميته فاذهب وارمه فإن لي فيها سرا مع الله ولا ترد أمري.
    فذهب المريد ورمى الصندوق فخرج من الماء يد وأخذ الصندوق قال المريد له من أنت ؟ فنادى في الماء : إني وكلت أن أحفظ أمانة الشيخ ، فرجع المريد وجاء إلى الشيخ فقال : رميت ؟ قال : نعم.


(133)
قال : وما رأيت ؟ قال : رأيت الماء قد انشق وخرج منه يد وأخذ الصندوق وقد صرت متحيرا وما السر في ذلك ؟ قال الشيخ : السر في ذلك إنه إذا قربت القيامة وخرج الدجال ونزل عيسى ببيت المقدس فيضع الانجيل بجنبه ويقول : أين الكتاب المحمدي ؟ أو قد أمرني الله أن أحكم بينكم بكتابه ولا أحكم بالإنجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد كتاب من كتب الشرع المحمدي فيتحير عيسى ويقول : إلهي : بماذا أحكم بين عبادك ولم يوجد غير الانجيل فينزل جبريل ويقول : قد أمر الله أن تذهب إلى نهر جيحون وتصلي ركعتين بجنبه وتنادي : يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري ! سلم إلي الصندوق وأنا عيسى بن مريم وقد قتلت الدجال فيذهب عيسى إلى جيحون ويصلي ركعتين ويقول مثل ما أمره جبريل ، فيشق الماء ويخرج الصندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه وألف كتاب فيحيي الشرع بذلك الكتاب ، ثم سأل عيسى جبريل : بم نال أبو القاسم هذه المرتبة ؟ فقال : برضاء والدته. نقل من كتاب أنيس الجلساء (1).
    وقد أطنب الشيخ علي القاري في رد هذه الأسطورة بعدة صحائف إلى أن قال في ص 230 : ثم إن مثل هؤلاء لفرط تعصبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له ، ولو بما يؤدي إلى الكفر وليس عندهم علم بفضائله الجمة التي ألفت فيها الكتب (2) فيرضون بالأكاذيب والافترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا أبو حنيفة نفسه ، ولو سمعها أبو حنيفة رضي الله عنه لأفتى بكفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقررة المحررة كفاية لمحبيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلى الأقوال الكاذبة المفتراة المؤدية إلى تنقيص الأنبياء ، ومن العجائب إنه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شيء من ذلك فقال في شرح خطبة النقابة : إن عيسى إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة كما ذكره في الفصول الستة.
    وليت شعري ما الفصول الستة ؟ وما الدليل على هذا القول ؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.. الخ.
1 ـ الاشاعة في أشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجي المدني 221 ـ 225.
2 ـ الكتب المؤلفة في فضائل أبي حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والأكاذيب المزخرفة وما أكثرها ؟ ولو لم يكن الباطل الذي لا أصل له مأخوذا به فيها إذا لم تلق منها باقية.


(134)
    وفي مفتاح السعادة 1 : 275 ، و ج 2 : 82 : إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى رأى كأنه ينبش قبر النبي صلى الله عليه وآله ويجمع عظامه إلى صدره فهالته الرؤيا فقال ابن سيرين : هذه رؤيا أبي حنيفة فقال : أنا أبو حنيفة فقال ابن سيرين : اكشف عن ظهرك فكشف فرأى خالا بين كتفيه فقال : أنت الذي قال عليه الصلاة والسلام : يخرج في أمتي رجل يقال له : أبو حنيفة بين كتفيه خال يحيي الله تعالى ديني على يديه ، ثم قال ابن سيرين : لا تخف إنه صلى الله عليه وآله مدينة العلم وأنت تصل إليها فكان كما قال.
    إقرأ وابك على أمة محمد المرحومة بأي أناس بليت ، وبأي خلق منيت ؟! ما حيلة الجاهل الغر وما ينجيه عن هذه السخائف والأساطير ؟!

ـ 34 ـ
أبو زرعة يجعل الحصاة تبراً
    روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 : 174 عن خالد بن الفزر قال : كان حياة بن شريح ـ أبو زرعة المصري شيخ الديار المصرية المتوفى 158 ـ من البكائين : وكان ضيق الحال جدا ، فجلست وهو متخل يدعو فقلت : لو دعوت أن يوسع الله عليك فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فأخذ حصاة فرمى إلي بها فإذا هي تبرة ما رأيت أحسن منها.
    وقال : ما خير في الدنيا إلا للآخرة ، ثم قال : هو أعلم بما يصلح عباده فقلت : وما أصنع بهذا ؟ قال : استنفقها. فهبته والله أن أرده.

ـ 35 ـ
وضوء إبراهيم الخراساني
    ذكر اليافعي في ( رياض الرياحين ) عن إبراهيم الخراساني المتوفى 163 قال : قال : احتجت يوما إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر ، وسواك من فضة ألين من الخز فاستكت وتوضأت وتركتها وانصرفت ، قال : وبقيت في بعض سياحاتي أياما لم أر فيها أحدا من الناس ولا طيرا ولا ذا روح ، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج فقال لي : قل لهذه الشجرة تحمل دنانير. فقلت : احملي دنانير.
    فلم تحمل ، ثم قال لها : احملي وإذا بشماريخ الشجرة دنانير معلقة ، فاشتغلت انظر إليها ، ثم التفت فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة.


(135)
    قال الأميني : إقرأ وابك على الاسلام وعلى تاريخه ، وانظر كيف شوهت صفحاته.

ـ 36 ـ
الماجشون يموت ويحيى
    أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن أبي سلمة القرشي الشهير بالماجشون المتوفى 164 بالاسناد عن ابن الماجشون قال : قال عرج بروح الماجشون فوضعناه على سرير الغسل فدخل غاسل إليه يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه ، فأقبل علينا وقال : أرى عرقا يتحرك ولا أرى أن اعجل عليه فاعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه ، وفي الغد جاء الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس ، فمكث ثلاثا على حاله والناس يترددون إليه ليصلوا عليه ثم استوى جالسا وقال : ايتوني بسويق فأتي به فشربه فقلنا له : خبرنا ما رأيت ؟ فقال : نعم عرج بروحي فصعد بي الملك حتى أتى سماء الدنيا فاستفتح ففتح له ، ثم عرج هكذا في السموات حتى انتهى إلى السماء السابعة فقيل له : من معك ؟ قال : الماجشون.
    فقيل له : لم يأن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة ، وكذا وكذا شهرا ، وكذا وكذا يوما ، وكذا وكذا ساعة ، ثم حبط بي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وعمر بن عبد العزيز بين يديه ، فقلت للملك الذي معي : من هذا ؟ قال : عمر بن عبد العزيز.
    قلت : إنه لقريب من رسول الله فقال : إنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما عملا بالحق في زمن الحق.
    وأخرجه ابن عساكر في تاريخ الشام ، وذكره ابن خلكان في تاريخه 2 : 461 ، واليافعي في مرآة الجنان 1 : 351 ، وابن حجر في تهذيب التهذيب 11 : 389 ، وأبو الفلاح الحنبلي في شذرات الذهب 1 : 259.
    قال الأميني : ما كنت أحسب أن يوجد في الأمة الإسلامية من يتهم الملك الموكل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفيات ، وقد وكل به من عند العزيز العليم فقال سبحانه : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم (1) أو من يقذفه بالاستبداد في نزع روح أحد قبل إرادة المولى سبحانه وتعالى وفي الكتاب المنزل قوله : الله يتوفى الأنفس حين
1 ـ سورة السجدة : 11.

(136)
موتها (1) وهو الذي يحيي ويميت (2) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (3) لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين (4) هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى (5) ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (6) ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى (7) ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى (8) فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل (9) إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون (10).
    فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا
(11).
    كما إني ما كنت أشعر إمكان حركة جارحة من جوارح الميت بعد نزع روحه ، فلم أدر بأي صلة بالروح المقبوضة كان يتحرك العرق الماجشوني خلال ثلاثة أيام ، والي أي مركز حساس كانت صلة ذلك العرق النابض وما كنت أدري إن السموات العلى لها أبواب مغلقة يقف عندها ملك الموت في كل عروجه بروح من الأرواح فيستفتح فتفتح له.
    وليتني أدري هل هذا السير البطئ ـ ثلاثة أيام ـ لملك الموت في استصحابه روح الماجشون يخص بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطرد في عامة الأرواح ؟ نعم كل هذه تسوغها الدعاية إلى السلطات الأموية الغاشمة التي كانت تحكم
1 ـ سورة الزمر : 42.
2 ـ سورة المؤمنون : 80.
3 ـ سورة آل عمران : 145.
4 ـ سورة الدخان : 8.
5 ـ سورة الأنعام : 3.
6 ـ سورة الأعراف : 34.
7 ـ سورة النحل : 61.
8 ـ سورة فاطر : 45.
9 ـ سورة الزمر : 42.
10 ـ سورة نوح : 54.
11 ـ سورة فاطر : 45.


(137)
على الأمة في تلكم الأيام.

ـ 47 ـ
رقعة من الله إلى أحمد إمام الحنابلة
    مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرملية فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل يعوده كذلك فنظر إلى آمنة فقال لبشر : فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر : ادعي الله لنا ، فقالت : اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين.
    قال الإمام أحمد رضي الله عنه : فلما كان من الليل طرحت إلى رقعة من الهواء مكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد.
    أخرجه ابن عساكر في تاريخه 2 : 48 ، وابن الجوزي في صفة الصفوة 4 : 278.
ـ 38 ـ
رسول الياس وملك إلى أحمد
    ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 143 بالإسناد عن أبي حفص القاضي قال : قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من بحر الهند فقال : إني رجل من بحر الهند خرجت أريد الصين فأصيب مركن فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر فقال لي أحدهما : أتحب أن يخلصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منا السلام ؟ قلت : ومن أحمد ؟ ومن أنتما يرحمكما الله ؟ قال : أنا إلياس وهذا الملك الموكل بجزاير البحر ، وأحمد بن حنبل بالعراق.
    قلت : نعم.
    فنفضني البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة فقد جئتك أبلغك منهما السلام.
ـ 39 ـ
النخلة تحمل بقلم أحمد
    قال أبو طالب علي بن أحمد : دخلت يوما على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندق قلمي فأخذ قلما فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي علي الجعفري فقلت : هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه : خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل. فوضعه فيها فحملت. مختصر طبقات الحنابلة ص 11.


(138)
ـ 40 ـ
تكة سراويل أحمد
    قال ابن كثير في تاريخه 10 : 335 : يروى أنه لما أقيم ـ أحمد بن حنبل ـ ليضرب ـ لما ضربه المعتصم ـ إنقطعت تكة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا الله فعاد سراويله كما كان ، ويروى أنه قال : يا غياث المستغيثين ، يا إله العالمين ، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة.
ـ 41 ـ
الحريق والغريق وكرامة أحمد
    روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 297 بإسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت : وقع الحريق في أخي صالح وكان قد تزوج إلى قوم مياسير فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار فأكلته النار فجعل صالح يقول : ما غمني ما ذهب مني إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه قالت : فطفى الحريق ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حواليه والثوب سليم.
    قال ابن الجوزي : قلت : وهكذا بلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي إنه وقع الحريق في دارهم فاحترق ما فيها إلا كتابا كان فيه شيء بخط أحمد.
    وقال : قلت : ولما وقع الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمأة وغرقت كتبي سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد.
    وقال الذهبي في ذيل العبر عند ذكر ما وقع سنة 725 ، واليافعي في المرآة : ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر ، صح هذا عندنا ، وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل.
    مرآت الجنان 4 : 273 ، شذرات الذهب 6 : 66 ، صلح الإخوان للخالدي ص 98.
    قال الأميني : وكفى شاهدا على صدق هذه الكرامة عدم وجود أي أثر من ذلك


(139)
المرقد المعظم اليوم ، وقد جرفته السيول ، وعفت رسمه ، كأن لم يكن ، وغدا حديث أمس الدابر.
ـ 42 ـ
الله يزور أحمد كل عام
    روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 قال : حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخا صالحا قال : كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدا قبل دخول رمضان بأيام فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف (1) أو سافين فقلت : إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد بن كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحق عزوجل لأنه عزوجل قد زارني ، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عزوجل : يا أحمد ! لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب.
    فأقبلت على لحده اقبله ثم قلت : يا سيدي ما السر في إنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ليس هذا كرامة لي ، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن معي شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان قال ذلك مرتين.
    مرت في زيارة إمام الحنابلة أحمد في الجزء الخامس ص 175 ـ 178 لدة هذه من آيات الغلو.
    فراجع ويا حبذا لو صدقت الأحلام.
ـ 43 ـ
أحمد والملكان النكيران
    ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 عن عبد الله بن أحمد يقول : رأيت أبي في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي.
    قلت : جاءك منكر ونكير ؟ قال : نعم ، قالا لي : من ربك ؟ قلت : سبحان الله أما تستحيان مني ؟ فقالا لي : يا أبا عبد الله ! أعذرنا بهذا أمرنا.
    قال الأميني : ما أجرأ الإمام على الملكين الكريمين في ذلك المأزق الحرج ؟
1 ـ الساف والسافة : الصف من الطين أو اللين ج آسف وسافات.

(140)
وما أجهله بالناموس المطرد من سؤال القبر وإنه بأمر من الله العلي العزيز ؟ حتى جابه الملكين بذلك القول الخشن ، ما أحمد وما خطره ؟ وقد جاء في الرواية : إن عمر ارتعد منهما لما دخلا عليه (1) وكان عمر بمحل من المهابة على حد قول عكرمة : إنه دعا حجاما فتنحنح عمرو كان مهيبا فأحدث الحجام ، فأعطاه عمر أربعين درهما (2).
    وعلى الملكين أن يشكرا الله سبحانه على أن كف الإمام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما كما فعل موسى بملك الموت في مزعمة أبي هريرة (3) فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، فرد الله إليه عينه.
    كما في سنن النسائي 4 : 118.
    وفي لفظ الطبري في تاريخه 1 : 224 : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه قال : فرجع فقال : يا رب ! إن عبدك موسى فقأ عيني ، ولولا كرامته عليك لشققت عليه.
    فقال : ائت عبدي موسى فقل له : فليضع كفه على متن ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة ، وخيره بين ذلك وبين أن يموت الآن.
    قال : فأتاه فخيره فقال له موسى : فما بعد ذلك ؟ قال : الموت.
    قال : فالآن إذا.
    قال : فشمه شمة قبض روحه ، قال : فجاء بعد ذلك إلى الناس خفيا.
    وأخرج الحكيم الترمذي مرفوعا : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى جاء موسى فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي الناس بعد ذلك خفية.
    ذكره الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص 29.
1 ـ قال السيد الجرداني في مصباح الظلام ج 2 ص 56 : إن الله تعالى أعطى عليا علم البرزخ فلما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس علي على قبره ليسمع قوله للملكين ، فلما دخلا عليه ارتعد منهما ثم أجاب فقالا له : نم. فقال : كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة ؟ وقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أشهد عليكما الله وملائكته أن لا تدخلا على مؤمن إلا في أحسن صورة ففعلا. فقال له علي بن أبي طالب : نم يا ابن الخطاب ! فجزاك الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتك ومماتك. اقرأ واضحك.
2 ـ طبقات ابن سعد 3 : 206 ، تاريخ بغداد 14 : 215 ، تاريخ عمر لابن الجوزي ص 99 ، كنز العمال 6 : 331.
3 ـ راجع صحيح البخاري 1 : 158 في أبواب الجنائز ، و ج 2 : 163 باب وفاة موسى ، صحيح مسلم 2 : 309 باب فضائل موسى ، مسند أحمد 1 : 315 ، العرائس للثعلبي ص 139.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء الحادي عشر ::: فهرس