كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 171 ـ 180
(171)
أمرتك أمرا حازما فعصيتني أليس أبوه يا معاوية الذي فلم ينثني حتى جرت من دمائنا وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه (3) وكان من التوفيق قتل ابن هاشم أعان عليا يوم حز الغلاصم؟! (1) بصفين أمثال البحور الخضارم (2) ويوشك أن تقرع به سن نادم
فقال عبد الله يجيبه :
معاوي إن المرء عمرا أبت له يرى لك قتلي يا بن هند وإنما على أنهم لا يقتلون أسيرهم وقد كان منا يوم صفين نقرة قضى ما انقضى منها وليس الذي مضى فإن تعف عني تعف عن ذي قرابة ضغينة صدر غشها غير نائم يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم إذا كان منه بيعة للمسالم عليك جناها هاشم وابن هاشم ولا ما جرى إلا كأضغاث حالم وإن تر قتلي تستحل محارمي
فقال معاوية :
أرى العفو عن عليا قريش وسيلة ولست أرى قتل العداة ابن هاشم بل العفو عنه بعد ما بان جرمه فكان أبوه يوم صفين جمرة إلى الله في اليوم العصيب القماطر (4) بإدراك ثاري في لوي وعامر وزلت به إحدى الجـدود العواثر علينا فأردته رماح النهابر (5)
    كتاب صفين لابن مزاحم ص 182 ، كامل المبرد 1 ص 181 ، مروج الذهب 2 ص 57 ـ 59 ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 176.

درس دين وأخلاق
    لعل الباحث لا يخفى عليه أن كل سوءة وعورة ذكر بها المترجم له في التاريخ
1 ـ جمع غلضمة : اللحم بين الرأس والعنق. يعنى : أيام الحرب.
2 ـ الخضرم بالكسر : البحر العظيم الماء.
3 ـ في كامل المبرد : عيصه. يعني : أصله.
4 ـ القماطر بالضم : الشديد.
5 ـ النهابر والنهابير : المهالك. الواحدة : نهبرة. نهبور. نهبورة.


(172)
الصحيح ، وما يعزى إليه وعرف به من المساوي في طيات تلكم الكلمات الصادقة المذكورة من الوضاعة والغواية والغدر والمكر والحيلة والخدعة والخيانة والفجور ونقض العهد وكذب القول وخلف الوعد وقطع الإل والحقد والوقاحة والحسد والرياء والشح والبذاء والسفه والوغد والجور والظلم والمراء والدناءة واللئم والملق والجلافة والبخل والطمع واللدد وعدم الغيرة على حليلته. إلى غير ذلك من المعاير النفسية وأضداد مكارم الأخلاق ، ليست هذه كلها إلا من علايم النفاق ، ومن رشحات عدم الاسلام المستقر ، وانتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبي الأقدس ، إذا الاسلام الصحيح هو المصلح الوحيد للبشر ، ومهذب النفس بمكارم الأخلاق ، ومجتمع الفضايل ، وأساس كل فضل وفضيلة ، وأصل كل محمدة ومكرمة ، وبه يتأتى الصلاح في النفوس مهما سرى الإيمان من عاصمة مملكة البدن ( القلب ) إلى ساير الأعضاء والجوارح واحتلها واستقر بها.
    وذلك أن مثل الإيمان في المملكة البدنية الجامعة لشتات آحاد الجوارح والأعضاء كمثل دستور الحكومات في الممالك الجامعة لإفراد الأشخاص ، فكما أن القوانين المقررة في الحكومات والدول مبثوثة في الأفراد ، وكل فرد من المجتمع له تكليف يخص به ، وواجب يحق عليه أن يقوم به ، وحد محدود يجب عليه رعايته ، وبصلاح الأفراد وقيام كل فرد منهم بواجبه يتم صلاح المجتمع ، ويحصل التقدم و الرقي في الحكومات ، كذلك الإيمان في المملكة البدنية فإنه قوانين مبثوثة في الأعضاء والجوارح العاملة فيها ، ولكل منها بنص الذكر الحكيم تكليف يخص به ، وحد معين في السنة يجب عليه رعايته والتحفظ به ، وأخذ كل بما وجب عليه هو إيمانه و به يحصل صلاحه ، فواجب القلب غير فريضة اللسان ، وفريضته غير واجب الأذن ، وواجبها غير ما كلف به البصر ، وفرضه غير واجب اليدين ، وواجبهما غير تكليف الرجلين وهكذا وهكذا ، وإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ، وهذا البيان يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وآله فيما أخرجه الحافظ ابن ماجة في سننه 1 ص 35 ، الإيمان معرفة بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان (1) وقوله صلى
1 ـ وبهذا اللفظ يروى عن أمير المؤمنين كما في ( نهج البلاغة ).

(173)
الله عليه وآله : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان (1) ومن هنا يقبل الإيمان ضعفا وقوة وزيادة ونقصا ، ويتصف الانسان في آن واحد بطرفي السلب والايجاب باعتبارين ، فيثبت له الإيمان من جهة وينفى عنه بأخرى ، ومن هنا يعلم معنى قوله صلى الله عليه وآله : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (2) فلا يتأتى صلاح الممكة البدنية إلا بالسلم العام وقيام جميع أجزائها بواجبها ، وامتثال كل فرد منها فيما فرض عليه ، ولا يكمل الإيمان إلا بتحقيق شعبه.
    وكما أن انتفاء الإيمان عن كل عضو وجارحة مكلفة يكشف عن ضعف إيمان القلب ، وتضعضع حكومة الاسلام فيه ، إذ هو أمير البدن ولا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره ، كذلك الصفات النفسية فإن منها ما هو الكاشف عن قوة الإيمان القلبي وضعفه كما ورد في النبوي الشريف فيما أخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3 ص 171 : إن المرء ليكون مؤمنا وإن في خلقه شيء فينقص ذلك من إيمانه. ومنها ما يلازم النفاق ولا يفارقه ولا يجتمع مع شيء من الإيمان وإن صلى صاحبه وصام وبه عرف المنافق في القرآن العزيز. فإليك ما رود عن النبي الأقدس في كثير من الصفات المذكورة المعزوة إلى المترجم له حتى تكون على بصيرة من الأمر ، فلا يغرنك تقلب الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد.
    1 ـ آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان. أخرجه البخاري ومسلم ، وفي رواية مسلم : وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.
    2 ـ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائمتن خان. وإذا حدث كذب. وإذا عهد غدر. وإذا خاصم فجر ، أخرجه البخاري. مسلم. أبو داود. الترمذي. النسائي.
    3 ـ لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له. أخرجه أحمد. البزار.
1 ـ أخرجه البخاري. مسلم. أبو داود. الترمذي. النسائي. ابن ماجة.
2 ـ أخرجه مسلم وغيره.


(174)
الطبراني. ابن حبان. أبو يعلى. البيهقي.
    4 ـ المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه. متفق عليه.
    5 ـ الكذب مجانب للإيمان. ابن عدي ، البيهقي.
    6 ـ المكر والخديعة في النار. الديلمي. القضاعي.
    7 ـ المؤمن ليس بحقود. الغزالي. ابن الدبيع.
    8 ـ لا إيمان لمن لا حياء له. ابن حبان. ابن الدبيع.
    9 ـ الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل. الديلمي. ابن الدبيع.
    10 ـ الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق ، الديلمي. القضاعي. ابن الدبيع.
    11 ـ اليسير من الرياء شرك ، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة. ابن ماجة. الحاكم. البيهقي.
    12 ـ من أرضى سلطانا بما يسخط به ربه خرج من دين الله. الحاكم.
    13 ـ الحياء من الإيمان. البخاري. مسلم. أبو داود. الترمذي. النسائي. ابن ماجة.
    14 ـ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. البخاري. مسلم. الترمذي. النسائي ابن ماجة.
    15 ـ لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد. ابن حبان. البيهقي.
    16 ـ الشح والعجز والبذاء من النفاق. الطبراني. أبو الشيخ.
    17 ـ لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبدا. النسائي. ابن حبان. الحاكم.
    18 ـ خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل ، وسوء الخلق. البخاري. الترمذي وغيرهما.
    19 ـ المؤمن غر كريم والفاجر خب (1) لئيم. أبو داود. الترمذي. أحمد.
    20 ـ إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبه مع لسانه سواء ، ويكون لسانه مع قلبه سواء ، ولا يخالف قوله عمله. الأصبهاني.
    21 ـ الحياء والإيمان قرناء جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر. الحاكم. الطبراني.
1 ـ الخب الخداع.

(175)
    22 ـ إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة ، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا ، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا ، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الاسلام. ابن ماجة. المنذري.

    وفاته
    توفي ليلة الفطر سنة 43 على ما هو الأصح عند المؤرخين وقيل غير ذلك ، وعاش نحو تسعين سنة وقال العجلي : عاش تسعا وتسعين سنة. قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 198 : لما حضرت عمرا الوفاة قال لابنه : لود أبوك أنه كان مات في غزات ذات السلاسل ، إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله فيها. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال : يا ليته كان بعرا ، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، آثرت دنياي وتركت آخرتي ، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي ، كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي.
    قال ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 436 : دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلم عليه وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟ قال : أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا ، وأفسدت من ديني كثيرا ، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت ، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت ، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض ، لا أرقي بيدين ولا أهبط برجلين ، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي. فقال له ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ؟ صار ابن أخيك أخاك ، ولا تشاء أن تبكي إلا بكيت ، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم ؟. فقال عمرو : وعلى حينها (1) حين ابن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربي ؟ أللهم ؟ إن ابن عباس تقنطني من رحمتك ، فخذ مني حتى ترضى. قال ابن عباس : هيهات يا أبا عبد الله ؟ أخذت جديدا وتعطي خلقا. فقال عمرو : مالي ولك يا بن عباس ؟! ما أرسلت كلمة إلا أرسلت نقيضها.
1 ـ يعني حين الوفاة.

(176)
    قال عبد الرحمن بن شماسة : لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله : لم تبكي أجزعا من الموت ؟ ؟! ! قال : لا والله ولكن لما بعده. فقال له : قد كنت على خير. فجعل يذكره صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وفتوحه الشام ، فقال له عمرو : تركت أفضل من ذلك : شهادة أن لا إله إلا الله. إني كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبق إلا عرفت نفسي فيه ، كنت أول شيء كافرا فكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله فلو مت يومئذ وجبت لي النار. فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله كنت أشد الناس حياء منه فما ملأت عيني من رسول الله صلى الله عليه وآله حياء منه ، فلو مت يومئذ قال الناس : هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير ومات على خير أحواله فترجى له الجنة. ثم بليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدري أعلي أم لي ؟؟!! فإذا مت فلا تبكين علي باكية.
    ولا يتبعني مادح ولا نار ، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم ، وشنوا علي التراب فإن جنبي الأيمن ليس بأحق بالتراب من جنبي الأيسر. الحديث.
    ( فائدة ) يوجد إسم والد المترجم له في كثير من كلمات الأصحاب ( العاصي ) بالياء وكذا ورد في شعر أمير المؤمنين :
لا وردن العاصي بن العاصي سبعين ألفا عاقدي النواصي
    وفي رجز الأشتر :
ويحك يا بن العاصي تنح فـي القواصي
    ويذكر بالياء في كتب غير واحد من الحفاظ ، وقال الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2 ص 30 : وعليه الجمهور وهو الفصيح عند أهل العربية. ثم قال : ويقع في كثير من كتب الحديث والفقه أو أكثرها بحذف الياء وهي لغة وقد قرئ في السبع نحوه كالكبير المتعال والداع.


(177)
5 ـ محمد الحميري
بحق محمد قولوا بحق أبعد محمد بأبي وأمي أليس علي أفضل خلق ربي ولايته هي الإيمان حقا وطاعة ربنا فيها وفيها علي إمامنا بأبي وأمي إمام هدى أتاه الله علما ولو أني قتلت النفس حبا ولا والله لا تزكو صلاة يحل النار قوم أبغضوه أمير المؤمنين بك اعتمادي فهذا القول لي دين وهذا برأت من الذي عادى عليا تناسوا نصبه في يوم ( خم ) برغم الأنف من يشنأ كلامي وأبرأ من أناس أخروه علي هزم الأبطال لما فإن الإفك من شيم اللئام رسول الله ذي الشرف التهامي وأشرف عند تحصيل الأنام؟؟!! فذرني من أباطيل الكلام شفاء للقلوب من السقام أبو الحسن المطهر من حرام به عرف الحلال من الحرام له ما كان فيها من أثام بغير ولاية العدل الإمام وإن صلوا وصاموا ألف عام وبالغر الميامين اعتصامي إلى لقياك يا ربي كلامي وحاربه من أولاد الطغام من الباري ومن خير الأنام علي فضله كالبحر طامي وكان هو المقدم بالمقام رأوا في كفه برق الحسام
    
( ما يتبع الشعر )
    هذه القصيدة رواها شيخ الاسلام الحموي في الباب الثامن والستين من ( فرائد السمطين ) بإسناده عن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد ابن إبراهيم النطنزي مصنف كتاب ـ الخصائص العلوية على ساير البرية ـ قال : أنبأنا


(178)
أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد بن محمد بن محمود الثقفي بقرائتي عليه قال : أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم قال : أنبأنا الشيخ قال : حدثنا محمد بن أحمد بن معدان : حدثنا محمد بن زكريا : حدثنا عبد الله بن الضحاك : حدثنا هشام بن محمد عن أبيه قال : اجتمع الطرماح الطائي ، وهشام المرادي ، ومحمد بن عبد الله الحميري عند معاوية بن أبي سفيان فأخرج بدرة فوضعها بين يديه وقال : يا معشر شعراء العرب ؟ قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ولا تقولوا إلا الحق وأنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي. فقام الطرماح وتكلم في علي ووقع فيه فقال له معاوية : اجلس فقد عرف الله نيتك ورأى مكانك. ثم قام هشام المرادي فقال أيضا ووقع فيه فقال له معاوية : اجلس مع صاحبك فقد عرف الله مكانكما. فقال عمرو بن العاص لمحمد ابن عبد الله الحميري وكان خاصا به : تكلم ولا تقل إلا الحق ثم قال : يا معاوية قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة إلا من قال الحق في علي قال : نعم أنا نفي من صخر ابن حرب إن أعطيتها منهم إلا من قال الحق في علي. فقام محمد بن عبد الله فتكلم ثم قال : بحق محمد قولوا بحق. القصيدة.
    فقال معاوية : أنت أصدقهم قولا فخذ هذه البدرة.
    ورواها شيخنا الفقيه الكبير عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن محمد الطبري الآملي في الجزء الأول من ( بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ) قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شهريار الخازن بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في شوال سنة اثنتي عشرة وخمسمائة قال : حدثني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محسن الخزاعي قال : حدثنا أبو الطيب علي بن محمد بن بنان قال : حدثنا أبو القاسم الحسن ابن محمد السكري من كتابه قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق ببغداد من كتابه قال : حدثنا محمد بن دينار الضبي قال : حدثنا عبد الله بن الضحاك إلى آخر السند والمتن.
    وذكرها صاحب ( رياض العلماء ) في ترجمة الشريف المرتضى نقلا عن شيخ الاسلام الحموي.


(179)
( الشاعر )
    محمد بن عبد الله الحميري زميل عمرو بن العاص ، أحسبه ابن القاضي عبد الله بن محمد الحميري الذي قلده معاوية بن أبي سفيان ديوان الخاتم وكان قاضيا كما ذكره الجهشياري في كتاب ( الوزراء والكتاب ) ص 15 قال : كان معاوية أول من إتخذ ديوان الخاتم ، وكان سبب ذلك : إنه كتب لعمرو بن الزبير بمائة ألف درهم إلى زياد وهو عامله على العراق ففض عمرو الكتاب وجعلها مائتي ألف درهم ، فلما رفع زياد حسابه قال معاوية : ما كتبت له إلا بمائة ألف. وكتب إلى زياد بذلك وأمره أن يأخذ المائة ألف منه ، فحبسه بها فاتخذ معاوية ديوان الخاتم وقلده عبد الله بن محمد الحميري وكان قاضيا ا ه‍ ويحتمل قويا أن يكون صاحب الشعر هو القاضي عبد الله نفسه ووقع الاشتباه بتقديم الوالد على الولد.
    وأما ديوان الخاتم فقد اخترعه معاوية قال ابن الطقطقي في ( الآداب السلطانية ) ص 78 : ومما إخترع معاوية من أمور الملك ( ديوان الخاتم ) وهذا ديوان معتبر من أكابر الدواوين ، لم تزل السنة جارية به إلى أواسط دولة بني العباس فاسقط ، ومعناه : أن يكون ديوان وبه نواب فإذا صدر توقيع من الخليفة بأمر من الأمور أحضر التوقيع إلى ذلك الديوان وأثبتت نسخته فيه وحزم بخيط وختم بشمع كما يفعل في هذا الزمان بكتب القضاة وختم بختم صاحب ذلك الديوان.


(180)
( شعراء الغدير )
في القرن الثاني

6 ـ أبو المستهل الكميت
المولود 60 ، المتوفى 126
نفى عن عينك الأرق الهجوعا دخيل في الفؤاد يهيج سقما وتوكاف الدموع على اكتئاب ترقرق أسحما دررا وسكبا لفقدان الخضارم من قريش لدى الرحمن يصدع بالمثاني حطوطا في مسرته ومولى وأصفاه النبي على اختيار ويوم الدوح دوح غدير خم ولكن الرجال تبايعوها فلم أبلغ بها لعنا ولكن فصار بذاك أقربهم لعدل أضاعوا أمر قائدهم فضلوا تناسوا حقه وبغوا عليه فقل لبني أمية حيث حلوا وهم يمتري منها الدموعا وحزنا كان من جذل (1) منوعا أحل الدهر موجعه الضلوعا يشبه سحها غربا هموعا (2) وخير الشافعين معا شفيعا وكان له أبو حسن قريعا (3) إلى مرضاة خالقه سريعا بما أعيى الرفوض له المذيعا أبان له الولاية لو أطيعا فلم أر مثـلها خطرا مبيعا أساء بذاك أولهم صنيعا إلى جور وأحفظهم مضيعا وأقومهم لدى الحدثان ريعا بلا ترة وكان لهم قريعا وإن خفت المهند والقطيعا

1 ـ الجذل : الفرح.
2 ـ رقرقت العين : أجرت دمعها. الأسحم : السحاب. يقال : أسحمت السماء. صبت ماءها السج : الصب. الغرب : الدلو العظيم. الهموع : السيال.
3 ـ القريع : السيد. الرئيس.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس