كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 381 ـ 387
(381)
نصحت فأخلصت النصيحة للفضل ألا إن في الفضل بن سهل لعبرة وللفضل في الفضل بن يحيى مواعظ فأبق حميدا من حديث تفز به فإنك قد أصبحت للملك قيما ولم أر أبياتا من الشعر قبلها وليس لها عيب إذا هي أنشدت وقلت فسيرت المقالة في الفضل إن اعتبر الفضل بن مروان بالفضل إذا فكر الفضل بن مروان في الفضل ولا تدع الاحسان والأخذ بالفضل وصرت مكان الفضل والفضـل جميع قوافيها على الفضل والفضل سوى أن نصحي الفضل كان من الفضل
    فبعث إليه الفضل بن مروان بدنانير وقال له : قد قبلت نصحك فاكفني خيرك وشرك (1).

نماذج من شعر دعبل في المذهب
    قال في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه السلام :
أتسكب دمع العين بالعبرات ؟! وتبكي لآثار لآل محمد ؟! ألا فابكهم حقا وبل عليهم ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم سقى الله أجداثا على أرض كربلا وصلي على روح الحسين حبيبه قتيلا بلا جرم فجعنا بفقده أنا الظامئ العطشان في أرض غربة وقد رفعوا رأس الحسين على القنا فقل لابن سعد : عذب الله روحه سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا على معشر ضلوا جميعا وضيعوا وبت تقاسي شدة الزفرات ؟! فقد ضاق منك الصدر بالحسرات عيونا لريب الدهر منسكبات وداهية من أعظم النكبات مرابيع أمطار من المزنات قتيلا لدى النهرين بالفلوات فريدا ينادي : أين أين حماتي ؟! قتيلا ومظلوما بغير ترات وساقوا نساء ولها خفرات : ستلقى عذاب النار باللعنات وأقنت بالآصال والغدوات مقال رسول الله بالشبهات
    ويمدح أمير المؤمنين عليه السلام ويذكر تصدقه خاتمه للسائل في الصلاة و
1 ـ الأغاني 18 ص 33 ، 38 ، 39 ، 42.

(382)
نزول قوله تعالى : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون. فيه (2) بقوله :
نطق القرآن بفضل آل محمد بولاية المختار من خير الذي إذ جاءه المسكين حال صلاته فتناول المسكين منه خاتما فاختصه الرحمن في تنزيله إن الإله وليكم ورسوله يكن الإله خصيمه فيها غدا وولاية لعليه لم تجحد بعد النبي الصادق المتودد فامتد طوعا بالذراع وباليد هبة الكريم الأجود بن الأجود من حاز مثل فخاره فليعدد والمؤمنين فمن يشأ فليجحد والله ليس بمخلف في الموعد
    وله يمدح أمير المؤمنين صلوات الله عليه :
سقيا لبيعة أحمد ووصيه أعني الذي نصر النبي محمدا أعني الذي كشف الكروب ولم يكن أعني الموحد قبل كل موحد أعني الإمام ولينا المحسودا قبل البرية ناشئا ووليدا في الحرب عند لقائه رعديدا لا عابدا وثنا ولا جلمودا
    وله يرثي الإمام السبط شهيد الطف سلام الله عليه :
إن كنت محزونا فمالك ترقد ؟! هلا بكيت على الحسين وأهله؟! لتضعضع الاسلام يوم مصابه فلقد بكته في السماء ملائك أنسيت إذ صارت إليه كتائب فسقوه من جرع الحتوف بمشهد لم يحفظوا حق النبي محمد قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه كيف القرار؟! وفي السبايا زينب هلا بكيت لمن بكاه محمد ؟! إن البكاء لمثـلهم قد يحمد فالجود يبكي فقده والسودد زهر كرام راكعون وسجد فيها ابن سعد والطغاة الجحد؟! كثر العداة به وقل المسعد إذ جرعوه حرارة ما تبرد فالثكل من بعد الحسين مبرد تدعو بفرط حرارة : يا أحمد

2 ) راجع ما مر صفحة 47 من هذا الجزء.

(383)
هذا حسين بالسيوف مبضع عار بلا ثوب صريع في الثرى والطيبون بنوك قتلى حوله يا جد قد منعوا الفرات وقتلوا يا جد من ثكلي وطول مصيبتي متلطخ بدمائه مسـتشهد بين الحوافر والسنابك يقصد فوق التراب ذبايح لا تلحد عطشا فليس لهم هنالك مورد ولما أعانيه أقوم وأقعد
    وله من قصيدة طويلة في رثاء الشهيد السبط عليه السلام قوله :
جاؤا من الشام المشومة أهلها لعنوا وقد لعنوا بقتل إمامهم وسبوا فواحزني بنات محمد تبا لكم يا ويلكم أرضيتم بعتم بدنيا غيركم جهلا بكم أخزى بها من بيعة أموية بؤسا لمن بايعتم وكأنني يا آل أحمد ما لقيتم بعده ؟! كم عبرة فاضت لكم وتقطعت صبرا موالينا فسوف نديلكم ما زلت متبعا لكم ولأمركم للشوم يقدم جندهم إبليس تركوه وهو مبضـع مخموس عبرى حواسر ما لهن لبوس بالنار ؟! ذل هنالك المحبوس عز الحياة وإنه لنفيس لعنت وحظ البايعين خسيس بإمامكم وسط الجحيم حبيس من عصبة هم في القياس مجوس يوم الطفوف على الحسين نفوس يوما على آل اللعين عبوس وعليه نفسي ما حييت أسوس
    وذكر له ياقوت الحموي في معجم الأدباء 11 ص 110 في رثاء الإمام السبط عليه السلام قوله :
رأس ابن بنت محمد ووصيه والمسلمون بمنظر وبمسمع أيقظت أجفانا وكنت لها كرى كحلت بمنظرك العيون عماية ما روضة إلا تمنت أنها يا للرجال على قناة يرفع لا جازع من ذا ولا متخشع وأنمت عينا لم تكن بك تهجع وأصم نعيك كل إذن تسمع لك مضجع ولخط قبرك موضع
    وله في مدح الإمام الطاهر علي بن أبي طالب صلوات الله عليه :


(384)
أبو تراب حيدره مبيد كل الكفره مبارز ما يهب وصادق لا يكذب سيف النبي الصادق بمرهف ذي بارق ذاك الإمام القسوره ليس له مناضل وضيغم ما يغلب وفارس محاول مبيد كل فاسق أخلصه الصياقل
    وله يرثي الإمام السبط صلوات الله عليه :
منازل بين أكناف الغري لقد شغل الدموع عن الغواني أتى أسفي على هفوات دهري ألم تقف البكاء على حسين ؟! ألم يحزنك أن بني زياد وإن بني الحصان يمر فيهم إلى وادي المياه إلى الطوي مصاب الأكرمين بني علي تضاءل فيه أولاد الزكي وذكرك مصرع الحبر التقي أصابوا بالترات بني النبي؟! علانية سيوف بني البغي

    ولادته ووفاته
    ولد سنة 148 واستشهد ظلما وعدوانا وهو شيخ كبير سنة 246 فعاش سبعا وتسعين سنة وشهورا من السنة الثامنة. يقال : إنه هجا مالق بن طوق بأبيات وبلغت مالكا فطلبه فهرب فأتى البصرة وعليها إسحاق بن العباس العباسي وكان بلغه هجاء دعبل نزارا فلما دخل البصرة بعث من قبض عليه ودعا بالنطع والسيف ليضرب عنقه فحلف بالطلاق على جحدها ، وبكل يمين تبرئ من الدم إنه لم يقلها ، وإن عدوا له قالها ، إما أبو سعيد أو غيره ونسبها إليه ليغرى بدمه ، وجعل يتضرع إليه ويقبل الأرض ويبكي بين يديه ، فرق له فقال : أما إذا عفيتك من القتل فلا بد من أن أشهرك. ثم دعى بالعصا فضربه حتى سلح وأمر به والقي على قفاه وفتح فمه فرد سلحه فيه والمقارع تأخذ رجليه وهو يحلف : أن لا يكف عنه حتى يستوفيه ويبلعه أو يقتله. فما رفعت عنه حتى بلع


(385 )
سلحه كله ثم خلاه فهرب إلى الأهواز ، وبعث مالك بن طوق رجلا حصيفا (1) مقداما وأمره أن يغتاله كيف شاء ، وأعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم ، فلم يزل يطلبه حتى وجده في قرية من نواحي السوس فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة فضرب ظهر قدمه بعكاز (2) لها زج مسموم فمات من غد ودفن بتلك القرية. وقيل : بل حمل إلى السوس ؟ ودفن بها (3) وفي تاريخ ابن خلكان : قتل ب‍ ( الطيب ) وهي بلدة بين واسط العراق وكور الأهواز. وقال الحموي (4) : وبزويلة (5) قبر دعبل ابن علي الخزاعي قال بكر بن حماد :
الموت غادر دعبلا بزويلة في أرض برقة أحمد بن خصيب
    لا يخفى على الباحث أن ترديد ابن عساكر في تاريخه 5 ص 242 بعد ذكر وفاة المترجم سنة 246 وقوله : [ قيل : إنه هجا المعتصم فقتله. وقيل : إنه هجا مالك فأرسل إليه من سمه بالسوس ] ترديد بلا تأمل ، ونقل بلا تدبر ، إذ المعتصم توفي 227 قبل شهادة المترجم بتسع عشر سنة. كما أن ما ذكره الحموي في معجم البلدان 4 ص 418 من [ أن دعبلا لما هجا المعتصم أهدر دمه فهرب إلى طوس واستجار بقبر الرشيد فلم يجره المعتصم وقتله صبرا في سنة 220 ] خلاف ما اتفق عليه المؤرخون وعلماء الرجال من شهادته سنة 246.
    كان البحتري صديقا للمترجم وأبي تمام المتوفى قبله فرثاهما بقوله :
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي أخوي لا تزل السماء مخيلة (6) جدث على الأهواز يبعد دونه مثوى حبيب يوم مات ودعبل تغشاكما بسماء مزن مسبل مسرى النعي ورمسه بالموصل
    قال أبو نصر محمد بن الحسن الكرخي الكاتب : رأيت على قبر دعبل مكتوبا :
1 ـ الحصيف : الجيد الرأي محكم العقل.
2 ـ العكاز بالعين المضمومة والكاف المشددة : عصا ذات زج في أسلفها يتوكأ عليها.
3 ـ الأغاني 18 ص 60 ، معاهد التنصيص 1 ص 208.
4 ـ معجم البلدان 4 ص 418.
5 ـ أول حدود بلاد السودان.
6 ـ خيل السحاب : رعد وبرق وتهيأ للمطر.


(386)
أعد لله يوم يلقاه يقولها مخلصا عساه بها الله الله مولاه والرسول ومن دعبل : أن لا إله إلا هو يرحمه في القيامة بعدهما فالوصي مولاه
    خلف المترجم ولداه : عبد الله وحسين الشاعر ، ذكر ابن النديم للثاني منهما ديوانا في نحو مائتي ورقة ، وترجمه ابن المعتز في طبقات الشعراء ص 193 وذكر نماذج من شعره وقال : الدعبلي مليح الشعر جدا.
آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
هنا ينتهي الجزء الثاني ويتلوه الجزء الثالث ويبدء ببقية شعراء
القرن الثالث أولهم أبو إسماعيل العلوي
والله المستعان وعليه التكلان


(387)
(لفت نظر)
    كلّ فصل وكلمة وجملة توجد في المتن أو التعليق مرموزة بـ م في هذه الجزء وبقيّة أجزاء الكتاب فهي منم ملحقات الطبعة الثانية وزياداتها ، تبدأ بـ م وتنتهي بقوية تتلوها.
شكر على تقدير
    كان في هواجس ضميري : انّ كتابي هذا سيقدّره كلُّ رجل دينيّ ، ومَن يحمل ولاء العترة الطاهرة فصدَّق الخُبر الخَبر ، وأتتنا رسائل كريمة وكتابات أنيقة من أرجاء العراق وخارجها من شتَّى الأقطار من الجمعيّات والشخصيّات البارزة في تقريظ الكتاب والإعجاب به نظماً ونثراً ، كلّ ذلك ينمُّ عن روحيَّة حاسَّةٍ قويَّة في الملأ الإسلاميِّ ، وفكرةٍ صالحة في المجتمع الدينيِّ ، وشعور حيّ في رجالات الاُمّضة ، فحيَّا الله العرب ودينه الحقَّ ، ومرحباً بالتابعين له بإحسان من الاُمم الإسلاميَّة ، فنحن نقدِّم إلى الجميع شكر ناالمتواصل ، ونسأل لهم التوفيق ، ونأمل الرقيَّ والتقدّم لحملة القرآن الأقدس.
ألمؤلف الأمينى
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس