كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 371 ـ 380
(371)
    أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي : اكتم هذا حتى قلت :
أين الشباب ؟! وأية سلكا ؟! لا أين يطلب ؟! ضل بل هلكا
    فلما أنشدته هذه القصيدة قال : إذهب الآن فأظهر شعرك كيف شئت لمن شئت. وقال أبو تمام : ما زال دعبل مائلا إلى مسلم بن وليد مقرا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان فجفاه مسلم وكان فيه بخل فهجره دعبل وكتب إليه :
أبا مخلد كنا عقيدي مودة أحوطك بالغيب الذي أنت حائطي فصيرتني بعد انتحائك متهما عششت الهوى حتى تداعت أصوله وأنزلت من بين الجوانح والحشى فلا تعذلني ليس لي فيك مطمع فهبك يميني استأكلت فقطعتها هوانا وقلبانا جميعا معا معا وأنجع أشفاقا لأن تتوجعا لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا ذخيرة ود طالما قد تمنعا تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا وجشمت قلبي صبره فتشجعا (1)
    ويروي عنه في الأدب محمد بن يزيد. والحمدوي الشاعر. ومحمد بن القاسم بن مهرويه. وآخرون.
    ( آيات نبوغه )
    له كتاب : الواحدة. في مناقب العرب ومثالبها. وكتاب : طبقات الشعراء. وهو من التآليف القيمة ، والأصول المعول عليها في الأدب والتراجم ، ينقل عنه كثيرا المرزباني في معجم الشعراء ص 227 ، 240 ، 245 ، 267 ، 361 ، 434 ، 478. م ـ والخطيب البغدادي في تاريخه 2 ص 342 و ج 4 ص 143 ] وابن عساكر في تاريخه 7 ص 46 ، 47. وابن خلكان في تاريخه 2 ص 166. واليافعي في المرآت 2 ص 123. و أكثر النقل عنه ابن حجر في الإصابة 1 ص 69 ، 132 ، 172 ، 370 ، 411 ، 525 ، 527. و ج 2 ص 99 ، 103 ، 108. و ج 3 ص 91 ، 119 ، 123 ، 270 ، 565 ، و ج 4 ص 74 ، 565 وغيرها.
    وأحسب أنه كتاب ضخم مبوب على البلدان كيتيمة الدهر للثعالبي فقيه :
1 ـ ويروى : وحملت قلبي فقدها. الأغاني 18 ص 47.

(372)
    أخبار شعراء البصرة. وبهذا العنوان ينقل عنه الآمدي في [ المؤتلف والمختلف ص 67 ، وابن حجر في الإصابة 3 ص 270.
    أخبار شعراء الحجاز. وبهذا الاسم ينقل عنه ابن حجر في الإصابة 4 ص 74 ، 163 ويقول : ذكر دعبل في طبقات الشعراء في أهل الحجاز.
    أخبار شعراء بغداد. ينقل عنه باسم كتاب شعراء بغداد الآمدي في المؤتلف ص 67.
    وله ديوان شعر مجموع كما في تأريخ ابن عساكر. وقال ابن النديم : عمله الصولي نحو ثلثمائة ورقة. وعد في فهرسته 210 من تآليف أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر : كتاب : اختيار شعر دعبل.
    ومن آيات نبوغه : قصيدته في ذكر مناقب اليمن وفضايلها من ملوكها وغيرهم على نحو ستمائة بيتا كما في [ نشوار المحاضرة ] للتنوخي ص 176. مطلعها :
أفيقي من ملامك يا طعينا كفاك اللوم مر الأربعينا
    يرد بها على الكميت في قصيدته التي يمتدح بها نزارا وهي ثلثمائة بيتا أولها :
ألا حييت عنا يا مدينا وهل ناس تقول مسلمينا ؟!
    قالها الكميت ردا على الأعور الكلبي في قصيدته التي أولها :
أسودينا واحمرينا .....
    فرءا دعبل النبي صلى الله عليه وآله في النوم فنهاه عن ذكر الكميت بسوء. ولم يزل دعبل كان عند الناس جليل القدر حتى رد على الكميت فكان مما وضعه (1) ورد عليه أبو سعد المخزومي بقصيدة. وعلى أثر هذه المناجزة والمشاجرة افتخرت نزار على اليمن و افتخرت اليمن على نزار ، وأدلى كل فريق بماله من المفاخر ، وتخربت الناس ، وثارت العصبية في البدو والحضر فنتج بذلك أمر مروان بن محمد الجعدي ، وتعصبه لقومه من نزار على اليمن ، وانحرف اليمن عنه إلى الدعوة العباسية وتغلغل الأمر إلى انتقال الدولة عن بني أمية إلى بني هاشم ، ثم ما تلا ذلك من قصة معن بن زائدة باليمن ، وقتله أهلها تعصبا لقومه من ربيعة وغيرها من نزار ، وقطعه الحلف الذي كان بين اليمن وربيعة
1 ـ الأغاني 18 ص 29 ، 31.

(373)
في القدم. إلى آخر ما في مروج الذهب 2 ص 197.

    أما روايته في الحديث
    فعده ابن شهر آشوب في المعالم ص 139 من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام ، وحكى النجاشي في فهرسته ص 198 عن ابن أخيه : أنه رأى موسى بن جعفر ولقي أبا الحسن الرضا. وقد أدرك الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام ولقيه ، وروى الحميري في الدلايل وثقة الاسلام الكليني في أصول الكافي : أنه دخل على الرضا عليه السلام فأعطاه شيئا فلم يحمد الله تعالى فقال : لم لم تحمد الله تعالى ؟! ثم دخل على الجواد فأعطاه فقال : الحمد لله. فقال عليه السلام : تأدبت.
    ويروي شاعرنا عن جماعة منهم :
    1 ـ الحافظ شعبة بن الحجاج المتوفى 160 (1) وبهذا الطريق يروى عنه الحديث في كتب الفريقين كما في أمالي الشيخ ص 240. وتأريخ ابن عساكر 5 ص 228.
    2 ـ الحافظ سفيان الثوري المتوفى 161. ( تأريخ ابن عساكر 5 ص 228 ).
    3 ـ إمام المالكية مالك بن أنس المتوفى 179.
    4 ـ أبو سعيد سالم بن نوح البصري المتوفى بعد المأتين.
    5 ـ أبو عبد الله محمد بن عمرو الواقدي المتوفى 207.
    6 ـ الخليفة المأمون العباسي المتوفى 218 ، تأريخ الخلفاء ص 204.
    7 ـ أبو الفضل عبد الله بن سعد الزهري البغدادي المتوفى 260 ، يروي عنه عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر عن ابن حوشب عن أبي هريرة حديث. صوم الغدير المذكور ج 1 ص 401 (2).
    8 ـ محمد بن سلامة يروي عنه بطريقه شيخ الطايفة في أماليه ص 237 عن أمير المؤمنين عليه السلام خطبته الشهيرة بالشقشقية التي أولها : والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، ولكني سدلت عنها ثوبا ، وطويت عنها كشحا.
1 ـ يروى عنه وعن الثوري وهو لم يبلغ الحلم.
2 ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى 2.


(374)
    9 ـ سعيد بن سفيان الأسلمي المدني. ( أمالي الشيخ ص 227 ).
    10 ـ محمد بن إسماعيل مشترك .
    11 ـ مجاشع بن عمر يروي عنه عن مسيرة عن الجزري عن ابن جبير عن ابن عباس إنه سئل عن قول الله عز وجل : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما. الحديث. أمالي الشيخ ص 240.
    م ـ 12 موسى بن سهل الراسبي ، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 10 ص 348 شيخا للمترجم له ولم يعرفه ].
    وعد ابن عساكر في تاريخه 5 ص 228 ممن يقال برواية المترجم عنه : يحيى ابن سعيد الأنصاري وخفي عليه أن يحيى الأنصاري توفي 143 قبل ولادة المترجم بسنين.
    ( والرواة عن المترجم هم )
    1 ـ أبو الحسن علي أخوه كما في كثير من كتب الحديث والمعاجم.
    2 ـ موسى بن حماد اليزيدي. فهرست النجاشي ص 117.
    3 ـ أبو الصلت الهروي المتوفى 236. في مصادر كثيرة.
    4 ـ هارون بن عبد الله المهلبي. في الأمالي والعيون.
    5 ـ علي بن الحكيم. في أصول الكافي.
    6 ـ عبد الله بن سعيد الأشقري. الأغاني وغيره.
    7 ـ موسى بن عيسى المروزي.
    8 ـ ابن المنادي أحمد بن أبي داود المتوفى 272. تاريخ ابن عساكر (1).
    9 ـ محمد بن موسى البريري. تاريخ ابن عساكر.

( أما سيرته مع الخلفاء والوزراء )
    فهذه ناحية واسعة النطاق ، طويلة الذيل ، يجد الباحث في طيات كتب التاريخ ومعاجم الأدب المفصلة حولها كراريس مسطرة فيها لغو الحديث نضرب عنها صفحا ونقتطف منها النزر اليسير.
1 ـ 5 ص 228. وابن المنادي في المعاجم : محمد بن عبيد الله.

(375)
    1 ـ عن يحيى بن أكثم قال : إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله وآمنه على نفسه فلما مثل بين يديه وكنت جالسا بين يدي المأمون فقال له : أنشدني قصيدتك الرائية فجحدها دعبل وأنكر معرفتها ، فقال له : لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك. فأنشده :
تأسفت جارتي لما رأت زوري ترجو الصبى بعد ما شابت ذوائبها أجارتي إن شيب الرأس يعلمني لو كنت أركن للدنيا وزينتها أخنى الزمان على أهلي فصدعهم بعض أقام وبعض قد أصار به أما المقيم فأخشى أن يفارقني أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي لولا تشاغل عيني بالأولى سلفوا وفي مواليك للحرين مشغلة كم من ذراع لهم بالطف بائنة أمسى الحسين ومسراهم لمقتله خلفتموه على الأنباء حين مضى يا أمة السوء ما جازيت أحمد في وعدت الحلم ذنبا غير مغتفر وقد جرت طلقا في حلية الكبر ذكر المعاد وأرضاني عن القدر إذا بكيت على الماضين من نفر تصدع الشيب لاقى صدمة الحجر داعي المنية والباقي على الأثر ولست أوبة من ولى بمنتظر كحاكم قص رؤيا بعد مدكر من أهل بيت رسول الله لم أقر من أن تبيت لمشغول على أثر وعارض بصعيد الترب منعفر وهم يقولون : هذا سيد البشر خلافة الذئب في إنفاد ذي بقر حسن البلاء على التنزيل والسور
    قال يحيى : وأنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه وقد انتهى إلى قوله :
لم يبق حي من الأحياء نعلمه إلا وهم شركاء في دمائهم قتلا وأسرا وتخويفا ومنهبة أرى أمية معذورين إن قتلوا قوم قتلتم على الاسلام أولهم أبناء حرب ومروان وأسرتهم من ذي يمان ولا بكر ولا مضر كما تشارك أيسار على جزر فعل الغزاة بأرض الروم والخزر ولا أرى لبني العباس من عذر حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر بنو معيط ولاة الحقد والزعر


(376)
إربع بطوس على قبر الزكي بها قبران في طوس خير الناس كلهم ما ينفع الرجس من قبر الزكي ولا هيهات كل أمرء رهن بما كسبت إن كنت تربع من دين على وطر وقبر شرهم هذا من العبر على الزكي بقرب الرجس من ضرر له يداه فخذ ما شئت أو فذر
    قال : فضرب المأمون عمامته الأرض وقال : صدقت والله يا دعبل (1).
    روى شيخنا الصدوق في أماليه ص 390 بإسناده عن دعبل أنه قال : جائني خبر موت الرضا عليه السلام وأنا مقيم بقم فقلت القصيدة الرائية. ثم ذكر أبياتا منها :
    2 ـ دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون فشكى إليه حاله وقال : يا أمير المؤمنين إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي ، وألهمك الرأفة والعفو عني ، والنسب واحد ، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه فقال : وما قال ؟! لعل قوله :
نعر ابن شكلة بالعراق وأهله فهفا إليه كل أطلس مائق
    وأنشده الأبيات فقال : هذا من بعض هجائه وقد هجاني بما هو أقبح من هذا فقال المأمون : لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته ، وقال في (2) :
أيسومني المأمون خطة جاهل إني من القوم الذين سيوفهم شادوا بذكرك بعد طول خمولة أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟! قتلت أخاك وشرفتك بمقعد (3) واستنقذوك من الحضيض الأوهد
    فقال إبراهيم : زادك الله حلما يا أمير المؤمنين وعلما ، فما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك ، ولا تحمل إلا اتباعا لحلمك.
    3 ـ حدث ميمون بن هرون قال : قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه فضحك المأمون وقال : إنما تحرضني عليه لقوله فيك :
يا معشر الأجياد لا تقنطوا وارضوا بما كان ولا تسخطوا

1 ـ الأغاني 18 ص 57. تاريخ ابن عساكر 5 ص 233. أمالي المفيد أمالي الشيخ ص 61.
2 ـ أول القصيدة :
أخذ المشيب من الشباب الأغيد والنائبات من الأنام بمرصد
    3 ـ أشار إلى قضية طاهر الخزاعي وقتله الأمين محمد بن الرشيد وبذلك ولي المأمون الخلافة.


(377)
فسوف تعطون حنينية والمعبديات لقوادكم وهكذا يرزق قواده يلتذها الأمرد والأشمط لا تدخل الكيس ولا تربط خليفة مصحفة البربط
    فقال له إبراهيم : فقد والله هجاك أنت يا أمير المؤمنين. فقال : دع هذا عنك ، فقد عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا. وضحك ثم دخل أبو عباد فلما رآه المأمون من بعد قال لإبراهيم : دعبل يجسر على أبي عباد بالهجاء ولا يحجم عن أحد. فقال له : وكان أبا عباد أبسط يدا منك ؟! قال : لا ، ولكنه حديد جاهل لا يؤمن وأنا أحلم و أصفح ، والله ما رأيت أبا عباد مقبلا إلا أضحكني قول دعبل فيه.
أولى الأمور بضيعة وفساد أمر يدبره أبو عباد (1)
    4 ـ حدث أبو ناجية قال : كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه وبلغ دعبلا أنه يريد اغتياله وقتله فهرب إلى الجبل وقال يهجوه :
بكى لشتات الدين مكتئب صب وقام إمام لم يكن ذا هداية وما كانت الأنباء نأتي بمثله ولكن كما قال الذين تتابعوا ملوك بني العباس في الكتب سبعة كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة وإني لأعلي كلبهم عنك رفعة لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم وفضـل بن مروان يثلم ثلمة وفاض بفرط الدمع من عينه غرب فليس له دين وليس له لب يملك يوما أو تدين له العرب من السلف الماضين إذ عظم الخطب ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب خيار إذا عدوا وثامنهم كلب لأنك ذو ذنب وليس له ذنب وصيف وأشناس وقد عظم الكرب يظل لها الاسلام ليس له شعب
    5 ـ حدث ميمون بن هارون قال : لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه :
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا : لن يجبر الله أمة فقدت في خير قبر لخير مدفون مثـلك إلا بمثل هارون

1 ـ توجد بقية الأبيات في الأغاني 18 ص 39.

(378)
فقال دعبل يعارضه :
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا : إذهب إلى النار والعذاب فما ما زلت حتى عقدت بيعة من في شر قبر لشر مدفون خلتك إلا من الشياطين أضر بالمسلمين والدين
    6 ـ حدث محمد بن قاسم بن مهرويه قال : كنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق فقال لي دعبل : أمعك شيء تكتب فيه ؟! فقلت : نعم ، وأخرجت قرطاسا فأملى علي بديها :
الحمد لله لا صبر ولا جلد خليفة مات لم يحزن له أحد ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا وآخر قام لم يفرح به أحد
    7 ـ حدث محمد بن جرير قال : أنشدني عبيد الله بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوكل وما سمعت له غيره فيه :
ولست بقائل قذعا ولكن لأمر ما تعبدك العبيد
    قال : يرميه في هذا البيت بالابنة.
    8 ـ دخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أي شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل ؟! فقال : أحفظ أبياتا له في أهل بيت أمير المؤمنين. قال : هاتها ويحك. فأنشده عبد الله قول دعبل :
سقيا ورعيا لأيام الصبابات أيام غصني رطيب من ليانته وكنات دع عنك ذكر زمان فات مطلبه واقـصد بكل مديح أنت قائله أيام أرفل في أثواب لذاتي أصبو إلى خير جارات واقـذف برجلك عن متن الجهالات نحو الهداة بني بيت الكرامات
    فقال المأمون : إنه قد وجد والله مقالا ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم. ثم قال المأمون : لقد أحسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه :
ألم يأن للسفر الذين تحملوا فقلت ولم أملك سوابق عبرة : تبين فكم دار تفرق شملها إلى وطن قبل الممات رجوع ؟! نطقن بما ضمت عليه ضلوع وشمل شتيت عاد وهو جميع


(379)
كذاك الليالي صرفهن كما ترى لكل أناس جدبة وربيع
    ثم قال : ما سافرت قط إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيرتي و مسيلتي حتى أعود.
    9 ـ حدث ميمون بن هارون قال : كان دعبل قد مدح دينار بن عبد الله وأخاه يحيى فلم يرض فعلاه فقال يهجوهما :
ما زال عصياننا لله يرذلنا وغدين عجلين لم تقطع ثمارهما حتى دفعنا إلى يحيى ودينار قد طال ما سجدا للشمس والنار
    قال : وفيهما وفي الحسن بن سهل والحسن بن رجاء وأبيه يقول دعبل :
ألا فاشتروا مني ملوك المخزم وأعط رجاء فوق ذاك زيادة فإن رد من عيب علي جميعهم أبع حسنا وابني رجاء بدرهم وأسمع بدينار بغير تندم فليس يرد العيب يحيى بن أكثم

    ملح ونوادر
    1 ـ حدث أحمد بن خالد قال : كنا يوما بدار صالح بن علي من عبد القيس ببغداد ومعنا جماعة من أصحابنا فسقط على كنيسة في سطحه ديك طار من دار دعبل فلما رأيناه قلنا : هذا صيدنا فأخذناه فقال صالح : ما نصنع به ؟! قلنا : نذبحه. فذبحناه وشويناه فخرج دعبل وسأل عن الديك فعرف أنه سقط في دار صالح فطلبه منا فجحدنا وشرينا يومنا فلما كان من الغد خرج دعبل فصلى الغداة ثم جلس على المسجد وكان ذلك المسجد مجمع الناس يجتمع فيه جماعة من العلماء وينتابهم الناس فجلس دعبل على المسجد وقال.
أسر المؤذن صالح وضيوفه بعثوا عليه بنيهم وبناتهم يتنازعون كأنهم قذ أوثقوا نهشوه فانتزعت له أسنانهم أسر الكمي هفا خلال الماقط من بين ناتفة وآخر سامط خاقان أو هزموا كتائب ناعط (1) وتهشمت أقفاؤهم بالحايط
    فكتبها الناس عنه ومضوا فقال لي أبي وقد رجع إلى البيت : ويحكم ضاقت عليكم
1 ـ ناعط : قبيلة من همدان. وأصله جبل نزلوا به فنسبوا إليه.

(380)
المآكل فلم تجدوا شيئا تأكلونه سوى ديك دعبل ؟! ثم أنشدنا الشعر وقال لي : لا تدع ديكا ولا دجاجة تقدر عليه إلا اشتريته وبعثت به إلى دعبل وإلا وقعنا في لسانه. ففعلت ذلك.
    2 ـ عن إسحاق النخعي قال : كنت جالسا مع دعبل بالبصرة وعلى رأسه غلامه ثقيف فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز فقال لغلامه : ادع لي هذا الأعرابي فأومأ الغلام إليه فجاء فقال له دعبل : ممن الرجل ؟! قال : من بني كلاب. قال : من أي ولد كلاب أنت ؟! قال : من ولد أبي بكر. فقال دعبل : أتعرف القائل ؟!.
ونبأت كلبا من كلاب يسبني فإن أنا لم أعلم كلابا بأنها فكان إذا من قيس عيلان والدي ومحض كلاب يقطع الصلوات كلاب وإني باسل النقمات وكانت إذا أمي من الحبطات
    قال : هذا الشعر لدعبل يقول في عمرو بن عاصم الكلابي فقال له الأعرابي : ممن أنت ؟! فكره أن يقول من خزاعة فيهجوهم فقال : أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر :
أناس علي الخير منهم وجعفر إذا فخروا يوما أتوا بمحمد وحمزة والسجاد ذو الثفنات وجبريل والفرقان والسورات
    فوثب الأعرابي وهو يقول : مالي إلى محمد وجبريل والفرقان والسورات مرتقى.
    3 ـ حدث الحسين بن أبي السري قال : غضب دعبل على أبي نصر بن جعفر بن محمد بن الأشعث وكان دعبل مؤدبه قديما لشئ بلغه عنه فقال يهجو أباه :
ما جعفر بن محمد بن الأشعث عبثا تمارس بي تمارس حية لو يعلم المغرور ماذا حاز من عندي بخير أبوة من عثعث سوارة إن هجتها لم تلبث خزي لوالده إذا لم يعبث
    قال : فلقيه عثعث فقال له : أي شيء كان بيني وبينك ؟! حتى ضربت بي المثل في خسة الآباء. فضحك دعبل وقال : لا شيء والله إلا اتفاق اسمك واسم ابن الأشعث في القافية ، أو لا ترضى أن أجعل أباك وهو أسود خيرا من آباء الأشعث بن قيس؟!
    4 ـ عن الحسين بن دعبل قال : قال أبي في الفضل بن مروان :
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس