كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 361 ـ 370
(361)
    قال الرضا : آمنك الله يوم الفزع الأكبر. فلما انتهى إلى قوله :
وقبر ببغداد لنفس زكية تضمنها الرحمن في الغرفات
    قال له الرضا : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟! فقال بلى يا بن رسول الله. فقال عليه السلام.
وقبر بطوس يا لها من مصيبة إلى الحشر حتى يبعث الله قائما توقد في الأحشاء بالحرقات يفرج عنا الهم والكربات
    فقال دعبل : يا بن رسول الله ؟ هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟! فقال الرضا : قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له. ثم نهض الرضا عليه السلام وأمر دعبل أن لا يبرح من موضعه. [ فذكر قصة الجبة واللصوص ثم قال :
    كانت لدعبل جارية لها من قبله محمل فرمدت عينها رمدا عظيما فأدخل أهل الطب عليها فنظروا إليها فقالوا : أما العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت ، وأما اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجوا أن تسلم. فاغتم لذلك دعبل غما شديدا وجزع عليها جزعا عظيما ، ثم أنه ذكر ما كان معه من وصلة الجبة فمسحها على عيني الجارية وعصبها بعصابة منها من أول الليل فأصبحت وعيناها أصح ما كانتا قبل ببركة أبي الحسن الرضا عليه السلام (1).
    في مشكاة الأنوار (2) ومؤجج الأحزان (3) : روي أنه لما قرأ دعبل قصيدته على الرضا عليه السلام وذكر الحجة عجل الله فرجه بقوله :
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد خروج إمام لا محالة خارج تقطع نفسي إثرهم حسراتي يقوم على اسم الله والبركات
    وضع الرضا عليه السلام يده على رأسه وتواضع قائما ودعى له بالفرج. وحكاه عن المشكاة صاحب الدمعة الساكبة وغيره.
1 ـ وذكره الطبرسي في أعلام الورى ص 191 ، والأربلي في كشف الغمة ص 275.
2 ـ تأليف الشيخ محمد بن عبد الجبار البحراني.
3 ـ تأليف الشيخ عبد الرضا بن محمد الأوالي البحراني.


(362)
    ولهذه التائية عدة شروح لأعلام الطايفة منها :
    شرح العلامة الحجة السيد نعمة الله الجزائري المتوفى 1112.
    شرح العلامة الحجة كمال الدين محمد بن محمد القنوي الشيرازي.
    شرح العلامة الحاج ميرزا علي العلياري التبريزي المتوفى 1327.
    لفت نظر
    إن مستهل هذه القصيدة ليس كل ما ذكروه فإنها مبدوة بالنسيب ومطلعها :
تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات
    قال ابن الفتال في روضته ص 194 ، وابن شهر آشوب في المناقب 2 ص 394 : وروي أن دعبل أنشدها الإمام عليه السلام من قوله : مدارس آيات ـ وليس هذا البيت رأس القصيدة ولكن أنشدها من هذا البيت فقيل له : لم بدأت بمدارس آيات ؟! قال : إستحييت من الإمام عليه السلام أن أنشده التشبيب فأنشدته المناقب ورأس القصيدة :
تجاوبن بالأرنان والزفرات نوائح عجم اللفظ والنطقات
    ذكرها برمتها وهي مائة وعشرون بيتا الأربلي في [ كشف الغمة ]. والقاضي في المجالس ص 451. والعلامة المجلسي في البحار ص 75. والزنوزي في الروضة الأولى من رياض الجنة ونص على عددها المذكور الشبراوي والشبلنجي كما مر. فما قدمناه عن الحموي من أن [ نسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة وإنا موردون هنا ما صح ] من بعض الظن الذي هو إثم وقد ذكر هو في معجم البلدان ما هو خارج عما أثبته في معجم الأدباء من الصحيح عنده فحسب راجع ج 2 ص 28 ، وذكر المسعودي في مروج الذهب 2 ص 239 و غيره بعض ما ذكره في معجم البلدان. وأثبت سبط ابن الجوزي في التذكرة وابن طلحة في المطالب والشبراوي في الإتحاف ، والشبلنجي في نور الأبصار زيادات لا توجد بما استصحه الحموي ، وليس من الممكن قذف هؤلاء الأعلام بإثبات المفتعل. وبما أن العلم تدريجي الحصول فمن المحتمل أن الحموي يوم تأليفه معجم الأدباء لم يقف به البحث على أكثر مما ذكر ثم لما توسع في العلوم ثبت عنده غيره أيضا فأدرجه في معجم البلدان الذي هو متأخر في التأليف ، ولذلك يحيل فيه على معجم الأدباء في


(363)
أكثر مجلداته راجع 2 ص 45 ، 117 ، 135 ، 186 و ج 3 ص 117 ، 184 ، و ج 4 ص 228 ، 400 ، و ج 5 ص 187 ، 289 ، و ج 6 ص 177 وغيرها لكن سوء ظنه بالشيعة حداه إلى نسبة الافتعال إليهم عند تدوين الترجمة ، ونحن لا نناقشه بالحساب في هذا التظني فإن الله لهم بالمرصاد وهو نعم الرقيب والحسيب.
( الشاعر )
    أبو علي ـ أبو جعفر ـ دعبل بن علي بن رزين (1) بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي بن عامر بن مازن ابن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي.
    أخذناه من فهرست النجاشي ص 116. وتأريخ الخطيب 8 ص 382. وأمالي الشيخ 239. وتأريخ ابن عساكر 5 ص 227. ومعجم الأدباء للحموي 11 ص 100 وقال : وعلى هذا الأكثر. والإصابة لابن حجر 1 ص 141.
    ( بيت رزين )
    بيت علم وفضل وأدب وإن خصه ابن رشيق في عمدته 2 ص 290 بالشعر ، فإن فيهم محدثون وشعراء ، وفيهم السؤدد والشرف ، وكل الفضل والفضيلة ببركة دعاء النبي الأطهر لجدهم الأعلى : بديل بن ورقاء لما أوقفه العباس بن عبد المطلب يوم الفتح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله : وقال : يا رسول الله ؟ هذا يوم قد شرفت فيه قوما فما بال خالك بديل بن ورقاء ؟! وهو قعيد حبه. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أحسر عن حاجبيك يا بديل ؟ فحسر عنهما وحدر لثامه فرأى سوادا بعارضه فقال : كم سنوك يا بديل ؟! فقال : سبع وتسعون يا رسول الله ؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : زادك الله جمالا وسوادا وأمتعك وولدك. (2)
    ومؤسس شرفهم الباذخ : البطل العظيم عبد الله بن ورقاء الذي كان هو وأخواه عبد الرحمن ومحمد رسل رسول الله صلى الله وآله وسلم إلى المين كما في رجال الشيخ. و
1 ـ في الأغاني 8 ص 29 : ابن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل ابن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن مزيقيا.
2 ـ أمالي الشيخ ص 239 ، الإصابة 1 ص 141.


(364)
كانوا هم وأخوهم عثمان من فرسان مولانا أمير المؤمنين الشهداء في صفين (1) وأخوهم الخامس : نافع بن بديل استشهد على عهد النبي صلى الله عليه وآله ورثاه ابن رواحة بقوله :
رحم الله بن بديل صابرا صادق الحديث إذا ما رحمة المبتغي ثواب الجهاد أكثر القوم قال قول السداد (2)
    فحسب هذا البيت شرفا أن فيه خمسة شهداء وهم بعين الله ومع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وكان عبد الله من متقدمي الشجعان ، والمتبرز في الفروسية ، والمحتلي بأعلى مراتب الإيمان ، وعده الزهري من دهاة العرب الخمسة كما في الإصابة 2 ص 281 قال له أمير المؤمنين يوم صفين : احمل على القوم. فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة وعليه يومئذ سيفان ودرعان فجعل يضرب بسيفه قدما ويقول :
لم يبق غير الصبر والتوكل ثم التمشي في الرعيل الأول والترس والرمح وسيف مصقل مشي الجمال في حياض المنهل
    فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية والذين بايعوه إلى الموت فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع من معه. واختلط الناس واضطرم الفيلقان ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام وأقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه وجعل ينادي : يا ثارات عثمان ؟ وإنما يعني أخا له قتل ، وظن معاوية وأصحابه أنه يعني : عثمان بن عفان. وتراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ولج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إليه ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفا فنادى معاوية بالناس : ويلكم الصخر والحجارة. حتى أثخنوه فسقط فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه ، وجاء معاوية وعبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فأما عبد الله بن عامر
1 ـ صفين لابن مزاحم ص 126 ، خصال الصدوق ، شرح النهج 1 ص 486. الإصابة 3 ص 371.
2 ـ الإصابة 3 ص 543.


(365)
فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له من قبل أخا وصديقا ، فقال معاوية : إكشف عن وجهه. فقال : لا والله لا يمثل به وفي روح فقال معاوية : إكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به قد وهبناه لك. فكشف ابن عامر عن وجهه فقال معاوية : هذا كبش القوم ورب الكعبة أللهم اظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر (1) :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه كليث هزبر كان يحمي ذماره وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا قدى السير يحمي الأنف أن يتأخرا رمته المنايا قصدها فتقطرا (2)
    ثم قال : إن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها لفعلت (3)
    ومر بعبد الله بن بديل وهو بآخر رمق من حياته الأسود بن طهمان الخزاعي فقال له : عز علي والله مصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ، ولو رأيت الذي أشعرك لأحببت أن لا أزايله ولا يزايلني حتى أقتله أو يلحقني بك. ثم نزل إليه فقال : رحمك الله يا عبد الله ؟ إن كان جارك ليأمن بوائقك ، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرا ، أوصني رحمك الله. قال : أوصيك بتقوى الله وأن تناصح أمير المؤمنين وتقاتل معه حتى يظهر الحق أو تلحق بالله ، وأبلغ أمير المؤمنين عني السلام وقل له : قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك ، فإنه من أصبح والمعركة خلف ظهره كان الغالب. ثم لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي عليه السلام فأخبره فقال : رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في المماة. (4)
    وينم عن عظمة عبد الله بن بديل بين الصحابة العلوية قول ابن عدي بن حاتم رضوان الله عليه يوم صفين
أبعد عمار وبعد هاشم نرجوا البقاء مثل حلم الحالم وابن بديل فارس الملاحم وقد عضضنا أمس بالاباهم

1 ـ هو حاتم الطائي من قصيدة في ديوانه ص 121 ولم يرو فيه البيت الثالث.
2 ـ تقطر : سقط صريعا.
3 ـ كتاب صفين لابن مزاحم ص 126 ، شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 486.
4 ـ كتاب صفين لابن مزاحم ص 243 ط ايران و 520 ط مصر ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 299.


(366)
    وقول سليم ( سليمان ) بن صرد الخزاعي يوم صفين :
يالك يوما كاسفا عصبصبا يا أيها الحي الذي تذبذبا لأن فينا بطلا مجربا أمسى علي عندنا محببا يالك يوما لا يواري كوكبا لسنا نخاف ذا ظليم حوشبا ابن بديل كالهزبر مغضبا نفديه بالأم ولا نبقي أبا
    وقول الشني في أبيات له :
فإن يك أهل الشام أودوا بهاشم وبابني بديل فارسي كل بهمة وأودوا بعمار وأبقوا لنا ثكلا وغيث خزاعي به ندفع المحلا (1)
    وأما أبو المترجم علي بن رزين فكان من شعراء عصره ، ترجمه المرزباني في معجم الشعراء 1 ص 283 ، وجده رزين كان مولى عبد الله بن خلف الخزاعي أبي طلحة الطلحات كما ذكره ابن قتيبة في الشعر والشعراء.
    وعم المترجم عبد الله بن رزين ، أحد الشعراء كما ذكرة ابن رشيق في العمدة .
    وابن عمه أبو جعفر محمد أبو الشيص ابن عبد الله المذكور ، شاعر له ديوان عمله الصولي في مائة وخمسين ورقة ، توجد ترجمته في البيان والتبيين 3 ص 83 ، الشعر والشعراء ص 346 ، الأغاني 15 ص 108 ، فوات الوفيات 2 ص 25. وغيرها. و ترجمه ابن المعتز في طبقاته ص 26 ـ 33 وذكر له قصايد طويلة غير أنه عكس في إسمه و إسم أبيه وذكره بعنوان : عبد الله بن محمد. والصحيح : محمد بن عبد الله. وعبد الله بن أبي الشيص المذكور ، شاعر له ديوان في نحو سبعين ورقة ، وذكره أبو الفرج في الأغاني 15 ص 108 وقال : إنه شاعر صالح الشعر وكان منقطعا إلى محمد بن طالب فأخذ منه جامع شعر أبيه ومن جهته خرج إلى الناس. وترجمه ابن المعتز في طبقاته ص 173.
    ( أبو الحسن علي أخو دعبل )
    كان شاعرا له ديوان شعر نحو خمسين ورقة كما في فهرست ابن النديم ، سافر مع أخيه المترجم إلى أبي الحسن الرضا سلام الله عليه سنة 198 وحظيا بحضرته الشريفة مدة طويلة ، قال أبو الحسن علي هذا : رحلنا أنا ودعبل سنة 198 إلى سيدي أبي الحسن
1 ـ البهمة بالضم : الجيش. المحل : الخديعة والكيد. الشدة. الجدب.

(367)
علي بن موسى الرضا فأقمنا عنده إلى آخر سنة مأتين وخرجنا إلى قم بعد أن خلع سيدي أبو الحسن الرضا على أخي دعبل قميصا خزا أخضر وخاتما فصه عقيق ، ودفع إليه دراهم رضوية وقال له : يا دعبل ؟ صر إلى قم فإنك تفيد بها. فقال له : احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة (1) ولد سنة 172 وتوفي 283.
    وخلف أبا القاسم إسماعيل بن علي الشهير بالدعبلي المولود 257 ، يروي كثيرا عن والده أبي الحسن كان مقامه بواسط وولي الحسبة (2) بها له كتاب تاريخ الأئمة. و كتاب النكاح.
    ( رزين أخو دعبل )
    وأخوه هذا أحد شعراء هذا البيت ولدعبل فيه أبيات في تاريخ ابن عساكر 5 ص 139 وقال الأزدي : وخرج إبراهيم بن العباس ودعبل ورزين إبني علي رجالة إلى بعض البساتين ( أو : إلى زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلام كما في رواية العيون ) فلقوا جماعة من أهل السواد من حمال الشوك فأعطوهم شيئا وركبوا حميرهم فقال إبراهيم :
أعيدت بعد حمل الشوك لا من الخمرة أحمالا من الخزف نشاوى بل من شدة الضعف
    ثم قال لرزين : أجزها. فقال :
فلو كنتم على ذاك تساوت حالكم فيه تصيرون إلى القصف ولا تبقوا على الخسف
    ثم قالا لدعبل : أجزيا أبا علي ؟ فقال :
فإذ فات الذي فات وخفوا نقصف اليوم فكونوا من ذوي الظرف فإني بايع خفي
بدايع البداية 2 ص 210

1 ـ فهرست النجاشي ص 197 ، أمالي الشيخ ص 229.
2 ـ يأتي كلامنا في الحسبة في الجزء الرابع عند ترجمة ابن الحجاج البغدادي.


(368)
    أما المترجم
    فهو دعبل (1) يكنى أبا علي عند الجميع وعن ابن أيوب (2) أبو جعفر. وفي الأغاني عن ابن أيوب : إن اسمه محمد ، وفي تاريخ الخطيب 8 ص 383 : زعم أحمد بن القاسم : إن اسمه الحسن ، وقال ابن أخيه إسماعيل : إسمه عبد الرحمن. وقال غيرهما : محمد. وعن إسماعيل : إنما لقبته دايته بدعبل لدعابة كانت فيه فأرادت ذعبلا فقلبت الذال دالا.
    يقال : أصله كوفي كما في كثير من المعاجم ، وقيل : من قرقيسا. وكان أكثر مقامه ببغداد وخرج منها هاربا من المعتصم لما هجاه وعاد إليها بعد ذلك وجول في الآفاق فدخل البصرة ودمشق ومصر على عهد المطلب بن عبد الله بن مالك المصري وولاه أسوان فلما بلغ هجاؤه إياه عزله فأنفذ إليه كتاب العزل مع مولى له وقال : انتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة فإذا علاه فأوصل الكتاب إليه وأمنعه من الخطبة وأنزله عن المنبر وأصعد مكانه. فلما أن علا المنبر وتنحنح ليخطب ناوله الكتاب فقال له دعبل : دعني أخطب فإذا نزلت قرأته قال : لا ، قد أمرني أن أمنعك الخطبة حتى تقرأه. فقرأه وأنزله عن المنبر معزولا وخرج منها إلى المغرب إلى بني الأغلب.
( الأغاني 18 ص 48 )
    سافر إلى الحجاز مع أخيه رزين ، والي الري وخراسان مع أخيه علي ، وقال أبو الفرج (3) : كان دعبل يخرج فيغيب سنين يدور الدنيا كلها ويرجع وقد أفاد و أثرى ، وكانت الشراة والصعاليك يلقونه لا يؤذونه ويؤاكلونه ويشاربونه ويبرونه وكان إذا لقيهم وضع طعامه وشرابه ودعاهم إليه ، ودعا بغلاميه : ثقيف وشعف. وكانا مغنيين فأقعدهما يغنيان ، وسقاهم وشرب معهم ، وأنشدهم فكانوا قد عرفوه و ألفوه لكثرة أسفاره وكانوا يواصلونه ويصلونه ، وأنشد دعبل لنفسه في بعض أسفاره :
حللت محلا يقصر البرق دونه ويعجز عنه الطيف أن يتجشما

1 ـ الدعبل : الناقة التي معها ولدها. البعير المسن. الشيئ القديم ( الأغاني ).
2 ـ في الأغاني. ومعاهد التنصيص. ونهاية الإرب.
3 ـ في الأغاني 18 ص 36.


(369)
    وقال ابن المعتز في طبقاته ص 125 : وكان يجتاز بقم فيقيم عند شيعتها فيقسطون له في كل سنة خمسة ألف درهم.
    يقع البحث في ترجمته من نواحي أربع.
    1 ـ تهالكه في ولاء أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم.
    2 ـ نبوغه في الشعر والأدب والتاريخ وتآليفه.
    3 ـ روايته للحديث والرواة عنه ومن يروى هو عنه.
    4 ـ سيره مع الخلفاء. ثم ملحه ونوادره ثم ولادته ووفاته.
    ( أما الأولى ) فجلية الحال فيها غنية عن البرهنة عليها فما ظنك برجل كان يسمع منه وهو يقول : أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحدا يصلبني عليها. وقيل للوزير محمد بن عبد الملك الزيات : لم لا تجيب دعبلا عن قصيدته التي هجاك فيها ؟! قال : إن دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلثين سنة وهو لا يبالي (1).
    كل ذلك من جراء ما كان ينافح ويناطح ويناضل وينازل في الذب عن البيت النبوي الطاهر ، والتجاهر بموالاتهم ، والوقيعة في مناوئيهم ، لا يقر به قرار ، فلا يقله مأمن ولا يظله سقف منتجع ، وما زالت تتقاذف به أجواز الفلا فرقا من خلفاء الوقت ، وأعداء العترة الطاهرة ، ومع ذلك كله فقصائده السائرة تلهج بها الركبان ، وتزدان بها الأندية ، وهي مسرات للموالين ، ومحفظات للأعداء ، ومثيرات للعهن والضغاين حتى قتل على ذلك شهيدا.
    وما ينقم من المترجم له من التوغل في الهجاء في غير واحد من المعاجم فإن نوع ذلك الهجو والسباب المقذغ فيمن حسبهم أعداء للعترة الطاهرة وغاصبي مناصبهم ، فكان يتقرب به إلى الله وهو من المقربات إليه سبحانه زلفى ، وإن الولاية لا تكون خالصة إلا بالبرائة ممن يضادها ويعاندها كما تبرأ الله ورسوله من المشركين ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، غير أن أكثر أرباب المعاجم من الفئة المتحيزة إلى أعداء هذا البيت الطاهر حسبوا ذلك منه ذنبا لا يغفر كما هو عادتهم في جل رجالات الشيعة.
1 ـ طبقات الشعراء لابن المعتز ص 125.

(370)
    ( أما نبوغه في الأدب ) فأي برهنة له أوضح من شعره السائر ؟! الذي تلهج به الألسن ، وتتضمنه طيات الكتب ، ويستشهد به في إثبات معاني الألفاظ ومواد اللغة ، ويهتف به في مجتمعات الشيعة آناء الليل وأطراف النهار ، ذلك الشعر السهل الممتنع الذي يحسب السامع لأول وهلة أنه يأتي بمثيله ثم لما خاض غماره ، وطفق يرسب ويطف بين أواذيه ، علم أنه قصير الباع ، قصير الخطا ، قصير المقدرة عن أن يأتي بما يدانيه فضلا عما يساويه.
    كان محمد بن القاسم بن مهرويه يقول : سمعت أبي يقول : ختم الشعر بدعبل. و قال البحتري : دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم بن الوليد فقيل له : كيف ذلك ؟! قال : لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم ، ومذهبه أشبه بمذاهبهم وكان يتعصب له (1).
    وعن عمرو بن مسعدة قال : حضرت أبا دلف عند المأمون وقد قال له المأمون أبي شيء تروي لأخي خزاعة يا قاسم ؟! فقال : وأي أخي خزاعة يا أمير المؤمنين ؟! قال : و من تعرف فيهم شاعرا ؟! فقال : أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وداود بن أبي رزين ، وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله. فقال : ومن عسى في هؤلاء أن يسئل عن شعره سوى دعبل ؟! هات أي شيء عندك فيه. وقال الجاحظ : سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعرا (2) ولما أنشد دعبل أبا نواس شعره :
أين الشباب ؟! وأية سلكا ؟! لا تعجبي يا سلم من رجل لا أين يطلب ؟! ضل بل هلكا ضحك المشيب برأسه فبكى
    فقال : أحسنت ملاء فيك وأسماعنا. قال محمد بن يزيد : كان دعبل والله فصيحا (3) وهناك كلمات ضافة حول أدبه والثناء عليه لا يهمنا ذكرها.
    أخذ الأدب عن صريع الغواني مسلم بن الوليد (4) واستقى من بحره وقال : ما زلت
1 ـ الأغاني 18 ص 18 ، 37.
2 ـ الأغاني 18 ص 44.
3 ـ تاريخي ابن خلكان وابن عساكر.
4 ـ كان شاعرا متصرفا في فنون القول حسن الأسلوب أستاذ الفن : ويقال : إنه أول من قال الشعر المعروف بالبديع ووسعه وتبعه فيه أبو تمام وغيره توفي بجرجان سنة 208.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس