كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 351 ـ 360
(351)
ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت إلى أحد بعد وأمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إلى الخادم ، فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم إشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال اعتقدته (1)
    قال ابن مهرويه : وحدثني حذيفة بن محمد : أن دعبلا قال له : إنه استوهب من الرضا عليه السلام ثوبا قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياها وبلغ أهل قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا وقالوا له : إن شئت أن تأخذ المال فافعل وإلا فأنت أعلم. فقال لهم : إني والله لا أعطيكم إياها طوعا ولا تنفعكم غصبا وأشكوكم إلى الرضا عليه السلام فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين ألف الدرهم وفرد كم من بطانتها ، فرضي بذلك فأعطوه فردكم فكان في أكفاته وكتب قصيدته :
مدارس آيات خلت من تلاوة ..........
    فيما يقال على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في أكفانه (2)
    وروى في ص 39 عن دعبل قال : لما هربت من الخليفة بت ليلة بنيسابور وحدي وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد الله بن طاهر في تلك الليلة فإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود علي : السلام عليكم ورحمة الله انج يرحمك الله. فاقشعر بدني من ذلك ونالني أمر عظيم فقال لي : لا ترع عافاك الله فإني رجل من إخوانك من الجن من ساكني اليمن طرء إلينا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
    فأحببت أن أسمعها منك. قال فأنشدته إياها فبكى حتى خر ، ثم قال : رحمك الله ألا أحدثك حديثا يزيد في نيتك ويعينك على التمسك بمذهبك ؟! قلت : بلى. قال مكثت حينا أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه السلام فصرت إلى المدينة فسمعته يقول : حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : علي وشيعته هم الفائزون. ثم ودعني لينصرف فقلت له : يرحمك الله إن رأيت أن تخبرني باسمك فافعل. قال : أنا ظبيان
1 ـ في معاهد التنصيص 1 ص 205 ، عيون أخبار الرضا ص 280.
2 ـ وذكر في معجم الأدباء 4 ص 196 ، ومعاهد التنصيص 1 ص 205 ، وعصر المأمون 3.


(352)
بن عامر (1).
    2 ـ قال أبو إسحاق القيرواني الحصري المتوفى سنة 413 في زهر الآداب 1 ص 86 : كان دعبل مداحا لأهل البيت عليهم السلام كثير التعصب لهم والغلو فيهم وله المرثية المشهورة وهي من جيد شعره وأولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة لآل رسول الله بالخيف من منى ديار علي والحسين وجعفر قفا نسـأل الدار التي خف أهلها وأين الأولى شطت بهم غربة النوى أحب قـصي الدار من أجل حبهم ومنزل وحي مقفر العرصات وبالبيت والتعريف والجمرات وحمزة والسجاد ذي الثفنات متى عهدها بالصوم والصلوات ؟! أفانين في الآفاق مفترقات ؟! وأهجر فيهم أسرتي وثقاتي
    3 ـ قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه 5 ص 234 : ثم إن المأمون لما ثبتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه أقبل بجمع الآثار في فضايل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل :
مدارس آيات خلت من تلاوة لآل رسول الله بالخيف من منى ومنزل وحي مقفر العرصات وبالبيت والتعريف والجمرات
    فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل (2) فقال له : أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها فإني أعرفها وقد رويتها إلا أني أحب أن أسمعها من فيك. قال : فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع :
ألم تر أني مذ ثلاثين حجة أرى فيئهم في غيرهم متقسما فآل رسول الله نحف جسومهم بنات زياد في الخدور مصونة أروح وأغدو دائم الحسرات وأيديهم من فيئهم صفرات وآل زياد غلظ القـصرات وبنت رسول الله في الفلوات

1 ـ وذكره صاحب معاهد التنصيص 1 ص 205.
2 ـ ومن هنا يوجد في الأغاني 18 ص 58 ، وزهر الآداب 1 ص 86 ، ومعاهد التنصيص 1 ص 205 ، والإتحاف 165.


(353)
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم فلو لا الذي أرجوه في يوم أوغد أكفا عن الأوتار منقبضات تقـطع نفسي إثرهم حسرات
    فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته وجرت دموعه على نحره ، وكان دعبل أول داخل عليه وآخر خارج من عنده.
    4 ـ قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء 4 ص 6 19 : قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر ، وأسنى المدايح قصد بها علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان [ وذكر حديث البردة وقصتها المذكورة ثم قال : ] ويقال : إنه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه ، ونسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن (1) أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة وإنا موردون ما صح منها :
مدارس آيات خلت من تلاوة لآل رسول الله بالخيف من منى ديار علي والحسين وجعفر ديار عفاها كل جون مبادر قفا نسـأل الدار التي خف أهلها وأين الأولى شطت بهم غربة النوى هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا وما الناس إلا حاسد ومكذب إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر قبور بكوفان وأخرى بطيبة وقبر ببغداد لنفس زكية فأما المصمات التي لست بالغا إلى الحشر حتى يبعث الله قائما نفوس لدى النهرين من أرض كربلا ومنزل وحي مقفر العرصات وبالركن والتعريف والجمرات وحمزة والسجاد ذي الثفنات ولم تعف للأيام والسنوات متى عهدها بالصوم والصلوات ؟! أفانين في الآفاق مفترقات ؟! وهم خير قادات وخير حماة ومضطغن ذو إحنة وترات ويوم حنين أسبلوا العبرات وأخرى بفخ نالها صلواتي تضمنها الرحمن في الغرفات مبالغها مني بكنه صفات يفرج منها الهم والكربات معرسهم فيها بشـط فرات

1 ـ يأتي في آخر ما يتبع الشعر : إن هذا الظن إثم ولا يغني من الحق شيئا.

(354)
تقسمهم ريب الزمان كما ترى سوى أن منهم بالمدينة عصبة قليلة زوار سوى بعض زور لهم كل حين نومة بمضاجع وقد كان منهم بالحجاز وأهلها تنكب لأواء السنين جوارهم إذا وردوا خيلا تشمس بالقنا وإن فخروا يوما أتوا بمحمد ملامك في أهل النبي فإنهم تخيرتهم رشـدا لامري فإنهم فيا رب زدني من يقيني بصيرة بنفسي أنتم من كهول وفتية أحب قصي الرحم من أجل حبكم وأكتم حبكم مخافة كاشح لقد حفت الأيام حولي بشرها ألم تر إني مذ ثلاثين حجة أرى فيئهم في غيرهم متقسما فآل رسول الله نحف جسومهم بنات زياد في القصور مصونة إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد خروج إمام لا محالة خارج يميز فينا كل حق وباطل سأقـصر نفسي جاهدا عن جدالهم لهم عقرة مغشية الحجرات مدى الدهر أضناه من الأزمات من الضبع والعقبان والرخمات لهم في نواحي الأرض مختلفات مغاوير يختارون في السروات فلا تصطليهم جمرة الجمرات مساعر جمر الموت والغمرات وجبريل والفرقان ذي السورات أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي على كل حال خيرة الخيرات وزد حبهم يا رب في حسناتي لفك عناة أو لحمل ديات وأهجر فيكم أسرتي وبناتي عتيد لأهل الحق غير موات وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي أروح وأغدو دائم الحسرات؟! وأيديهم من فيئهم صفرات وآل زياد حفل القصرات (1) وآل رسول الله في الفلوات أكفا من الأوتار منقبضات لقطع قلبي إثرهم حسراتي يقوم على اسم الله والبركات ويجزي على النعماء والنقمات كفاني ما ألقى من العبرات

1 ـ الحفل من الحافل : الممتلئ. القصرات جمع قصرة : أصل العنق.

(355)
فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري فإن قرب الرحمن من تلك مدتي شفيت ولم أترك لنفسي رزية أحاول نقل الشمس من مستقرها فمن عارف لم ينتفع ومعاند قصاراي منهم أن أموت بغصة كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها فغير بعيد كل ما هو آت وأخر من عمري لطول حياتي ورويت منهم منصلي وقناتي وأسمع أحجارا من الصلدات يميل مع الأهواء والشبهات تردد بين الصدر واللهوات لما ضمنت من شدة الزفرات
    5 ـ أخرج شيخ الاسلام أبو إسحاق الحموي ( المترجم له ج 1 ص 123 ) عن أحمد بن زياد عن دعبل الخزاعي قال : أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا رضي الله عنه :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات
    قال لي الرضا : أفلا الحق البيتين بقصيدتك ؟! قلت : بلى يا بن رسول الله ؟ فقال :
وقبر بطوس يا لها من مصيبة إلى الحشر حتى يبعث الله قائما ألحت بها الأحشاء بالزفرات يفرج عنا الهم والكربات (1)
قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة واقع يقوم على اسم الله والبركات
    بكى الرضا بكاء شديدا ثم قال : يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام ؟! قلت : لا إلا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا. فقال : إن الإمام بعدي إبني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم ، وهو المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت جورا وظلما ، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت لقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة. ويأتي هذا الحديث عن الشبراوي أيضا.
    6 ـ قال أبو سالم ابن طلحة الشافعي المتوفى 652 في مطالب السئول ص
1 ـ ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل :
وقبر ببغداد لنفس زكية تضمنها الرحمان في الغرفات

(356)
85 قال دعبل : لما قلت : مدارس آيات. قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان ولي عهد المأمون فأحضرني المأمون وسألني عن خبري ثم قال لي : يا دعبل ؟ أنشدني ـ مدارس آيات خلت من تلاوة ـ فقلت : ما أعرفها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ؟ فلم يكن إلا ساعة حتى حضر فقال له : يا أبا الحسن ؟ سألت دعبلا من ـ مدارس آيات خلت من تلاوة ـ فذكر إنه لا يعرفها. فقال لي أبو الحسن : يا دعبل ؟ أنشد أمير المؤمنين ؟ فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها فأمرني بخمسين ألف درهم. وأمر لي أبو الحسن الرضا بقريب من ذلك فقلت : يا سيدي ؟ إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني. فقال : نعم. ثم دفع لي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة ، وقال لي : إحفظ هذا تحرس به. ثم دفع ذو الرياستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني ، وكنت أسايره في يوم مطير وعليه ممطر خز وبرنس فأمر لي به ودعا بغيره جديد ولبسه وقال : إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين. قال : فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه ، ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا فكان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر شديد متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرياستين وعليه الممطر ووقف بالقرب مني ليجتمع إليه أصحابه وهو ينشد ـ مدارس آيات خلت من تلاوة ـ ويبكي فلما رأيت ذلك عجبت من لص من الأكراد يتشيع ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت : يا سيدي. لمن هذه القصيدة ؟! فقال : وما أنت وذلك ؟! ويلك. فقلت : لي فيه سبب أخبرك به. فقال : هي أشهر بصاحبها من أن تجهل. فقلت : من ؟! قال : دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا. قلت له : يا سيدي فأنا والله دعبل وهذه قصيدتي. الحديث.
    وقال ص 86 بعد ذكر الحديث ما لفظه : فانظر إلى هذه المنقبة وما أعلاها و ما أشرفها وقد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب ويقرأه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة ب‍ مدارس آيات ـ ويشتهي الوقوف


(357)
عليها وينسبني في إعراضي عن ذكرها إما أنني لم أعرفها ، أو : أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس وأن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلى بعض الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك وهي :
ذكرت محل الربع من عرفات وفل عرى صبري وهاج صبابتي مدارس آيات خلت من تلاوة لآل رسول الله بالخيف من منى ديار علي والحسين وجعفر ديار عفاها جور كل منابذ ودار لعبد الله والفضل صنوه منازل كانت للصلاة وللتقى منازل جبريل الأمين يحلها منازل وحي الله معدن علمه منازل وحي الله ينزل حولها فأين الأولى شطت بهم غربة النوي هم آل ميراث النبي إذا انتموا مطاعيم في الاعسار في كل مشهد إذا لم نناج الله في صلواتنا أئمة عدل يقتدى بفعالهم فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة ديار رسول الله أصبحن بلقعا وآل رسول الله غلت رقابهم وأرسلت دمع العين بالعبرات رسوم ديار أقفرت وعرات ومهبط وحي مقفر العرصات وبالبيت والتعريف والجمرات وحمزة والسجاد ذي الثفنات (1) ولم تعف بالأيام والسنوات سليل رسول الله ذي الدعوات وللصوم والتطهير والحسنات من الله بالتسليم والزكوات سبيل رشاد واضـح الطرقات على أحمد الروحات والغدواة أفانين في الأقطار مفترقات ؟! وهم خيرات سادات وخير حماة لقد شرفوا بالفضل والبركات بذكرهم لم يقبل الصلوات وتؤمن منهم زلة العثرات وزد حبهم يا رب في حسناتي ودار زياد أصبحت عمرات وآل زياد غلظ القـصرات

1 ـ ذكر الثعالبي في ثمار القلوب ص 233 بيتين من القصيدة أحدهما : مدارس آيات. والثاني هذا البيت وقال : ( ذو الثفنات ) كان يقال لكل من علي بن الحسين بن علي ( ع ) وعلي بن عبد الله بن عباس : ذو الثفنات. لما على أعضاء السجود منهما من السجدات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك لكثرة صلاتهما.

(358)
وآل رسول الله تدمى نحورهم وآل رسول الله تسبى حريمهم وآل زياد في القصور مصونة فيا وارثي علم النبي وآله لقد آمنت نفسي بكم في حياتها وآل زياد زينوا الحجلات وآل زياد آمنوا السريات وآل رسول الله في الفلوات عليكم سلام دائم النفحات وإني لأرجو الأمن من بعد مماتي
    7 ـ ذكر شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته ص 130 من القصيدة 29 بيتا وفيها ما لم يذكره الحموي في معجم الأدباء وذكرت في هامش التذكرة القصيدة من أولها إلى ـ مدارس آيات ـ.
    8 ـ ذكر صلاح الدين الصفدي المتوفى 764 في الوافي بالوفيات 1 ص 156. طريق رواية القصيدة عن عبيد الله (1) بن جخجخ النحوي عن محمد بن جعفر بن لنكك أبي الحسن البصري النحوي عن أبي الحسين العباداني عن أخيه عن دعبل. وهذا الطريق ذكره جلال الدين السيوطي في بغية الوعاة ص 94.
    9 ـ روى الشبراوي الشافعي المتوفى 1172 في الإتحاف ص 165 عن الهروي قال : سمعت دعبلا يقول : لما أنشدت مولاي الرضا قصيدتي التي أولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومهبط وحي مقفر العرصات
     فلما انتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة خارج يميز فينا كل حق وباطل يقوم على اسم الله والبركات ويجزي على النعماء والنقمات
    بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام ؟! ومتى يقوم ؟! فقلت : لا يا سيدي ؟ إلا أني سمعت بخروج إمام منكم ( إلى آخر ما مر عن الحموي ) (2)
    وفي الإتحاف ص 161 : نقل الطبري في كتابه عن أبي الصلت الهروي قال : دخل الخزاعي على علي بن موسى الرضا بمرو فقال : يا بن رسول الله ؟ إني قلت فيكم
1 ـ قال ياقوت الحموي : كان ثقة صحيح الكتابة.
2 ـ وذكره الصدوق في العيون. 370 ، والأمالي 210 ، والطبرسي في أعلام الورى 192.


(359)
أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك وأحب أن تسمعها مني فقال له علي الرضا : هات قل. فأنشأ يقول :
ذكرت محل الربع من عرفات وفل عرى صبري وهاجت صبابتي مدارس آيات خلت من تلاوة لآل رسول الله بالخيف من منى ديار علي والحسين وجعفر ديار لعبد الله والفضـل صنوه منازل كانت للصلاة وللتقى منازل جبريل الأمين يحلها منازل وحي الله معدن علمه قفا نسأل الدار التي خف أهلها وأين الأولى شطت بهم غربة النوى أحب قضاء الله من أجل حبهم هم أهل ميراث النبي إذا انتموا مطاعيم في الاعسار في كل مشهد أئمة عدل يقتدى بفعالهم فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة لقد آمنت نفسي بهم في حياتها ألم تراني مذ ثلاثين حجة أرى فيئهم في غيرهم متقسما إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم وآل رسول الله نحف جسومهم سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق وما طلعت شمس وحان غروبها فأجريت دمع العين بالعبرات رسوم ديار أقفرت وعرات ومهبط وحي مقفر العرصات وبالبيت والتعريف والجمرات وحمزة والسجاد ذو الثفنات نجي رسول الله في الخلوات وللصوم والتطهير والحسنات من الله بالتعليم والرحمات سبيل رشاد واضـح الطرقات متى عهدها بالصوم والصلوات فأمسين في الأقطار مفترقات ؟! وأهجر فيهم أسرتي وثقاتي وهم خير سادات وخير حماة لقد شرفوا بالفضـل والبركات وتؤمن منهم زلة العثرات وزد حبهم يا رب في حسناتي وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي أروح وأغدو دائم الحسرات ؟! وأيديهم من فيئهم صفرات أكفا عن الأوتار منقبضات وآل زياد أغلظ القصرات ونادى منادي الخير بالصلوات وبالليل أبكيهم وبالغدوات


(360)
ديار رسول الله أصبحن بلقعا وآل زياد في القصور مصونة فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد خروج إمام لا محالة خارج يميز فينا كل حسن وباطل فيا نفس طيبي ثم يا نفس فاصبري وآل زياد تسكن الحجرات وآل رسول الله في الفلوات تقـطع نفسي إثرهم حسراتي يقوم على اسم الله بالبركات ويجزي عن النعماء والنقمات فغير بعيد كل ما هو آت
    وهي قصيدة طويلة عدة أبياتها مائة وعشرون بيتا. ولما فرغ دعبل من إنشادها نهض أبو الحسن الرضا وقال : لا تبرح. فأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار واعتذر إليه. فردها دعبل وقال : والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غني فإن رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرك فهو أحب إلي. فأعطاه الرضا جبة خز عليه الصرة وقال للغلام : قل له : خذها ولا تردها فإنك ستصرفها أحوج ما تكون إليها. فأخذها وأخذ الجبة. [ إلى آخر حديث اللصوص المذكور ].
    10 ـ ذكر الشبلنجي في نور الأبصار ص 153 ما مر عن الشبراوي برمته حرفيا.
    ( أما أعلام الطايفة )
    فقد ذكر القصيدة وقصة الجبة واللصوص جمع كثير لا نطيل المقال بذكر كلماتهم بل نقتصر منها على ما لم يذكر في الكلمات المذكورة. روى شيخنا الصدوق في العيون 368 و الأمالي 211 عن الهروي قال : دخل دعبل على أبي الحسن الرضا عليه السلام بمرو فقال له : يا بن رسول الله ؟ إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال عليه السلام : هاتها. فأنشده فلما بلغ إلى قوله :
أرى فيئهم في غيرهم متقسما وأيديهم من فيئهم صفرات
    بكى أبو الحسن عليه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي ؟ فلما بلغ إلى قوله :
إذا وتروا مدوا إلي واتريهم أكفا عن الأوتار منقبضات
    جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات : فلما بلغ إلى قوله :
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها وإني لأرجو الأمن من بعد وفاتي
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس