كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: 1 ـ 10
(1)
الجزء الرابع
بقية شعراء الغدير في القرن
الرابع وشعراءه في القرن الخامس شطر من
السادس وهم واحد وثلاثون شاعرا
والله المستعان


(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله على ما عرفنا من نفسه ، وألهمنا من شكره ، وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيته ، ودلنا عليه من الاخلاص في توحيده ، وجنبنا من الالحاد والنفاق والشقاق والشك في أمره ، ومن علينا بسيد رسله صلى الله عليه وآله ، و أكرمنا بالثقلين خليفتي نبيه : كتاب الله العزيز. والعترة الطاهرة سلام الله عليهم ، وأسعد حظنا بتواصل أشواطنا في السعي وراء صالح المجتمع ، ووفقنا للسير في سبيل الخدمة للملأ وفي مقدمهم رواد العلم والفضيلة ، وأثبت أقدامنا في جدد الحق والحقيقة ، وتعالى في تلك الجدة جدنا ، وتوالت بسعد الجد صحائف أعمالنا وآثار يراعنا ، ونحن نستثبت في الأمر ولا نتفوه إلا بثبت ، والله ولي التوفيق ، وهو نعم المولى ونعم النصير.
عبد الحسين أحمد
الأميني


(3)
بقية شعراء الغدير
في القرن الرابع
22
أبو الفتح كشاجم
المتوفى 360
له شغل عن سؤال الطلل فما ضمنته لحاظ الظبا ولا تستفز حجاه الخدود كفاه كفاه فلا تعذلاه طوى الغي مشتعلا في ذراه له في البكاء على الطاهرين فكم فيهم من هلال هوى هم حجج الله في خلقه ومن أنزل الله تفضيلهم فجدهم خاتم الأنبياء ووالدهم سيد الأوصياء ومن علم السمر طعن الحلي ولو زالت الأرض يوم الهياج ومن صد عن وجه دنياهم وكان إذا ما أضيفوا إليه سماء أضيف إليها الحضيض أقام الخليط به ؟ أم رحل ؟ تطالعه من سجوف الكلل بمصفرة واحمرار الخجل كر الجديدين كر العذل فتطفى الصبابة لما اشتغل مندوحة عن بكاء الغزل قبيل التمام وبدر أفل ويوم المعاد على من خذل فرد على الله ما قد نزل ويعرف ذاك جميع الملل ومعطي الفقير ومردي البطل لدى الروع والبيض ضرب القلل من تحت أخمصه (1) لم يزل وقد لبست حليها والحلل فأرفعهم رتبة في المثل وبحر قرنت إليه الوشل (2)

1 ـ أخمص القدم : ما لا يصيب الأرض من باطنها ، ويراد به القدم كلها.
2 ـ الوشل كما مر : الماء القليل يتحلب من صخر أو جبل.


(4)
بجود تعلم منه السحاب وكم شبهة بهداه جلا وكم أطفأ الله نار الضلال ومن رد خالقنا شمسه ولو لم تعد كان في رأيه ومن ضرب الناس بالمرهفات وقد علموا أن يوم الغدير فيا معشر الظالمين الذين وحلم تولد منه الجبل وكم خطة بحجاه فصل به وهي ترمي الهدى بالشعل عليه وقد جنحت للطفل (1) وفي وجهه من سناها بدل على الدين ضرب عراب الإبل بغدرهم جر يوم الجمل أذاقوا النبي مضيض الثكل
إلى أن قال :
يخالفكم فيه نص الكتاب نبذتم وصيته بالعراء وما نص في ذاك خير الرسل وقلتم عليه الذي لم يقل
    إلى آخر قصيدته الموجودة في نسخ ديوانه المخطوط 47 بيتا وقد أسقط ناشر ديوانه من القصيدة ما يخالف مذهبه وليست هذه بأول يد حرفت الكلم عن مواضعها.
( الشاعر )
    أبو الفتح محمود بن محمد بن الحسين بن سندي بن شاهك الرملي (2) المعروف بكشاجم. هو نابغة من رجالات الأمة ، وفذ من أفذاذها ، وأوحدي من نياقدها ، كان لا يجارى ولا يبارى ، ولا يساجل ولا يناضل ، فكان شاعرا كاتبا متكلما منجما منطقيا محدثا ، ومن نطس الأواسي محققا مدققا مجادلا جوادا.
    فهو جماع الفضايل وإنما لقب نفسه بكشاجم إشارة بكل حرف منها إلى علم فبالكاف إلى أنه كاتب ، وبالشين إلى أنه شاعر ، وبالألف إلى أدبه أو إنشاده ، و بالجيم إلى نبوغه في الجدل أو جوده ، وبالميم إلى أنه متكلم أو منطقي أو منجم ، و لما ولع في الطلب وبرع فيه زاد على ذلك حرف الطاء فقيل : طكشاجم. إلا أنه
1 ـ طفلت الشمس : دنت للغروب. مر حديث رد الشمس في الجزء الثالث 126 ـ 141.
2 ـ نسبة إلى الرملة من أرباض فلسطين.


(5)
لم يشتهر به ، هذا ما طفحت به المعاجم (1) في تحليل هذا اللقب على الخلاف الذي أوعزنا إليه في الإشارة ، لكن الرجل بارع في جميع ما ذكر من العلوم ولعله هو المنشأ للاختلاف في التحليل.

    أدبه وشعره
    إن المترجم قدوة في الأدب وأسوة في الشعر ، حتى أن الرفاء السري الشاعر المفلق على تقدمه في فنون الشعر والأدب كان مغرى بنسخ ديوانه ، وكان في طريقه يذهب ، وعلى قالبه يضرب (2) ولشهرته بهذا الجانب قال بعضهم :
يا بؤس من يمنى بدمع ساجم لولا تعلله (4) بكأس مدامة يهمى على حجب الفؤاد الواجم (3) ورسائل الصابي وشعر كشاجم (5)
    دوّن شعره أبو بكر محمد بن عبد الله الحمدوني ، ثم ألحق به زيادات أخذها من أبي الفرج ابن كشاجم.
    وشعره كما تطفح عنه شواهد تضلعه في اللغة والحديث ، وبراعته في فنون الأدب والكتاب والقريض ، كذلك يقيم له وزنا في الغرائز الكريمة النفسية ، ويمثله بملكاته الفاضلة كقوله :
شهرت نداي مناصب لي وسجية لي في المكارم متحيزا فيها معلى المج ولقد سننت من الكتابة وفضضت من عذر المعاني وشفعت مأثور الرواية ووصلت ذاك بهمة في ذرى كسرى صريحه إنني فيها شحيحه ـد مجتنبا منيحه للورى طرقا فسيحه الغر في اللغة الفصيحه بالبديع من القريحه في المجد سائبة طموحه

1 ـ راجع شذرات الذهب ج 3 ص 37 ، والشيعة وفنون الاسلام ص 108.
2 ـ تاريخ ابن خلكان ج 1 ص 218.
3 ـ يمنى : يبتلى ويصاب. يهمى : يسيل. الواجم : العبوس من شدة الحزن
4 ـ علل فلانا بكذا : شغله. أو : لهاه به.
5 ـ معجم الأدباء ج 1 ص 326.


(6)
عزيمة لا بالكليل كلتاهما لي صاحب ة في الخطوب ولا الطليحه في كل دامية جموحه
    ويحكي القارئ عن نبوغه وسرده المعاني الفخمة في أسلاك نظمه ، ورقة لطائفه ، وقوة أنظاره ، ودقة فكرته ، ومتانة رويته قوله :
لو بحق تناول النجم خلق أو ليس اللسان مني أمضى ويدي تحمل الأنامل منها أفعوانا تهاب منه الأعادي وتراه يجود من حيث تجري مطرقا يهلك العدو عقابا وسطور خططتها في كتاب صغت فيه من البيان حليا وقواف كأنهن عقود الدر غرر تظهر المسامع تيها ويحار الفهم الرقيق إذا ما ثاويات معي وفكري قد وإذا ما ألم خطب فرأسي وإذا شئت كان شعري أحلى حلف مشمولة وزير عوان إصطباحي تنفيذ أمر ونهي ووقور الندى ولا أخجل الشارب أنزع الكأس إن شربت وأسقيه ومعد للصيد منتخبات مضمرات كأنها الخيل تطوى رايقات الشباب مكتسبات نلت أعلى النجوم باستحقاق من ظبات المهندات الرقاق ؟ قلما ليس دمعه بالراقي حية يستعيذ منها الراقي منه تلك السموم بالدرياق ويريش الولي ذا الأخفاق مثل غيم السحابة الرقراق باختراع البعيد لا الاشفاق منظومة على الأعناق حين يسمعنها على الأحداق جال منهن في المعاني الرقاق سيرها في نوازح الآفاق فيه مثل الشهاب في الأعناق من حديث الفتيان والعشاق أسد في الحروب غير مطاق ومن الراح بالعشي اغتباقي منه ولا أذم الساقي دهاقا صحبي وغير دهاق من أصول كريمة الأعراق كل يوم بطونها للسباق حللا من صنيعة الخلاق


(7)
تصف البيض والجفون إذا ما وكأن المها إذا ما رأتها مع ندامي كأنهم والتصافي أخرجت ألسنا من الأشداق حذرت واستطامنت في وثاق خلقوا من تألف واتفاق
    والباحث يجد شاعرنا عند شعره معلما أخلاقيا فذا بعد ما يرى أمثلة خلايقه الكريمة ، ونفايس سجاياه ، وصدقه في ولاءه ، وقيامه بشؤون الانسانية نصب عينيه مهما وقف على مثل قوله :
ولدينا لذي المودة حفظ أتواخى رضاه جهدي فلما تلك أخلاقنا ونحن أناس ووفاء بالعهد والميثاق مسه الضر مسه إرفاقي همنا في مكارم الأخلاق
    وقوله :
أناس أعرضوا عنا أساؤا ظنهم فينا وخلونا ولو شاؤا فإن عادوا لنا عدنا وإن كانوا قد اشتغلوا بلا جرم ولا معنى فهلا أحسنوا الظنا لعادوا كالذي كنا وإن خانوا لما خُنّا فإنا عنهم أغنى
    وقوله من قصيدة يمدح بها ابن مقلة :
كم في من خلة لو أنها امتحنت وهمة في محل النجم موقعها وذلة أكسبتني عز مكرمة صاحبت سادات أقوام فما عثروا واستمتعوا بكفاياتي وكنت لهم خط يروق وألفاظ مهذبة لو أنني منهل منها أخا ظمأ وكم سننت رسوما غير مشكلة عمت فلا منشيء الديوان مكتفيا أدت إلى غبطة أو سدت الخله وعزمة لم تكن في الخطب منجله وربما يستفاد العز بالذله يوما على هفوة مني ولا زله أوفى من الدرع أو أمضى من الاله لا وعرة النظم بل مختاره سهله روت صداه فلم يحتج إلى غله كانت لمن أمها مسترشدا قبله منها ولم يغن عنها كاتب السله


(8)
وصاحبتني رجالات بذلت لها فأعمل الدهر في ختلي مكائده لكن قنعت فلم أرغب إلى أحد مالي فكان سماحي يقتضي بذله والدهر يعمل في أهل الهوى ختله والحر يحمل عن أخوانه كله
    وتراه متى ما أبعده الزمان عن أخلائه وحجبهم عنه ، عز عليه البين ، وعظمت عليه شقته ، وثقل عليه عبءه ، فجاء في شكواه يفزع ويجزع ، ويأن ويحن ، فيصور على قارئ شعره حنانه وحنينه ، ويمثل سجاح عينه لوعة وجده ، ولهب هواه بمثل قوله :
يا من لعين ذرفت منهلة عبرتها إن أمنت فاضت وإن وإنما بكاؤها ومن لروح تلفت كأنها قد طرفت (1) خافت رقيبا وقفت على ليال سلفت
    وقوله :
يا معرضا لا يلتفت برح هجرانك بي علقت قلبي بالمنى بمثل ليلي لا تبت حتى رثى لي من شمت فأحيه أو فأمت
    وبما كان [ كشاجم ] مجلوبا بالحنان ولين الجانب ، وسجاحة الخلايق ، و حسن الأدب ، مطبوعا بالعطف والرأفة ، مفطورا على عوامل الانسانية ، والغرائز الكريمة ، ولم يكن شريرا ، ولا ردئ النفس ، ولا بذي اللسان ، ولا مسارعا في الوقيعة في أحد ، كان يرى الشعر إحدى مآثره الجمة ، ويعده من فضايله ، وما كان يتخذه عدة للمدح ، ولا جنة في الهجاء ، وما يهمه التوجه إلى الجانبين ، لم ير لأي منهما وزنا ، لعدم تحريه التحامل على أحد ، وعدم اتخاذه مكسبا ليدر له أخلاف الرزق ، ولا آلة لدنياه وجمع حطامها ، وكان يقول :
ولئن شعرت لما قصد لكن وجدت الشعر لل ت هجاء شخص أو مديحه آداب ترجمة فصيحه

1 ـ طرفت عينه : أصابها شيئ فدمعت.

(9)
    هجاؤه
    أخرج القرن الرابع شعراء هجائين قد اتخذ كل واحد منهم طريقة خاصة من فنون الهجاء ، وكل فن مع هذه نوع فذ في الهجاء ، يظهر ميزه متى قرن بالآخر ومنهم مكثر ومنهم من استقل ، وشاعرنا من الفرقة الثانية ، وله فن خاص من الهجاء كان يختاره ويلتزم به في شعره.
    ولعلك تجده في فنه المختار مجلوب خلايقه الحسنة ، ونفسياته الكريمة ، وملكاته الفاضلة ، فكأنه قد خمرت بها فطرته ، ومزجت بها طينته ، أو جرت منه الدم ، واستولت على روحه ، وحكمت في كل جارحة منه ، حتى ظهرت آياتها في هجاؤه النادر الشاذ ، فيخيل إليك مهما يهجو أنه واعظ بار يخطب ، أو نصوح يودد و يعاتب ، أو مجادل دون حقه يجامل ، لا أنه يغمز ويعيب ، ويغيظ في الوقيعة ويناضل ، ويثور ويثأر لنفسه ، وتجده قد اتخذ الهجاء شكة دفاع له لا شكة هجوم ، وترى كل هجاؤه خليا عن لهجة حادة ، وسباب مقذع ، عاريا عن قبيح المقال وخبث الكلام ، بعيدا عن هتك مهجوه ، ونسبته إلى كل فاحشة ، وقذفه بكل سيئة ، غير مستبيح إيذاء مهجوه ، ولا مستحل حرمته ، ولا مجوز عليه الكذب والتهمة ، خلاف ما جرت العادة بين كثير من أدباء العصور المتقادمة ، فعليك النظر إلى قوله في بعض أبناء رؤساء عصره وقد أنفذ إليه كتابا فلم يجبه عنه :
ها قد كتبت فما رددت جوابي وأتى رسولا مستكينا يشتكي وكأنني بك قد كتبت معذرا فارجع إلى الانصاف واعلم أنه يا رحمة الله التي قد أصبحت بأبي وأمي أنت من مستجمع ورجعت مختوما علي كتابي ذل الحجاب ونخوة البواب وظلمتني بملامة وعتاب أولى بذي الآداب والأحساب دون الأنام علي سوط عذاب تيه القيان ورقة الكتاب
    وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء :
عدمت رئاسة قوم شقوا حديث بنعمتهم عهدهم شبابا ونالوا الغنى حين شابوا فليس لهم في المعالي نصاب


(10)
يرون التكبر مستصوبا وإن كاتبوا صارفوا في الدعاء من الرأي والكبر لا يستصاب كأن دعاؤهم مستجاب
    ومن لطيف شعره في الهجاء قوله :
إن مظلومة التي ولدت ليلة الزفاف قلت : من أين ذا الغلام قال لي بعلها : ألم ولد المرأ للفراش قلت : هنيته على زوجت من أبي عمر إلى بعلها ذكر وما مسها بشر ؟ يأت في مسند الخبر ؟ وللعاهر الحجر رغم من أنكر الخبر

    كشاجم والرياسة
    وبما كان المترجم كما سمعت مطبوعا بسلامة النفس ، وقداسة النفس ، و طيب السريرة ، متحليا بمكارم الأخلاق ، خاليا من المكيدة والمراوغة والدسيسة ، مزاولا عن البذاء والإيذاء والاعتساف ، كان مترفعا نفسه عن الرتبة وإشغال المنصة في أبواب الملوك والولاة ، وما كان له مطمع في شأن من الوزراء والولاية والكتابة و العمالة عند الأمراء والخلفاء ، وما أتخذ فضايله الجمة لها شركا ، ولنيل الآمال وسيلة ، وكان يرى التقمص بالرياسة من مرديات النفس ويقول :
رأيت الرياسة مقرونة إذا ما تقمصها لابس ويقعد عن حق إخوانه وينقصهم من جميل الدعاء فذلك إن أنا كاتبته ولست بآت له منزلا بلبس التكبر والنخوه ترفع في الجهر والخلوه ويطمع أن يهرعوا نحوه ويأمل عندهم الحظوه فلا يسمع الله لي دعوه ولو أنه يسكن المروه
    وكان بالطبع والحال هذه ينهي أوليائه عن قبول الوظايف السلطانية ، والتولي بشيء من المناصب عند الحكام ، ويحذرهم عن التصدي بوظيفة من شؤون الملك والمملكة ، ويمثل بين يديهم شنعة الايتمار ، وينبههم بما يقتضيه الترأس من الظلم
كتاب الغدير ـ الجزء الرابع ::: فهرس