الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 81 ـ 90
(81)
عن أهل بيته ، ولا إنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد في الناس ممن تولى الأمر من بعده (1) بعد ما خرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (2).
    بعد قوله عليه السلام : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده.
( ثم تمثل بقول الأعشى )
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر
    فيا عجبا يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها ، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن اشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس ، وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكني أسففت إذا سفوا ، وطرت إذا طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا
1 ـ الإمامة والسياسة 1 ص 12.
2 ـ الإمامة والسياسة 1 : 12 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 131 ، ج 2 : 5.


(82)
حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته. الحديث.

    كلمتنا حول هذه الخطبة
    هذه الخطبة تسمى بالشقشقية وقد كثر الكلام حولها فأثبتها مهرة الفن من ـ الفريقين ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها ، فلا يسمع إذن قول الجاهل بأنها من كلام الشريف الرضي ، وقد رواها غير واحد في القرون الأولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته ، كما جاءت بإسناد معاصريه والمتأخرين عنه من غير طريقه و إليك أمة من أولئك :
    1 ـ الحافظ يحيي بن عبد الحميد الحماني المتوفى 228 كما في طريق الجلودي في العلل والمعاني.
    2 ـ أبو جعفر دعبل الخزاعي المتوفى 246 رواها بإسناده عن ابن عباس كما في أمالي شيخ الطائفة ص 237 ، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علي.
    3 ـ أبو جعفر أحمد بن محمد البرقي المتوفى 274 / 80 كما في علل الشرايع.
    4 ـ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة المتوفى 303 كما في الفرقة الناجية للشيخ إبراهيم القطيفي ، والبحار للعلامة المجلسي 8 : 161.
    5 ـ وجدت بخط قديم عليه كتابة الوزير أبي الحسن علي بن الفرات المتوفى 312 كما في شرح ابن ميثم.
    6 ـ أبو القاسم البلخي أحد مشايخ المعتزلة المتوفى 317 كما في شرح ابن أبي الحديد 1 ص 69.
    7 ـ أبو أحمد عبد العزيز الجلودي البصري المتوفى 332 كما في معاني الأخبار.
    8 ـ أبو جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم البلخي المذكور رواها في كتابه ( الانصاف ) كما في شرح ابن أبي الحديد 1 : 69 وشرح ابن ميثم.
    9 ـ الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360 كما في طريق القطب الراوندي في شرح النهج.


(83)
    10 ـ أبو جعفر ابن بابويه القمي المتوفى 381 في كتابيه : علل الشرايع ومعاني الأخبار.
    11 ـ أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى 382.
    حكى عنه شيخنا الصدوق شرح الخطبة في معاني الأخبار والعلل.
    ( لفت نظر ) عده السيد العلامة الشهرستاني في ( ما هو نهج البلاغة ) ص 22 ممن روى الشقشقية فأرخ وفاته بسنة 395 ، وذكره في ص 23 فقال : من أبناء القرن الثالث.
    لا يتم هذا ولا يصح ذاك ، وقد خفي عليه أن الحسن بن عبد الله العسكري راوي الشقشقية هو أبو أحمد صاحب كتاب الزواجر وقد توفي سنة 382 وولد 293 ، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسكري صاحب كتاب ( الأوائل ) تلميذ أبي أحمد العسكري والتاريخ الذي ذكره تاريخ فراغه من كتابه الأوائل لا تاريخ وفاته.
    توجد ترجمة كلا الحسنين العسكريين فمعجم الأدباء 8 : 233 ـ 268 ، وبغية الوعاة ص 221.
    12 ـ أبو عبد الله المفيد المتوفى 412 ، أستاذ الشريف الرضي رواها في كتابه ( الارشاد ) ص 135.
    13 ـ القاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفى 415 : ذكر في كتابه ( المغني ) تأويل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها على الطعن في خلافة من تقدم على أمير المؤمنين من دون أي إيعاز إلى الغمز في إسنادها.
    14 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه المتوفى 416 ، كما في طريق الراوندي في شرح النهج.
    15 ـ الوزير أبو سعيد الآبي المتوفى 422 في كتابه ( نثر الدرر ونزهة الأديب.
    16 ـ الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي الأكبر توفي سنة 436 ذكر جملة منها في الشافي ص 203 فقال : مشهور : وذكر صدرها في ص 204 فقال : معروف.
    17 ـ شيخ الطائفة الطوسي المتوفى 460 رواها في أماليه ص 327 عن السيد أبي الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار المترجم في مستدرك العلامة النوري 3 : 509 من طريق الخزاعيين. وفي تلخيص الشافي.
    18 ـ أبو الفضل الميداني المتوفى 518 في مجمع الأمثال ص 383 قال : و


(84)
لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خطبة تعرف بالشقشقية لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال له حين قطع كلامه : يا أمير المؤمنين ! لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت فقال : هيهات يا ابن عباس ! تلك شقشقة هدرت ثم قرت ].
    19 ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي الشهير بابن الخشاب المتوفى 567 قرأها عليه أبو الخبر مصدق الواسطي النحوي ، وسيوافيك بعيد هذا كلامه فيها.
    20 ـ أبو الحسن قطب الدين الراوندي المتوفى 573 رواها في شرح نهج البلاغة من طريق الحافظين : ابن مردويه والطبراني وقال : أقول : وجدتها في موضعين تاريخهما قبل مولد الرضي بمدة ، أحدهما : أنها مضمنة كتاب ( الانصاف ) لأبي جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة وكانت وفاته قبل مولد الرضي.
    الثاني : وجدتها بنسخة عليها خط الوزير أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات وكان وزير المقتدر بالله ، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة ، والذي يغلب على ظني أن تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدة.
    21 ـ أبو منصور الطبرسي أحد مشايخ ابن شهر آشوب المتوفى 588 في كتابه ( الاحتجاج ) ص 95 فقال : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس.
    22 ـ أبو الخير مصدق بن شبيب الصلحي النحوي المتوفى 605 قرأها على أبي محمد ابن الخشاب وقال : لما قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمد ابن الخشاب ووصلت إلى قول ابن عباس : ما أسفت على شئ قط كأسفي على هذا الكلام.
    قال : لو كنت حاضرا لقلت لابن عباس : وهل ترك ابن عمك في نفسه شيئا لم يقله في هذه الخطبة ؟ فإنه ما ترك لا الأولين ولا الآخرين.
    قال مصدق : وكانت فيه دعابة فقلت له : يا سيدي ؟ فلعلها منحولة إليه.
    فقال : لا والله إني أعرف أنها من كلامه كما أعرف أنك مصدق ، قال فقلت : إن الناس ينسبونها إلى الشريف الرضي فقال : لا والله ، ومن أين للرضي هذا الكلام وهذا الأسلوب ؟ فقد رأينا كلامه في نظمه ونثره لا يقرب من هذا الكلام ولا ينتظم في سلكه ثم قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنف قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي ( راجع


(85)
شرح ابن ميثم. وشرح ابن أبي الحديد 1 : 69 ).
    23 ـ مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري المتوفى 606 ، أوعز إليها في كلمة ( شقشق ) في النهاية ج 2 : 294 فقال : ومنه حديث علي في خطبة له : تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
    24 ـ أبو المظفر سبط ابن الجوزي المتوفى 654 في تذكرته ص 73 من طريق شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري بإسناده عن ابن عباس فقال : تعرف بالشقشقية ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخل بالبعض وقد أتيت بها مستوفاة ثم ذكرها مع اختلاف ألفاظها.
    25 ـ عز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفى 655 قال في شرح النهج 1 : 69.
    قلت : وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة.
    ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور بكتاب ( الانصاف ) وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا.
    26 ـ كمال الدين ابن ميثم البحراني المتوفى 679 ، حكاها عن نسخة قديمة عليها خط الوزير علي بن الفرات المتوفى 312 ، وعن كتاب ( الانصاف ) لابن قبة ، وذكر كلمة ابن الخشاب المذكورة وقراءة أبي الخير إياها عليه.
    27 ـ أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأفريقي المصري المتوفى 711 قال في مادة ( شقشق ) من كتابه ( لسان العرب ) ج 12 : 53 : وفي حديث علي رضوان الله عليه في خطبة له : تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
    28 ـ مجد الدين الفيروز آبادي المتوفى 816 / 17 أوعز إليها في القاموس ج 3 : 251 قال : والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس لما قال له : لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت : يا بن عباس ! هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
    ثم ما عساني أن أقول بعد ما يعربد شاعر النيل (1) اليوم ، ويأجج النيران الخامدة
1 ـ محمد حافظ إبراهيم المتوفى سنة 1933 م 1351 ه‍.

(86)
ويجدد تلكم الجنايات المنسية ( لاها الله لا تنسى مع الأبد ) ويعدها ثناء على السلف ، ويرفع عقيرته بعد مضي قرون على تلكم المعرات ، ويتبهج ويتبجح بقوله في القصيدة ( العمرية ) تحت عنوان : عمر وعلي :
وقـولة لعلي قالها عمر حرقت دارك لا أبقي عليك بها ما كان غير أبي حفص يفوه بها أكرم بسامعها أعظم بملقيها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها أمام فارس عدنان وحاميها
    ماذا أقول بعد ما تحتفل الأمة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918 بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات ؟ وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم ، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين. وأحمد الزين. وإبراهيم الأبياري (1) و علي جارم. وعلي أمين (2) وخليل مطران (3) ومصطفى الدمياطي بك (4) وغيرهم (5) ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره ، وبتقدير شاعر هذا شعوره ، ويخدشون العواطف في هذه الأزمة في هذا اليوم العصبصب ، ويعكرون بهذه النعرات الطائفية صوف السلام الوئام في جامعة الاسلام ويشتتون بها شمل المسلمين ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
    وتراهم يجددون طبع ديوان الشاعر وقصيدته العمرية خاصة مرة بعد أخرى ويعلق عليها شارحها الدمياطي قوله في البيت الثاني : المراد أن عليا لا يعصمه عن عمر سكنى بنت المصطفى في هذه الدار.
    وقال في ص 39 من الشرح : وفي رواية لابن جرير الطبري قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه
1 ـ ضبط وصحح وشرح هؤلاء الثلاث الديوان طبعة سنة 1937 م بدار الكتب في جزئين والأبيات المذكورة توجد فيها ج 1 ص 82.
2 ـ هما ومعهما ثالث التزموا تصحيح الديوان في طبعة أخرى.
3 ـ له مقدمة لديوان الحافظ في طبعة مكتبة الهلال سنة 1935 م 1353 ه‍ والأبيات فيها ص 184 غير أن الشطر الثاني من البيت الثاني محرف : إن لم تبالغ وبنت المصطفى فيها.
4 ـ شارح القصيدة العمرية طبع بمطبعة السعادة في مصر في 90 صفحة. توجد الأبيات فيه مشروحة ص 38.
5 ـ في عدة طبعات أخرى.


(87)
الزبير مصلتا بالسيف فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.
    فإن كان زياد هذا هو الحنظلي أبو معشر الكوفي فهو موثق.
    والظاهر أن حافظا رحمه الله عول على هذه الرواية ه‍.
    وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنه جاء للأمة بعلم جم ، أو رأي صالح جديد ، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسر بها الأمة ونبيها المقدس ، فبشرى بل بشريان لنبي الأعظم بأن بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول ، ولم يكن سكناها في دار طهر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم فزه زه بانتخاب هذا شأنه وبخ بخ ببيعة تمت بذلك الإرهاب قضت بتلك الوصمات.
    لا تهمنا هذه كلها وإنما يهمنا الساعة ( بعد أن درسنا تاريخ حياة الخليفة الأول فوجدناه لدة غيره من الناس العاديين في نفسياته قبل إسلامه وبعده ، وإنما سنمه عرش الخلافة الانتخاب فحسب ) البحث في موضوعين ألا وهما : فضائله المأثورة. وملكاته النفسية.

ـ 1 ـ
( فضائله المأثورة )
    هل صح عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله فيه حديث فضيلة ؟ وهل صحيح ما رووه فيه من الثناء الكثير الحافل ؟ نحن هيهنا نقف موقف المستشف للحقيقة ، ولا ننبس في القضاء ببنت شفة ، غير ما ننقله عن أئمة فن الحديث المميزين بين صحيحه وسقيمه ، ثم نردفه بالاعتبار الذي يساعده.
    قال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه ( سفر السعادة المطبوع : خاتمة الكتاب في الإشارة إلى أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شيء صحيح ، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث شيء. ثم عد أبوابا إلى أن قال :
    باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات أن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة. وحديث : ما صب الله في صدري شيئا


(88)
إلا وصبه في صدر أبي بكر.
    وحديث : كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتاق الجنة قبل شيبة أبي بكر.
    وحديث : أنا وأبو بكر كفرسي رهان.
    وحديث : إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر.
    وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل.
    وعد العجلوني في كتابه كشف الخفا ص 419 ـ 424 مائة باب من أبواب الفقه وغيره فقال : لم يصح فيه حديث.
    أو : ليس فيه حديث صحيح.
    وما يقاربهما وقال في ص 419 : فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات كحديث إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة.
    إلى آخر عبارة الفيروز آبادي المذكورة.
    وذكر السيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) ج 1 ص 186 ـ 302 ثلثين حديثا من أشهر فضائل أبي بكر ( مما اتخذه المؤلفون في القرون الأخيرة من المتسالم عليه ، و أرسلوه إرسال المسلم بلا أي سند أو أي مبالات ) وزيفها وحكم فيها بالوضع وذكر رأي الحفاظ فيها.
    كان السيوطي يهملج وراء القوم فبهظه أن لا يستصح حتى حديثا واحدا من تلكم الثلثين فقال في ص 296 فيما عزى إليه صلى الله عليه وآله من قوله ( عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها مكتوبا : محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق من خلفي ) بعد ما حكم عليه بالوضع لمكان عبد الله بن إبراهيم الغفاري (1) الوضاع.
    وكان شيخه عبد الرحمن بن زيد المتفق على ضعفه ينص منه عليهما بذلك ما لفظه : قلت : الذي أستخير الله فيه الحكم على هذا الحديث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده.
    ثم ذكر شواهد عن طرق لا يصح شئ منها ، وفي كل واحد منها وضاع أو كذاب ، أو من أتفق على ضعفه ، أو مجهول لا يعرف يروي عن مجهول مثله ، وقد عزب عنه أن الاستخارة لا تقلب خيرا ، ولا يعيد السقيم صحيحا. ولا المنكر معروفا.
وراحت إلى العطار تبغي شبابها فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟
    والله سبحانه لا يجازف في إسداء الخير ، والشواهد المكذوبة لا تقوي الضعف مع
1 ـ راجع الجزء الخامس من هذا الكتاب ص 303 ط 2.

(89)
نص الحفاظ على كل واحد منها بالوضع أو الضعف ، وإليك بيان طرف تلك الشواهد.
    1 ـ طريق الخطيب البغدادي مر في الجزء الخامس ص 303 ، 325 ط 3.
    2 ـ طريق البزار في مسنده وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري الوضاع ، وشيخه عبد الرحمن بن زيد المتفق على ضعفه كما في تهذيب التهذيب 6 ص 178 ، واللئالي المصنوعة 1 ص 296.
    3 ـ طريق ابن شاهين في السنة وهو طريق الخطيب البغدادي وحديثه ، وقد حكم الذهبي وابن حجر ببطلانه كما مر في الجزء الخامس.
    4 ـ طريق الدارقطني في الأفراد قال السيوطي في ( اللئالي ) 1 ص 297 بعد ذكره قال الدارقطني : تفرد به ( محمد ) بن فضيل عن ابن جريج لا أعلم أحدا حدث به غير هذين.
    وأورده المؤلف في الواهيات من طريق السري وقال : لا يصح.
    قال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج بالسري بن عاصم.
    قال الأميني : السري بن عاصم راوي الحديث أحد الكذابين مرت ترجمته في الجزء الخامس ص 231 ط 2 ، وللدارقطني طريق آخر وفيه عمر بن إسماعيل بن مجالد أحد الكذابين (1) وبهذا الطريق ذكره السيوطي في ) اللئالي 1 ص 309 فقال : لا يصح آفته عمر كذاب.
    5 ـ طريق الديلمي في مسند الفردوس فيه بعد رجال مجاهيل عبد المنعم بن بشير أبو الخير الكذاب الوضاع الذي له مائتا حديث كذب (2) وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم المجمع على ضعفه كما مر.
    6 طريق الختلي في ديباجة عن نصر بن حريش (3) عن أبي سهل مسلم الخراساني عن عبد الله بن إسماعيل عن الحسن البصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مكتوب على ساق العرش : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، محمد رسول الله ، ووزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق.
1 ـ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 246 ط 2 :
2 ـ راجع الجزء الخامس من الكتاب ص 241 ط 2.
3 ـ في اللئالي : جريش : والصحيح ما.


(90)
    قال الدارقطني كما في تاريخ بغداد 3 ص 286 : هذا إسناد ضعيف لا يثبت ، أبو سهل ونصر بن حريش ضعيفان.
    وقال العقيلي كما في لسان الميزان 3 ص 260 : عبد الله بن إسماعيل منكر الحديث لا يتابع على شيء من حديثه.
    والحديث مع هذا مرسل والحسن البصري لا يروي عن رسول الله ولم يدركه.
    وللخطيب طريق بهذا اللفظ ليست فيه كلمة ( ساق. ووزيراه ) وفي إسناده أحمد برجاء بن عبيدة قال الخطيب في تاريخه 4 ص 158 : مجهول.
    7 ـ طريق ابن عساكر فيه عبد العزيز الكتاني لينه الذهبي كما في لسان الميزان 4 ص 33 ، وفيه الحارث بن زياد المحاربي قال الذهبي وغيره : ضعيف مجهول كما في اللسان 2 ص 149 ، وفيه من لا يعرف ولا توجد له ترجمة في المعاجم ، ولابن عساكر طريق آخر بالإسناد عن محمد بن عبد بن عامر المعروف بوضع الحديث (1) عن عصام بن يوسف ضعفه ابن سعد.
    وخطأه ابن حبان ، وقال ابن عدي : روى أحاديث لا يتابع عليها كما في لسان الميزان 4 ص 168.
    ويرشدك إلى صحة قول الفيروز آبادي والعجلوني ما أوضحناه في الجزء الخامس ص 297 ـ 332 ط 2 من تفنيد مائة منقبة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختلفة لأبي بكر ولزبائنه بحكم الأئمة والحفاظ.
    وكذا ما زيفناه من خمس وأربعين رواية موضوعة في الخلافة في صفحة 333 ـ 356 ط 2 كل ذلك بقضاء من رجالات الفن نظراء.
    ابن عدي ، الطبراني ، ابن حبان ، النسائي ، الحاكم ، الدار قطني ، العقيلي ، ابن المديني ، أبو عمر ، الجوزقاني ، المحب الطبري ، الخطيب البغدادي ابن الجوزي ، أبو زرعة ، ابن عساكر ، الفيروز آبادي ، إسحاق الحنظلي ابن كثير ، ابن القيم ، الذهبي ، ابن تيمية ، ابن أبي الحديد ، ابن حجر الهيثمي ، ابن حجر العسقلاني الحافظ المقدسي ، السيوطي الصغاني ، الملا علي القاري ، العجلوني ، ابن درويش الحوت ، وغيرهم.
    ويشهد لبطلان تلكم الروايات الجمة في فضائل الخليفة الأول خلو الصحاح الست والسنن والمسانيد القديمة عنها ، فلو كان مؤلفوها يجدون على شيء منها مسحة
1 ـ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 259 ط 2.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس