الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 141 ـ 150
(141)
الرابعة : أن يكون الإمام عدلا لأنه
متصرف في رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم فلو لم يكن عدلا لا يؤمن
تعديه. إلخ.
الخامسة : العقل. السادسة.
البلوغ. السابعة : الذكورة. الثامنة : الحرية التاسعة : أن يكون قرشيا. ولا
يشترط فيه العصمة خلافا للإسماعيلية والاثنا عشرية. لنا إمامة أبي بكر (1).
والأمة اجتمعت على كونه غير واجب العصمة ، لا أقول إنه غير معصوم.
قال القاضي عضد الايجي في المواقف :
المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة : إنها تثبت بالنص من الرسول ، ومن الإمام
السابق بالاجماع ، وتثبت ببيعة أهل الحل والعقد خلافا للشيعة : لنا ثبوت إمامة
أبي بكر رضي الله عنه بالبيعة (2).
وقال : إذا ثبت حصول الإمامة
بالاختيار والبيعة ، فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع (3) إذ لم يقم عليه
دليل من العقل أو السمع بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف لعلمنا أن
الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد
الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم يشترطوا اجتماع من في المدينة فضلا عن إجماع
الأمة.
هذا ولم ينكر عليهم أحد ، وعليه
انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا.
وقال بعض الأصحاب : يجب كون ذلك
بمشهد بينة عادلة كفا للخصام في ادعاء من يزعم عقد الإمامة له سرا قبل من عقد
له جهرا ، وهذا من المسائل الاجتهادية.
ثم إذا اتفق التعدد تفحص عن
المتقدم فامضي ، ولو أصر الآخر فهو من البغاة ، ولا يجوز العقد لإمامين في صقع
متضايق الأقطار ، أما في متسعها بحيث لا يسع الواحد تدبيره فهو محل الاجتهاد.
إنتهى ما في المواقف وقد أقره
شراحه وهم : السيد الشريف الجرجاني ، والمولى حسن چلبي ، والشيخ مسعود الشيرواني
راجع شرح المواقف 3 : 265 ـ 7.
1 ـ ما اتقنها من برهنة
ويا للعحب.
2 ـ انظر إلى هذا
النول الذي تشابهوا في النسج عليه.
3 ـ قال السيد
الشريف الجرجاني : يعني من جميع أهل الحل والعقد.
(142)
كلمة الماوردي وقال الماوردي في الأحكام السلطانية ص
4 : اختلفت العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى فقالت
طائفة : لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضاء به عاما ،
والتسليم لإمامته إجماعا ، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر رضي الله عنه على
الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعة قدوم غائب عنها.
وقالت طائفة أخرى : أقل من تنعقد به
منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقد ها أحدهم برضى الأربعة استدلالا
بأمرين : أحدهما : أن بيعة أبي بكر رضي الله عنه انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم
تابعهم الناس فيها ، وهم عمر بن الخطاب. وأبو عبيدة ابن الجراح. وأسيد بن
حضير. وبشر بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم. الثاني : إن عمر رضي
الله عنه جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضى الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء
والمتكلمين من أهل البصرة.
وقال آخرون من علماء الكوفة :
تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضى الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين كما يصح عقد
النكاح بولي وشاهدين.
وقالت طائفة أخرى : تنعقد بواحد
لأن العباس قال لعلي رضي الله عنهما : أمدد يدك أبايعك فيقول الناس : عم رسول
الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان ولأنه حكم وحكم الواحد نافذ.
كلمة الجويني قال إمام الحرمين الجويني
المتوفى 478 في ( الارشاد ) ص 424 : باب في الاختيار وصفته وذكر ما تنعقد
الإمامة به.
إعلموا أنه لا يشترط في عقد
الإمامة الإجماع ، بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمة على عقدها ، والدليل
عليه أن الإمامة لما عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين ، ولم يتأن
لانتشار الأخبار إلى من نأى من الصحابة في الأقطار ، و لم ينكر عليه منكر ، ولم
يحمله على التريث حامل ، فإذا لم يشترط الاجماع في عقد الإمامة لم يثبت عدد
معدود ، ولا حد محدود ، فالوجه الحكم بأن الإمامة تنعقد
بعقد واحد من أهل الحل والعقد.
ثم قال بعض أصحابنا : لا بد من
جريان العقد بمشهد من الشهود ، فإنه لو لم يشترط ذلك لم نأمن أن يدعي مدع عقدا
سرا متقدما على الحق المظهر المعلن. وليست الإمامة أحط رتبة من النكاح ، وقد
شرط فيه الاعلان ، ولا يبلغ القطع ، إذ ليس. يشهد له عقل ، ولا يدل عليه قاطع
سمعي ، وسبيله سبيل سائر المجتهدات.
وقال الإمام ابن العربي المالكي
في شرح صحيح الترمذي 13 ص 229 : لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع
الأنام بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد على الخلاف المعلوم فيه.
كلمة القرطبي وقال القرطبي في تفسيره 1 ص
230 : فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله خلافا
لبعض الناس حيث قال : لا تنعقد إلا بجماعة من أهل الحل والعقد ، ودليلنا أن عمر
رضي الله عنه عقد البيعة لأبي بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك (1) ولأنه عقد
فوجب ألا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود ، قال الإمام أبو المعالي : من
انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت ، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر ،
قال : هذا مجمع عليه.
قال الأميني : فما المبرر عندئذ
لتخلف عبد الله بن عمر. وأسامة بن زيد. وسعد ابن أبي وقاص. وأبي موسى
الأشعري. وأبي مسعود الأنصاري. وحسان بن ثابت. والمغيرة بن شعبة. ومحمد بن
مسلمة وبعض آخر من ولاة عثمان على الصدقات وغيرها عن بيعة مولانا أمير
المؤمنين بعد إجماع الأمة عليها ؟ وما عذر تأخرهم عن طاعته في حروبه ، وقد
عرفوا بين الصحابة وسموا المعتزلة لاعتزالهم بيعة علي ؟ (2).
1 ـ كان بني هاشم كلهم ،
والأنصار بأجمعهم إلا رجلين ، والزبير وعمار وسلمان ومقدادا وأبا ذر وآخرين
كثيرين من المهاجرين المتخلفين عن بيعة أبي بكر المنكرين إياها كما فصل في
محله لم يكونوا من الصحابة عن القرطبي وإلا فلا يجوز للمفسر أن يكذب وهو يعلم
أن التاريخ الصحيح سيكشف الستر عن دجله.
2 ـ المستدرك
للحاكم 3 : 115 ، تأريخ الطبري 5 : 115 ، الكامل لابن الأثير 3 : 80 ، تأريخ أبي
الفدا ج 1 : 115 ، 171.
(144)
رأي الخليفة الثاني
في الخلافة وأقواله فيها
عن عبد الرحمن بن أبزي قال : قال عمر :
هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفي
كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء [ طبقات ابن
سعد 3 : 248 ] وفي كلمة له ذكرها ابن حجر في الإصابة 2 : 305 : إن هذا الأمر لا
يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء.
وقال : لو أدركني أحد رجلين
فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبي عبيدة
الجراح.
ولو كان سالم حيا ما جعلتها
شورى (1).
وقال لما طعن : إن ولوها الأجلح
سلك بهم الطريق الأجلح المستقيم : يعني عليا.
فقال له ابن عمر : ما يمنعك أن
تقدم عليا ؟ قال : أكره أن أحملها حيا وميتا.
[ الأنساب للبلاذري 5 : 16 ،
الاستيعاب لأبي عمر 2 : 419 ] وقال : لوليتها عثمان لحمل آل أبي معيط على رقاب
الناس ، والله لو فعلت لفعل ولو فعل لأوشكوا أن يسيروا إليه حتى يجزوا
رأسه.
فقالوا : علي ؟
قال.
رجل قعدد (2) قالوا : طلحة ؟ قال :
ذاك رجل فيه بأو (3) قالوا : الزبير ؟ قال. ليس هناك.
قالوا : سعد ؟ قال : صاحب فرس
وقوس.
فقالوا : عبد الرحمن بن عوف ؟
قال : ذاك فيه إمساك شديد ، ولا يصلح لهذا الأمر إلا معط في غير سرف ، وممسك في
غير تقتير.
أخرجه القاضي أبو يوسف الأنصاري
المتوفى 182 في كتابه ( الآثار ) نقلا عن شيخه إمام الحنفية أبي حنيفة.
1 ـ طبقات ابن سعد 3 :
248 ، التمهيد للباقلاني 204 ، الاستيعاب لأبي عمر 2 : 561 ، طرح التثريب 1 : 49 ،
أسد الغابة 2 : 246.
2 ـ القعدد الجبان الخامل. كأن الخليفة نسي
سوابق ، مولانا أمير المؤمنين في المغازي و الحروب وعزمه الماضي وبسالته
المشهودة إلى غيرها من صفاته الكمالية وتغافل عن أن الذي أقعده عن مناجزته
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله هو خوف الردة من الناس بوقوع الفتنة
لا حذار بارقة عمر وراعدته وشجاعته التي هو سلام الله عليه جد عليم بكمها
وكيفها ، نعم : الجو الخالي يبعث الانسان على أن يقول هكذا.
3 ـ البأو : الكبر
والتعظيم فيه.
(145)
هذه الكلمات وما يتلوها سلسلة بلاء
تشذ عن الحق والمنطق غير أنا نمر بها كراما.
وعن ابن عباس قال : قال عمر : لا
أدري ما أصنع بأمة محمد ؟ وذلك قبل أن يطعن ، فقلت : ولم تهتم وأنت تجد من
تستخلفه عليهم ؟ قال : أصاحبكم ؟ يعني عليا قلت : نعم ، هو أهل لها في قرابته
برسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر إن فيه بطالة
وفكاهة.
قلت : فأين أنت عن طلحة ؟ قال :
أين الزهو والنخوة ؟ قلت عبد الرحمن بن عوف ؟ قال : هو رجل صالح على ضعف قلت :
فسعد ؟ قال : ذاك صاحب مقنب وقتال ، لا يقوم بقرية لو حمل
أمرها.
قلت : فالزبير ؟ قال : لقيس مؤمن
الرضى كافر الغضب شحيح.
إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي
في غير عنف ، رفيق في غير ضعف ، جواد في غير سرف.
قلت : فأين عن عثمان ؟ قال : لو
وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.
ذكره البلاذري في الأنساب 5 :
16 ، وفي لفظ آخر له ص 17 : قيل : طلحة ؟ قال : أنفه في السماء وإسته في الماء.
قال الأميني : هذا ما جاء به القوم من الخلافة الإسلامية والامامة العامة فهي عندهم ليست إلا رياسة عامة لتدبير
الجيوش ، وسد الثغور ، وردع الظالم ، والأخذ للمظلوم ، وإقامة الحدود ، وقسم الفئ
بين المسلمين ، والدفع بهم في حجهم وغزوهم ، ولا يشترط فيها نبوغ في العلم
زايدا على علم الرعية ، بل هو والأمة في علم الشريعة سيان ، و يكفي له من العلم
ما يكون عند القضاة ، وهؤلاء القضاء بين يديك وأنت جد عليم بعلمهم ويسعك إمعان
النظر فيه من كثب ، ولا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه وجوره وفجوره ، ويجب على
الأمة طاعته على كل حال برا كان أو فاجرا ، ولا يسوغ لأحد مخالفته ولا القيام
عليه والتنازع في أمره.
فعلى هذا الأساس كان يزحزح
خلفاء الانتخاب الدستوري في القضاء والافتاء عن حكم الكتاب والسنة ولم يكن
هناك أي وازع ، ولم يكن يوجد قط أحد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، خوفا مما
افتعلته يد السياسة وجعلت به على الأفواه
(146)
أوكية ، من حديث عرفجة مرفوعا : ستكون
هنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان (1).
ورواية عبد الله مرفوعا : ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا : يا رسول الله ! كيف تأمر من أدرك منا ذلك ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم.
( صحيح مسلم 2 ص 118 ) وعلى هذا
الأساس تمكن معاوية بن أبي سفيان من أن يجلس بالكوفة للبيعة و يبايعه الناس
على البراءة من علي بن أبي طالب.
( البيان والتبيين 2 : 85 ) وعلى
هذا الأساس أقر عبد الله بن عمر بيعة يزيد الخمور ، قال نافع : لما خلع أهل
المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه ومواليه.
وفي رواية سليمان : حشمه و ولده
وقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ينصب لكل غادر لواء يوم
القيامة.
زاد الزهراني : قال : وإنا قد
بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن تبايع
رجلا على بيعة الله ورسوله ثم تنصب له القتال ، وإني لا أعلم أحدا منكم خلع
ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل فيما بيني وبينه ، وفي لفظ : إن عبد
الله بن عمر جمع أهل بيته حين انتزى أهل المدينة مع عبد الله بن الزبير رضي
الله عنهما ، وخلعوا يزيد بن معاوية ، فقال : إنا بايعنا هذا الرجل على بيعة
الله ورسوله ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الغادر ينصب
له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان ، وإن من أعظم الغدر بعد الاشراك
بالله أن يبايع رجل رجلا على بيع الله ورسوله ، ثم ينكث بيعته ، ولا يخلعن أحد
منكم يزيد ، ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما بيني وبينه (2).
وعلى هذا الأساس جاء عن حميد بن
عبد الرحمن إنه قال : دخلت على يسير الأنصاري ( الصحابي ) حين استخلف يزيد بن
معاوية فقال : إنهم يقولون : إن يزيد ليس بخير أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وأنا أقول ذلك ولكن لإن يجمع الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي
من أن يفترق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يأتبك في الجماعة إلا خير (3).
1 ـ صحيح مسلم 2 ص 121 ،
سنن أبي داود 2 : 283.
2 ـ صحيح البخاري. 1 :
166 سنن البيهقي 8 : 159 ، 160 ، مسند أحمد 2 96.
3 ـ الاستيعاب 2 ص
635 أسد الغابة 5 : 126.
(147)
وعلى هذا الأساس تكلمت عائشة فيما
رواه الأسود بن يزيد قال : قلت لعائشة : ألا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع
أصحاب محمد في الخلافة ؟ قالت : وما تعجب من ذلك ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر
والفاجر ، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة (1) وعلى هذا الأساس يوجه قول
مروان بن الحكم ، قال : ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي ، فقيل له : ما لكم
تسبونه على المنابر ؟ قال : إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك (2).
وعلى هذا الأساس صح قتل معاوية
عبد الرحمن بن خالد لما أراد البيعة ليزيد ، إنه خطب أهل الشام وقال لهم : يا
أهل الشام إنه قد كبرت سني ، وقرب أجلي ، وقد أردت أن أعقد لرجل يكون نظاما
لكم ، إنما أنا رجل منكم فرأوا رأيكم فاصقعوا واجتمعوا وقالوا : رضينا عبد
الرحمن بن خالد (3) فشق ذلك على معاوية وأسرها في نفسه ، ثم إن عبد الرحمن مرض
فأمر معاوية طبيبا عنده يهوديا وكان عنده مكينا أن يأتيه فيسقيه سقية يقتله
بها ، فأتاه فسقاه فانخرق بطنه فمات ، ثم دخل أخوه المهاجر ابن خالد دمشق
مستخفيا هو وغلام له فرصدا ذلك اليهودي فخرج ليلا من عند معاوية فهجم عليه
ومعه قوم هربوا عنه فقتله المهاجر.
ذكره أبو عمر في الاستيعاب 2 :
408 فقال : وقصته هذه مشهورة عند أهل السير والعلم بالآثار والأخبار
اختصرناها ، ذكرها عمر بن شبه في أخبار المدينة وذكرها غيره.
وذكرها ابن الأثير في أسد
الغابة 3 : 289.
وعلى هذا الأساس يتم اعتذار شمر
بن ذي الجوشن قاتل الإمام السبط فيما رواه أبو إسحاق ، قال : كان شمر بن ذي
الجوشن يصلي معنا ثم يقول : للهم إنك شريف تحب الشرف وإنك تعلم أني شريف فاغفر
لي قلت : كيف يغفر لله لك و قد أعنت على قتل ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ويحك فكيف نصنع ؟ إن أمراءنا هؤلاء
1 ـ أخرجه ابن أبي حاتم
كما في الدر المنثور 6 : 19.
2 ـ الصواعق
المحرقة ص 33.
3 ـ صحابي من
فرسان قريش له هدى حسن وفضل وكرم إلا أنه كان منحرفا عن علي و بني هاشم : أسد
الغابة 3 : 289.
(148)
أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خلقناهم
كنا شرا من هذه الحمر الشقاة (1).
وفي لفظ : أللهم اغفر لي فإني
كريم لم تلدني اللئام.
قلت له : إنك لسيئ الرأي والفكر
تسارع إلى قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدعو بهذا الدعاء ،
فقال : إليك عني فلو كنا كما تقول أنت وأصحابك لكنا شرا من الحمر في الشعاب.
وعلى هذا الأساس جرى ما جرى على
أبي بكر الطائي وأصحابه.
قال سليمان ابن ربوة : اجتمعت
أنا وعشرة من المشايخ في جامع دمشق فيهم أبو بكر بن أحمد بن سعيد الطائي
فقرأنا فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوثب علينا قريب من مائة يضربونا
ويسحبونا إلى الوالي فقال لهم أبو بكر الطائي : يا سادة اسمعوا لنا إنما قرأنا
اليوم فضائل علي وغدا نقرأ فضائل أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وقد
حضرتني أبيات فإن رأيتم أن تسمعوها ؟ فقالوا له : هات فأنشأ
بديهاً :
حب
علي كله ضربومذهبي حب
إمام الهدىمن غير هذا قال
فهو امرؤوالناس من
يغد لأهوائهم
يرجف من خيفته القلبيزيد والديـن هو النصبليس له عـقل ولا لبيسلم وإلا فالقضا نهب
قالوا : فخلّوا عنا.
( تمام المتون للصفدي ص 188 )
وعلى هذا الأساس هتكت حرمات آل الله ، وأضيعت مقدسات العترة والهادية ، وسفكت
دماء الأبرياء الأزكياء من شيعة أهل البيت الطاهر ، وشاع وذاع لعن سيد العترة
نفس النبي الأقدس ، والمطهر بلسان الله ، على صهوات المنابر ، واتخذه خلفاء بني
أمية سنة متبعة في أرجاء العالم الاسلامي ، حتى وبخ معاوية سعد بن أبي وقاص
لسكوته عن سب أبي السبطين مولانا أمير المؤمنين (2) حتى تمكن عبد الله بن
الوليد ابن عثمان بن عفان من أن قام إلى هشام بن عبد الملك عشية عرفة وهو على
المنبر فقال : يا أمير المؤمنين ! إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي
تراب (3).
1 ـ تاريخ ابن عساكر 6 :
338 ، ميزان الاعتدال للذهبي 1 : 449.
2 ـ راجع الجزء
الثالث ص 200 ط 2.
3 ـ رسائل الجاحظ ص 92 ،
أنساب البلاذري 5 : 116.
(149)
وقال سعيد بن عبد الله لهشام بن عبد
الملك : يا أمير المؤمنين ! إن أهل بيتك في مثل هذه المواطن الصالحة لم يزالوا
يلعنون أبا تراب فالعنه أنت أيضا (1).
وعلى هذا الأساس من معنى
الخلافة لا عسف ولا حزازة في رأي الخليفة الأول ومن حذا حذوه من صحة اختيار
المفضول على الفاضل ، وتقديم المتأخر على المتقدم بأعذار مفتعلة ، وأوهام
مختلقة ، ومرجحات واهية ، وسياسة وقتية ، إذ الأمر الذي لا يشترط في صاحبه شيء من
القداسة الروحية ، والملكات الفاضلة ، والخلايق الكريمة ، والنفسيات الشريفة ،
ومعالم ومعارف ، ومدارج ومراتب ، ولا يؤاخذ هو بما فعل ، ولا يخلع بتعطيل
الأحكام ، وترك إقامة ، الحدود ، ولا ينابذ ما دام يقيم في أمته الصلاة كما سمعت
تفصيل ذلك كله لا وازع عندئذ من أن يكون أمثال أبي عبيدة الجراح حفار القبور
حاملا لهذا العبء الثقيل ، متحليا بأبراد الخلافة ، ولا مانع من تقديم الخليفة
الأول إياه أو صاحبه على نفسه في بدء الأمر ، ولا حاجز من اختيار أي مستأهل
لتنفيذ ما ذكر ص 138 مما يقام له الإمام ولو بمعونة سماسرته وجلاوزته ومن
يهمه أمره ، بل من له الشدة والفظاظة والعنف والتهور إلى أمثالها ربما يكون
أولى من غيره مهما اقتضته السياسة الوقتية.
واتبع الأكثرون الخليفة في
تقديم المفضول على الفاضل ، قال القاضي في المواقف : جوز الأكثرون إمامة
المفضول مع وجود الفاضل ، إذ لعله أصلح للإمامة من الفاضل ، إذا المعتبر في
ولاية كل أمر معرفة مصالحه ومفاسده ، وقوة القيام بلوازمه ، ورب مفضول في علمه
وعمله هو بالزعامة أعرف ، وشرائطها أقوم ، وفصل قوم فقالوا : نصب الأفضل إن أثار
فتنة لم يجب وإلا وجب.
وقال الشريف الجرجاني : كما إذا
فرض أن العسكر والرعاية لا ينقادون للفاضل بل للمفضول. ( شرح المواقف
3. 279 )
قال الأميني : إنا لا نريد
بالأفضل إلا الجامع لجميع صفات الكمال التي يمكن اجتماعها في البشر لا
الأفضلية في صفة دون أخرى ، فيكون حينئذ الأفقه مثلا هو الأبصر بشئون السياسة ،
والأعرف بمصالح الأمور ومفاسدها ، والأثبت في إدارة الصالح العام ، والأبسل في
مواقف الحروب ، والأقضى في المحاكمات ، والأخشن في ذات الله ، والأرأف بضعفاء
1 ـ تاريخ ابن كثير 9 : 432.
(150)
الأمة ، والأسمح على محاويج الملأ الديني ، إلا أمثالها من الشرايط والأوصاف ، إذن فلا تصوير لما حسبوه من أن المفضول قد يكون أقدر وأعرف وأقوم. إلخ. وعلى المولى سبحانه أن لا يخلي
الوقت عن إنسان هو كما قلناه ، بعد أن أثبتنا إن تقييضه من اللطف الواجب عليه
سبحانه ، وهو عديل القرآن الكريم ولا يفترقا حتى يردا على النبي الحوض.
وأما من لا ينقاد له من الجيش
وغيره فهو كمن لا ينقاد لصاحب الرسالة ، لا يزحزح بذلك صاحب الأمر عما قيضه
الله له من الولاية الكبرى ، بل يجب على بقية الأمة إخضاعهم كما أخضعوا أهل
الردة أو من حسبوه منهم ، وأن يفوقوا إليه سهم الجن كما فوقوه إلى سعد بن
عبادة أمير الخزرج.
ولم تكن للخليفة مندوحة عن رأيه
في تقديم المفضول ، وما كان إلا تصحيحا لخلافة نفسه ، ولتقدمه على من قدسه
المولى سبحانه في كتابه العزيز ، ورآه نفس النبي الأقدس وقرن طاعته بطاعته ،
وولايته بولايته ، وأكمل به الدين ، وأتم به النعمة ، وأمر نبيه بالبلاغ وضمن له
العصمة من الناس ، وهتف هاتف الوحي بولايته وأولويته بالمؤمنين من أنفسهم في
محتشد رهيب بن مائة ألف أو يزيدون قائلا : يا أيها الناس ! إن الله مولاي ،
وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم
وال من والاه ، وعاد من عاداه.
ولم تكن تخفى لأي أحد فضائل أبي
السبطين وملكاته وروحياته ، وطيب عنصره ، وطهارة محتده ، وقداسة مولده ، وعظمة
شأنه ، وبعد شأوه في حزمه وعزمه وسبقه في الاسلام ، وتفانيه في ذات الله ،
وأفضليته في العلم والفضائل كلها.
نعم : على رأي الخليفة في تقديم
المفضول على الفاضل وقع الانتخاب من أول يومه ، فبويع أبو بكر بعقد رجلين ليس
إلا : عمر بن الخطاب وأبي عبيدة الحفار ابن الجراح ، وكان الأمر أمر نهار قصي
ليلا ، مدبرا بين أولئك الرجال مؤسسي الانتخاب الدستوري ، وما اتبعهما يوم ذاك
إلا أسيد بن حضير ، وبشر بن سعد ، ثم دردب الناس لما عضه الشفاف (1) واتسع الخرق
على الراقع ، وما أدركت القويمة حتى أكلتها
1 ـ مثل يضرب لمن يمتنع مما يراد منه ثم يذل وينقاد.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس