الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 151 ـ 160
(151)
الهويمة (1) وأصبح المصلح الهضيم يقول : دع الرجل واختياره (2) وإن في الشر خيارا ، ولا يجتنى من الشوك العنب.
بويع أبو بكر ودب قمله (3) وقسمت
الوظايف الدينية من أول يومه بين ثلاث : له الإمامة ، وقال عمر : وإلي القضاء.
قال أبو عبيدة : وإلي الفئ. وقال عمر : فلقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي
فيه اثنان (4) ولم يكن هناك من يزعم أو يفوه بأفضلية أبي بكر وعمر من مولانا
أمير المؤمنين ، هذا أبو بكر ينادي على صهوات المنابر : وليت ولست بخيركم ، ولي
شيطان يعتريني. ويطلب من أمته العون له على نفسه و إقامة أمته وعوجه (5).
وهذا عمر بن الخطاب ونصوصه بين
يديك على أن الأمر كان لعلي غير أنهم زحزحوه عنه لحداثة سنه والدماء التي
عليه (6) أو لما قاله لما عزم على الاستخلاف : لله أبوك لولا دعابة فيك.
كما في ( الغيث المنسجم للصفدي 1 : 168 ) وكان يدعو الله ربه أن لا يبقيه لمعضلة ليس فيها أبو الحسن ، ويرى أن عليا لولاه لضل هو (7) ولولاه لهلك هو ، ولولاه لافتضح هو ، وعقمت النساء أن تلدن مثل علي.
إلى كثير مما مر عنه في الجزء
السادس في نوادر الأثر ، ولم يكن قط يختلج في هواجس ضميره ولن يختلج ( وأنى
يختلج ) أنه كان يماثل مولانا عليا في إحدى فضائله ، أو يدانيه في شيء منها ، أو
يبعد عنه بقليل.
وبعدما عرفت معنى الخلافة عند
القوم ، ووقفت على رأي سلفهم فيها وفي مقدمهم الخليفة الأول ، هلم معي إلى
التهافت بين تلكم الكلمات وبين مزاعم أخرى جنح إليها
1 ـ أصل المثل : أدرك
القويمة لا تأكلها الهويمة. والمراد : إدراك الرجل الجاهل حتى لا يقع في هلكة.
2 ـ مثل يضرب لمن
لا يقبل الوعظ.
3 ـ مثل يضرب
للانسان إذا سمن وحسن حاله.
4 ـ طبقات ابن سعد
3 ص 130.
5 ـ راجع ما مر في
هذا الجزء ص 118.
6 ـ راجع ما مر في
الجزء الأول ص 389 ، وفي هذا الجزء ص 80.
7 ـ التمهيد
للباقلاني ص 199.
لفيف آخر ( ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ).
قال أحمد بن محمد الوتري
البغدادي في روضة الناظرين ص 2 : إعلم أن جماهير أمل السنة والجماعة يعتقدون
أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي
رضي الله تعالى عنهم ، وأن المتقدم في الخلافة هو المقدم في الفضيلة لاستحالة
تقديم المفضول على الفاضل لأنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل ، والدليل عليه :
إن أبا بكر رضي الله عنه لما نص على عمر رضي الله عنه قام إليه طلحة رضي الله
عنه فقال له : ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا قال أبو بكر رضي الله
عنه : فركت لي عينيك ، ودلكت لي عقبيك ، وجئتني تكفني عن رأيي ، وتصدني عن ديني
أقول له إذا سألني : خلفت عليهم خير أهلك.
فدل على أنهم كانوا يراعون
الأفضل فالأفضل.
وأنت ترى أن هذه المزعمة فيها
دجل لإغراء البسطاء من الأمة المسكينة و هي تصادم رأي الجمهور ونظريات علماء
الكلام منهم ، وعمل الصحابة ونصوصهم ، وقبل كل شيء رأي الخليفة أبي بكر ، وكأن
ما حسبه من الاستحالة قد خفي علي الخليفة وعلى من آزره على أمره ، واعتنق
إمامته في القرون والأجيال من بعده وكأن أفضلية الرجل الفظ الغليظ كانت تخفى
على الصحابة ، ولم يكن يعلمها أحد فأعرب عنها أبو بكر ، وكأن التاريخ ونوادر
الأثر لم تكن بين يدي ( الوتري ) حتى يعرف مقادير الرجال ، ولا يغلو فيهم ولا
يتحكم ولا يجازف في القول ولا يسرف في الكلام ويعلم بأن عمر لو كان خير الأمة
وتلك سيرته ونوادر أثره فعلى الاسلام السلام.
نعم : إنما هي أهواء وشهوات أخذ
كل بطرف منها ، وفتاوى مجردة هملج ورائها كل حسب ميوله ، ونحن نضع عقلك السليم
مقياسا بين هذين الإمامين : من نصفه نحن ، ومن يقول به هؤلاء.
فراجعه إلى أيهما يجنح ، وأيا
منهما يتخذه وسيلة بينه وبين ربه سبحانه ، وأيهما يحق له أن يستحوذ على رقاب
المسلمين ونفوسهم ونواميسهم وأحكامهم في دنياهم وأخراهم ؟ إن لم تكن في ميزان
نصفته عين.
فويل للمطففين.
أخرج اللالكائي في السنة عن عبد الله
بن عمر قال : جاء رجل إلى أبي بكر فقال : أرأيت الزنا بقدر ؟ قال : فإن الله
قدره علي ثم يعذبني ؟ قال : نعم ، يا بن اللخناء ! أما والله لو كان عندي إنسان
أمرت أن يجأ (1) أنفك (2).
قال الأميني : أترى الخليفة عرف
معنى القدر الصحيح ؟ بمعنى ثبوت الأمر الجاري في العلم الأزلي الإلهي ، مع
إعطاء القدرة على الفعل والترك ، مع تعريف الخير والشر وتبيان عاقبة الأول
ومغبة الأخير.
إنا هديناه السبيل إما شاكرا
وإما كفورا (3) إنا هديناه النجدين (4) ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ، ومن كفر فإن
ربي غني كريم (5) ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ، ومن كفر فإن الله غني حميد (6). كل ذلك مع تكافؤ العقل والشهوة
في الانسان مع خلق عوامل النجاح تجاه النفس الأمارة بالسوء ، فمن عامل بالطاعة
بحسن اختياره ، ومن مقترف للمعصية بسوء الخيرة.
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد
ومنهم سابق بالخيرات (7) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل
عليها (8) من اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها (9) من عمل صالحا فلنفسه ومن
أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون (10) فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها (11) قل
إن ضللت فإنما أضل على نفسي ، وإن اهتديت1 ـ وجاء عنقه : ضربه ،
ووجأه : رضه ودقه.
2 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 65.
3 ـ سورة الانسان : 3.
4 ـ سورة البلد : 10.
5 ـ سورة النمل : 40.
6 ـ سورة لقمان : 12.
7 ـ سورة فاطر : 32.
8 ـ سورة يونس : 108 الاسراء : 15.
9 ـ سورة الزمر : 41.
10 ـ سور ة الجاثية : 15.
11 ـ سورة الأنعام : 104.
(154)
فبما يوحي إلي ربي (1) إن أحسنتم
أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها (2) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم
بمن اهتدى (3) ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين.
فالقدر لا يستلزم جبرا وعلم
المولى سبحانه بمقادير ما يختاره العباد من النجدين ويأتون به من العمل من
خير أو شر لا ينافي التكليف.
كما لا أثر له في اختيار
المكلفين ، ولا يقبح معه العقاب على المعصية ، ولا يسقط معه الثواب على الطاعة.
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (5) ونضع الموازين القسط يوم القيامة فلا تظلم نفس
شيئا ، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (6) اليوم تجزى كل
نفس بما كسبت لا ظلم اليوم (7) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس
بما كسبت وهم لا يظلمون (8).
فهل الخليفة عرف هذا المعنى من
القدر ، فأجاب بما أجاب ؟ لكن السائل لم يفهم ما أراده فانتقده بما انتقد ، غير
أنه لو كان يريد ذلك لما جابه المنتقد بالسباب المقذع والتمني بأن يكون عنده
من يجأ أنفه قبل بيان المراد فيفئ الرجل إلى الحق.
أو أن الخليفة لم يكن يعرف من
القدر إلا ما ارتفعت به عقيرة جماهير من أشياعه من القول بخلق الأعمال ؟
فيتجه إذن ما قاله المنتقد سبه الخليفة أولم يسبه.
والذي يؤثر عن ابنته عائشة هو
الجنوح إلى المعنى الثاني يوم اعتذرت عن نهضتها على مولانا أمير المؤمنين ،
وتبرجها عن خدرها المضروب لها تبرج الجاهلية الأولى بعد أن ليمت على ذلك :
بأنها كانت قدرا مقدورا وللقدر أسباب ، أخرجه الخطيب البغدادي بإسناده في
تاريخه 1 : 160.
وإن كان يوقفنا موقف السادر ما
يؤثر عنها فيما أخرجه الخطيب أيضا في تاريخه 5 : 185 عن عروة قال : ما ذكرت
عائشة مسيرها في وقعة الجمل قط إلا بكت حتى
1 ـ سورة سبأ : 5.
2 ـ سورة الاسراء : 7.
3 ـ سورة النجم : 30.
4 ـ سورة القصص : 85.
5 ـ سورة الزلزلة : 7 ، 8.
6 ـ سورة الأنبياء : 47.
7 ـ سورة غافر : 17.
8 ـ سورة آل عمران : 25.
(155)
تبل خمارها وتقول : يا ليتني كنت نسيا منسيا (1) قال سفيان الثوري : النسي المنسي : الحيضة الملقاة.
كأنها كانت ترى مسيرها حوبا
كبيرا جديرا أن تبكي عليه مدى الدهر ، وتبل بدمعها خمارها ، وتتمنى ما تمنت
وهذا ينافي ذلك الاعتذار البارد المأخوذ أصله عن رأي أبيها الخليفة الذي لم
يجد مساغا في دفع ما يتجه عليه إلا السباب.
قد مر في الجزء السادس ص 177 ط 2 من الصحيح الوارد في أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان كراهة أن يقتدى بهما ، فيظن فيها الوجوب.
وقد استوفينا حق القول هناك فراجع.
عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان في
بني سليم ردة فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحظائر
ثم أحرقها عليهم بالنار فبلغ ذلك عمر فأتى أبا بكر فقال : تدع رجلا يعذب بعذاب
الله عز وجل ، فقال أبو بكر : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون
هذا الذي يشيمه ، ثم أمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة. الرياض النضرة 1 ص
100.
لبس في هذا الجواب مخرج عن
اعتراض عمر فقد جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة
عذاب عظيم. ( المائدة آية 33 ) وصح عنه صلى الله
عليه وآله النهي عن الإحراق وقوله : لا يعذب بالنار إلا رب
النار. و
1 ـ وذكره ابن الأثير في
النهاية 4 : 151 ، وابن منظور في لسان العرب. 2 : 196 ، والزبيدي في تاج العروس
1 : 367.
(156)
قوله : إن النار لا يعذب بها إلا الله.
وقوله : لا يعذب بالنار إلا
ربها (1) : وقوله : من بدل دينه فاقتلوه (2) وقوله : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن
لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : زنا بعد إحصان فإنه
يرجم ، ورجل يخرج محاربا لله ورسوله فإنه يقتل ، أو يصلب ، أو ينفى من الأرض ، أو
يقتل نفسا فيقتل بها.
سنن أبي داود 2 ص 219 ، مصابيح
السنة 2 : 59 ، مشكاة المصابيح ص 300.
وأما فعل أمير المؤمنين عليه
السلام بعبد الله بن سبأ وأصحابه فلم يكن إحراقا ولكن حفر لهم حفائر ، وخرق
بعضها إلى بعض ، ثم دخن عليهم حتى ماتوا كما قال عمار الدهني : فقال عمرو بن
دينار : قال الشاعر :
لترم بي
المنايا حيث شاءتإذا ما
أججوا حطبا ونارا
إذا لم ترم بي في الحفرتينهناك الموت نقدا غير دين (3)
وأما قول أبي بكر : لا اشيم سيفا
الخ. فهو تحكم تجاه النص النبوي ، وما
كان السيف أنطق من القول ، ومتى شهر الله سبحانه هذا السيف صاحب الدواهي
الكبرى والطامات في يومه هذا ، ويومه الآخر المخزي في بني حنيفة ومع مالك بن
نويرة و أهله ، ويومه قبلهما مع بني جذيمة الذي تبرأ فيه رسول صلى الله عليه
وآله من عمله ، إلى غيرها من المخاريق والمخازي التي تغمد بها هذا السيف.
قدم على أبي بكر رجل من بني سليم يقال
له : الفجاءة وهو إياس بن عبد الله بن عبد باليل بن عميرة بن خفاف فقال لأبي
بكر : إني مسلم وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار فاحملني وأعني فحمله أبو بكر
على ظهر وأعطاه سلاحا فخرج يستعرض الناس
1 ـ صحيح البخاري 4 : 325
كتاب الجهاد باب : لا يعذب بعذاب الله ، مسند أحمد 3 : 494 و ج 2 : 207 سنن أبي
داود 2 : 219 ، صحيح الترمذي سنن البيهقي 9 : 71 ، 72 ، مصابيح السنة 2 ص 57 58 ،
تيسير الوصول 1 ص 236.
2 ـ صحيح البخاري 10 ص 83 كتاب استتابة المرتدين ، سنن أبي داود 2 ص 219 ، مصابيح السنة 2 ص 57.
3 ـ سنن البيهقي 9 ص 71.
(157)
المسلم والمرتد يأخذ أموالهم ويصيب من
امتنع منهم ومعه رجل من بني الشريد يقال له : نجبة بن أبي الميثاء فلما بلغ
أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجز : إن عدو الله الفجاءة أتاني يزعم أنه
مسلم ويسألني أن أقويه على من ارتد عن الاسلام فحملته وسلحته ثم انتهى إلي من
يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد يأخذ أموالهم ويقتل
من خالفه منهم فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه فتأتيني به
فسار إليه طريفة فلما التقى الناس كانت بينهم الرميا بالنبل فقتل نجبة بن أبي
الميثاء بسهم رمي به فلما رأي الفجاءة من المسلمين الجد قال لطريفة : والله ما
أنت بأولى بالأمر مني أنت أمير لأبي بكر وأنا أميره ، فقال له طريفة : إن كنت
صادقا فضع السلاح وانطلق إلى أبي بكر فخرج معه فلما قدما عليه أمر أبو بكر
طريفة بن حاجز فقال : أخرج به إلى هذا البقيع فحرقه فيه
بالنار.
فخرج به طريفة إلى المصلى فأوقد
له نارا فقذفه فيها.
وفي لفظ الطبري : فأوقد له نارا
في مصلى المدينة على حطب كثير ثم رمي فيها مقموطا.
وفي لفظ ابن كثير : فجمعت يداه
إلى قفاه وألقي في النار فحرقه وهو مقموط (1).
قال الأميني : القول في هذا
كالذي سبقه من عدم جواز الاحراق بالنار والتعذيب بها ، على أن الفجاءة كان
متظاهرا بالاسلام وتلقاه الخليفة بالقبول يوم أعطاه ظهرا و سلحه ، وإن كان
فاسقا بالجوارح على ما انتهى إلى الخليفة من يقين الخبر ، ولم يكن سيف الله
مشهورا هاهنا حتى يتورع عن إغماده ، ولا يدعى مثله لطريفة حتى يكون معذرا في
مخالفة النص الشريف ، ولعل لذلك كله ندم أبو بكر نفسه يوم مات عن فعله ذلك كما
في الصحيح الآتي إنشاء الله تعالى. فإلى الملتقى.
والعجب كل العجب من دفاع القاضي
عضد الايجي عن الخليفة بقوله في المواقف.
إن أبا بكر مجتهد ، إذ ما من
مسألة في الغالب إلا وله فيها قول مشهور عند أهل العلم ، وإحراق الفجاءة
لاجتهاده وعدم قبول توبته لأنه زنديق ولا تقبل توبة الزنديق في الأصح وجاء
بعده القوشجي مدافعا عن الخليفة بقوله في شرح التجريد ص 482 : إحراقه فجاءة
بالنار من غلطة في اجتهاده فكم مثله للمجتهدين ؟
1 ـ تأريخ الطبري 3 ص
234 ، تأريخ ابن كثير 6 ص 319 ، الكامل لابن الأثير 2 ص 146 ، الإصابة 2 ص
322.
(158)
إقرأ واضحك أو ابك. زه زه بالاجتهاد تجاه نص الكتاب
والسنة ، ومرحبا مجتهد يخالف دين الله.
سار خالد بن الوليد يريد البطاح حتى
قدمها فلم يجد بها أحدا وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع
وقال : يا بني يربوع إنا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح ، وقد نظرت
فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة ، وإذا الأمر لا يسوسه الناس ، فإياكم
ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر ، فتفرقوا على ذلك ، ولما
قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الاسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب ،
وإن إمتنع أن يقتلوه ، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يأذنوا ويقيموا إذا نزلوا
منزلا فإن أذن القوم وأقاموا فكفوا عنهم ، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة
ثم تقتلوا كل قتلة ، الحرق فما سواه ، إن أجابوكم إلى داعية الاسلام فسائلوهم
فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة ، ولا كلمة ،
فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع من عاصم وعبيد
وعرين وجعفر فاختلفت السيرة فيهم ، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد
أذنوا وأقاموا و صلوا ، فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا
يقوم لها شيء وجعلت تزداد بردا ، فأمر خالد مناديا فنادى : أدفئوا أسراكم وكانت
في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم ،
فقتل ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال : إذا
أراد الله أمرا أصابه ، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك فقال أبو قتادة : هذا
عملك ؟ فزبره خالد فغضب ومضى.
وفي تاريخ أبي الفدا : كان عبد
الله بن عمرو أبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلما خالدا في أمره فكره
كلامهما.
فقال مالك : يا خالد ابعثنا إلى
أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا.
فقال خالد : لا أقالني الله إن
أقتلك وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه.
فقال عمر لأبي بكر : إن سيف خالد
فيه رهق وأكثر عليه في ذلك فقال : يا عمر ! تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد
فإني لا أشيم سيفا سله الله على الكافرين.
(159)
وفي لفظ الطبري وغيره : إن أبا بكر كان
من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة
فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا ، وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا
الغارة فاقتلوا وحرقوا ، وكان ممن شهد لمالك بالاسلام أبو قتادة الحارث بن
ربعي ، وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها ، وكان
يحدث أنهم لما غشوا لقوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح ، قال : فقلنا :
إنا المسلمون.
فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا :
فما بال السلاح معكم ؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟ قلنا : فإن كنتم كما
تقولون ؟ فضعوا السلاح. قال : فوضعوها ثم صلينا وصلوا ، وكان خالد يعتذر في
قتله : إنه قال وهو يراجعه : ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا. قال :
أو ما تعده لك صاحبا. ثم قدمه فضرب عنقه وعنق أصحابه.
فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب
تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال : عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ثم نزا
على امرأته ، وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه
صدأ الحديد ، معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام
إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحصلها ثم قال : أرئاء ؟ قتلت امرءا مسلما ثم
نزوت على امرأته ، والله لأرجمنك بأحجارك ولا يكلمه خالد بن وليد ولا يظن إلا
أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه ، حتى دخل على أبي بكر فلما أن دخل عليه
أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه
تلك.
قال فخرج خالد حين رضي عنه أبو
بكر ، وعمر جالس في المسجد فقال خالد : هلم إلي يا بن أم شملة ؟ قال فعرف عمر
أن أبا بكر قد رضي عنه ، فلم يكلمه ودخل بيته.
وقال سويد : كان مالك بن نويرة
من أكثر الناس شعرا وإن أهل العسكر اثفوا برؤوسهم القدور فما منهم رأس إلا
وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكا فإن القدر نضجت وما نزج رأسه من كثرة
شعره ، وقى الشعر البشر حرها أن يبلغ منه ذلك.
وقال ابن شهاب : إن مالك بن
نويرة كان كثير شعر الرأس ، فلما قتل أمر خالد برأسه فنصب اثفية لقدر فنضج ما
فيها قبل أن يخلص النار إلى شؤون رأسه.
وقال عروة : قدم أخو مالك متمم
بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في
(160)
سبيهم فكتب له برد السبي ، وألح عليه عمر في خالد أن يعزله ، وقال : إن في سيفه رهقا.
فقال : لا يا عمر ! لم أكن لاشيم
سيفا سله الله على الكافرين.
وروى ثابت في الدلائل : إن خالدا
رأى امرأة مالك وكانت فائقة في الجمال فقال مالك بعد ذلك لامرأته :
قتلتيني.
يعني سأقتل من أجلك (1) ، وقال
الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي : إن مالك بن نويرة رضي الله عنه
قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد : أقتلتني.
أي عرضتني بحسن وجهك للقتل
لوجوب الدفع عنك ، والمحاماة عليك ، وكانت جميلة حسناء تزوجها خالد بعد قتله
فأنكر ذلك عبد الله بن عمر. وقيل فيه :
أفي
الحق أنا لم تجف دماؤنا
وهذا عروسا باليمامة خالد ؟ (2)
وفي تاريخ ابن شحنة هامش الكامل 7 ص
165 : أمر خالد ضرارا بضرب عنق مالك فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد : هذه
التي قتلتني.
وكانت في غاية الجمال ، فقال
خالد : بل قتلك رجوعك عن الاسلام فقال مالك : أنا مسلم.
فقال خالد : يا ضرار ! إضرب عنقه
فضرب عنقه وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي :
ألا قل
لحي أوطـؤا بالسنابكقضى خالد
بغيا عليه بعرسهفأمضى هواه
خالد غير عاطفوأصبح ذا
أهل وأصبح مالك
تطاول هذا الليل من بعد مالكوكان له فيها هوى قبل ذلكعنان الهوى عنها ولا متمالكإلى غير أهل هالكا في الهوالك
فلما بلغ ذلك أبا بكر وعمر قال عمر
لأبي بكر : إن خالدا قد زنى فاجلده. قال أبو بكر : لا ، لأنه تأول فأخطأ قال :
فإنه قتل مسلما فاقتله. قال : لا ، إنه تأول فأخطأ. ثم قال : يا عمر ! ما كنت
لأغمد سيفا سله الله عليهم ، ورثى مالكا أخوه متمم بقصائد عديدة. وهذا التفصيل
ذكره أبو الفدا أيضا في تاريخه 1 : 158.
1 ـ تأريخ الطبري 3 ص
241 ، تأريخ ابن الأثير 3 ص 149 ، أسد الغابة 4 : 295 ، تأريخ ابن عساكر 5 ص
105 ، 112 ، خزانة الأدب 1 : 237 ، تأريخ ابن كثير 6 ص 321 ، تاريخ الخميس ، 2 :
233 ، الإصابة ج 1 ص 414 و ج ص 357.
2 ـ الفائق 2 ص
154 ، النهاية 3 ص 257 ، تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 158 ، تاج العروس 8 ص
75.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس