الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: 181 ـ 190
(181)
مكانه هناك فكذلك الدنيا وسط الآخرة.
    قال : صدقت قال : فأخبرني الرب يحمل أو يحمل ؟ قال علي بن أبي طالب : يحمل قال رأس جالوت : فكيف ؟ وإنا نجد في التوراة مكتوبا ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية.
    قال علي : يا يهودي : إن الملائكة تحمل العرش ، والثرى يحمل الهواء ، والثرى موضوع على القدرة وذلك قوله تعالى : له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
    قال اليهودي : صدقت رحمك الله. الحديث ( زين الفتى في شرح سورة هل أتى للحافظ العاصمي )

( هلم معي إلى الغلو )
    هذه جملة مما وقفنا عليه من فتاوى أبي بكر وآرائه وهي على قلتها تدلك على مكانته من علم الكتاب ، وعرفان السنة ، وفقه الشريعة ، وأحكام الدين ، أو ليس من المغالاة إذن أن يقال : علم كل ذي حظ من العلم أن الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه ؟ (1).
    أليس من المغالاة ؟ أن يقال : إن المعروف أن الناس قد جمع الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صاحبها أمور أبي بكر ثم عمر ، ولهذا كان ما يوجد من الأمور التي وجد نص يخالفها عن عمر أقل مما وجد عن علي ، وأما أبو بكر فلا يكاد يوجد نص يخالفه ؟ أليس من المغالاة ؟ أن يقال : لم يكن أبو بكر وعمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصان عليا بسؤال ، والمعروف : أن عليا أخذ العلم عن أبي بكر ؟ (2).
    أليس من المغالاة أن يقال : إن أبا بكر من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الإطلاق ؟ قال ابن حجر في الصواعق ص 19.
    أليس من المغالاة ؟ أن يقال : أن أبا بكر أعلم الصحابة وأذكاهم ، وكان مع ذلك أعلمهم بالسنة كما رجع إليه الصحابة في غير موضع ، يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي صلى الله عليه وسلم يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم ، وكيف لا يكون
1 ـ قاله ابن حزم في الفصل 4 : 136. راجع ما مر في الجزء الثالث ص 95 ط 2.
2 ـ منهاج السنة لابن تيمية 3 : 128. راجع ما أسلفناه في ج 6 ص 329 ط 2.


(182)
كذلك وقد واظب على صحبة الرسول الله صلى الله عليه وسلم من أول البعثة إلى الوفاة (1) أليس من المغالاة ؟ ما عزوه إلى النبي الأقدس من قيله صلى الله عليه وآله وسلم ما صب الله في صدري شيئا إلا صببته في صدر أبي بكر (2).
    أليس من المغالاة ؟ ما رووه عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : رأيت كأني أعطيت عسا مملو البنا فشربت منه حتى امتلأت ، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ففضلت منها فضلة فأعطيتها أبا بكر.
    قالوا : يا رسول الله ! هذا علم أعطاكه الله حتى إذا امتلأت ففضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر ، قال صلى الله عليه وسلم : قد أصبتم ( الرياض النضرة 1 : 101 ) أليس من المغالاة ؟ ما جاء به ابن سعد عن ابن عمر من أنه سئل عمن كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أبو بكر وعمر ولا أعلم غيرهما.
    راجع أسد الغابة 3 : 216 ، الصواعق ص 10 ، 20 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 35.
    قال الأميني : ليتني أدري وقومي ما بال القوم ؟ في نحت هذه الدعاوي الفارغة ، واختلاق هذه الأكاذيب المكردسة ، وزعق بسطاء الأمة إلى المزالق والطامات ، و ردعهم عن مهيع الحق ، وجدد الصدق في عرفان الرجال ، ومقادير السلف.
    أليست هذه الآراء تضاد نداه المشرع الأقدس وقوله لفاطمة : أما ترضين إني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما ؟ وقوله لها : زوجتك خير أمتي أعلمهم علما.
    وقوله : إن عليا لأول أصحابي إسلاما وأكثرهم علما.
    وقوله : أعلم أمتي من بعدي علي.
    وقوله : أنا مدينة العلم وعلي بابها.
    وقوله : علي وعاء علمي.
    وقوله : علي باب علمي.
    وقوله : علي خازن علمي.
    وقوله : علي عيبة علمي.
    وقوله : أنا دار الحكمة وعلي بابها.
1 ـ تأريخ الخلفاء للسيوطي ص 29.
2 ـ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 316 ط 2 وهذا الجزء ص 87.


(183)
    وقوله : أنا دار العلم وعلي بابها.
    وقوله : أنا ميزان العلم وعلي كفتاه.
    وقوله : أنا ميزان الحكمة وعلي لسانه وقوله : أقضى أمتي علي.
    وقوله : أقضاكم علي (1) إلى أمثال هذه من الكثير الطيب ، أليست تلكم الآراء المجردة تخالف ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 95 ـ 101 وفي نوادر الأثر في الجزء السادس من أقوال الصحابة الأولين والتابعين بإحسان في علم علي ؟ نظراء عائشة. وعمر. ومعاوية. وابن عباس. وابن مسعود. وعدي بن حاتم. وسعيد بن المسيب. وهشام بن عتبة. وعطاء وعبد الله بن حجل.
    أنى يسوغ القول بأعلمية أي أحد من الأمة غير علي أمير المؤمنين بعد ما مر في الجزء الثالث ص 100 من إجماع أهل العلم أن عليا عليه السلام هو وارث علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم دونهم.
    وما أسلفناه هناك من الصحيح الوارد عن مولانا أمير المؤمنين من قوله : والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه ، فمن أحق به مني ؟ ثم أي نجفة من العلم كانت آية فضلة عس شربها الخليفة من يد النبي الأعظم إن صحت الأحلام ؟ أقوله في الأب ؟ أم رأيه في الكلالة والجد والجدتين والخلافة وغيرها ؟ أبمثل هذه كان هو وصاحبه ويفتيان في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وأي صدر هذا لم يك ينضح بشيء من العلم ـ والاناء ينضح بما فيه ـ بعد ما صب فيه رسول الله كلما صب الله في صدره صلى الله عليه وآله ؟.
    وأنت جد عليم بأن الأخذ بمجامع تلكم الصحاح المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال الصحابة والتابعين في علم أمير المؤمنين عليه السلام والجمع بينها وبين تلكم الآراء في علم أبي بكر يستلزم القول بأعلميته من رسول الله أيضا بعد كونه وعلي صلى الله عليهما وآلهما صنوين في الفضائل ، بعد كون علي رديف أخيه الأقدس ونفسه في مآثره ، بعد كونه وارث علمه وبابه وعيبته ووعاءه وخازنه ، ولا أحسب كل القوم ولأجلهم يقول بذلك.
    نعم : من لم يتحاش عن الغلو في أبي حنيفة والقول بأعلميته من رسول الله
1 ـ راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 95 ط 2 ، والجزء السادس ص 61 / 81 ط 2.

(184)
صلى الله عليه وآله في القضاء كما مر في الجزء الخامس ص 279 ط 2 لا يكترث للقول بذلك في أبي بكر الأفضل من أبي حنيفة.
    هذا هو الغلو الممقوت الذي تصك به المسامع لا ما تقول به الشيعة يا أتباع أبناء حزم وتيمية وكثير وجوزية !

مظاهر علم الخليفة
    وأول مظهر من مظاهر علم الخليفة عند الباقلاني من المتقدمين كما في تمهيده ص 191 ، وعند السيد أحمد زيني دحلان من المتأخرين كما في سيرته هامش الحلبية 3 : 376 هو إعلامه الناس بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وحجاجه عمر بن الخطاب بقول العزيز الحكيم : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. الآية (1).
    ما أذهل الرجلين عن أن الأمر لم يعضل على أي امرئ من الصحابة ، وحاشاهم عن أن يكون هذا مبلغ علمهم ، وقد كان حملة القرآن الكريم بأسرهم على علم من موته صلى الله عليه وآله أخذا بما أجرى الله بين البشر من الطبيعة المطردة وقضى أجلا وأجل مسمى وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ، ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
    وتمسكا بالقرآن العظيم ، ونصوصه صلى الله عليه وآله الكثيرة عليه في مواقف لا تحصى ، أحفلها حجة الوداع ومن هنا سميت تلك الحجة بحجة الوداع.
    ولم يكن إنكار عمر موته صلى الله عليه وآله وسلم لجهله بذلك ، وقد قرأ عمر وبن زائدة عليه و على الصحابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله الآية المذكورة قبل تلاوة أبي بكر إياها وأشفعها بقوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون (2) فضرب الرجل عنها وعن قارئها صفحا ، وعمر وبن زائدة صحابي عظيم استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرت في غزواته كما في الإصابة 2 ص 523.
    وإنما كان إنكاره ذلك وإرهابه الناس لسياسة مدبرة ، وذلك صرف فكرة الشعب
1 ـ آل عمران. آية : 144.
2 ـ راجع تاريخ ابن كثير 5 : 243 ، شرح المواهب للزرقاني 8. 281.


(185)
عن الفحص عن الخليفة إلى أن يحضر أبو بكر وكان غائبا بالسنح (1) خارج المدينة ، وكان الأمر دبر بليل ، ألا ترى أن غير واحد من أعلام القوم قد اعتذروا عن إنكار عمر موته صلى الله عليه وآله سلم بغير الجهل فمنهم من قال : إن ذلك كان لتشوش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جليات الأحوال (2) ومنهم من اعتذر بقوله : خبل عمر في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : إنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه (3).
    ( المظهر الثاني ) وجاء ابن حجر من علم الخليفة بمظاهر أخرى واحتج بها على كونه أعلم الصحابة على الإطلاق.
    منها : ما أخرجه البخاري في صحيحه في صلح الحديبية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله ألست نبي الله حقا ؟ قال : بلى قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذن ؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه ، وهو ناصري.
    قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا.
    قال : فإنك آتيه ومطوف به.
    قال : فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت : يا أبا بكر : أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى.
    قلت : ألسنا على الله وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى.
    قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذن.
    فقال : أيها الرجل ! إنه رسول الله ولن يعصي ربه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فوالله إنه على الحق.
    فقلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى فأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا.
    قال : فإنك آتيه ومطوف به.
    قال الأميني : هل في هذه الرواية غير أن أبا بكر كان مؤمنا بنبوة رسول الله ، وبطبع الحال إن كل من اعتنق هذا المبدء يرى أنه صلى الله عليه وآله لا يعصي ربه وهو ناصره و أن كل ميعاد جاء به لا بد وأن يقع في الأجل المضروب له إن كان موقتا وإلا فهو يقع
1 ـ تاريخ الطبري 3 ص 197 ، طبقات ابن سعد رقم التسلسل ط مصر : 786 ، تفسير القرطبي 4 : 223 عيون الأثر 2 : 339.
2 ـ شرح المقاصد للتفتازاني 2 : 294.
3 ـ عيون الأثر لابن سيد الناس 3 : 339.


(186)
لا محالة في ظرفه الخاص به ، فلا يخالجه شك إذا لم يعجل.
    هذه غاية ما يوصف به أبو بكر بهذا الحديث ، وهو معنى يشترك فيه جميع المسلمين وليس من خاصته ، فأي دلالة فيه على كون أبي بكر أعلم الصحابة على الإطلاق ؟ ولو كان عمر يسأل أي صحابي بسؤاله هذا لما سمع إلا لدة ما أجاب به أبو بكر ومثل ما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكذلك المسلمون كلهم إلى منصرم الدنيا ، فإنك لا تجد عند أحدهم ضميرا غير هذا ، وإذا فاتحته بالكلام عن مثله فلا تسمع جوابا غيره ، فهل فاتح عمر بن غير أبي بكر أحدا من الصحابة وسمع جوابا غير ما أجاب به ؟ حتى يستدل به على أعلميته على الإطلاق أو على التقييد.
    وهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله في صدد بيان غامض من علومه لما أجاب عمر حتى يكون إذا وافقه أبو بكر في الجواب يصبح به أعلم الصحابة على الإطلاق ؟ وابن حجر يعلم ذلك كله ولذلك تعمد بإسقاط لفظ الرواية وقال في الصواعق ص 19 : هو ( أبو بكر ) من أكابر المجتهدين بل هو أعلم الصحابة على الإطلاق للأدلة الواضحة على ذلك منها : ما أخرجه البخاري وغيره أن عمر في صلح الحديبية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك الصلح وقال : علام نعطي الدنية في ديننا فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل عنه صلى الله عليه وسلم من غير أن يعلم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بمثل ذلك الجواب سواء بسواء.
    يوهم ابن حجر أن هناك معضلة كشفها أبو بكر ، أو عويصة من العلوم حلها مما يعد الخوض فيه من الأدلة الواضحة على أعلمية صاحبه من الصحابة على الإطلاق فليفعل ابن حجر ما شاء فإن نظارة التنقيب رقيبة عليه ، والله من وراءه حسيب.
    ( المظهر الثالث ) ومن الأدلة الواضحة عند ابن حجر على أن الخليفة أعلم الصحابة على الإطلاق ما روي في الصواعق ص 19 عن عايشة مرسلا أنها قالت.
    لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشرأب النفاق ، أي رفع رأسه ، وارتدت العرب ، وانحازت الأنصار ، فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها ، أي فتتها ، فما اختلفوا في لفظة إلا طار أبي بعبأها وفصلها ، قالوا : أين ندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فما وجدنا عند أحد في ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه.


(187)
واختلفوا في ميراثه فما وجدنا عند أحد في ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة.
    ثم قال : قال بعضهم : وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة فقال بعضهم : ندفنه بمكة مولده ومنشأه ، وبعضهم بمسجده ، وبعضهم بالبقيع ، وبعضهم ببيت المقدس مدفن الأنبياء ، حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من العلم ، قال ابن زنجويه : وهذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين والأنصار ورجعوا إليه فيها.
    قال الأميني : غاية ما في هذه المرسلة عن عايشة أن أبا بكر روى حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وآله شذت روايتهما عن الحضور في ذينك الموقفين ، فإن يكن بهما أبو بكر أعلم الصحابة على الإطلاق حتى من لم يحضرهما ولو بنحو من التهجم والرجم بالغيب.
    فكيف بمن روى آلافا مؤلفة من الأحاديث شذت عن أبي بكر روايتها جمعاء أو رواية أكثرها ؟ و مع ذلك لا يعد أحد منهم أعلم الصحابة أو أعلم من أبي بكر على الأقل.
    أليس هو صاحب نادرة الأب والكلالة والجد والجدتين إلى نوادر أخرى ؟ أليس هو الآخذ بالسنة الشريفة من نظراء المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وعبد الرحمن بن سهيل إلى أناس آخرين عاديين ؟ كأن ابن حجر يقيس الناس إلى نفسه ويحسبهم ولايد حجر لا يعقلون شيئا و هم يسمعون ، ألا يقول الرجل ما الذي فهمه الصحابة من هتاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم هتف بقوله :
    1 ـ ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة قوله صلى الله عليه وآله :
    2 ـ ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. وقوله صلى الله عليه وآله :
    3 ـ ما بين حجرتي إلى منبري روضة من رياض الجنة. وقوله صلى الله عليه وآله :
    4 ـ ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة وقوله صلى الله عليه وآله :
    5 ـ من سره أن يصلي في روضة من رياض الجنة فليصل بين قبري ومنبري ؟ وهذه الأحاديث أخرجها باللفظ الأول البخاري (1) وأحمد ، وعبد الرزاق ،
1 ـ حكاه الأنصاري عن نسخة من صحيحه في تحفة الباري المطبوع في ذيل إرشاد الساري 4 : 412.

(188)
وسعيد بن المنصور ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والخطيب ، والبزار ، والطبراني ، و الدارقطني ، وأبو نعيم ، وسمويه ، وابن عساكر من طريق جابر ، وسعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ، وأبي سعيد الخدري.
    راجع تاريخ الخطيب 11 : 228 ، 290 ، إرشاد الساري للقسطلاني 4 : 413.
    وصحح إسناد البزار وقال : عند البزار بسند رجاله ثقات ، كنز العمال 6 : 254 ، شرح النووي لمسلم هامش الارشاد 6 : 103 تحفة الباري في ذيل الارشاد 4 : 412 ، وحكاه السمهودي في وفاء الوفا 1 : 303 عن الصحيحين ، وصححه من طريق البزار.
    وأخرجها باللفظ الثاني البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وأحمد ، والدارقطني ، و أبو يعلى ، والبزار ، والنسائي ، وعبد الرزاق ، والطبراني ، وابن النجار ، من طريق جابر وعبد الله بن عمر ، وعبد الله المازني ، وأبي بكر.
    راجع صحيح البخاري كتاب الصلاة : باب فضل ما بين القبر والمنبر وكتاب الحج ، وصحيح مسلم كتاب الحج ، باب : فضل ما بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره ، تيسير الوصول 3 : 323 ، تمييز الطيب ص 139 ، فقال : متفق عليه ، كنوز الدقائق ص 129 ، كنز العمال 6 : 254 ، الجامع الصغير وصححه وقال : حديث متواتر كما في الفيض القدير 5 : 433 ، تحفة الباري في ذيل الارشاد 4 : 412 ، وفاء الوفا 1 : 302 ، 303 وصححه بإسناد أحمد والبزار.
    وأخرجه باللفظ الثالث أحمد ، والشاشي ، وسعيد بن منصور ، والخطيب من طريق جابر وعبد الله المازني كما في تاريخ الخطيب 3 : 360 ، وكنز العمال 6 ، 254 ، وشرح النووي لمسلم هامش الارشاد 6 : 103.
    واللفظ الرابع تجده في الأوسط للطبراني من طريق أبي سعيد الخدري كما في إرشاد الساري 4.
    413 ، ووفاء الوفا 1 : 303.
    والخامس منها أخرجه الديلمي من طريق عبيد الله بن لبيد كما في كنز العمال 6 ص 254.
    وقال ابن أبي الحديد في شرحه 3 : 193 : قلت : كيف اختلفوا في موضع دفنه وقد قال لهم : فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري. وهذا تصريح بأنه


(189)
دفن في البيت الذي جمعهم فيه وهو بيت عايشة
    وهذا الحديث أخرجه ابن سعد ، وابن منيع ، والحاكم ، والبيهقي ، والطبراني في الأوسط من طريق ابن مسعود كما في الخصايص الكبرى للحافظ السيوطي 2 : 276.
    أيرى ابن حجر أن الصحابة بعد تلكم الأحاديث كانوا غير عارفين تلك الروضة المقدسة التي أنبأهم بها نبيهم الأقدس ، وأمرهم بالصلاة عليها ؟ أو يراهم إنهم عرفوا القبر والمنبر وما بينهما من الروضة ، ووقفوا على حدودها من كثب أخذا منه صلى الله عليه وآله ثم اختلفوا في المدفن الشريف ، فباح به أبو بكر فأصبح بذلك أعلمهم على الإطلاق ؟ على أنه لو صحت رواية الدفن لوجب أن يبوح بها رسول الله صلى الله عليه وآله لمن أوصاه بغسله ودفنه (1) لمن ولي غسله وكفنه وإجنانه (2) لمن يعلم أنه يباشر دفنه ويلي إجنانه في منتصف الليل من دون حضور غير أهله كما مر في ص 75 لا الذي يغيب عن ذلك المشهد ، وغلبت على أجفانه عند ذاك سنة الكرى ، وتعيين المدفن من أهم ما يوصى به عند كل أحد فضلا عن سيد البشر ، وهذا الاعتبار يعاضد ما أخرجه أبو يعلى من حديث عايشة أيضا وإن يعارض حديثها عن أبيها قالت : اختلفوا في دفنه ( صلى الله عليه وآله ) فقال علي : إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيه.
    ( الخصايص الكبرى 2 : 278 ) ولعل تجاه هذا الحديث اختلفت رواية الدفن.
    ولو كان عند دفن جثمان القداسة حوار كما نصفه ابن حجر لتناقلته الألسن و تداولته السير والمدونات نقلا عن الصحابة الحضور يوم ذاك الواقفين على الجلبة ، و المستمعين للغط ، ولما اختصت بوصفه صفحات الصواعق أو ما يشاكله من كتب المتأخرين ولا تفردت برواية شيء منها عائشة ، وكيف تفردت بها ؟ وهي التي تقول : ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل (3).
    ثم إن أول مفند لهذه السنة المزعوم اطرادها هو مدفن أول الأنبياء آدم عليه السلام فإنه توفي بمكة ودفن عند الجبل الذي اهبط منه في الهند ، وقيل بجبل
1 ـ طبقات ابن سعد رقم التسلسل 798 ، 801 ، الخصايص الكبرى 2 : 276 ، 277.
2 ـ طبقات ابن سعد ص 798.
3 ـ راجع ما مر في 75.


(190)
أبي قبيس بمكة (1).
    وقد اشترى إبراهيم الخليل على نبينا وآله وعليه السلام مغارة في حبرون (2) من عفرون بن صخر فدفن فيها سارة ثم دفن فيها هو وابنه إسحاق.
    وتوفي يعقوب عليه السلام في مصر واستأذن يوسف سلام الله عليه ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فأذن له وخرج معه أكابر مصر فدفنه في المغارة بحبرون (3).
    ( المظهر الرابع ) أما رواية الإرث فسرعان ما ناقض ابن حجر فيها نفسه. فتراه يحسب ها هنا في ص 19 : أنها مختصة بأبي بكر وهي من الأدلة الواضحة على أعلميته ، وهو يعتقد في صفحة 21 : إنه رواها علي والعباس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وأمهات المؤمنين وقال : كلهم كانوا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك : وإن أبا بكر إنما انفرد باستحضاره أولا ثم استحضره الباقون.
    ما هذا التهافت بين كلامي الرجل ؟ وما أذهله أخيرا عما جاء به أولا ؟ وهل الأعلمية مترشحة من محض الاستحضار أو لا ؟ أو السبق إلى الهتاف به ؟ وكل منهما كما ترى لا يفيد مزية إلا في الحفظ دون العلم.
    ثم لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك لوجب أن يفشيه إلى آله وذويه الذين يدعون الوراثة منه ليقطع معاذيرهم في ذلك بالتمسك بعمومات الإرث من آي القرآن الكريم والسنة الشريفة ، فلا يكون هناك صخب وحوار تتعقبهما محن وإحن ولا تموت بضعته الطاهرة وهي واجدة على أصحاب أبيها (4) ويكون ذلك كله مثارا للبغضاء والعداء في الأجيال المتعاقبة بين أشياع كل من الفريقين وقد بعث هو صلى الله عليه وآله لكسح تلكم المعرات وعقد الاخاء بين الأمم والأفراد.
    ألم يكن صلى الله عليه وآله على بصيرة مما يحدث بعده من الفتن الناشئة من عدم إيقاف
1 ـ تاريخ الطبري 1 : 80 ، 81 العرائس للثعلبي ص 29 ، الكامل لابن الأثير 1 : 22 ، تاريخ ابن كثير 1 : 98 (2) في تاريخ الطبري : جيرون والصحيح : حبرون.
3 ـ تاريخ الطبري 1 : 161 ، 169 ، معجم البلدان 3 : 208 ، تاريخ ابن كثير 1 : 174. 197 ، 220.
4 ـ سيوافيك في هذا الجزء تفصيل ذلك.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس