أحدا أنكر قوله ، ولا استشنع مخرج
نهيه ، ولا خطأه في معناه ، ولا تعجب منه ولا استفهمه.
وكيف تقضون بترك النكير ؟ وقد
شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الأئمة من
قريش (1) ثم قال في شكايته : لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه الشك (2) حين أظهر
الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى وسالم عبد لامرأة من
الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه ، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ، ولا قابل
إنسان بين قوله ولا تعجب منه ، وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة
عنده دليلا على صدق قوله وصواب عمله ، فأما ترك النكير على من يملك الضعة
والرفعة والأمر والنهي القتل والاستحياء والحبس والاطلاق فليس بحج تشفي ولا
دلالة تضئ. إنتهت كلمة الجاحظ.
لا يسعنا أن نفوه في الدفاع عن
الخليفة بما قال ابن كثير في تاريخه 5 ص 249 من أن فاطمة حصل لها ـ وهي امرأة
من البشر ليست براجية العصمة ـ عتب وتغضب ، ولم تكلم الصديق حتى
ماتت.
وقال في ص 289 : وهي امرأة من
بنات آدم تأسف كما يأسفون ، وليست بواجبة العصمة ، مع وجود نص رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومخالفة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
أنى لنا السرف والمجازفة في
القول بمثل هذا تجاه آية التطهير في كتاب الله العزيز النازلة فيها وفي أبيها
وبعلها وبنيها ؟.
أنى لنا بذلك وبين يدينا هتاف
النبي الأقدس صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ؟ وفي
لفظة : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها.
1 ـ أخرجه غير واحد من
الحفاظ وصححه ابن حزم في الفصل 4 : 89 فقال : هذه رواية جاءت مجئ التواتر ،
ورواها أنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاوية ، وروى جابر بن عبد الله وجابر
بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها ، ومما يدل على صحة ذلك إذعان الأنصار به يوم
السقيفة. ه.
2 ـ أخرجه ابن سعد ،
والباقلاني ، وأبو عمر ، والحافظ العراقي كما مر ص 144.
(232)
وفي لفظة فاطمة بضعة مني يقبضني ما
يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها.
وفي لفظة : فاطمة بضعة مني
يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها.
في تاج العروس : أي يتعبني ما
أتعبها.
وفي لفظة : فاطمة بضعة مني
يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها.
وفي لفظة : فاطمة بضعة مني
يسعفني ما يسعفها.
في تاج العروس : أي ينالني ما
ينالها ، ويلم بي ما يلم بها.
وفي لفظة : فاطمة شجنة مني
يبسطني ما يبسطها ، ويقبضني ما يقبضها.
وفي لفظة : فاطمة مضغة مني فمن
آذاها فقد آذاني.
وفي لفظة فاطمة مضغة مني يقبضني
ما قبضها ، ويبسطني ما بسطها.
وفي لفظة : فاطمة مضغة مني يسرني
ما يسرها.
أخرجها على اختلاف ألفاظها أئمة
الصحاح الست وعدة أخرى من رجال الحديث في السنن والمسانيد والمعاجم وإليك
جملة ممن رواها.
1 ـ ابن أبي مليكة المتوفى 117
كما في رواية البخاري ومسلم وابن ماجة و ابن داود وأحمد والحاكم.
2 ـ أبو عمر بن دينار المكي
المتوفى 125 / 6 كما في صحيحي البخاري ومسلم.
3 ـ الليث بن سعد المصري
المتوفى 175 كما في إسناد ابن ماجة وابن داود وأحمد.
4 ـ أبو محمد ابن عيينة الكوفي
المتوفى 198 كما في الصحيحين.
5 ـ أبو النضر هاشم البغدادي
المتوفى 205 / 7 كما في مسند أحمد.
6 ـ أحمد بن يونس اليربوعي
المتوفى 227 كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود.
7 ـ الحافظ أبو الوليد الطيالسي
المتوفى 227 كما في صحيح البخاري.
8 ـ أبو المعمر الهذلي المتوفى
336 كما في صحيح مسلم.
9 ـ قتيبة بن سعيد الثقفي
المتوفى 240 روى عنه مسلم وأبو داود.
10 ـ عيسى بن حماد المصري
المتوفى 248 / 9 روى عنه ابن ماجة.
11 ـ إمام الحنابلة أحمد
المتوفى 241 في مسنده 4 : 323 ، 328.
(233)
12 ـ الحافظ البخاري أبو عبد الله
المتوفى 256 في صحيحه في المناقب 5 : 274.
13 ـ الحافظ مسلم القشيري
المتوفى 261 في صحيحه في الفضائل 2 : 261.
14 ـ الحافظ أبو عبد الله ابن
ماجة المتوفى 272 في سننه 1 ص 216.
15 ـ الحافظ أبو داود السجستاني
المتوفى 275 في سننه 1 ص 324.
16 ـ الحافظ أبو عيسى الترمذي
المتوفى 275 في جامعه 2 ص 319.
17 الحكيم أبو عبد الله الترمذي
المحدث المتوفى 285 في نوادر الأصول 308.
18 ـ الحافظ أبو عبد الرحمن
النسائي المتوفى 303 في خصايصه ص 35.
19 أبو الفرج الاصبهاني المتوفى
303 في الأغاني 8 ص 156.
20 ـ الحاكم أبو عبد الله
النيسابوري المتوفى 405 في المستدرك 1543 ، 158 ، 159.
21 ـ الحافظ أبو نعيم الاصبهاني
المتوفى 430 في حلية الأولياء 2 : 40.
22 ـ الحافظ أبو بكر البيهقي
المتوفى 458 في السنن الكبرى 7 : 307.
23 ـ أبو زكريا الخطيب التبريزي
المتوفى 502 في مشكاة المصابيح ص 560.
24 ـ الحافظ أبو القاسم البغوي
المتوفى 510 / 16 في مصابيح السنة 2 : 278.
25 ـ القاضي أبو الفضل عياض
المتوفى 544 في الشفاء 2 : 19.
26 ـ أخطب الخطباء الخوارزمي
المتوفى 568 في مقتله ص 53.
27 ـ الحافظ أبو القاسم ابن
عساكر المتوفى 571 في تاريخه 1 ص 298.
28 ـ أبو القاسم السهيلي
المتوفى 581 في الروض الأنف 2 : 196.
وقال : إن أبا لبابة رفاعة بن
عبد المنذر ربط نفسه في توبة وإن فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته فقال : قد
أقسمت ألا يحلني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : إن فاطمة مضغة مني.
فصلى الله عليه وعلى فاطمة ،
فهذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر ، ومن صلى عليها فقد صلى على أبيها صلى
الله عليه وسلم.
29 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي
المتوفى 586 في شرح النهج 2 ص 458.
30 ـ أبو الفرج ابن الجوزي
المتوفى 597 في صفة الصفوة 2 : 5.
31 ـ الحافظ أبو الحسن بن
الأثير الجزري المتوفى 630 في أسد الغابة 5 ص 521.
(234)
32 ـ أبو سالم ابن طلحة الشافعي
المتوفى 652 في مطالب السئول ص 6 : 7.
33 ـ سبط ابن الجوزي الحنفي
المتوفى 654 في التذكرة ص 175.
34 ـ الحافظ الكنجي الشافعي
المتوفى 658 في الكفاية ص 220.
35 ـ الحافظ محب الدين الطبري
المتوفى 694 في ذخاير العقبي ص 37.
36 ـ الحافظ أبي محمد الأزدي
الأندلسي المتوفى 699 في شرح المختصر صحيح البخاري 3 : 91.
37 ـ الحافظ الذهبي الشافعي
المتوفى 747 في تلخيص المستدرك.
38 ـ القاضي الإيجي المتوفى 756
في المواقف كما في شرحه 3 : 268.
39 ـ جمال الدين محمد الزرندي
الحنفي المتوفى في بضع و 750 في درر السمطين.
40 ـ أبو السعادات اليافعي
المتوفى 768 في مرآة الجنان 1 : 61.
41 ـ الحافظ زين الدين العراقي
المتوفى 806 في طرح التثريب 1 : 150.
42 ـ الحافظ نور الدين الهيثمي
المتوفى 807 في مجمع الزوائد 9 : 203.
43 ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني
المتوفى 852 في تهذيب التهذيب 12 : 441.
44 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي
المتوفى 911 في الجامع الصغير والكبير 45 ـ الحافظ أبو العباس القسطلاني
المتوفى 923 في المواهب اللدنية 1 : 257.
46 ـ القاضي الديار بكري
المالكي المتوفى 966 / 82 في الخميس 1 : 464.
47 ـ ابن حجر الهيتمي المتوفى
974 في الصواعق 112 ، 114.
48 ـ صفي الدين الخزرجي المتوفى
0 0 0 في الخلاصة ص 435.
49 ـ زين الدين المناوي المتوفى
1031 / 5 في كنوز الدقائق ص 96.
وقال في شرح الجامع الصغير 4 ص
421 : استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه ، وأنها أفضل من الشيخين
قال الشريف السمهودي : ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة
منه ، ومن ثم لما رأت أم الفضل في النوم أن بضعة منه وضعت في حجرها أولها رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأن تلد فاطمة غلاما فيوضع في حجرها ، فولدت الحسن
فوضع في حجرها ، فكل من يشاهد الآن من ذريتها بضعة من تلك البضعة ، وإن تعددت
الوسائط ، ومن تأمل ذلك انبعث من قلبه داعي
(235)
الاجلال لهم وتجنب بغضهم على أي حال
كانوا عليه.
قال ابن حجر : وفيه تحريم أذى من
يتأذى المصطفى صلى الله عليه وآله بتأذيه ، فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ
فتأذت به فالنبي صلى الله عليه وآله يتأذى به بشهاة هذا الخبر ، ولا شيء أعظم
من إدخال الأذى عليها من قبل ولدها ، ولهذا عرف بالاستقرار معاجلة من تعاطى
ذلك بالعقوبة في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد.
50 ـ الشيخ أحمد المغربي
المالكي المتوفى 1041 في فتح المتعال ص 385.
قال في قصيدة كبيرة يمدح بها
رسول الله صلى الله عليه وآله :
فما كسبطي رسول
الله من أحدوهل كفاطمة
الزهراء أمهمافإنها
بضعة منه وما أحد
ولا يضاهيهما في الفخر مفتخربنت النبي المصطفى بشر ؟كبضعة المصطفى إن حقق النظر
51 ـ الشيخ أحمد باكثير المكي الشافعي
المتوفى 1047 في وسيلة المال 52 ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى
1122 في شرح المواهب 3 : 205 قال : استدل به السهيلي على أن من سبها كفر
وتوجيهه أنها تغضب ممن سبها و قد سوى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه كفر.
53 ـ الزبيدي الحنفي المتوفى
1205 في تاج العروس 5. 227 و ج 6 : 139.
54 ـ القندوزي الحنفي المتوفى
1293 في ينابيع المودة ص 171.
55 ـ الحمزاوي المالكي المتوفى
1303 في النور الساري هامش البخاري 5 : 274.
56 ـ الشيخ مصطفى الدمشقي 0 0 0
في مرقاة الوصول ص 109.
57 ـ السيد حميد الدين الآلوسي
المتوفى 1324 في نثر اللئالي ص 181.
58 ـ السيد محمود القراغولي
البغدادي الحنفي في جوهرة الكلام ص 105.
59 ـ عمر رضا كحالة في أعلام
النساء 3 ص 1216.
ثم أنى لنا القول بمقال ابن
كثير وملأ الأسماع قول رسول الله صلى الله عليه وآله : فاطمة قلبي وروحي التي
بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني (1) وقوله : إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضي
لرضاها.
أو : إن الله يغضب لغضبك ويرضى
لرضاك قاله لفاطمة ؟!.
1 ـ راجع الجزء الثالث
من كتابنا هذا ص 20.
(236)
راجع معجم الطبراني ، مستدرك الحاكم 3 :
154 وصححه ، مسند ابن النجار ، مقتل الخوارزمي 1 : 52 ، تذكرة السبط ص 175 ، كفاية
الطالب للكنجي ص 219 ، ذخاير العقبى للمحب الطبري ص 39 ، ميزان الاعتدال 2 : 72 ،
مجمع الزوائد 9 : 203 ، تهذيب التهذيب 12 : 443 ، كنز العمال 7 : 111 ، أخبار
الدول هامش الكامل 1 : 185 ، كنوز الدقايق للمناوي ص 30 ، شرح المواهب للزرقاني
3 : 202 ، الاسعاف ص 171 ، ينابيع المودة 173 ، 174 ، الشرف المؤبد ص 59.
هذه مطلقات تشمل جميع موجبات
الرضا والغضب من الصديقة سلام الله عليها حتى المباحات شأن أبيها الأقدس كما
فهمه القسطلاني والحمزاوي في شرح البخاري وذلك يكشف عن أنها صلوات الله عليها
لا ترضى إلا لما فيه مرضاة المولى سبحانه ، ولا تغضب إلا على ما يغضبه ، حتى
أنها لو رضيت أو غضبت على أمر مباح فإن هناك جهة شرعية تدخله في الراجحات ، أو
يجعله من المكروهات ، فلن تجد منها في أي من الرضا والغضب وجهة نفسية أو صبغة
شهوية ، وذلك معنى العصمة التي نفاها المتحذلق ـ ابن كثير ـ بعد أن تصامم أو
تعامى عن دلالة آية التطهير النازلة فيها وفي أبيها وبعلها وبنيها : إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
هذه أبحاث
مجملة تمثل لنا نفسيات الخليفة ، وملكاته الفاضلة ، نقتصر بها في هذه العجالة وإن لم
تزحفنا ولم يتأت بها القصوى ، غير أن فيها بلغة في إيقاف الباحث على حد الخليفة ،
ومقياسا يعرف به القالي له من الغالي فيه ، والمقتصد فيه من القاسط عليه ، ويمتاز به
سرف القول في امتداحه عن جزاف الامتداخ عليه ، فيهمنا عندئذ ذكر نزر يسير مما سرده
القوم من فضائله التي فيها من الغلو الفاحش ما لا يخفى على أي أحد ثم نشفعه بما جاء
في غيره حتى يعرف أهل الغلو في الفضائل.
ذكر الشيخ
إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه ( عمدة التحقيق ) في بشائر آل الصديق (1) نقلا عن
كتاب ( العقائق ) والصفوري في ( نزهة المجالس ) 2 ص 184 نقلا عن ( عيون المجالس )
قالوا : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لعائشة رضي الله عنها : إن الله
تعالى لما خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرة وجعلها على
عجلة ، وخلق للعجلة ثمانمائة وستين عروة ، وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الأحمر ،
وأمر ستين ألفا من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم التي اختصهم
الله بها ، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبة الخضراء ، وتجلو
جمالها على أهل الغبراء ، وفي كل يوم تقف على خط الاستواء فوق الكعبة لأنها مركز
الأرض و تقول : يا ملائكة ربي إني لأستحي من الله عز وجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة
التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز عليها ، والملائكة تجر الشمس لتعبر على الكعبة بكل
قوتها
1 ـ ص 184
هامش روض الرياحين لليافعي المطبوع بمصر سنة 1315.
(238)
فلا تقبل
منهم وتعجز الملائكة عنها ، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون : أيها
الشمس بحرمة الرجل الذي إسمه منقوش على وجهك المنير إلا رجعت إلى ما كنت فيه من
السير فإذا سمعت ذلك تحركت بقدرة المالك ، فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله
! من هو الرجل الذي إسمه منقوش عليها ؟ قال : هو أبو بكر الصديق يا عائشة ! قبل أن
يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء ، ويخلق على الهواء هذه السماء ،
ويخلق بحرا من الماء ، ويخلق عليه عجلة مركبا للشمس المشرقة على الدنيا ، وإن الشمس
تتمرد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء ، وإن الله تعالى قدر أن يخلق في آخر
الزمان نبيا مفضلا على الأنبياء وهو بعلك يا عائشة ! على رغم الأعداء ، ونقش على وجه
الشمس اسم وزيره أعني أبا بكر صديق المصطفى ، فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت
الشمس ، وعادت إلى سيرها ، بقدرة المولى ، وكذلك إذا مر العاصي من أمتي على نار جهنم
وأرادت النار على المؤمن أن تهجم ، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه
ترجع النار إلى ورائها هاربة ، ولغيره طالبة.
قال
الأميني : إن مما يغمرني في الحيرة أن هذه لعجلة ، لم لم يكتشف عنها علماء الهيئة
قديما وحديثا ، مع توفر أدوات الكشف ومحصلاته لأهل الهيئة الجديدة خاصة ؟ وأنهم
لماذا استقرت آرائهم بعد تقدم العلم واستفحال أمره وكثرة اكتشافاته على دوران الأرض
على الشمس ؟ وتعلمنا الرواية عن أن البخار لم يكن مستخدما عند إنشاء تلك العجلة
فيمدها الله سبحانه به حتى لا يشعر بإرادة مريد ، ولا حياء من يستحي ، فيمضي بالعجلة
ويوصله في أسرع وقت إلى حيث شيء لها قدما ، ولكن العجب أن الله سبحانه لم لم يستبدل
بالبخار عن الملائكة بعد اكتشافه فيطلق صراح أولئك الآلاف المؤلفة المقيدة بسلاسل
بلاء العجلة ، ويعتقهم عن مكابدة تمرد الشمس في كل يوم ؟ وهناك مسألة لا أدري من
المجيب عنها وهي : إن إرادة الله سبحانه الفائقة على كل قوة جامحة وهي تمسك السماء
بغير عمد ترونها ، وتسير الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ، صنع الله الذي أتقن
كل شيء ، لم لم تقم مقام أولئك المسخرين لجر الشمس حتى لا يوقفها تمرد ، ولا تحتاج إلى
عرى وسلاسل ، أو الأقسام بمن
(239)
كتب اسمه
عليها ؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة
والعرى والسلاسل ، وخلق أولئك الجم الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجر الثقيل ، وهو
الذي إذا أراد شيئا أن يكون يقول له : كن.
فيكون ؟ ثم
إن الشمس هلا كانت تعلم أن إرادة الله سبحانه ماضية عليها بجريها إلى الغاية
المقصودة ؟ فما هذا التوقف والتمرد ؟ والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها
وقد جعلها في خطة سيرها.
أني للشمس
أن تجهل بها ؟ وهي هي الشاعرة بخط الاستواء ، ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة
المقدسة ، وهي العارفة بمقامات الصديق ، وإن اسمه منقوش عليها ، وإن من واجبها أن
تنقاد لا تجمح على من أقسم به عليها.
ومن عويصات
لا تنحل : تجديد الشمس تمردها كل يوم ، والشمس تجري لمستقرء لها ذلك تقدير العزيز
العليم (1) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل وسابق النهار و كل في فلك
يسبحون (2).
وأعوص من
ذلك : إنشاد الملائكة إياها في كل نهار بتلك الأنشودة الضخمة و وحي الله إليهم بها
طيلة عمر الدنيا ، هكذا تشوه رواة السوء سمعة السنة الشريفة ، وهي مقدسة عن هذه
الأوهام الخرافية وأن هذه كلها من جراء الغلو الممقوت في الفضائل ، ولو كان مختلق
هذه المرسلة المقطوعة عن الاسناد يعلم ما ذكرناه من الفضايح المترتبة على افتعالها
لما اقتحم هذا الاقتحام المزري.
ذكر
اليافعي في روض الرياحين (3) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : بينما
1 ـ سورة يس. آية 38.
2 ـ سورة يس آية 40.
3 ـ طبع بمصر في المطبعة السعيدية هامش العرائس للثعلبي توجد الرواية في ص 443 ينقل عنه
القسطلاني في المواهب ، وقال الزرقاني في شرح المواهب 3 ص 157 مؤلف حسن ، و طبع
لليافعي كتاب آخر مستقلا في مصر سنة 2315 باسم روض الرياحين أيضا ، وهو تأليفه الآخر
غير المطبوع في حاشية العرائس.
(240)
نحن جلوس
بالمسجد وإذا نحن برجل أعمى قد دخل علينا وسلم فرددنا عليه السلام وأجلسناه بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يقضيني حاجة في حب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما حاجتك يا شيخ ؟ فقال : إن لي أهلا ولم يكن
عندي ما نقتات به ، وأريد من يدفع لنا شيئا نقتات به في حب رسول الله صلى الله عليه
وآله.
قال فنهض
أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال : نعم أنا أعطيك ما يقوم بك في حب رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
ثم قال :
هل من حاجة أخرى ؟ فقال : نعم إن لي ابنة أريد من يتزوج بها في حياتي حبا في محمد
صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه : أنا أتزوج بها في حياتك حبا في رسول
الله صلى الله عليه وسلم هل من حاجة أخرى ؟ فقال : نعم أريد أن أضع يدي في شيبة أبي
بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حبا في محمد صلى الله عليه وسلم.
فنهض أبو
بكر رضي الله عنه ووضع لحيته في يد الأعمى وقال : أمسك لحيتي في حب محمد صلى عليه
وسلم.
قال : فقبض
الأعمى بلحية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال : يا رب أسألك بحرمة شيبة أبي بكر
إلا رددت علي بصري.
قال : فرد
الله عليه بصره لوقته ، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقال :
يا محمد ! السلام يقرئك السلام ، ويخصك بالتحية والاكرام ، ويقول لك : وعزته وجلاله لو
أقسم علي كل أعمى بحرمة شيبة أبي بكر الصديق لرددت عليه بصره ، وما تركت على وجه
الأرض أعمى ، وهذا كله ببركتك وعلو قدرك وشأنك عند ربك.
قال
الأميني : إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
حقا أن هذا
الضرير قد عمي قلبه قبل بصره ، فلم يعقل إن القسم بشيبة رسول الله صلى الله عليه
وآله أولى من شيبة أبي بكر ، فهي مقدمة قداسة وشرفا وزلفة عند الله سبحانه ، وهو صلى
الله عليه وآله أكبر من أبي بكر سنا وأكثر شيبة ، فما أعمى الرجل عنها إن كان يريد
مقسما به يبر الله سبحانه به قسمه ؟ أو أنه له في شيبة أبي بكر غاية لم نعرفها ؟ ثم
أين عن هذه الشيبة عميان أهل السنة ؟ وما أغفلهم عن الوحي المنزل فيها ؟ فيقسمون
على الله بها فيكشف عن أبصارهم ، وما بال الحفاظ وأئمة الحديث أرجأوا نشر هذه
الرواية إلى القرن الثامن عهد اليافعي ؟ هل بخلوا على عميان الأمة بمثل هذا النجاح
الباهر وفي الوحي المزعوم قوله سبحانه : وعزتي وجلالي لو أقسم علي كل أعمى. الخ ؟
أو أنهم وجدوا مولد هذا الحديث بعد
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء السابع ::: فهرس