الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 41 ـ 50
(41)
    66 ـ عن علي مرفوعا : أول من يحاسب يوم القيمة أبو بكر. يأتي بطوله.
    هذه غياهب الإفك والإحن ، وأغشية التمويه والدجل ، ظلمات بعضها فوق بعض ، أو قل : هي أساطير الأولين التي اكتتبوها ، أحاديث الغلو وقصص الخرافة لفقتها يد الأمانة الخائنة على السنة النبوية تقولا على مولانا أمير المؤمنين ، لقد فصلنا القول فيها في طيات أجزاء (1) كتابنا هذا ، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا.

ـ 67 ـ
ليلة الغار والخليفة فيها
    أخرجها أبو نعيم الاصبهاني في حلية الأولياء 1 : 22 عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن محمد بن العباس بن أيوب عن أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب عن أبي معاوية عن هلال بن عبد الرحمن عن عطاء بن أبي ميمونة أبي معاذ عن أنس بن مالك قال : لما كان ليلة الغار قال : أبو بكر يا رسول الله ! دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك.
    قال : ادخل ، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه ، فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع ، قال : فبقي جحر فوضع عقبه عليه ، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم : فأين ثوبك يا أبا بكر ؟ فأخبره بالذي صنع ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال : اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة.
    فأوحى الله تعالى إليه : إن الله قد استجاب لك.
    وقال ابن هشام في السيرة 2 : 98 : حدثني بعض أهل العلم إن الحسن البصري قال : انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
    وذكره ابن كثير في تاريخه 3 : 179 فقال : فيه انقطاع من طرفيه.
    وفي مرسل المحب الطبري في الرياض 1 : 65 : دخل أبو بكر الغار فلم ير فيه جحر إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على جحر كبير فأدخل رجله فيه إلى فخذه ثم قال : ادخل يا رسول الله ! فقد مهدت لك الموضع تمهيدا.
    وبات أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما
1 ـ تجد بسط المقال حول جلها في الجزء الخامس ص 297 375 ط 2.

(42)
هذا يا أبا بكر ؟ وقد تورم جسده فقال : يا رسول الله ! الأفعى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أعلمتني ؟ فقال أبو بكر : كرهت أن أفسد عليك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال.
    وقال في مرسل آخر عن عمر في ص 68 : كان في الغار خروق فيها حيات و أفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منها شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي ، وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : يا أبا بكر ! لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي الطمأنينة لأبي بكر.
    والذي صححه الحاكم في المستدرك من طريق عمر من الحديث قوله : فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله ! حتى استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثم قال : أنزل يا رسول الله ! فنزل فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر.
    فقال الحاكم : صحيح لولا إرسال فيه.
    وفي حديث زيفه ابن كثير بالإرسال أيضا : قال أبو بكر : كما أنت حتى أدخل يدي فأحسه وأقصه فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك.
    قال نافع : فبلغني إنه كان في الغار جحر فألقم أبو بكر رجله ذلك الجحر تخوفا أن يخرج منه دابة أو شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وفي لفظ : لما دخل الغار سدد تلك الأجحر كلها وبقي منها جحر واحد ، فألقمه كعبه فجعلت الأفاعي تنهشه ودموعه تسيل ( تاريخ ابن كثير 3 : 180 ) فقال : في هذا السياق غرابة ونكارة.
    وزاد عليه الحلبي في السيرة : قد كان صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ونام فسقطت دموع أبي بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مالك يا أبا بكر ؟ قال لدغت فداك أبي وأمي ، فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده.
    وقال : زاد في رواية : وإنه رأى على أبي بكر أثر الورم فسأل عنه فقال : من لدغة الحية فقال : هلا أخبرتني ؟ قال : كرهت أن أوقظك فمسحه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب ما به من الورم والألم.


(43)
    وقال : قال بعضهم : والسر في اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصص على رؤوسهم تعظيما للحية التي لدغت أبا بكر في الغار ، لأنهم يزعمون أن ذلك على صورة تلك الحية.
    السيرة الحلبية 2 : 39 ، 40 ، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1 : 342.
    قال الأميني : للباحث حق النظر في هذه الرواية من عدة نواحي ، أولا من حيث رجال السند ولا إسناد لها منذ يوم وضعت ، ولا تروى في كتب السلف والخلف إلا مرسلة إما من الطرفين كرواية ابن هشام ، وإما من طرف واحد كإسناد الحاكم وأبي نعيم ، ومن الغريب جدا أن القضية مشتركة بين اثنين ليس إلا ، وهما : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وروايتها بطبع الحال تنحصر بهما غير أنها لم تنقل عنهما ولم يوجد لهما ذكر في أي سند ، والدواعي في مثلها متوفرة لأن يذكر مع الأبد ، وتتداولها الألسن ، إذ فيها من أعلام النبوة ، وكرامة مع ذلك لأبي بكر.
    وإسناد أبي نعيم المذكور لا يعول عليه لمكان عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال ابن يونس : خلط في الآخر ، ووضع أحاديث على متون معروفة ، وزاد في نسخ مشهورة فافتضح وحرقت الكتب في وجهه.
    وقال الحاكم عن الدار قطني : كذاب ألف كتاب سنن الشافعي وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي.
    وقال الدارقطني : وضع في نسخة عمرو بن الحارث أكثر من مائة حديث.
    وقال علي بن رزيق : كان إذا حدث يقول : لأبي جعفر ابن البرقي في حديث بعد حديث : كتبت هذا عن أحد.
    فكان يقول نعم عن فلان وفلان.
    فاتهمه الناس بأنه يفتعل الأحاديث ، ويدعيها ابن البرقي كعادته في الكذب.
    قال : وكان يصحف أسماء الشيوخ (1).
    على أن عبد الله بن محمد توفي سنة 315 كما في لسان الميزان فلا تتم رواية أبي نعيم عنه وهو من مواليد 336.
1 ـ لسان الميزان 3 : 345.

(44)
    وفيه : محمد بن العباس بن أيوب الحافظ الشهير بابن الاخزم ، قال أبو نعيم نفسه : اختلط قبل موته بسنة كما في لسان الميزان 5 : 216 ولما لم يعلم تاريخ صدور الرواية منه أهو قبل الاختلاط أم بعده ؟ ـ إن لم تعد الرواية من بينات الاختلاط ـ سقطت عن الاعتبار كما هو الشأن في رواية كل من اختلط.
    عن : أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب ، أحسبه السرخسي ، أخرج الخطيب في تاريخه 5 : 140 حديثا من طريقه فقال : رجاله كلهم ثقات معروفون بالثقة إلا المؤدب.
    عن : أبي معاوية محمد بن خازم ، مرجئ مدلس رئيس المرجئة بالكوفة كما في تهذيب التهذيب 9 : 139.
    عن : هلال بن عبد الرحمن قال العقيلي : منكر الحديث ، وقال بعد ما ذكر له أحاديث : كل هذه مناكير لا أصول لها ولا يتابع عليها.
    وقال الذهبي : الضعف على أحاديثه لائح فليترك.
    ( لسان الميزان 6 : 202 ) عن : عطاء بن أبي ميمون.
    ثقة صالح قدري لا يحتج بحديثه ، راجع تهذيب التهذيب 7 : 215.
    ولما لم يصح شيء من أسانيد الرواية ومتونها لم يوعز إليها السيوطي في الخصايص الكبرى في باب ما وقع في الهجرة النبوية من الآيات والمعجزات ، وقد ذكر فيه أحاديث ضعيفة مع النص على ضعفها ، فكأنه عرف بأن ذكر هذه الرواية تمس كرامة المؤلف وتحط مكانة تأليفه عن الأنظار ، وهكذا لم يذكرها أحد ممن ألف في أعلام النبوة ومعاجز النبي الأعظم.
    ثانيا : إن الأصول القديمة في القرون الأولى لا يوجد فيها إلا أن أبا بكر دخل الغار قبل النبي صلى الله عليه وآله لينظر أفيه سبع أو حية كما في سيرة ابن هشام ، ولم يصح عند الحاكم من القصة إلا هذا المقدار كما سمعت ولو صح شيء زايد على هذا لما فاتته روايته ولو مرسلة.
    وزيدت في القرن الرابع قصة الثوب وبقاء جحر واتكاء أبي بكر عليه بعقبه ودعاء النبي صلى الله عليه وآله له لاتقائه عنه صلى الله عليه وآله بثوبه عن لدغ الحشرات المزعومة.


(45)
    وجددت النغمات في قرن المحب الطبري المتخصص الفنان في رواية الموضوعات وجمع شتاتها ، فجاء في روايته ما سمعت غير أن ألفاظه مع وجازته مضطربة جدالا يلتئم شيء منها مع الآخر.
    ثم جاء الحلبي فنوم رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر أبي بكر ، وسقى وجه رسوله الكريم بدموع أبي بكر المتساقطة من الألم ، كل هذه لم يبرد كبد الحلبي وما شافي غليله ، فوجه قوارصه على الرافضة وألبس رؤوسهم لبادا مقصصا على صورة تلك الحية الموهومة التي لم يزعن رافضي قط بوجوده.
    ثم لما أدخل أبو بكر رجله في الجحر ونزل النبي صلى الله عليه وآله ووجده قاعدا لا يتحرك ، ورام أن ينام ، ووضع رأسه الشريف في حجره ، هلا سأل صلى الله عليه وآله صاحبه عن حالته العجيبة وجلوسه المستغرب الذي لا يقوم عنه ؟ وهل يمكن له أن يستر على صاحبه كلما فعل وهو معه ينظر إليه من كثب ؟.
    وأي لديغ هذا ؟ وأي تصبر وتجلد ؟ وأي منظر مهول ؟ رجل الرجل في الجحر إلى فخذه ولا ثوب عليه ، ورأس النبي العظيم في حجره ، والأفاعي والحيات تلدغه و تلسعه من هنا وهنا ، لا اللديغ يتململ السليم ، حتى يحرك رجله أو عقبه فتجد تلكم الحشرات مسرحا فتبعد عنه ، ولا يأن ولا يحن ولا تسمع له زفرة وإن الدموع تتحادر حتى يستيقظ النبي الذي تنام عينه ولا ينام قلبه (1) فينجي صاحبه الذي اختاره لصحبته من لسعة الحيات والأفاعي.
    وهل من العدل والعقل والمنطق أن يحفظ الله نبيه عن كل هاتيك النوازل ؟ و يري له في الدرأ عنه آية بعد آية في سويعات ؟ من ستره عن أعين مشركي قريش لما مر بهم من بين أيديهم ، وإنباته شجرة في وجهه تستره بها ، وإيقاعه حمامتين وحشيتين بفم الغار ، ونسج العناكيب باب الغار بأمر منه تعالى شأنه (1) ، ويدع صاحبه الذي اتخذه بأمره ، وتفانى في حب النبي صلى الله عليه وآله ، وعرض نفسه للمهالك دونه بدخوله الغار قبله ، فلم يدفع عنه لدغ الحيات والأفاعي ، ولا يرحمه في تلك الحالة التي تكسر
1 ـ أخرج الشيخان في الصحيحين مرفوعا : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ، وأخرجا أيضا مرفوعا : إن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
2 ـ طبقات ابن سعد 1 : 213 ، الخصايص الكبرى 1 : 185 : 186.


(46)
القلوب ، وتشجي الافؤدة ، وينظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويقول له : لا تحزن إن الله معنا.
    والمسكين يبكي وتسيل دموعه.
    [ وهلا كان يعلم أبو بكر أن الله الذي أمر نبيه بالهجرة وأدخله الغار يكلاءه عن لدغ الحيات والأفاعي بقدرته كما أعمى عنه عيون البشر الضاري ، وقصر عن النيل منه مخالب تلك الفئة الجاهلة ؟.
    وهلا كان يؤمن بأن صاحبه المفدى لو اطلع على حاله لينجيه بمسحة مسيحية أو بدعوة مستجابة ؟ فكل ما حكي عنه لماذا ؟ ] نعم : أعمى الحب مختلق الرواية وأصمه فجاء بالتافهات غلوا في الفضائل.

ـ 68 ـ
الشيطان لا يتمثل بأبي بكر
    أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8 : 334 عن محمد بن الحسين قطيط أبي الفتح شيباني الذي ترجمه في تاريخه ولم يذكره بثقة. عن :
    2 ـ خلف بن عامر الضرير ، قال الذهبي في ميزانه 1 : فيه جهالة ، قال ابن الجوزي : روى حديثا منكرا ( يعني هذا الحديث ) (1). عن :
    3 ـ محمد بن إسحاق بن مهران أبي بكر الشافعي قال الخطيب في تاريخه 1 : 258 : حديثه كثير المناكير.
    وحسبك في عرفان حاله حديثه الذي أخرجه الخطيب في ترجمته مرفوعا : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنه أمين مأمون.
    فراو يكون هذا حديثه لا يرتاب من كذبه ووضعه. عن :
    4 ـ أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي ذكره ياقوت في المعجم 3 : 228 وقال : قالوا : كان ضعيفا فيما يرويه.
    قال ابن عدي الحافظ : يحدث عن الأصمعي والقرقساني بمناكير وقال أبو أحمد الحافظ : لا يتابع على جل حديثه.
    وحكى ابن حجر في تهذيب التهذيب 1 : 60 كلمة ابن عدي وأبي أحمد وزاد عليها : قال الحاكم أبو عبد الله : سكت مشايخنا عن الرواية عنه ، وقال ابن حبان : ربما خالف ، قال الذهبي : ليس بعمدة.
1 ـ لسان الميزان 2 : 403.

(47)
    وقال السيوطي في بغية الوعاة 5 : 144 : قال ابن عيسى : يحدث بمناكير.
    عن رجال ثقات عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ، ومن رأى أبا بكر الصديق في المنام فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل به.
    قال الأميني : لم يدع القوم خاصة للأنبياء أماثل البشر إلا وقد أشركوا بهم فيها أناسا ليسوا أمثالهم في العصمة والقداسة والنفسيات الكريمة والملكات الفاضلة ، أخرج الشيخان حديث من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي.
    ورواه الحفاظ من طرق صحيحة لا مغمز لها ، ونص السيوطي كما في شرح المناوي على تواتره ، ورآه أئمة الفن من خاصة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن فضائله التي تخص به ، وفصلوا القول في بيان أسراره ، وعده السيوطي من خصائصه صلى الله عليه وآله في الخصايص الكبرى 2 : 258 تحت عنوان ( باب ومن خصائصه إن رويته في المنام حق ) ولم أجد أحدا من شراح الحديث سلفا وخلفا يوعز إلى هذه الموضوعة التي جاء بها الخطيب في القرن الخامس ، فكأن الكل ضربوا عنها صفحا وعرفوا إنها مكذبة مختلقة ، غيران الخطيب راقه أن يرويها ويسكت عما في إسنادها من العلل شأنه في فضائل غير العترة الطاهرة ، وأعجب منه إن ابن حجر ذكرها في لسان الميزان 2 : 403 في ترجمة خلف بن عامر فقال : روى عن محمد بن إسحاق بن مهران بسند صحيح.
    وهو الذي ترجم ثلاثة من رجال السند بما سمعت ، هكذا تخط يد الغلو في الفضائل الجانبية على ودايع العلم والدين ، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (1).

ـ 69 ـ
أبو بكر لم يسؤ النبي قط
    أخرج الخلعي وابن مندة وغيرهما من طريق سهل بن مالك قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فقال : أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك (2).
1 ـ سورة البقرة : 79.
2 ـ الرياض النضرة 1 : 127 ، الإصابة 2 : 90.


(48)
    قال ابن منده : غريب لا نعرفه إلا من وجه خالد بن عمرو الأموي.
    وقال ابن حجر بعد نقله : قلت : خالد بن عمرو متروك واهي الحديث إلى أن قال نقلا عن أبي عمر : و مدار حديثه (1) على خالد بن عمرو وهو متروك وإسناد حديثه مجهولون ضعفاء يدور على سهل بن يوسف أو مالك بن يوسف (2).
    وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب 3 : 109 في ترجمة خالد بن عمرو : قال أحمد منكر الحديث ، ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل ، وعن يحيى بن معين قال : ليس حديثه بشيء ، كان كذابا يكذب ، حدث عن شعبة أحاديث موضوعة ، وقال البخاري والساجي وأبو زرعة : منكر الحديث.
    وقال أبو حاتم : متروك الحديث ضعيف.
    و قال أبو داود : ليس بشيء وقال النسائي : ليس بثقة.
    وقال صالح بن محمد البغدادي : كان يضع الحديث.
    وقال ابن حبان : كان يتفرد عن الثقات بالموضوعات لا يحل الاحتجاج بخبره.
    وقال ابن عدي : روى عن الليث وغيره أحاديث مناكير وأورد له أحاديث من روايته عن الليث عن يزيد ثم قال : وهذه الأحاديث كلها باطلة ، وعندي إنه وضعها على الليث ونسخة الليث عن يزيد عندنا ليس فيها من هذا شيء وله غير ما ذكرت و عامتها أو كلها موضوعة ، وهو بين الأمر من الضعفاء ، وعن أحمد بن حنبل أنه قال : أحاديثه موضوعة .. الخ.
    قال الأميني : إقرأ ثم انظر إلى أمانة الحافظ المحب الطبري يروي هذه الأكذوبة محذوف الاسناد مرسلا إياها إرسال المسلم ويعد ها من فضائل أبي بكر ، وتبعه في جنايته هذه غير واحد من المؤلفين ، وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا ، ويحسبون إنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون.

ـ 70 ـ
الآيات النازلة في أبي بكر
    قال العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 134 : عن الشيخ زين العابدين البكري إنه لما قرأت عليه قصيدة جده محمد البكري ومنها :
1 ـ يعني حديث سهل.
2 ـ الإصابة 2 : 90.


(49)
لإن كان مدح الأولين صحائفا فإنا لآيات الكتاب فواتح
    قال المراد : بأول الكتاب : ألم ذلك الكتاب.
    فالألف أبو بكر ، واللام لله ، والميم محمد.
    وذكر البغوي : إن المراد من قوله تعالى : واتبع سبيل من أناب إلي (1) هو أبو بكر ذكر أهل التفسير في قوله تعالى : ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة : إنه الصديق.
    قال الشيخ محمد زين العابدين : كان للصديق ثلثمائة كرسي وستون كرسيا على كل كرسي حلة بألف دينار.
    قال الأميني : هاهنا ننهي البحث عن فضائل أبي بكر ، ولا يسعنا الولوج في الكلام حول الآيات التي تقول القوم نزولها فيه ، وقد حرفوا آيا كثيرة ، وقالوا في كتاب الله ما سولت لهم الميول والشهوات ، وراقهم الغلو في الفضائل لدة ما سمعت من المخازي ، كما لا نفيض القول في الغلو الفاحش فيه بالقريض مثل قول الشاعر العلامة الملا حسن أفندي البزاز الموصلي في ديوانه ص 42 :
إن قدر الصديق جل فأضحى ليت شعري ما قيمة الشعر فيمن كل من في الوجود يبغي رضا كل مدح مقصرا عن علاه جاء في محكم الكتاب ثناه ؟ الله تعالى والله يبغي رضاه
    وقوله في مدحه أيضا :
إن ذكر الصديق ما دار إلا صاحب الغـار كان للسيد تاه في ذكره الوجود فلولا ملاء الكون هيبة ووقارا المختار والله صاحبا مختارا هيبة منـه أو قرته لطارا
    نعم لنا حق النظر في ثروة أبي بكر التي منحوه بها ، فكانت من جرائها له المنن على رسول الله وعلى الدين والمسلمين ، تلك الثروة الطائلة التي هيئت له ألف ألف أوقية ـ كما جاء فيما أخرجه النسائي (2) عن عائشة قالت : فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف
1 ـ سورة لقمان : 15.
2 ـ ميزان الاعتدال 2 : 341 ، تهذيب التهذيب 8 : 325.


(50)
أوقية (1) ـ ونضدت له ثلثماة وستين كرسيا في داره ، وأسدلت على كل كرسي حلة بألف دينار ، كما سمعته عن الشيخ محمد زين العابدين البكري ، وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمل من لوازم وآثار ، وأثاث ورياش ، ومناضد وأواني وفرش ، لا تقصر عنها في القيمة ، وما يلزم من خدم وحشم ، وقصور شاهقة ، وغرف مشيدة ، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواشي وضيعة وعقار ، إلى غيرها من توابع الجاه والمال.
    أنا لا أدري أي باحة كانت تقل ذلك كله ؟ ولم يفز بمثلها يومئذ أحد من ملوك الدنيا ، وهل كانت الكراسي المذكورة منضدة في غرفة واحدة ؟ فما أكبرها من غرفة ؟ تضاهي ميادين القتال ، ومفازات البراري ، وما أكبر الدار التي هي إحدى غرفها ؟ و أي يوم كان يوم قبول أبي بكر ؟ تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي ، ولم لا نسمع من السير والتواريخ عن ذلك اليوم ركزا ؟ أكان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شيء من حديثه ؟ وطبع الحال يقضي أن يكون في ذلك المحتشد العظيم المتكرر في كل أسبوع ، وعلى الأقل في كل شهر.
    وأقل منه في كل سنة ، ولا أقل من انعقاده في العمر مرة ، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره ، ولا يستسهل المؤرخ تركه ، لكنك بالرغم من ذلك كله لا تجد عنه إلا همسا يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.
    ومن أي حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل على الرجل مليون أوقية من النقود ؟ وكان يومئذ يوم فاقة لقريش ، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه : كنتم تشربون الطرق (2) وتقتالون الورق ، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله (3).
    ولعل في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوة ص 146 من طريق مالك بن أنس إنه بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد أبا بكر وعمر رضي الله
1 ـ الأوقية : أربعون درهما.
2 ـ الطرق بفتح المهملة : الماء المجتمع الذي خيض فيه وبيل وبعر فكدر. لسان العرب.
3 ـ بلاغات النساء ص 13 ، أعلام النساء 3 : 1208.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس