الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 311 ـ 320
(311)
نفسي فقضيتها ، فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقال : إلحق بقومك فإذا بلغك ظهور فأتني وأخرج من طريق عبد الله بن الصامت
قال : قال لي أبو ذر رضي الله عنه : قدمت مكة فقلت : أين الصابئ ؟ فقالوا :
الصابئ.
فأقبلوا يرمونني بكل عظم وحجر حتى تركوني مثل النصب
الأحمر.
وأخرجه أحمد في ( المسند ) 5 : 174 بصورة مفصلة ، ومسلم في ( المناقب ) ، و الطبراني كما في مجمع الزوائد 9 : 329.
حديث علمه 1 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 5 : 170 طليدن من طريق
زاذان سئل علي عن أبي ذر فقال : وعى علما عجز فيه ، وكان شحيحا حريصا على دينه ،
حريصا على العلم ، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع ، أما أن قد ملئ له في وعائه
حتى امتلأ.
وقال أبو عمر : روى عنه جماعة من الصحابة وكان من أوعية العلم
المبرزين في الزهد والورع والقول بالحق ، سئل علي عن أبي ذر فقال : ذلك رجل وعى
علما عجز عنه الناس ، ثم أوكأ فيه فلم يخرج شيئا منه ( الاستيعاب 1 : 83 ، ج 2 : 664 ).
وحديث علي عليه السلام ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 186 ،
والمناوي في شرح الجامع الصغير 5 : 423 ولفظه : وعاء ملئ علما ثم أوكأ عليه ،
وابن حجر في الإصابة 4 : 64 وقال : أخرجه أبو داود بسند جيد.
2 ـ أخرج المحاملي في أماليه والطبراني من طريق أبي ذر قال : ما
ترك رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا مما صبه جبرئيل وميكائيل في صدره إلا
وقد صبه في صدري. الحديث. مجمع الزوائد 9 : 331 ، الإصابة 3 : 484.
قال أبو نعيم في الحلية 1 : 156 : العابد الزهيد ، القانت الوحيد ،
رابع الاسلام ورافض الأزلام قبل نزل الشرع والأحكام ، تعبد قبل الدعوة بالشهور
والأعوام ، وأول من حيا الرسول بتحية الاسلام ، لم يكن تأخذه في الحق لائمة
اللوام ، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام ، أول من تكلم في علم البقاء والفناء ،
وثبت على المشقة والعناء ، وحفظ العهود والوصايا ، وصبر على المحن والرزايا ،
واعتزل مخالطة البرايا ، إلى أن حل بساحة المنايا.
أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.
خدم الرسول ، وتعلم الأصول ، ونبذ الفضول.
(312)
وفي ص 169 : قال الشيخ رحمه الله تعالى : كان أبو ذر رضي الله
تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وآله ملازما وجليسا ، وعلى مسائلته والاقتباس
منه حريصا ، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا ، سأله عن الأصول والفروع ، وسأله
عن الإيمان والاحسان ، وسأله عن رؤية ربه تعالى ، وسأله عن أحب الكلام إلى الله
تعالى ، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم تبقى ؟ وسأله عن كل شيء حتى
مس الحصى في الصلاة.
ثم أخرج من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر قال : سألت
رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل شيئ حتى سألته عن مس الحصى. فقال : مسه
مرة أودع.
وأخرج أحمد في ( مسند ) 5 : 163 عن أبي ذر قال : سألت النبي صلى
الله عليه وآله عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصي فقال : واحدة أودع.
وقال ابن حجر في الإصابة 4 : 64 : كان يوازي ابن مسعود في
العلم.
حديث صدقه وزهده 1 ـ أخرج ابن سعد والترمذي من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص ،
وعبد الله بن عمر ، وأبي الدرداء مرفوعا : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء
أصدق من أبي ذر.
وأخرج الترمذي بلفظ : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي
لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر ، شبه عيسى بن مريم.
فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله ! أفتعرف ذلك له ؟
قال : نعم فاعرفوه.
وفي لفظ الحاكم. ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء من ذي لهجة
أصدق ولا أو في من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم.
فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ! فنعرف ذلك له ؟ قال :
نعم فاعرفوه له.
وفي لفظ ابن ماجة من طريق عبد الله بن عمرو : ما أظلت الخضراء ،
ولا أقلت الغبراء بعد النبيين أصدق من أبي ذر.
وفي لفظ أبي نعيم من ريق أبي ذر : ما تظل الخضراء ولا تقل
الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر شبيه ابن مريم.
وفي لفظ ابن سعد من طريق أبي هريرة : ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم
فلينظر إلى أبي ذر.
(313)
وفي لفظ لأبي نعيم : أشبه الناس بعيسى نسكا وزهدا وبرا.
وفي لفظ من طريق الهجنع بن قيس : ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ثم رجل بعدي ، من سره أن ينظر إلى عيسى بن
مريم زهدا وسمتا فلينظر إلى أبي ذر.
وفي لفظ من طريق علي عليه السلام : ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، يطلب شيئا من الزهد عجز عنه الناس.
وفي لفظ من طريق أبي هريرة : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء
من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن
مريم هديا وبرا ونسكا فعليكم به.
وفي لفظ من طريق أبي الدرداء : ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وفي لفظ ابن سعد من طريق مالك بن دينار : ما أظلت الخضراء ولا
أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن
مريم فلينظر إلى أبي ذر.
أخرجه على اختلاف ألفاظه.
ابن سعد ، الترمذي ، ابن ماجة ، أحمد ، ابن أبي شيبة ، ابن جرير ،
أبو عمر ، أبو نعيم ، البغوي ، الحاكم ، ابن عساكر ، الطبراني ، ابن الجوزي.
راجع طبقات ابن سعد 4 : 167 ، 168 ط ليدن ، صحيح الترمذي 2 : 221 ،
سنن ابن ماجة 1 : 68 ، مسند أحمد 2 : 163 ، 175 ، 223 ، ج 5 : 197 ، ج 6 : 442 ، مستدرك
الحاكم 3 : 342 صححه وأقره الذهبي ، و ج 4 : 480 صححه أيضا وأقره الذهبي ، مصابيح
السنة 2 : 228 ، صفة الصفوة 1 240 ، الاستيعاب 1 : 84 ، تمييز الطيب لابن الديبع ص
137 ، مجمع الزوائد 9 : 329 ، الإصابة لابن حجر 3 : 622 ، و ج 4 : 64 ، الجامع
الصغير للسيوطي من عدة طرق ، شرح الجامع الصغير للمناوي 5 : 423 فقال : قال
الذهبي : سنده جيد وقال الهيثمي : رجال أحمد وثقوا وفي بعضهم خلاف ، كنز العمال
6 : 169 ، و ج 8 : و ج 8 : 1715.
2 أخرج الترمذي في صحيحه 2 : 221 مرفوعا : أبو ذر يمشي في الأرض
بزهد عيسى بن مريم.
(314)
وفي لفظ أبي عمر في ( الاستيعاب ) 2 : 664 : أبو ذر في أمتي على
زهد عيسى بن مريم وفي ص 84 من ج 1 : أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في
زهده.
وبلفظ : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي
ذر.
وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 186 بلفظ أبي عمر
الأول.
3 ـ أخرج الطبراني مرفوعا : من أحب أن ينظر إلى المسيح عيسى بن
مريم إلى برده وصدقه وجده فلينظر إلى أبي ذر.
كنز العمال 6 : 169.
مجمع الزوائد 9 : 330.
4 ـ أخرج الطبراني من طريق ابن مسعود مرفوعا : من سره أن ينظر
إلى شبه عيسى خلقا وخلقا فلينظر إلى أبي ذر. مجمع الزوائد 9 : 330 ، كنز العمال
6 : 169.
5 ـ أخرج الطبراني من طريق ابن مسعود مرفوعا : إن أبا ذر ليباري
عيسى بن مريم في عبادته. كنز العمال 6 : 169.
حديث فضله 1 ـ عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله : إن الله عزوجل
أمرني بحب أربعة وأخبرني إنه يحبهم : علي وأبو ذر والمقداد وسلمان.
أخرجه الترمذي في صحيحه 2 : 213 ، وابن ماجة في سننه 1 : 66 ،
والحاكم في المستدرك 3 : 130 وصححه ، وأبو نعيم في الحلية 1 : 172 ، وأبو عمر في
الاستيعاب 2 : 557 ، وذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه وأقر تصحيحه المناوي
في شرح الجامع 2 : 215 ، وابن حجر في الإصابة 3 : 455 ، وقال السندي في شرح سنن
ابن ماجة : الظاهر إنه أمر إيجاب ويحتمل الندب ، وعلى الوجهين فما أمر به النبي
صلى الله عليه وآله فقد أمر به أمته ، فينبغي للناس أن يحبوا هؤلاء الأربعة
خصوصا.
2 ـ أخرج ابن هشام في السيرة 4 : 179 مرفوعا : رحم الله أبا ذر
يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده.
وأخرج ابن هشام في السيرة ، وابن سعد في الطبقات الكبرى 4 : 170
في حديث دفنه قال : فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله : تمشي وحدك ،
(315)
وتموت وحدك ، وتبعث وحدك.
وذكره أبو عمر في ( الاستيعاب ) 1 : 83 ، وابن الأثير في ( أسد
الغابة ) 5 : 188 ، وابن حجر في ( الإصابة ) 4 : 164.
3 ـ أخرج البزار من طريق أنس بن مالك مرفوعا : الجنة تشتاق إلى
ثلاثة : علي وعمار وأبي ذر.
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 330 فقال : إسناده حسن.
4 ـ أخرج أبو يعلى من طريق الحسين بن علي قال : أتى جبرئيل
النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد ! إن الله يحب من أصحابك ثلاثة
فأحبهم : علي بن أبي طالب ، وأبو ذر ، والمقداد بن الأسود. مجمع الزوائد 9 :
330.
5 ـ أخرج الطبري من طريق أبي الدرداء إنه ذكر أبا ذر فقال : إن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، ويسر إليه حين
لا يسر إلى أحد. كنز العمال 8 : 15.
وأخرج أحمد في المسند 5 : 197 من طريق عبد الرحمن بن غنم قال :
إنه زار أبا الدرداء بحمص فمكث عنده ليالي وأمر بحماره فأوكف فقال أبو
الدرداء : ما أراني إلا متبعك فأمر بحماره فأسرج فسارا جميعا على حماريهما
فلقيا رجلا شهد الجمعة بالأمس عند معاوية بالجابية فعرفهما الرجل ولم يعرفاه
فأخبرهما خبر الناس ، ثم إن الرجل قال : وخبر آخر كرهت أن أخبركما أراكما
تكرهانه.
فقال أبو الدرداء : فلعل أبا ذر نفي ؟ قال : نعم والله ، فاسترجع
أبو الدرداء وصاحبه قريبا من عشر مرات ثم قال : أبو الدرداء : إرتقبهم
واصطبر.
كما قيل لأصحاب الناقة ، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه ،
اللهم وإن اتهموه فإني لا أتهمه ، اللهم وإن استغشوه فأني لا استغشه ، فإن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، ويسر إليه حين لا يسر
إلى أحد ، أما و الذي نفس أبي الدرداء بيده لو أن أبا ذر قطع يميني ما أبغضه
بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما أظلت الخضراء.
الحديث.
وأخرجه الحاكم ملخصا في المستدرك 3 344 وصححه وقال الذهبي : سند
جيد.
(316)
6 ـ من طريق ابن الحارث عن أبي الدرداء أنه قال وذكرت له أبا
ذر : والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليدنيه دوننا إذا حضر ،
ويتفقده إذا غاب ، ولقد علمت أنه قال : ما تحمل الغبراء ولا تظل الخضراء للبشر
بقول أصدق لهجة من أبي ذر.
كنز العمال 8 : 15 ، مجمع الزوائد 9 : 330 ، الإصابة 4 : 63 ، نقلا
عن الطبراني لفظه : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبتدئ أبا ذر إذا حضر
ويتفقده إذا غاب.
7 ـ أخرج أحمد في مسنده 5 : 181 من طريق أبي الأسود الدؤلي أنه
قال : رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فما رأيت لأبي ذر شبيها.
وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 331.
8 ـ روى شهاب الدين الأبشيهي في المستطرف 1 : 166 قال : مر أبو
ذر على النبي صلى الله عليه وآله ومعه جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي
فلم يسلم فقال جبريل : هذا أبو ذر لو سلم لرددنا عليه.
فقال : أتعرفه يا جبريل ؟ قال : والذي بعثك بالحق نبيا لهو في
ملكوت السماوات السبع أشهر منه في الأرض قال : بم نال هذه المنزلة ؟ قال :
بزهده في هذه الحطام الفانية.
وذكره الزمخشري في ربيع الأبرار باب 23.
1 ـ أخرج الحاكم في ( المستدرك ) 3 : 343 من طريق صححه عن أبي
ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كنت في
حثالة ؟ وشبك بين أصابعه ، قلت : يا رسول الله ! فما تأمرني ؟ قال : اصبر اصبر
اصبر ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم في أعمالهم.
2 ـ أخرج أبو نعيم في الحلية 1.
162 من طريق سلمة بن الأكوع عن أبي ذر رضي الله عنه قال : بينا
أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي : يا أبا ذر ! أنت رجل صالح
وسيصيبك بلاء بعدي.
قلت : في الله ؟ قال : في الله. قلت : مرحبا بأمر الله.
3 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 4 ص 166 ط ليدن من طريق
أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كانت
عليك أمراء يستأثرون بالفئ ؟ قال : قلت : إذا والذي بعثك بالحق أضرب بسيفي حتى
الحق به.
فقال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ إصبر حتى تلقاني.
(317)
وفي لفظ أحمد وأبي داود : كيف أنت وأئمة من بعدي تستأثرون بهذا
الفئ ؟ قال : قلت : إذا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى
ألقاك ؟ أو : الحق بك.
قال : أولا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ تصبر حتى تلقاني وفي
لفظ : كيف أنت عند ولاة يستأثرون بهذا الفئ ؟.
مسند أحمد 5 : 180 ، سنن أبي داود 2 : 282 ، لأحمد طريقان كلاهما
صحيحان رجالهما كلهم ثقات ، وهم :
1 ـ يحيى بن آدم ، مجمع على ثقته من رجال الصحاح الست.
2 ـ زهير بن معاوية الكوفي ، متفق على ثقته من رجال الصحاح
الست.
3 ـ يحيى بن أبي بكير الكوفي مجمع على ثقته من رجال الصحاح
الست.
4 ـ مطرف بن طريف ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست.
5 ـ أبو الجهم سليمان بن الجهم الحارثي تابعي لا خلاف في
ثقته.
6 ـ خالد بن وهبان ، تابعي ثقة.
4 ـ أخرج أحمد في المسند 5 : 178 من طريق أبي السليل في حديث عن
أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا أبا ذر ! كيف تصنع إن أخرجت
من المدينة ؟ قال : قلت : إلى السعة والدعة انطلق حتى أكون حمامة من حمام
مكة.
قال : كيف تصنع إن أخرجت من مكة ؟ قال : قلت : إلى السعة والدعة
إلى الشام والأرض المقدسة.
قال : وكيف تصنع إن أخرجت من الشام ؟ قال : إذا والذي بعثك بالحق
أضع سيفي على عاتقي قال : أو خير من ذلك ؟ قال : قلت : أو خير من ذلك ؟ قال :
تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا.
رجال الاسناد كلهم ثقات وهم :
1 ـ يزيد بن هارون بن وادي. مجمع على ثقته من رجال
الصحيحين.
2 ـ كهمس بن الحسن البصري. ثقة من رجال الصحيحين.
3 ـ أبو السليل ضريب بن نقير البصري. ثقة من رجال مسلم والصحاح
الأربعة غير البخاري.
وفي لفظ : كيف تصنع إذا خرجت منه ؟ أي المسجد النبوي.
قال : آتي الشام.
(318)
قال : كيف تصنع إذا خرجت منها ؟ قال : أعود إليه أي المسجد.
قال : كيف تصنع إذا خرجت منه ؟ قال : أضرب بسيفي.
قال : أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا ؟ قال : تسمع
وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك.
فتح الباري 3 : 213 ، عمدة القاري 4 : 291.
5 ـ أخرج الواقدي من طريق أبي الأسود الدؤلي قال : كنت أحب لقاء
أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت الربذة فقلت له : ألا تخبرني أخرجت من
المدينة طائعا ، أم خرجت مكرها ؟ فقال : كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغنى عنهم
فأخرجت إلى مدينة الرسول عليه السلام فقلت : أصحابي ودار هجرتي فأخرجت منها
إلى ما ترى ثم قال : بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله
فضربني برجله وقال : لا أراك نائما في المسجد فقلت : بأبي أنت وأمي غلبتني عيني
فنمت فيه فقال : كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ فقلت : إذن الحق بالشام فإنها أرض
مقدسة وأرض بقية الاسلام وأرض الجهاد فقال : فكيف تصنع إذا أخرجت منها ؟ فقلت :
أرجع إلى المسجد قال : فكيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ قلت : إذن آخذ سيفي فأضرب به
فقال صلى الله عليه وآله : ألا أدلك على خير من ذلك ؟ انسق معهم حيث ساقوك
وتسمع وتطيع.
فسمعت واطع وأنا أسمع وأطيع والله ليلقين الله عثمان وهو آثم
في جنبي.
شرح ابن أبي الحديد 1 : 241.
وبهذا الطريق واللفظ أخرجه أحمد في المسند 5 : 156 والإسناد
صحيح رجاله كلهم ثقات وهم :
1 ـ علي بن عبد الله المديني ، وثقه جماعة وقال النسائي : ثقة
مأمون أحد الأئمة في الحديث.
2 ـ معمر بن سليمان أبو محمد البصري ، متفق على ثقته من رجال
الصحاح الست.
3 ـ داود بن أبي الهند أبو محمد البصري ، مجمع على ثقته من رجال
الصحاح غير البخاري وهو يروي عنه في التاريخ من دون غمز فيه.
4 ـ أبو الحرب بن الأسود الدؤلي ، ثقة من رجال مسلم.
5 ـ أبو الأسود الدؤلي ، تابعي متفق على ثقته من رجال الصحاح
الست.
6 ـ مر في ص 296 في حديث تسيير أبي ذر : قال ( عثمان ) : فإني
مسيرك
(319)
إلى الربذة. قال ( أبو ذر ) الله أكبر صدق رسول الله صلى الله
عليه وآله قد أخبرني بكل ما أنا لاق قال عثمان : وما قال لك ؟ قال : أخبرني
بأني أمنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة. الحديث.
وفضايله وفواضله وعلمه وتقواه وإسلامه وإيمانه ومكارمه وكرائمه
ونفسياته وملكاته الفاضلة وسابقته ولاحقته وبدء أمره ومنتهاه ، فأيا منها كان
ينقمه الخليفة عليها فطفق يعاقبه ويطارده من معتقل إلى منفي ، ويستجلبه على
قتب بغير وطاء ، يطير مركبه خمسة من الصقالبة الأشداء حتى أتوا به المدينة وقد
تسلخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف ، ولم يفتأ يسومه سوء العذاب حتى سالت نفسه
في منفاه الأخير ( الربذة ) على غير ماء ولا كلاء يلفحه حر الهجير ، وليس له
من ولي حميم يمرضه ، ولا أحد من قومه يواري جثمانه الطاهر ، مات رحمه الله
وحده ، وسيحشر وحده كما أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي خوله
بتلكم الفضائل ، والله سبحانه من فوقهما نعم الخصيم للمظلوم ، فانظر لمن الفلج
يومئذ.
لقد كان الخليفة يباري الريح في العطاء لحامته ومن ازدلف إليه
ممن يجري مجراهم ، فملكوا من عطاياه وسماحه الملايين ، وليس فيهم من يبلغ
شأوابي ذر في السوابق والفضائل ، ولا يشق له غبارا في أكرومة ، فماذا الذي أخر
أبا ذر عنهم حتى قطعوا عنه عطائه الجاري ؟ ومنعوه الحظوة بشيء من الدعة ،
وأجفلوه عن عقر داره وجوار النبي الأعظم ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، ولماذا
نودي عليه في الشام أن لا يجالسه أحد (1) ؟ ولماذا يفر الناس منه في المدينة
؟ ولماذا حظر عثمان على الناس أن يقاعدوه ويكلموه ؟ ولماذا يمنع الخليفة عن
تشييعه ويأمر مروان أن لا يدع أحدا يكلمه ؟ فلم يحل ذلك الصحابي العظيم إلا
محلا وعرا ، ولم يرتحل إلا إلى متبوأ الارهاب كأنما خلق أبو ذر للعقوبة فحسب ،
وهو من عرفته الأحاديث التي ذكرناها ، وقصته لعمر الله وصمة على الاسلام وعلى
خليفته لا تنسى مع الأبد.
1 ـ أخرجه ابن سعد في الطبقات 4 : 168.
نعم إن أبا ذر ينقم ما كان مطردا عند ذاك من السرف في العطاء
من دون أي كفائة في المعطى ( بالفتح ) ومخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم في ذلك وفي كلما يخالف السنة الشريفة واضطهاد أهل السوابق من الأمة بيد
أمراء البيت الأموي رجال العيث والعبث ، وكانوا يحسبون عرش ذلك اليوم قد استقر
على تلكم الأعمال ، فرأوا أن في الاصاخة إلى قيل أبي ذر وشاكلته من صلحاء
الصحابة تزحزحا لذلك العرش عن مستقره ، أو أن مهملجة الجشع الذين حصلوا على
تلكم الثروات الطائلة خافوه أن يسلب ما في أيديهم إن وعى واع إلى هتافه ،
فتألبوا عليه وأغروا خليفة الوقت به بتسويلات متنوعة حتى وقع ما وقع ،
والخليفة أسير هوى قومه ، ومسير بشهواتهم ، مدفوع بحب بني أبيه وإن كانوا من
الشجرة المنعوتة في القرآن.
وما كان أبو ذر يمنعهم عن جلب الثروة من حقها ، ولا يبغي سلب
السلطة عمن ملك شيئا ملكا مشروعا ، لكنه كان ينقم أهل الأثرة على اغتصابهم
حقوق المسلمين ، وخضمهم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وما كان يتحرى إلا
ما أراد الله سبحانه بقوله عز من قائل : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، وما جاء به رسول الله صلى الله
عليه وآله في الجهات المالية.
أخرج أحمد في مسنده 5 : 164 ، 176 من طريق الأحنف بن قيس قال :
كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر الناس منه حين يرونه قال : قلت : من أنت ؟ قال :
أنا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قلت : ما يفر الناس منك ؟
قال : إني أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول الله.
وفي لفظ مسلم في صحيحه 3 : 77 قال الأحنف بن قيس : كنت في نفر من
قريش فمر أبو ذر رضي الله عنه وهو يقول : بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من
جنوبهم ، وبكي من أقفيتهم بخرج من جباههم قال : ثم تنحى فقعد إلى سارية فقلت :
من هذا ؟ قالوا : هذا أبو ذر فقمت إليه فقلت : ما شيء سمعتك تقول قبيل ؟ قال : ما
قلت إ شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وآله قال : قلت : ما تقول في هذا
العطاء ؟ قال : خذه فإن فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فدعه. ( سنن
البيهقي 6 : 359 ).
وأخرج أبو نعيم في الحلية 1 : 162 من طريق سفيان بن عيينة
بإسناده عن أبي ذر
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس