الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: 311 ـ 320
(311)
نفسي فقضيتها ، فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إلحق بقومك فإذا بلغك ظهور فأتني وأخرج من طريق عبد الله بن الصامت قال : قال لي أبو ذر رضي الله عنه : قدمت مكة فقلت : أين الصابئ ؟ فقالوا : الصابئ.
    فأقبلوا يرمونني بكل عظم وحجر حتى تركوني مثل النصب الأحمر.
    وأخرجه أحمد في ( المسند ) 5 : 174 بصورة مفصلة ، ومسلم في ( المناقب ) ، و الطبراني كما في مجمع الزوائد 9 : 329.

    حديث علمه
    1 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 5 : 170 طليدن من طريق زاذان سئل علي عن أبي ذر فقال : وعى علما عجز فيه ، وكان شحيحا حريصا على دينه ، حريصا على العلم ، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع ، أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
    وقال أبو عمر : روى عنه جماعة من الصحابة وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول بالحق ، سئل علي عن أبي ذر فقال : ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس ، ثم أوكأ فيه فلم يخرج شيئا منه ( الاستيعاب 1 : 83 ، ج 2 : 664 ).
    وحديث علي عليه السلام ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 186 ، والمناوي في شرح الجامع الصغير 5 : 423 ولفظه : وعاء ملئ علما ثم أوكأ عليه ، وابن حجر في الإصابة 4 : 64 وقال : أخرجه أبو داود بسند جيد.
    2 ـ أخرج المحاملي في أماليه والطبراني من طريق أبي ذر قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا مما صبه جبرئيل وميكائيل في صدره إلا وقد صبه في صدري. الحديث. مجمع الزوائد 9 : 331 ، الإصابة 3 : 484.
    قال أبو نعيم في الحلية 1 : 156 : العابد الزهيد ، القانت الوحيد ، رابع الاسلام ورافض الأزلام قبل نزل الشرع والأحكام ، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام ، وأول من حيا الرسول بتحية الاسلام ، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام ، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام ، أول من تكلم في علم البقاء والفناء ، وثبت على المشقة والعناء ، وحفظ العهود والوصايا ، وصبر على المحن والرزايا ، واعتزل مخالطة البرايا ، إلى أن حل بساحة المنايا.
    أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.
    خدم الرسول ، وتعلم الأصول ، ونبذ الفضول.


(312)
    وفي ص 169 : قال الشيخ رحمه الله تعالى : كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وآله ملازما وجليسا ، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصا ، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا ، سأله عن الأصول والفروع ، وسأله عن الإيمان والاحسان ، وسأله عن رؤية ربه تعالى ، وسأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى ، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم تبقى ؟ وسأله عن كل شيء حتى مس الحصى في الصلاة.
    ثم أخرج من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل شيئ حتى سألته عن مس الحصى. فقال : مسه مرة أودع.
    وأخرج أحمد في ( مسند ) 5 : 163 عن أبي ذر قال : سألت النبي صلى الله عليه وآله عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصي فقال : واحدة أودع.
    وقال ابن حجر في الإصابة 4 : 64 : كان يوازي ابن مسعود في العلم.

    حديث صدقه وزهده
    1 ـ أخرج ابن سعد والترمذي من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمر ، وأبي الدرداء مرفوعا : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر.
    وأخرج الترمذي بلفظ : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر ، شبه عيسى بن مريم.
    فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله ! أفتعرف ذلك له ؟ قال : نعم فاعرفوه.
    وفي لفظ الحاكم. ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق ولا أو في من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم.
    فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ! فنعرف ذلك له ؟ قال : نعم فاعرفوه له.
    وفي لفظ ابن ماجة من طريق عبد الله بن عمرو : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء بعد النبيين أصدق من أبي ذر.
    وفي لفظ أبي نعيم من ريق أبي ذر : ما تظل الخضراء ولا تقل الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر شبيه ابن مريم.
    وفي لفظ ابن سعد من طريق أبي هريرة : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.


(313)
    وفي لفظ لأبي نعيم : أشبه الناس بعيسى نسكا وزهدا وبرا.
    وفي لفظ من طريق الهجنع بن قيس : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ثم رجل بعدي ، من سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم زهدا وسمتا فلينظر إلى أبي ذر.
    وفي لفظ من طريق علي عليه السلام : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، يطلب شيئا من الزهد عجز عنه الناس.
    وفي لفظ من طريق أبي هريرة : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبرا ونسكا فعليكم به.
    وفي لفظ من طريق أبي الدرداء : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
    وفي لفظ ابن سعد من طريق مالك بن دينار : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
    أخرجه على اختلاف ألفاظه.
    ابن سعد ، الترمذي ، ابن ماجة ، أحمد ، ابن أبي شيبة ، ابن جرير ، أبو عمر ، أبو نعيم ، البغوي ، الحاكم ، ابن عساكر ، الطبراني ، ابن الجوزي.
    راجع طبقات ابن سعد 4 : 167 ، 168 ط ليدن ، صحيح الترمذي 2 : 221 ، سنن ابن ماجة 1 : 68 ، مسند أحمد 2 : 163 ، 175 ، 223 ، ج 5 : 197 ، ج 6 : 442 ، مستدرك الحاكم 3 : 342 صححه وأقره الذهبي ، و ج 4 : 480 صححه أيضا وأقره الذهبي ، مصابيح السنة 2 : 228 ، صفة الصفوة 1 240 ، الاستيعاب 1 : 84 ، تمييز الطيب لابن الديبع ص 137 ، مجمع الزوائد 9 : 329 ، الإصابة لابن حجر 3 : 622 ، و ج 4 : 64 ، الجامع الصغير للسيوطي من عدة طرق ، شرح الجامع الصغير للمناوي 5 : 423 فقال : قال الذهبي : سنده جيد وقال الهيثمي : رجال أحمد وثقوا وفي بعضهم خلاف ، كنز العمال 6 : 169 ، و ج 8 : و ج 8 : 1715.
    2 أخرج الترمذي في صحيحه 2 : 221 مرفوعا : أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم.


(314)
    وفي لفظ أبي عمر في ( الاستيعاب ) 2 : 664 : أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم وفي ص 84 من ج 1 : أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده.
    وبلفظ : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
    وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5 : 186 بلفظ أبي عمر الأول.
    3 ـ أخرج الطبراني مرفوعا : من أحب أن ينظر إلى المسيح عيسى بن مريم إلى برده وصدقه وجده فلينظر إلى أبي ذر.
    كنز العمال 6 : 169.
    مجمع الزوائد 9 : 330.
    4 ـ أخرج الطبراني من طريق ابن مسعود مرفوعا : من سره أن ينظر إلى شبه عيسى خلقا وخلقا فلينظر إلى أبي ذر. مجمع الزوائد 9 : 330 ، كنز العمال 6 : 169.
    5 ـ أخرج الطبراني من طريق ابن مسعود مرفوعا : إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. كنز العمال 6 : 169.

    حديث فضله
    1 ـ عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله : إن الله عزوجل أمرني بحب أربعة وأخبرني إنه يحبهم : علي وأبو ذر والمقداد وسلمان.
    أخرجه الترمذي في صحيحه 2 : 213 ، وابن ماجة في سننه 1 : 66 ، والحاكم في المستدرك 3 : 130 وصححه ، وأبو نعيم في الحلية 1 : 172 ، وأبو عمر في الاستيعاب 2 : 557 ، وذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه وأقر تصحيحه المناوي في شرح الجامع 2 : 215 ، وابن حجر في الإصابة 3 : 455 ، وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة : الظاهر إنه أمر إيجاب ويحتمل الندب ، وعلى الوجهين فما أمر به النبي صلى الله عليه وآله فقد أمر به أمته ، فينبغي للناس أن يحبوا هؤلاء الأربعة خصوصا.
    2 ـ أخرج ابن هشام في السيرة 4 : 179 مرفوعا : رحم الله أبا ذر يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده.
    وأخرج ابن هشام في السيرة ، وابن سعد في الطبقات الكبرى 4 : 170 في حديث دفنه قال : فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله : تمشي وحدك ،


(315)
وتموت وحدك ، وتبعث وحدك.
    وذكره أبو عمر في ( الاستيعاب ) 1 : 83 ، وابن الأثير في ( أسد الغابة ) 5 : 188 ، وابن حجر في ( الإصابة ) 4 : 164.
    3 ـ أخرج البزار من طريق أنس بن مالك مرفوعا : الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وأبي ذر.
    ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 330 فقال : إسناده حسن.
    4 ـ أخرج أبو يعلى من طريق الحسين بن علي قال : أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد ! إن الله يحب من أصحابك ثلاثة فأحبهم : علي بن أبي طالب ، وأبو ذر ، والمقداد بن الأسود. مجمع الزوائد 9 : 330.
    5 ـ أخرج الطبري من طريق أبي الدرداء إنه ذكر أبا ذر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، ويسر إليه حين لا يسر إلى أحد. كنز العمال 8 : 15.
    وأخرج أحمد في المسند 5 : 197 من طريق عبد الرحمن بن غنم قال : إنه زار أبا الدرداء بحمص فمكث عنده ليالي وأمر بحماره فأوكف فقال أبو الدرداء : ما أراني إلا متبعك فأمر بحماره فأسرج فسارا جميعا على حماريهما فلقيا رجلا شهد الجمعة بالأمس عند معاوية بالجابية فعرفهما الرجل ولم يعرفاه فأخبرهما خبر الناس ، ثم إن الرجل قال : وخبر آخر كرهت أن أخبركما أراكما تكرهانه.
    فقال أبو الدرداء : فلعل أبا ذر نفي ؟ قال : نعم والله ، فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قريبا من عشر مرات ثم قال : أبو الدرداء : إرتقبهم واصطبر.
    كما قيل لأصحاب الناقة ، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه ، اللهم وإن اتهموه فإني لا أتهمه ، اللهم وإن استغشوه فأني لا استغشه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، ويسر إليه حين لا يسر إلى أحد ، أما و الذي نفس أبي الدرداء بيده لو أن أبا ذر قطع يميني ما أبغضه بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما أظلت الخضراء. الحديث.
    وأخرجه الحاكم ملخصا في المستدرك 3 344 وصححه وقال الذهبي : سند جيد.


(316)
    6 ـ من طريق ابن الحارث عن أبي الدرداء أنه قال وذكرت له أبا ذر : والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله ليدنيه دوننا إذا حضر ، ويتفقده إذا غاب ، ولقد علمت أنه قال : ما تحمل الغبراء ولا تظل الخضراء للبشر بقول أصدق لهجة من أبي ذر.
    كنز العمال 8 : 15 ، مجمع الزوائد 9 : 330 ، الإصابة 4 : 63 ، نقلا عن الطبراني لفظه : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبتدئ أبا ذر إذا حضر ويتفقده إذا غاب.
    7 ـ أخرج أحمد في مسنده 5 : 181 من طريق أبي الأسود الدؤلي أنه قال : رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فما رأيت لأبي ذر شبيها.
    وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 331.
    8 ـ روى شهاب الدين الأبشيهي في المستطرف 1 : 166 قال : مر أبو ذر على النبي صلى الله عليه وآله ومعه جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي فلم يسلم فقال جبريل : هذا أبو ذر لو سلم لرددنا عليه.
    فقال : أتعرفه يا جبريل ؟ قال : والذي بعثك بالحق نبيا لهو في ملكوت السماوات السبع أشهر منه في الأرض قال : بم نال هذه المنزلة ؟ قال : بزهده في هذه الحطام الفانية.
    وذكره الزمخشري في ربيع الأبرار باب 23.

عهد النبي الأعظم إلى أبي ذر
    1 ـ أخرج الحاكم في ( المستدرك ) 3 : 343 من طريق صححه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كنت في حثالة ؟ وشبك بين أصابعه ، قلت : يا رسول الله ! فما تأمرني ؟ قال : اصبر اصبر اصبر ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم في أعمالهم.
    2 ـ أخرج أبو نعيم في الحلية 1.
    162 من طريق سلمة بن الأكوع عن أبي ذر رضي الله عنه قال : بينا أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي : يا أبا ذر ! أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي.
    قلت : في الله ؟ قال : في الله. قلت : مرحبا بأمر الله.
    3 ـ أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 4 ص 166 ط ليدن من طريق أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفئ ؟ قال : قلت : إذا والذي بعثك بالحق أضرب بسيفي حتى الحق به.
    فقال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ إصبر حتى تلقاني.


(317)
    وفي لفظ أحمد وأبي داود : كيف أنت وأئمة من بعدي تستأثرون بهذا الفئ ؟ قال : قلت : إذا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك ؟ أو : الحق بك.
    قال : أولا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ تصبر حتى تلقاني وفي لفظ : كيف أنت عند ولاة يستأثرون بهذا الفئ ؟.
    مسند أحمد 5 : 180 ، سنن أبي داود 2 : 282 ، لأحمد طريقان كلاهما صحيحان رجالهما كلهم ثقات ، وهم :
    1 ـ يحيى بن آدم ، مجمع على ثقته من رجال الصحاح الست.
    2 ـ زهير بن معاوية الكوفي ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست.
    3 ـ يحيى بن أبي بكير الكوفي مجمع على ثقته من رجال الصحاح الست.
    4 ـ مطرف بن طريف ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست.
    5 ـ أبو الجهم سليمان بن الجهم الحارثي تابعي لا خلاف في ثقته.
    6 ـ خالد بن وهبان ، تابعي ثقة.
    4 ـ أخرج أحمد في المسند 5 : 178 من طريق أبي السليل في حديث عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا أبا ذر ! كيف تصنع إن أخرجت من المدينة ؟ قال : قلت : إلى السعة والدعة انطلق حتى أكون حمامة من حمام مكة.
    قال : كيف تصنع إن أخرجت من مكة ؟ قال : قلت : إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة.
    قال : وكيف تصنع إن أخرجت من الشام ؟ قال : إذا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي قال : أو خير من ذلك ؟ قال : قلت : أو خير من ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا.
    رجال الاسناد كلهم ثقات وهم :
    1 ـ يزيد بن هارون بن وادي. مجمع على ثقته من رجال الصحيحين.
    2 ـ كهمس بن الحسن البصري. ثقة من رجال الصحيحين.
    3 ـ أبو السليل ضريب بن نقير البصري. ثقة من رجال مسلم والصحاح الأربعة غير البخاري.
    وفي لفظ : كيف تصنع إذا خرجت منه ؟ أي المسجد النبوي.
    قال : آتي الشام.


(318)
قال : كيف تصنع إذا خرجت منها ؟ قال : أعود إليه أي المسجد.
    قال : كيف تصنع إذا خرجت منه ؟ قال : أضرب بسيفي.
    قال : أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا ؟ قال : تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك.
    فتح الباري 3 : 213 ، عمدة القاري 4 : 291.
    5 ـ أخرج الواقدي من طريق أبي الأسود الدؤلي قال : كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت الربذة فقلت له : ألا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا ، أم خرجت مكرها ؟ فقال : كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغنى عنهم فأخرجت إلى مدينة الرسول عليه السلام فقلت : أصحابي ودار هجرتي فأخرجت منها إلى ما ترى ثم قال : بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله فضربني برجله وقال : لا أراك نائما في المسجد فقلت : بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه فقال : كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ فقلت : إذن الحق بالشام فإنها أرض مقدسة وأرض بقية الاسلام وأرض الجهاد فقال : فكيف تصنع إذا أخرجت منها ؟ فقلت : أرجع إلى المسجد قال : فكيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ قلت : إذن آخذ سيفي فأضرب به فقال صلى الله عليه وآله : ألا أدلك على خير من ذلك ؟ انسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع.
    فسمعت واطع وأنا أسمع وأطيع والله ليلقين الله عثمان وهو آثم في جنبي.
    شرح ابن أبي الحديد 1 : 241.
    وبهذا الطريق واللفظ أخرجه أحمد في المسند 5 : 156 والإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وهم :
    1 ـ علي بن عبد الله المديني ، وثقه جماعة وقال النسائي : ثقة مأمون أحد الأئمة في الحديث.
    2 ـ معمر بن سليمان أبو محمد البصري ، متفق على ثقته من رجال الصحاح الست.
    3 ـ داود بن أبي الهند أبو محمد البصري ، مجمع على ثقته من رجال الصحاح غير البخاري وهو يروي عنه في التاريخ من دون غمز فيه.
    4 ـ أبو الحرب بن الأسود الدؤلي ، ثقة من رجال مسلم.
    5 ـ أبو الأسود الدؤلي ، تابعي متفق على ثقته من رجال الصحاح الست.
    6 ـ مر في ص 296 في حديث تسيير أبي ذر : قال ( عثمان ) : فإني مسيرك


(319)
إلى الربذة. قال ( أبو ذر ) الله أكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخبرني بكل ما أنا لاق قال عثمان : وما قال لك ؟ قال : أخبرني بأني أمنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة. الحديث.

هذا أبو ذر
    وفضايله وفواضله وعلمه وتقواه وإسلامه وإيمانه ومكارمه وكرائمه ونفسياته وملكاته الفاضلة وسابقته ولاحقته وبدء أمره ومنتهاه ، فأيا منها كان ينقمه الخليفة عليها فطفق يعاقبه ويطارده من معتقل إلى منفي ، ويستجلبه على قتب بغير وطاء ، يطير مركبه خمسة من الصقالبة الأشداء حتى أتوا به المدينة وقد تسلخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف ، ولم يفتأ يسومه سوء العذاب حتى سالت نفسه في منفاه الأخير ( الربذة ) على غير ماء ولا كلاء يلفحه حر الهجير ، وليس له من ولي حميم يمرضه ، ولا أحد من قومه يواري جثمانه الطاهر ، مات رحمه الله وحده ، وسيحشر وحده كما أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي خوله بتلكم الفضائل ، والله سبحانه من فوقهما نعم الخصيم للمظلوم ، فانظر لمن الفلج يومئذ.
    لقد كان الخليفة يباري الريح في العطاء لحامته ومن ازدلف إليه ممن يجري مجراهم ، فملكوا من عطاياه وسماحه الملايين ، وليس فيهم من يبلغ شأوابي ذر في السوابق والفضائل ، ولا يشق له غبارا في أكرومة ، فماذا الذي أخر أبا ذر عنهم حتى قطعوا عنه عطائه الجاري ؟ ومنعوه الحظوة بشيء من الدعة ، وأجفلوه عن عقر داره وجوار النبي الأعظم ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، ولماذا نودي عليه في الشام أن لا يجالسه أحد (1) ؟ ولماذا يفر الناس منه في المدينة ؟ ولماذا حظر عثمان على الناس أن يقاعدوه ويكلموه ؟ ولماذا يمنع الخليفة عن تشييعه ويأمر مروان أن لا يدع أحدا يكلمه ؟ فلم يحل ذلك الصحابي العظيم إلا محلا وعرا ، ولم يرتحل إلا إلى متبوأ الارهاب كأنما خلق أبو ذر للعقوبة فحسب ، وهو من عرفته الأحاديث التي ذكرناها ، وقصته لعمر الله وصمة على الاسلام وعلى خليفته لا تنسى مع الأبد.
1 ـ أخرجه ابن سعد في الطبقات 4 : 168.

(320)
    نعم إن أبا ذر ينقم ما كان مطردا عند ذاك من السرف في العطاء من دون أي كفائة في المعطى ( بالفتح ) ومخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وفي كلما يخالف السنة الشريفة واضطهاد أهل السوابق من الأمة بيد أمراء البيت الأموي رجال العيث والعبث ، وكانوا يحسبون عرش ذلك اليوم قد استقر على تلكم الأعمال ، فرأوا أن في الاصاخة إلى قيل أبي ذر وشاكلته من صلحاء الصحابة تزحزحا لذلك العرش عن مستقره ، أو أن مهملجة الجشع الذين حصلوا على تلكم الثروات الطائلة خافوه أن يسلب ما في أيديهم إن وعى واع إلى هتافه ، فتألبوا عليه وأغروا خليفة الوقت به بتسويلات متنوعة حتى وقع ما وقع ، والخليفة أسير هوى قومه ، ومسير بشهواتهم ، مدفوع بحب بني أبيه وإن كانوا من الشجرة المنعوتة في القرآن.
    وما كان أبو ذر يمنعهم عن جلب الثروة من حقها ، ولا يبغي سلب السلطة عمن ملك شيئا ملكا مشروعا ، لكنه كان ينقم أهل الأثرة على اغتصابهم حقوق المسلمين ، وخضمهم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وما كان يتحرى إلا ما أراد الله سبحانه بقوله عز من قائل : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله في الجهات المالية.
    أخرج أحمد في مسنده 5 : 164 ، 176 من طريق الأحنف بن قيس قال : كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر الناس منه حين يرونه قال : قلت : من أنت ؟ قال : أنا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال : قلت : ما يفر الناس منك ؟ قال : إني أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول الله.
    وفي لفظ مسلم في صحيحه 3 : 77 قال الأحنف بن قيس : كنت في نفر من قريش فمر أبو ذر رضي الله عنه وهو يقول : بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم ، وبكي من أقفيتهم بخرج من جباههم قال : ثم تنحى فقعد إلى سارية فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا أبو ذر فقمت إليه فقلت : ما شيء سمعتك تقول قبيل ؟ قال : ما قلت إ شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وآله قال : قلت : ما تقول في هذا العطاء ؟ قال : خذه فإن فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فدعه. ( سنن البيهقي 6 : 359 ).
    وأخرج أبو نعيم في الحلية 1 : 162 من طريق سفيان بن عيينة بإسناده عن أبي ذر
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء الثامن ::: فهرس