الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 71 ـ 80
(71)
    كتاب صفين لابن مزاحم ص 277 واللفظ له ، تاريخ الطبري 6 : 4 ، الكامل لابن الأثير 3 : 125.
    6 ـ ذكر البلاذري في الأنساب 5 : 44 في حديث قول علي عليه السلام لعثمان : يا عثمان ! إن الحق مرئ ، وإن الباطل خفيف وبئ ، وإنك متى تصدق تسخط ومتى تكذب ترض.
    7 ـ كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إليه فلما أكثر عليه قال له : إن أباك يرى أن أحدا لا يعلم ما يعلم ، ونحن أعلم بما نفعل ، فكف عنا ، فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك ، وذكروا أن عثمان صلى العصر ثم خرج إلى علي يعوده في مرضه ومروان معه فرآه ثقيلا فقال : أما والله لولا ما أرى منك ما كنت أتكلم بما أريد أن أتكلم به ، والله ما أدري أي يوميك أحب إلي أو أبغض ، أيوم حياتك ؟ أو يوم موتك ؟ أما والله لئن بقيت لا أعدم شامتا يعدك كهفا ، ويتخذك عضدا ، ولئن مت لأفجعن بك ، فحظي منك حظ الوالد المشفق من الولد العاق ، إن عاش عقه ، وإن مات فجعه فليتك جعلت لنا من أمرك لنا علما نقف عليه ونعرفه ، إما صديق مسالم ، وإما عدو معاني ، ولا تجعلني كالمختنق بين السماء والأرض ، لا يرقى بيد ولا يهبط برجل ، أما والله لئن قتلتك لا أصيب منك خلفا ، ولئن قتلتني لا تصيب مني خلفا ، وما أحب أن أبقى بعدك.
    قال مروان : إي والله ، وأخرى أنه لا ينال ما وراء ظهورنا حتى تكسر رماحنا ، وتقطع سيوفنا ، فما خير العيش بعد هذا ؟ فضرب عثمان في صدره وقال : ما يدخلك في كلامنا ؟ فقال علي : إني والله في شغل عن جوابكما ولكني أقول كما قال أبو يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
    ( العقد الفريد 2 : 274 ، الإمامة والسياسة 1 : 30 ).
    8 ـ في كتاب لمولانا أمير المؤمنين يجيب به معاوية بن أبي سفيان قال : وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم ، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الكراهة لهم فوالله ما اعتذر للناس من ذلك ، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت ، وعمل به الناس ما قد بلغك ، فقد علمت أني كنت من أمره في عزلة إلا أن تجنى فتجن ما شئت ، وأما ذكرك قتلة عثمان وما سألت من دفعهم


(72)
إليك فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك ، وإن لم تنزع عن غيك لنعرفنك عما قليل يطلبونك ولا يكلفونك أن تطلبهم في سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر.
    كتاب صفين لابن مزاحم ص 102 ، العقد الفريد 2 : 286 ، نهج البلاغة 2 : 10 ، شرح ابن أبي الحديد 3 : 409.
    9 ـ أخرج الطبري من طريق إسماعيل بن محمد : إن عثمان صعد يوم الجمعة المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقام رجل فقال : أقم كتاب الله ، فقال عثمان : اجلس فجلس حتى قام ثلاثا فأمر به عثمان فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى السماء وسقط عن المنبر وحمل فأدخل داره مغشيا عليه فخرج رجل من حجاب عثمان ومعه مصحف في يده وهو ينادي : إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله.
    ودخل علي بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما وهو مغشي عليه وبنو أمية حوله ، فقال : مالك يا أمير المؤمنين ؟ فأقبلت بنو أمية بمنطق واحد فقالوا : يا علي ! أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين ، أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا. فقام علي مغضبا.
    تاريخ الطبري 5 : 113 ، الكامل لابن الأثير 3 : 67.
    10 ـ ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 42 في حديث مسائلة عمرو بن العاص راكبا : فقال له عمرو : ما الخبر ؟ قال : قتل عثمان ، قال : فما فعل الناس ؟ فقال : بايعوا عليا.
    قال : فما فعل علي في قتلة عثمان ؟ قال : دخل عليه وليد بن عقبة فسأله عن قتله فقال : ما أمرت ولا نهيت ، ولا سرني ولا ساءني.
    قال : فما فعل بقتلة عثمان ؟ فقال : آوى ولم يرض ، وقد قال له مروان : إن لا تكن أمرت فقد توليت الأمر ، وإن لا تكن قتلت فقد آويت القاتلين ، فقال عمرو بن العاص : خلط والله أبو الحسن.
    11 ـ روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت عليا عليه السلام على منبر الكوفة وهو يقول : يا أبناء المهاجرين ! انفروا إلى أئمة الكفر ، وبقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا ، فوالله الذي


(73)
فلق الحبة وبرأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقض من أوزارهم شيئا (1).
    قال الأميني : طعن ابن أبي الحديد في هذا الحديث بمكان قيس (2) بن أبي حازم وقال : هو الذي روى حديث إنكم لترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ، وقد طعن مشايخنا المتكلمون فيه وقالوا : إنه فاسق ولا تقبل روايته لأنه قال : إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة ويقول : انفروا إلى بقية الأحزاب.
    فأبغضته ودخل بغضه في قلبي ومن يبغض عليا عليه السلام لا تقبل روايته.
    ثم حمله على فرض الصحة على إرادة معاوية من قوله : حمال الخطايا فقال : لأنهم يحامون عن دمه ، ومن حامى عن دم إنسان فقد قاتل عليه.
    ألا مسائل الرجل عن أن رواية حديث الرؤية أي منقصة وحزازة فيها وقد أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد في مسنده ؟ فهل طعن أحد في أولئك الأئمة لروايتهم إياها ؟ ثم لو كان من أبغض عليا عليه السلام فاسقا غير مقبول الرواية ـ كما هو الحق فما ـ قيمة الصحاح عندئذ في سوق الاعتبار ؟ وما أكثر فيها من الرواية عن مناوئي أمير المؤمنين ومنهم نفس الرجل ( قيس بن أبي حازم ) فقد أخرج أئمة الصحاح أحاديث من طريقه و هو من رجالهم.
    على أن علماء الفن من القوم مع قولهم بأنه كان يحمل على علي نصوا على ثقة الرجل وقالوا : متقن الرواية ، والحديث عنه من أصح الاسناد ، وقال ابن خراش : كوفي جليل. وقال ابن معين : ثقة.
    وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال ابن حجر : أجمعوا على الذهبي الاحتجاج به ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه.
    ( راجع تهذيب التهذيب 8 : 386 ) وأما تأويل : ( حمال الخطايا ) بإرادة معاوية منه فمن التافه البعيد عن سياق العربية نظير تأويل معاوية الحديث الوارد في عمار من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : تقتلك الفئة الباغية.
    12 ـ كان مولانا أمير المؤمنين يخطب ويلوم الناس على تثبيطهم وتقاعدهم و
1 ـ شرح ابن أبي الحديد 1 : 179.
2 ـ من رجال الصحيحين : البخاري ومسلم.


(74)
يستنفرهم إلى أهل الشام فقال له الأشعث بن قيس : هلا فعلت فعل ابن عفان ؟ فقال له : إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ولا وثيقة معه ، إن امرأ أمكن عدوه من نفسه يهشم عظمه ويفري جلده لضعيف رأيه ، مأفون عقله ، أنت فكن ذاك ، إن أحببت فأما أنا فدون أن اعطي ذاك ضرب بالمشرفية الفصل (1).
    13 ـ من كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر : من عبد الله علي أمير المؤمنين : إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه ، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر ، والمقيم والظاعن ، فلا معروف يستراح إليه ، ولا منكر يتناهى عنه (2).
    قال ابن أبي الحديد في شرحه 3 : 58 : هذا الفصل يشكل علي تأويله لأن أهل مصرهم الذين قتلوا عثمان ، وإذا شهد أمير المؤمنين عليه السلام أنهم غضبوا لله حين عصي في الأرض ، فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان وإتيان المنكر.
    ثم تأوله بما رآه تعسفا ، والتعسف لا يغني عن الحق شيئا ولا تتم به الحجة.
    هب ابن أبي الحديد تعسف هاهنا وتأول فما يصنع ببقية كلمات مولانا أمير المؤمنين وكلمات ساير الصحابة لدة هذه الكلمة وهي تربو على مئات ؟ فهل يسعنا أن نكون عسوفا في كل ذلك ؟ سل عنه خبيرا.
    14 ـ من كلام لأمير المؤمنين قاله لعثمان لما اجتمع الناس إليه وشكوا إليه ما نقموه على عثمان فدخل عليه السلام عليه فقال : إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم ، ووالله ما أدري ما أقول لك ، ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلو نا بشيء فنبلغكه وقد رأيت كما رأينا ، وسمعت كما سمعنا وصحبت رسول الله كما صحبنا ، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك ، وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشيجة رحم منهما ، وقد نلت من صهره ما لم ينالا ، فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى ، ولا تعلم من جهل ، وإن الطرق
1 ـ شرح ابن أبي الحديد 1 : 178.
2 ـ تاريخ الطبري 6 : 55 ، نهج البلاغة ، 2 : 63 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 29.


(75)
لواضحة ، وإن أعلام الدين لقائمة ، فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ، هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة مجهولة ، وإن السنن لنيرة لها أعلام ، وإن البدع لظاهرة لها أعلام ، وأن شر الناس عند الله إمام جائر ، ضل وضل به ، فأمات سنة مأخوذة ، وأحيا بدعة متروكة ، وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها ، وإني أنشدك الله أن تكون إمام هذه الأمة المقتول فإنه كان يقال : يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، ويلبس أمورها عليها ، ويثبت الفتن فيها ، فلا يبصرون الحق من الباطل ، يموجون فيها موجا ، ويمرجون فيها مرجا ، فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السن و تقضي العمر ، فقال له عثمان : كلم الناس في أن يؤجلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم فقال عليه السلام : ما كان بالمدينة فلا أجل فيه ، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه (1).
    تاريخ الطبري 5 : 96 ، الأنساب للبلاذري 5 : 60 ، نهج البلاغة 1 : 303 ، الكامل لابن الأثير 3 : 63 ، تاريخ ابن كثير 7 : 168.
    15 ـ أخرج ابن السمان من طريق عطاء إن عثمان دعا عليا فقال : يا أبا الحسن ! إنك لو شئت لاستقامت علي هذه الأمة فلم يخالفني واحد.
    فقال علي : لو كانت لي أموال الدنيا وزخرفها ما استطعت أن أدفع عنك أكف الناس ، ولكني سأدلك على أمر هو أفضل مما سألتني : تعمل بعمل أخويك أبي بكر وعمر ، وأنا لك بالناس لا يخالفك أحد ( الرياض النضرة 2 : 129 )
    16 ـ من خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام الشقشقية قوله : إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى انكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكتب به بطنته.
    مرت مصادر هذه الخطبة في الجزء السابع ص 82 ـ 85 ط 2.
    17 ـ قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 267 : قال حسان بن ثابت لعلي : إنك تقول : ما قتلت عثمان ولكن خذلته ، ولا آمر به ولكن لم أنه عنه ، فالخاذل
1 ـ سيأتي تمام الحديث في صور توبة الخليفة وحنثه إياها مرة بعد أخرى.

(76)
شريك القاتل ، والساكت شريك القاتل.
    18 ـ أخرج البلاذري في الأنساب 5 : 13 من طريق عبد الله بن عباس قال : إن عثمان شكا عليا إلى العباس فقال له : يا خال ؟ إن عليا قد قطع رحمي ، وألب الناس ابنك ، والله لئن كنتم يا بني عبد المطلب ! أقررتم هذا الأمر في أيدي بني تيم وعدي فبنو عبد مناف أحق أن لا تنازعوهم فيه ولا تحسدوهم عليه.
    قال عبد الله بن العباس : فأطرق أبي طويلا ثم قال : يا ابن أخت ؟ لئن كنت لا تحمد عليا فما يحمدك له ، وإن حقك في القرابة والامامة للحق الذي لا يدفع ولا يجحد ، فلو رقيت فيما تطأطأ أو تطأطأت فيما رقى تقاربتما ، وكان ذلك أوصل وأجمل ، قال : قد صيرت الأمر في ذلك إليك فقرب الأمر بيننا.
    قال : فلما خرجنا من عنده دخل عليه مروان فأزاله عن رأيه ، فما لبثنا أن جاء أبي رسول عثمان بالرجوع إليه فلما رجع قال : يا خال ! أحب أن تؤخر النظر في الأمر الذي ألقيت إلي حتى أرى من رأيي ، فخرج أبي من عنده ثم التفت إلي فقال : يا بني ليس إلى هذا الرجل من أمره شيء ، ثم قال : اللهم أسبق بي الفتن ولا تبقني إلى ما لا خير لي في البقاء إليه. فما كانت جمعة حتى هلك.
    19 ـ أخرج البلاذري في الأنساب 5 : 14 من طريق صهيب مولى العباس : إن العباس قال لعثمان : أذكرك الله في أمر ابن عمك وابن خالك وصهرك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد بلغني أنك تريد أن تقوم به وبأصحابه ، فقال : أول ما أجيبك به أني قد شفعتك ، إن عليا لو شاء لم يكن أحد عندي إلا دونه ولكنه أبى إلا رأيه ، ثم قال لعلي مثل قوله لعثمان ، فقال علي : لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت.
    20 ـ من كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية : أما بعد : فوالله ما قتل ابن عمك غيرك ، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه وأعظم من خطيئته. ( العقد الفريد 2 : 223 ، وفي ط 285 ).
    ولا تنس في الختام قول حسان بن ثابت :
صبرا جميلا بني الأحرار لا تهنوا يا ليت شعري وليت الطير تخبرني قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا ما كان شأن علي وابن عفانا


(77)
لتسمعن وشيكا في دياركم الله أكبر يا ثارات عثمانا (1)
    قال الأميني : يعطينا الأخذ بمجامع هذه الأحاديث الإمام عليه السلام ما كان يرى الخليفة إمام عدل يسوءه قتله ، أو يهمه أمره يسخطه التجمهر عليه ، بل كان يعتزل عن أمره ويخشى أن يكون آثما إن دؤب على الدفاع عنه ، ولا يرى الثائرين عليه متحوبين في نهضتهم وإلا لساءه ذلك فضلا عن أن يسكت عنهم ، أو يطريهم كما سمعته من كتابه إلى أهل مصر ، أو يرى الخاذلين له خيرا ممن نصره ، ولو كان يراه إمام عدل فأقل المراتب أن يقول : إن ناصره خير من خاذله.
    بل الشأن هذا في أفراد المسلمين العدول من الرعية فضلا عن إمامها.
    وحديث شكاية عثمان إلى عمه العباس المتوفى سنة 32 بعلمنا بأن الخلاف والتشاجر بينهما كانا قبل تجمهر الثائرين عليه في أواسط أيام خلافته قبل وفاته بأعوام وقول أمير المؤمنين له : لو أمرني عثمان أن أخرج من داري لخرجت.
    فيه إيعاز إلى أن إنكاره عليه السلام على الرجل لم يكن قط في الملك ، وما كان يرضى بشق عصا المسلمين بالخلاف عليه في أمره ، وإنما كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يك يرى لنفسه بدا من ذلك.
    ولو أمعنت النظر فيما سردناه من ألفاظه الدرية لا نفتح عليك أبواب من رأي الإمام عليه السلام في الخليفة لم نوعز إليها ، ويعرب عن رأيه فيه ما مر في ج 8 ص 287 ط 2 من خطبة له عليه السلام خطبها في اليوم الثاني من بيعته من قوله : ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان.
    وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال.
    فلو كان الرجل إمام عدل عند الإمام عليه السلام لكان أخذه ورده وقطعه وعطاءه حجة لا يتطرق إليها الرد ، ولكن ...

    1 ـ حديث عائشة
بنت أبي بكر أم المؤمنين
    1 ـ قال ابن سعد : لما حصر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشد القتال ، و أرادت عائشة الحج وعثمان محصور فأتاها مروان وزيد بن ثابت و عبد الرحمن بن عتاب
1 ـ أنساب البلاذري 5 : 104.

(78)
فقالوا : يا أم المؤمنين ! لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع الله به عنه.
    فقالت : قد حلبت ظهري ، وعريت غرائري ، ولست أقدر على المقام فأعادوا عليها الكلام فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم ، فقام مروان وهو يقول :
وحرق قيس علي البلا د حتى إذا استعرت أجذما
    فقالت عائشة : أيها المتمثل علي بالأشعار وددت والله إنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر ، وخرجت إلى مكة وفي لفظ البلاذري : لما اشتد الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن ابن عتاب بن أسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحج فقالا لها : لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل.
    فقالت : قد قرنت ركابي وأوجبت على الحج نفسي ، ووالله لا أفعل.
    فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول :
وحرق قيس علي البلا د حتى إذا استعرت أجذما
    فقالت عائشة : يا مروان ! وودت والله أنه في غرارة (1) من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر.
    2 ـ مر عبد الله بن عباس بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم وهي بمنزل من منازل طريقها فقالت : يا ابن عباس ؟ إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية. أخرجه البلاذري.
    وفي لفظ الطبري : خرج ابن عباس فمر بعائشة في الصلصل (2) فقالت : يا ابن عباس ! أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس ، فقد بانت لهم بصائرهم وانهجت ورفعت لهم المنار وتجلبوا من البلدان لأمر قد جم ، وقد رأيت طلحة بن عبد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فإن يل يسير بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي الله عنه.
    قال : قلت : يا أمه ! لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا.
    فقالت : أيها عنك إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.
    وحكاه ابن أبي الحديد عن تاريخ الطبري في شرح النهج غير أن فيه :
1 ـ الغرارة بكسر المعجمة : الجوالق.
2 ـ صلصل بالضم والتكرير : موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها.


(79)
فقالت يا ابن عباس ! أنشدك الله فإنك قد أعطيت فهما ولسانا عقلا أن لا تخذل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان ، واتهجت ورفعت لهم المنابر وتجلبوا من البلدان لأمر عظيم قد حم ، وإن طلحة قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال ، وأخذ مفاتيح الخزائن ، وأظنه يسير إنشاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر. الحديث.
    3 ـ كانت عائشة وأم سلمة حجتا ذلك العام ( عام قتل عثمان ) وكانت عائشة تؤلب على عثمان فلما بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في المسجد الحرام وقالت : إني أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر. رواه البلاذري.
    4 ـ أخرج عمر بن شبة من طريق عبيد بن عمرو القرشي قال : خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له : أخضر ، فقالت : ما صنع الناس ؟ فقال : قتل عثمان المصريين.
    قالت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أيقتل قوما جاؤا يطلبون الحق وينكرون الظلم ؟ والله لا نرضى بهذا.
    ثم قدم آخر فقالت : ما صنع الناس ؟ قال : قتل المصريون عثمان ، قالت. العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل : أكذب من أخضر. وأخرجه الطبري.
    5 ـ مر في الجزء الثامن صفحة 123 ط 2 : أن الشهود على الوليد بن عقبة بشربه الخمر استجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : أما تجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة.
    فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : تركت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا النعل. الحديث فراجع.
    6 ـ أسلفنا في هذا الجزء صفحة 16 في مواقف عمار : إن عائشة لما بلغها ما صنع عثمان بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ؟ فغضب عثمان غضبا شديد حتى ما درى ما يقول. الحديث.
    وقال أبو الفدا : كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول : هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه.
    7 ـ وفي كتاب لأمير المؤمنين عليه السلام كتبه لما قارب البصرة إلى طلحة والزبير و عائشة : وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان


(80)
عنك موضوعا ، ثم تزعمين أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين ، فخبريني ما للنساء وقود الجيوش والبروز للرجال ، والوقوع بين أهل القبلة وسفك الدماء المحرمة ؟ ثم أنك طلبت على زعمك دم عثمان وما أنت وذاك ؟ عثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم ، ثم بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر ، ثم تطلبين اليوم بدمه ؟ فاتقي الله وارجعي إلى بيتك ، واسبلي عليك سترك ، والسلام.
    8 ـ أخرج الطبري وابن قتيبة : إن غلاما من جهينة أقبل على محمد بن طلحة ( يوم الجمل ) وكان محمد رجلا عابدا فقال : أخبرني عن قتلة عثمان فقال : نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث : ثلت على صاحبة الهودج يعني عائشة ، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة ، وثلث على علي بن أبي طالب. وضحك الغلام وقال : ألا أراني على ضلال ولحق بعلي وقال : في ذلك شعراً :
سألت ابن طلحة عن هالك فقال : ثلاثة رهط هم فثلث على تلك في خدرها وثلث على بن أبي طالب فقلت : صدقت على الأولين بجوف المدينة لم يقبر ؟ أماتوا ابن عفان واستعبر وثلث على راكب الأحمر ونحن بدوية قرقر وأخـطأت في الثالث الأزهر
    9 ـ أخرج الطبري من طريقين : إن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف (1) راجعه في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له : مهيم ؟ قال : قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا.
    قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب. فقالت : والله ليت إن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني. فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه. فقال لها ابن أم كلاب : ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر (2). قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد
1 ـ سرف بالفتح ثم الكسر : موضع على ستة أميال من مكة.
2 ـ في لفظ ابن قتيبة : فجر.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس