الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 101 ـ 110
(101)
    24 ـ ذكر أبو مخنف من طريق مسافر بن عفيف من خطبة (1) لمولانا أمير المؤمنين قوله : اللهم إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله ثم عضهني به ورماني اللهم فلا تمهله ، اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر على عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت (2).
    25 ـ أخرج الطبري في تاريخه 5 : 183 من طريق علقمة بن وقاص الليثي قال : لما خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على زوره (3) فقلت : يا أبا محمد ! أرى أحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زورك ، إن كرهت شيئا فاجلس.
    قال : فقال لي : يا علقمة بن وقاص ! بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذا صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا إنه كان مني في عثمان شيء ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه.
    الوجه في هذه التوبة إن صحت وكان الموئود من النفوس المحترمة أن يسلم نفسه لأولياء القتيل أو لإمام الوقت فيقيدوا منه ، لا أن يلقح فتنة كبرى تراق فيها دماء بريئة من دم عثمان ، وتزهق أنفس لم تكن هنالك في حل ولا مرتحل ، فيكون قد زاد ضغثا على ابالة ، وجاء بها حشفا وسوء كيلة.

ـ 5 ـ
حديث الزبير بن العوام
أحد العشرة المبشرة ، وأحد أصحاب الشورى الست.
    1 ـ أخرج الطبري في حديث وقعة الجمل : خرج علي على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال علي للزبير : ما جاء بك ؟ قال : أنت ، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا.
    فقال علي : لست (4) له أهلا بعد عثمان رضي الله عنه ؟ قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك.
    وعظم عليه أشياء فذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر عليهما فقال لعلي : ما يقول ابن عمتك ؟ ليقاتلنك وهو لك ظالم (5).
1 ـ ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 : 101.
2 ـ يا لها من دعوة مستجابة أصابت الرجلين من دون مهلة.
3 ـ الزور : الصدر وقيل : وسط الصدر. وقيل : أعلى الصدر. وقيل : ملتقى أطراف عظام الصدر.
4 ـ في الكامل لابن الأثير : ألست.
5 ـ هذا الحديث أخرجه جمع من الحفاظ كما أسلفناه في الجزء الثالث ص 191 ط 2.


(102)
فانصرف عنه الزبير وقال : فإني لا أقاتلك ، فرجع إلى ابنه عبد الله ، فقال : ما لي في هذا الحرب بصيرة.
    فقال له ابنه : إنك قد خرجت على بصيرة ، ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت ، فأحفظه حتى أرعد وغضب وقال : ويحك إني قد حلفت له ألا أقاتله.
    فقال له ابنه : كفر عن يمينك بعتق غلامك ( سرجيس ) فأعتقه وقام في الصف معهم ، وكان علي قال الزبير : أطلب مني دم عثمان ؟ وأنت قتلته ، سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره (1).
    وقول علي عليه السلام للزبير : أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته .. الخ.
    أخرجه أيضا الحافظ العاصمي في زين الفتى.
    وفي لفظ المسعودي : قال علي : ويحك يا زبير ! ما الذي أخرجك ؟ قال : دم عثمان.
    قال علي : قتل الله أولانا بدم عثمان.
    قال الأميني : إنما حلف الزبير على ترك القتال لأنه وجده بعد تذكير الإمام عليه السلام له الحديث النبوي ، وبعد إتمام الحجة عليه بذلك محرما عليه في الدين ، وإنه من الظلم الفاحش الذي استقل العقل بتحريمه ، فهل التكفير بعتق الغلام يبيح ذلك المحرم بالعقل والشريعة ؟ ويسوغ الخروج على الإمام المفترض طاعته ؟ لا.
    لكن تسويل عبد الله هو الذي فرق بين الزبير وبين آل عبد المطلب ، وأباح له كل محظور ، فقاتل إمام الوقت ظالما كما ورد في النص النبوي ، وصدق الخبر الخبر.
    2 ـ ذكر المسعودي في حديث : إن مروان بن الحكم قال يوم الجمل : رجع الزبير ، يرجع طلحة ، ما أبالي رميت ها هنا أم هاهنا ، فرماه في أكحله فقتله.
    ( مروج الذهب 2 : 11 ) 3 ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 : 404 : كان طلحة من أشد الناس تحريضا عليه ، وكان الزبير دونه في ذلك ، رووا أن الزبير كان يقول : أقتلوه فقد بدل دينكم.
    فقالوا له : إن ابنك يحامي عنه بالباب.
    فقال : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ با بني ، إن عثمان لجيفة على الصراط غدا.
    4 ـ أخرج البلاذري في الأنساب 5 : 76 من طريق أبي مخنف قال : جاء الزبير إلى عثمان فقال له : إن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة يمنعون من ظلمك ، يأخذونك
1 ـ تاريخ الطبري 5 : 204 ، مروج الذهب 2 : 10 ، الكامل لابن الأثير 3 : 102.

(103)
بالحق ، فأخرج فخاصم القوم إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج معه فوثب الناس عليه بالسلاح فقال : يا زبير ! ما أرى أحدا يأخذ بحق ، ولا يمنع من ظلم ، ودخل ومضى الزبير إلى منزله.
    5 ـ قال البلاذري في الأنساب 5 : 14 : وجدت في كتاب لعبد الله عن الصالح العجلي ذكروا : إن عثمان نازع الزبير فقال الزبير : إن شئت تقاذفنا ؟ فقال عثمان : بماذا أيا لبعير يا أبا عبد الله ؟ قال : لا والله ولكن بطبع خباب ، وريش المقعد ، وكان خباب يطبع السيوف ، وكان المقعد يريش النبل.
    وقال ابن المغيرة بن الأخنس متغنيا على قعود له :
حكيم وعمار الشجا ومحمد وقد كان فيها للزبير عجاجة وأشتر والمكشوح جروا الدواهيا وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا (1)

ـ 6 ـ
حديث طلحة والزبير
    1 ـ من كلام لمولانا أمير المؤمنين في شأن الرجلين : والله ما أنكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا ، وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه ، ودما هم سفكوه ، فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه ، وإن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم ، وإن أول عدلهم للحكم على أنفسهم ، وإن معي لبصيرتي ما لبست ولا لبس علي ، وإنها للفئة الباغية فيها الحما والحمة (2). ( نهج البلاغة 1 : 254 ).
    وفي لفظ أبي عمر في ( الاستيعاب ) في ترجمة طلحة بن عبيد الله : إني منيت بأربعة : أدهى الناس وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبير ، وأطوع الناس في الناس عائشة ، وأسرع الناس إلى الفتنة يعلى بن منية ، والله ما أنكروا علي شيئا منكرا ، ولا استأثرت بمال ، ولا ملت بهوى ، وإنهم ليطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولقد ولوه دوني ، وإن كنت شريكهم في الانكار لما أنكروه ، وما تبعة عثمان إلا عندهم ، وإنهم لهم الفئة الباغية.
    إلى قوله عليه السلام : والله إن طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق وأنهم مبطلون.
1 ـ كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص 60 ، 66.
2 ـ قال ابن أبي الحديد : كنى علي عليه السلام عن الزوجة بالحمة. وهي : سم العقرب. والحما يضرب مثلا لغير الطيب ولغير الصافي.


(104)
    2 ـ من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة : أما بعد : فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه ، إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه ، وأقل عتابه ، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف ، وكان من عائشة فيه فلتة غضب ، فأتيح له قوم فقتلوه ، وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين. ( نهج البلاغة 2 : 2 ، الإمامة والسياسة 1 : 58 ).
    قال ابن أبي الحديد في الشرح 3 : 290 : أما طلحة والزبير فكانا شديدين عليه ( على عثمان ) والوجيف : سير سريع وهذا مثل يقال للمستمرين في الطعن عليه حتى أن السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره ، والحداء العنيف أرفق ما يحرضان به عليه.
    3 ـ قال البلاذري : حدثني المدائني عن ابن الجعدبة قال : مر علي بدار بعض آل أبي سفيان فسمع بعض بناته تضرب بدف وتقول :
ظلامة عثمان عند الزبير هما سعراها بأجذالها وأوتر منه لنا طلحه وكانا حقيقين بالفضحه
    فقال علي : قاتلها الله ، ما أعلمها بموضع ثأرها ؟ الأنساب 5 : 105.
    4 ـ أخرج الطبري من طريق ابن عباس قال : قدمت المدينة من مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بخمسة أيام فجئت عليا أدخل عليه فقيل لي : عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلم علي فقال : متي قدمت ؟ فقلت : الساعة. فدخلت على علي فسلمت عليه فقال لي : لقيت الزبير وطلحة ؟ قال : قلت : لقيتهما بالنواصف. قال : من معهما ؟ قلت : أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال علي : أما إنهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون : نطلب بدم عثمان والله نعلم أنهم قتلة عثمان. ( تاريخ الطبري 5 : 160 ).
    5 ـ أخرج الطبري عن عمر بن شبه من طريق عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال : لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال : أين تذهبون ؟ و ثأركم على أعجاز الإبل اقتلوهم (1) ثم ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم. قالوا :
1 ـ يعني طلحة والزبير وأصحابهما.

(105)
بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر ؟ أصدقاني. قالا : لأحدنا أينا اختاره الناس. قال : بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم ؟ قال : أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف ؟ فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد فقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما رأى سعيد بن كان هاهنا من ثقيف فليرجع فرجع. الحديث ( تاريخ الطبري 5 : 168 ).
    6 ـ وفي كتاب كتبه ابن عباس إلى معاوية جوابا : وأما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه وضيقا خناقه ، ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك ، فقاتلناهما على النكث كما قاتلناك على البغي. كتاب نصر بن مزاحم ص 472 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 289.
    7 ـ قدم على حابس بن سعد سيد طي بالشام ابن عمه فأخبره أنه شهد قتل عثمان بالمدينة المنورة وسار مع علي إلى الكوفة وكان له لسان وهيبة فغدا به حابس إلى معاوية فقال : هذا ابن عمي قدم من الكوفة ، وكان مع علي وشهد قتل عثمان بالمدينة وهو ثقة فقال معاوية : حدثنا عن أمر عثمان.
    قال : نعم وليه محمد بن أبي بكر ، وعمار ابن ياسر ، وتجرد في أمره ثلاث نفر : عدي بن حاتم ، والأشتر النخعي ، وعمرو بن الحمق ، ودب (1) في أمره رجلان : طلحة والزبير ، وأبرأ الناس منه علي بن أبي طالب ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلت (2) النعل ، وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ ولم يذكر عثمان ولم يذكروه .. الخ.
    ( الإمامة والسياسة 1 ص 74 ، كتاب صفين لابن مزاحم ص 72 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 259 ).
    8 ـ أخرج الحاكم في المستدرك 3 : 118 بإسناده عن إسرائيل بن موسى أنه قال : سمعت الحسن يقول : جاء طلحة والزبير إلى البصرة فقال لهم الناس : ما جاء بكم ؟ قالوا : نطلب دم عثمان. قال الحسن : أيا سبحان الله ! أفما كان للقوم عقول فيقولون : والله ما قتل عثمان غيركم ؟
1 ـ لفظ ابن مزاحم : وجد في أمره رجلان.
2 ـ وفي لفظ : ضاعت النعل.


(106)
    9 ـ لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى (1) قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل علي على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت : أطلب بدم عثمان. قال : إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت.
    صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل البصرة لقتاله ، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟ فقال لها : ما أنت من السوط والسيف ؟ إنما أنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، وليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن عليا لأولى بعثمان منك وأمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف.
    فقالت : لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه ، أفتظن يا أبا الأسود ! أن أحدا يقدم على قتالي ؟ قال : أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد.
    ثم قام فأتى الزبير فقال : يا أبا عبد الله ! عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك ؟ فذكر له دم عثمان ، قال : أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا. قال : فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في غيه مصرا على الحرب والفتنة. الحديث.
    الإمامة والسياسة 1 ص 57 ، العقد الفريد 2 : 278 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 81 10 ـ خرج عثمان بن الحنيف إلى طلحة والزبير في أصحابه فناشدهم الله والاسلام وأذكرهما بيعتهما عليا فقالا : نطلب بدم عثمان.
    فقال لهما : وما أنتما وذاك ؟ أين بنوه ؟ أين بنو عمه الذين هم أحق به منكم ؟ كلا والله ، ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه ، وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له ، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما ؟ فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه. الحديث. شرح ابن أبي الحديد 2 : 500.
    11 ـ لما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر أقبل عليهم سعيد ابن العاصي على نجيب له فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة فنزل وتوكأ على قوس له سوداء فأتى عائشة فقال لها : أين تريدين يا أم المؤمنين ؟ قالت : أريد البصرة.
1 ـ حفر ابن موسى هي ركايا احفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة إلى مكة بينها و بين البصرة خمس ليال.

(107)
قال : وما تصنعين بالبصرة ؟ قالت : أطلب بدم عثمان. قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك ، ثم أقبل على مروان فقال له : أين تريد أيضا ؟ قال : البصرة. قال : وما تصنع بها ؟ قال : أطلب قتلة عثمان. قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك ؟ إن هذين الرجلين قتلا عثمان : طلحة والزبير ، وهما يريدان الأمر لأنفسهما فلما غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة. ثم قال المغيرة بن شعبة : أيها الناس إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم ؟ فارجعوا بها خيرا لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان ؟ فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم على علي شيئا ؟ فبينوا ما نقمتم عليه ، أنشدكم الله ، فتنتين في عام واحد ؟ فأبوا إلا أن يمضوا بالناس. ( الإمامة والسياسة 1 : 55 ).
    12 ـ لما نزل طلحة والزبير البصرة قال عثمان بن حنيف : نعذر إليهما برجلين فدعا عمران بن حصين صاحب رسول الله وأبا الأسود الدؤلي فأرسلهما إلى الرجلين فذهبا إليهما فناديا : يا طلحة ! فأجابهما فتكلم أبو الأسود الدؤلي فقال : يا محمد ؟ إنكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله ، وبايعتم عليا غير مؤامرين لنا في ييعته ، فلم نغضب لعثمان إذ قتل ، ولم نغضب لعلي إذ بويع ، ثم بدا لكم فأردتم خلع علي ونحن على الأمر الأول ، فعليكم المخرج مما دخلتم فيه.
    ثم تكلم عمران فقال : يا طلحة ! إنكم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا ، ثم بايعتم عليا وبايعنا من بايعتم ، فإن كان قتل عثمان صوابا فمسيركم لماذا ؟ وإن كان خطأ ؟ فحظكم منه الأوفر ، ونصيبكم منه الأوفى ، فقال طلحة : يا هذان إن صاحبكما لا يرى أن معه في هذا الأمر غيره وليس على هذا بايعناه ، وأيم الله ليسفكن دمه.
    فقال أبو الأسود : يا عمران ! أما هذا فقد صرح أنه إنما غضب للملك.
    ثم أتيا الزبير فقالا : يا أبا عبد الله ! إنا أتينا طلحة.
    قال الزبير : إن طلحة وإياي كروح في جسدين ، وإنه والله يا هذان ! قد كانت منا في عثمان فلتات احتجنا فيها إلى المعاذير ، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه نصرناه الحديث. ( الإمامة والسياسة 1 ص 56 ).
    13 ـ من خطبة لعمار بن ياسر خطبها بالكوفة فقال : يا أهل الكوفة ! إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت إليكم أمورنا ، إن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس ولا ينكرون ذلك ، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم فيه ، أحيا الله من أحيا ،


(108)
وأمات من أمات ، وإن طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر ، وكانا أول من بايع عليا ، فلما أخطأهما ما أملاه نكثا بيعتهما من غير حدث. الحديث. ( الإمامة والسياسة 1 : 59 ).
    14 ـ روى البلاذري عن المدائني قال : ولى عبد الملك علقمة بن صفوان بن المحرث مكة فشتم طلحة والزبير على المنبر فلما نزل قال لأبان بن عثمان : أرضيتك في المدهنين في أمير المؤمنين عثمان ؟ قال : لا والله ، ولكن سؤتني ، بحسبي بلية أن تكون شركا في دمه. ( الأنساب للبلاذري 5 : 120 ).
    15 ـ أخرج أبو الحسن علي بن محمد المدائني من طريق عبد الله بن جنادة خطبة لمولانا أمير المؤمنين منها قوله : بايعني هذان الرجلان في أول من بايع ، تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم ، ويلقيا بأسكم بينكم ، اللهم فخذهما بما عملا أخذة واحدة رابية ، ولا تنعش لهما صرعة ، ولا تقل لهما عثرة ، ولا تمهلهما فواقا ، فإنهما يطلبان حقا تركاه ، ودما سفكاه ، اللهم إني أقتضيك وعدك فإنك قلت : وقولك الحق لمن بغي عليه لينصرنه الله ، اللهم فانجز لي موعدك ، ولا تكلني إلى نفسي إنك على كل شيء قدير.
    ( شرح ابن أبي الحديد 1 : 102 ).
    16 ـ من خطبة لمولانا أمير المؤمنين ذكرها الكلبي كما في شرح ابن أبي الحديد 1 : 102 : فما بال طلحة والزبير ؟ وليسا من هذا الأمر بسبيل ، لم يصبرا علي حولا ولا أشهرا حتى وثبا ومرقا ، ونازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين ، يرتضعان أما قد فطمت ، ويحييان بدعة قد أميتت ، أدم عثمان زعما ؟ والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم ، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم ، وأنا راض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم. الحديث.
    17 ـ من كلمة لمالك الأشتر : لعمري يا أمير المؤمنين ! ما أمر طلحة والزبير و عائشة علينا بمخيل ، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على غير حدث أحدثت ولا جور صنعت ، زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما ، فإنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه ، وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان


(109)
فإن سيوفنا في عواتقنا ، وقلوبنا في صدورنا ، ونحن اليوم كما كنا أمس. ( شرح ابن أبي الحديد 1 : 103 ).
    قال الأميني : إن الأخذ بمجامع هذه الأخبار البالغة خمسين حديثا يعطينا درسا ضافيا بأن الرجلين هما أساس النهضة في قصة عثمان ، وهما اللذان أسعرا عليه الفتنة ، وإنهما لم يريان حرجا في إراقة دمه ، وقد استباحا عندئذ ما يحرم ارتكابه في المسلمين إلا أن يكون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلك ، فلم يتركاه حتى أوديا به ، وكان لطلحة هنالك مواقف مشهودة ، فمنع عنه الماء الذي هو شرع سواء بين المسلمين ، وإنه لم يرد على عثمان لما سلم عليه ومن الواجب رد السلام على كل مسلم ، وقد منع عن دفنه ثلاثا في مقابر المسلمين ، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية المبادرة إلى دفن المسلم ، وقد أمر برمي الجنازة ورمي من يتولى تجهيزها بالحجارة والمسلم حرمته ميتا كحرمته حيا ، فلم يرض طلحة بالأخير إلا دفنه في مقبرة اليهود ( حش كوكب ) وهل لهذه الأعمال وجه بعد حفظ كرامة صحبتهما ؟ والقول بعدالة الصحابة كلهم ؟ و قبول ما ورد في الرجلين إنهما من العشرة المبشرة ؟ إلا أن يقال : إنهما كانا يريان القتيل خارجا عن حوزة المسلمين ، وإلا لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتكاب تلكم الأعمال في أي من ساقة المسلمين فضلا عن خليفتهم.
    ونحن في هذا المقام نقف موقف المتحايد ، ولسنا هاهنا إلا في صدد بيان آراء الصحابة الأولين في عثمان ، وما أفضناه من رأيهما كان معروفا عنهما في وقتهما ، ولم يزل كذلك في الأجيال المتأخرة عنهما حتى العصر الحاضر ، إن كانت الآراء تؤخذ من المصادر الوثيقة ، وكانت حرة غير مشوبة بحكم العاطفة ، نزهة عن الميول والشهوات وأما ما أظهراه من التوبة بعد أن نكثا البيعة الصحيحة المشروعة فقد قدمنا وجهها في ص 101 في طلحة ويشاركه في ذلك الزبير أيضا ، فقد قفيا الحوبة بالحوبة لا بالتوبة حسبا ( إن كانا يصدقان ) أنها تمحو السيئة ، بل الحوبة الأخيرة أعظم عند الله ، فقد أراقا بها من الصفين في واقعة الجمل دماء تعد بالآلاف بريئة من دم عثمان.
    وهتكا حرمة رسول الله بإخراج حشية من حشاياه من خدرها ، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم نساءه عن ذلك ، وأوقفاها في محتشد العساكر وجبهة القتال الدامي ، وقصدا قتل إمام الوقت


(110)
المفترض طاعته الواجب حفظه ، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، والله من ورائهم محيط.

ـ 7 ـ
حديث عبد الله بن مسعود
الصحابي البدري العظيم
    مر في هذا الجزء ص 63 شطرا من أحاديثه المعربة عن رأيه السديد في عثمان وعما كان حاملا بين جنبيه من الموجدة عليه ، وإنه كان من الناقمين عليه يعيبه ويقدح فيه ، أفسد عليه العراق بذكر محدثاته ، وأخذه عثمان بذلك أخذا شديدا وحبسه وهجره ومنعه عطاءه سنين وأمر به وأخرج من مسجد رسول الله إخراجا عنيقا ، وضرب به الأرض فدق ضلعه وضربه أربعين سوطا.
    وكان ابن مسعود على اعتقاده السئ في الرجل مغاضبا له حتى لفظ نفسه الأخير وأوصى أن لا يصلي عليه ، وفي الفتنة الكبرى ص 171 : روي أن ابن مسعود كان يستحل دم عثمان أيام كان في الكوفة ، وهو كان يخطب الناس فيقول : إن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدث بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار (1) يعرض في ذلك بعثمان و عامله الوليد.
    هذا رأي ذلك الصحابي العظيم في الرجل ، فبأي تمحل يتأتى للباحث تقديس عثمان بعد ما يستحل دمه أو يشدد النكير عليه ويراه صاحب محدثات وبدع مثل ابن مسعود أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد نبي العظمة صلى الله عليه وآله وسلم ؟.

ـ 8 ـ
حديث عمار بن ياسر
البدري العظيم الممدوح بالكتاب والسنة
    1 ـ من خطبة لعمار خطبها يوم صفين قال :
    انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين : لم قتلتموه ؟ فقلنا لأحداثه ، فقالوا : إنه لم يحدث
1 ـ راجع ص 3 من هذا الجزء.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس