الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 151 ـ 160
(151)
وقد علمنا قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب. الخ
    كتاب صفين لابن مز ص 210 ، تاريخ الطبري 5 : 243 ، الكامل لابن الأثير 3 : 123 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 342.
    8 ـ من كتاب لأبي أيوب الأنصاري جوابا لمعاوية : فما نحن وقتلة عثمان إن الذي تربص بعثمان وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت ، وإن الذين قتلوه غير الأنصار.
    الإمامة والسياسة 1 : 93 وفي ط 81 ، شرح ابن أبي الحديد 26 281.
    9 ـ من كتاب لمحمد بن سلمة الأنصاري جوابا لمعاوية : ولئن كنت نصرت عثمان ميتا لقد خذلته حيا ، ونحن ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار أولى بالصواب. الإمامة والسياسة 1 : 87 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 260.
    10 ـ في محاورة بين معاوية وأبي الطفيل الكناني : قال معاوية : أكنت فيمن حضر قتل عثمان ؟ قال : لا ، ولكني فيمن حضر فلم ينصره ، قال : فما منعك من ذلك وقد كانت نصرته عليك واجبة ؟ قال : منعني ما منعك إذ تربصت به ريب المنون وأنت بالشام ، قال : أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له ؟ قال : بلى ولكنك وإياه كما قال الجعدي :
لألقينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادا
راجع ما مر في هذا الجزء ص 139
    11 ـ لما أتى معاوية نعي عثمان وبيعة الناس عليا عليه السلام ضاق صدرا بما أتاه و تظاهر بالندم على خذلانه عثمان وقال كما في كتاب صفين ص 88 :
أتاني أمر فيه للنفس غمة وفيه فناء شامل وخزاية مصاب أمير المؤمنين وهذه فلله عينا من رأى مثل هالك تداعت عليه بالمدينة عصبة دعاهم فصموا عنه عند جوابه ندمت على ما كان من تبعي الهوى وفيه بكاء للعيون طويل وفيه اجتداع للأنوف أصيل تكاد لها صم الجبال تزول أصيب بلا ذنب وذاك جليل فريقان منها قاتل وخذول وذاكم على ما في النفوس دليل وقصري (1) فيه حسرة وعويل

1 ـ قصري : أي حسبي يقال : قصرك : أي حسبك وكفايتك. كما يقال : قصارك وقصاراك.

(152)
    قال الأميني : إن زبدة مخض هذه الكلمات المعتضدة بعضها ببعض أن ابن هند لم يشذ عن الصحابة في أمر عثمان ، وإنما يفترق عنهم بأن أولئك كانوا مهاجمين عليه أو خاذلين له ، وأما معاوية فقد اختص بالخذلان والتخذيل اللذين كان يروقه نتاجهما حتى وقع ما كان يحبه ويتحراه ، وحتى حسب صفاء الجو ما كان يضمره من التشبث بثارات عثمان ، والظاهر بعد الأخذ بمجامع هذه النقول عن أعاظم الصحابة وبعد تصوير الحادثة نفسها من شتى المصادر : أن لخذلان معاوية أتم مدخلية في انتهاء أمر الخليفة إلى ما انتهي إليه ، والخاذل غير بعيد عن المجهز ، ومن هنا وهنا يقول له الإمام عليه السلام : فوالله ما قتل ابن عمك غيرك.
    ويقول : ولعمري ما قتله غيرك ، ولا خذله سواك ، إلى كلمات آخرين لا تخفى عليهم نوايا الرجل ، فلو كان مستعجلا بكتائبه إلى دخول المدينة ، غير متربص قتل ابن عمه لحاموه ونصروه ، وكان مبلغ أمره عندئذ إما إلى الفوز بهم ، أو تراخي الأمر إلى أن يبلغه بقية الأنصار من بلاد أخرى ، فيكون النصر بهم جميعا ، لكن معاوية ما كان يريد ذلك وإنما كان مستبطئ أجل الرجل ، طامعا في تقلده الخلافة من بعده ، فتركه والقوم فهو أظلم الظالمين إن كان قتل مظلوما كما قاله حبر الأمة ، أو أنه من الصحابة العدول كما يحسبه القوم وهذا رأيه في الخليفة المقتول.

ـ 35 ـ
حديث عثمان نفسه
    دخل المغيرة بن شعبة على عثمان رضي الله عنه وهو محصور فقال : يا أمير المؤمنين ! إن هؤلاء قد اجتمعوا عليك فإن أحببت فألحق بمكة ؟ وإن أحببت أن نخرق لك بابا من الدار فتلحق بالشام ؟ ففيها معاوية وأنصارك من أهل الشام ، وإن أبيت فاخرج ونخرج وتحاكم القوم إلى الله فقال عثمان : أما ما ذكرت من الخروج إلى مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة من الإنس والجن. فلن أكون ذلك الرجل إن شاء الله. الحديث.
    وفي لفظ أحمد : يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا إياه.


(153)
    وفي لفظ الخطيب : يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب الأمة فلن أكونه.
    وفي لفظ الحلبي : إن ابن الزبير لما قال لعثمان رضي الله عنه وهو محاصر : إن عندي نجائب أعددتها لك فهل لك أن تنجو إلى مكة ؟ فإنهم لا يستحلونك بها ، قال له عثمان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يلحد رجل في الحرم من قريش أو بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا.
    راجع مسند الحرم 1 : 67 ، رجال إسناده كلهم ثقات ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 35 ، تاريخ الخطيب 14 ، 272 ، الرياض النضرة 2 : 129 ، تاريخ ابن كثير 7 : 210 ، مجمع الزوائد 7 : 230 قال : ورواه أحمد ورجاله ثقات وله طرق ، الصواعق ص 66 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 109 ، السيرة الحلبية 1 : 188 ، تاريخ الخميس 2 : 263 ، إزالة الخفا 2 : 243.
    ( الانسان على نفسه بصيرة )
    تعطينا هذه الرواية أن ثقة عثمان بانطباق ما ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرجل الملحد بمكة على نفسه من جراء ما علم أنه مرتكبه من الأعمال أشد وأكثر من ثقته بإيمانه بما رووه له من البشارة بالجنة في العشرة المبشرة إلى فضايل أخرى صنعتها له أيدي الولاء والمحبة ، على أن هذه كلها نصوص فيه ، وأما ما خشي انطباقه عليه فهو وارد في رجل مجهول استقرب الخليفة أن يكونه هو ، فامتنع عن الانفلات إلى مكة وآثر عليه بقاءه في الحصار حتى أودي به ، ولم يكن يعلم أنه يقتل بمكة لو خرج إليها ، وعلى فرض قتله بها فمن ذا الذي أخبره أنه يكون هو ذلك الرجل ؟ كيف يخاف عثمان أن يكون هو ذلك الرجل وقد اشترى الجنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين بيع الحق : حيث حفر بير رومة ، وحيث جهز جيش العسرة ؟ (1) كيف يخاف عثمان وقد عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يقتل ويبعث يوم القيامة
1 ـ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 107 وصححه غير ممعن نظره في إسناده وعقبه الذهبي بتضعيف عيسى بن المسيب من رجال إسناده وقال : ضعفه أبو داود وغيره.

(154)
أميرا على كل مخذول ، يغبطه أهل المشرق والمغرب ، ويشفع في عدد ربيعة ومضر (1) كيف يخاف عثمان وقد سمع وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمته به بقوله : عليكم بالأمير وأصحابه.
    وأشار إلى عثمان ؟.
    كيف يخاف وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن شأنه في الجنة لما سئل : أفي الجنة برق ؟ فقال : نعم والذي نفسي بيده إن عثمان ليتحول من منزل إلى منزل فتبرق له الجنة ؟ (2).
    كيف يخاف عثمان وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم بمشهد منه ومسمع : ليس من نبي إلا وله رفيق من أمته معه في الجنة وإن عثمان رفيقي ومعي في الجنة ؟ (3) كيف يخاف عثمان وقد قال له صلى الله عليه وآله وسلم معتنقا إياه : أنت وليي في الدنيا والآخرة.
    أو قال : هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة ؟ (4).
    كيف يخاف عثمان بعد ما جاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما صعد المنبر فنزل حتى قال : عثمان في الجنة ؟ (5).
    نعم : للباحث أن يجيب بأن هذه كلها أباطيل وأكاذيب لا يصح شيء منها فما ذنب عثمان ؟ وكيف لا يخاف والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ؟.
    قريض يؤكد ما سبق ذكر البلاذري في الأنساب 5 : 105 للأعور الشني بشر بن منقذ يكنى أبا منقذ أحد بني شن بن أقصى كان مع أمير المؤمنين يوم الجمل ، ترجمه المرزباني في معجم الشعراء ص 39 قوله :
بكت عين من يبكي ابن عفان بعد ما ثوى تاركا للحق متبع الهوى برئت إلى الرحمان من دين نعثل نفى ورق الفرقان كل مكان وأورث حربا حشها بطعان ودين ابن صخر أيها الرجلان

1 ـ سيوافيك الحديث بإسناده ومتنه كملا.
2 ـ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 313 ط 2.
3 ـ سيأتيك الحديث بإسناده وأنه باطل.
4 ـ سنوقفك في هذا الجزء على أنه باطل لا يصح.
5 ـ من أكاذيب جاء بها محب الطبري في رياضه 2 : 104.


(155)
    ويقال : ابن الغريرة النهشلي ، ويقال : الحباب بن يزيد المجاشعي (1) : وقال علي بن الغدير المضرس الغنوي ، ويقال : إهاب بن همام بن صعصعة المجاشعي :
لعمر أبيك فلا تكذبي لقد فتن الناس في دينهم أعاذل كل امرئ هالك لقد ذهب الخير إلا قليلا وخلى ابن عفان شرا طويلا فسيري إلى الله سيرا جميلا
    راجع الأنساب 5 : 104 ، تاريخ الطبري 5 : 152 ، الاستيعاب : 2 : 480 ، تفسير ابن كثير 1 : 143.
    وأخرج نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 435 من رجز همام بن الأغفل يوم صفين قوله :
قد قرت العين من الفساق إذ ظهرت كتائب العراق وقائد البغاة والشقاق لما لففنا ساقهم بساق ومن رؤس الكفر والنفاق نحن قتلنا صاحب المراق عثمان يوم الدار والاحراق (2) بالطعن والضرب مع العناق
    وقال محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي كما في كتاب صفين ص 436.
نحن قتلنا نعثلا بالسيرة يحكم بالجور على العشيره نالته أرماح لنا موتوره إذ صد عن أعلامنا المنيرة نحن قتلنا قبله المغيره (2) إنا اناس ثابتو البصيره
    وقال الفضل بن العباس مجيبا الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن أبيات له :
أتطلب ثأرا لست منه ولا له كما اتصلت بنت الحمار بأمها ألا إن خير الناس بعد محمد وأول من صلى وصنو نبيه وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو ؟ وتنسى أباها إذ تسامي أولي الفخر وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر وأول من أردى الغواة لدى بدر

1 ـ في تاريخ ابن عساكر 3. 258 : الحتات بن يزيد.
2 ـ إشارة إلى إحراق باب دار عثمان كما مر حديثه ويأتي
3 ـ هو المغيرة بن الأخنس المقتول يوم الدار مع عثمان كما يأتي حديثه.


(156)
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله لكانوا له من ظلمه حاضري النصر وأن يسلموه للأحابيش من مصر
( تاريخ الطبري 5 : 151 )
    نادى عمرو بن العاص يوم صفين بأعلى صوته :
يا أيها الجند الصليب الإيمان إني أتاني خبر ذو ألوان (1) قوموا قياما واستعينوا الرحمن : إن عليا قتل ابن عفان
ردا علينا شيخنا كما كان
    فرد عليه أهل العراق وقالوا :
أبت سيوف مذحج وهمدان خلقا جديدا مثل خلق الرحمن بأن ترد نعثلا كما كان ذلك شأن قد مضى وذا شان
    ثم نادى عمرو بن العاص ثانية برفع صوته :
ردوا علينا شيخنا ثم بجل أو لا تكونوا حرزا من الأسل (2)
    فرد عليه أهل العراق :
كيف نرد نعثلا وقد قحل وأبدل الله به خير بدل نحن ضربنا رأسه حتى انجفل (3) أعلم بالدين وأزكى بالعمل (4)
    شد الأشتر مالك بن الحارث يوم صفين على محمد بن روضة وهو يقول :
لا يبعد الله سوى عثمانا ولا يسلي عنكم الأحزانا وأنزل الله بكم هوانا مخالف قد خالف الرحمانا
نصرتموه عابدا شيطانا (5)

1 ـ في كتاب نصر : فأشجان.
2 ـ في كتاب صفيين : جزرا من الأسل. الجزر : قطع اللحم تأكله السباع. الأسل : الرماح.
3 ـ قحل : يبس فهو قاحل. انجفل : انقلب وسقط.
4 ـ كتاب صفين ص 256 ، 257 ، 454 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 482 ، لسان العرب 14 : 70 ، تاج العروس 8 : 77.
5 ـ كتاب صفين ص 199 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 330. حذف منها الشطرين الأخيرين.


(157)
ـ 36 ـ
حديث المهاجرين والأنصار
    1 ـ من كتاب كتبه مولانا أمير المؤمنين إلى معاوية : زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خفري بعثمان ، ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا ، وما كان الله ليجمعهم على ضلال ، ولا ليضربهم بالعمى ، وما أمرت فلزمتني خطيئة الأمر ، ولا قتلت فأخاف على نفسي قصاص القاتل (1).
    2 ـ روى البلاذري عن المدائني عن عبد الله بن فائد إنه قال : نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فقال : إني لأبغضهم.
    فقال سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان : تبغضهم لأنهم قتلوا أباك.
    قال : صدقت ، قتل أبي علوج الشام وجفاته وقتل جدك المهاجرون والأنصار.
    أنساب البلاذري 5 : 195 ، 372.
    3 ـ قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 : 92 : ذكروا أن أبا هريرة وأبا الدرداء قدما على معاوية من حمص وهو بصفين فوعظاه وقالا : يا معاوية ! علام تقاتل عليا ؟ وهو أحق بهذا الأمر منك في الفضل والسابقة ، لأنه رجل من المهاجرين الأولين السابقين بالاحسان ، وأنت طليق وأبوك من الأحزاب ، أما والله ما نقول لك أن تكون العراق أحب إلينا من الشام ولكن البقاء أحب إلينا من الفناء ، والصلاح أحب إلينا من الفساد فقال : لست أزعم إني أولى بهذا الأمر من علي ولكني أقاتله حتى يدفع إلي قتلة عثمان فقالا : إذا دفعهم إليك ماذا يكون ؟ قال : أكون رجلا من المسلمين : فأتيا عليا فإن دفع إليكما قتلة عثمان جعلتها شورى.
    فقدما على عسكر علي فأتاهما الأشتر فقال يا هذان ! إنه لم ينزلكما الشام حب معاوية ، وقد زعمتما أنه يطلب قتلة عثمان فعمن أخذتما ذلك ؟ فقبلتماه ، أعمن قتله ؟ فصدقتموهم على الذنب كما صدقتموهم على القتل.
    أم عمن نصره ؟ فلا شهادة لمن جر إلى نفسه ، أم عمن اعتزل ؟ إذ علموا ذنب عثمان وقد علموا ما الحكم في قتله ، أو عن معاوية ؟ وقد زعم أن عليا قتله ، اتقيا الله فإنا شهدنا وغبتما ، ونحن الحكام على من غاب.
    فانصرفا ذلك اليوم.
1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 87 ، العقد الفريد 2 : 284 ، الكامل للمبرد 1 : 157 ، شرح ابن أبي الحديد 1 : 252.

(158)
    فلما أصبحا أتيا عليا فقالا له : إن لك فضلا لا يدفع ، وقد سرت مسير فتى إلى سفيه من السفهاء ، ومعاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان فإن فعلت ثم قاتلك كنا معك قال علي : أتعرفانهم ؟ قالا. نعم.
    قال : فخذاهم فأتيا محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر والأشتر فقالا : أنتم من قتلة عثمان وقد أمرنا بأخذكم.
    فخرج إليهما أكثر من عشرة آلاف رجل فقالوا : نحن قتلنا عثمان.
    فقالا : نرى أمرا شديدا أليس عليا الرجل.
    فانصرف أبو هريرة وأبو الدرداء إلى منزلهما بحمص فلما قدما حمص لقيهما عبد الرحمن ابن عثمان وسأل عن مسيرهما فقصا عليه القصة فقال : العجب منكما إنكما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما والله لئن كففتما أيديكما ما كففتما ألسنتكما ، أتأتيان عليا و تطلبان إليه قتلة عثمان ؟ وقد علمتما أن المهاجرين والأنصار لو حرموا دم عثمان نصروه ، وبايعوا عليا على قتلته ، فهل فعلوا ؟ وأعجب من ذلك رغبتكما عما صنعوا ، و قولكما لعلي : إجعلها شورى واخلعها من عنقك ، وإنكما لتعلمان أن من رضي بعلي خير ممن كرهه ، وإن من بايعه خير ممن لم يبايعه ، ثم صرتما رسولي رجل من الطلقاء لا تحل له الخلافة.
    ففشى قوله وقولهما فهم معاوية بقتله ، ثم راقب فيه عشيرته.
    وفي لفظ ابن مزاحم في كتاب صفين ص 213 ، خرج أبو أمامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على معاوية وكانا معه فقالا : يا معاوية ! علام تقاتل هذا الرجل ؟ فوالله لهو أقدم منك سلما ، وأحق بهذا الأمر منك ، وأقرب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فعلام تقاتله ؟ فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنه آوى قتلته فقولوا له : فليقدنا من قتلته فأنا أول من بايعه من أهل الشام ، فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية فقال : هم الذين ترون فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسربلين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا : كلنا قتله فإن شاءوا فليروموا ذلك منا.
    4 ـ مر في صفحة 139 من حديث أبي الطفيل قول معاوية له : أكنت ممن قتل عثمان أمير المؤمنين ؟ قال : لا ، ولكن ممن شهده فلم ينصره ، قال : ولم ؟ قال : لم ينصره المهاجرون والأنصار. الحديث فراجع.
    5 ـ قال شعبة : ما رأيت رجلا أوقع في رجال أهل المدينة من القاضي أبي إسحاق سعد ( بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني الزهري المتوفى سنة 125 ) ما كنت


(159)
أرفع له رجلا منهم إلا كذبه فقلت له في ذلك فقال : إن أهل المدينة قتلوا عثمان.
    تاريخ ابن عساكر 6.
    6 ـ ذكر ابن عساكر في تاريخه 7 : 319 قال : كان أبو مسلم الخولاني التابعي في المدينة فسمع مكفوفا يقول : أللهم العن عثمان وما ولد.
    فقال : يا مكفوف ! ألعثمان تقول هذا ؟ يا أهل المدينة ! كنتم بين قاتل وخاذل فكلا جزى الله شرا ، يا أهل المدينة ! لأنتم شر من ثمود ، إن ثمود قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خليفة الله ، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته.
    قال الأميني : غايتنا الوحيدة في نقل هذا الحديث إيقاف الباحث على موقف الصحابة من أهل المدينة وأنهم كانوا بين قاتل وخاذل ، وأما رأي أبي مسلم الخولاني فيهم فتعرف جوابه من قول الأشتر قبيل هذا.
    7 ـ قال الواقدي في إسناده : لما كانت سنة أربع وثلاثين كتب بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله ، وما الناس فيه من عماله ويكثرون عليه ويسأل بعضهم أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد ، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عن عثمان ولا ينكر ما يقال فيه إلا زيد ابن ثابت ، وأبو أسيد الساعدي ، وكعب بن مالك ، وحسان بن ثابت الأنصاري ، فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان ويعظه ؟ فأتاه فقال له إن الناس ورائي قد كلموني في أمرك ، ووالله ما أدري ما أقول لك ، ما أعرفك شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه ، وإنك لتعلم ما نعلم ، وما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه ، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت ورأيت مثل ما سمعنا ورأينا ، وما ابن أبي قحافة وابن الخطاب بأولى بالحق منك ، ولأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما ، ولقد نلت من صهره ما لم ينالا ، فالله الله في نفسك ، فإنك لا تبصر من عمى ، ولا تعلم من جهل ، فقال له عثمان : والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ولا عتبت عليك إن وصلت رحما (1) وسددت خلة ، وآويت ضائعا ، ووليت من كان عمر يوليه ، نشدتك الله ألم
1 ـ انظر إلى الرجل يحسب كلمته هذه تبرر أعماله الشاذة عن الكتاب والسنة وتجعل أعطياته لأبناء أمية من الغنائم والصدقات صلة للرحم ، ودفعه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلى رجال الفتن والثورات المدلهمة سدا للخلة ، ورد الحكم وأبناؤه مطرودي النبي الأعظم إلى المدينة إيواء للضايع ، دع هو وحسبانه ، لكن العجب كل العجب أنه يروم إفحام مثل أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخزعبلات.

(160)
يول عمر المغيرة بن شعبة ؟ وليس هناك. قال : نعم.
    قال : فلم تلومني إن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ؟ قال علي : سأخبرك أن عمر بن الخطاب كان كل من ولى فإنما يطأ على صماخه ، إن بلغه عنه حرف جلبه ، ثم بلغ به أقصى الغاية ، وأنت لا تفعل ، ضعفت ورفقت على أقربائك ، قال عثمان : هم أقرباؤك أيضا.
    فقال علي : لعمري إن رحمهم مني لقريبة ولكن الفضل في غيرهم.
    قال : أو لم يول عمر معاوية ؟ فقال علي : إن معاوية كان أشد خوفا وطاعة لعمر من يرفاء وهو الآن يبتز الأمور دونك وأنت تعلمها ويقول للناس : هذا أمر عثمان. ويبلغك فلا تغير على معاوية.
    راجع الأنساب للبلاذري 5 : 60 ، تاريخ الطبري 5 : 97 ، الكامل لابن الأثير 3 : 63 ، تاريخ أبي الفدا ج 1 : 168 ، تاريخ ابن خلدون 2 : 391.
    8 ـ أخرج ابن سعد في طبقاته 3 : 47 ط ليدن عن مجاهد قال : أشرف عثمان على الذين حاصروه فقال : يا قوم ! لا تقتلوني فإني وال وأخ مسلم ـ إلى أن قال ـ : فلما أتوه قال : اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا ، قال مجاهد : فقتل الله منهم من قتل في الفتنة ، وبعث يزيد إلى المدينة عشرين ألفا فأباحوا المدينة ثلاثا يصنعون ما شاءوا لمداهنتهم.
    وقال حسان بن ثابت فيمن تخلف عن عثمان وخذله عن الأنصار وغيرهم وأعانه على قتله من أبيات له :
خذلته الأنصار إذ حـضر المو من عذيري من الزبير ومن طلحة فتولى محمد بن أبي بكر وعلي في بيته يسأل النا باسطا للذي يريد يديه ت وكانت ولاته الأنصار إذ جاء أمر له مقدار (1) عيانا وخلفه عمار س ابتداء وعنده الأخبار وعليه سكينة ووقار (2)
    وقال حميد بن ثور أبو المثنى الهلالي في قتل عثمان كما في تاريخ ابن عساكر 4 : 458.
1 ـ في العقد الفريد : من عذيري من الزبير ومن طلحة هاجا أمرا له أعصار
2 ـ مروج الذهب 1 : 442 ، العقد الفريد 2 : 267.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس