الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 141 ـ 150
(141)
بابن أبي طالب فإنه متستر وهو لا يجبه.
    فخرج سعد حتى أتى عليا وهو بين القبر والمنبر فقال : يا أبا الحسن ! قم فداك أبي وأمي جئتك والله بخير ما جاء به أحد قط إلى أحد ، تصل رحم ابن عمك ، وتأخذ بالفضل عليه ، وتحقن دمه ، ويرجع الأمر على ما نحب.
    قد أعطى خليفتك من نفسه الرضى فقال علي : تقبل الله منه يا أبا إسحاق ! والله ما زلت أذب عنه حتى أني لاستحيي ، ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى ، فإذا نصحته وأمرته أن تنحيهم استغشني حتى جاء ما ترى.
    قال : فبينا هم كذلك جاء محمد بن أبي بكر فسار عليا فأخذ علي بيدي ونهض علي وهو يقول : وأي خير توبته هذه ؟ فوالله ما بلغت داري حتى سمعت الهائعة : إن عثمان قد قتل. فلم نزل والله في شر إلى يومنا هذا. تاريخ الطبري 5 : 121.
    قال الأميني : يترأى للقارئ من هذه الجمل أن سعدا خذل الخليفة على حين أنه مكثور لا يراد به إلا القتل وهو على علم منه أنه مقتول لا محالة لما كان يرى أنه غير ومتغير ، وغير عازب عن سعد حينئذ حكم الشريعة بوجوب كلاءة النفس المحترمة للمتمكن منها وهو يقول : وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه.
    حتى أنه بعد هدوء الثورة غير جازم بأنه ارتكب حوبا في خذلانه فيقول : إن كنا أحسنا فقد أحسنا ، وإن كنا أسأنا فنستغفر الله ، وعلى تقدير كونه إساءة يراها من اللمم الممحو بالاستغفار ، ولعل الشق الأخير من كلمته مجاملة مع عمرو بن العاصي لئلا يلحقه الطلب بدم عثمان ولذلك ألقى المسؤولية على أناس آخرين من علية الأمة ذكرهم في كتابه ، وعليه فصميم رأيه هو ما ارتكبه ساعة القتل من الخذلان.

ـ 27 ـ
حديث مالك الأشتر
ابن الحارث المترجم له فيما مر ص 38 ـ 40
    ذكر البلاذري في الأنساب 5 : 46 : إن عثمان كتب إلى الأشتر وأصحابه مع عبد الرحمن بن أبي بكر ، والمسور بن مخرمة يدعوهم إلى الطاعة ويعلمهم أنهم أول من سن الفرقة ، ويأمرهم بتقوى الله ومراجعة الحق ، والكتاب إليه بالذي يحبون.


(142)
    فكتب إليه الأشتر :
    من مالك الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه ، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.
    أما بعد : فقد قرأنا كتابك فإنه نفسك وعمالك عن الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمح له بطاعتنا ، وزعمت أنا قد ظلمنا أنفسنا ، وذلك ظنك الذي أرداك ، فأراك الجور عدلا ، والباطل حقا ، وأما محبتنا فإن تنزع تتوب وتستغفر الله من تجنيك على خيارنا ، وتسييرك صلحاءنا ، وإخراجك إيانا من ديارنا ، وتوليتك الأحداث علينا ، وأن تولي مصرنا عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعري وحذيفة فقد رضيناهما ، واحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إليه الهوى من أهل بيتك إن شاء الله والسلام.
    وخرج بكتابهم يزيد بن قيس الأرحبي ، ومسروق بن الأجدع الهمداني ، وعبد الله بن أبي سبرة الجعفي ، وعلقمة بن قيس أبو شبل النخعي ، وخارجة بن الصلت البرجمي في آخرين.
    فلما قرأ عثمان الكتاب قال : أللهم إني تائب وكتب إلى أبي موسى وحذيفة : أنتما لأهل الكوفة رضى ولنا ثقة ، فتوليا أمرهم وقوما به بالحق غفر الله ولكما.
    فتولى أبو موسى وحذيفة الأمر ، وسكن أبو موسى الناس وقال عتبة بن الوغل :
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب وأمر علينا الأشعري لياليا
    فقال عثمان : نعم وشهورا إن بقيت.
    قال الأميني : نظرية مالك الذي عرفته صحيفة 38 في عثمان صريحة واضحة لا تحتاج إلى تحليل وتعليل ، وإنما أعطى من نفسه الرضا في كتابه بشرط النزوع و التوبة ، لكنه لما لم يجد للشرط وفاءا بل وجد منه إصرارا على ما نقمه هو والصحابة كلهم تنشط للمخالفة ، وأجلب عليه خيلا ورجلا ، ولم يزل مشتدا في ذلك حتى بلغ ما أراد.
    وسنوقفك على حقيقة أمر الخليفة من توبته بعد توبته في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.


(143)
ـ 28 ـ
حديث عبد الله بن عكيم
    أخرج ابن سعد والبلاذري بإسنادهما عن عبد الله بن عكيم الجهني ( الصحابي ) قال : لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان.
    فقيل له يا أبا معيد وأعنت على دمه ؟ قال : إني أعد ذكر مساويه إعانة على دمه.
    طبقات ابن سعد 3 : 56 ، الأنساب للبلاذري 5 : 101.
    قال الأميني : هذا الحديث صريح في أن الرجل كان يعتقد في عثمان مساوي ومثالب ، وقد اطمأن بثبوتها له ، فتحدث بها في الأندية والمحاشد إعانة على دمه ، فكان ذلك من موجبات قتله ، ولم يزل معترفا به بعد أن أسيلت نفسه وأريق دمه.

ـ 29 ـ
حديث محمد بن أبي حذيفة
    كان أبو القاسم محمد بن أبي حذيفة العبشمي من أشد الناس تأليبا على عثمان ، و ذكر البلاذري في الأنساب قال : كان محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة ، ومحمد بن أبي حذيفة ، خرجا إلى مصر عام مخرج عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليها ، فأظهر محمد بن أبي حذيفة عيب عثمان والطعن عليه وقال : استعمل عثمان رجلا أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ونزل القرآن بكفره حين قال : سأنزل مثل ما أنزل الله (1).
    وكانت غزاة ذات الصوري في المحرم سنة أربع وثلاثين وعليها عبد بن سعد ، فصلى بالناس فكبر ابن أبي حذيفة تكبيرة أفزعه بها فقال : لولا إنك أحمق لقربت بين خطوك ، ولم يزل يبلغه عنه وعن ابن أبي بكر ما يكره ، وجعل ابن أبي حذيفة يقول : يا أهل مصر ! إنا خلفنا الغزو وراءنا.
    يعني غزو عثمان.
    إن محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر حين أكثر الناس في أمر عثمان قدما مصر وعليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ووافقا بمصر محمد بن طلحة بن عبيد الله وهو مع عبد الله بن سعد ، وإن ابن أبي حذيفة شهد صلاة الصبح في صبيحة الليلة التي قدم
1 ـ يعني بذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو صاحب يوم الفتح وفيه نزلت الآية كما مر في ص 281 من ج 8 ط 2.

(144)
فيها ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فسأل عنه ، فقيل : رجل أبيض وضئ الوجه.
    فأمر إذا صلى أن يؤتى به فلما رآه قال : ما جاء بك إلى بلدي ؟ قال : جئت غازيا ، قال : ومن معك ؟ قال : محمد بن أبي بكر.
    فقال : والله ما جئتما إلا لتفسدا الناس ، وأمر بهما فسجنا ، فأرسلا إلى محمد بن طلحة يسألانه أن يكلمه فيهما لئلا يمنعهما من الغزو ، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح افريقية فأعد لهما سفينة مفردة لئلا يفسد عليه الناس ، فمرض ابن أبي بكر فتخلف وتخلف معه ابن أبي حذيفة ، ثم إنهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلا وقد أوغرا صدور الناس على عثمان فلما وافى ابن أبي سرح مصر وافاه كتاب عثمان بالمصير إليه ، فشخص إلى المدينة وخلف على مصر رجلا كان هواه مع ابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، فكان ممن شايعهم وشجعهم على المسير إلى عثمان.
    قالوا : وبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه كسوة فأمر فوضع في المسجد وقال : يا معشر المسلمين ! ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني و يرشوني عليه ؟ فازداد أهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه ، واجتمعوا إلى ابن أبي حذيفة فرأسوه عليهم ، فلما بلغ عثمان ذلك دعا بعمار بن ياسر فاعتذر إليه مما فعل به واستغفر الله منه وسأله أن لا يحقده عليه ، وقال : بحسبك من سلامتي لك ثقتي بك ، وسأله الشخوص إلى مصر ليأتيه بصحة خبر ابن أبي حذيفة ، وحق ما بلغه عنه من باطله ، وأمره أن يقوم بعذره ، ويضمن عنه العتبي لمن قدم عليه ، فلما ورد عمار مصر (1) حرض الناس على عثمان ودهاهم إلى خلعه ، وأشعلها عليه ، وقوى رأي ابن أبي حذيفة وابن أبي بكر وشجعهما على المسير إلى المدينة ، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يعلمه ما كان من عمار ، ويستأذنه في عقوبته ، فكتب إليه : بئس الرأي رأيت يا ابن أبي سرح فأحسن جهاز عمار واحمله إلي ، فتحرك أهل مصر وقالوا : سير عمار ، ودب فيهم ابن أبي حذيفة ودعاهم إلى المسير فأجابوه (2).
    وذكر أبو عمر الكندي في أمراء مصر : إن عبد الله بن سعد أمير مصر كان توجه
1 ـ سنوقفك على أن بعث عمار إلى مصر قط لا يصح.
2 ـ أنساب البلاذري 5 : 49 ـ 51 ، تاريخ ابن كثير 7 : 157.


(145)
إلى عثمان لما قام الناس عليه ، فطلب أمراء الأمصار فتوجه إليه في رجب سنة 35 واستناب عقبة بن عامر فوثب محمد بن أبي حذيفة على عقبة وكان يوم ذاك بمصر فأخرجه من مصر وغلب عليها ، وذلك في شوال منها ، ودعا إلى خلع عثمان ، وأسعر البلاد ، وحرض على عثمان (1).
    وأخرج من طريق الليث عن عبد الكريم الحضرمي كما في الإصابة 3 : 373 : إن ابن أبي حذيفة كان يكتب الكتب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الطعن على عثمان كان يأخذ الرواحل فيحصرها ثم يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث بذلك معهم فيجعلهم على ظهور بيت في الحر ، فيستقبلون بوجوههم الشمس ليلوحهم تلويح المسافر ، ثم يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق المدينة ، ثم يرسل رسلا يخبروا بقدومهم فيأمر بتلقيهم ، فإذا لقوا الناس قالوا لهم : ليس عندنا خبر ، الخبر في الكتب ، فيتلقاهم ابن أبي حذيفة و معه الناس فيقول لهم الرسل : عليكم بالمسجد فيقرأ عليهم الكتب من أمهات المؤمنين : إنا نشكوا إليكم يا أهل الاسلام كذا وكذا من الطعن على عثمان ، فيضج أهل المسجد بالبكاء والدعاء ، فلما خرج المصريون ووجهوا نحو المدينة على عثمان شيعهم محمد بن أبي حذيفة إلى عجرود ثم رجع.
    قال الأميني : أترى هذا الصحابي العظيم كيف يجد ويجتهد في إطفاء هذه النائرة ولا يخاف فيما يعتقدانه في الله لومة لائم ، غير مكترث لما بهته به العثمانيون من اختلاق الكتب على أمهات المؤمنين ، وتسويد الوجوه بمواجهة الشمس ، ولم يزل على دؤبه و اجتهاده حتى قضي الأمر ، وأزيحت المثلات ، وما نبزوه به من الافتعال والتزوير هو حرفة كل عاجز ، ولعله دبر في الأزمنة الأخيرة كما دبرت أمثاله في كل من الثائرين على عثمان سترا على الحقائق الراهنة.
    وهل من المستبعد أن تكتب في التأليب على عثمان صاحبة قول : اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا إنه قد كفر.
    وقائلة : وددت والله إنك ( يا مروان ) وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر. وقائلة : بعدا لنعثل و
1 ـ تاريخ الطبري 5 : 109 ، الاستيعاب 1 : 233 ، الكامل لابن الأثير 3 : 67 ، الإصابة 3 : 373.

(146)
سحقا. وقائلة : أبعده الله ، ذلك لما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد. وقائلة : يا ابن عباس إن الله قد أتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية.
    وهي كانت في الرعيل الأول من الثائرين على عثمان بشتى الحيل والطرق الثائرة : هب أنهم بهتوا القوم بتلكم الأفائك لكن هل يسعهم إنكار تألبهم على الخليفة يومئذ ؟ وقد التزموا بعدالتهم ، والصحاح والمسانيد مشحونة بالاحتجاج بهم والإخراج عنهم ، نعم غاية ما يمكنهم من التقول الحكم بالخطأ في الاجتهاد شأن كل متقابلين في حكم شرعي ، وليس تحكمهم هذا بأرجح من رأي من يرى أنهم أصابوا في الاجتهاد وإجماع الصحابة يومئذ كان معاضد الهم ، وهم يقولون : إن أمة محمد لا تجتمع على خطأ.

ـ 30 ـ
حديث عمرو بن زرارة
النخعي أدرك عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
    قال البلاذري وغيره : إن أول من دعا إلى خلع عثمان والبيعة لعلي عمرو بن زرارة ابن قيس النخعي ، وكميل بن زياد بن نهيك النخعي ، فقام عمرو بن زرارة فقال : أيها الناس إن عثمان قد ترك الحق وهو يعرفه ، وقد أغرى بصلحائكم يولي عليهم شراركم فبلغ الوليد فكتب إلى عثمان بما كان من ابن زرارة ، فكتب إليه عثمان : إن ابن زرارة أعرابي جلف فسيره إلى الشام.
    وشيعه إلى الأشتر والأسود بن يزيد بن قيس وعلقمة بن قيس بن يزيد وهو عم الأسود والأسود أكبر منه فقال قيس بن قهدان يومئذ :
أقسم بالله رب البيت مجتهدا لأخلعن أبا وهب وصاحبه أرجو الثواب به سر أو إعلانا كهف الضلالة عثمان بن عفانا
    وقال ابن الأثير : هو ممن سيره عثمان من أهل الكوفة إلى دمشق.
    راجع الأنساب للبلاذري 5 : 30 ، أسد الغابة 4 : 104 ، الإصابة 1 : 548 ، ج 2 : 536.
    قال الأميني : ليس على نظرية هذا الصحابي ستر يماط عنها ، ولا أنه كان يلهج بغير المكشوف حتى يسدل عليه شيء من التمويه ، فإنك لا تجد رأيه إلا في عدد آراء الصحابة جمعاء يومئذ.


(147)
ـ 31 ـ
حديث صعصعة بن صوحان
سيد قومه عبد القيس
    أخرج ابن عساكر في تاريخه 6 : 424 من طريق حميد بن هلال العدوي قال : قام صعصعة إلى عثمان بن عفان وهو على المنبر فقال : يا أمير المؤمنين ! ملت فمالت أمتك ، اعتدل يا أمير المؤمنين ! تعتدل أمتك.
    قال : وتكلم صعصعة يوما فأكثر فقال عثمان : يا أيها الناس إن هذا البجباج ، النفاج ما يدري من الله ولا أين الله.
    فقال : أما قولك : ما أدري من الله.
    فإن الله ربنا و رب آبائنا الأولين ، وأما قولك : لا أدري أين الله.
    فإن الله لبالمرصاد ، ثم قرأ : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير (1).
    فقال عثمان : ما نزلت هذه الآية إلا في وفي أصحابنا أخرجنا من مكة بغير حق.
    وذكره الزمخشري في الفائق 1 : 35 فقال : البجباج : الذي يهبر الكلام وليس لكلامه جهة ، وروي : الفجفاج. وهو الصياح المكثار. وقيل : المأفون المختال. و النفاج : الشديد الصلف.
    وأوعز إليه ابن منظور في لسان العرب 3 : 32 ، وقال : البجباج من البجبجة التي تفعل عند مناغاة الصبي ، وبجباج فجفاج كثير الكلام ، والبجباج : الأحمق ، والنفاج : المتكبر.
    وكذا ذكره ابن الأثير في النهاية 1 : 72 ، والزبيدي في تاج العروس 2 : 6. قال الأميني : هذا صعصعة الذي أسلفنا صفحة 43 من هذا الجزء ذكر عظمته و فضله وبطولته وثقته في الدين والدنيا يرى أن الخليفة مال عن الحق فمالت أمته ولو اعتدل اعتدلت ، وفي تلاوته الآية الكريمة في محاورته إيذان بالحرب ، وإنه ومن شاكله مظلومون من ناحية عثمان منصورون بالله تعالى ، فهو بذلك مستبيح لمنابذته ومناجزته ، لقد لهج صعصعة بهذه على رؤس الاشهاد والخليفة على المنبر يخطب ، فلم يسمع إنكارا أو دفاعا من أفاضل الصحابة العدول.
1 ـ سورة الحج الآية : 39.

(148)
ـ 32 ـ
حديث حكيم بن جبلة
العبدي الشهيد يوم الجمل
    كان هذا الرجل العظيم صالحا دينا مطاعا في قومه كما وصفه أبو عمر ، وأثنى عليه المسعودي بالسيادة والزهد والنسك.
    كان أحد زعماء الثائرين على عثمان من أهل البصرة كما يأتي.
    وقال المسعودي : إن الناس لما نقموا على عثمان ما نقموا سار فيمن سار إلى المدينة حكيم بن جبلة.
    وقال الذهبي : كان ممن ألب على عثمان رضي الله عنه.
    وجاء في مقال خفاف الطائي في الحديث عن عثمان : حصره المكشوح ، وحكم فيه حكيم ، ووليه محمد وعمار ، وتجرد في أمره ثلاثة نفر : عدي بن حاتم. والأشتر النخعي. وعمرو بن الحمق. وجد في أمره رجلان : طلحة والزبير. الحديث.
    وقال أبو عمر : كان ممن يعيب عثمان من أجل عبد الله بن عامر وغيره من عماله. قال أبو عبيد : قطعت رجل حكيم يوم الجمل فأخذها ثم زحف إلى الذي قطعها. فلم يزل يضربه بها حتى قتله وقال :
يا نفس لن تراعي إن قطعت كراعي دعاك خير داعي إن معي ذراعي (1)
    فالباحث يجد لهذا البطل الصالح الدين الزاهد الناسك قدما أي قدم في التأليب على الخليفة ، وله خطواته الواسعة في استحلال دمه والتجمهر عليه ، وهو مع ذلك كله بعد صالح يذكر ويشكر ويثنى عليه ، ما اسودت صحيفة تاريخه بمناجزته الخليفة والوقيعة فيه ومقته والنقمة عليه ، ولم يتضعضع بها أركان صلاحه ، وما اختل بها نظام نسكه ، ولا شوهت سمعته الدينية ، ولا دنست ساحة قدسه ، وهذه كلها لا تلتئم مع كون الخليفة إمام عدل.
1 ـ راجع كتاب صفين لابن مزاحم ص 82 ، مروج الذهب 2 : 7 ، الاستيعاب 1 : 121 ، دول الاسلام للذهبي 1 : 18 ، ابن أبي الحديد 1 : 259.

(149)
ـ 23 ـ
حديث هشام
ابن الوليد المخزومي أخي خالد
    مر في ص 15 من هذا الجزء قول الرجل لعثمان لما ضرب عمارا حتى غشي عليه : يا عثمان ! أما علي فاتقيته وبني أبيه ، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف ، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بني أمية عظيم السرة.
    فقال عثمان : وإنك لهاهنا يا ابن القسرية ؟ قال : فإنهما قسريتان ، وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة ، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج.
    ولهشام أبيات في عثمان ذكرها المرزباني في معجم الشعراء كما قاله ابن حجر في الإصابة 3 : 606 وذكر منها قوله :
لساني طويل فاحترس من شدائه عليك وسيفي من لساني أطول
    لعل الباحث لا يعزب عنه رأي هذا الصحابي العادل في الخليفة ، ولا يجده شاذا عن بقية الصحابة في إصفاقهم على مقته بعد ما يراه كيف يجابه الرجل بفظاظة و خشونة ، ويقابله بالقول القارص ، ويهدده بالهجاء والقتل ، غير راع له أي حرمة وكرامة ، لا يحسب تلكم القوارص زورا من القول ، وفندا من الكلام ، بل يرى الخليفة أهلا لكل ذلك ، فهل يجتمع هذا مع كون الرجل إمام عدل عند المخزومي ؟.

ـ 34 ـ
حديث معاوية
ابن أبي سفيان الأموي
    1 ـ من كتاب لأمير المؤمنين إلى معاوية : فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتبعة ، مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة ، وعلى عباده حجة ، فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتله فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك ، وخذلته حيث كان النصر له (1).
    2 ـ ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية : فوالله ما قتل ابن عمك غيرك.
1 ـ نهج البلاغة 2 : 62.

(150)
    راجع ما مر من حديث أمير المؤمنين.
    3 ـ ومن كتاب له عليه السلام إلى الرجل : قد أسهبت في ذكر عثمان ، ولعمري ما قتله غيرك ، ولا خذله سواك ، ولقد تربصت به الدوائر ، وتمنيت له الأماني ، طمعا فيما ظهر منك. ودل عليه فعلك. شرح ابن أبي الحديد 3 : 411.
    4 ـ من كتاب لابن عباس إلى معاوية : أما ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة إلى أنصار ابن عفان ، وكراهتنا لسلطان بني أمية ، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره ، حتى صرت إلى ما صرت إليه ، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان : الوليد بن عقبة. كتاب نصر 472 ، الإمامة والسياسة 1 : 96 ، شرح ابن أبي الحديد 2 : 289.
    5 ـ من كتاب لابن عباس إلى معاوية : وأما قولك : إني من الساعين على عثمان والخاذلين له والسافكين دمه ، وما جرى بيني وبينك صلح فيمنعك مني ، فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله ، والمحب لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث ويستصرخ ، فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة أنت تعلم أنهم لن يتركوه حتى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا وبينك فطفقت تنعي عثمان وتلزمنا دمه وتقول : قتل مظلوما. فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين. مر تمام الكتاب في صفحة 134.
    6 ـ روى البلاذري في الأنساب قال : لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده بعث يزيد بن أسد القسري جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق وقال له : إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها ولا تقل : الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
    فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب ، قال : فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان ، فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه ، وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعوا إلى نفسه. راجع شرح ابن أبي الحديد 4 : 57.
    7 ـ من خطبة لشبث بن ربعي يخاطب معاوية : إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو و ما تطلب ، إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس ، وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلا قولك : ( قتل إمامكم مظلوما ، فنحن نطلب بدمه ) فاستجاب له سفهاء طغام ،
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس