الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: 271 ـ 280
(271)
    وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1 : 58 ، والحاكم في المستدرك 3 : 99 ، وأبو عمر في الاستيعاب 2 ، 477 ، وذكره ابن كثير في تاريخه 6 : 205 نقلا عن أحمد والأسانيد كلها تنتهي إلى قيس بن أبي حازم قالوا : كان يحمل على علي عليه السلام ، وقال ابن حجر : والمشهور عنه أنه كان يقدم عثمان ولذلك تجنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه ، وكبر قيس حتى جاوز المائة بسنين كثيرة حتى خرف وذهب عقله.
    تهذيب التهذيب 8 : 388 لنا أن نصافق الكوفيين على تجنب الرواية عن قيس المتحامل على مولانا أمير المؤمنين إن اتبعنا الرسول الأمين في النصوص المذكورة قبيل هذا ص 267 ـ 269 ولا يسوغ لأي باحث أن يعول على رواية منافق شقي خرف وذهب عقله ، وقد مر عن ابن أبي الحديد في صفحة 73 من هذا الجزء قوله : وقد طعن مشايخنا المتكلمون في قيس وقالوا : إنه فاسق ولا تقبل روايته .. الخ.
    9 ـ أخرج ابن عدي عن أبي يعلى عن المقدمي محمد بن أبي بكر عن أبي معشر يوسف بن يزيد البراء البصري عن إبراهيم بن عمر بن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسر إليه أنه يقتل ظلما (1).
    زيفه ابن عدي كما في الميزان وعده من أحاديث عمر بن أبان التي كلها غير محفوظة وأبان بن عثمان لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد بن حنبل فكيف بعمر بن أبان ، وسنوقفك على ترجمة أبي معشر وإبراهيم بن عمر في المنقبة الثالثة من مناقب عثمان وأنهما لا يعول عليهما ولا يصح حديثهما.
    10 ـ ذكر الذهبي في الميزان 1 : 300 من طريق أنس مرفوعا : يا عثمان ! إنك ستلي الخلافة من بعدي وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها ، وصم ذلك اليوم تفطر عندي.
    قال الذهبي : في سنده خالد بن أبي الرحال الأنصاري عنده عجائب ، قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به.
    وفي لسان الميزان 6 : 794 قال : أبو حاتم : ليس بالقوي.
1 ـ لسان الميزان 4 : 282.

(272)
نظرة في أحاديث العهد
    هذه سلسلة روايات أصفق على وضعها دجالون تتراوح أسانيدها بين أموي و شامي وبصري ، وبين عثماني متحامل على سيد العترة ، وبين أناس آخرين من ضعيف إلى كذاب إلى متروك إلى ساقط.
    على أن متونها أكثر عللا من أسانيدها فإن الخضوع لصحتها يستدعي الوقيعة في الصحابة كلهم لأن المنصوص عليه في غير واحد منها : إن الذين أجلبوا على عثمان وأرادوا خلعه أناس منافقون ، وفي بعضها : فإن عثمان يومئذ وأصحابه على الحق ، وعليكم بالأمين وأصحابه.
    وقد علمت أن المتجمهرين عليه هم الصحابة كلهم المهاجرون منهم والأنصار ما خلا ثلاثة : زيد بن ثابت ، حسان بن ثابت ، أسيد الساعدي. أو : هم وكعب بن مالك.
    وأناس من زعانفة الأمويين ، وأين هذا من الاعتقاد بعدالتهم جمعاء كما عند القوم ؟ ومن الخضوع لجلالة كثيرين منهم الذين علمت منهم نواياهم الصالحة ، وأعمالهم البارة ، والنصوص النبوية الصادرة فيهم ، وثناء الله تعالى عليهم في كتابه الكريم كما عند الأمة أجمع ؟.
    ثم إن عثمان وإن كان يتظاهر بامتثال الأمر الموجود في الروايات وغيرها بالصبر وعدم القتال غير أن عمله كان مباينا لذلك لمكاتبته إلى الأوساط الإسلامية يستجلب منها الجيوش لمقاتلة أهل المدينة ، ويرى قتالهم قتال الأحزاب يوم بدر ، و ينص على أن القوم قد كفروا ، فلو اتصلت به كتائب الأمداد يومئذ لألقحها حربا زبونا وفتنة عمياء ، وإنما كان ينكص عن النضال لإعواز الناصر لإصفاق الصحابة عليه عدا أولئك الثلاثة وما كانوا يغنون عنه شيئا ، ولا سيما حسان بن ثابت الذي لم يكن يجسر أن يأخذ سلب القتيل الذي قتلته امرأة (1).
    على أنه لم يتقاعد عن المقاتلة أيضا بمن كان معه من حثالة بني أمية فقد بذلوا كل ما حووه من بسالة وشجاعة ، غير أن القضاء الحاتم أخزاهم وحال بينهم وبين النجاح إلى أن لجأوا إلى أم حبيبة فجعلتهم في كندوج ثم خرجوا من المدينة هاربين.
    ثم هب أن عائشة كانت نسيت ما روته حين ألبت الجماهير على عثمان وأمرت
1 ـ راجع الجزء الثاني من كتابنا هذا ص 64 ط 2.

(273)
بقتله وسمته نعثلا كافرا فهل بقية الرواة وهم : عبد الله بن عمر وأبو هريرة ومرة البهزي وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها على النسيان ؟ أو أنهم ما كانوا يروونها يومئذ ثم اقتضت الظروف أن يرووها ؟ أو أنها اختلقت بعدهم على ألسنتهم ؟ ولو كان لهذه الكلمات المعزوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ من قوله : عليكم بالأمين وأصحابه ، وقوله : اتبعوا هذا وأصحابه ، وقوله : إتبع هذا الرجل فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق ـ مقيلا من الصحة لا ستدعى أن يفيضها على الصحابة كلهم لأن قضيتها أن تلك الفتنة الموعود بها من الفتن المضلة ، وإن عثمان عندئذ في جانب الحق ، وما كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم بالذي يشح على أمته بالارشاد إلى ما فيه هدايتهم و صلاحهم الديني ، وهو مقيض لذلك ومبعوث لأجله ، فلماذا لم يروها غير هؤلاء ؟ و لا عرفها غيرهم ولو بوساطتهم ؟ وكان إلقائها عليهم مسارة لا يطلع عليها أحد ؟ ولماذا ترك هؤلاء الاحتجاج بها يوم الدار ؟ وفي القوم وهم الأكثرون من إن يسمع بها لا يتباطأ عن الخضوع للأمر النبوي المطاع ، أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ؟ إن هذا إلا اختلاق.

نظرة في مناقب عثمان
الواردة في الصحاح والمسانيد
    إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها ؟! لكن الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسياته ومقداره ، والغاية من هذا الاسهاب أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياسا في أمره نرد إليه كل ما يؤثر في حقه فإن ساوى المقياس أثبتناه ، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنه من الغلو في الفضائل.
    وما سردنا إلى هنا من دعارة في الخلق ، وعرامة في الطباع ، وعرارة في الشكيمة وشرة في الغرائز ، وفظاظة في الأعمال ، وتعسف في الحكم ، واتباع للشهوات ، وميل عن الحق ، ودناءة في النفس ، وسقطة في الرأي ، وسرف في القول ، إلى الكثير المتوفر من أمثال هذه مما لا تحمد فعليته ولا عقباه ، لا يدع الباحث أن يخضع لشيء مما قيل أو تقول فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.


(274)
    كما أن آراء الصحابة الأولين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من صفحة 69 ـ 168 لا تدع مجالا للبحث عن صحة تلكم المفتعلات فضلا عن إثباتها ، وأنك تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصري أو شامي أنهوا أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط ، وذلك مما يعطي أنها من صنايع معاوية للخليفة المقتول الذي اتخذ أمره سلما إلى ما كان يبتغيه من المرتقى ، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الأحاديث في فضائل أبناء بيته الشجرة المنعوتة في القرآن ، من بني أمية عامة ، ومن آل أبي العاص خاصة ، أضف إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أي تمحل في تصحيحها ، وإليك نبذة من تلكم الموضوعات :
    1 ـ أخرج مسلم وأحمد من طريق عقيل الأموي عن الليث العثماني عن يحيى ابن سعيد الأموي عن سعيد بن العاص ابن عم عثمان عن عائشة وعثمان قالا : إن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان : ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : إجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه حاجتي.
    ثم انصرف ، فقالت عائشة : يا رسول الله ؟ ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عثمان رجل حيي (1) وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته (2).
    2 ـ أخرج مسلم غيره من طريق عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه ، فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلس وسويت ثيابك ؟
1 ـ حيي كغني : ذو حياء. وفي شرح مسلم : أي كثير الحياء.
2 ـ صحيح مسلم 7 : 117 ، مسند أحمد 1 : 71 و ج 6 : 155 ، 167.


(275)
فقال : ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة (1).
    وأخرج البخاري في مناقب عثمان حديثا وقال في ذيله : زاد عاصم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها.
    قال ابن حجر في فتح الباري 7 : 43 : قال ابن التين : أنكر الداودي هذه الرواية وقال : هذه الرواية ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث ، وإنما ذلك الحديث : إن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثم دخل عمر ثم دخل عثمان فغطاها. الحديث.
    قال الأميني : الحياء هو انقباض النفس عما لا يلائم خطة الشرف من الناحية الدينية أو الانسانية ، وأصله فطري للانسان ، وكماله اكتسابي يتأتى بالإيمان ، فهو يتدرج في الرقي بتدرج الإيمان والمعرفة ، فتنتهي إلى ملكة راسخة تأبى لصاحبهما التورط في المخازي كلها ، فيكون بها الانسان محدودا في أفعاله وتروكه وشهواته وميوله وتنبسط تلكم الحدود على الأعضاء والجوارح وعلى النفس والعقل ، فلا يسع أيا منها الخروج عن حده ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكر الموت والبلى (2) فكل عمل خارج عن حدود الدين والانسانية مناف للحياء ، وهو الرادع الوحيد عن الفحشاء والمنكر ، وعن كل ما يلوث ذيل الانسانية والعفة والإيمان من صغيرة أو كبيرة ، ومن لم يستح فله أن يفعل ما يشاء ، وجاء في النبوي على المحدث به وآله السلام : إذا لم تستح فاصنع ـ فافعل ـ ما شئت (3).
    وعلى هذا فكل من الفحش والبذاء والكذب والخيانة والغدر والمكر ونقض العهد التخلع والمجون وما يجري مجراها أضداد للحياء ، وقد وقع التقابل بينها وبينه في لسان المشرع الأعظم منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ،
1 ـ مسند أحمد 6 : 62 ، صحيح مسلم 7 : 116 ، مصابيح السنة 2 : 273 ، الرياض النضرة 2 : 88 ، تاريخ ابن كثير 7 : 202.
2 ـ أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح ، والمنذري في الترغيب والترهيب 3 : 166.
3 ـ أخرجه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه.


(276)
والبذاء من الجفاء والجفاء في النار (1).
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : الحياء والعي من الإيمان وهما يقربان من الجنة ويباعدان من النار ، والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقربان من النار ويباعدان من الجنة.
    أخرجه الطبراني كما في الترغيب والترهيب 3 : 165.
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عائشة ! لو كان الحياء رجلا كان رجلا صالحا ، ولو كان الفحش رجلا كان رجل سوء.
    رواه الطبراني وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب 3 : 166.
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ما كان الفحش في شيء إلا شانه ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه أخرجه ابن ماجة في سننه 2 : 546 ، والترمذي في الصحيح.
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة ، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا ، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا ، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الاسلام.
    أخرجه ابن ماجة كما في الترغيب والترهيب 2 : 167.
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : الحياء لا يأتي إلا بخير (2) وقال المناوي في شرحه في فيض القدير 3 : 427 : لأن من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربه أشد فلا يضيع فريضة ، ولا يرتكب خطيئة ، قال ابن عربي : الحياء أن لا يفعل الانسان ما يخجله إذا عرف منه أنه عرف منه أنه فعله ، والمؤمن يعلم بأن الله يرى كل ما يفعله ، فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك ، وبأنه لا بد أن يقرره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤديه إلى ترك ما يخجل منه ، وذلك هو الحياء فمن ثم لا يأتي إلا بخير.
    وقال : حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ، ويمنع من التقصير في حق الغير ، وقال بعض الحكماء : من كسا (3) الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.
1 ـ قال المنذري في الترغيب والترهيب 3 : 165 : أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، والترمذي ، وابن حبان في صحيحه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
2 ـ أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة والمنذري.
3 ـ لعل الصحيح : من كساه الحياء ثوبه.


(277)
    إذن هلم معي لنسبر حياة الخليفة ـ عثمان ـ علنا نجد فيها ما يصح للبرهنة على ثبوت هذه الملكة له إن لم يكفأنا الإياس منها بخفي حنين ، فارجع البصر كرتين فيما سردناه من أفعال الخليفة وتروكه ومحاوراته وأقواله ، ثم انظر هل تجد في شيء منها ما يدعم هذه الدعوى له فضلا عن أن يكون أحيأ الناس ، أو أشد الأمة حياء ، أو تستحيي منه الملائكة ؟ أيصلح شاهدا لذلك قوله لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام : والله ما أنت عندي أفضل من مروان ؟ هلا كان يعلم أن الله عد عليا في كتابه نفس النبي الأقدس وقد طهره بنص الذكر الحكيم ، ومروان طريد ابن طريد ، وزغ ابن وزغ ، لعين ابن لعين ؟ راجع الجزء الثامن ص 260 ط 2.
    أو اتهامه ذلك الإمام الطاهر سيد العترة بكتاب كتبه هو في قتل محمد بن أبي بكر وأصحابه وتعذيبهم وتنكيلهم ، فينكر ما كتب ويقول له عليه السلام : اتهمك واتهم كاتبي مروان ؟ أو قوله للإمام عليه السلام : لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك كهفا وملجأ ؟ أو قوله له عليه السلام لما كلمه في أمر عمار ونفيه إياه : أنت أحق بالنفي منه ؟ أو قوله لأصحابه مروان ومن كان على شاكلته يستشيرهم في أمر أبي ذر : أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ؟ وملأ مسامع الصحابة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أظلت الخضراء ، وما أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
    إلى كلمات أخرى له صلى الله عليه وآله وسلم في الثناء عليه ، راجع الجزء الثامن ص 312 ط 2.
    أو قوله لعمار لما سمع منه ـ رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا ـ : يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على تسييره ؟ وأمر فدفع في قفاه ، وعمار كما عرفته في هذا الجزء ص 20 إلى 28 جلدة ما بين عيني رسول الله وأنفه ، وهو الطيب المطيب ، ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، اختلط الإيمان بلحمه ودمه ، يدور مع الحق حيث دار ، وقد جاء الثناء عليه في الذكر الحكيم.
    إذا كان حقا ما يدعيه عثمان لنفسه (1) من أنه لم يمس فرجه بيمينه منذ بايع
1 ـ يأتي حديثه بتمامه.

(278)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشريفا ليد النبي الكريمة ؟ فليت شعري لماذا طفق يلوك بلسانه اسم أير ياسر أبي عمار ؟ وطالما لهج بأحاديث النبوة به ، ورتل كتاب الله ترتيلا ، أما كان عليه أن يكف لسانه عن البذاءة كرامة للكتاب والسنة ، كما ادعى كلاءة نفسه عن مس فرجه كرامة ليد النبوة ؟ إن لم يداحمنا هنالك من ينكر دعواه في اليد قياسا على ما شوهد منه في اللسان مرة بعد أخرى.
    أيصلح شاهدا لذلك قوله على صهوة المنبر بين ملأ المسلمين في ابن مسعود لما قدم المدينة : ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقئ ويسلح ؟ وابن مسعود أحد الذين أطراهم الكتاب العزيز ، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هديا ودلا وسمتا. راجع ما مر في هذا الجزء ص 6 ـ 11.
    أو قوله لعبد الرحمن بن عوف : إنك منافق (1) ؟ وهو أحد العشرة المبشرة فيما يحسبون.
    أو قوله لصعصعة بن صوحان : البجباج النفاج ؟ وهو ذلك السيد الخطيب الفصيح الدين كما مر في ص 42 من هذا الجزء.
    أو شتمه المغيرة بن الوليد المخزومي لما دافع عن عمار حينما ضربه عثمان حتى غشي عليه ؟ أو قوله في كتابه إلى معاوية : إن أهل المدينة قد كفروا ؟ أو قوله في كتاب آخر له : فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا بأحد ؟ وهو يريد الأنصار الذين آووا ونصروا ، والمهاجرين الذين صدقوا واتبعوا ، وهم الذين يحسب أتباع الخليفة أن كلهم عدول ، ولم يكن بينهم متخلف عن النقمة عليه إلا ثلاثة أو أربعة حفظ التاريخ ترجمة حياتهم الموصومة.
    أو قوله في كتابه إلى الأشتر وأصحابه : إني قد سيرتكم إلى حمص ، فإنكم لستم تألون الاسلام وأهله شرا.
    أو قوله المائن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم ؟ يقول ذلك
1 ـ السيرة الحلبية 2 : 87 ، الصواعق ص 8.

(279)
بعد ما عهد على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة ، وكتب بهذا كتابا وشهد عليه أمة من الصحابة بعد ما اعترف بهناته بين الملأ وأظهر الندامة منها وتاب عنها ولذلك كله رجع المصريون وغيرهم من الثائرين عليه إلى بلادهم ، وكان يحنث عهده وينقض توبته بتلبيس أبالسته مروان ونظرائه ، فهل يفعل مثل هذا من تردى بأبراد الحياء ؟ أو مقارفته ليلة وفاة أم كلثوم النبي الاقدس ؟ وكان ذلك ممقوتا جدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه ألمح إليه بقوله : هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟ فمنعه بذلك عن دفن حبيبته ، وألصق به هوان الأبد.
    أو تربعه على صهوة منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما استخلف ؟ وكان أبو بكر يجلس دون مقامه صلى الله عليه وآله وسلم بمرقاة ثم عمر دونه بمرقاة ، وكان من حق عثمان الذي كان أشد حياء من صاحبيه أن لا يطأ ذلك المرتقى ، وأن يتبع ولا أقل سيرة الشيخين في الحياء والأدب ، لكنه ...
    أو مخالفته الكتاب والسنة ؟ كما كتب المهاجرون الأولون وبقية الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين : أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها فإن كتاب الله قد بدل ، وسنة رسوله قد غيرت (1).
    وكتبوا إلى الصحابة في الثغور : إن دين محمد قد أفسده من خلفكم وترك ، فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم ورفعت عائشة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تقول : تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل.
    وتقول : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد.
    وتقول : عثمان قد أبلى سنة رسول الله.
    وتقول : اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا إنه قد كفر.
    إلى كلمات أخرى لها ولغيرها في مخالفة الرجل الكتاب والسنة.
    أو إعرابه عن تلكم الآراء الشاذة عن الكتاب والسنة في الصلاة والصلاة و الصدقات والأخماس والزكوات والحج والنكاح والحدود والديات بلهجة شديدة بمثل قوله : هذا رأي رأيته.
    وقوله : لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم.
    فقال له علي إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه.
    وقال عمار : أشهد الله إن أنفي أول راغم من
1 ـ راجع ما مر ص 162 من هذا الجزء.

(280)
ذلك. أو قال : أنا والله أول من رغم أنفه من ذلك. راجع صفحة 15 من هذا الجزء.
    أو حثه الناس على الأخذ بتلكم الآراء المنتئية عن ناموس الإسلام المقدس حتى قال له أمير المؤمنين لما قال له عثمان : لا تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت ؟ لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس ؟ أو قال له : لم أكن لأدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك.
    وكاد أمير المؤمنين يقتل من جراء تلك الأحدوثة ، مر حديثه في ج 6 : 219 و ج 8 : 130 ط 2.
    وقد فتح بذلك باب الجرأة على الله والتقول عليه بمصراعيه فجاء بعده معاوية ومروان وأبناء أبيه الآخرون يلعبون بدين الله لعبة الصبيان بالدوامة (1).
    أو إيواءه عبيد الله بن عمر لما قتل نفوسا أبرياء ولم يقتص منه ونقم عليه بذلك جل الصحابة ـ لو لم نقل كلهم ـ ممن يأبه به وبرأيه ؟! أو تعطيله الحد على الوليد بن عقبة لرحمه وقرابته منه وقد شرب الخمر وقاء في محراب المسجد الأعظم بالكوفة ، حتى وقع التحاور والتحارش بين المسلمين ، واحتدم الحوار والمكالمة وتضاربوا بالنعال ؟ مر في الجزء الثامن ص 120 ـ 125.
    أو تسليطه بني أمية رجال العيث والفساد أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على رقاب الناس ونواميس الاسلام المقدسة وتوطيده لهم الملك العضوض ؟ وتأسيسه بهم حكومة أموية غاشمة في الحواضر الإسلامية ؟ كما فصلنا القول فيه في الجزء الثامن ص 288 ـ 292 ط 2.
    أورده إلى المدينة وإيواءه عمه وأبناؤه وكان قد طردهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنزيها لتلك الأرض المقدسة من أولئك الأدناس الأرجاس ؟.
    أو تفويضه الصالح العام إلى مروان المهتوك ؟ وتطوره في سياسة العباد بتقلباته ؟ كأن بيده مقاليد أمور الأمة حتى قال له مولانا أمير المؤمنين : أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به ؟ وقال : ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك ، وإني
1 ـ لعبة من خشب يلف الصبي عليها خيطا ثم ينقضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض. و في اللغة الدارجة : مرصع. وشاخة.
الغدير في الكتاب والسنة والأدب ـ الجزء التاسع ::: فهرس