المقدمة السابعة

في نبذ مما جاء في أن القرآن تبيان كل شيء وتحقيق معناه

روى في الكافي بإسناده عن مرازم عن ابي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن الا وقد أنزله الله فيه .
وبإسناده عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول إن الله تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الامة الا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل لكل شيء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه وجعل على من تعدى ذلك حدا .
وبإسناده عن المعلى بن خنيس قال قال : أبو عبد الله عليه السلام ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال .
وبإسناده عن حماد ( عمار خ ل ) عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ما من شيء الا وفيه كتاب أو سنة . وبإسناده عن سماعة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : قلت له أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه ، قال : بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه .
وبإسناده عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر عليه السلام : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني أين هو من كتاب الله تعالى . ثم قال في بعض حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال فقيل له يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أين هذا من كتاب الله ؟ قال :

( 57 )

إن الله تعالى يقول لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس . وقال : لا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وقال : لا تسئالوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . قال بعض أهل المعرفة ما ملخصه : إن العلم بالشيء اما يستفاد من الحس برؤية أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة أو اجتهاد أو نحو ذلك ومثل هذا العلم لا يكون الا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط لانه إنما يتعلق بالشيء في زمان وجوده علم وقبل وجوده علم آخر وبعد وجوده علم ثالث وهكذا كعلوم أكثر الناس وأما ما يستفاد من مبادئه وأسبابه وغاياته علما واحدا كليا بسيطا على وجه عقلي غير متغير فانه ما من شيء الا وله سبب ولسببه سبب . وهذا إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب وكل ما عرف سببه من حيث يقتضيه ويوجبه فلا بد أن يعرف ذلك الشيء علما ضروريا دائما فمن عرف الله تعالى بأوصافه الكمالية ونعوته الجلالية وعرف أنه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود وعرف ملائكته المقربين ثم ملائكته المدبرين المسخرين للأغراض الكلية العقلية بالعبادات الدائمة والنسك المستمرة من غير فتور ولغوب الموجبة لأن يترشح عنها صور الكائنات كل ذلك على الترتيب السببي والمسببي.
فيحيط علمه بكل الأمور وأحوالها ولواحقها علما برياً ( بريئا خ ل ) من التغيير والشك والغلط فيعلم من الأوائل الثواني ومن الكليات الجزئيات المترتبة عليها ومن البسائط المركبات ، ويعلم حقيقة الانسان وأحواله ومايكملها ويزكيها ويسعدها ويصعدها إلى عالم القدس وما يدنسها ويرديها ويشقيها ويهويها إلى أسفل السافلين علما ثابتا غير قابل للتغيير ولا محتمل لتطرق الريب فيعلم الأمور الجزئية من حيث هي دائمة كلية ومن حيث لا كثرة فيه ولا تغيير وإن كانت هي كثيرة متغيرة في أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض وهذا كعلم الله سبحانه بالأشياء وعلم ملائكته المقربين وعلوم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بأحوال الموجودات الماضية والمستقبلة وعلم ما كان وعلم ما سيكون ( يكون خ ل ) إلى يوم القيامة من هذا القبيل فانه علم كلي ثابت غير متجدد بتجدد المعلومات ولا متكثر

( 58 )

بتكثرها ، ومن عرف كيفية هذا العلم عرف معنى قوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء . ويصدق بأن جميع العلوم والمعاني في القرآن الكريم عرفانا حقيقيا وتصديقا يقينيا على بصيرة لا على وجه التقليد والسماع ونحوهما إذ ما من أمر من الامور الا وهو مذكور في القرآن إما بنفسه أو بمقوماته وأسبابه ومبادئه وغاياته ولا يتمكن من فهم آيات القرآن وعجائب أسراره وما يلزمها من الأحكام والعلوم التي لا تتناهى الا من كان علمه بالأشياء من هذا القبيل . انتهى كلامه أعلى الله مقامه ، وينبه عليه لفظة الأصل في رواية المعلى .

( 59 )

المقدمة الثامنة

في نبذ مما جاء في أقسام الآيات واشتمالها على البطون والتأويلات وأنواع
اللغات والقراءات ، والمعتبرة منها

قد اشتهرت الرواية من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف وقد ادعى بعضهم تواتر أصل هذا الحديث الا انهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولا . وروت العامة عنه عليه السلام ايضا انه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل . وفي رواية أخرى : زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، والمستفاد من هاتين الروايتين إن الأحرف إشارة إلى اقسامه وأنواعه .
ويؤيده ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص .
وروت العامة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أن القرآن أنزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حرف حد ومطلع .
وفي رواية أخرى أن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن .
وربما يستفاد من هاتين الروايتين أن الأحرف إشارة إلى بطونه وتأويلاته ولا نص فيهما على ذلك لجواز أن يكون المراد بهما أن الكل من الأقساط ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا ( بطن خ ل ) إلى سبعة أبطن .
ومن طريق الخاصة ما رواه في الخصال بإسناده عن حماد قال : قلت لأبي

( 60 )

عبد الله عليه السلام إن الأحاديث تختلف منكم ، قال : فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للامام أن يفتي على سبعة وجوه . ثم قال : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ، وهذا نص في البطون وتأويلات . ورووا في بعض ألفاظ هذا الحديث أن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرؤوا بما تيسر منه .
وفي بعضها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجبرئيل عليه السلام : إني بعثت إلى امة اميين ، فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام . قال : فمرهم فليقرؤا القرآن على سبعة أحرف .
ومن طريق الخاصة ما رواه في الخصال بإسناده عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أتاني آت من الله عز وجل فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد . فقلت : يا رب وسع على أمتي . فقال : إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ويستفاد من هذه الروايات ان المراد بسبعة أحرف اختلاف اللغات كما قاله ابن الأثير في نهايته فانه قال في الحديث نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف اراد بالحرف اللغة يعني على سبع لغات من لغات العرب أي انها متفرقة ( مفرقة خ ل ) في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة الهوازن ( هوازن خ ل ) وبعضه بلغة اليمن . قال : ومما يبين ذلك قول ابن مسعود إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم : هلم تعال واقبل . وقال في مجمع البيان : إن قوما قالوا إن المراد بالأحرف اللغات مما لا يغير حكما في تحليل ولا تحريم مثل : هلم وأقبل وتعال . وقالوا : وكانوا مخيرين في مبتدء الإسلام في أن يقرؤا بما شاؤوا منها ثم أجمعوا على أحدها وإجماعهم حجة فصار ما أجمعوا عليه مانعا مما اعرضوا عنه .
أقول : والتوفيق بين الروايات كلها أن يقال : إن للقرآن سبعة أقسام من

( 61 )

الآيات وسبعة بطون لكل آية . ونزل على سبع لغات . واما حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءات ثم التكلف في تقسيم وجوه القراءات على هذا العدد كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم فلا وجه له مع أنه يكذبه ما رواه في الكافي باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة . وبإسناده عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ، ومعنى هذا الحديث معنى سابقه والمقصود منهما واحد وهو أن القراءة الصحيحة واحدة الا أنه عليه السلام لما علم أنهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم . وعلى هذا فلا تنافي بين هذين الحديثين وشيء من أحاديث الأحرف ايضا .
وبإسناده عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا كنا عند ابي عبد الله عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن كان ابن مسعود لا يقرء على قراءتنا فهو ضال . قال ( فقال خ ل ) : ربيعة ضال . فقال : نعم ضال . ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أما نحن فنقرأ على قراءة أُبي .
ولعل آخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة وتداركا لما قاله في ابن مسعود ذلك لأنهم عليهم السلام لم يكن يتبعون احدا سوى آباءهم عليهم السلام لأن علمهم من الله وفي هذا الحديث اشعار بأن قراءة أُبي كانت موافقة لقراءتهم عليهم السلام أو كانت أوفق لها من قراءة غيره من الصحابة .
ثم الظاهر أن الاختلاف المعتبر ما يسري من اللفظ إلى المعنى مثل مالك وملك دون ما لا يجاوز اللفظ أو يجاوزه ولم يخل بالمعنى المقصود سواء كان بحسب اللغة مثل كفؤاً بالهمزة والواو ومخففا ومثقلا أو بحسب الصرف مثل يرتد

( 62 )

ويرتدد أو بحسب النحو مثل ما لا يقبل منها شفاعة بالتاء ، والياء وما يسري إلى المعنى ولم يخل بالمقصود مثل الريح والرياح للجنس والجمع فان في امثال هذه موسع علينا القراءات المعروفة .
وعليه يحمل ما ورد عنهم عليهم السلام من اختلاف القراءة في كلمة واحدة وما ورد أيضا في تصويبهم القراءتين جميعا كما يأتي في مواضعه أو يحمل على أنهم لما لم يتمكنوا أن يحملوا الناس على القراءة الصحيحة جوزوا القراءة بغيرها كما اشير إليه بقولهم عليهم السلام : اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم وذلك كما جوزوا قراءة أصل القرآن بما هو عند الناس دون ما هو محفوظ عندهم وعلى التقديرين في سعة منها جميعا ، وقد اشتهر بين الفقهاء وجوب التزام عدم الخروج عن القراءات السبع أو العشر المعروفة لتواترها وشذوذ غيرها .
والحق : أن المتواتر من القرآن اليوم ليس إلا القدر المشترك بين القراءات جميعا دون خصوص آحادها إذ المقطوع به ليس إلا ذاك فان المتواتر لا يشتبه بغيره وأما نحن فنجعل الأصل في هذا التفسير أحسن القراءات كانت قراءة من كانت كالأخف على اللسان والأوضح في البيان والآنس للطبع السليم والأبلغ لذي الفهم القويم والأبعد عن التكلف في إفادة المراد والأوفق لأخبار المعصومين . فان تساوت أو أشبهت فقراءة الأكثرين في الأكثر .
ولا نتعرض لغير ذلك إلا ما يتغير به المعنى المراد تغييرا يعتد به أو يحتاج إلى التفسير وذلك لأن التفسير إنما يتعلق بالمعنى دون اللفظ وضبط اللفظ إنما هو للتلاوة فيخص به المصاحف ، وأما ما دونوه في علم القراءة وتجويدها من القواعد والمصطلحات فكل ما له مدخل في تبيين الحروف وتمييز بعضها عن بعض لئلا يشتبه أو في حفظ الوقوف بحيث لا يختل المعنى المقصود به أو في صحة الإعراب وجودته لئلا تصير ملحونة أو مستهجنة أو في تحسين الصوت وترجيعه بحيث يلحقها بألحان العرب وأصواتها الحسنة فله وجه وجيه .

( 63 )

وقد وردت الإشارة اليه في الروايات المعصومية وإنما ينبغي مراعاة ذلك فيما اتفقوا عليه لاتفاق السلائق عليه دون ما اختلفوا فيه لاختلافها لديه .

( 64 )

المقدمة التاسعة

في نبذ مما جاء في زمان نزول القرآن وتحقيق ذلك

روي في الكافي عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله تعالى : شهر رمضان الذى انزل فيه القرآن ، وإنما نزل عشرين سنة بين أوله وآخره . فقال أبو عبد الله عليه السلام : أُنزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وانزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان وانزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان وانزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان وانزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان .
وفيه وفي الفقيه بإسنادهما عن أبي عبد الله عليه السلام قال نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان ونزل الانجيل في إثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان ونزل القرآن في ليلة القدر .
وفي بعض نسخ الفقيه ، ونزل الفرقان في ليلة القدر . وباسنادهما عن حمران أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة مبركة ؟ قال هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر . ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر . قال الله تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم . قال : يقدر في ليلة القدر كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق . الحديث .
وباسنادهما عن يعقوب قال : سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن

( 65 )

ليلة القدر ؟ فقال : أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن .
أقول : وذلك لأن في ليلة القدر ينزل كل سنة من تبيين القرآن وتفسيره ما يتعلق بأمور تلك السنة إلى صاحب الأمر عليه السلام فلو لم يكن ليلة القدر لم ينزل من أحكام القرآن ما لا بد منه في القضايا المتجددة وإنما لم ينزل ذلك إذا لم يكن من ينزل عليه وإذا لم يكن من ينزل عليه لم يكن قرآن لأنهما متصاحبان لن يفترقا حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوضه كما ورد في الحديث المتفق عليه وقد مضى معنى تصاحبهما .
والمستفاد من مجموع هذه الأخبار ، وخبر الياس الذي أورده في الكافي في باب شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها من كتاب الحجة إن القرآن نزل كله جملة واحدة في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان إلى البيت المعمور وكأنه اريد به نزول معناه على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله نزل به الروح الأمين على قلبك ثم نزل في طول عشرين سنة نجوما من باطن قلبه إلى ظاهر لسانه كلما آتاه جبرئيل عليه السلام بالوحي وقرأه عليه بألفاظه وأن معنى انزال القرآن في ليلة القدر في كل سنة إلى صاحب الوقت انزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقه وتفريق محكمه من متشابهه .
وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان كما قال الله سبحانه : ( شهر رمضان الذين انزل فيه القران ) يعني في ليلة القدر منه ( هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) تثنية ( تثبيت خ ل ) لقوله عز وجل : ( إنا أنزلناه في ليلة مبركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) أي محكم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين فقوله فيها يفرق وقوله والفرقان معناهما واحد فان الفرقان هو المحكم الواجب العمل به كما مضى في الحديث ، وقد قال تعالى : إن علينا جمعه وقرآنه . أي حين أنزلناه نجوما فإذا قرأناه عليك حينئذٍ فاتبع قرآنه أي جملته ثم إن علينا بيانه في ليلة القدر بانزال الملائكة والروح فيها عليك وعلى أهل بيتك من بعدك

( 66 )

بتفريق المحكم من المتشابه وبتقدير الأشياء وتبيين أحكام خصوص الوقائع التي تصيب الخلق في تلك السنة إلى ليلة القدر الآتية .
قال في الفقيه : تكامل نزول القرآن ليلة القدر وكأنه أراد به ما قلناه . وبهذا التحقيق حصل التوفيق بين نزوله تدريجا ودفعة واسترحنا من تكلفات المفسرين .

( 67 )

المقدمة العاشرة

في نبذ مما جاء في تمثل القرآن لأهله يوم القيامة وشفاعته لهم
وثواب حفظه وتلاوته

روي في الكافي باسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : يجيئ القرآن في أحسن منظور إليه صورة فيمر بالمسلمين (1) فيقولون هذا رجل منا فيجاوزهم إلى النبيين فيقولون هو منا فيجاوزهم إلى الملائكة المقربين فيقولون هو منا حتى ينتهي إلى رب العزة جل وعز فيقول : يا رب فلان بن فلان أظمأت هواجره وأسهرت ليله في دار الدنيا وفلان بن فلان لم أظمئ هواجره ولم أسهر ليله فيقول تعالى : أدخلهم الجنة على منازلهم فيقوم فيتبعونه فيقول للمؤمن اقرأ وأرق قال : فيقرأ ويرقى حتى يبلغ كل رجل منهم منزلته التي هي له فينزلها . وباسناده عن يونس ابن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الدواوين يوم القيامة ثلاثة ديوان فيه النعم وديوان فيه الحسنات وديوان فيه السيئات فيقابل ديوان النعم وديوان الحسنات فيستغرق النعم عامة الحسنات ويبقى ديوان السيئات فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول يا رب أنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي وتفيض عيناه إذا تهجد فأرضه كما أرضاني . قال : فيقول العزيز الجبار عبدي أبسط يمينك فيملأها من رضوان الله
____________
(1) لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حق عبادته ويتلو كتابه حق تلاوته ويسهر ليله بقراءته والتدبر في اياته وينصب بدنه بالقيام به في صلواته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد ولا يأتي به كما ينبغي .
وبالجملة لا يوافق عمله بما في نيته بل أنزل منه كما ورد في الحديث نية المؤمن خير من عمله . فالقرآن يتجلي لكل طائفة بصورة من جنسهم الا أنه أحسن في الجمال والبهاء ومن الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل وزيادة الاجتهاد في الإتيان بمقتضاه لكان لهم تلك الصورة وإنما لا يعرفونه كما ينبغي لأنهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ولم يعملوا بما هو به حري وإنما يعرفونه بكونه منهم لأنهم كانوا يتلونه في آناء الليل وأطراف النهار ويقرأونه في الإعلان الإسرار وإنما يشفع لمن عمل به وإن كان مقصرا لما كان في نيته من العمل بمقتضاه كما ينبغي . منه رحمه الله تعالى .


( 68 )

العزيز الجبار ويملأ شماله من رحمة الله ثم يقال هذه الجنة مباحة لك فاقرأ واصعد فإذا قرأ آية صعد درجة .
أقول : وفي هذا المعنى أخبار كثيرة ومنها ما هو أبسط من هذا وقد أوردنا نبذا منها في كتابنا الوافي وشرحناها هناك .
وبإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة .
وبإسناده عن الزهري قال : قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام أي الأعمال أفضل قال : الحال المرتحل . قلت : وما الحال المرتحل ؟ قال : فتح القرآن وختمه كلما جاء بأوله ارتحل في آخره ، وقال قال رسول الله صلى الله وآله وسلم من أعطاه الله القرآن فرأى أن أحدا اعطي أفضل مما اعطي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا .
أقول : يشبه أن يكون قوله جاء بأوله كان حل بأوله فصحف .
وبإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية .
وبإسناده عن محمد بن بشير عن علي بن الحسين عليهما السلام ومرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام قالا : من استمع حرفا من كتاب الله تعالى من غير قراءة كتب الله تعالى له به حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن قرأ نظرا من غير صوت كتب الله له بكل حرف حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة ومن تعلم منه حرفا ظاهرا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات .
قال : لا أقول بكل آية ولكن بكل حرف باء أو ياء أو شبههما . قال : ومن قرأ حرفا وهو جالس في صلاته كتب الله له خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيئة ورفع الله له خمسين درجة ، ومن قرأ حرفا وهو قائم في صلاته كتب الله له ماءة حسنة ومحا

( 69 )

عنه مائة سيئة ورفع له ماءة درجة ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخرة أو معجلة قال : قلت جعلت فداك ختمه كله . قال : ختمه كله .
وبإسناده عن ليث بن أبي سليم رفعه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبورا كما فعلت اليهود والنصارى صلوا في الكنائس والبيع وعطلوا بيوتهم فان البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا .